Print this page

بعد هزيمتها في أفغانستان.. ما مستقبل أميركا ودورها في الشرق الأوسط؟

قيم هذا المقال
(0 صوت)
بعد هزيمتها في أفغانستان.. ما مستقبل أميركا ودورها في الشرق الأوسط؟

(رويترز)

أدت هزيمة الاتحاد السوفياتي في أفغانستان إلى تفكك القوة العظمى الثانية في العالم، فلقد اكتشفت الشعوب أنها تعرضت لعملية تضليل، فتفككت الإمبراطورية بعد أن قررت الجمهوريات السوفيتية الاستقلال.

لكن لماذا يتم استدعاء تلك التجربة السوفيتية بعد هزيمة أميركا في أفغانستان! لقد قررت أن أتابع ما يكتبه الإعلاميون والمفكرون الغربيون لمعرفة توقعاتهم للمستقبل، وكان من أهم هؤلاء الإعلاميين ديفيد هيرست وهو صاحب تجربة إعلامية طويلة، وخبرة بالشرق الأوسط.

وكانت أهم مفاجأة قدمها ديفيد هيرست في مقاله بموقع "ميدل إيست آي"، هي أن تكلفة التدخل في أفغانستان دليل على أن الحضارة الغربية في طريقها إلى التدهور.. لماذا؟

من الواضح أن مراكز البحث في أميركا وأوروبا قد استقرت منذ بداية التسعينيات على تقديم الإسلام كعدو للغرب، وصوّرته بأنه يشكل خطرا على حياة الغربيين الذين حققوا التقدم.. ولذلك طرح بوش سؤاله الشهير: لماذا يكرهوننا

كان العنوان الرئيس لتدخل أميركا وحلفائها في أفغانستان هو الحرب على الإرهاب.. وكان ذلك يشكل عملية إحلال التهديد الإسلامي محل الخطر السوفياتي.

بذلك يوضح ديفيد هيرست الهدف الرئيس لهذا التدخل، فالغرب لا بد أن يواجه دائما عدوا خارجيا لكي يتم توحيد الشعوب، ودفعها للتخلي عن الكثير من مطالبها وحقوقها في تحسين مستوى معيشتها.

وهذا لا يختلف عن أساليب الحكام المستبدين في دول الجنوب الفقيرة، حيث يتم توجيه مشاعر الشعوب وسخطها ضد عدو خارجي بدلا من التركيز على الفشل الداخلي والفساد.

ما الثمن؟

ومن الواضح أن مراكز البحث في أميركا وأوروبا قد استقرت منذ بداية التسعينيات على تقديم الإسلام كعدو للغرب، وصوّرته بأنه يشكل خطرا على حياة الغربيين الذين حققوا التقدم.. ولذلك طرح بوش سؤاله الشهير: لماذا يكرهوننا؟!! ومن الواضح أن وسائل الإعلام الغربية تبنت خطاب النظام الأميركي في الإجابة عن السؤال: إنهم يكرهوننا لأننا متقدمون ورائعون.

كان السؤال والإجابة عنه يشكلان عملية تضليل للشعوب الغربية دفعتها لتأييد العدوان الأميركي على أفغانستان والعراق.

لكن ما الثمن الذي دفعه الشعب الأميركي والشعوب الغربية؟!! فاجأ ديفيد هيرست جمهوره بتقدير تكلفة العدوان على أفغانستان بأنها بلغت تريليونين من الدولارات (التريليون ألف مليار)، وإن صح هذا التقدير -وهو بالتأكيد صحيح- فهو يعني أن النظام الأميركي قد ضلل الشعب الأميركي، وحاول أن يقدم تقديرات غير حقيقية، وأن يقلل التكلفة، فالتقدير الرسمي لا يتجاوز تريليونا واحدا فقط.

ماذا يمكن أن يحقق هذا المبلغ الضخم لو أنه تم استخدامه بشكل رشيد في تحقيق التنمية وتحسين أحوال البشر في أفغانستان؟!! هل كان يمكن أن يحقق قوة ناعمة لأميركا، ويبني علاقات سلام وتعاون طويلة المدى مع شعب أفغانستان.

وماذا لو تم استخدام هذه الأموال الضخمة في تقوية الاقتصاد الأميركي، وتوفير الوظائف وفرص العمل، وتحسين المنظومة الصحية التي عجزت عن مواجهة وباء كورونا، وأظهرت للعالم ضعف أميركا وزيف الدعاية عن قوتها وتقدمها؟!

الشعب الأميركي سيطرح هذه التساؤلات بقوة على نفسه وعلى إدارة بايدن التي ستعجز عن تقديم إجابات مقنعة لشعب أصبح يدرك أن دولته لا تستطيع بكل ما حققته من تقدم أن تواجه وباء مثل كورونا.. فماذا لو تعرضت لوباء أكثر خطورة؟

وشعوب الدول الغربية التي شاركت في التحالف مثل ألمانيا وفرنسا وبريطانيا سوف توجه تلك التساؤلات لحكوماتها التي ستضطر لتقديم إجابة تحمل في طياتها الاعتراف بأن العدوان على أفغانستان جريمة كما وصفه نعوم تشومسكي.

لكن الشعوب الغربية لن تقنع بإبداء حكوماتها الندم على قرارات ارتبطت بالعنصرية والرغبة الوحشية في الانتقام والإبادة والتدمير.

إنها جريمة وعار

والعدوان الأميركي على أفغانستان لا تقتصر تكلفته على أموال تم تبديدها، وإنفاقها بسفه، فهذه الأموال تم إنفاقها لارتكاب جريمة قتل فيها -طبقا لتقدير ديفيد هيرست- 241 ألفا من الأفغانيين، وهناك تقديرات تصل إلى ضعف ذلك الرقم.

لذلك لا يمكن تفسير انتصار طالبان السريع، وتفكك الجيش الأفغاني إلا بأن أغلبية الشعب الأفغاني يعتبر أميركا قوة احتلال غاشمة، ويرى أن طالبان حركة تحرر وطني هدفها تحقيق جلاء أميركا عن الأرض الأفغانية وتحرير الشعب الأفغاني، لذلك وفر الأفغانيون الحاضنة الشعبية لمقاتلي طالبان الذين لا يزيد عددهم على 75 ألفا.

وهذا يعني أن طالبان مجرد طليعة للشعب الأفغاني الذي لم ينسَ دماء الشهداء وأشلاء الضحايا، وفي الوقت نفسه فإنه يكره المتعاونين مع الاحتلال الأميركي ويحتقرهم، لذلك حاول هؤلاء المتعاونون الفرار لأنهم يعرفون أنهم سيواجهون احتقار شعبهم، وأنهم لن يستطيعوا الحياة مع شعب شاركوا في سفك دماء أبنائه.

لماذا فقد الجنود حياتهم؟

يقدر عدد الجنود الذين قتلوا في أفغانستان بـ2448 جنديا أميركيا، بالإضافة إلى 454 جنديا بريطانيا.

وهذا أيضا سيدفع الشعب الأميركي والبريطاني لطرح سؤال من الصعب تقديم إجابة عنه: لماذا فقد هؤلاء الجنود حياتهم، وما الهدف الذي من أجله تم الزج بهؤلاء الجنود للقتال في أرض بعيدة، وجبال لا يعرفونها؟

ومن المؤكد أن بايدن سيجد نفسه في مأزق خطير، وقد بدأ توجيه سهام النقد واللوم إلى صدره، وجاء أولها من خصمه ترامب الذي وصفه بأنه وضع أميركا في موقف مذل.

والشعب الأميركي سيزداد شعوره بالمرارة والألم، فهل فقد كل هؤلاء الجنود حياتهم ليتم ارتكاب جريمة تشكل عارا لأميركا ثم تعود أميركا مهزومة، ويتم وضعها في هذا الموقف المذل طبقا لتعبير ترامب؟!

انهيار الغرب

لذلك يرى هيرست أن الدور الأميركي يتعرض لكارثة، مهما حاول النظام الأميركي إنكار ذلك، فمن الذي يتحمل المسؤولية؟ ويعتذر للشعب الأفغاني عن تلك الكارثة، فقوة الطيران الأميركية البريطانية لم تضمن للنساء الأفغانيات حقوقهن، لكنها كانت آلة قتل استخدمت في إبادة الأفغانيين، ولم تكن طالبان تستهدف الطيارين الأميركيين الذين أصبحوا الآن يواجهون أزمة أخلاقية بعد انسحاب أميركا، لماذا قتلوا المدنيين؟!

لقد كانت الدعاية الغربية التي تقوم على أن الجيش الأميركي والبريطاني يقوم بعمل جيد في أفغانستان زائفة ومضللة وبعيدة عن الواقع، كما أن النظام الذي فرضته أميركا في أفغانستان لم تكن له شرعية، وهذا يفسر عدم قدرة أشرف غني على الاستمرار في مواجهة طالبان، فاضطر إلى الفرار.

الشعوب الغربية ستطرح الأسئلة عن معنى السياسة الخارجية الأميركية وأهدافها، وسيحمل ذلك رسالة إلى الأمراء والرؤساء في الشرق الأوسط الذي أصبح عليهم أن يسألوا أنفسهم: كم أسبوعا يمكن أن يصمدوا في مواجهة مقاومة إسلامية عندما تقرر أميركا الانسحاب من الشرق الأوسط؟

من صنع الكارثة؟

إن تلك الجريمة شارك في ارتكابها 4 رؤساء أميركيين، لذلك فإن الهزيمة في أفغانستان سيتجاوز تأثيرها حدود أميركا، وإذا كانت هزيمة الإمبراطورية السوفيتية في أفغانستان هي نهاية هذه الإمبراطورية، فإن هزيمة أميركا وحلفائها ستكون بداية النهاية للإمبراطورية الغربية، وللنظام العالمي الأميركي والعسكري.

وهذا النظام لم يتعرض للانهيار بسبب مواجهة العدو، لكنه ينهار بسبب الغرور، والعجز -كما يرى هيرست- عن فهم الشعوب التي تم احتلال أرضها.

إن النظام العالمي ينهار في اللحظة التي لم تكن هناك قوة تستطيع أن تواجهه، وعندما تمكّن من فرض احتكار على استخدام القوة الدولية.

هل يريد هيرست بذلك أن يقول إن النظام العالمي الذي تقوده أميركا وتسيطر عليه انهار، وهو في أوج قوته، وبسبب تلك القوة ذاتها؟

يقول هيرست "إن الاتحاد السوفياتي عندما انهزم في أفغانستان فقد الثقة في نفسه، وفي قياداته، وفقد الإحساس بالخدمة العامة، ولم يصبح لسياسته الخارجية معنى بعد أن أصابها الفساد".

رسالة إلى الحلفاء

ومن المؤكد أن الشعوب الغربية ستطرح المزيد من الأسئلة عن معنى السياسة الخارجية الأميركية وأهدافها، وسيحمل ذلك رسالة إلى الأمراء والرؤساء في الشرق الأوسط الذي أصبح عليهم أن يسألوا أنفسهم: كم أسبوعا يمكن أن يصمدوا في مواجهة مقاومة إسلامية عندما تقرر أميركا الانسحاب من الشرق الأوسط؟ وهل يشمل ذلك إسرائيل، وما أسباب الرعب الذي أصابها بعد هزيمة أميركا في أفغانستان؟!

إن أميركا -كما يرى هيرست- سوف تنسحب من مواجهة الإسلاميين، وتقبل الهزيمة كما فعلت مع طالبان، فالاعتقاد في تفوق الغرب وقيادته وسيادته افتقد المصداقية، وبدأت الولايات المتحدة تفقد تأثيرها تحت إدارة بايدن -كما حدث خلال فترة ترامب- لأنه لم يستطع أن يغير شيئا، وما زال يتجاهل الشعوب، ويدعم المستبدين بالأسلحة والأموال.

وهذا يؤدي إلى طرح سؤال: ماذا أصبح لدى أميركا من القوة الناعمة؟!

إن أهم نتيجة يراها العالم أن التحالف الغربي انهزم في أفغانستان، وأن كل ما نجح فيه الغرب هو نشر الوحشية والبؤس لعدة عقود مقبلة باستخدام الحرب التي لم يكن لها مبرر، وأن القوة لم تكن لها فائدة، وأن العالم كله أصبح يواجه تهديدا لوجوده، فهل يقوم العلماء والحكماء بدورهم في العمل لإنقاذ البشرية من غرور القوة، والبحث عن فرص لاحترام حقوق الشعوب في الاستقلال والحرية كمدخل لبناء عالم جديد؟!

المصدر:الجزیره

قراءة 524 مرة