Print this page

معالم الحجّ ونظامه في سيرة أهل البيت

قيم هذا المقال
(0 صوت)

الحجّ ركن من أركان الإسلام

تحظى فريضة الحجّ باهتمام المسلمين جميعاً وتعتبر من الشعائر والعبادات التي يتفق على وجوب أدائها جميع المذاهب الإسلامية.

كما تعبّر هذه الفريضة عن وحدة الأُمّة الإسلامية واستقلال كيانها.

وهي بعد ذلك كلّه: رمز قوّتها وعظمة قدرتها واستمرار حيويّتها.

لم تستطع أيدي العابثين أن تعطّل هذه العبادة العظيمة بالرغم من سعيهم الحثيث لإفراغها من مضمونها ومحتواها الكبير ويعود ذلك لأسباب منها:

1 ـ الدور الفاعل لأهل بيت الوحي(ع) بما فيهم سيّد المرسلين وأئمة المسلمين من أبناء الرسول العظيم الّذين تابعوا الرسول الكريم’ في خطاه الحكيمة، واتّبعوا القرآن العظيم في توجيهاته السديدة.

فسلكوا سبيل الهدى بكلّ ما أُوتوا من حول وقوّة وحكمة حتى بيّنوا معالم وتفاصيل هذه العبادة المهمة بشعائرها المتنوعة، وأرسوا دعائمها التشريعيّة.

2 ـ وحثّوا على أدائها كلّ مَن يرتبط بهم من قريب أو بعيد.

3 وجسّدوا كلّ ما قالوه عن الحجّ في سلوكهم السويّ .

4 ـ ولم يكتفوا ببيان تاريخها العريق من لدن آدم(ع) إلى خاتم الأنبياء’وفضائلها وآثارها الدنيوية المادية وأجرها الأُخروي .

5 ـ وإنّما عكفوا على بيان فلسفتها شعيرة شعيرة، وعملاً عملاً، ونفذوا إلى أعماقها ليصوّروا عرفانها بالعمل قبل البيان وبالجَنان قبل اللّسان.

 

مميزات الحجّ في مدرسة أهل البيت(ع)

لقد تميّزت مدرسة أهل البيت في نظرتها إلى الحجّ وشعائره بمميّزات أعطت الحجّ مضموناً خاصاً، وشكلاً متميزاً يُشار من خلاله إلى أتباعها بالبنان، وهو يثير لدى المسلمين عامة أسئلة شتّى عن آفاق البعد المعنوي والسياسي المتميّز للحجّ عندهم، اقتداءً بأئمة أهل البيت المعصومين صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين.

ويمكن تلخيص هذه المميّزات في عدّة نقاط:

الأُولى: شدّة الإهتمام.

الثانية: الإهتمام بالشكل والمضمون معاً.

الثالثة: التركيز على البُعد السياسي والجهادي والعبادي.

الرابعة: تعميق البُعد العبادي والعرفاني.

الخامسة: مقاصد الكتاب والسنّة السادسة: كثرة التفريع والتفصيل لأحكام الحجّ.

إنّ أهل بيت الرسول الأمين’ وعترته المعصومين الذين قرنهم الرسول’بمحكم التنزيل واعتبرهم عِدلاً للقرآن العظيم في حديث الثقلين(1) الشهير وحديث السفينة(2) وحديث النجوم(3) وغيرها ممّا ورد في تفسير آيات الذكر الحكيم التي تشير إلى أنّهم أهل الذكر(4)

وولاة الأمر(5) والحافظون لحدود الله(6). هم الروّاد الصادقون(7) الأُمناء على شريعة جدّهم ورسالته حيث عصمهم الله من الزلل وآمنهم من الفتن والمطهّرون(8) الّذين يتسنى لهم تفسير الكتاب كما ينبغي(9) واقتفاء أثره اقتفاءاً يجعلهم الأُسوة الحسنة بعد رسول الله’والقدوة المثلى التي لا يطمع في إدراكها طامع(10).

ومن هنا كان من الطبيعي جدّاً أن يكون منهجهم في إرساء دعائم هذه الفريضة العظيمة، وتعظيم شعائر الله هو منهج القرآن المجيد، وخطاهم إلى تثبيت قواعدها تبعٌ لخطاه.

والقرآن المجيد قد كثّف الإضاءة على بيت الله الحرام، وشعائر الحجّ العظام، تاريخاً وتعظيماً وفلسفة وأحكاماً وعرفاناً، فجعله مركزاً للتوحيد وعتيقاً من براثن الشرك(11) وقياماً للناس(12) ومباركاً وهدىً للعالمين(13) وأمناً للناس ومثابة لهم ومطهّراً(14) ومحلاًّ خاصّاً للطائفين حول محور الوحدانية الحقيقية وللعاكفين والركّع السجود(15)... فهو التعبير الصادق عن إسلام الوجه لله تعالى والتسليم لإرادته العليا، وهو المختبر الكامل للإنسان الطائع باتجاه الكمال اللائق به، والبوتقة التي تصهر شوائب الروح وتمحو ما علق بها من أدران خلال مختلف مراحل الحياة.

لقد كانت لسيرتهم الزاخرة بالعطاء العلمي والعملي والعرفاني ولسعيهم الحثيث ـ لإرساء معالم الشريعة الإسلامية وقواعدها المحكمة ـ الدور الكبير والأثر البالغ في تألّق الإسلام والمسلمين بشكل عام وتجلية عظمة الشريعة الإسلامية بشكل خاص، وتركيز شعائر الحجّ بشكل أخصّ، حتى ورد عنهم (ع) : «أنّ الدين لا يزال قائماً ما قامت الكعبة»(16)، وأنّ ولاة الأمر مسؤولون عن رعاية هذه الشعائر في كلّ الظروف التي تمر بها الأُمّة الإسلامية، وينبغي أن لا يحول بينهم وبين إقامتها أيّ ضعف ماليّ، أو أيّ خلل اقتصادي ينتاب الناس، حيث يُخصص ما يمكن من ميزانية الدولة الإسلامية لإحياء هذه الشعائر على مرّ الدهور.

نعم، هذه هي مدرسة أهل البيت(ع) وهي صورة موجزة وملخّصة جدّاً من معالم نظريتهم وثقافتهم الربّانية عن الإسلام ككلّ، وعن هذا الركن الإسلامي العظيم بشكل خاص.

 

معالم الحجّ ونظامه في القرآن الكريم

تتّضح أهمية الحجّ وشعائره الإلهية ونظامه في القرآن الكريم من خلال:

1 ـ المساحة التي استوعبتها آيات الحجّ في القرآن الكريم.

2 ـ أُسلوب الطرح وأُسلوب الدعوة إلى إقامة شعائره.

3 ـ الإهتمام البالغ بفلسفة إقامة هذه الشعائر.

4 ـ تقنين هذه الشعائر وبيان أحكامها بالتفصيل.

5 ـ الإهتمام ببيان جذورها التاريخية العريقة.

وإذا لاحظنا منهج أهل البيت(ع) فيما يخص إحياء شعائر الحجّ وقارنّاه بالمنهج القرآني وجدناه يحذو حذوه ويتمثّل خُطاه حذو القذة بالقذة.

أمّا المساحة التي استوعبتها آيات الذكر الحكيم فيما يخص البيت الحرام وشعائر الحج ومناسكه فهي ملفتة للنظر وتتوزع على السور المكّية(17) والمدنية(18) معاً، ولا سيّما إذا لاحظنا كلّ ما يرتبط بالحجّ وتاريخه وشؤونه.

وأمّا أُسلوب العرض فهو أُسلوب الحثّ والتحضيض والتأكيد والتعميم فالخطاب فيه للنّاس كافة وليس للمؤمنين خاصة، قال تعالى:

1 ـ {إِنَّ أَوَّلَ بَيْت وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ}(19) .

2 ـ {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ ا لْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً}(20) .

3 ـ {وَإِذْ جَعَلْنَا ا لْبَيْتَ مَثَابَةً لِّلنَّاسِ وَأَمْنًا}(21) .

4 ـ {جَعَلَ اللَّهُ ا لْكَعْبَةَ ا لْبَيْتَ ا لْحَرَامَ قِيَامًا لِّلنَّاسِ}(22) .

5 ـ {وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ...}(23) .

ويأتي بيان حرمة البيت وأمنه والبركة فيه واعتباره محطّة اشعاع وهداية للعالمين ـ بما فيه من الآيات البيّنات ـ عدّة عوامل إيجابية مهمّة للحثّ والتحضيض والتشويق لقصده وحجّه وإحياء شعائره.


فلسفة الحجّ في القرآن الكريم

قد تكررت في آيات الحجّ الإشارة إلى فلسفة الحجّ في الإسلام والحِكَم التي تحققها ممارسة شعائره ومناسكه، قال تعالى:

1 ـ {وَلِكُلِّ أُمَّة جَعَلْنَآ مَنسَكًا لِّيَذْكُرُواْ اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الاَْنْعَامِ}(24) .

2 ـ {وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُم مِّن شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ}(25) .

3 ـ {لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلاَ دِمَآؤُهَا وَلَـكِن يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنكُمْ}(26) .

4 ـ {كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُواْ اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ}(27) .

5 ـ {وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالا وَعَلَى كُلِّ ضَامِر يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجّ عَمِيق* لِّيَشْهَدُواْ مَنَـفِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُواْ اسْمَ اللَّهِ}(28).

6 ـ {ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ عِندَ رَبِّهِ}(29) .

7 ـ {وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ* لَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ إِلَى أَجَل مُّسَمّىً}(30) .

8 ـ {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ... وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ ا لْتَّقْـوَى}(31) .

إنّ تكثيف الإضاءة على فلسفة الحجّ وحِكَم ممارسة الشعائر المرتبطة به هو أُسلوب متميّز في بناء الإنسان وتربيته وصياغة تصوراته صياغة تجمع بين طيّاتها روح التعبّد والتعقّل معاً من دون أن يسلب التعقّل روح التعبّد من الإنسان العاقل، وإنّما يتسامى بتقواه ليبلغ مرتبة أُولي الألباب، فيتكامل عقلاً ويتسامى روحاً وهو يمارس هذه الشعائر بوعي وجدّ واهتمام.

ويمكن تلخيص هذه الأهداف التي نصّ عليها الكتاب العزيز في ما يلي:

1 ـ ذكر الله وحده في كلّ حال ومجال وعلى كلّ شيء، واجتناب رجس الشرك على كلّ المستويات تصوراً واعتقاداً وتعلقاً وسلوكاً.

2 ـ تنمية روح التقوى التي بها فلاح الإنسان وفوزه على أُسس التوحيد الخالص.

3 ـ الانتفاع من موسم الحجّ وشعائره على شتى الأصعدة: اجتماعياً وسياسياً واقتصادياً، فضلاً عن التكامل الثقافي في مثل هذا الموسم الفريد، والتسامي الروحي والمعنوي في جميع لحظات هذا الموسم.

ويتفرّد القرآن الكريـم بأُسلوبه الخاصّ لبيان قوانينه وأحكامه بياناً يتناغم مع منطق العقل ومنطق العاطفة ويجمع بين متطلبات العقل ومتطلبات الروح معاً.

قال تعالى: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ ا لْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ ا لْعَالَمِينَ}(32) .

وقال أيضاً: {وَإِذْ جَعَلْنَا ا لْبَيْتَ مَثَابَةً لِّلنَّاسِ وَأَمْنًا وَاتَّخِذُواْ مِن مَّقَامِ إِبْرَا هِيمَ مُصَلًّى}(33) .

فالله سبحانه ـ الّذي له المولوية المطلقة وله الحقّ على الخلق وله حقّ النعمة على جميع

الناس ـ يجعل أداء هذا الواجب أداءً لحقّه، ويعتبر الإعراض عنه كفراناً للنعم الإلهية وكفراً عملياً بالمنعم ولا يكون أداءه تلبية لهذا الحقّ لحاجة منه تعالى إلى أعمال عباده، بل يعود نفعه إلى الناس أنفسهم، ومثل هذا القانون الذي ينطلق تشريعه للناس من مصالح العباد أنفسهم ولا يكون للمشرّع فيه أي غرض أو مصلحة شخصية، لا يجد الإنسان الطائع في أدائه ثقلاً وحرجاً مهما كانت صعوبته.

 

معالم الحجّ في نصوص مدرسة أهل البيت(ع) وسيرتهم

إنّ هذه الفريضة العظيمة تحظى بإهتمام جميع المسلمين، وتعتبر من الشعائر والعبادات التي يتفق عليها جميع المذاهب الإسلامية، وتتوحد فيها كلمتهم التي تعبّر عن وحدة وجود الأُمّة وكيانها.

وتتميز مدرسة أهل البيت(ع) عن سائر المدارس الإسلامية فيما يخص فريضة الحجّ وشعائره العظيمة بجملة من المميزات والخصائص التي تكاد تنعدم عند غيرهم أو لم يتم التأكيد عليها في سائر المدارس كما نجد ذلك بوضوح في هذه المدرسة الرسالية المباركة.(34)

وإليك جملة من هذه المعالم والخصائص للحجّ في هذه المدرسة المباركة:

1 ـ سعة دائرة الإهتمام بالقول والعمل

الإهتمام الواسع بالحجّ على مستوى أهل البيت(ع) تناول جميع الشؤون والتفاصيل، سواء على مستوى التصور العام للحجّ وتاريخه وفضله وقيمته ودوره وأهدافه وكيفية الاستزادة منه والتفاعل مع أعماله واستكمال النفس به كما أكدته سيرتهم فضلاً عن نصوصهم، أو على مستوى الأحكام الفقهية لأعمال الحجّ وأقسامه، والفرضيات المختلفة التي يمكن أن يبتلى بها أبناء الأُمّة وكيفية معالجتها.

ويمكن معرفة ذلك بمقارنة بسيطة وسريعة بين ما ورد عن أهل البيت(ع) في هذا المجال، وما تحدثوا فيه عن رسول الله بشكل مباشر أو غير مباشر، وبين ما ورد عن طريق غيرهم، حيث تشكل المادة التي وردت عن أهل البيت من حيث الكم(35) والكيف نسبة مضاعفة عدة مرات بالقياس لما ورد عن طريق غيرهم.

ولعلّ في هذين النموذجين ما يشير إلى هذه الحقيقة بوضوح:

النموذج الأوّل: الرواية التي تذكرها كتب الحديث المعروفة لدى الجمهور عن الإمام الباقر (ع) عن جابر بن عبدالله الأنصاري، والتي تتحدث عن حج رسول الله’ في حجّة الوداع بتفاصيل لا نراها في أي رواية اُخرى في هذه الكتب، وتمثل بذلك أساساً فقهيّاً لجميع مدارس الفقه الإسلامية في موضوع الحجّ(36) .

النموذج الثاني: ما رواه الصدوق بسند معتبر عن زرارة بن أعين قال: «قلت لأبي عبدالله (ع) جعلني الله فداك، أسألك عن الحجّ منذ أربعين عاماً فتفتيني. فقال: يا زرارة، بيت حجّ إليه قبل آدم بألفي عام تريد أن تفنى مسائله في أربعين عاماً»(37) .

فإن هذا النصّ يعبّر بشكل رائق وواضح عن سعة دائرة الإهتمام العملي من الأنبياء واُممهم حيث يفسرها بهذا الجانب التاريخي لهذه العبادة الشريفة.

ونظرة سريعة إلى سيرتهم العملية(ع) ومدى اهتمامهم بأداء هذه الشعيرة وكيفية تطبيقهم لأحكامها وحدودها وآدابها تكشف عن مدى اهتمامهم بالقول والعمل معاً بها، وتكشف عن دور هذا الإهتمام في إرساء دعائمها في المجتمع الإسلامي.

 

2 ـ سعة المضمون العبادي

إلى جانب هذا الإهتمام الواسع بالحجّ نجد أنّ أهل البيت(ع) اهتموا بالمحتوى والمضمون العبادي لجميع أعمال الحجّ والمناسك حتى لا يكاد أن يؤدي الحاجّ أي عمل من أعمال الحجّ إلاّ ويكون إلى جانبه شيء من الصلاة والدعاء والذكر يسبقه أو يلحقه أو يقارنه، بل إنّ ذلك يصاحب الحاجّ ويبدأ معه منذ عزمه على السفر إلى الحجّ وحتى رجوعه منه. وهناك مئات النصوص التي تناولت هذا الموضوع(38) .

على أنّ الأدعية التي أُثرت عنهم في خصوص الحجّ وفي عرفه والعيد الأضحى تنفرد بها مدرستهم(39) .

3 ـ تعظيم النبيّ’ الأعظم والأئمة(ع) الطاهرين والمساجد المباركة

إنّ إكمال الحجّ إنّما يتمّ بزيارة النبيّ’ والمسجد النّبوي الشريف، وهذا ما يصنعه جميع المسلمين بشكل عام(40)، ولكنّ أهل البيت سلام الله عليهم اعطوا لهذا الموضوع أهمية خاصة في الكم والكيف.

أمّا على مستوى الكم فهم يحثّون على زيارة أئمة الهدى من آل الرسول’ الّذين دفنوا في البقيع، وهم: الإمام السبط الحسن بن عليّ بن أبي طالب والإمام عليّ بن الحسين زين العابدين وولده الإمام محمّد بن عليّ بن الحسين الباقر وولده الإمام جعفر الصادق (ع) .

وكذلك أُمّهم الصديقة الطاهرة فاطمة الزهراء بنت رسول الله المدفونة في بيتها‘ (41) في جوار المسجد النبوي، وزوجات النبيّ’ وفاطمة بنت أسد أُمّ الإمام أميرالمؤمنين وبقية الصحابة الصالحين، وشهداء معركة أُحد وفي مقدمتهم سيّد الشهداء حمزة بن عبدالمطّلب عمّ رسول الله’ .

مضافاً إلى ذلك كلّه نجد الإهتمام البالغ بزيارة مساجد رسول الله ومواضع صلواته ودعائه ومواقفه، وكذلك مواضع الحوادث التاريخية والكرامات الإلهية له.

وفي مقدمة هذه المواضع مسجد قبا ومسجد الفتح ومسجد القبلتين، ومسجد أُحد ومسجد عليّ (ع) ومسجد سلمان الفارسي ومسجد فاطمة الزهراء ومسجد الغمامة ومشربة اُمّ إبراهيم وغيرها.

وكذلك زيارة (الأبطح) في مكة الذي فيه قبر خديجة أُمّ المؤمنين وقبر ناصر الرسول وكافله عمّه أبي طالب وغيرهما من الصالحين، وشعب أبي طالب، وغار حراء، ودار الأرقم، ودار الندوة وغيرها من الأماكن التاريخية الإسلامية المهمة، التي تذكّر المسلمين بعزهم وشرفهم وتضحياتهم والصعوبات التي واجهتها الرسالة، وتشدهم إلى هذا التاريخ العظيم وتبعث في نفوسهم الهمم والنهضة، وتعيدهم إلى أسباب النصر والاستقلال والكرامة(42) .

وأما على مستوى الكيف فهم يعتبرون زيارة النبيّ’ والأئمة من أهل البيت من إكمال الحجّ وإتمامه، كما وردت في ذلك النصوص:

عن الإمام أبي الحسن الرضا (ع) قال: «إنّ لكلّ إمام عهداً في عنق أوليائه وشيعته، وإنّ من تمام الوفاء بالعهد زيارة قبورهم، فمن زارهم رغبة في زيارتهم وتصديقاً بما رغبوا فيه كان أئمتهم شفعاؤهم يوم القيامة»(43) .

وعن إسماعيل بن مهران، عن الإمام جعفر بن محمّد‘قال: «إذا حجّ أحدكم فليختم بزيارتنا؛ لأنّ ذلك من تمام الحجّ»(44) .

وكذلك عن الإمام عليّ (ع) في حديث الأربعمائة قال: «اتمّوا برسول الله’ إذا خرجتم إلى بيت الله الحرام؛ فإنّ تركه جفاء، وبذلك أُمرتم بالقبور التي ألزمكم الله حقّها وزيارتها واطلبوا الرزق عندها»(45) .

وقد روى الكليني في الكافي عن الإمام أبي جعفر (ع) قال: «تمام الحجّ لقاء الإمام»(46) .

 

4 ـ تشخيص الموقف السياسي العام

إنّ أهل البيت(ع) أرادوا أن يكون الحجّ اجتماعاً سنوياً، يعقده المسلمون ليعرفوا فيه موقفهم السياسي العام والمواقف الهامة التي تهم المسلمين جميعاً. وقد أخذوا ذلك عن رسول الله’ والقرآن الكريم.

ففي السنة الأُولى التي حجّ فيها المسلمون بعد الفتح نزلت سورة براءة، ليعلن فيها القرآن الكريم والنبيّ’ الموقف السياسي الهام وهو البراءة العامة من المشركين.

وفي حجّة الوداع نجد أنّ خطبة النبيّ’ في منى تتضمن هذه المفاهيم السياسية والاجتماعية.

كما أنّه أعلن في نهاية الحجّ الولاية لعليّ (ع) على المسلمين في موقع غدير خمّ، وهذا ممّا رواه جميع المسلمين، حيث قال: «مَن كنت مولاه فعليّ مولاه، اللهمّ والِ من والاه وعادِ من عاداه وانصر من نصره واخذل مَن خذله»(47) .

كما أنّ النصوص السابقة التي ثبّتناها حول الأهداف تشير إلى هذا الموقف والخط العملي في عبادة الحجّ.

وهذا مما تفرضه طبيعة هذه العبادة الشريفة، وهذا الاجتماع العظيم السنوي الذي يأتي فيه النُخَب من أبناء الأُمّة الإسلامية وذوو القدرة والاستطاعة فيها.

 

5 ـ تجديد البيعة مع القيادة الإسلامية العُليا في كل عصر

إنّ الإهتمام بلقاء الإمام في الحجّ وزيارته في حياته إنّما هو لأجل التزوّد بنصائحه وإرشاداته، ومعرفة المواقف التفصيلية تجاه مختلف القضايا منه، وعرض الأعمال والنشاطات التي يقوم بها المؤمنون عليه وطرح مشاكلهم وقضاياهم الخاصّة والعامّة، وغير ذلك من الأُمور التي تقتضيها هذه العلاقة المباشرة المهمة في المجتمع الإسلامي وفي بناء الجماعة الصالحة، وهي علاقة الإمام بالمأموم مباشرة.

فقد روى الكليني والصدوق بسند معتبر عن الإمام أبي جعفرالباقر (ع) قال: «إنّما أُمر النّاس أن يأتوا هذه الأحجار ليطوفوا فيها، ثمّ يأتونا فيخبرونا بولايتهم ويعرضوا علينا نصرهم»(48) .

وقد جاءت الإشارة إلى هذا الموضوع في عدة روايات أُخرى، الأمر الذي يؤكد أهمية هذا الخط والتوجه التنظيمي في الجماعة الصالحة من خلال هذا الموسم الشريف، واعتبار ذلك من العبادات التي يمكن أن يقوم بها الإنسان المؤمن.

وهذا التوجه التنظيمي هو مبدأ إسلامي جسّده أهل البيت(ع) في نظام الجماعة الصالحة، حيث إنّ إرتباط الأُمّة بالقيادة الإسلامية والالتزام بالمواثيق والعهود تجاهها، سواء على مستوى توجيهاتها وأوامرها، أو على مستوى النصرة لها في مواقفها، يمثل أصلاً من أُصول الإسلام دعى إليه القرآن الكريم في قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنـَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ}(49) .

 

6 ـ إحياء روح الجهاد من خلال إحياء الحجّ في كل عام

لقد ورد في بعض النصوص عن النبيّ’ أنّ الحجّ جهاد، وقد قال ذلك بشأن النساء اللاتي أسقط الإسلام عنهنّ فرض الجهاد الابتدائي. فقد روى البخاري عن عائشة أنها قالت: «يا رسول الله، نرى الجهاد أفضل العمل أفلا نجاهد؟ قال: لا، ولكنّ أفضل الجهاد حجّ مبرور»(50)، وفي لفظ النسائي: «ولكنّ أحسن الجهاد وأجمله حجّ البيت» .

ونجد أنّ النسائي يعمّم هذا الحكم لكبار السن والصغار والضعفاء والنساء(51).

ونجد أنّ أهل البيت(ع) يعطون للحجّ في هذا الجانب بُعداً أوسع، بحيث يشمل كلّ أبناء الجماعة الصالحة التي تواجه ظروفاً استثنائية تمنعها من الجهاد لأسباب شرعية وأخلاقية، كلّ ذلك حفاظاً من أئمة أهل البيت(ع) على فكرة الجهاد وروح العبادة فيه وضرورة الممارسة لها في كلّ الأحوال، استلهاماً من موقف رسول الله’ ومن فهمه لمضمون هذه العبادة.

لقد واجه شيعة أهل البيت(ع) وأبناء الجماعة الصالحة الظروف السياسية الاستثنائية، التي كان يشن فيها الحكّام الظالمون الجائرون الحرب عليهم دون مبررات، ودون أهداف إسلامية، أو شرعية، وإنّما لمجرد التسلّط والحصول على المزيد من المكاسب والضرائب المالية، حتى وصل الحال ببعض هؤلاء الحكّام الأُمويين أن يمتنع عن قبول إسلام أبناء النصارى; لأنّ إسلامهم يعني سقوط الجزية عنهم، فكان يلزمهم الجزية ويرفض إسلامهم ويبقيهم على نصرانيتهم(52) .

وكان الموقف الشرعي لأئمة أهل البيت(ع) هو عدم الإذن لأبناء الجماعة الصالحة في المشاركة في مثل هذه الحروب. ولكنّ هذا الموقف كان له تأثير روحي سلبي على الجماعة، حيث تحرر عملياً من الآثار المعنوية لعبادة الجهاد في سبيل الله.

وقد دعا أهل البيت(ع) أبناء الجماعة الصالحة إلى عبادة الحجّ والاستزادة منها باعتبارها تعويضاً روحياً وتربوياً وأخلاقياً عن عبادة الجهاد التي فرضت ظروفهم حرمانهم من ممارستها، استلهاماً لذلك من سنة رسول الله’ .

وقد ورد في الرواية المعتبرة عن الصادق (ع) عن رسول الله’قوله: «هو أحد الجهادين. هو جهاد الضعفاء ونحن الضعفاء»(53).

وفي نصّ آخر: «نحن وشيعتنا الضعفاء» ولعلّ في هذين النصّين ما يلقي الضوء على هذا الموقف وهذا الفهم من أهل البيت سلام الله عليهم.

ويتّضح هذا المفهوم من ملاحظة النصوص التالية التي تربط بين الموقف من الجهاد والموقف من الحجّ:

1 ـ روى جعفر بن محمّد بن قولويه عن أبي جعفر الباقر (ع) في حديث قال: «الجهاد أفضل الأشياء بعد الفرائض في وقت الجهاد، ولا جهاد إلاّ مع الإمام...»(54) .

2 ـ روى الكليني وغيره بسند معتبر عن أبي عبدالله الصادق (ع) قال: «لقي عبّاد البصري عليّ بن الحسين (ع) في طريق مكة فقال له: يا عليّ بن الحسين، تركت الجهاد وصعوبته، وأقبلت على الحجّ ولينه؟ إنّ الله عزّ وجلّ يقول: {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِى سَبِيلِ اللَّهِ...}الآية، فقال عليّ بن الحسين (ع) : أتمّ الآية، فقال: {التَّـائِبُونَ الْعَابِدُونَ...} الآية، فقال عليّ بن الحسين (ع) : إذا رأينا هؤلاء الذين هذه صفتهم فالجهاد أفضل من الحجّ»(55).

وفي رواية اُخرى قال له: «إذا ظهر هؤلاء لم نؤثر على الجهاد شيئاً»(56) .

وقد وردت الرواية المعتبرة عن أبي عبدالله، عن آبائه(ع) أنّه قال: قال أميرالمؤمنين (ع) : «لا يخرج المسلم في الجهاد من لا يؤمن على الحكم، ولا ينفذ في الفيء أمر الله عزّ وجل; فإنّه إن مات في ذلك المكان كان معيناً لعدوّنا في حبس حقّنا والإشاطة بدمائنا، وميتته ميتة الجاهلية»(57) .

 

نظام الحجّ في نصوص أهل البيت(ع)

من يرجع الى نصوص أهل البيت(ع) حول الحجّ يجد نصوصاً تبلغ كثرتها عدة مجلّدات فقد خصص صاحب وسائل الشيعة ثلاث مجلدات من عشرين مجلداً من موسوعته الفقهية بكتاب الحجّ. هذا سوى ما استدركه عليه غيره من المؤلفين كصاحب مستدرك وسائل الشيعة. وهذا خير دليل على مدى اهتمام أهل البيت(ع) بهذه الفريضة وبأحكامها. ونختار من هذه الموسوعة الحديثية نماذج لإيضاح موقف أهل البيت(ع) من الحج في نصوصهم المباركة، وذلك ضمن نقاط عشرة:

أوّلاً: أهمية الحجّ وفضيلته

1 ـ قال الإمام عليّ (ع) ـ فيما أوصى عند رحيله ـ «الله الله في بيت ربّكم لا تخلّوه ما بقيتم، فإنه إن تُرك لم تُناظروا»(58) .

2 ـ وقال (ع) : «الحجّ جهاد الضعيف»(59) .

3 ـ وقال: «نفقة درهم في الحجّ تعدل ألف درهم»(60) .

4 ـ وقال: «الحاجّ والمعتمر وفد الله، ويحبوه بالمغفرة»(61) .

 

ثانياً: فلسفة الحجّ وعلل تشريعه

1 ـ قال الإمام عليّ (ع) : «وفرض عليكم حجّ بيته الحرام الّذي جعله قبلة للأنام، يردونه ورود الأنعام، ويألهون إليه وُلوه الحمام، وجعله سبحانه علامة لتواضعهم لعظمته وإذعانهم لعزّته»(62) .

2 ـ خطب الإمام عليّ (ع) قائلاً: «ألا ترون أنّ الله سبحانه اختبر الأوّلين من لدن آدم ـ صلوات الله عليه ـ إلى الآخرين من هذا العالم بأحجار لا تضرّ ولا تنفع، ولا تبصر ولا تسمع، فجعلها بيته الحرام الّذي جعله للناس قياماً، ثمّ وضعه بأوعر بقاع الأرض حجراً، وأقلّ نتائق الدنيا مدراً، وأضيق بطون الأودية قطراً، بين جبال خشنة، ورمال دمثة، وعيون وشلة، وقرى منقطعة، لا يزكو بها خفّ ولا حافر ولا ظلف.

ثمّ أمر سبحانه آدم وولده أن يثنوا أعطافهم نحوه، فصار مثابة لمنتجع أسفارهم، وغاية لملقى رحالهم، تهوي إليه ثمار الأفئدة من مفاوز قفار سحيقة، ومهاوي فجاج عميقة، وجزائر بحار منقطعة، حتى يهزّوا مناكبهم ذللاً، يُهلّلون لله حوله، ويرملون على أقدامهم، شعثاً غبراً له، قد نبذوا السرابيل وراء ظهورهم، وشوّهوا بإعفاء الشعور محاسن خلقهم، إبتلاءً عظيماً، وامتحاناً شديداً، واختباراً مبيناً، وتمحيصاً بليغاً، جعله الله سبباً لرحمته، ووصلة إلى جنّته.

ولو أراد سبحانه أن يضع بيته الحرام ومشاعره العظام، بين جنات وأنهار، وسهل وقرار جمّ الأشجار، داني الثمار، ملتف البُنى، متّصل القرى، بين برّة سمراء، وروضة خضراء، وأرياف محدقة، وعراص مغدقة، وزروع ناضرة، وطرق عامرة، لكان قد صغر قدر الجزاء على حسب ضعف البلاء.

ولو كان الأساس المحمول عليها والأحجار المرفوع بها، بين زمرّدة خضراء، وياقوتة حمراء، ونور وضياء، لخفف ذلك مصارعة الشك في الصدور، ولوضع مجاهدة إبليس عن القلوب، ولنفى معتلج الريب من الناس، ولكنّ الله يختبر عباده بأنواع الشدائد، ويتعبّدهم بألوان المجاهد، ويبتليهم بضروب المكاره، إخراجاً للتكبر من قلوبهم، وإسكاناً للتذلل في نفوسهم، وليجعل ذلك أبواباً فُتحاً إلى فضله، وأسباباً ذُللاً لعفوه»(63) .

3 ـ قال الإمام زين العابدين (ع) : «حجّوا واعتمروا، تصحّ أجسادكم، وتتّسع أرزاقكم، ويصلح إيمانكم، وتكفوا مؤونة الناس ومؤونة عيالاتكم»(64) .

4 ـ قال الإمام الباقر (ع) : «الحجّ تسكين القلوب»(65) .

5 ـ قال الإمام الصادق (ع) : «عليكم بحجّ هذا البيت فأدمنوه، فإنّ في إدمانكم الحجّ دفع مكاره الدنيا عنكم، وأهوال يوم القيامة»(66) .

6 ـ وقال الإمام الصادق (ع) : «ما من بقعة أحبّ إلى الله تعالى من المسعى لأنه يُذلّ فيه كلّ جبار».

7 ـ أتى ابن أبي العوجاء الى الإمام الصادق (ع) ، فجلس إليه في جماعة من نظرائه، ثمّ قال له: يا أبا عبدالله إنّ المجالس أمانات، ولا بدّ بكلّ من كان به سعال أن يسعل، فتأذن لي في الكلام؟ فقال الصادق (ع) تكلّم بما شئت.

فقال ابن أبي العوجاء: إلى كم تدوسون هذا البيدر، وتلوذون بهذا الحجر، وتعبدون هذا البيت المرفوع بالطوب والمدر، وتهرولون حوله هرولة البعير إذا نفر؟ مَن فكّر في هذا أو قدّر علم أنّ هذا فعل أسّسه غير حكيم ولا ذي نظر، فقل فإنّك رأس هذا الأمر وسنامه وأبوك أُسّه ونظامه.

فقال الصادق (ع) : «إنّ من أضلّه الله وأعمى قلبه استوخم الحقّ فلم يستعذبه، وصار الشيطان وليّه يورده مناهل الهلكة ثمّ لا يصدره.

وهذا بيتٌ استعبد الله به خلقه ليختبر طاعتهم في إتيانه، فحثّهم على تعظيمه وزيارته، وقد جعله محلّ الأنبياء وقبلة للمصلّين له، وهو شعبة من رضوانه، وطريق يؤدّي إلى غفرانه، منصوب على استواء الكمال، ومجتمع العظمة»(67) .

8 ـ قال الإمام الصادق (ع) : وقد سأله هشام بن الحكم عن علّة الحجّ والطواف بالبيت؟ «إنّ الله خلق الخلق... وأمرهم بما يكون من أمر الطاعة في الدين، ومصلحتهم من أمر دنياهم، فجعل فيه الاجتماع من المشرق والمغرب ليتعارفوا، وليتربّح كلّ قوم من التجارات من بلد إلى بلد، ولينتفع بذلك المكاري والجمّال، ولتعرف آثار رسول الله’ وتعرف أخباره ويذكر ولا ينسى. ولو كان كلّ قوم ]إنّما[ يتّكلون على بلادهم وما فيها هلكوا، وخربت البلاد، وسقطت الجلب والأرباح، وعمّيت الأخبار، ولم يقفوا على ذلك، فذلك علّة الحجّ»(68) .

9 ـ وجاء عن الإمام الرضا (ع) : «علّة الحجّ الوفادة إلى الله تعالى، وطلب الزيادة، والخروج من كلّ ما اقترف، وليكون تائباً ممّا مضى مستأنفاً لما يستقبل، وما فيه من استخراج الأموال، وتعب الأبدان، وحظرها عن الشهوات واللّذات...، ومنفعة في شرق الأرض وغربها، ومن في البرّ والبحر، ممّن يحجّ وممّن لا يحجّ، من تاجر وجالب وبايع ومشتر وكاتب ومسكين، وقضاء حوائج أهل الأطراف والمواضع الممكن لهم الاجتماع فيها كذلك ليشهدوا منافع لهم»(69) .

10 ـ قال الإمام الرضا (ع) : «فإن قال: فلمَ أمر بالحجّ؟ قيل: لعلّة الوفادة وطلب الزيادة... مع ما فيه من التفقّه ونقل أخبار الأئمة(ع) إلى كلّ صقع وناحية، كما قال الله عزّ وجلّ: {فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَة مِّنْهُمْ طَائِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُواْ فِي الدِّينِ... وَلِيَشهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ}»(70) .

 

ثالثاً: آثار الحجّ وبركاته

1 ـ قال رسول الله’: «الحجّ ينفي الفقر»(71) .

2 ـ قال الإمام عليّ (ع) : «وحجّ البيت والعمرة، فإنّهما ينفيان الفقر، ويكفّران الذنب، ويوجبان الجنّة»(72) .

3 ـ قال الإمام الصادق (ع) : «ما رأيت شيئاً أسرع غنىً ولا أنفى للفقر من إدمان حجّ البيت»(73) .

 

رابعاً: الحجّ التّام

1 ـ قال الإمام الباقر (ع) : «تمام الحجّ لقاء الإمام»(74) .

2 ـ وقال الإمام الصادق (ع) في قوله تعالى: {لِيَقضُوا تَفَثَهُم}«لقاء الإمام»(75) .

 

خامساً: مضاعفات ترك الحجّ

1 ـ قال الإمام الصادق (ع) : «مَن مات ولم يحجّ حجّة الإسلام، ولم تمنعه من ذلك حاجة تجحف به، أو مرض لا يطيق الحجّ من أجله، أو سلطان يمنعه، فليمت إن شاء يهودياً وإن شاء نصرانياً»(76) .

2 ـ قال الإمام الكاظم (ع) في قوله تعالى: «{وَمَن كَانَ فِي هذِهِ أعمى فَهوَ فِي الآخرة أعمى وأضلّ سبيلاً}: ذاك الذي يسوّف الحجّ ـ يعني: حجّة الإسلام ـ يقول: العام أحجّ العام أحجّ حتى يجيئه الموت»(77) .

3 ـ قال الإمام الصادق (ع) ـ لمّا قال له عبدالرحمن: إنّ ناساً من هؤلاء القصّاص يقولون إذا حجّ رجل حجّة ثمّ تصدّق ووصل كان خيراً له ـ : «كذبوا، لو فعل هذا النّاس لعطّل هذا البيت، إنّ الله عزّ وجلّ جعل هذا البيت قياماً للناس»(78) .

4 ـ وقال (ع) : «لو عطّل النّاس الحجّ لوجب على الإمام أن يجبرهم على الحجّ إن شاءوا وإن أبو لأنّ هذا البيت إنّما وضع للحجّ»(79) .

 

سادساً: قلّة الحجيج وكثرة الضجيج

قال عبدالرحمن بن كثير: حججت مع أبي عبدالله (ع) ، فلمّا صرنا في بعض الطريق صعد على جبل فأشرف فنظر إلى الناس فقال: «ما أكثر الضجيج وأقلّ الحجيج؟!»(80) .

 

سابعاً: أدب الحاجّ وعرفان الحجّ

1 ـ قال الإمام الباقر (ع) : «ما يُعبأ بمَن يؤمّ هذا البيت إذا لم يكن فيه ثلاث خصال: ورع يحجزه عن معاصي الله، وحلم يملك به غضبه، وحسن الصحابة لمَن صحبه»(81) .

2 ـ وقال الإمام الصادق (ع) : «إذا أحرمت فعليك بتقوى الله وذكر الله كثيراً، وقلّة الكلام إلاّ بخير; فإنّ من تمام الحجّ والعمرة أن يحفظ المرء لسانه إلاّ من خير، كما قال الله تعالى، فإنّ الله عزّ وجلّ يقول: {فَمَن فَرَضَ فِيهنّ الحجّ فَلا رفث ولا فُسوق ولا جدال في الحجّ}»(82) .

3 ـ وقال (ع) : «إذا أردت الحجّ فجرّد قلبك لله تعالى من قبل عزمك من كلّ شاغل، وحجاب كلّ حاجب، وفوّض أُمورك كلّها إلى خالقك، وتوكّل عليه في جميع ما يظهر من حركتك وسكناتك، وسلّم لقضائه وحكمه وقدره، وودّع الدنيا والراحة والخلق، واخرج من حقوق تلزمك من جهة المخلوقين، ولا تعتمد على زادك وراحلتك وأصحابك وقوّتك وشبابك ومالك، مخافة أن يصير ذلك عدواً ووبالاً، فإنّ من ادّعى رضا الله واعتمد على شيء صيّره عليه عدوّاً ووبالاً، ليعلم أنّه ليس له قوّة ولا حيلة ولا لأحد إلاّ بعصمة الله وتوفيقه.

واستعدّ استعداد من لا يرجوا الرجوع، وأحسن الصحبة، وراع أوقات فرائض الله وسنن نبيّه’، وما يجب عليك من الأدب والاحتمال والصبر والشكر والشفقة والسخاء وإيثار الزاد على دوام الأوقات.

ثمّ اغتسل بماء التوبة الخالصة ذنوبك، والبس كسوة الصدق والصفاء والخضوع والخشوع.

وأحرم من كلّ شيء يمنعك من ذكر الله ويحجبك عن طاعته.

ولبّ بمعنى إجابة صافية زاكية لله عزّ وجلّ في دعوتك له متمسّكاً بالعروة الوثقى.

وطُف بقلبك مع الملائكة حول العرش كطوافك مع المسلمين بنفسك حول البيت.

وهرول هرولة من هواك، وتبرّياً من جميع حولك وقوّتك.

واخرج من غفلتك وزلاّتك بخروجك إلى منى، ولا تتمنّ ما لا يحلّ لك ولا تستحقّه.

واعترف بالخطايا بعرفات، وجدّد عهدك عند الله بوحدانيّته.

وتقرّب إلى الله واتّقه بمزدلفة(83) .

واصعد بروحك إلى الملأ الأعلى بصعودك إلى الجبل.

واذبح حنجرتي الهوى والطمع عند الذبيحة.

وارم الشهوات والخساسة والدناءة والأفعال الذميمة عند رمي الجمرات.

واحلق العيوب الظاهرة والباطنة بحلق رأسك.

وادخل في أمان الله وكنفه وستره وكلاءته من متابعة مرادك بدخولك الحرم.

وَزُر البيت محقّقاً لتعظيم صاحبه ومعرفة جلاله وسلطانه.

واستلم الحجر رضاً بقسمته وخضوعاً لعزّته.

وودّع ما سواه بطواف الوداع.

وصفّ روحك وسرّك للقاء الله يوم تلقاه بوقوفك على الصفاء.

وكن ذا مروّة من الله تقيّاً أوصافك عند المروة.

واستقم على شرط حجّك هذا ووفاء عهدك الذي عاهدت به مع ربّك وأوجبته إلى يوم القيامة»(84) .

4 ـ قال مالك بن أنس: حججت مع الصادق (ع) سنةً، فلمّا استوت به راحلته عند الإحرام كان كلّما همّ بالتلبية انقطع الصوت في حلقه، وكاد أن يخرّ من راحلته، فقلت: قل يابن رسول الله! ولابدّ لك من أن تقول، فقال (ع) : «يابن أبي عامر! كيف أجسر أن أقول: لبّيك اللهمّ لبّيك، وأخشى أن يقول عزّ وجلّ لي: لا لبّيك ولا سعديك»(85) .

5 ـ قال الإمام الصادق (ع) : «إذا اكتسب الرجل مالاً من غير حلّه ثمّ حجّ فلبّى، نودي: لا لبّيك ولا سعديك، وإن كان من حلّه فلبّى نودي: لبّيك وسعديك»(86) .

6 ـ قال رسول الله’ : «مَن حجّ بمال حرام فقال: لبّيك اللهمّ لبّيك، قال الله له: لا لبّيك ولا سعديك حجّك مردود عليك»(87) .

7 ـ وقال الإمام الرضا (ع) : «إنّما أُمروا بالإحرام ليخضعوا قبل دخولهم حرم الله وأمنه، ولئلاّ يلهوا ويشتغلوا بشيء من أُمور الدنيا وزينتها ولذّاتها، ويكونوا جادّين فيما هم فيه، قاصدين نحوه، مقبلين عليه بكلّيتهم»(88) .

ثامناً: الاخلاص في الحج (الحجّ لله والحجّ لغير الله )

1 ـ قال الإمام الصادق (ع) : «الحجّ حجّان: حجّ لله وحجّ للناس، فمَن حجّ لله كان ثوابه على الله الجنّة، ومن حجّ للناس كان ثوابه على الناس يوم القيامة»(89) .

2 ـ وقال (ع) : «مَن حجّ يريد الله عزّ وجلّ لا يريد به رياءً ولا سمعة، غفر الله له البتّة»(90) .

3 ـ وقال الإمام الصادق (ع) : «مَن مات في طريق مكة ذاهباً أو جائياً، أمن من الفزع الأكبر يوم القيامة»(91) .

 

4 ـ وقال (ع) : «مَن مات محرماً بعثه الله ملبيّاً»(92) .

5 ـ وقال (ع) : «مَن مات في أحد الحرمين بعثه الله من الآمنين، ومَن مات بين الحرمين لم ينشر له ديوان»(93) .

تاسعاً: حرمة الحرم وحريم البيت الحرام

1 ـ قال الإمام الصادق (ع) في قول الله تعالى : «{ومَن دخله كان آمناً}: مَن دخل الحرم من الناس مستجيراً به فهو آمن من سخط الله، ومَن دخله من الوحش والطير كان آمناً من أن يهاج أو يؤذى حتى يخرج من الحرم»(94) .

2 ـ عنه (ع) أيضاً: «إن سرق سارق بغير مكة، أو جنى جناية على نفسه ففرّ إلى مكّة، لم يؤخذ مادام في الحرم حتى يخرج منه، ولكن يمنع من السوق، فلا يبايع ولا يجالس حتى يخرج منه فيؤخذ، وإن أحدث في الحرم ذلك الحدث أخذ فيه»(95) .

 

عاشراً: حضور الإمام المهدي في الموسم

قال الإمام الصادق (ع) : «يفقد الناس إمامهم فيشهد الموسم فيراهم ولا يرونه»(96) .

وتصرح الأحاديث الشريفة بأن من سيرته (ع) في غيبته حضور موسم الحج في كل عام، وواضح مافي حضور هذا الموسم السنوي المهم من فرصة مناسبة للالتقاء بالمؤمنين من أنحاء أقطار العالم وإيصال التوجيهات إليهم ولو من دون التعريف بنفسه بصراحة والتعرف على أحوالهم عن قرب دون الحاجة الى أساليب إعجازية.

إنّ الأحاديث الشريفة التي تذكر حضوره (ع) هذا الاجتماع الإسلامي السنوي العام، ذكرت أنه (ع) : «يشهد الموسم فيراهم ولا يرونه»(97)، ويبدو أن المقصود هو الرؤية مع تحديد هويته (ع) ، بمعنى أن يعرفوه أنه هو المهدي، إذْ توجد عدة روايات اُخرى تصرح برؤيته في هذا الموسم وبعضها يصرح بعدم معرفة المشاهدين لهويته على نحو التحديد واقتصار معرفتهم بأنّه من ذرية رسول الله’ (98).

 

الحجّ في سيرة خاتم الأنبياء’

1 ـ روى معاوية بن عمّار عن الإمام الصادق (ع) : «إنّ رسول الله’أقام بالمدينة عشر سنين لم يحجّ، ثمّ أنزل الله عليه: {وَأَذِّن فِى النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالا وَعَلَى كُلِّ ضَامِر يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجّ عَمِيق}(99) فأمر المؤذنين أن يؤذنوا بأعلى أصواتهم: إنّ رسول الله يحجّ من عامه هذا، فعلم به من حضر المدينة، وأهل العوالي والأعراب، فاجتمعوا فحجّ رسول الله’، وإنّما كانوا تابعين ينتظرون ما يؤمرون به فيصنعونه، أو يصنع شيئاً فيصنعونه، فخرج رسول الله’ في أربع بقين من ذي القعدة، فلما انتهى إلى ذي الحليفة فزالت الشمس ثمّ اغتسل، ثمّ خرج حتى أتى المسجد الذي عند الشجرة فصلّى فيه الظهر، وعزم بالحجّ مفرداً، وخرج حتّى إنتهى إلى البيداء عند الميل الأوّل، فصف الناس له سماطين، فلبّى بالحجّ مفرداً، وساق الهدي ستّاً وستّين أو أربعاً وستّين، حتى انتهى إلى مكة في سلخ أربع من ذي الحجّة، فطاف بالبيت سبعة أشواط، وصلّى ركعتين خلف مقام إبراهيم (ع) ، ثمّ عاد إلى الحجر فاستلمه، وقد كان استلمه في أوّل طوافه.

ثمّ قال: إنّ الصفا والمروة من شعائر الله، فابدءوا بما بدأ الله به.

وأن المسلمين كانوا يظنّون أنّ السعي بين الصفا والمروة شيء صنعه المشركون فأنزل الله تعالى: {إِنَّ الصَّفَا وَا لْمَرْوَةَ مِن شَعَآئِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ ا لْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ أَن يَطَّوَّفَ بِهِمَا}(100) . ثمّ أتى إلى الصفا، فصعد عليه فاستقبل الركن اليماني، فحمد اللهوأثنى عليه، ودعا مقدار ما يقرأ سورة البقرة مترسلاً، ثمّ انحدر إلى المروة، فوقف عليها كما وقف على الصفا، حتى فرغ من سعيه.

ثمّ أتاه جبرئيل (ع) وهو على المروة فأمره أن يأمر الناس أن يحلّوا إلاّ سائق الهدي، فقال رجل: أنحُلّ ولم نفرغ من مناسكنا؟ فقال: نعم.

قال (ع) : فلما وقف رسول الله’ بالمروة بعد فراغه من السعي أقبل على الناس بوجهه فحمد الله وأثنى عليه، ثمّ قال: إنّ هذا جبرئيل ـ وأومى بيده إلى خلفه ـ يأمرني أن آمر مَن لم يسق هدياً أن يحلّ، ولو استقبلت مَن أمرني مثل ما استدبرت لصنعت مثل ما أمرتكم، ولكنّي سقت الهدي، ولا ينبغي لسائق الهدي أن يحلّ حتى يبلغ الهدي محلّه.

قال (ع) : قال له رجل من القوم: لنخرجنّ حجّاجاً وشعورنا تقطر! فقال له رسول الله’: أما إنّك لن تؤمن بعدها أبداً. فقال له سراقة بن مالك بن جعشم الكناني: يا رسول الله، علّمنا ديننا كأنّما خلقنا اليوم، فهذا الّذي أمرتنا به لعامنا هذا أم لما يستقبل؟ فقال رسول الله’: بل هو للأبد إلى يوم القيامة، ثمّ شبّك أصابعه بعضها إلى بعض وقال: «دخلت العمرة في الحجّ إلى يوم القيامة».

وقدم عليّ (ع) من اليمن على رسول الله’ وهو بمكة، فدخل على فاطمة÷ وهي قد أحلّت، فوجد ريحاً طيّبة، ووجد عليها ثياباً مصبوغة، فقال: ما هذا يا فاطمة؟ فقالت: أمرنا بهذا رسول الله’. فخرج عليّ (ع) إلى رسول الله’ مستفتياً محرشاً على فاطمة÷فقال: يا رسول الله، إنّي رأيت فاطمة قد أحلّت وعليها ثياب مصبوغة! فقال رسول الله’ : أنا أمرت الناس بذلك، وأنت يا عليّ بم أهللت؟ قال: قلت يا رسول الله، إهلالاً كإهلال النبيّ’، فقال له رسول الله’: كن على إحرامك مثلي، وأنت شريكي في هدْيي.

قال (ع) : ونزل رسول الله’ بمكة بالبطحاء هو وأصحابه، ولم ينزل الدُّور، فلمّا كان يوم التروية عند زوال الشمس أمر الناس أن يغتسلوا ويُهلوا بالحجّ، وهو قول الله الذي أنزله على نبيّه’: {فاتّبعوا ملّة إبراهيم حنيفاً}(101) فخرج النبيّ’ وأصحابه مهلّين بالحجّ حتى أتوا منى، فصلّى الظهر والعصر والمغرب والعشاء الآخرة والفجر، ثمّ غدا الناس معه، وكانت قريش تفيض من المزدلفة ـ وهي جُمَع ـ ويمنعون الناس أن يفيضوا منها، فأقبل رسول الله’ وقريش ترجو أن تكون إفاضته من حيث كانوا يفيضون، فأنزل الله على نبيّه’ {ثمّ أفيضوا من حيث أفاض الناس واستغفروا الله}(102)، يعني: إبراهيم وإسماعيل وإسحاق(ع) في إفاضتهم منها ومن كان بعدهم. فلمّا رأت قريش أنّ قبّة رسول الله’ قد مضت، كأنّه دخل في أنفسهم للذي كانوا يرجون من الإفاضة من مكانتهم، حتى انتهى إلى نمرة ـ وهي بطن عرنة بحيال الاراك ـ فضرب قبته، وضرب الناس أخبيتهم عندها. فلمّا زالت الشمس خرج رسول الله’ ومعه فرسه، وقد اغتسل وقطع التلبية حتى وقف بالمسجد، فوعظ الناس وأمرهم ونهاهم، ثمّ صلّى الظهر والعصر بأذان واحد وإقامتين، ثمّ مضى إلى الموقف فوقف به فجعل الناس يبتدرون أخفاف ناقته يقفون إلى جنبها فنحّاها، ففعلوا مثل ذلك، فقال: أيّها الناس، إنّه ليس موضع أخفاف ناقتي الموقف، ولكن هذا كلّه موقف ـ وأومى بيده إلى الموقف ـ فتفرّق الناس. وفعل مثل ذلك بمزدلفة، فوقف حتى وقع القرص ـ قرص الشمس ـ ثمّ أفاض. وأمر الناس بالدّعة حتى انتهى إلى المزدلفة ـ وهي المشعر الحرام ـ فصلّى المغرب والعشاء الآخرة بأذان واحد وإقامتين، ثمّ أقام حتى صلّى فيها الفجر، وعجّل ضعفاء بني هاشم بالليل، وأمرهم أن لا يرموا الجمرة ـ جمرة العقبة ـ حتى تطلع الشمس، فلمّا أضاء له النهار أفاض حتى انتهى إلى منى، فرمى جمرة العقبة. وكان الهَدْي الذي جاء به رسول الله’ أربعاً وستّين، أو ستّاً وستّين(103)، وجاء عليّ (ع) بأربع وثلاثين، أو ست وثلاثين فنحر رسول الله’ ستاً وستين ونحر عليّ (ع) أربعاً وثلاثين وبدنة، وأمر رسول الله’ أن يؤخذ من كلّ بدنة منها جذوة من لحم، ثمّ تطرح في بُرمة(104) ثمّ تطبخ، فأكل رسول الله’ منها وعليّ (ع) وحسيا من مرقها، ولم يُعطِ الجزّارين جلودها ولا جلالها ولا قلائدهاوتصدّق به. وحلق وزار البيت ورجع إلى منى، فأقام بها حتى كان اليوم الثالث من آخر أيام التشريق، ثمّ رمى الجمار، ونفر حتى انتهى إلى الأبطح، فقالت له عائشة: يا رسول الله، ترجع نساؤك بحجّة وعمرة معاً، وأرجع بحجّة؟! فأقام بالأبطح وبعث معها عبدالرحمن بن أبي بكر إلى التنعيم(105) فأهلّت بعمرة، ثمّ جاءت فطافت بالبيت، وصلّت ركعتين عند مقام إبراهيم (ع) ، وسعت بين الصفا والمروة، ثمّ أتت النبيّ’، فارتحل من يومه، ولم يدخل المسجد، ولم يطف بالبيت، ودخل من أعلى مكّة من عقبة المدنيّين وخرج من أسفل مكّة من ذي طوى(106) .

2 ـ حدّثنا أبوبكر بن أبي شيبة وإسحق بن إبراهيم، جميعاً عن حاتم، قال: أبوبكر: حدّثنا حاتم بن إسماعيل المدنيّ، عن جعفر بن محمّد، عن أبيه قال: دخلنا على جابر بن عبدالله فسأل عن القوم حتى انتهى إليَّ، فقلت: أنا محمّد بن عليّ بن حسين، فأهوى بيده إلى رأسي فنزع زرّي الأعلى، ثم نزع زرّي الأسفل، ثم وضع كفّه بين ثدييّ وأنا يومئذ غلام شاب، فقال: مرحباً بك، يا ابن أخي! سل عمّا شئت، فسألته، وهو أعمى وحَضَرَ وقت الصلاة، فقام في نساجة ملتحفاً بها، كُلّما وضعها على منكبه رجع طرفاها إليه من صغرها، ورداؤه إلى جنبه، على المشجب، فصلّى بنا، فقلت: أخبرني عن حجّة رسول الله’، فقال بيده، فعقد تسعاً، فقال: إنّ رسول الله’ مكث تسع سنين لم يحجّ، ثم أذّن في النّاس في العاشرة: أنّ رسول الله’ حاجّ، فقَدِمَ المدينة بشرٌ كثيرٌ، كلّهم يلتمس أن يأتمّ برسول الله’، ويعمل مثل عمله، فخرجنا معه، حتّى أتينا ذا الحُليفة، فولدت أسماء بنت عميس محمّد بن أبي بكر، فأرسلت إلى رسول الله’: كيف أصنع؟ قال: «اغتسلي، واستثفري بثوب وأحرمي» فصلّى رسول الله’ في المسجد، ثم ركب القصواء، حتى إذا استوت به ناقته على البيداء، نظرت إلى مدّ بصري بين يديه، من راكب وماش، وعن يمينه مثل ذلك، وعن يساره مثل ذلك، ومن خلفه مثل ذلك، ورسول الله’ بين أظهرنا، وعليه ينزل القرآن، وهو يعرف تأويله، وما عمل به من شيء عَمِلْنا به، فأهلّ بالتوحيد: «لبيك اللهمّ! لبّيك، لبّيك لا شريك لك لبّيك، إنّ الحمد والنعمة لك، والملك لا شَرِيكَ لكَ»، وأهلّ الناس بهذا الذي يُهلّون به، فلم يردّ رسول الله’ عليهم شيئاً منه، ولَزِمَ رسول الله’تلبيته، قال جابر(رضي الله عنه): لسنا ننوي إلاّ الحجّ، لسنا نعرف العمرة، حتى إذا أتينا البيت معه، استلم الركن فرَمَلَ ثلاثاً ومشى أربعاً، ثم نفذ إلى مقام إبراهيم (ع) ، فقرأ {وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إبْرَاهِيمَ مُصَلَّى}(107) فجعل المقام بينه وبين البيت، فكان أبي يقول ـ ولا أعلمه ذكره إلاّ عن النبيّ’ : ـ كان يقرأ في الركعتين: {قُلْ هو الله أحد}، و{قل يا أيها الكافرون}، ثم رجع الى الركن فاستلمه، ثم خرج من الباب الى الصّفا، فلمّا دنا من الصّفا قرأ: {إنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِر الله}(108) «أبْدأُ بِما بَدَأَ الله بِهِ» فبدأ بالصّفاء، فَرقى عليه، حتى رأى البيت فاستقبل القبلة، فوحّد والله، وكبّره، وقال: «لا إله إلاّ الله وحدهُ لا شريكَ له، له المُلك ولهُ الحمد وهو على كلّ شيء قدير، لا إله إلاّ الله وحده، أنجز وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده». ثم دعا بين ذلك، فقال مثل هذا ثلاث مرّات، ثم نزل الى المروة، حتى ]إذا[ انصبّت قدماه في بطن الوادي سعى، حتّى إذا صعدتا مشى، حتى أتى المروة، ففعل على المروة كما فعل على الصّفا، حتّى إذا كان آخر طوافه على المروة فقال: «لو أنّي استقبلت من أمري ما استدبرت لم أسق الهَدْيَ، وجعلتها عمرة، فمن كان منكم ليس معه هَدْيٌ فليحلّ، وليجعلها عمرةً».

فقام سراقة بن مالك بن جُشعم فقال: يا رسول الله! ألِعَامِنا هذا أم لأبد؟ فشبّك رسول الله’ أصابعه واحدة في الأُخرى، وقال: «دخلت العُمرة في الحجّ» مرتين «لا بل لأبد أبد».

وقدم عليّ من اليمن ببُدْنِ النبيّ’، فوجد فاطمة ـ رضي الله عنها ـ ممّن حلّ، ولبست ثياباً صبيغاً، واكتحلت، فأنكر ذلك عليها، فقالت: إنّ أبي أمرني بهذا، قال: فكان عليّ يقول بالعراق: فذهبت إلى رسول الله’ محرّشاً على فاطمة، للّذي صنعت، مستفتياً لرسول الله’ فيما ذكرت عنه، فأخبرته أنّي أنكرت ذلك عليها، فقال: «صَدَقتْ صَدَقَتْ، ماذا قُلتَ حين فرضت الحجّ؟» قال: قلتُ: اللهمّ! إنّي أُهلُّ بما أهلَّ به رسولك، قال: «فإنّ معي الهَدْيَ فلا تحلّ». قال: فكان جماعة الهدي الّذي قَدِم به عليّ من اليمن والذي أتى به النبيّ’ مائة، قال: فحلّ الناس كلّهم وقصّروا، إلاّ النبيّ’ ومن كان معه هَدْيٌ فلمّا كان يوم التروية توجّهوا إلى مِنى، فأهلّوا بالحجّ، وركب رسول الله’ فصلّى بها الظُّهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر، ثم مكث قليلاً حتّى طلعت الشمس، وأمر بقبّة من شعر تضرب له بنمرةَ، فسار رسول الله’ ولا تشكّ قريش إلاّ أنه واقف عند المشعر الحرام، كما كانت قريش تصنع في الجاهلية، فأجاز رسول الله’ حتّى أتى عَرَفَة، فوجد القُبّة قد ضُربت له بنمرة، فنزل بها، حتّى إذا زاغت الشمس أمر بالقصواء، فرُحِلَتْ له، فأتى بطن الوادي، فخطب الناس وقال: «إنّ دماءكم وأموالكم حرام عليكم، كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا، ألا كلّ شيء من أمر الجاهلية تحت قدميّ موضوع، ودماء الجاهلية موضوعة، وإنّ أوّل دم أضَعُ من دمائنا دم ابن ربيعة بن الحارث، كان مُسترضعاً في بني سعد فقتله هُذيل، ورِبا الجاهلية موضوع، وأوّل رباً أضعُ رِبانا، رِبا العبّاس بن عبدالمطلب، فإنّه موضوع كلّه، فاتقوا الله في النّساء، فإنّكم أخذتموهنّ بأمان الله، واستحلَلْتُم فروجهنّ بكلمة الله، ولكم عليهنّ أن لا يُوطئن فُرُشكم أحداً تكرهونه، فإن فعلن ذلك فاضربوهنّ ضرباً غير مُبرِّح، ولهنّ عليكم رزقهنّ وكسوتُهُنّ بالمعروف، وقد تركت فيكم ما لن تضلُّوا بعده إن اعتصمتُمْ به، كتاب الله(109) وأنتم تُسألون عنّي، فما أنتم قائلون؟» قالوا: نشهد أنّك قد بلّغت وأدّيت ونصحت، فقال بإصبعه السّبّابة، يرفعها إلى السماء وينكُتُها إلى الناس: «اللهمّ! اشهدْ اللهمّ! اشهدْ» ثلاث مرّات، ثم أذّن، ثمّ أقام فصلّى الظهر، ثم أقام فصلّى العصر، ولم يُصلِّ بينهما شيئاً، ثمّ ركب رسول الله’، حتّى أتى الموقف، فجعل بطن ناقته القصواء الى الصّخرات، وجعل حبل المُشاة بين يديهِ، واستقبل القبلة، فلم يزل واقفاً حتى غربت الشمس، وذهبت الصُّفرة قليلاً حتى غاب القُرص، وأردف أُسامة خلفه، ودفع رسول الله’وقد شَنَقَ للقصواء الزّمام، حتى إنّ رأسها ليُصيب مورك رَحْلِهِ، ويقول بيده اليمنى: «أيّها الناس! السّكينة السّكينة» كلّما أتى حَبْلاً من الحِبال أرخى لها قليلاً، حتّى تصعد، حتى أتى المزدلفة، فصلّى بها المغرب والعشاء بأذان واحد وإقامتين، ولم يُسبّح بينهما شيئاً، ثم اضطجع رسول الله’ حتى طلع الفجر، وصلّى الفجر، حين تبيّن له الصّبح، بأذان وإقامة، ثمّ رَكِبَ القصواء، حتى أتى المَشْعَر الحرام، فاستقبل القبلة، فدعاه وكبّره وهلّله ووحّده، فلم يزل واقفاً حتى أسفر جدّاً، فدفع قبل أن تطلع الشمس، وأردف الفضل بن عبّاس، وكان رجلاً حسن الشعر أبيض وسيماً، فلمّا دفع رسول الله’ مرّت به ظُعُنٌ يَجْرينَ، فطفق الفضل ينظر إليهنّ، فوضع رسول الله’ يده على وجه الفضل، فحوّل الفضل وجهه الى الشّقّ الآخر ينظر، فحوّل رسول الله’ يده من الشّقّ الآخر على وجه الفضل، يصرف وجهه من الشّقّ الآخر ينظر، حتى أتى بطن مُحَسِّر، فحرّك قليلاً، ثم سلك الطريق الوسطى التي تخرج على الجمرة الكبرى، حتى أتى الجمرة التي عند الشجرة، فرماها بسبع حَصَيَات، يُكبّر مع كلّ حصاة منها، حصى، رمى من بطن الوادي، ثمّ انصرف الى المنحر، فنحر ثلاثاً وستين بيده، ثمّ أعطى عليّاً، فنحرَ ما غَبَرَ، وأشركه في هَدْيِه، ثم أمر من كل بدنة ببضعة، فجُعلت في قدر، فطُبخت، فأكلا من لحمها وشَرِبَا من مرقها، ثمّ ركب رسول الله’ فأفاض الى البيت، فصّلى بمكّة الظهر، فأتى بني عبدالمطّلب يسقون على زمزم، فقال: «انْزِعُوا، بني عبدالمطّلب، فلولا أن يغلبكم النّاس على سقايتكم لنزعت معكم» فناولوه دلْواً فشرب منه(110).

السيّد منذر الحكيم

 


(1) ورد حديث الثقلين في مسند أحمد: 3/17 و26، كنز العمّال: 1/165 ح945، الصواعق المحرقة لابن حجر الهيتمي: ص148 ط المحمّدية، وللمزيد راجع كتب الأحاديث للفريقين، وحديث الثقلين من الأحاديث المتواترة عند الفريقين واليك واحداً من نصوصه:.
(2) المعجم الصغير للطبراني: 1/139، مسند أحمد: 5/95، حديث السفينة من الأحاديث المتواترة عن المسلمين راجع إحقاق الحقّ للتستري: 9/270 ونصّ الحديث:
(3) مستدرك الحاكم: 2/448 و3/457، الصواعق المحرقة: 150، 185، 233 ط المحمّدية بمصر، مجمع الزوائد: 9/174 ونصّ الحديث:
(4) أهل الذكر قوله تعالى: (فَسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنتُمْ لاَتَعْلَمُونَ) النحل: 43، راجع شواهد التنزيل للحاكم الحسكاني: 1/334، حديث 459، 460، 463، تفسير القرطبي: 11/272، تفسير الطبري: 17/5 ط. بولاق ونصّ الحديث المفسّر للآية.
(5) أولو الأمر قوله تعالى: {أَطِيعُواْ اللَّهَ وأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِى الاَْمْرِ مِنكُمْ} (المائدة: 59) راجع تفسير الرازي: 3/357 ط الدار العامرة، شواهد التنزيل: 1/148، فرائد السمطين: 1/314 ح250 ونصّ الحديث المفسّر الآية .
(6) انظر ذلك من تفسير القمي: 1/306 .
(7) تذكرة الخواص: ص20 ط النجف قال: كونوا مع عليّ وأهل بيته، كفاية الخصام ابن شهرآشوب: ص347 وفيه: كونوا مع الصادقين أي محمّد وأهل بيته.
(8) المستدرك للحاكم: 3/149، بحار الأنوار: 23/123 وللمزيد من التفصل راجع إحقاق الحق: والحديث «... وأهل بيتي أمان من الضلال...» وقد جاء هذا الحديث بألفاظ مختلفة، وعصمهم الله وطهّرهم وآمنهم من الزلل والفتن بآية التطهير، وهي الآية 33 من سورة الأحزاب.
(9) قال تعالى: {لا يمسّه إلاّ المطهّرون} الواقعة:..... وعين المطهّرين في قوله تعالى:{إنّما يُريدُ الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهّركم تطهيرا}.
(10) الأحاديث التي تعتبرهم أُسوة بعد رسول الله’ كثيرة، انظر:1
ـ قال رسول الله’ : «يا أيها الناس إن الفضل والشرف والمنزلة والولاية لرسول الله وذريّته، فلا تذهبن بكم الأباطيل» الصواعق المحرقة: 174، ط المحمدية، ينابيع المودّة: ص169 و306 ط إسلامبول.
2 ـ وعنه’ : «في كل خلف من أُمتي عدول من أهل بيتي، ينفون عن هذا الدين تحريف الضالّين، وتأويل الجاهلين، ألا وإن أئمتكم وفدكم الى الله، فانظروا من توفدون» الصواعق المحرقة: 148، ذخائر العقبى: 17.
3 ـ وذيل حديث الثقلين عنه’ : «فلا تقدّموهم فتهلكوا، ولا تقصروا عنهم فتهلكوا...» مجمع الزوائد: 9/163، الدر المنثور: 2/60 .
وعنه أيضاً: «اجعلوا أهل بيتي منكم مكان الرأس من الجسد، ومكان العينين من الرأس، ولا يهتدي الرأس إلاّ بالعينين» الشرف المؤبد للشيخ يوسف النبهاني: 31 ، إسعاف الراغبين بهامش نور الأبصار: 110 ط السعيدية بمصر، الفصول المهمة، ابن الصباغ: 8 ط الحيدرية، مجمع الزوائد: 9/172 .
(11) الآية 24 من سورة الحجّ.
(12) الآية 97 من سورة المائدة.
(13) الآية 96 من سورة آل عمران.
(14) الآية 125 من سورة البقرة.
(15) الكافي: 4/271، باب لو ترك الناس الحجّ، ح4 .
(16) الكافي: 4/271 ح4، من لا يحضره الفقيه للصدوق: 243 ح2307.
(17)الفيل، التين، قريش، البلد، النمل، إبراهيم.
(18)البقرة، الأنفال، آل عمران، الحج، التوبة، المائدة..
(19) آل عمران: 96.
(20) آل عمران: 97.
(21) البقرة: 125.
(22) المائدة: 97.
(23) الحجّ: 27.
(24) الحجّ: 34.
(25) الحجّ: 36.
(26) الحجّ: 37.
(27) الحجّ: 37.
(28) الحجّ: 27 ـ 28.
(29) الحجّ: 30.
(30) الحجّ: 32 ـ 33.
(31) البقرة: 197.
(32) آل عمران: 97.
(33) البقرة: 125.
(34) اعتمدنا في هذا البحث بشكل خاص على ما كتبه العلاّمة آية الله السيد محمّد باقر الحكيم+ لأهميته وثرائه الفكري وقد نشره المجمع العالمي لأهل البيت(ع) في مجلة رسالة الثقلين العدد 27.
(35) فقد ذكر صاحب جامع أحاديث الشيعة ـ على سبيل المثال ـ في خصوص الروايات التي تتحدث عن تاريخ الحجّ وفضله وشؤونه العامة ثمانمائة وواحداً وثلاثين حديثاً.
(36) التاج الجامع للاُصول 2: 153 عن صحيح مسلم وسنن أبي داود.
(37) وسائل الشيعة: 8/7، ح12، عن من لا يحضره الفقيه.
(38) راجع وسائل الشيعة: 8/ 238 ـ 248، أبواب آداب السفر إلى الحجّ وهي ثمانية وستون باباً.
(39) راجع دعاء الإمام الحسين وابنه عليّ بن الحسين‘في يوم عرفة بالخصوص لتجد عظمة هذا الجانب وروعته في مدرستهم .
(40) باستثناء ما يذهب إليه الوهابيون من تحريم شدّ الرحال لزيارة النبيّ’، وإنّما يجوّزونها لمَن حضر (المدينة). نعم يجوز شدّ الرحال ـ في نظرهم ـ إلى مسجد النبيّ’ في المدينة وتكون الزيارة للنبيّ’ في هامش زيارة المسجد الشريف.
(41) هناك احتمالات متعددة في موضع دفنها أظهرها أنّه في بيتها، واحتمال آخر أنّه في البقيع واحتمال ثالث في الروضة والسبب في ذلك هو أنّ الصدّيقة (سلام الله عليها) ـ لظروف سياسية ـ أوصت عليّاً (ع) أن يخفي محل دفنها، وطلبت=
= منه عدم السماح بمشاركة الشيخين في تشييعها; لأنّها ماتت وهي غاضبة عليهما ومعترضة على فعلهما وإبعادهما للإمام عليّ بن أبي طالب عن ما عيّنه الرسول’ ونصّبه فيه، كما نصّت على ذلك النصوص الصحيحة التي رواها جميع المسلمين، والظلم والإيذاء الذي لحقها منهما قد أدّى إلى استشهادها سلام الله عليها.
(42) إنّ من الملاحظ ـ مع الأسف ـ أنّ هناك محاولة لمحو هذه الآثار وإلقاء الستار عليها، بحيث لا يتم الإهتمام بها، بل هناك عمل منظّم لإبعاد الحجّاج عنها قدر المستطاع كما يلاحظ ذلك من يزور البقيع وأُحد وغار حراء.
(43) وسائل الشيعة: 10/253 ح5.
(44) وسائل الشيعة: 10/254، ح4.
(45) المصدر السابق: ح10.
(46) وسائل الشيعة: 10/255، ح12.
(47) انظر موسوعة الغدير في الكتاب والسنّة والأدب للعلاّمة الأميني.
(48) وسائل الشيعة: 10/252، ح1.
(49) الأنفال: 24.
(50) التاج الجامع للأُصول: 2/106 ـ 107.
(51) المصدر السابق.
(52) هذا الموضوع من القضايا التاريخية التي ينبغي تناولها في مجال آخر.
(53) وسائل الشيعة: 8/77، ح2.
(54) وسائل الشيعة: 8/83، ح17.
(55) وسائل الشيعة 11/32، ح3.
(56) المصدر السابق: 11 / 34، ح6.
(57) المصدر السابق: 11 / 34، ح8.
(58) نهج البلاغة: الكتاب 47.
(59) الخصال: 2/620 / 10، وص 628/10، وص635 / 10.
(60) المصدر السابق.
(61) المصدر السابق.
(62) نهج البلاغة: الخطبة 1.
(63) نهج البلاغة: الخطبة 192. نتائق: جمع نتيقة وهي البقاع المرتفعة، ومكة مرتفعة بالنسبة لما انحطّ عنها من البلدان، الدمثة: اللينة ويصعب عليها السير والاستثبات منها، وتقول: دمث المكان إذا سهل ولان، ومنه دمث الأخلاق لمن سهل خلقه، الوشلة: ـ كفرحة ـ قليلة الماء، الخفّ: للجمال، والحافر: للخيل والحمار، والظلف: للبقر والغنم، وهو تعبير=
= عن الحيوان الذي لا يزكو في تلك الأرض، ثنى عطفه إليه: مال وتوجه إليه. المنتجع: محل الفائدة، الرمل بالتحريك: ضربٌ من السير فوق المشيء ودون الجري وهو الهرولة، السرابيل: الثياب، وأحدها سربال بكسر السين المهملة فسكون الراء، ملتف البنى: كثير العمران، البرّة: الحنطة والسمراء أجودها، الاعتلاج: الالتطام ومنه اعتلجت الأمواج إذا التطمت، والمراد: زال تلاطم الريب والشك من صدور الناس، فُتُحاً وذللاً بضمتين، والأُولى بمعنى: مفتوحة واسعة، والثانية مذلّلة ميسّرة، كما عن هامش البحار: 99/45/35.
(64) ثواب الأعمال: 70/3.
(65) أمالي الطوسي: 668/1398 و296/582 .
(66) أمالي الطوسي: 668/1398 و296/582.
(67) أمالي الصدوق: 493/4، التوحيد 253/4.
(68) علل الشرائع: 405/6.
(69) عيون أخبار الرضا (ع) : 2/90 / 1.
(70) عيون أخبار الرضا (ع) : 2/119/1.
(71) تحف العقول: 7 .
(72) تحف العقول: 149.
(73) أمالي الطوسي: 694/1478 .
(74) عيون أخبار الرضا (ع) : 2/262/29.
(75) نور الثقلين: 3/492/97.
(76) ثواب الأعمال: 281/1 و282/2.
(77) تفسير العياشي: 2/305.
(78) علل الشرائع: 452/1 و396.
(79) علل الشرائع: 452/1 و396.
(80) بحار الأنوار: 27/181 / 30.
(81) الخصال: 148/180.
(82) الكافي: 4/338/3.
(83) بحار الأنوار: 96/125.
(84) مصباح الشريعة: 142.
(85) الخصال: 167/219، علل الشرائع: 235/4.
(86) وسائل الشيعة: 12/60/3.
(87) الدّر المنثور: 2/63.
(88) وسائل الشيعة: 9/3/4.
(89) ثواب الأعمال: 74/16.
(90) ثواب الأعمال: 74/17.
(91) الكافي: 4/263/45.
(92) بحار الأنوار: 7/302/56.
(93) بحار الأنوار: 7/302/57.
(94) الكافي: 4/226/2 وص227 / 3، وسائل الشيعة: 9/336 باب 14.
(95) المصدر السابق.
(96) كمال الدين: 346 /33.
(97) الكافي 1: 337/6، غيبة النعماني: 175، كمال الدين: 351 ح48، تقريب المعارف، الحلبي: 422.
(98) راجع مثلاً الرواية التي ينقلها الشيخ الصدوق في كمال الدين: 444/18، الخرائج 2: 961.
(99) الحجّ: 27.
(100) البقرة: 158.
(101) آل عمران: 95.
(102) البقرة: 199.
(103) الترديد من الراوي.
(104) البرمة: القدر مطلقاً، وهي في الأصل المتخذة من الحجر المعروف بالحجاز واليمن (النهاية: 1/121).
(105) التنعيم: وهو أدنى موضع في الحلّ قريب من مكة، راجع (معجم البلدان: 2/49).
(106) التهذيب: 5/454/1588، الكافي: 4/245 / 4 .
(107) البقرة: 125.
(108) البقرة: 158.
(109) سنن أبي داود: 1/425 ح1905، سنن ابن ماجة: 2/1025، باب حجّ رسول الله ح3074.
(110) صحيح مسلم: 4/39 ـ 43، وراجع للتفصيل صحيح مسلم بشرح النووي: 8 / 402 ـ 421 ح2941 (147) الطبعة التاسعة: (1423 هـ / 2003م) در المعرفة للطباعة والنشر ـ بيروت.

قراءة 3191 مرة