Print this page

شُبهات وتساؤلات حول المرأة(11)

قيم هذا المقال
(0 صوت)
شُبهات وتساؤلات حول المرأة(11)

ظهرت في الآونة الأخيرة أطروحات متعددة حول كيفية ارتباط الرجل والمرأة على ضوء الظروف العصيبة والأوضاع الاقتصادية المتردية للمسلمين، فبعضٌ يقتنع بالزواج المدني، وبعضهم بالمسيار([1]) وبعضهم بالزواج العرفي، وبعضهم بالزواج المنقطع، وقد تعرضت جميع هذه الأطروحات إلى الأخذ والرد، والنفي والإثبات، وفيما يلي بحث عن حقيقة هذه الأطروحات ونظرة الإسلام تجاهها، ثم الحل الأمثل للمشكلة العصرية التي يعيشها المسلمون، ويعاني منها الشباب في المجتمعات الإسلامية والغربية.

* * * * *

الزواج المدني

وهو الزواج الذي يقوم على أساس رفض بعض الأحكام الشرعية المتعلقة به، وسنّ قانون جديد له عبر الحكومة أو مجلس النوّاب أو غيره، بل أن يرجع هذا الزواج بكل تشريعاته وأحكامه إلى القانون ليصوت النواب أو غيرهم على دستوره بما يرونه مناسباً، فما يجدونه مناسباً أقروه وإن كان مخالفاً للإسلام وسائر الأديان، وما يجدونه غير مناسب يرفضونه وإن أقره الإسلام أو أي دين آخر، فزواجهم هذا لا يهم سواء أبعقد شرعي وقع أم بمجرد كتابة على الورق، كما أنه يبيح اقتران المسلمة بكافر وإن كان هذا مخالفاً للقرآن الكريم والسنة المطهرة، واتفاق علماء الإسلام، ويحللون زواج المسلم من الكافرة غير الكتابية وإن منع منه الإسلام.

وقد نادت بهذا النوع من الزواج الدول الأوروبية والأمريكية، وطبقوه في أوساطهم حتى انعدم الزواج في الكنائس إلى حد كبير، وقد نادى بعضٌ في الدول الإسلامية بهذا الزواج، وأراد  التصويت عليه لإقراره، ومع الأسف استجاب لهذا النداء بعض المسلمين، وكثيرون من مسيحيي رعايا الدول الإسلامية.

نظرة الإسلام للزواج المدني

لا شك بأن قوانين الزواج الشرعية خاضعة لمصالح راجعة إلينا، ومنافع عائدة على كل فرد وعلى المجتمع، وأنه تبارك وتعالى إذا ألزم بشيء كان وراء ذلك الإلزام منافع، وإذا منع من شيء، كان وراء ذلك المنع مفاسد، قد لا ندركها  بعقولنا القاصرة، وكم يجهل الإنسان حتى أقرب ما يضره أو ينفعه.

ومن هنا، فإن قانون الإسلام تجاه الزواج لا شك بأن وراءه كل ما ينفع الإنسان، وفيه صلاحه ونظامه، لأنه صادر من الحكيم المطلق، ولا يصدر من الحكيم إلا كل قانون حكيم.

أما القوانين الوضعية من قبل الإنسان فلا تعدو أن تكون اجتهادات بشرية، قد تخطئ وقد تصيب، فلا عصمة عندهم ولا علم لهم بواقع الفرد وتركيبته وما ينفعه وما يضره، ولهذا؛ ففي كثير من الأحيان يكون ذلك القانون مخالفاً للأكثرية.

وبعد هذا العرض الوجيز، يبدو واضحاً أن استبدال القانون البشري بقانون السماء الصادر من معدن العصمة والحكمة الذي قد يصيب وقد يخطئ مجازفة كبيرة.

ومن الخطأ الكبير أن يعتقد المسلم بما يتناقله بعض العلمانيين من أن الشريعة الإسلامية فتحت باب الاجتهاد، فيمكن لعلماء المسلمين أن يجتهدوا ليصلوا إلى ما يجوّز الزواج المدني، إذ النصارى في كثير من بلدان العالم قد أقرّت كنائسهم هذا الزواج، فيمكن والحال هذه أن يقرره المسلمون أيضاً.

فإن في هذا الكلام مغالطة كبيرة، وذلك لأن الأحكام الشرعية الإسلامية نوعان، منها ما هو ثابت بأصوله وفروعه في القرآن الكريم والسنة المطهرة، وبالتالي يكون مجال الاجتهاد فيه ضيقاً ومحصوراً بفهم النصوص الواردة، وكيفية تطبيقها على الواقع، ومنها ما هو ثابت بأصوله في القرآن الكريم، وقد يردُ بعض النصوص الذي يتناول بعض فروعه، لكن مجال الاجتهاد هنا واسع، خاصة حين حصول وقائع جديدة بحسب تطور المجتمعات البشرية، ويكون من واجب الفقهاء معرفة حكم هذه الفروع الجديدة بناءً على الأصول الثابتة.

وأحكام الزواج في الإسلام من النوع الأول، فقد ورد كل ما يتعلق به في نصوص قطعية في كتاب الله وسنة رسوله(ص)؛ ذلك لأن ظاهرة الزواج في الحياة الإنسانية لم تتغير منذ وجد الإنسان، ومن الطبيعي أن يكون تشريعها ثابتاً لا يتأثر بتطورات المجتمعات المختلفة، والمسلم ليس مخيراً في قبولها أو رفضها، فهو إذا رفض أي حكم شرعي، واستبدل به حكماً آخر عن قناعة ورضا فقد عرّض نفسه لمخالفة خالقه، قال تعالى: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلاَ مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ)([2]).

أما قبول المسيحيين لهذا الزواج، فإن أحكام الكنيسة حول الأحوال الشخصية أكثرها اجتهادات بشرية، والقليل منها في الإنجيل، ولذلك فإن المسيحيين يقبلون بالزواج المدني، لأنه في مجمله اجتهادات بشرية يقوم بها المجلس النيابي.

زواج المسيار

ويقصد به الزواج الذي تتنازل فيه الزوجة عن حقها في النفقة والمبيت، إن كان للزوج امرأة أخرى، والظاهر منه هو الاستمتاع، وقد انتشر هذا النوع من الزواج في بلدان الخليج.

وهو زواج يقوم على أساس العقد الشرعي والإشهاد، وتسمية المهر، وقد اختلف علماء السنة في جوازه، فجوّزه بعضٌ بحجة أنه ناتج عقد صحيح وإشهاد ورضى الولي، غير أن بعضهم منعه بحجة أنه يشترط في النكاح الشرعي الإعلان والإشهار، ولا يكفي الإعلان أمام شاهدين، ومن هنا فهو زواج باطل.

أما الشيعة الإمامية، فحيث إنهم لا يشترطون في الزواج الإشهاد والإعلان، بل يتوقف الزواج عندهم على العقد الشرعي وتسمية المهر وموافقة الولي للباكر، فصحته واضحة.

ولكن على الرغم من صحته إلا أنه لا يحقق الغرض الأسمى من الزواج الشرعي، الذي هو حصول السكينة والمودة والرحمة، وبناء كيان للرجل والمرأة، يكون فيه كل واحد منهما مكملاً للآخر، وإنجاب الذرية الصالحة التي تعمر الأرض بطاعة الله تعالى، وهذا ما لا يحققه الزواج المسيار الذي لا يلتقي فيه الرجل والمرأة إلا عند عروض الشهوة.

الزواج العرفي

شاع منذ زمن غير بعيد في بعض البلاد الإسلامية كمصر ولبنان زواج اصطلح عليه بالزواج العرفي، والمقصود منه – حسب الظاهر – الزواج الشرعي المستكمل للشرائط، إلا أنه غير مسجّل قانونياً، وفي محاكم الدولة، ولكنه يقع بالصيغة الشرعية وأمام شاهدين.

وقد اختلف علماء السنة والمثقفون في أنه زواج شرعي ومحقق للشروط بأجمعها أم لا؟، فذهب جمع إلى أنه غير شرعي، لاشتراط موافقة الولي في العقد على المرأة، واشتراط الإشهار والإعلان، ولا يكفي في تحققه إعلانه وإشهاره بين الشاهدين اللذين حضرا مجلس العقد، وذهب آخرون إلى جوازه؛ لأنه واقع عن صيغة شرعية للعقد، والإشهار يكفي فيه إعلانه أمام الشاهدين، مع اعتبار إذن الولي.

وبقي هذا النمط من الزواج يشغل الشارع المصري بالخصوص، فمن جهة نجد كثرة من يقوم بهذا الزواج، وتغلغل كثيراً في الأوساط الجامعية والإدارات العامة بين المديرين والسكرتيرات، ومن جهة أخرى تناقضت آراء وفتاوى علمائهم بين الموافق والمخالف، والنافي والمثبت.

أما من وجهة نظر علماء الشيعة، فإذا كان هذا الزواج بعقد شرعي صحيح، وبإذن ولي المرأة إذا كانت بكراً، فلا إشكال في صحته، وترتب آثار الزوجية على الزوجين، فتستحق المرأة عليه السكنى والقسمة في حال تعدد الزوجات، والنفقة، كما يستحق الزوج الطاعة والتمكين وغير ذلك، وأما إذا لم يكن بعقد شرعي فهو باطل، ولا تترتب عليه آثار الزوجية.

وتسجيل الزواج قانونياً في محاكم الدولة أو عدمه ليس شرطاً في صحة الزواج ووجوده وعدمه لا يؤثر في ماهية الزواج.

لماذا الالتجاء إلى هذه الحلول؟

ويراودنا سؤال، وربما راود الكثيرين أيضاً، لماذا لجأ بعض العلماء في الدول الإسلامية إلى هذه الحلول، وهذه المسميات؟ فتارة يلجؤون إلى زواج المسيار، وأخرى إلى الزواج العرفي، وثالثة إلى غير ذلك؟ إن من الواضح لمن يلجأ إلى مثل هذه الحلول كثيراً، في الغالب لا يريد أن يفقد علاقته مع الله تعالى، ولذا فهو يحافظ قدر إمكانه على العقد الشرعي بضوابطه الميسورة، أما أولئك الذين انغمسوا في الظلمات، وأبعدتهم الذنوب عن الله، فخرج خوف الله من قلوبهم، فقد لجؤوا إلى الحرام من الزنا أو اللواط أو السحاق ـ والعياذ بالله ـ ، وعلى هذا فالمجتمع الإسلامي يعيش في مشكلة كبيرة، تحتاج إلى علاج واسع وكبير، وليست هي إلا المشكلة الجنسية التي تضغط على أعصاب الشباب، فيحاول أن يخفف من عنائه منها بهذه الطرق والأساليب، ففي بعض الدول الإسلامية تشكو النساء من العنوسة بسبب امتناع الرجال من الزواج بهن، فتلجأ إلى المسيار في الأعم الأغلب، لأنها لا تستطيع كبح غرائزها، وفي بعض الحالات تعيش تجربة مع زوجها فيموت أو تطلق فلا يرغب فيها أحد – في الغالب – فتلجأ لإرواء غريزتها إلى زواج المسيار، وهناك بعض الرجال يلجؤون إليه على الرغم من أنه متزوج وله أطفال، ولكن يعيش حالة الحاجة إلى زوجة أخرى، فيلجأ إلى مثل هذا.

هناك من لا يتمكن من الزواج إلا في سنين متأخرة من شبابه، للضغط المعيشي، وغلاء البيوت والمهور، وتكاليف الزواج مما لا يبقى معه أمل لإرواء غريزته في القريب، فيلجأ إلى الزواج العرفي..

والمشكلة الكبيرة التي تهدد شبابنا بشكل فعلي شيوع الفساد والانحلال الخلقي، فماذا نتوقع من شاب في مقتبل الشباب، ويرى الفتاة وقد خرجت بكامل زينتها، وبأجمل ما عندها من ثياب، تُبرز مفاتنها، وما عساه أن يفعل أمام الكثيرات على هذه الشاكلة، كما أن أمامه شبكات فضائية له تنشر كل ما فيه دناءة وحقارة، مما يندى لهُ جبين الإنسانية، من وقائع وأفلام ظهر فيها الإنسان بتمام حيوانيته، وقد انسلخ عن جميع القيم والمبادئ والأعراف.

كما أن الاختلاط الكبير بين الفتيان والفتيات في المدارس، والجامعات والمعاهد على قدم وساق، قد أسقط معه الطرفان جميع الحواجز الشرعية والعرفية والأدبية، فلم تبق نظرة الحياء، ولا أدب الحوار، ولا خوف ولا حياء ولا رادع ولا ارتداع.

فبعد هذا كله، يبقى اللسان قاصراً عن بيان الواقع ماذا عساه أن يفعل؟ وماذا نتوقع منه في مثل هذه الأجواء المفعمة بالخلاعة والانحطاط؟. هنا نجد صراعاً كبيراً يعيشه هذا الشاب وتلك الفتاة بين وازع الغريزة الطبيعية التي توفرت لها الأجواء الملائمة والمناخ الخصب لهيجانها، وبين خوف الله تعالى الذي حرّم النظرة واللمسة والزنا، وبين بُعد الأمل في الزواج المقبول شرعاً وعرفاً، فهل يلجأ إلى الصيام؟؛ وقد جربه الكثير ولم ينتفع، لأن الصيام يكبح الشهوة إذا لم يكن هناك محرك خارجي يضرب بمطرقته، بل بمطارقه على الوتر الحساس، أم يهجر المجتمع ويتخلى عن دراسته أو عمله، ويقبع في حجرته منعزلاً عن كل مظاهر الحياة؟ أم نقول له: عليك بالصبر، وهو يرى أن لا طاقة له عليه، ومقتنع جداً في أنه أخفق مرات ومرات في التصبر.

إنه بحاجة إلى علاج جذري، فلذا ظن بعضٌ أن العلاج في أن يطلق العنان لنفسه دون خوف أو مراقبة من الله تعالى، تاركاً وراءه التدين والالتزام، وبين من يظن أن الزواج العرفي أو المسيار هو الحل الأنسب، والمتيسر في ظروفه التي يعيشها، وأعتقد أن في المستقبل ستولد أطروحات أخرى، طمعاً للوصول إلى الحل الذي يحافظ من خلاله الفرد على الالتزام والتدين، لكي يجد منه منفذاً لغرائزه التي خلقها الله تعالى في طبيعته.

مقارنة بين الحلول المطروحة

كل ما ذكرناه من أنواع الزواج المطروح حالياً في المجتمع الإسلامي ما عدا الزواج المدني هو في الواقع يشبه الزواج المنقطع أو المؤقت في الفقه الجعفري، فنرى أن أنواع الزواج عند إخواننا أهل السنة الذي عرف عندهم تارة بالزواج بنية الطلاق([3]) وتارة بالزواج العرفي وتارة اشتهر بالزواج المسيار، يشبه كثيراً الزواج المؤقت وإن لم يسم بذلك، كما صرح بذلك كثيرون من علماء إخواننا أهل السنة، منهم: الدكتور القرضاوي والدكتور عبد العزيز في كتابه (الأنكحة الفاسدة) ([4]) وغيره من العلماء في العصر الحاضر والعصور السابقة.

قال الدكتور عبد العزيز في كتابه (الأنكحة الفاسدة) ما يلي: Sإن النكاح بنية التوقيت دون اشتراط التوقيت باللفظ صحيحR. وقد نقل ذلك أيضاً عن (نيل الأوطار) للشوكاني وكتاب الأم للشافعي، ثم نقل رأي الإمام مالك في ذلك، فقال: Sسئل مالك عن الرجل يتزوج المرأة وفي نفسه أن يطلقها بعد فترة وهي تعلم بمقصوده من غير أن يتلفظ به؟ فقال مالك: يجوز([5])R.

الإسلام والحل

يعتقد المسلمون أن الإسلام العظيم لم يترك مشكلة إلا ونظّر في حلها وعلاجها، فما من ملمة سواء أ على الصعيد الفردي كانت أم الاجتماعي، وسواء اقتصادية كانت أم اجتماعية أم فكرية أم سياسية، وسواء أ عملية كانت أم نظرية، إلا وقد أشبعها حلاً وعلاجاً، فلم يترك شيئاً إلا وتجسد فيه الخير والصلاح والسعادة.

ولمثل هذه المشكلة النازلة في شباب وشابات المجتمع الإسلامي، شرّع حلين:

الحل الأول: تيسير وتسهيل الزواج

فلو نظرنا إلى واقع المسلمين نجده قد أحيط بهالة من التقنين والتشريع البعيد بشكل أو بآخر عن روح الإسلام ومبادئه، فسنة الزواج تعرضت إلى متطلبات، دعا الإسلام إلى نبذها والتخلي عنها وهي:

أولاً- غلاء المهور: لقد تحول المهر في المجتمع الإسلامي من كونه هدية من الزوج إلى زوجته، وأنه عربون إخلاصه ومحبته لها إلى ثمن يخضع للزيادة والنقيصة، ويحكم في مسألة قبول الرجل زوجاً كأساس لا يقهر، ولا يتخلى عنه، فمن يدفع أكثر كان له شرف الفوز بالفتاة، وأما من لا يملك ذلك المقدار فلا يحق له طرق الباب والخطوبة، فضلاً عن الزواج.

ولقد لعب تزايد المهور وغلاؤها دوراً مهماً في التقليل من انتشار الزواج بشكل مبكر في الأوساط؛ لأن على الشاب بعد تخرجه أن يعمل سنوات لتحصيله وجمعه، هذا  إن قدر له أن يجمعه.

ومع الأسف، فأولياء الأمر من الآباء والأمهات لا يتفهمون هذه المحنة، فيضربون بالأرقام الخيالية، ظناً منهم أن هذا يعزز من مكانة البنت، ويعلي جاهها وشرفها وسمعتها.

ولقد انتشرت هذه الظاهرة الغريبة في المجتمع الإسلامي إلى حد أن من يطلب لبنته مهراً معقولاً ومقدوراً، يظن الكثيرون في مجتمعه أن هذا دليل نقصها، أو وجود عيب فيها، أو أي شيء يشير إلى دونيتها.

بينما الإسلام ينادي إلى تقليل المهور ورحمة الشباب فيه، وهناك كم كبير من البيانات النبوية لمجتمع البشرية بتقليل المهور، فقد جاء عن النبي(ص) قوله: «خير الصداق أيسره»([6])، وقال(ص): «إن من يمن المرأة تيسير خطبتها، وتيسير صداقها، وتيسير رحمها»([7])،  وقال: «أفضل نساء أمتي أصبحهن وجهاً وأقلّهن مهراً»([8])، إلى غير ذلك من الأخبار ، فأحد علاجات المشكلة المستعصية عند الشباب هذه التي دعا الإسلام إلى التساهل والتياسر فيها.

ثانياً- المتطلبات غير المعقولة: يطلب من الشاب في أيامنا هذه عندما يتقدم للزواج مبالغ طائلة لشراء ما يصطلحون عليه من لبس بدن الزوجة، وغرفة النوم، وحلي في الخطوبة والعرس و.. و... وكأن الشاب مطلوب منه أن يقدم على حتفه رغم أنفه في العمل المتواصل لتوفير هذه المبالغ، أو يترك الزواج إلى أن يرتب كل هذه المتطلبات، ولو أدى إلى أن يتقدم به العمر إلى أن يذوي شبابه.

فهل هذه متطلبات الحياة الزوجية؟ وهل هذه هي السعادة الواقعية للمرأة؟ أم أن الدين والخلق هما الميزان ومقياس السعادة في الحياة الزوجية، قال رسول الله)(ص): «إذا جاءكم من ترضون خلقه ودينه فزوجوه([9])، (إِلاّ تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الأرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ)، وقال الإمام الرضا (ع): «إن خطب إليك رجل رضيت دينه وخلقه فزوجه، ولا يمنعك فقره وفاقته؛ قال الله تعالى: (إِن يَكُونُواْ فُقَرَآءَ يُغْنِهِمُ اللهُ مِن فَضْلِهِ)([10]).

إذاً فالحل الأمثل لرفع تلك المشاكل التي حدت بالشباب تارة إلى الفساد والانحلال، أو الانخراط في المعصية والضلال، وأخرى إلى زيجات تخلصهم من تبِعة النفقات والتكلفات والتعقيدات، والحل الأمثل هو الرجوع إلى أصالة الشريعة في تزييف كل ما يعيق من الإقبال على الزواج الشرعي المقبول عرفاً، بتيسير المهور، وتخفيض المتطلبات الخارجة عن مقدرة شبابنا.

 

الحل الثاني الزواج المنقطع

وهو الزواج الذي شرّعه الله (عز وجل) للمسلمين، وقد أجمع المسلمون على مشروعيته، ومجيء القرآن به؛ حيث قال تعالى: (فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنّ فَآتُوهُنّ أُجُورَهُنّ فَرِيضَةً)([11]).

حيث اتفق المفسرون وأئمة الحديث على أنها نزلت في النكاح المنقطع، وقد روى الفريقان أحاديث كثيرة، تؤكد مشروعية هذا النكاح وجوازه مطلقاً، وإنما جاء الخلاف بينهم في نسخ هذه الآية أو نهي النبي(ص) عنه بعد ذلك، فذهبت الإمامية إلى بقاء مشروعيته لعدم ثبوت النسخ، مع أنه لو كان لبان وعرف ووصل إلينا، وكذا روايات الفريقين تؤكد أن هذا النوع من النكاح بقي واستمر إلى أن نهى عمر بن الخطاب عنه، منها ما جاء عن جابر بن عبد الله الأنصاري قال: كنا نستمتع بالقبضة من التمر أو الدقيق لأيام على عهد رسول الله(ص)، وأبي بكر حتى نهى عنه عمر في شأن عمرو بن حريث([12])، والحادثة معروفة ومشهورة.

وحقيقة هذا النكاح أن المرأة الحرة الكاملة تزوِّج نفسها، أو يزوِّجها وكيلها، أو وليّها لرجل لا يكون بينها وبينه مانع شرعي، بمهر معلوم إلى أجل مسمى بالرضا والاتفاق، وتبين عنه بانقضاء الأجل، أو بأن يهب الرجل ما بقي من المدة لها، وتعتد المرأة منه بحيضتين إن دخل بها، إذا لم تكن يائسة.

ولا توارث بينهما ولا قسمة ولا نفقة إلا مع الشرط، ولا يحتاج هذا الزواج إلى طلاق، بل تبين عنه كما قلنا بانتهاء الأجل المضروب أو هبته المدة، وهو كالنكاح الدائم بحاجة إلى الصيغة الشرعية من إيجابها وقبوله، وهو عقد ينشر الحرمة كالدائم، فإن المتمتع بها تحرم أمها على زوجها، وكذا ابنتها وبنات أولادها، ولا يجمع فيه بين الأختين، كما أن الولد المتولد منه ولد شرعي تجب على الزوج حضانته، ونفقته والاعتراف به أبداً، كالعقد الدائم، ولكن مرت على هذا النوع من الزواج مجموعة من التساؤلات والشبهات.

وفيما يلي عرض موجز لهذه الشبهات والرد عليها:

الشبهة الأولى

إن الزواج المؤقت يُعدُّ امتهاناً للمرأة، لأن المرأة في النكاح المنقطع تعتبر مستأجرة، وهو نوع من استئجار الإنسان للإنسان وتصبح المرأة وسيلة، ولعبة بيد الرجل تباع وتشترى!!

والجواب عن هذه الشبهة من ثلاث جهات:

أولاً: أن قيمة المرأة بإنسانيتها وإيمانها وشرفها وعفتها، والزواج المؤقت لا ينافي كل ذلك، بل على العكس تماماً، فإن المرأة التي تختار الطريق الشرعي في إشباع غرائزها، وقضاء حوائجها، لأجل أن تحصن نفسها، وتدفع عن نفسها الحرام والسفاح والفساد، فتلك المرأة لا تخرج بذلك عن شرفها وعفتها وعزتها وكرامتها، أضف إلى ذلك أن عقد النكاح المؤقت لا يختلف عن العقد الدائم في الاحتياج إلى رأيها وإرادتها، فلا يفرض عليها، ولا تقهر عليه حتى تكون مستأجرة أو ألعوبة بيد الرجال، ومن أراد أن يشاهد استئجار المرأة وعبوديتها وامتهانها فعليه أن يقوم بجولة في الدول الغربية، أو حتى الشرقية ليتعرف إلى معنى امتهان المرأة، وكيف يستخدم جمالها وجسدها وصورتها، وفنها كوسيلة منحطة لتضليل المجتمع، وكيف يستأجرون جسدها، ومفاتنها لتضليل الشباب والبنات دونما شعور أو إحساس بالنكبات والعواصف التي يشرّقون بها ويغرّبون.

وثانياً: لم يشرّع النكاح المنقطع لخدمة الرجل فحسب، حتى يعتبر تحقيراً واستئجاراً للمرأة، بل هو في صالح المرأة كما في صالح الرجل، لقد شرّعه الإسلام خدمة للنوع البشري، فكما أن الرجل يمتلك غرائز في طبيعة خلقه ومن حقه إشباعها بالشكل المشروع، ويخاف من أن توقعه في الحرام، ولا يجد مجالاً للزواج الدائم لما يحمل من كلفة وتكاليف، فكذلك المرأة تحمل غرائز من حقها إشباعها، وتخاف على نفسها من الوقوع في الحرام، فمصلحة هذا النكاح للرجل والمرأة على حد سواء.

وثالثاً: أن مفتاح هذا النكاح كالنكاح الدائم بيد المرأة، فهي الموجبة لهذا العقد والرجل هو القابل، فما لم تقل: (زوّجتك نفسي)، لا يحق للرجل منها شيء، فهي إن شاءت عقدت لنفسها، وإن شاءت لم تعقد، فأين الاستئجار واللعب؟!

الشبهة الثانية

أن الزواج المؤقت قد يُحدث فوضى في الأنساب أولاً، وقد يُحدث الخلاف على الأولاد ثانياً، فماذا بعد ذلك؟!

ويجاب عن ذلك، بأن الإسلام أوجب على المتزوجة بالزواج المنقطع العدة، ولا يجوز لها أن ترتبط بآخر إلا بعد إكمال العدة، وبتمامها تعرف خلوها من الحمل، وعلى هذا، فلا اختلاط في المياه ولا فوضى في الأنساب.

وكذلك في حالة الحمل والولادة من النكاح المؤقت، فالولد لأبيه وأمه، ولو أنكره فللمرأة حق الترافع إلى الحاكم الشرعي، فتثبت بما تمتلكه من دلائل وبينات زواجها منه، ونسبة الولد إليه، ولو كانت لا تمتلك بينات ودلائل، فيوجه القاضي اليمين إليه لنفي الزواج منها، وإذا تجرأ الزوج وحلف، وهذا ممكن الحدوث، فالله تعالى أولى بهما، لكن هذا ليس إشكالاً في النكاح المنقطع فحسب، بل قد يحصل في النكاح الدائم إذا لم تكن عند المرأة أدلة على ثبوته.

الشبهة الثالثة

يعتقد بعضٌ أن النكاح المؤقت شيء يستقبحه العرف، والنفس تستهجنه، وقد استند في ذلك على أن لا أحد يرضى أن يُستمتع بابنته وأخته.

قبل أن نرد على هذه الشبهة ينبغي أن نقدم مقدمة، وهي: أنّا كثيراً ما نشاهد شخصاً يكره شيئاً، ولكنه لا يكون صائباً فيما يكره، وكثيراً ما نراه يحب شيئاً وأيضاً يكون مخطئاً في ذلك، وقد أشار القرآن الكريم إلى هذه الحقيقة بقول الله تعالى: (وَعَسَىَ أَن تَكْرَهُواْ شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لّكُمْ وَعَسَىَ أَن تُحِبّواْ شَيْئاً وَهُوَ شَرّ لّكُمْ وَاللهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ)([13]).

وهذا تأكيد واضح أن الحب والبغض، والقبول والرفض ليسا معياراً للصواب، ولا ميزاناً للحق، وبالتالي فهما إذاً ليسا مورداً لاختلاف التشريع باختلافهما، وعليه فليس كل  ما لا يقبله العرف ينبغي أن يحرّمه الشرع.

وعليه، فعدم قبول هذا النوع من النكاح عند بعضٍ لا يبرز عدم مشروعيته، ويكفي إقرار النبي  (ص)والأئمة  وهم سادة العقلاء به، وقيام كبار الصحابة به، فهو خير دليل على مشروعيته.

الشبهة الرابعة

أن الزواج المنقطع يوجب انهدام العوائل والأسر، وتفكيك الترابط بين الزوج وزوجته الدائمة لو اطلعت على أنه قد عقد على أخرى عقداً منقطعاً، فهو إزعاجٌ للأسرة وإرباكٌ للعلائق.

والجواب عن ذلك أنه من الواضح جداً أن الرجل لو تزوج ثانية بعقد دائم فيؤدي هذا - في الأعم الأغلب - إلى مشاكل واضطرابات بينه وبين زوجته الأولى، ومع ذلك لم يحرّم الإسلام الزواج الدائم من الثانية، ولم ينكر أحد الزواج الدائم بالثانية أو الثالثة.

أضف إلى ذلك أن الزواج المؤقت أقل خطراً على الزوجة الأولى من الزواج الدائم بالثانية، لأن المتمتع بها ليست شريكة كاملة، حيث إنها لا ترث ولا تجب لها نفقة، ولها مدة تنتهي زوجيتها بانتهائها وهكذا.

نحن لا ندعو المتزوج إلى إقامة الزواج المنقطع ما دام سعيداً في حياته الزوجية، وتتوفر له جميع متطلباتها، وبينه وبين زوجته الوئام والتفاهم، ولكن نطرح حلاً إسلامياً لمن لا يتمكن من الزواج الدائم، ولا يتمكن من الجهة المادية والاقتصادية من تأسيس حياة زوجية مستقرة، فهنا بدلاً من ضياع دينه، وضلاله وانحرافه بسبب توقّد الرغبة عنده، يلجأ إلى هذا الزواج، كحل مؤقت لمشكلته حيثما يمكنه الزواج الدائم.

إيجابيات وسلبيات الزواج المؤقت

قد يثير الزواج المؤقت بعض المشاكل التي تتأثر بها الحياة العائلية أو الحياة الاجتماعية، ولكنها ليست بالدرجة التي تنسف الحياة العائلية، أو تسبب فوضى اجتماعية، وهذا أمر طبيعي، كما أن الزواج الدائم نفسه قد يخلق مشاكل شتّى؛ فيما إذا اضطر الزوج لاختيار أكثر من زوجة، وهذه المشاكل والسلبيات هي في الواقع مشاكل، وصعوبات في كيفية تطبيق الحكم وتنفيذه، لا في نفس الحكم. والزواج المؤقت من الأحكام التي تكون ايجابياتها أكثر من سلبياتها، ولكن أُسيئ استخدامها وتطبيقها، فأصبحت في أعين الناس قبيحة، ولا ينظرون إلى هذا الزواج إلاّ بعين النقد، ولا يبحثون إلاّ عن سلبياته مع قلتها، ولا ينظرون إلى إيجابياته على كثرتها، فتراهم لا يستغربون من الزنا كاستغرابهم من زواج المتعة،مع أنّه الحل الإسلامي الجذري للمشكلة الجنسية التي يعاني منها الشباب، والتي تهدد الإنسانية بالانحلال والانهيار الكامل، فالمتعة أو الزواج المؤقت الذي شرّع في الإسلام مع ما فيه من بعض السلبيات الجانبية هو الحل الأمثل بل الحل الوحيد (بعد الزواج الدائم) لهذه المشكلة مع عدم القدرة على الزواج الدائم بشرط عدم الإساءة في التطبيق.

ومن الملاحظ أن جميع من أنكر المتعة، أو طعن فيها أو تحامل عليها، أو كتب ضدها أو تكلم عنها بما لا يليق بها، ويخرجها عن كونها نكاحاً، إنّما وقع فيما وقع بسبب عدة أمور:

منها ـ الجهل بها وبأحكامها، والغاية من تشريعها، والغفلة عن شروطها وآدابها وحدودها، والناس ـ كما قال الإمام أمير المؤمنين(ع): ـ أعداء ما جهلوا.

ومنها ـ مشاهدة بعض الآثار والعواقب السيئة لبعض التطبيقات المشوهة لها.

ومنها ـ رؤية بعض الاستعمالات الخاطئة واللامسؤولة؛ البعيدة كل البعد عن روحها وحقيقتها.

مما أحدث لهؤلاء المنكرين... صدمة شديدة وردّة فعل عكسية قاسية ضدها دفعتهم للنيل منها، وانتقاصها والتهجم عليها، علماً أن حالها حال أي تشريع وقانون جميل قد يساء استخدامه وتطبيقه، فيظهر بصورة قبيحة وسيئة.

لكن لأي سبب كان مما ذكرنا، فليس ذلك مبرراً للتحامل عليها أو بطلانها، لأن سنن الله وتشريعاته غير متوقفة على رأي الإنسان ورغباته، وإنما متوقفة على المصلحة العامة وأمن المجتمع.

إيجابيات الزواج المنقطع

وفي عصرنا هذا تظهر الفائدة والمصلحة العامة، والحاجة إلى هذا النوع من النكاح أكثر من العصور السابقة، بسبب كثرة الفسق والفجور، والاختلاط والسفور في المجتمع، ومن هنا تظهر أهمية الزواج المؤقت أكثر من ذي قبل، فنرى أن هذا النوع من الزواج ليس الهدف منه فقط قضاء الشهوة بل هو زواج شرعي أقل مسؤولية من الزواج الدائم، ولذا نرى أن هذا الزواج يحل مشكلة طلاب العلم والمعرفة، الذين يريدون أن يصلوا إلى المراحل العالية من العلم، وربما يكون الزواج الدائم يحول بينهم وبين تحقيق طموحاتهم، لكثرة مؤونته، ويحل مشكلة المسافر الذي يستغرق سفره مدة طويلة، وهو بعيد من زوجته، كما أنه يحل مشكلة المرأة الأرملة والمطلقة والعانس، وأمثالهن من النساء اللاتي لا يرجون الزواج الدائم بسبب ظروفهن الخاصة، أو غير ذلك من الحالات التي يكون فيها الزواج المنقطع رحمةً للناس، لئلا يدخلوا في ما حرم الله. وعندها يبقى المجتمع الإسلامي سالماً وسليماً من كل الشوائب والأمراض الجسمية والنفسية، ويحافظ على الأعراض والأنساب.

 

 

 

 

 

 

[1] ـ سيأتي تعريف زواج المسيار في الصفحات الآتية.

[2] ـ الأحزاب: 36.

[3]ـ هو الزواج الذي يكون مؤقتاً من جانب الرجل ودائماً من جانب المرأة، وعند انتهاء المدة التي أضمرها الزوج في نفسه دون علم أحد غيره فيها، يفاجئ زوجته بالطلاق.

[4]ـ الأنكحة الفاسدة: 2: 644ط عمان 1983م.

[5]ـ فتح المعلى: 1: 415.

[6] ـ كنز العمال: 44707، 44721، 44731.

[7] ـ نفس المصدر.

[8] ـ نفس المصدر.

[9] ـ الكافي 5: 347.

[10]ـ النور: 32.

[11] ـ النساء: 24.

[12] ـ صحيح مسلم: 4: 131.

[13] ـ البقرة: 216.

قراءة 2569 مرة