Print this page

ما هي أسباب زوال المودّة بين الإخوة؟

قيم هذا المقال
(0 صوت)
ما هي أسباب زوال المودّة بين الإخوة؟

1- المراء
وهو في اللغة أن يطعن الرجل في قول الآخر تزييفًا للقول، وتصغيرًا للقائل على نحو الاعتراض.
 
فإنّ أقلّ ما يمثّله هذا التعامل السيّىء هو التكذيب والإهانة وتقزيم الآخر، مع أنّه من حقّه أن يُحترم ويُوقّر ويصدّق، فكيف تدوم الأخوّة والمودّة دون احترام وكرامة؟

وممّا جاء في ذلك عن الإمام علي الهادي (عليه السلام): "المراءُ يُفسِدُ الصداقةَ القديمةَ، ويحلُّ العقدةَ الوثيقةَ، وأقلُّ ما فيه أن تكونَ فيه المغالبة والمغالبةُ أسُّ[1] أسبابُ القطيعةِ"[2].
 
2- إطاعة الواشي[3]
عن الإمام عليّ بن أبي طالب (عليه السلام): "من أطاعَ الواشي ضيّعَ الصديقَ"[4].
 
حيث من الطبيعيّ جدًّا أن تؤدّي الوشاية إلى إفساد للمودّة بين طرفين، وزرع الأضغان في صدر كلّ واحد منهما من خلال افتراء كاذب، لا واقع له يتصوّر معه أنّ أحدهما لا يكنّ للآخر أيّ تقدير وإنّما يتربّص به الدوائر، وهذا إنّما يحصل في ما إذا استجاب الإنسان وأصغى للنمّام الكاذب الّذي أراد الوقيعة به، أمّا إذا تابع موازين الشرع المبين وكذّب سمعه، وردّ مقالة هذا المبطل فإن المودّة والإخاء يدومان بأمن وسلامة.
 
وعليه، ما يفسد العلاقة هنا ليس الواشي لوحده فهو جزء السبب والجزء الآخر هو المطيع لوشايته، إذ ما كانت لتُحلُّ العرى الوثيقة بينه وبين أخيه لو لم يُطعه ولكان الأمر سيبقى على ما يرام، وهنا يكون المورد محلًّا للامتحان من أجل أن يعرف مدى الوعي لدى الإنسان هل هو متسرّع يعير أذنه لأيّ شخص، ويحكم على أساس الكلام الواهن، أو أنّه متأنٍّ غير عجول يسلك سبيل الاحتياط الّذي فيه النجاة؟
 
3- ذهاب الحشمة
فقد جاء عن الإمام جعفر الصادق (عليه السلام): "لا تُذهِبِ الحشمةَ بينَك وبين أخيكَ وأبقِ منها، فإنّ ذهابَ الحشمةِ ذهابُ الحياءِ، وبقاءَ الحشمةِ بقاءُ المودَّةِ"[5].
 
لا شكّ أنّ الابتذال والتصرّف أمام الآخر كأنّه غير موجود، ولجوء الأخ إلى القيام ببعض الأعمال بداعي أنّه لا كلفة بين الإخوان مع أنّها غير لائقة ولا مناسبة، يؤدّي إلى هوان الإنسان على أخيه ويُسقطه من عينه، فلا يقيم له وزنًا ولا تدوم بينهما مودّة لأنّها قائمة على تقدير كلّ منهما للآخر واحترامه، فإذا أهان الواحد نفسه من خلال عدم حيائه كيف يطلب من الآخرين تكريمه بعدما لم يترك ما يساعده على الاحتفاظ بكيانه الجميل من حشمته؟
 
4- عدم التناصف والتراحم
في الحديث عن مولانا الإمام الصادق (عليه السلام): "تحتاجُ الأخوّةُ بينهُم إلى ثلاثةِ أشياءٍ، فإنِ استعملوها وإلَّا تبايَنوا وتباغَضوا وهي التناصفُ والتراحمُ ونفيُ الحسدِ"[6].
 
5- الحسد
حيث لا تجتمع الأخوّة الصادقة مع الحسد، وتمنّي الأخ زوال النعمة عن أخيه، وهذا ما أشير إليه في الحديث السابق.
 
6- المخاصمة
وهي الجدل ابتداءً، وعدم التوافق والاجتماع في الموقف والرأي أو العمل والسيرة.
 
7- الملاعبة
وهي عبارة عن التزييف وإبهام الأمور، وإلباسها غير لباسها الحقيقيّ والواقعي، بغية الوصول إلى مآرب لا تتّفق مع التعامل في القضايا بحسب ما هي عليه.
 
8- المجاراة
ويراد بها عدم الصدق في الموقف وعدم المصارحة.
 
9- الممازحة
الّتي هي الهزل في الخطاب وعدم الجدّيّة، وربما تعدّت إلى جملة من الأعمال مّا يؤذي ويسبّب حرجًا أو ضررًا للطرف الآخر.
 
أمّا الملاطفة والتراحم، فهما على العكس تمامًا، فإنّ الّذي يلاطف أخاه بغية إدخال السرور على قلبه يكون مأجورًا، وهو أمر مطلوب ورد الحثّ عليه في أخبار المعصومين (عليهم السلام).
 
10- المواضعة
ويعنى بها وضع شأن الآخر وتصغيره وخفضه وكثيرًا ما يقع في هذه الآفّة الأقران والزملاء إذا كانوا في صفّ واحد في مدرستهم أو جامعتهم أو مكان عملهم، فأثنى بعض الناس على أحدهم بما فيه من مميّزات ومؤهّلات، فسرعان ما تثور ثائرة قرينه ليسارع إلى تصغيره ووضعه، نتيجة شعوره بنقصٍ في نفسه ودنوٍّ في درجته فيسوّل له الشيطان اختيار أحد أمرين إمّا الاستعلاء الكاذب وادّعاء الرفعة لكي يصل إلى درجة صاحبه، وإمّا إنزال الآخر إلى مستواه، وفي الحالتين سيكون السبيل مذمومًا ومنهيًّا عنه، لأنّ من أقبح الأخلاق أن يدّعي الإنسان صفة ليست فيه وميزة لا يمتلكها، وكذلك أن يسلب الآخر محاسنه وميّزاته بإنكارها، أو من خلال إخفاء المناقب واظهار المثالب.
 
11- المرافعة
وهي رفع شأن الآخر بما هو ليس فيه من خلال الإطراء والمديح، وإبرازه في صورة لامعة لا مثيل لها مع أنّه ليس كذلك، وهذا ما يكثر حينما تتقاطع المصالح بين الناس أو مع أصحاب المال وذوي النفوذ من الرؤساء والوزراء والمسؤولين في شتّى ميادين الحياة، إذا لم يكن الإنسان الّذي يعمل معهم حرًّا وكريمًا.
 
وقد جاء التحذير من هذه الأمور الستّة الأخيرة على لسان الإمام أمير المؤمنين عليه السلام، حيث قال له الحارث يا أمير المؤمنين أنا والله أحبّك، فقال له يا حارث: "أمّا إذا أحببتَني فلا تخاصِمني ولا تلاعِبني، ولا تُجاريني، ولا تُمازِحني، ولا تواضِعني ولا ترافِعني"[7] .
 
12- التكلّف
وهو أن يجعل الحواجز بينه وبين أخيه ويختلق الرسميّات والبروتوكولات، والأساليب الّتي يصعب معها التعامل والسهولة في المواصلة، وحينئذ يشعر بثقل العلاقة به، وعدم الراحة في الاستمرار ما دام ذلك بينهما.
 
يقول الإمام جعفر الصادق (عليه السلام): "أثقلُ إخواني من يتكلَّفُ لي واتحفّظُ منه وأخفُّهم على قلبي من أكونُ معه كما أكونُ وحدي"[8].
 
13- التأفّف
فقد جاء في الحديث عن الإمام الصادق (عليه السلام): "إذا قالَ المؤمنُ لأخيهِ أفٍّ خرجَ من ولايَتِه"[9].
 
14- الإهانة
روي أنّه نزل جبرائيل (عليه السلام) على النبيّ  محمّد (صلى الله عليه وآله وسلم) وقال له: "يا محمّدُ إنَّ ربكَ يقولُ من أهانَ عبدي المؤمنَ فقدْ استقبلَني بالمحاربةِ"[10].
 
15- تتبّع العثرات
فيما قاله الإمام جعفر الصادق (عليه السلام): "أقربُ ما يكونُ العبدُ إلى الكفرِ أن يكونَ الرجلُ مؤاخيًا للرجلِ على الدينِ ثمَّ يحفظُ زلّاتهِ وعثراتهِ ليضعَه بها يومًا ما"[11].
 
وفي حديث آخر: "لا ترموا المؤمنينَ ولا تتَّبِعوا عثراتهِم فإنَّ من يتبعْ عثرةَ مؤمنٍ يتبعِ اللهُ عزَّ وجلَّ عثرتَه، ومن يتبعِ اللهُ عزَّ وجلَّ عثرتَه فضحَه في بيتِه"[12] .
 
* من كتاب: إخوة الإيمان - جمعية المعارف الإسلاميّة الثقافيّة


[1] أس الشيئ يعني أصله.
[2] ميزان الحكمة, ح 39201.
[3] الواشي والوشاء: النمّام.
[4] بحار الأنوار, ج 71, ص 164.
[5]  ميزان الحكمة، ح 961.
[6] تحف العقول، ص 223.
[7] الخصال، ص 433.
[8] المحجة البيضاء، ج 3.
[9] المؤمن للأهوازي، ح 891.
[10] المؤمن، م.س، ح 681.
[11]  م.ن، ح 171.
[12] م.ن، ح 881.

قراءة 12 مرة