بداية الغيبة الصغرى (8/ شعبان/ السنة 260 هـ)

قيم هذا المقال
(0 صوت)
بداية الغيبة الصغرى (8/ شعبان/ السنة 260 هـ)

كان من مشيئة الله أن يغيب المهدي إلى أن يشاء ويقدر، وقد قسمت غيبته إلى غيبتين([1]). اصطلح عليهما (الغيبة والصغرى)، و(الغيبة الكبرى).

وقد امتدت الغيبة الصغرى من عام (260هـ) سنة استشهاد أبيه الإمام العسكري، حتى عام (329هـ)، وهي السنة التي توفي فيها آخر سفير له، وعليه فمدة الغيبة الصغرى 69 سنة، على هذا التقدير، وإن عدّ المفيد بدايتها منذ ولادته (ع)  سنة (255هـ)([2]). فتكون الغيبة الصغرى (74 عاماً).

كان الإمام(ع)  في هذه الفترة يتصل بأوليائه ومحبيه عبر سفراء أربعة، وهم:

1- أبو عمرو عثمان بن سعيد العمري: من بني أسد ويعرف بالسمان، لأنه كان يمارس نشاطاته السياسية تحت غطاء الاتجار بالسمن، وكان يضع الأمانات والأموال المتعلقة بالإمام التي يجمعها من الشيعة في أواني السمن، ثم يسلمها بعد ذلك إلى الإمام، وقد كان يحظى بثقة واحترام جميع الشيعة([3]).

كان أبو عمرو وقبل ذلك وكيلاّ عن الإمام الهادي والإمام العسكري، وموثوقاً به من قبلهما، فقد قال الإمام الهادي(ع)  لأحمد بن إسحاق عندما قال الأخير له: أنا أغيب وأشهد، ولا يتهيأ لي الوصول إليك إذا شهدت في كل وقت فقول من أقبل؟ وأمر من نمتثل؟

فقال (ع) : هذا أبو عمرو الثقة الأمين، ما قاله لكم فعني يقوله، وما أدّاه إليكم فعني يؤديه.

وبعد وفاة الهادي سأل العسكري عن ذلك، فقال (ع): «هذا أبو عمرو الثقة الأمين ثقة الماضي وثقتي في المحيا والممات، فما قاله لكم فعني يقوله، وما أدّى إليكم فعني يؤديه»([4]).

2- محمد بن عثمان بن سعيد العمري: وهو كأبيه من كبار أعيان الشيعة، وكان يحظى باحترامهم وتقديرهم، وكان من ثقات العسكري، إذ لما سأله أحمد بن إسحاق عمن آخذ وقول من أقبل ؟ قال (ع): «العمري وابنه ثقتان فما أديا إليك فعني يؤديان، وما قالا لك فعني يقولان فاسمع لهما وأطعهما فإنها الثقتان المأمونان»([5]).

وقد نصبه (ع)  بعد وفاة أبيه وكيلاً من ناحيته، يقول عبد الله بن جعفر الحِمْيَري: لما مضى أبو عمرو عثمان بن سعيد أتتنا الكتب بالخط الذي كنا نكاتب به - أي بخط الإمام الذي كان يرد فيه على مسائلهم - بإقامة أبي جعفر محمد بن عثمان بن سعيد مقامه([6]).

بقي محمد بن عثمان وكيلا عنه (ع)  قرابة الأربعين عاماً، وتوفي سنة (304هـ) أو (305هـ)([7]).

3- أبو القاسم الحسين بن روح النوبختي: لقد أمر صاحب الزمان(ع)  محمد بن عثمان في أواخر حياته أن ينصب بعده الحسين بن روح، حيث لما زاره كبار الشيعة قال لهم: إن حدث علي حدث الموت، فالأمر إلى أبي القاسم الحسين بن روح النوبختي، فقد أُمرت أن أجعله في موضعي بعدي، فارجعوا وعولوا في أموركم عليه([8]).

كان الحسين بن روح همزة الوصل بين السفير الثاني والشيعة، وقد كان محمد بن عثمان يحيل الشيعة في دفع الأموال إليه، مما يكشف عن أنه كان يعده من قبل لأمر السفارة والوكالة([9]).

سجن الحسين بن روح مدة خمسة أعوام في عهد الخليفة المقتدر، وحاول وسعه يعترف بمكان الإمام، دون جدوى فأفرج عنه سنة (317هـ)، دامت وكالته وسفارته 21 سنة، ومات سنة (326هـ)([10]).

4- أبو الحسن علي بن محمد السمري، فقد أمر صاحب الزمان(ع)  الحسين بن روح أن يولي للسفارة السمري، وقد كان من أصحاب العسكري(ع) ، وقد مارس النشاط الذي كان يمارسه السفراء بعده، وقبل وفاته بستة أيام صدر كتاب بتوقيع من الإمام(ع) ، جاء فيه:

«يا علي بن محمد السمري أعظم الله أجر إخوانك فيك، فإنك ميت ما بين ستة أيام، فأجمع أمرك، ولا توص إلى أحد فيقوم مقامك بعد وفاتك، فقد وقعت الغيبة التامة، فلا ظهور إلا بعد إذن الله تعالى ذكره، وذلك بعد طول الأمد، وقسوة القلوب، وامتلاء الأرض جوراً، وسيأتي لشيعتي من يدعّي المشاهدة ألا فمن أدعّى المشاهدة قبل خروج السفياني، والصيحة من السماء فهو كذّاب مفتر، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم»، وبعد ستة أيام من صدور هذا التوقيع مات السمري([11]).

وبموت أبي الحسن علي السمري تبدأ مرحلة جديدة في تاريخ الشيعة وهي مرحلة الغيبة الكبرى والتي هي بحق غربلة للمجتمع المسلم، وامتحان كبير لشيعة أهل البيت ثبتنا الله على ولايتهم ومحبتهم وخدمتهم إنه سميع مجيب.

شبهة وحل:

قد يتساءل البعض كيف يكون إماماً وهو غائب، وما هي فائدته ؟

والجواب:

أولاً: إنّ أولياء الله وحججه ما بين ظاهر بالأمور أو متخفٍ قائم بها من دون أن يعرفه الناس، ففي كلام لعلي(ع)  إلى كميل، يقول: «اللهم بلى لا تخلو الأرض من قائم لله بحجة، إما ظاهراً مشهوراً، أو خائفاً مغموراً، لئلا تبطل حجج الله وبيناته»([12]).

وقد كان ذلك في الخضر(ع)  الذي وجده موسى(ع)  قال تعالى: (فَوَجَدا عَبْداً مِنْ عِبادِنا آتَيْناهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنا وَعَلَّمْناهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْماً)([13]).

فيدل القرآن على أنّ الولي ربما يكون غائباً كالخضر(ع) ، ولكن مع ذلك لا يعيش في غفلة عن أمته، بل يتصرف في مصالحها، ويرعى شؤونها، من دون أن يعرفه أبناء الأمة.

ثانياً: بعدما تقدم ثبت أنّ الغيبة ثابتة وحقة، وبعد ذلك لا يكون طرح هذا السؤال موجباً لبطلان فكرة المهدي المنتظر، لأن عدم العلم بفائدة وجود الشيء، لا ينفي ثبوته إذا كان بشكل قطعي، وكم من القضايا التي لا ندرك فائدتها مع إيماننا وإذعاننا بوجودها.

ثالثاً: إن عدم علمنا بفائدة وجوده في زمن غيبته لا يدلّ على عدم كونه مفيداً، إذ لا تلازم بين عدم العلم بالفائدة وعدم وجودها، لما تقرر من أن عدم العلم بالشيء لا يدل على عدم وجوده.

رابعاً: إنّ الغَيبة لا تلازم عدم التصرف في الأمور، وعدم الاستفادة من وجوده، فهذا الخضر الغائب والذي كان مصاحباً لموسى، قد خرق السفينة التي يمتلكها المستضعفون ليصونها عن غصب الملك، ولم يعلم أصحاب السفينة بتصرفه، و إلا لصدوه عن خرقها، وكذا بنى الجدار ليصون كنز اليتيمين، وقتل الغلام خوفاً على والديه من إرهاقه لهما، كل ذلك والناس لا يعلمون به فأيّ مانع من أن يكون الإمام (ع)  قد فاضت خيراته علينا دون علمنا بذلك خصوصاً، بعد ما ورد من حضوره موسعاً الحج وحضور المجالس، وربما يتكفل بنفسه قضاء حوائجهم، وإن كان الناس لا يعرفونه([14]).

خامساً: لا يجب على الإمام أن يتولى التصرف في الأمور الظاهرية بنفسه، بل له تولية غيره على التصرف في الأمور، كما فعل الإمام المهدي في الغيبة الصغرى حيث كان له وكلاء أربعة يقومون بحوائج الناس، وكانت الصلة بينه وبينهم مستمرة بواستطهم، وفي الغيبة الكبرى نصب الفقهاء والعلماء العدول العالمين بالأحكام للقضاء وإجراء السياسات وإقامة الحدود والحفاظ على الحدود، وجعلهم حجة على الناس فهم يقومون في عصر الغيبة بصيانة الشرع عن التحريف وبيان الأحكام ودفع الشبهات وبكل ما يتوقف عليه نظم أمور الناس([15]).

ولعله إلى هذا أشار الإمام المهدي بقوله: «وأما وجه الانتفاع بي في غيبتي، فكالانتفاع بالشمس إذا غيبها عن الأبصار السحاب»([16]).

 

([1]) هذا التقسيم ورد في كثير من روايات أهل البيت، راجع ينابيع المودة 3: 82، باب 71.

([2]) الإرشاد: 346 وتبعه الأمين في الأعيان، والطبرسي وغيرهما.

([3]) الغيبة للطوسي: 214.

([4]) المصدر السابق: 215.

([5]) المصدر السابق: 219.

([6]) الغيبة للطوسي: 219.

([7]) المصدر السابق: 223.

([8]) المصدر السابق: 226- 227.

([9]) المصدر السابق: 224- 227.

([10]) المصدر السابق: 236.

([11]) المصدر السابق: 242- 243.

([12]) نهج البلاغة.

([13]) سورة الكهف: الآيتين 65- 66.

([14]) الأئمة الاثنا عشر، للسبحاني 5: 23-24..

([15]) المصدر السابق.

([16]) كمال الدين وتمام والنعمة: 45 ح485.

قراءة 6497 مرة