Print this page

شُبهات وتساؤلات حول المرأة(30)

قيم هذا المقال
(0 صوت)
شُبهات وتساؤلات حول المرأة(30)

تولي المرأة لرئاسة الدولة...؟!

منعت المرأة على مر التاريخ من التعاطي مع القضايا السياسية، وهذا يعني حرمانها من الوعي السياسي المطلوب لها، كما منعت من المشاركة في إدارة النظام السياسي الحاكم، والسؤال الذي يطرح هنا لماذا لا يجوز للمرأة أن تتولى قيادة الدولة الإسلامية؟

***

  أهلية المرأة للعمل السياسي

نحن بين فريقين: فريق متشدد ينادي بشعار (ما للمرأة والسياسة؟)، وفريق آخر يرفع شعار (المرأة ودورها السياسي).

والمخالفون لدخول المرأة في العمل السياسي يقولون:إن المرأة خلقت لمهمة واحدة فقط، هي مهمة البيت ولا علاقة لها بخارجه، وهي غير مؤهلة أصلاً للعمل السياسي، بل العمل السياسي مفسدة لها، ولهذا دعاها الإسلام إلى المكث في بيتها.

والمؤيدون لدخول المرأة في العمل السياسي يقولون: إن المجال السياسي لا يختلف أبداً عن المجال الاجتماعي والثقافي والاقتصادي، فكما يمكن للمرأة الدخول في هذه المجالات، كذلك يمكنها الدخول في هذا المجال دون أدنى فرق.

وكما أن العمل السياسي يترك أثره في الرجل، كذلك يترك أثره في المرأة، فكان لها الحق في رسم أوضاعه والتدخل بشؤونه، وكذلك فإن نوع نظام الحكم يترك أثره في المرأة، فلماذا لا تشارك في رسم أوضاعها العامة.

كما أنه دعا الإسلام المرأة إلى المشاركة في الحياة الاجتماعية، والسياسية والاقتصادية عبر رسمه لصورة الحجاب، حيث جعل لها زياً خاصاً يمكنها من خلاله أداء أدوارها في مختلف شؤون الحياة، والخوض في شتى مجالاتها.

الحقوق السياسية للمرأة المسلمة

وهناك جملة من الآيات القرآنية تؤكّد أهلية المرأة للعمل السياسي، كما تؤكد حقّها في ذلك، وهذه جملة منها:

الآية الأولى - ما دل على حق البيعة، قال تعالى: (يَا أَيّهَا النّبِيّ إِذَا جَآءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَىَ أَن لاّ يُشْرِكْنَ بِاللهِ شَيْئاً وَلاَ يَسْرِقْنَ وَلاَ يَزْنِينَ وَلاَ يَقْتُلْنَ أَوْلاَدَهُنّ وَلاَ يَأْتِينَ بِبُهُتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنّ وَأَرْجُلِهِنّ وَلاَ يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ فَبَايِعْهُنّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنّ اللهَ إِنّ اللهَ غَفُورٌ رّحِيمٌ)([1])، وهذه الآية منحت المرأة حق التصويت والانتخاب، ذلك الحق الضائع للمرأة المسلمة في كثير من بلاد المسلمين، والحق المسروق أيضاً من المرأة غير المسلمة في بقاع أخرى.

الآية الثانية - ما دل على حق الهجرة، قال تعالى:(يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُواْ إِذَا جَآءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنّ اللهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنّ مُؤْمِنَاتٍ فَلاَ تَرْجِعُوهُنّ إِلَى الْكُفّارِ)([2])، وقد منحت المرأة حق اللجوء السياسي، الحق الذي منحته الأمم المتحدة عام 1948.

الآية الثالثة - ما دل على منحها حق المشاركة في المؤتمرات السياسية، والهيئات والتنظيمات، وبما يصطلح عليه الآن مسيرات التأييد والرفض والاعتصامات وغيرها، قال تعالى: (قُلْ تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَآءَكُمْ وَنِسَآءَنَا وَنِسَآءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وأَنْفُسَكُمْ ثُمّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لّعْنَةُ اللهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ)([3]).

الآية الرابعة- ما دل على تكليف الحاكم الصالح الاستماع إلى شكاوى الرعية، وتمنح المرأة حق المشاركة في صنع القرار عبر إبداء الرأي في القضايا المطروحة والمعاصرة، قال تعالى: (قَدْ سَمِعَ اللهُ قَوْلَ الّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِيَ إِلَى اللهِ وَاللهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمآ إِنّ اللهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ)([4]).

الآية الخامسة- وقد دلت  على تثبت الأدوار الاجتماعية للمرأة والرجل ومسؤوليتهما الشرعية أمام الإصلاح بكل أنواعه، وتؤكد واجبات المرأة السياسية، قال تعالى: (الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَآءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ)([5]).

هذه حقوق موجودة في الكتاب المبين منحها الله تعالى للمرأة، ولا أدري لماذا سرقت وهمّشت، وأهملت، وبالتالي أسيء فهم الإسلام، وتمرد عليه الكثيرون مع أن الإسلام رافعها إلى عزّ مقام الإنسانية المقدس.

تولّي المرأة لرئاسة الدولة

يبدو أن الفقهاء متسالمون في الجملة على مشروعية قيام المرأة ببعض مهمات اجتماعية واقتصادية، وحتى سياسية محددة بحيث لا يؤثّر ذلك في مهمّتها الأساسية في المجال العائلي، ولكن مجال العمل السياسي للمرأة كتولي المرأة لرئاسة الدولة هو الذي اختلف الفقهاء فيه، فمنهم من جوّزه، ومنهم من يفصل بين أنواع العمل السياسي، ولكنّهم متّفقون ظاهراً على أنه لا يمكن للمرأة شرعاً تولّي رئاسة الدولة، إذ يشترطون فيها الذكورة. وإن كان للنقاش في ذلك مجال واسع.([6])

الأول: الكتاب العزيز

حيث استدل الفقهاء بجملة من الآيات التي تدل على منع المرأة من تولي الرئاسة العامة، ونذكر على سبيل المثال آيتين: الآية الأولى: قال تعالى: (... وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ)([7])، فإنّ كون الرجال أعلى درجةً من النساء يقتضي اختصاصهم بالأهلية لرئاسة الدولة، وعدم أهلية النساء لذلك، ولو فرض كون المرأة رئيسة، فهذا يعني أن المرأة لها على الرجل درجة أو درجات.

والآية الثانية: قوله تعالى: (الرِّجالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّساءِ بِما فَضَّلَ اللهُ بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ وَبِما أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوالِهِمْ)([8])، وقد استدلّوا بها على عدم أهلية المرأة لتولّي الرئاسة بأن الرجال قوامون على النساء، ومن أبرز مصاديق هذه القيمومة تولّي الرئاسة العامة، وقد علّلت الآية هذه القيمومة بأمرين:

أحدهما: أن الله فضّل الرجال عليهنّ بأمور كثيرة...، ولذلك خصّوا بالنبوّة والإمامة والولاية.

وثانيهما: كون الشارع المقدس أوجب نفقة النساء على الرجال([9]).

ولكن الاستدلال بهذه الآية على اختصاص تولي الخلافة بالرجال موقوف على إثبات القيمومة المطلقة لهم على النساء، أما إذا كان مدلول الآية مختصَّاً بالقيمومة في مجال الحياة الزوجية فلا تدل على ذلك إلاّ قرائن أخرى تفيد التعميم.

 الثاني: السنة الشريفة

حيث استدل بجملة من الروايات على المنع من تصدي المرأة للرئاسة، منها ما رواه الحراني في تحف العقول: «لن يفلح قوم أسندوا أمرهم إلى امرأة»([10])، وما رواه البخاري عن أبي بكرة قال: «لمّا بلغ رسول الله(ص)  أهل فارس قد ملّكوا عليهم بنت كسرى قال: «لن يفلح قوم ولُّّوا أمرهم امرأة»([11]).

ومن تلك الروايات ما رواه الشيخ الصدوق في الخصال عن الإمام الباقر (عليه السلام): «... ولا تُولَّّى المرأة القضاء ولا تلي الإمارة...»([12]).

نعم، للمناقشة في مجمل الروايات من سندها ومدلولها مجال واسع، ولكن لا يسع المجال ذكره في هذا المقال.

الثالث: العقل وتولي المرأة لرئاسة الدولة

هناك خصائص في المرأة تحول دون توليها الرئاسة العامة، وهي:

الأولى: التركيب الفسيولوجي، وهي الخصوصية التي تتعلّق بطبيعة المرأة، فإن الرجل والمرأة يختلفان في بعض الخصائص الجسمية والنفسية، وهذه الفوارق تقتضي اختلافهما في مهمّات الحياة والمجتمع، فإن تركيبة المرأة الجسمية والنفسية عادة تجعلها غير مؤهلة لممارسة العمل القيادي في مستوياته العالية والعامة، الذي يحتاج إلى جهد بليغ وصبر كبير، وتحمل المشاق والشجاعة والقدرة، وكل ذلك في المرأة عزيز، بخلاف الرجل الذي يتمتع بذلك في الغالب.

الثانية: الظروف العائلية والاجتماعية التي تعيشها المرأة تمنعها من التصدّي لهذه المسؤولية المهمّة.

مع هذين العاملين الأصليين، هناك عوامل أخرى كصعوبة العمل القيادي التنفيذي لإدارة الدولة الذي يحتاج إلى فراغ بالٍ وقوّة عقل وتدبير بعيد من العواطف والأحاسيس، وحنكةٍ سياسية وثبات في المواقف وجرأة في إبداء الرأي وشجاعة في تطبيق القانون، وهذا – في الأغلب – غير ميسور في المرأة وربما يكون كل ذلك أسباباً في المنع الشرعي من تولّي المرأة الحكم والقيادة.

إذاً، لا يحقّ للمرأة أن تتولّى رئاسة الدولة، ولا يعني ذلك انتقاصها أو أنها إنسان من الدرجة الثانية، بل الدين الإسلامي دين النظام والمسؤوليات، ولكل مسؤولية كادرها الخاص، ففقدان صفة ما في شخص لا يدل على انتقاصه واحتقاره كما هو واضح جداً في سيرة العقلاء، وفي الأنظمة العامة. نعم، يحق للمرأة أن تقوم بمهمّات أخرى في الحياة العامة في المجال الاجتماعي والاقتصادي والسياسي، إلى جانب مهماتها الأساسية في نطاق الحياة العائلية، ففي مجال العمل السياسي يجوز للمرأة أن تبدي رأيها وتشارك في الانتخابات البلدية والنيابية والرئاسية، ويحق لها أن تتولّى منصباً تمثيليّاً في المجلس النيابي، وتتولّى مسؤولية أخرى في الأمور الإدارية أو الوزارية، وهناك مجالات كثيرة للمشاركة وحضورها في المجتمع الإسلامي.

وختاماً

ونحن إذ نعيش اليوم في كنف الحكومة الإسلامية برعاية قيادة حكيمة كآية الله العظمى الإمام الخامنئي نجد السبل مهيئة للنمو والتطور في كافة المجالات، السياسية والاجتماعية والعلمية والثقافية، ونجد في ذلك فرصة للنساء للمشاركة والحضور في جميع هذه المجالات، ليبرزن كفاءاتهن وقدراتهن وإبداعهن مع مراعاة القيم الإسلامية ليصلن بذلك إلى المواقع المتقدمة التي تليق بهن، وقد أكد الإمام الخميني الراحل  وسماحة القائد الإمام الخامنئي المشاركة والحضور الاجتماعي والسياسي للنساء، ونحن نشير إلى بعض ما جاء من كلامهما الحكيم، نختم به بحثنا هذا:

يجب أن تشارك النساء إلى جانب الرجال في النشاطات الاجتماعية والسياسية.

الإمام الخميني

يجب أن نطرح اليوم السؤال التالي: لماذا لا تتولى النساء المسؤوليات والمناصب الحساسة، الطريق ممهد أمام النساء... ونحن لا نرى أي مشكلة أمام حضور السيدات.

 الإمام الخامنئي

 

[1]ـ الممتحنة: 12.

[2]ـ الممتحنة: 10.

[3]ـ آل عمران: 59.

[4]ـ المجادلة: 1.

[5]ـ التوبة: 71.

[6]ـ وظهر أخيراً النقاش الفقهي حتى في هذا، وممّن تناول هذا النقاش الشيخ محمد مهدي شمس الدين، في كتابه : أهلية المرأة لتولّي السلطة، والاستاذة منيرة كرجي في مقال لها في مجلة الثقافة الإسلامية العدد 26 تحت عنوان: المرأة وتولّي الحكم، (دراسة لقصة بلقيس تلك الملكة التي حكمت بلادها بالمشورة والعدل).

[7] ـ البقرة: 228.

[8] ـ النساء: 34.

[9] ـ مجمع البحرين، مادة قوم 6: 142.

[10] ـ تحف العقول 435، الخلاف 3: 311.

[11] ـ كتاب المغازي من صحيح البخاري 3: 90،  وفي بحار الأنوار 32: 194.

[12] ـ الخصال: 35، الوسائل 20: 220، مقدّمات النكاح، الحديث الأول.

قراءة 1999 مرة