وسط استياءٍ متصاعدٍ بين الشعوب العربية، تتكشف حقيقة الانحياز الأمريكي العلني لإسرائيل بعد العدوان على قطر، حيث ثبت أن قواعده العسكرية في الدول العربية ليست ضمانةً لحماية مجتمعاتها، بل لحماية مصالح واشنطن والإسرائيليين أولًا.
بعد العدوان الإسرائيلي السافر على قطر، ومع مواقف الولايات المتحدة المبرّرة للعدوان بل والداعمة له بذريعة أن «الهدف كان نبيلًا» وهو القضاء على قادة حماس، وإطلاق سراح الرهائن، وتمهيد الأرضية لعقد صفقة تنهي الحرب في غزة، يطرح السؤال نفسه: هل بقيت غشاوة على عيون بعض أبناء منطقتنا بشأن الانحياز الأمريكي الأعمى للكيان الإسرائيلي وسقوط أكذوبة أن أمريكا وسيط محايد بين العرب والصهاينة؟
لقد أثار العدوان الإسرائيلي على قطر والغدر الأمريكي بها العديد من التساؤلات في أوساط شعوب منطقتنا، ولا سيما في البلدان العربية التي تحتضن قواعد أمريكية ضخمة على أراضيها. وفي مقدمة هذه الأسئلة: ماذا لو وقع عدوان إسرائيلي على هذه البلدان، على غرار ما حصل مع قطر؟ مع من ستقف القواعد العسكرية الأمريكية؟
لقد بات واضحًا بعد الهجوم على قطر أن القواعد الأمريكية في البلدان العربية ليست لحماية هذه البلدان، بل لحماية مصالح أمريكا وفي مقدمتها المصلحة الإسرائيلية. وقد ظهر ذلك بجلاء في التعامل المزدوج لهذه القواعد مع الصواريخ الإيرانية التي كانت في طريقها لدكّ الكيان الإسرائيلي، مقارنة بتعاملها مع الصواريخ الإسرائيلية التي استهدفت العاصمة القطرية الدوحة؛ إذ فُعِّلت جميع الرادارات وأنظمة الدفاع الجوي في القواعد الأمريكية، وخاصة قاعدة العديد، ضد الصواريخ الإيرانية، بينما تعطّل كل شيء فجأة في تلك القواعد، ولا سيما في قاعدة العديد، عندما استهدفت الصواريخ الإسرائيلية الدوحة دون أي اعتراض.
اللافت أن الأسلحة التي تبيعها أمريكا للدول العربية لا يجوز أن تكون أحدث من الأسلحة التي تبيعها للكيان الإسرائيلي أو حتى مماثلة لها، بالإضافة إلى اشتراط عدم استخدامها ضد إسرائيل حتى في حال الدفاع عن النفس. فما الفائدة إذن من وجود كل تلك القواعد العسكرية والأسلحة الأمريكية التي تكلف الشعوب العربية مئات المليارات؟
بعد العدوان على قطر، كان السذّج يعتقدون أن أمريكا ستتخذ موقفًا صارمًا من الكيان الإسرائيلي، ولا سيما بعد فشل العملية وانكشاف الدور المخزي لواشنطن فيها، على الأقل لكسب ودّ قطر والدول العربية التي بدأت تشعر بالقلق من اعتمادها الكلي على أمريكا لحماية أمنها وسيادتها. إلا أن العالم رأى وسمع مواقف أمريكية أكثر تأييدًا للكيان الإسرائيلي ولمجرم الحرب نتنياهو، وأكثر تشددًا ضد العرب والفلسطينيين بعد العدوان على قطر.
فهذا وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو يزور الكيان ويعلن من هناك أن الاستمرار في دعم إسرائيل لن يتأثر بالحادثة القطرية، وأن بلاده «تتفهم» الاحتياجات الأمنية الإسرائيلية التي تطلبت توسيع العملية العسكرية في مدينة غزة حاليًا، وأن حماس يجب أن تغادر المسرح بأقل كلفة وبدون ضجيج.
وهو موقف جاء تأييدًا لموقف الرئيس الأمريكي ترامب، الذي أعلن أنه ليس لديه الكثير ليقوله بشأن العملية العسكرية الإسرائيلية في غزة، وقال: «سنرى ما يحصل»؛ دون أدنى اكتراث للإنسانية التي تُذبح في غزة أمام العالم أجمع.
وليس روبيو وحده؛ فهذا السفير الأمريكي لدى الكيان الإسرائيلي مايك هاكابي يعلن، خلال مشاركته في المؤتمر السنوي لصحيفة «جيروزاليم بوست» الإسرائيلية في «متحف أصدقاء إسرائيل» بالقدس الغربية، وفق صحيفة «معاريف» العبرية، وبصريح العبارة، أن «الولايات المتحدة لديها حلفاء ولها أصدقاء، لكن إسرائيل هي شريكها الحقيقي الوحيد».
وعندما سُئل هاكابي عن ردّ فعل واشنطن إذا اتخذت إسرائيل خطوات نحو ضمّ الضفة الغربية المحتلة، قال: «نحن نحترم إسرائيل كدولة ذات سيادة، ولن نملي عليها ما يمكنها فعله وما لا يمكنها فعله».
وذهب هاكابي إلى أبعد من ذلك عندما زعم أن «الضفة الغربية مصطلح حديث وغامض جدًا، والأدق أن نطلق عليها يهودا والسامرة، وهو مصطلح تعود بداياته إلى قبل ألفي أو ثلاثة آلاف عام»، مشددًا على أن الولايات المتحدة ترى القدس «عاصمة أبدية وغير قابلة للتقسيم للدولة اليهودية».
بعد ضرب الدوحة، علينا ألّا ندفن رؤوسنا في التراب، فالمجرم الرئيسي هو أمريكا، وما الكيان الإسرائيلي إلا أداة لتنفيذ جرائمها. فالأسلحة المستخدمة أمريكية، والطائرات أمريكية، والدعم اللوجيستي أمريكي، والدعم المالي أمريكي، والدعم في مجلس الأمن أمريكي، والحماية السياسية أمريكية، والدعاية والإعلام أمريكي. وقبل كل ذلك القواعد المزروعة في منطقتنا أمريكية في أغلبها. فهل بعد كل هذا يجب أن نستمر في التعامل مع أمريكا كوسيط في أي قضية تخص العرب والكيان الإسرائيلي؟ سؤال لا نعتقد أن الجواب عليه معقد، ولا سيما بعد الغدر بقطر.