Print this page

منهج الدعاء عند أهل البيت

قيم هذا المقال
(9 صوت)
منهج الدعاء عند أهل البيت

 

 

صباح علی البیاتی

 

التمهيد

من الواضح أنّ التعاليم الإلهية التي جاءت بها الشريعة الإسلامية السمحاء شرّعت بنحو يتناغم مع الفطرة الإنسانية و ينسجم معها، فالدين الإسلامي الحنيف هو دين العقل والفطرة والوجدان، قال تعالى: (فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لاَ تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ)([1]).

ولا غرو في ذلك ولا عجب، فأنّ ديّان الدين و مشرّع السُنن هو خالق الكون والإنسان والحياة، الأمر الذي جعل من الشريعة الإسلامية شريعة متكاملة متوازنة تمتاز بالشمولية والاستيعاب لكلِّ مناحي الحياة الفردية والاجتماعية، فلا يوجد هناك قانون أو شريعة سبرت أغوار النفس البشرية وغاصت في أعماقها وأحاطت بكلِّ دقإقها سوى شريعتنا الإسلامية، ممّا أهّلها لأن تُلبّي احتياجات الإنسان، وتضع النقاط على الحروف في كلِّ تفاصيل حياته، وتضع الحلول الناجعة لكلِّ مشاكله.

ولذا لم يشهد أي جانب من جوانب حياة الإنسان ضموراً أو فقراً فيما يحتاج إليه، ولم يتضخّم أي جانب على حساب الجوانب الأُخرى كما هو الحال في بعض الشرائع والقوانين ذات البعد الواحد والنظرة الأُحادية للواقع.

ومن النواحي التي استحوذت على اهتمام الشريعة، وكان لها الحظ الأوفر في منظومة التشريع هي حالة التوجه والارتباط والإقبال على الله سبحانه، ومخاطبته وطلب العون والمساعدة منه، والتي أُطلق عليها في الشريعة اسم (الدعاء)، قال تعالى: (ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ)([2])، وقال رسول الله(صلى الله عليه وآله): «الدعاء مخّ العبادة»([3]).

فالدعاء ممارسة عبادية لها حجمها الكبير في التشريع، ولها شرائطها وآدابها وكيفياتها وما إلى ذلك ممّا له علاقة بهذه الشعيرة العبادية، والذي يبرز من خلال وابل من الآيات والروايات الكثيرة، وقد تصدّى علماء المسلمين لتناولها بالبحث والتحقيق والتصنيف والتأليف، فأفردوا لها  كتباً ومؤلفات عديدة، وسنلمّح في هذه الوريقات إلى بعض جوانب هذه الممارسة العبادية، ونشير إلى علاقة أهل البيت(عليهم السلام)بها من خلال أدعيتهم ومناجاتهم والتي أثرت الفكر الإسلامي.

هذه الأدعية التي لا يسع المرء إلاّ أنّ يقف حائراً أمامها لما تمتاز به من نفحات إلهية وعبقات نبوية، والتي سنقدّم لك عزيزي القاري نماذج من تلك الروائع التي تنمّ عن نفوس سمت وصفت وحازت على مكانة مرموقة في وجدان الأُمّة. راجين من الله سبحانه أنّ يُوحّد قلوب المسلمين وينقّيها من كلِّ حسد وتباغض لتعود متراحمة متآلفة ينطبق عليها قوله تعالى: (أَشِدَّآءُ عَلَى ا لْكُفَّارِ رُحَمَآءُ بَيْنَهُمْ)([4]).

 

معنى الدعاء وحقيقته

للفظ الدعاء دلالات متنوعة ذكرها العلماء واللغويون، والتي منها على سبيل الإجمال ما جاء في المعجم المفصّل من أنّ الدعاء هو طلب فعل الشيء أو الكفّ عنه، واشترط أن يكون الطلب مخصوصاً من أدنى لأعلى; لأنّه إن كان من أعلى لأدنى فهو أمر، وإن كان بين متساويين فهو التماس([5]).

والدعاء عند الراغب الإصفهاني كالنداء، وقد يستعمل كلّ واحد منهما في موضع الآخر([6]).

بينما يرى العلاّمة الطباطبائي أنّ الدعاء أعم من النداء فإنّ النداء يختصّ بباب اللفظ والصوت، والدعاء يكون باللفظ والإشارة وغيرهما، والنداء إنّما يكون بالجهر، ولا يقيّد
الدعاء به([7]).

وللدعاء معان أُخرى فقد يستعمل الدعاء استعمال التسمية، فيقال دعوت ابني زيداً، أي سمَّيته، ومن معانيه القول، وكذلك يأتي بمعنى السؤال وغيرها من المعاني.

بينما الدعاء في واقعه المضموني لا يقف عند حد الألفاظ والشكل والمادة والكلمات التي يتفوّه بها الداعي، وإنّما هو في حقيقته الإقبال على الله عزّ وجلّ بكلّ خشوع وخضوع وتضرّع، والرغبة والتوسّل إليه في طلب الحوائج منه، بل هو الانقطاع إليه واستشعار عظمته وجبروته ورحمته وجوده، فهو مبدأ الخير وأصله ومنبع الفيض ومصدره، وهو المعطي وهو المانع، وهو الضارّ والنافع.

واستحضار الداعي لهذه المعاني وتبلورها في أعماقه ووجدانه يقطع عنه كلّ تعلق وارتباط، سوى تعلّقه وارتباطه بخالقه جلّ شأنه، فيعيش معه بكلّ كيانه وروحه وإحساسه. فتصبح هذه الحالة المتولّدة عنده مدعاة لاستدرار الألطاف الإلهية والرّحمة الربّانية ممّا يعني الاستجابة الفورية لطلب العبد ودعائه، قال تعالى: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ)([8]).

فالدعاء إذن تعبير طبيعي عن إحساس نفسي وشعور حيّ لدى الإنسان تجاه خالقه وبارئه .

هذا وقد مارس الأنبياء والأئمة والأولياء هذه الحالة وجسّدوها بكلّ صدق وإخلاص، فكانت أدعيتهم ومناجاتهم تفوح منها عبقات الودّ والحبّ الإلهي، فنالوا من الله الذِكر
الحسن والثناء العطر والإطراء الجميل، قال تعالى: (إِنَّهُمْ
كَانُواْ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَا تِ وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً وَكَانُواْ لَنَا
خَاشِعِينَ)([9]).

 

أهمية الدعاء وفضله

لا يرتاب أي مسلم في أنّ للدعاء أهمية فائقة ومكانة عظيمة في الشريعة، وذلك لما يجده في هذا الكم الهائل من البيانات الشرعية التي تناولت الدعاء من كلّ أبعاده المختلفة، قال تعالى: (قُلْ ما يَعْبَؤُواْ بِكُمْ رَبِّي لَوْلاَ دُعَآؤُكُمْ)([10]).

فالدعاء هو أحبّ الأعمال إلى الله وهو مخّ العبادة وسلاح المؤمن ومفاتيح الجنان وغير ذلك من الأُمور التي سنشير إلى بعضها.

وتبلغ أهمية الدعاء درجة بحيث يأمر الله سبحانه عباده بالدعاء ويضمن لهم الإجابة، ويجعل الذين لا يدعونه من المستكبرين، فيدخلون جهنّم ـ والعياذ بالله ـ داخرين ، قال تعالى: (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ)([11]).

بل لا تكاد تخلو أي عبادة من الدعاء وجوباً أو استحباباً، وسنورد على ضوء الآيات والروايات بعض مقامات الدعاء وفضائله وبشكل مختصر:

 

1 ـ قيمة العبد بدعائه

قال تعالى: (قُلْ ما يَعْبَؤُواْ بِكُمْ رَبِّي لَوْلاَ دُعَآؤُكُمْ)، وقال أيضاً: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي)([12])، فكفى بالعبد فضلاً أنّ الله سبحانه يجيب دعوته بلا وساطة بينه وبين خالقه.

 

2 - أحب الأعمال إلى الله

يعتبر الدعاء أحب الأعمال عند الله وأقربها منزلة لديه سبحانه، قال الإمام عليّ(عليه السلام): «أحبّ الأعمال إلى الله عزّ وجلّ في الأرض الدعاء»([13]).

 

3 - الدعاء أفضل العبادة

قال رسول الله(صلى الله عليه وآله): «أفضل العبادة الدعاء»([14]).

 

4 ـ الدعاء جوهر العبادة

الدعاء هو لبّ العبادة وجوهرها، فالعبادة بلا تضرّع وتوسّل بالله سبحانه فارغة المحتوى والمضمون، لذا قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): «الدعاء مخّ العبادة ولا يهلك مع الدعاء أحد»([15]).

5 - الدعاء مفتاح الإجابة

قال تعالى: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ)، وقال أيضاً: (ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ).

وقال الصادق (عليه السلام): «الدعاء كهف الإجابة كما أنّ السحاب كهف المطر»([16]).

فيتّضح من خلال النصوص الشريفة أنّ هناك ترابطاً وثيقاً وتراثياً بين الدعاء والإجابة.

 

6 - الدعاء مفتاح الرّحمة

لا شكّ أنّ الدعاء هو أحد أبواب رحمته التي فتحها لعباده، قال الإمام عليّ(عليه السلام): «الدعاء مفتاح الرّحمة ومصباح الظلمة»([17]).

 

7 ـ الدعاء عمود الدين

قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): «الدعاء سلاح المؤمن وعمود الدين ونور السّموات والأرض»([18]).

 

8 - الدعاء سلاح الأنبياء والمؤمنين

ومن نعم الله سبحانه أن جعل الدعاء أمضى الأسلحة وأشدّها فتكاً بأعداء الإسلام والمسلمين، فقد قال رسول الله(صلى الله عليه وآله):«ألا أدلكم على سلاح ينجيكم من أعدائكم ويدرّ أرزاقكم؟ قالوا: بلى يا رسول الله، قال: تدعون ربّكم باللّيل والنهار، فإنّ سلاح المؤمن الدعاء»([19]).

وقال الإمام عليّ(عليه السلام) : «نعم السلاح الدعاء»([20]) .

وقال الإمام الرضا(عليه السلام): «عليكم بسلاح الأنبياء، فقيل وما سلاح الأنبياء؟ فقال: الدعاء»([21]) .

 

9 - الدعاء شفاء من كلّ داء

قال الإمام الصادق(عليه السلام): «عليك بالدعاء فإنّ فيه شفاء من كلّ داء»([22]).

 

10 - الدعاء يردُّ القضاء

لا شكّ أنّ الله سبحانه هو القادر على كلّ شيء، وهو الذي بيده ملكوت كلّ شيء، وهو الذي يقضي ويُقدّر حسب ما يشاء، فمِن هنا  كان للدعاء دوره الفعّال في ردّ القضاء، وتغيير ما هو مقدّر، قال الإمام الباقر(عليه السلام) لزرارة: «ألا أدلّك على شيء لم يستثن فيه رسول الله (صلى الله عليه وآله)، قلت: بلى، قال: الدعاء يردّ القضاء، وقد أُبرم إبراماً، وضمّ أصابعه»([23]) .

 

11 - الدعاء يدفع البلاء

ورد عن الإمام زين العابدين(عليه السلام) : «الدعاء يدفع البلاء النازل وما لم ينزل»([24]).

وغير ذلك من الفضل العظيم والمقام الكبير الذي تتمتع بها شَعيرة الدعاء، ذكرتها الكتب المعدّة لذلك.

 

الإخلاص في الدعاء

لم تحظ كثير من العبادات والطقوس الدينية بمثل ما حظيت به مفردة الدعاء على صعيد النظرية والتطبيق العملي، وذلك عِبرَ ما يمكن ملاحظته من حشد من الآيات والروايات التي طفحت بها مصادر الشريعة الإسلامية ـ كما مرّ بعضها ـ فتناولت هذه الممارسة العبادية المقدسة من كلّ أبعادها ووجوهها من تعريف وبيان أهمية وشروط وآداب وغير ذلك. ولكن نود الإشارة هنا إلى ركن مهم من أركان الدعاء والذي يشكّل الأساس الرصين الذي تقف عليه هذه الشعيرة وهو جواز الدخول إلى حظيرة الداعين الذين يحبّ الله أن يسمع أدعيتهم  ويستجيب لهم، بل ضمن لهم الإجابة، ألا وهو الإخلاص في الدعاء، والإخلاص هو خلوص النية و تصفيتها وتخليصها من كلّ شائبة وكدر كالرياء والسمعة و حبّ الجاه والظهور وغير ذلك، وجعلها صافيه نقية يصعد دعاؤها مقبولاً مرضياً عند الله سبحانه و تعالى، قال جلّ وعلا: (إِلَيْهِ يَصْعَدُ ا لْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَا لْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ)([25]).

وقد أكّد القرآن على هذه الحقيقة بقوله تعالى: (فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ)، حيث ذكر العلماء والمفسّرون أنّ معنى ذلك أنّ الله إنّما يستجيب ويتقبّل دعوة الداعي حقيقة، أي الذي أخلص في دعائه، وكان صادقاً مع نفسه وهو يخاطب ربّه
سبحانه، وإلاّ فمَن لم يخلص في دعائه ولم يصلح سريرته، فهو
في واقع الأمر لم يسأل الله حقيقة ولم يدعه، ولايمكن تسميته
من الداعين وإن تفوّه ببعض الكلمات وأطلق بعض العبارات، والتي لا تعدو عن كونها لقلقة لسان، وقلبه ساه لاه
عن ربّه، قال أمير المؤمنين(عليه السلام): «لا يقبل الله دعاء قلب لاه»([26]).

وأشار الإمام عليّ(عليه السلام) إلى هذا المعنى عندما سأله رجل عن قوله تعالى: (ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ)قال: ما لنا ندعوا فلا يُستجاب لنا؟ فقال(عليه السلام): «...فأي دعاء يستجاب لكم وقد سددتم أبوابه وطرقه، فاتّقوا الله وأصلحوا أعمالكم وأخلصوا سرائركم، وأمروا بالمعروف وانهوا عن المنكر، فيستجيب الله دعاءكم»([27]).

فلابدّ للمؤمن الداعي أن يكون قلبه مفعماً بالإخلاص متوجهاً إلى ربّه بكلّ ثقة واطمئنان، وأن لا يجعل الملل والضجر يتسلل إلى نفسه جرّاء تأخر الإجابة، فلعلّ الخير والمصلحة في عدم الإجابة أو تأخيرها، أو لعلّ الله سبحانه يحبّ أن يسمع دعاءه ومناجاته كما ورد هذا المعنى في عدد من الأحاديث .

فينبغي حينئذ للإنسان المؤمن أن يسأل الله تعالى ما فيه خير الدنيا والآخرة سواء أكان ذلك في الاستجابة أم في عدمها، وقد ورد في الدعاء: «...فإن أبطأ عنّي عتبت بجهلي عليك ولعلّ الذي أبطأ عنّي هو خير لي لعلمك بعاقبة الأُمور»([28]).

 

شروط الدعاء

ذكروا للدعاء شروطاً  كثيرة وقد وردت في الكتاب الكريم والسنّة الشريفة وسوف نتعرّض إلى بعض هذه الشروط والتي يمكن تقسيمها إلى قسمين:

الأوّل:  شروط القبول والصحة.

الثاني:  آداب الدعاء وشروط كماله.

أمّا شروط القبول فمنها:

 

1 - اليأس من غير الله:

فعلى العبد الداعي أن يقطع رجاءه من غير الله وأنّه وحده القادر على إنجاح طلبته وقضاء حاجته، قال الإمام الصادق(عليه السلام): «إذا أراد أحدكم ألا يسأل الله شيئاً إلاّ أعطاه، فلييأس من الناس كلّهم، ولا يكون له رجاء إلاّ عند الله (عزّوجلّ) فإذا علم الله ذلك من قلبه لم يسأل الله شيئاً إلاّ أعطاه»([29]).

 

2 - أن يكون المطلوب خيراً:

فالدعاء فيما لا نفع فيه أو ما فيه الضرر على نفس الداعي أو على الآخرين فهو ممّا لا يستجيب الله له; لأنّه يخالف الحكمة والعدالة الإلهية.

3 ـ أن يكون المطلوب ممكناً:

فالدعاء في الأُمور التي تكون مستحيلة المنال عقلاً أو عادة أيضاً لا يستجاب له; لعدم تعلّق القدرة به.

 

4 ـ أن يكون عمله صالحاً ومكسبه طيّباً:

فالعمل الصالح والمكسب الطيّب بمثابة الأرضية الصالحة التي تنبت فيها بذور الدعاء، قال الإمام الصادق(عليه السلام): «مَن سرّه أنّ تُستجاب دعوته فليطب مكسبه»([30])، وعنه (عليه السلام): «الدّاعي بلا عمل كالرامي بلا وتر»([31]).

 

5 - أداء مظالم الناس وحقوقهم:

ورد عن الإمام الصادق(عليه السلام): «قال الله عزّ وجلّ: وعزّتي وجلالي لا أُجيب دعوة مظلوم دعاني في مظلمة ظلمها، ولأحد عنده مثل تلك المظلمة»([32]).

وغير ذلك من شروط القبول والصحة المذكورة في الكتب والمؤلفات التي تناولت الدعاء شرحاً وتفصيلاً.

وأمّا شروط  كمال الدعاء وآدابه فنذكر منها ما يلي:

1 ـ الطهارة من الحدث والخبث:

ينبغي للداعي أن يكون متطهّراً، فالطهارة لها آثارها المعنوية على نفسية الداعي وروحه ممّا يجعله أقرب إلى الله سبحانه، قال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّا بِينَ وَيُحِبُّ ا لْمُتَطَهِّرِينَ)([33]).

 

2 ـ حضور القلب:

من الأُمور الأساسية في استجابة الدعاء هو التوجّه إلى الله سبحانه وحضور القلب وعدم الغفلة، فقد ورد عن رسول الله(صلى الله عليه وآله)قوله: «اعلموا أنّ الله لا يقبل دعاءً عن قلب غافل»([34]).

 

3 ـ الإقرار بالذنب والاستغفار منه.

4 - الثناء على الله والمدح له:

من أدب الدعاء أن يبدأ بالثناء على الله والمدح له، فعن أبي عبدالله(عليه السلام)قال: «إياكم إذا أراد أحدكم أن يسأل من ربّه شيئاً من حوائج الدنيا والآخرة حتى يبدأ بالثناء على الله عزّ وجلّ، والمدح له»([35]).

5 - حسن الظنّ باللّه:

عن الإمام الصادق (عليه السلام): «إذا دعوت فظنّ أنّ حاجتك بالباب»([36]).

 

6 - أن يصلّي على محمّد وعلى آل محمّد:

عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال: «كلّ دعاء يدعى الله عزّوجلّ به، محجوب عن السماء حتى يصلّي على محمّد وآل محمّد»([37]).

 

7 - أن يكون الدعاء بعد رقّة القلب والبكاء:

من الواضح أنّ انكسار القلب ورقّته والبكاء علامة واضحة على خشوع القلب والانقطاع إلى الله سبحانه وطلب العون منه سبحانه، قال الإمام الصادق(عليه السلام): «إذا رقّ أحدكم فليدع، فإنّ القلب لا يرق حتى يخلص»([38]).

 

8 - الصدقة قبل الدعاء:

إنّ الصدقه تدفع البلاء وتردّ القضاء ويقبل معها الدعاء، قال الإمام الصادق(عليه السلام): «كان أبي إذا طلب الحاجة طلبها عند زوال الشمس، فإذا أراد ذلك قدّم شيئاً فتصدّق به»([39]).

9 - التعميم في الدعاء:

وهو أن يشرك إخوانه في دعائه، قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): «إذا دعا أحدكم فليعم، فإنّه أوجب للدعاء»([40]).

وعن أبي عبدالله(عليه السلام): «ما من رهطاً أربعين رجلاً اجتمعوا فدعوا الله عزّ وجلّ في أمر إلاّاستجاب الله لهم فإن لم يكونوا أربعين فأربعة يدعون الله عزّ وجلّ عشر مرات إلاّ استجاب الله لهم فإن لم يكونوا فواحد يدعو الله أربعين مرّة فيستجيب الله العزيز الجبّار له»([41]) .

 

10 - الدعاء في أوقات معيّنة:

وهي كثيرة  كشهر رمضان المبارك وشهر شعبان وشهر رجب ويوم الجمعة ووقت السَّحر. قال رسول الله(صلى الله عليه وآله) ـ وهو يصف شهر رمضان: «... ودعاؤكم فيه مستجاب»([42]).

وعنه (صلى الله عليه وآله): «خير وقت دعوتم الله فيه الأسحار»([43]).

وعن زيد الشحّام قال: قال أبوعبدالله(عليه السلام): «اطلبوا الدّعاء في أربع ساعات: عند هبوب الرياح وزوال الأفياء ونزول القطر وأوّل قطره من دم القتيل المؤمن فإنّ أبواب السّماء تُفتح عند هذه الأشياء»([44]) .

11 - الدعاء في الأمكنة المباركة:

هناك أمكنة مقدسة ومباركة يستحب فيها التضرّع والدعاء كالمسجد الحرام والمسجد النبوي وعند مراقد الأئمه(عليهم السلام)وخصوصاً تحت قبّة الإمام الحسين(عليه السلام)، فقد قال رسول الله(صلى الله عليه وآله) بعد أن أخبر بقتل الحسين(عليه السلام) : «... ألا وإن الإجابة تحت قبّته...»([45]).

 

الدعاء والعبودية

يولد الإنسان وتولد معه الحاجة والعجز عن تلبية رغباته والقيام بشؤونه ومتطلبات حياته، وهذا العجز ـ كما هو واضح ـ متأصل في حقيقة وجوده وذاته، ويمكن أن يتحسسه الإنسان بأدنى مناسبة، إذ من الممكن أن يهدّ كيانه وقواه الجسمانية اختلال بسيط في وظائف أعضائه، بل ارتفاع بسيط في درجات حرارته، فيجعله منحرف المزاج غير مرتاح البال، وهذه السِّمة لا يشذّ منها فرد من أفراد البشر شاباً  كان أم كهلاً، غنياً  كان أم فقيراً، رجلاً  كان أم امرأة، قال تعالى:(يَاأَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَآءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ ا لْحَمِيدُ)([46]).

ولكنّ الإنسان وفي غمرة انشغاله بالحياة وفي كثير من حالاته وأوقاته تتملكه الغفلة ويستولي عليه الغرور، ويعيش سكرة الحياة المادية ونعيمها لما منح من نعم كثيرة، كالصحة أو المال أو الجاه أو السلطان وغير ذلك، فيسدر في غيّه مسلّماً زمام نفسه لهواه ورغباته فينسى نفسه وما بها من ضعف وحاجة وفقر، إلاّ الذين آمنوا باللّه وأدركوا حاجتهم، وضعفهم وعبوديتهم، فنفضوا عنهم غبار الغفلة ومزّقوا حجب الهوى، والتفتوا إلى أنفسهم فاتّجهوا بكلّ وعي وشعور إلى القويّ الذي لا يعرف الوهن، وإلى الغني الذي لا يشوبه الاحتياج; ليترجموا ذلك الشعور بدعائهم ربّهم بكلّ تضرّع واستكانة وانكسار وتذلّل، ليرفع الله حاجتهم ويسد فقرهم: «اللّهمّ سدّ فقرنا بغناك، اللّهمّ غيّر سوء حالنا بحسن حالك»([47]).

فالدعاء بهذا المعنى هو صدى وانعكاس حقيقي لمشاعر الفاقة والعجز التي تغمر الإنسان، وترجمة واقعية لعبودية الإنسان وارتباطه بخالقه، فقد ورد في الدعاء: «أنا الفقير في غناي فكيف لا أكون فقيراً في فقري»([48]).

إذن الدعاء هو الذي يجذّر في الإنسان شعوره بالعبودية والرهبة لله سبحانه، فلذا عُدّ الدعاء من أفضل أنواع الوعي الذاتي الذي يستذكر فيه الإنسان أصالته وعبوديته، فيقول الإمام زين العابدين(عليه السلام) في الصحيفة السجادية: «إلهي أصبحت وأمسيت عبداً داخراً لك لا أملك لنفسي نفعاً ولا ضرّاً إلاّ بك»([49]).

وأمّا الذين لم تنفتح لهم نوافذ الوعي والإدراك بحقيقة أنفسهم، وابتعدوا عن حظيرة عبودية الله بعد ما أوصدوا على أنفسهم منافذ الرّحمة الإلهية، فمن المؤكّد أن لا تشرع أبواب قلوبهم على بارئهم، فلا تلهج حينئذ ألسنتهم بالدعاء والابتهال لله سبحانه، وهذا معنى الاستكبار عن عبادة الله الذي يستوجب دخول النار، قال تعالى: (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ)([50]).

وبهذا تتّضح العلاقة الوطيدة بين الدعاء والعبادة ونفهم من خلالها الأحاديث التي تعبّر عن الدعاء بكونها مخّ العبادة وجوهرها بل هو العبادة، قال الصادق(عليه السلام): «الدعاء هوالعبادة»([51]).

 

جناحا الدعاء: الخوف والرجاء

أولت الشريعة الإسلامية لعَلاقة العبد بربّه اهتماماً خاصاً; لأنّها تشكّل محوراً أساسياً في رقيّ العبد وتكامله، فعمدت إلى تنظيمها وتهذيبها، ووضعها في إطارها الشرعي الصحيح. هذه العلاقة التي يُمثّل عاملا الخوف والرجاء، عمودها الفقري ويلعبان دوراً أساسياً في تكونها، فهاتان النزعتان تتجاذبان تلك العلاقة وتؤثران فيها، من هنا ندبت الشريعة إلى التحلّي بهاتين السمتين، فهاجس الخوف والخشية من الله من سمات الأولياء وخصائص المتّقين، وهو الباعث و المحفّز على الاستقامة والصلاح، ولذا أثنى الله تعالى على الخائفين المشفقين ثناءً جميلاً، قال تعالى:(إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ ا لْعُلَمَاء)([52])، وقال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُم بِالْغَيْبِ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ)([53]).

وكذلك كان لرجاء رحمة الله والثقة وحسن الظنّ به أبلغ الأثر في تهذيب الإنسان وتقويم سلوكه و تأهيله لنيل شرف رضا الله سبحانه، قال الإمام الرضا(عليه السلام): «احسن الظنّ بالله، فإنّ اللّه تعالى يقول: أنا عند حسن ظنّ عبدي بي إن خيراً فخيراً وإن  شرّاً فشراً»([54]).

ولكنّ هاتين الصفتين طالما اُصيبتا بآفتي الإفراط والتفريط، فيطغى على سلوك الإنسان وتصرفاته، وعلاقته مع ربّه أحد
الجانبين، فتتملكه حالة الخوف مثلاً فتؤدي به كثرته والإفراط فيه إلى أن يعيش قانطاً يائساً، ممّا يؤثر عليه أثره البالغ، فتغدو نفسه مجدبة خالية من نضارة الرجاء فيرهق نفسه بالعبادة والدعاء والطاعة أو يتركها بتاتاً، قال تعالى: (... وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْناهَا عَلَيْهِمْ...)([55])، وقال تعالى: (طه* مَآ أَنزَلْنَا عَلَيْكَ ا لْقُرْءَانَ لِتَشْقَى)([56])وقد يطغى عليه جانب الرجاء فيتّكل عليه فيستسهل المعصية ويهمل في أداء واجباته.

فلابدّ إذن أن يتعادل في نفسه وعلاقته مع الله سبحانه جانبا الخوف والرجاء لتنتعش نفسه وتسمو روحه وتتفجر طاقاته. فتكامله الروحي لا يتم إلاّ من خلال توازن شعوره بالخوف والرجاء، وعليه فالأجدر بالمؤمن أن يدعو ربّه بكلّ تضرّع وخشوع، ويجعل نفسه خائفة راجية مطمئنة بذكره سبحانه (أَلاَ بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمئِنُّ الْقُلُوبُ)([57])، وأن يكون دعاؤه في كلّ
حين مُجلّلاً بالخوف ومؤصراً بالرجاء ليعيش في علاقته مع ربّه حالة الإتزان والإطمئنان، فيدعوا الله خائفاً وجلاً مستشعراً جبروته وهيمنته، مشفقاً من غضبه وعقابه، يقول الإمام زين العابدين(عليه السلام)في مناجاة الخائفين: «إلهي أجرني من أليم غضبك وعظيم سخطك... نجّني برحمتك من عذاب النار وفضيحة العار إذا امتاز الأخيار من الأشرار، وحالت الأحوال، وهالت الأهوال، وقرب المحسنون وبَعُد المسيئون، ووفيت كلّ نفس ما كسبت وهم لا يظلمون».

وفي دعاء كميل بن زياد نرى للخوف من الله سبحانه حضوره الحقيقي في هذا الدعاء: «إلهي وربّي وسيّدي ومولاي، لأيّ الأُمور إليك أشكو، ولما منها أضجّ وأبكي، لأليم العذاب و شدّته، أم لطول البلاء و مدّته».

وكذلك عليه أن يدعو ربّه وكلّه أمل وثقة ورجاء في رحمة ربّه وعفوه ورضاه: «إن كان ذنبي عندك عظيماً فعفوك أعظم من ذنبي، إلهي إن لم أكن أهلاً أن أبلغ رحمتك فرحمتك أهل أن تبلغني وتسعني لأنّها وسعت كلّ شيء».

ومن الأدعية الطافحة بالرجاء، مانراه في أدعية سيّد الدّعائين زين العابدين(عليه السلام)الذي يقول في مناجاة الراجين:

«يا مَن إذا سأله عبد أعطاه، وإذا أمّل ما عنده بلّغه مناه، وإذا أقبل عليه قرّبه وأدناه، وإذا جاهره بالعصيان ستر على ذنبه وغطّاه، وإذا توكّل عليه أحسبه وكفاه».

ويقول (عليه السلام) في مناجاة أبي حمزة الثمالي:

«اللّهمّ إنّك أقرب مَن دُعي وأسرع مَن أجاب وأكرم مَن عفى وأوسع مَن أعطى وأسمع مَن سأل، يا رحمن الدنيا والآخرة ورحيمهما ليس كمثلك مسؤول ولا سواك مأمول، دعوتك فأجبتني، وسألتك فأعطيتني، ورغبت إليك فرحمتني، ووثقت بك فنجيتني، وفزعت إليك فكفيتني، اللّهمّ فصلّ على محمّد عبدك ونبيّك وعلى آله الطيّبين الطاهرين».

 

الدعاء في الشدّة والرخاء

إنّ مجريات حياة الإنسان في هذه الدنيا ليست على وتيرة واحدة ونمط معين وإنّما تمر بمنعطفات و متغيرات تؤثر على خط سيرها وطبيعتها، فقد يعيش الإنسان في مقطع من حياته معيشة مليئة بالنعيم والرخاء وتنفرج أمامه أسارير الحياة، وقد تنزل بساحته يوماً نوائب الدهر وتوصد بوجهه بعض أبواب الحياة، ولعلّ هذين اللونين من الحياة هما من لوازمها ومتطلباتها. فحياة الإنسان تتأرجح بين الشدّة والرخاء والنعيم والشقاء. والإنسان بين هذا وذلك لابدّ أن تكون علاقته بربّه وارتباطه به على حدٍّ سواء بناءً على ما أودعه الله في فطرته وخلقته من توجه وتعلق نحو خالقه، ولكنّ هذا الأمر الأصيل في فطرته قد يغمره رين الذنوب والآثام وتحجبه ملذات الحياة ونعيمها، فيتراءى له أنّه قد استغنى فيطغى ويعرض عن خالقه متعلقاً بالأسباب التي هي دونه، قال تعالى: ( كَلاَّإِنَّ ا لاِْنسَانَ لَيَطْغَى*أَن رَّءَاهُ اسْتَغْنَى)([58]).

بيد أنّه عندما تنقطع به الأسباب وتضيق به السُبل، ولا يجد من حيلة للخروج من مأزق ما، فيتّجه غريزياً وفطرياً نحو خالقه ضارعاً منكسراً يدعوه بكلّ صدق أن يكشف عنه ما ألمَّ به، قال تعالى: (وَإِذَا مَسَّ الاِْنسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنبِهِ أَوْ قَاعِداً أَوْ قَآئِماً)([59])، وقال تعالى: (وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي ا لْبَحْرِ ضَلَّ مَن تَدْعُونَ إِلاَّ  إِيَّاهُ)([60]). وإذا استجاب الله له وكشف عنه ما به من ضرّ وفرّج عنه عاد إلى ما كان عليه من الصدود والجفاء وكأنه لم يَدْعُ الله آنفاً، قال تعالى: (...فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَن لَّمْ يَدْعُنَآ إِلَى ضُرّ مَّسَّهُ)([61])، وقال تعالى: (فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى ا لْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ)([62]). وهذا في حقيقة الأمر لا يُمثّل إخلاصاً في عبادة الله، بل هو قسوة واجتراء على الله. فلذا على الإنسان المؤمن أن يتنبّه إلى هذه الحالة المَرَضيّة ولا يُصاب بها، فيتطلع دوماً إلى علاقة متوازنة مع ربّه يدعوه في كلّ حال ويشكره على كلّ حال. قال رسول (صلى الله عليه وآله) موصياً الفضل بن العبّاس: «احفظ الله يحفظك، واحفظ الله تجده أمامك، تعرّف إلى الله عزّوجلّ في الرخاء يعرفك في الشدّة»([63]).

يعني ادع الله في الرخاء ولا تنسه حتى يستجيب لدعائك في الشدّة ولا ينساك ولا تكن من الذين نسوا الله فنسيهم، وعليك أن تستشعر في قرارة وجدانك أنّ الله سبحانه هو الربّ والخالق والرازق في كلّ حال وعلى جميع التقادير، وعندما يكون الإنسان في حال رخاء واطمئنان يجب أن يعلم أنّ ما فيه من نعمة فهي من الله، وهو القادر على أن يسلبها منه، كما هو القادر على أنّ يزيده منها.

وقد ورد من الروايات ما يدل على استحباب التقدم بالدعاء في الرخاء قبل نزول البلاء، فعن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال: «ما من أحد أُبتلي وإن عظمت بلواه بأحقّ بالدعاء من المعافى الذي لا يأمن البلاء»([64]).

وعن الإمام زين العابدين(عليه السلام): «لم أر مثل التقدم في الدعاء فإنّ العبد ليس يحضره الإجابة في كلّ وقت»([65]).

وعن الإمام أبي الحسن(عليه السلام) : «أنّ أبا جعفر(عليه السلام) كان يقول: ينبغي للمؤمن أن يكون دعاؤه في الرخاء نحواً من دعائه في الشدّة، ليس إذا أُعطي فتر، فلا تمل الدعاء، فإنّه من الله عزّوجلّ بمكان»([66]).

فكما أنّ الدعاء في الشدّة والاضطرار يُمثّل نداء الفطرة فيقع ضمن دائرة الصدق والانقطاع إلى الله فلا تنفك عنه الإجابة ويقع موقع القبول، كذلك الدعاء في الرخاء الذي يُمثّل استعداداً نفسياً وشعوراً من العبد بعبوديته لله وأنّ الله حاضر في وجدانه وقلبه في كلّ زمان ومكان وهو في أهنأ أيام حياته وأكثرها بهجة وسروراً، فإنّ الإجابة لا تتخطّى هكذا دعاء، وهذا ما دأب عليه الأنبياء والأئمة والصالحون من عباد الله، فقد ورد في دعاء أهل البيت(عليهم السلام): «اسألك اللّهمّ الهدى من الضلالة والبصيرة من العماية والرشد من الغواية، واسألك أكثر الحمد عند الرخاء وأجمل الصبر عند المصيبة»([67]).

 

الدعاء عند أهل البيت(عليهم السلام)

لقد كان لأهل البيت(عليهم السلام) دور محوري وبنّاء في إرساء وتثبيت قواعد الشريعة الإسلامية، وحُقّ لهم ذلك فهم الذين أذهب الله عنهم الرّجس وطهّرهم تطهيراً، و هم أحد الثّقلين اللّذين كانا أماناً من الضلال والانحراف، وسفن النجاة التي مَن ركبها نجا ومَن تخلّف عنها غرق وهوى. فلذا تبوّأ أهل البيت(عليهم السلام) مكانة رسول الله(صلى الله عليه وآله)، ولزموا نهجه، وطريقته، فقاموا بحمل أعباء الرسالة المتمثّل ببيان الشريعة والدفاع عنها، وإرشاد الناس وهدايتهم وتربية المجتمع على المُثل والأخلاق الحميدة، والسجايا النبيلة، التي جاء بها الدين الإسلامي الحنيف، فلم يألوا جهداً أو يدّخروا وسعاً في سبيل تحقيق ذلك، على الرغم من كلّ الظروف التي واكبت مسيرة حياتهم، وساهمت في إعاقتهم عن تأدية دورهم، ولكن مع كلّ هذا وذاك فقد تركوا لنا كنوزاً ثمينة من التراث الفكري الفذّ والذي شمل كلّ حقول العلم والمعرفة، فعُدّ بحقّ صفحة مُشرّفة من صفحات تاريخ أُمتنا الإسلامية .

ومن هذا التراث الثريّ ما صاغوه لنا على شكل  أدعية ومُناجاة وابتهال إلى الله، والتي تُمثّل في واقع الأمر أروع المضامين وأرقى المعاني وأجلّها في مجال العقيدة والسلوك والوجدان.

هذه الأدعية والمناجاة التي لم يُؤثَر مثلها عن أحد من الصحابة والتابعين، وذلك لما يمتلكه أهل البيت(عليهم السلام) من كمالات ومزايا وما يتمتعون به من صفاء نفس وقرب من الله سبحانه، فإطلالة بسيطة من على أسوار كتب التاريخ والسِيَر تنبئنا عن تلك السيرة الناصعة والتاريخ المشرّف لأهل البيت الذين عُرفوا بين المسلمين بالورع والتقوى والتعلّق باللّه والانقطاع إليه، فكانوا رهباناً دعّائين تشهد لهم دور العبادة ومحاريبها، فجائت أدعيتهم تعبيراً عمّا احتوته قلوبهم العامرة بالإيمان المغمورة بحبّ الله ومعرفته وقد اهتم أتباع مدرسة أهل البيت وشيعتهم بهذا التراث المقدّس أيّما اهتمام واجتهدوا في تدوينه وحفظه، فاجتمع لديهم خزين نفيس من هذه الأدعية والمناجاة انخرط في سلسلة من كتب الأدعية والمناجاة كالصحيفة السجادية العلوية وكتب الأدعية التي منها على سبيل المثال: كتاب الدعاء للشيخ الكليني، وكتاب الدعاء والمزار للشيخ الصدوق، ومصباح المتهجد للشيخ الطوسي، والإقبال للسيد ابن طاووس وغيرها  كثير.

ولكن هذه الأدعية ـ وللأسف الشديد ـ ظلّت بعيدة عن متناول كثير من إخواننا المسلمين لأسباب عديدة! فلذا نهيب بكلّ مسلم فُرضت عليه مودّة أهل البيت(عليهم السلام) أن يتحرّى كلامهم وأدعيتهم ومناجاتهم ليقف بنفسه على عِظم منزلتهم وقدرهم وفضلهم .

 

أهل البيت(عليهم السلام) وأدب الدعاء

إنّ التربية والأخلاق والآداب كان لها مساحتها الواسعة في شريعتنا الإسلامية السمحاء، لذا كان الدين الإسلامي في منهجه الأخلاقي والتربوي حافلاً بأرقى القيم الأخلاقية والروحية والمعنوية مشتملاً على أرفع الآداب وأنبلها.

والأدب هو ما يتحلّى به الإنسان من الخصال الحميدة والأفعال النبيلة، وهي صفة يحفظ بها الإنسان نفسه، ويضبط أعضاءه وجوارحه وأقواله وأفعاله عن الخطأ والسهو والتجاوز، فيرتفع بذلك الإنسان عمّا يشينه ويحطّ من قدره.

والأدب نوعان: أدب مع المخلوق وأدب مع الخالق وهو من أفضل أنواع الأدب وأجلّها; لأنّه مع خالق الخلق وصاحب الفضل العظيم.

والقدوة والأُسوة في ذلك رسول الله(صلى الله عليه وآله) الذي تسنّم الذّروة، فكان خير مؤدِّب، منه أخذت الإنسانية مكارم الأخلاق والآداب، ولا شك في أن يكون كذلك فهو أديب الله جلّ وعلا، قال رسول الله(صلى الله عليه وآله): «أدّبني ربّي فأحسن تأديبي»([68])، وقال الإمام الصادق (عليه السلام): «إن الله عزّ وجلّ أدّب نبيّه فأحسن أدبه، فلمّا أكمل له الأدب قال: (وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُق عَظِيم)»([69]).

ومنه أخذ أهل بيته(عليهم السلام) فضائلهم وآدابهم فأشبهوه خُلقاً وأدباً ومنطقاً. قال عليّ(عليه السلام): «إنَّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) أدّبه الله وهو أدّبني وأنا أُؤدّب المؤمنين»([70]).

لذا كان أهل البيت (عليهم السلام) والحال هذه سادات المؤمنين وعنوان المتّقين ومؤدّبو البشرية، ارتضعوا من ثدي الرسالة ودرجوا في بيت الوحي والنبوّة، فمنهم تعلّمنا الآداب والأخلاق والفضيلة، ومن أجلى وأوضح مايدل على ذلك أدبهم مع الباري سبحانه في دعائهم ومناجاتهم معه سبحانه والتي اختطّوا لنا فيها منهجاً واضحاً وطريقاً لاحباً في أدب الدعاء والمناجاة وعلّمونا فيها أُسلوب التخاطب والتأدّب في حضرته جلّ وعلا .

وهذا ما نظّروا له في أقوالهم وتوصياتهم والتي كانت نبراس هداية في الأدب مع الله سبحانه، قال الإمام الصادق(عليه السلام): «احفظ أدب الدعاء وانظر كيف تدعو ولماذا تدعو وحقّق عظمته وكبرياءه، وعاين بقلبك علمه بما في ضميرك واطلاعه سرك وما تكنّ، وما تكون فيه من الحقّ والباطل واعرف طرق نجاتك وهلاكك كيلا تدعو الله بشيء عسى فيه هلاكك وأنت تظنّ أنّ فيه نجاتك، قال تعالى: (وَيَدْعُ الاِْنسَانُ بِالشَّرِّ دُعَآءَهُ بِالْخَيْرِ وَكَانَ الإنسَانُ عَجُولا)، وتفكّر ماذا تسأل ولماذا تسأل»([71]).

وعن الإمام الصادق (عليه السلام) أيضاً قال: «إنّما هي ـ الدعاء والمناجاة ـ المدحة ثم الثناء ثم الإقرار بالذنب ثم المسألة، إنّه والله ما خرج عبد من ذنب
إلاّ بالإقرار»([72]).

فيتّضح لنا على هدي هذه الروايات الشريفة أنّ هناك لغة خاصة وأُسلوباً مُعيّناً في الخطاب مع الله، يرسم لنا معالمه أهل البيت(عليهم السلام) من خلال توجيهاتهم وتعاليمهم.

وهذه النظريات والتوجهات جعله أهل البيت واقعاً متحركاً عبر هذا الحشد الكبير من أدعيتهم وتوسلاتهم وخطابهم مع الخالق، والذي ننقل لك عزيزي القاريء نماذج رائعة منه وكلّ أدعيتهم لها ذلك الألق والنور الساطع المفعم بأرفع أساليب الأدب والخُلق الجميل.

 

الحبّ الإلهي وأدعية أهل البيت(عليهم السلام)

إنّ هناك ألواناً وأشكالاً ودرجات متعددة تنطبع بها علاقة العبد بربّه ويتحكّم فيها ما يحمله العبد من استعدادات روحية ونفسية، كالرجاء والخوف والتضرع و التذلّل، والخشوع، والحب، والشوق، والإنابة، وغيرها.

ولعلّ أقوى تلك العلاقات وأشدّها وثوقاً، هي العلاقة التي يغذّيها عنصر الحبّ، فلا يوجد في ألوان العلاقة بالله لون أقوى وأبلغ من الحبّ في تمتين هذه العلاقة وترسيخها.

وعلاقة الحبّ هذه إنّما تتكوّن وتتنامى وتورِق في نفس الإنسان المؤمن ووجدانه فيما إذا أشرق نور معرفة الله في فؤاده ولاح اليقين في قلبه، فتتجذر حينئذ محبّة الله في قلبه ووجدانه، فيجد حلاوة الإيمان ويتذوّقها، فالحبّ هو الإيمان، والإيمان هو الحبّ، وهذا المعنى ورد عن أهل البيت(عليهم السلام)، فعن الفضل بن يسار قال: سألت أبا عبدالله عن الحبّ والبغض أمِنَ الإيمان هو؟ فقال: «وهل الإيمان إلاّ الحبّ والبغض؟»([73]).

وعنه (عليه السلام) أيضاً قال: «وهل الدين إلاّ الحبّ؟ إنّ الله يقول: (إِنْ كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ)»([74]).

وأهل البيت(عليهم السلام) فاضت قلوبهم بمحبّة الله وتفجّرت فيهم ينابيع مودّته بما حملوه من معرفة صافية نقية استقوها من جدّهم الرسول الأكرم(صلى الله عليه وآله)وتفرّغت ونمت فيهم لما حَباهم الله سبحانه من عناية وتوفيق وسداد نتيجة ما يمتلكونه من أرضية
خصبة واستعداد عال للعطاء والتكامل، قال أميرالمؤمنين عليّ(عليه السلام): «علّمني رسول الله(صلى الله عليه وآله) ألف باب من العلم ينفتح لي من كلّ باب ألف باب»([75]).

فكانت أدعيتهم ومناجاتهم مشحونة بأصدق المشاعر وأعذب التعابير عن تلك العلاقة وذلك الارتباط الذي توثقت عراه واستقرّ في أعماقهم.

فتراهم في أعماق الليل البهيم وقد نامت العيون وهدأت الأصوات تراهم تشقّ سكون الليل كلماتهم وتراتيلهم وهم يخاطبون حبيبهم ومعشوقهم الذي تفيض أعينهم بالدمع شوقاً وولهاً وحبّاً له جلّ شأنه، وهانحن نقتطف لك باقة من تلك المناجاة إذ يقول الإمام زين العابدين(عليه السلام): «إلهي وعزّتك وجلالك لقد أحببتك محبّة استقرّت حلاوتها في قلبي، وما تنعقد ضمائر محبّيك على أنّك تبغض محبّيك»([76]).

وتصل حالة الحبّ في أدعيتهم (سلام الله عليهم) درجة تتلاشي أمامها كلّ المؤثرات ولا تقف في طريقها العقبات، ولا يكدّر صفوها أي شيء ولو كان صدوداً من المحبوب نفسه. وهذا ما يُعبّر عنه عليّ بن الحسين السّجاد(عليه السلام): «فوعزّتك يا سيّدي لو انتهرتني ما برحت من بابك ولا كففت عن تملّقك لما انتهى إليَّ من المعرفة بجودك وكرمك»([77]).

هذا حال أهل البيت الذين عرفوا الله وأحبّوه  وأَنسوا به فملأت محبّته أركان أفئدتهم ولامست شغاف قلوبهم حتى ما عادوا يبحثون عن شيء آخر سواه سبحانه، قال الإمام الحسين: «ماذا وجد من فقدك وما الذي فقد من وجدك»([78]).

ولعلّ أسمى آيات الحبِّ الإلهي هو ما نراه ماثلاً في دعاء كميل لأميرالمؤمنين(عليه السلام)، والذي سيأتي بعض الحديث عنه، وهو من الأدعية الثّرية بالمعاني الراقية، إذ يقول(عليه السلام): «فَهَبْني يا إِلـهي وَسَيِّدِي وَمَوْلايَ وَرَبّي صَبَرْتُ عَلى عَذابِكَ فَكَيْفَ أَصْبِرُ عَلى فِراقِكَ، وَهَبْني صَبَرْتُ عَلى حَرِّ نارِكَ فَكَيْفَ أَصْبِرُ عَنِ النَّظَرِ إِلى كَرامَتِكَ، أَمْ كَيْفَ أَسْكُنُ فِي النّارِ وَرَجائي عَفْوُكَ»([79]).

فنسأل الله سبحانه أن يعمّ قلوبنا بمحبّته ومحبّة أهل البيت(عليهم السلام)ونحن نعيش لحظات ملؤها الحبّ والأُنس بالله عندما نترنّم بأدعيتهم ومناجاتهم التي مازال يتردّد صداها بين جدران الزمن شاهداً حيّاً على صفاء نفوسهم ونقاء سرائرهم (سلام الله عليهم).

 

الدعاء بالمأثور

ظلّ الإنسان في كلّ ما يريده ويطلبه في حركته وسكونه محتاجاً ـ كما أشرنا ـ إلى مَن يأخذ بيده ويهديه ويلتمس له طريقه، لمكان النقص والحاجة التي تلفّه من كلّ جوانبه وإن أُودع فيه العقل والفطرة ولكنّهما في تكاملهما وسيرهما لا يستغنيان عن الله سبحانه والذي رسم ـ من خلال الوحي ـ للإنسان طريق حياته بكلّ تفاصيله وجزئياته، ومن جملتها كيفية أُسلوب وألفاظ الخطاب مع الله سبحانه والطلب منه و دعاءه.

فالإنسان عندما تعتمل في نفسه بعض الرغبات وتتبلور لديه بعض الدواعي لتنطلق على لسانه وترتسم على شفتيه طلباً ودعاءً لله سبحانه لتحقيقها لابدّ أن تكون تلك الرغبات والمعاني في سياقها وإطارها الصحيح والمسموح به في الشرع الحنيف وضمن قوالب من الدعاء تمتاز بأُسلوب يليق بعظمته من التذلّل والتصاغر والاعتراف بالتقصير، وأن يُقرَّ السائل والمتوسل على نفسه في دعائه بأنّه لا يستحقّ شيئاً على الإطلاق وإنّما يطلب التّفضل والرّحمة منه سبحانه. وإلاّ فسوف تأتي تلك الأدعية بنتائج عكسية ولا تتحقق الفائدة المرجوة منها.

من هذا المنطلق تبرز أهمية الدعاء بما هو مأثور عن الرسول(صلى الله عليه وآله)وأهل بيته(عليهم السلام); لأنّ الدعاء قلباً وقالباً يتوقّف على عوامل منها: معرفة الرّب الذي على الإنسان مُساءَلَته، وكذلك المعرفة التامّة بحقيقة الدعاء وما ينبغي ومالا ينبغي، وماهي المضامين الصحيحة والمعاني المناسبة والمؤثّرة، وماهي القوالب المعبّرة والتي تُصب فيها تلك المعاني؟ مضافاً إلى معرفة الغاية من الدعاء .

والرسول الأعظم وأهل بيته الكرام هم مَن حازوا قصب السبق في هذا المضمار وهم خير مَن تتجلّى فيهم هذه المعرفة فهم الذين عرفوا الله ورُزقوا اليقين والتصديق به عبدوه حقّ عبادته، وهذه أُمور اتّفقت عليها كلمة المسلمين، فعلى هذا كانت أساليب دعائهم أفضل وأرقى الأساليب وأرفعها وألفاظهم أدقّ الألفاظ في التعبير عمّا يجب أن يُدعى ويُناجى مع الله سبحانه، فكانت أدعيتهم في الذروة من حيث الخشوع والتضرع. وهي الشفاء والبلسم لكلِّ داء.

من هنا جاء الحثّ والحضّ من قبل الشريعة على اقتفاء المأثور من أدعية الرسول(صلى الله عليه وآله) وأهل بيته الذين يفرغون عن لسانه بياناً وعلماً وترك ما اخترعه وابتدعه غيرهم، فعن عبدالرّحمن القصير، قال: دخلت على أبي عبدالله(عليه السلام)فقلت: جعلت فداك إنّي اخترعت دعاءً، قال (عليه السلام): «دعني من اختراعك، إذا نزل بك أمر فافزع إلى رسول الله(صلى الله عليه وآله)قلت: كيف أصنع؟ قال: تغتسل وتصلّي ركعتين تستفتح بهما افتتاح الفريضة وتشهّد الفريضة، فإذا فرغت من التشهّد وسلمت قلت: اللّهمّ أنت السلام ومنك السلام...»([80]).

وهذا ليس رجماً بالغيب أو تقوّلاً بغير علم فأهل البيت(عليهم السلام)هم علماء هذه الأُمة وصنائع رسول الله(صلى الله عليه وآله) وورثة علمه، وإلى هذا المعنى يُشير عليّ(عليه السلام)فيقول واصفاً أهل البيت(عليهم السلام) : «هم عيش العلم وموت الجهل»([81]) وكذلك يُشير سلام الله عليه إلى بلاغتهم وفصاحتهم وبيانهم فيقول: «وإنّا لأُمراء الكلام وفينا تنشبت عروقه، وعلينا تهدّلت غصونه»([82]).

هذا مضافاً لما للدعاء بالمأثور من انعكاسات تربوية وروحية مؤثرة فالذي يدعو بهذه الأدعية المستفادة من أهل البيت يكون أكثر وثوقاً واطمئناناً بما يدعو، لأنّه يعلم أنّها أعمق مضموناً وأدقّ وأكمل مغزى، فتتفاعل حينئذ روحه مع أرواحهم ويوحّد صوته مع أصواتهم، فيشعر وكأنّه بينهم ومعهم وفي زمرتهم، الأمر الذي يبعث على سموّ نفسه وروحه وتعلّقه بالله وإقباله عليه وبالتالي حصول الإجابة والقرب من الله.

فأدعية أهل البيت(عليهم السلام) حقّاً ذخائر ثمينة ونغمات رحمانية ومعراج لسموّ الأرواح ونيل الزلفى لدى الباري سبحانه لأنّها صدرت من نفوس تقيّة وقلوب نقيّة، قال الإمام عليّ(عليه السلام): «خير الدعاء ما صدر عن صدر تقي وقلب نقي»([83]).



([1]) الروم: 30.
([2]) غافر: 60.
([3]) وسائل الشيعة: 7/27، الحديث 8615 ، طبعة مؤسسة آل البيت(عليهم السلام).
([4]) الفتح: 29.
([5]) المفصّل في اللغة والأدب، الدكتور إميل يعقوب والدكتور ميشال عاصي: 1/625، دار العلم للملايين.
([6]) مفردات الراغب: 170 .
([7]) الميزان في تفسير القرآن: 10/39، نشر جماعة المدرسين ـ قم.
([8]) البقرة: 186.
([9]) الأنبياء: 90 .
([10]) الفرقان: 77.
([11]) غافر: 60.
([12]) البقرة: 186.
([13]) وسائل الشيعة: 7/30، الحديث 8628 .
([14]) المصدر السابق: 7/31، الحديث 8631 .
([15]) الدعوات، القطب الراوندي: 18 .
([16]) الكافي: 2/471 .
([17]) ميزان الحكمة، الري شهري: 2/868 .
([18]) وسائل الشيعة: 7/38 ، الحديث 8654 .
([19]) وسائل الشيعة: 7/39، الحديث 8656 .
([20]) ميزان الحكمة: 2/869 .
([21]) وسائل الشيعة: 7/39، الحديث 8657 .
([22]) المصدر السابق: 7/45، الحديث 8677 .
([23]) المصدر السابق: 7/37، الحديث 8648 .
([24]) المصدر السابق: 7/37، الحديث 8650 .
([25]) فاطر: 10.
([26]) عدّة الداعي، ابن فهد: 167 .
([27]) مستدرك الوسائل: 5/269 .
([28]) مصباح المتهجد، الشيخ الطوسي: 564 .
([29]) الكافي: 2/148 .
([30]) وسائل الشيعة: 7/84 ، الحديث 8793 .
([31]) المصدر السابق: 7/145، الحديث 8962 .
([32])  المصدر السابق 7/146، الحديث 8968 .
([33]) البقرة: 222 .
([34]) ميزان الحكمة: 2/875 .
([35]) وسائل الشيعة: 7/79، الحديث 8782 .
([36]) ميزان الحكمة: 2/880 .
([37]) وسائل الشيعة: 7/92، الحيث 8823 .
([38]) المصدر السابق: 7/72، الحديث 8758 .
([39]) المصدر السابق: 7/67 ، الحديث 8745 .
([40]) ثواب الأعمال، الصدوق: 162 .
([41]) اُصول الكافي: ج2، كتاب الدعاء ح10.
([42])  عيون أخبار الرضا، الصدوق: 265 .
([43]) وسائل الشيعة: 7/68، الحديث 8747 .
([44]) اُصول الكافي ج2، كتاب الدعاء.
([45]) المصدر السابق: 14/452، الحديث 19581 .
([46])  فاطر: 15 .
([47]) مستدرك الوسائل: 7/447 .
([48]) بحار الأنوار: 95/225 .
([49]) الصحيفة السجادية الكاملة: 114 .
([50]) غافر: 60.
([51]) الكافي: 2/467، باب فضل الدعاء والحثّ عليه.
([52]) فاطر: 28.
([53]) الملك: 12 .
([54]) وسائل الشيعة: 15/229، الحديث 20348 .
([55]) الحديد: 27.
([56]) طه: 1 ـ 2 .
([57]) الرعد: 28.
([58]) العلق 6 - 7 .
([59]) يونس: 12.
([60]) الإسراء: 67.
([61]) يونس: 12.
([62]) الإسراء: 67.
([63]) من لا يحضره الفقيه، الصدوق: 4/412، الحديث 5900 .
([64]) أمالي الصدوق: 337، المجلس الخامس والأربعون، الحديث 395 .
([65]) الإرشاد، المفيد: 2/151 .
([66])  الكافي، الكليني: 2/488، باب من أبطأت عليه الإجابة. الحديث 1 .
([67]) مصباح المتهجد، الشيخ الطوسي: 275 .
([68]) ميزان الحكمة: 1/58 .
([69]) المصدر السابق.
([70]) ميزان الحكمة: 1/58 .
([71]) مصباح الشريعة: 132 .
([72]) وسائل الشيعة: 4/1127، الحديث 8785 .
([73]) وسائل الشيعة: 16/17، الحديث 21264 .
([74]) مستدرك الوسائل: 12/219، الحديث 13927 .
([75]) الإرشاد، المفيد: 1/34 .
([76]) الصحيفة السجادية: 428 .
([77]) مصباح المتهجّد: 585 .
([78]) بحار الانوار: 95/226 .
([79]) مصباح المتهجد: 847 .
([80]) وسائل الشيعة: 8/130، الحديث 10234.
([81]) نهج البلاغة: 2/222.
([82]) نهج البلاغة: 2/226 .
([83]) ميزان الحكمة: 2/874 .

قراءة 17709 مرة