ما يَنبَغي فِي مَوسِم الحج ِ

قيم هذا المقال
(0 صوت)
ما يَنبَغي فِي مَوسِم الحج ِ

أ - حُسنُ الخُلق

الإمام الباقر عليه السلام: ما يَعبَأُ مَن يَسلُكُ هذَا الطّريقَ إذا لَم يَكُن فيهِ ثَلاثُ خِصالٍ: وَرَعٌ يَحجِزُهُ عَن مَعاصِي اللّهِ، وحِلمٌ يَملِكُ بِهِ غَضَبَهُ، وحُسنُ الصّحبَةِ لِمَن صَحِبَهُ.
الإمام الصادق عليه السلام: اِتّقِ المُفاخَرَةَ، وعَلَيكَ بِوَرَعٍ يَحجِزُكَ عَن مَعاصِي اللّهِ عَزّوجَلّ، فَإِنّ اللّهَ عَزّوجَلّ يَقولُ: ﴿ثُمّ ليَقضوا تَفَثَهُم﴾ ، ومِنَ التّفَثِ أن تَتَكَلّمَ في إحرامِكَ بِكَلامٍ قَبيحٍ، فَإِذا دَخَلتَ مَكّةَ فَطُفتَ بِالبَيتِ تَكَلّمتَ بِكَلامٍ طَيّبٍ، وكانَ ذلِكَ كَفّارَةً لِذلِكَ.

ب- إعانَةُ الأَصحاب

إسماعيلُ الخَثعَمِيّ: قُلتُ لِأَبي عَبدِاللّهِ عليه السلام: إنّا إذا قَدِمنا مَكّةَ ذَهَبَ أصحابُنا يَطوفونَ ويَترُكوني أحفَظُ مَتاعَهُم، قالَ: أنتَ أعظَمُهُم أجرًا.
مُرازِمُ بنُ حَكيم: زامَلتُ مُحَمّدَ بنَ مُصادِفٍ، فَلَمّا دَخَلنَا المَدينَةَ اعتَلَلتُ، فَكانَ يَمضي إلَى المَسجِدِ ويَدَعُني وَحدي، فَشَكَوتُ ذلِكَ إلى مُصادِفٍ، فَأَخبَرَ بِهِ أبا عَبدِاللّهِ عليه السلام، فَأَرسَلَ إلَيهِ: قُعودُكَ عِندَهُ أفضَلُ مِن صَلاتِكَ فِي المَسجِدِ.

التّحَفّظُ عَلَى النّفَقَة

أبو بَصير: سَأَلتُ أبا عَبدِاللّهِ عليه السلام عَنِ المُحرِمِ يَشُدّ عَلى بَطنِهِ العِمامَةَ، قالَ: لا. ثُمّ قالَ: كانَ أبي يَقولُ: يَشُدّ عَلى بَطنِهِ المِنطَقَةَ الّتي فيها نَفَقَتُهُ يَستَوثِقُ مِنها، فَإِنّها مِن تَمامِ حَجّهِ.
صَفوانُ الجَمّال: قُلتُ لِأَبي عَبدِاللّهِ عليه السلام: إنّ مَعي أهلي وأنَا اُريدُ الحَجّ، فَأَشُدّ نَفَقَتي في حِقوي؟ قالَ: نَعَم، فَإِنّ أبي عليه السلام كانَ يَقولُ: مِن قُوّةِ المُسافِرِ حِفظُ نَفَقَتِهِ.

يونُسُ بنُ يَعقوب: قُلتُ لِأَبي عَبدِاللّهِ عليه السلام: المُحرِمُ يَشُدّ الهِميانَ في وَسَطِهِ؟ قالَ: نَعَم، وما خَيرُهُ بَعدَ نَفَقَتِهِ؟!
يَعقوبُ بنُ سالِم: قُلتُ لِأَبي عَبدِاللّهِ عليه السلام: تَكونُ مَعِيَ الدّراهِمُ فيها تَماثيلُ وأنَا مُحرِمٌ، فَأَجعَلُها في هِمياني وأشُدّهُ في وَسَطي قالَ: لا بَأسَ، أوَلَيسَ هِيَ نَفَقَتُكَ، وعَلَيهَا اعتِمادُكَ بَعدَ اللّهِ عَزّوجَلّ؟!

د - المُقامُ بِمَكّةَ قَبلَ الحَج

الإمام الصادق عليه السلام: مُقامُ يَومٍ قَبلَ الحَجّ أفضَلُ مِن مُقامِ يَومَينِ بَعدَ الحَجّ.

ه - إشراكُ الغَيرِ في ثَوابِ الحَج

الإمام الصادق عليه السلام - لِهِشامِ بنِ الحَكَمِ لَمّا سَأَلَهُ عَنِ الرّجُلِ يُشرِكُ أباهُ وأخاهُ وقَرابَتَهُ في حَجّهِ - : إذًا يُكتَبُ لَكَ حَجّ مِثلَ حَجّهِم، وتَزدادُ أجرًا بِما وَصَلتَ.
عنه عليه السلام: لَو أشرَكتَ ألفًا في حَجّتِكَ لَكانَ لِكُلّ واحِدٍ حَجّةٌ، مِن غَيرِ أن تَنقُصَ حَجّتُكَ شَيئًا.

و - الطّوافُ نِيابَةً عَنِ الأئِمّةِ عليه السلام

موسَى بنُ القاسِم: قُلتُ لِأَبي جَعفَرٍ الثّاني عليه السلام: قَد أرَدتُ أن أطوفَ عَنكَ وعَن أبيكَ، فَقيلَ لي: إنّ الأَوصِياءَ لا يُطافُ عَنهُم. فَقالَ لي: بَل طُف ما أمكَنَكَ، فَإِنّ ذلِكَ جائِزٌ.
ثُمّ قُلتُ لَهُ بَعدَ ذلِكَ بِثَلاثِ سِنينَ: إنّي كُنتُ استَأذَنتُكَ فِي الطّوافِ عَنكَ وعَن أبيكَ فَأَذِنتَ لي في ذلِكَ، فَطُفتُ عَنكُما ما شاءَ اللّهُ، ثُمّ وَقَعَ في قَلبي شَي ءٌ فَعَمِلتُ بِهِ. قالَ: وما هُوَ؟ قُلتُ: طُفتُ يَومًا عَن رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه وآله وسلم، فَقالَ ثَلاثَ مَرّاتٍ: صَلّى اللّهُ عَلى رَسولِ اللّهِ. ثُمّ اليَومَ الثّانِيَ عَن أميرِ المُؤمِنينَ عليه السلام، ثُمّ طُفتُ اليَومَ الثّالِثَ عَنِ الحَسَنِ عليه السلام، والرّابِعَ عَنِ الحُسَينِ عليه السلام، والخامِسَ عَن عَلِيّ بنِ الحُسَينِ عليه السلام، والسّادِسَ عَن أبي جَعفَرٍ مُحَمّدِ بنِ عَلِيّ عليه السلام، واليَومَ السّابِعَ عَن جَعفَرِ بنِ مُحَمّدٍ عليه السلام، واليَومَ الثّامِنَ عَن أبيكَ موسى عليه السلام، واليَومَ التّاسِعَ عَن أبيكَ عَلِيّ عليه السلام، واليَومَ العاشِرَ عَنكَ يا سَيّدي، وهؤُلاءِ الّذينَ أدينُ اللّهَ بِوَلايَتِهِم. فَقالَ: إذًا واللّهِ تَدينُ اللّهَ بِالدّينِ الّذي لا يَقبَلُ مِنَ العِبادِ غَيرَهُ. قُلتُ: ورُبّما طُفتُ عَن اُمّكَ فاطِمَةَ عليه السلام ورُبّما لَم أطُف، فَقالَ: اِستَكثِر مِن هذا، فَإِنّهُ أفضَلُ ما أنتَ عامِلُهُ إن شاءَ اللّهُ.

ز - لِقاءُ الإِمام

الإمام الباقر عليه السلام: تَمامُ الحَجّ لِقاءُ الإِمامِ.
الإمام الصادق عليه السلام: إذا حَجّ أحَدُكُم فَليَختِم حَجّهُ بِزِيارَتِن, لِأَنّ ذلِكَ مِن تَمامِ الحَجّ.

سَدير: سَمِعتُ أباجَعفَرٍ عليه السلام وهُوَ داخِلٌ وأنَا خارِجٌ وأخَذَ بِيَدي، ثُمّ استَقبَلَ البَيتَ، فَقالَ: يا سَديرُ، إنّما اُمِرَ النّاسُ أن يَأتوا هذِهِ الأَحجارَ فَيَطوفوا بِها، ثُمّ يَأتونا فَيُعلِمونا وَلايَتَهُم لَنا.
الإمام الباقر عليه السلام: إنّما اُمِرَ النّاسُ أن يَأتوا هذِهِ الأَحجارَ فَيَطوفوا بِها، ثُمّ يَأتونا فَيُخبِرونا الفُضَيل: نَظَرَ (أبو جَعفَرٍ عليه السلام) إلَى النّاسِ يَطوفونَ حَولَ الكَعبَةِ، فَقالَ: هكَذا كانوا يَطوفونَ فِي الجاهِلِيّةِ، إنّما اُمِروا أن يَطوفوا بِها، ثُمّ يَنفِروا إلَينا فَيُعلِمونا وَلايَتَهُم ومَوَدّتَهُم، ويَعرِضوا عَلَينا نُصرَتَهُم. ثُمّ قَرَأَ هذِهِ الآيَةَ: ﴿فَاجعَل أفئِدَةً مِنَ النّاسِ تَهوي إلَيهِم.
الإمام الباقر عليه السلام - في قَولِهِ تَعالى : ﴿فَاجعَل أفئِدَةً مِنَ النّاسِ تَهوي إلَيهِم﴾ -:... يَنبَغي لِلنّاسِ أن يَحُجّوا هذَا البَيتَ ويُعَظّموهُ لِتَعظيمِ اللّهِ إيّاهُ، وأن يَلقَونا حَيثُ كُنّا، نَحنُ الأَدِلّاءُ عَلَى اللّهِ .

جَوامِعُ ما يَنبَغي فِي المَوسِم

﴿الحَجّ أشهُرٌ مَعلوماتٌ فَمَن فَرَضَ فيهِنّ الحَجّ فَلا رَفَثَ ولا فُسوقَ ولا جِدالَ فِي الحَجّ وما تَفعَلوا مِن خَيرٍ يَعلَمهُ اللّهُ وتَزَوّدوا فَإِنّ خَيرَ الزّادِ التّقوى واتّقونِ يا اُولِي الأَلبابِ.
﴿يا أيّهَا الّذينَ آمَنوا لا تُحِلّوا شَعائِرَ اللّهِ ولا الشّهرَ الحَرامَ ولا الهَديَ ولا القَلائِدَ ولا آمّينَ البَيتَ الحَرامَ يَبتَغونَ فَضلاً مِن رَبّهِم ورِضوانًا وإذا حَلَلتُم فَاصطادوا ولا يَجرِمَنّكُم شَنَآنُ قَومٍ أن صَدّوكُم عَنِ المَسجِدِ الحَرامِ أن تَعتَدوا وتَعاوَنوا عَلَى البِرّ والتّقوى ولا تَعاوَنوا عَلَى الإِثمِ والعُدوانِ واتّقُوا اللّهَ إنّ اللّهَ شَديدُ العِقابِ.

رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم - في خُطبَتِهِ يَومَ الغَدير -: مَعاشِرَ النّاسِ، حُجّوا البَيتَ بِكَمالِ الدّينِ والتّفَقّهِ، ولا تَنصَرِفوا عَنِ المَشاهِدِ إلّا بِتَوبَةٍ وإقلاعٍ.
عنه  صلى الله عليه وآله وسلم - لَمّا سُئِلَ ما بِرّ الحَجّ؟ -: إطعامُ الطّعامِ وطيبُ الكَلامِ.
بِوَلايَتِهِم ويَعرِضوا عَلَينا نَصرَهُم.

الإمام الباقر والإمام الصادق عليه السلام - حينَ سُئِلا عَن قَولِهِ تَعالى : ﴿وأتِمّوا الحَجّ والعُمرَةَ للّهِ ِ﴾-: فَإِنّ تَمامَ الحَجّ والعُمرَةِ أن لا يَرفَثَ ولا يَفسُقَ ولا يُجادِلَ.
الإمام الصادق عليه السلام: إذا أحرَمتَ فَعَلَيكَ بِتَقوَى اللّهِ، وذِكرِ اللّهِ كَثيرًا، وقِلّةِ الكَلامِ إلّا بِخَيرٍ, فَإِنّ مِن تَمامِ الحَجّ والعُمرَةِ أن يَحفَظَ المَرءُ لِسانَهُ إلّا مِن خَيرٍ، كَما قالَ اللّهُ عَزّوجَلّ، فَإِنّ اللّهَ عَزّوجَلّ يَقولُ: ﴿فَمَن فَرَضَ فيهِنّ الحَجّ فَلا رَفَثَ ولا فُسوقَ ولا جِدالَ فِي الحَجّ﴾. والرّفَثُ: الجِماعُ، والفُسوقُ: الكَذِبُ والسّبابُ، والجِدالُ: قَولُ الرّجُلِ: لا واللّهِ، وبَلى واللّهِ.

عَلِيّ بنُ جَعفَرٍ: سَأَلتُ أخي موسى عليه السلام عَنِ الرّفَثِ والفُسوقِ والجِدالِ: ما هُوَ؟ وما عَلى مَن فَعَلَهُ؟ فَقالَ: الرّفَثُ جِماعُ النّساءِ، والفُسوقُ الكَذِبُ والمُفاخَرَةُ، والجِدالُ قَولُ الرّجُلِ: لا واللّهِ وبَلى واللّهِ، فَمَن رَفَثَ فَعَلَيهِ بُدنَةٌ يَنحَرُها، وإن لَم يَجِد فَشاةٌ، وكَفّارَةُ الفُسوقِ يَتَصَدّقُ بِهِ إذا فَعَلَهُ وهُوَ مُحرِمٌ.

مِمّا يُنسَبُ لِلإِمامِ الصّادِقِ عليه السلام: إذا أرَدتَ الحَجّ فَجَرّد قَلبَكَ للّهِ ِ تَعالى مِن كُلّ شاغِلٍ وحِجابِ كُلّ حاجِبٍ، وفَوّض اُمورَكَ كُلّها إلى خالِقِكَ، وتَوَكّل عَلَيهِ في جَميعِ ما يَظهَرُ مِن حَرَكاتِكَ و سَكَناتِكَ، وسَلّم لِقَضائِهِ وحُكمِهِ وقَدَرِهِ، ودَعِ الدّنيا والرّاحَةَ والخَلقَ، واخرُج مِن حُقوقٍ تَلزَمُكَ مِن جِهَةِ المَخلوقينَ، ولا تَعتَمِد عَلى زادِكَ وراحِلَتِكَ وأصحابِكَ وقُوّتِكَ وشَبابِكَ ومالِكَ, مَخافَةَ أن يَصيروا لَكَ عَدُوّا ووَبالًا، فَإِنّ مَنِ ادّعى رِضَا اللّهِ واعتَمَدَ عَلى شَي ءٍ صَيّرَهُ عَلَيهِ عَدُوّا ووَبالًا، لَيَعلَمُ أنّهُ لَيسَ لَهُ قُوّةٌ ولا حيلَةٌ ولا لِأَحَدٍ إلّا بِعِصمَةِ اللّهِ وتَوفيقِهِ، واستَعِدّ استِعدادَ مَن لا يَرجُو الرّجوعَ، وأحسِنِ الصّحبَةَ، وراعِ أوقاتَ فَرائِضِ اللّهِ وسُنَنِ نَبِيّهِ صلى الله عليه وآله وسلم وما يَجِبُ عَلَيكَ مِنَ الأَدَبِ والاِحتِمالِ والصّبرِ والشّكرِ والشّفَقَةِ والسّخاءِ وإيثارِ الزّادِ عَلى دَوامِ الأَوقاتِ.

ثُمّ اغسِل بِماءِ التّوبَةِ الخالِصَةِ ذُنوبَكَ، والبَس كِسوَةَ الصّدقِ والصّفاءِ والخُضوعِ والخُشوعِ، وأحرِم مِن كُلّ شَي ءٍ يَمنَعُكَ عَن ذِكرِ اللّهِ ويَحجُبُكَ عَن طاعَتِهِ، ولَبّ بِمَعنى إجابَةٍ صافِيَةٍ زاكِيَةٍ للّهِ ِ عَزّوجَلّ في دَعوَتِكَ لَهُ، مُتَمَسّكًا بِعُروَتِهِ الوُثقى .

وطُف بِقَلبِكَ مَعَ المَلائِكَةِ حَولَ العَرشِ كَطَوافِكَ مَعَ المُسلِمينَ بِنَفسِكَ حَولَ البَيتِ.
وهَروِل هَروَلَةً مِن هَواكَ وتَبَرّيًا مِن جَميعِ حَولِكَ وقُوّتِكَ، فَاخرُج مِن غَفلَتِكَ وزَلّاتِكَ بِخُروجِكَ إلى مِنى ولا تَتَمَنّ ما لا يَحِلّ لَكَ ولا تَستَحِقّهُ.

واعتَرِف بِالخَطايا بِعَرَفاتٍ، وجَدّد عَهدَكَ عِندَ اللّهِ بِوَحدانِيّتِهِ.
وتَقَرّب إلَى اللّهِ ذا ثِقَةٍبِمُزدَلِفَةَ، واصعَد بِروحِكَ إلَى المَلأِ الأَعلى بِصُعودِكَ إلَى الجَبَلِ.

واذبَح حَنجَرَتَيِ الهَوى والطّمَعِ عِندَ الذّبيحَةِ.
وارمِ الشّهَواتِ والخَساسَةَ والدّناءَةَ والذّميمَةَ عِندَ رَميِ الجَمَراتِ.

واحلِقِ العُيوبَ الظّاهِرَةَ والباطِنَةَ بِحَلقِ رَأسِكَ.
وادخُل في أمانِ اللّهِ وكَنَفِهِ وسَترِهِ وكَلاءَتِهِ مِن مُتابَعَةِ مُرادِكَ بِدُخولِكَ الحَرَمَ، وزُرِ البَيتَ مُتَحَقّقًا لِتَعظيمِ صاحِبِهِ ومَعرِفَةِ جَلالِهِ وسُلطانِهِ، واستَلِمِ الحَجَرَ رِضًى بِقِسمَتِهِ وخُضوعًا لِعِزّتِهِ.

ووَدّع ما سِواهُ بِطَوافِ الوَداعِ.
وصُفّ روحَكَ وسِرّكَ لِلِقاءِ اللّهِ يَومَ تَلقاهُ بِوُقوفِكَ عَلَى الصّفا.

وكُن ذا مُرُوّةٍ مِنَ اللّهِ تَقِيّا أوصافكَ عِندَ المَروَةِ، واستَقِم عَلى شُروطِ حَجّكَ هذا ووَفاءِ عَهدِكَ الّذي عاهَدتَ بِهِ مَعَ رَبّكَ وأوجَبتَهُ إلى يَومِ القِيامَةِ.
السّيّدُ عَبدُاللّهِ سِبطُ المُحَدّثِ الجَزائِرِيّ في "شَرحِ النّخبَةِ": وَجَدتُ في عِدّةِ مَواضِعَ، أوثَقُها بِخَطّ بَعضِ المَشايِخِ الّذينَ عاصَرناهُم مُرسَلاً، أنّهُ لَمّا رَجَعَ مَولانا زَينُ العابِدينَ عليه السلام مِنَ الحَجّ استَقبَلَهُ الشّبلِيّ، فَقالَ عليه السلام لَهُ: حَجَجتَ يا شِبلِيّ؟ قالَ: نَعَم يَابنَ رَسولِ اللّهِ، فَقالَ عليه السلام: أنَزَلتَ الميقاتَ، وتَجَرّدتَ عَن مَخيطِ الثّيابِ، واغتَسَلتَ؟ قالَ: نَعَم، قالَ: فَحينَ نَزَلتَ الميقاتَ نَوَيتَ أنّكَ خَلَعتَ ثَوبَ المَعصِيَةِ ولَبِستَ ثَوبَ الطّاعَةِ؟ قالَ: لا، قالَ: فَحينَ تَجَرّدتَ عَن مَخيطِ ثِيابِكَ نَوَيتَ أنّكَ تَجَرّدتَ مِنَ الرّياءِ والنّفاقِ والدّخولِ فِي الشّبُهاتِ؟ قالَ: لا، قالَ: فَحينَ اغتَسَلتَ نَوَيتَ أنّكَ اغتَسَلتَ مِنَ الخَطايا والذّنوبِ؟ قالَ: لا، قالَ: فَما نَزَلتَ الميقاتَ، ولا تَجَرّدتَ عَن مَخيطِ الثّيابِ، ولَا اغتَسَلتَ!

ثُمّ قالَ: تَنَظّفتَ، وأحرَمتَ، وعَقَدتَ بِالحَجّ؟ قالَ: نَعَم، قالَ: فَحينَ تَنَظّفتَ وأحرَمتَ وعَقَدتَ الحَجّ نَوَيتَ أنّكَ تَنَظّفتَ بِنورَةِ التّوبَةِ الخالِصَةِ للّهِ ِ تَعالى ؟ قالَ: لا، قالَ: فَحينَ أحرَمتَ نَوَيتَ أنّكَ حَرّمتَ عَلى نَفسِكَ كُلّ مُحَرّمٍ حَرّمَهُ اللّهُ عَزّ وجَلّ؟ قالَ: لا، قالَ: فَحينَ عَقَدتَ الحَجّ نَوَيتَ أنّكَ قَد حَلَلتَ كُلّ عَقدٍ لِغَيرِ اللّهِ؟ قالَ: لا، قالَ لَهُ عليه السلام: ما تَنَظّفتَ، ولا أحرَمتَ، ولا عَقَدتَ الحَجّ!

قالَ لَهُ: أدَخَلتَ الميقاتَ، وصَلّيتَ رَكعَتَيِ الإِحرامِ، ولَبّيتَ؟ قالَ: نَعَم، قالَ: فَحينَ دَخَلتَ الميقاتَ نَوَيتَ أنّكَ بِنِيّةِ الزّيارَةِ؟ قالَ: لا، قالَ: فَحينَ صَلّيتَ الرّكعَتَينِ نَوَيتَ أنّكَ تَقَرّبتَ إلَى اللّهِ بِخَيرِ الأَعمالِ مِنَ الصّلاةِ وأكبَرِ حَسَناتِ العِبادِ؟ قالَ: لا، قالَ: فَحينَ لَبّيتَ نَوَيتَ أنّكَ نَطَقتَ للّهِ ِ سُبحانَهُ بِكُلّ طاعَةٍ وصَمَتّ عَن كُلّ مَعصِيَةٍ؟ قالَ: لا، قالَ لَهُ عليه السلام: ما دَخَلتَ الميقاتَ، ولا صَلّيتَ، ولا لَبّيتَ!

ثُمّ قالَ لَهُ: أدَخَلتَ الحَرَمَ، ورَأَيتَ الكَعبَةَ، وصَلّيتَ؟ قالَ: نَعَم، قالَ عليه السلام: فَحينَ دَخَلتَ الحَرَمَ نَوَيتَ أنّكَ حَرّمتَ عَلى نَفسِكَ كُلّ غيبَةٍ تَستَغيبُهَا المُسلِمينَ مِن أهلِ مِلّةِ الإِسلامِ؟ قالَ: لا، قالَ: فَحينَ وَصَلتَ مَكّةَ نَوَيتَ بِقَلبِكَ أنّكَ قَصَدتَ اللّهَ؟ قالَ: لا، قالَ عليه السلام: فَما دَخَلتَ الحَرَمَ، ولا رَأَيتَ الكَعبَةَ، ولا صَلّيتَ!

ثُمّ قالَ: طُفتَ بِالبَيتِ، ومَسَستَ الأَركانَ، وسَعَيتَ؟ قالَ: نَعَم، قالَ: فَحينَ سَعَيتَ نَوَيتَ أنّكَ هَرَبتَ إلَى اللّهِ وعَرَفَ مِنكَ ذلِكَ عَلّامُ الغُيوبِ؟ قالَ: لا، قالَ: فَما طُفتَ بِالبَيتِ، ولا مَسَستَ الأَركانَ، ولا سَعَيتَ!
ثُمّ قالَ لَهُ: صافَحتَ الحَجَرَ، ووَقَفتَ بِمَقامِ إبراهيمَ عليه السلام، وصَلّيتَ بِهِ رَكعَتَينِ؟ قالَ: نَعَم، فَصاحَ عليه السلام صَيحَةً كادَ يُفارِقُ الدّنيا، ثُمّ قالَ: آه آه- ثُمّ قالَ عليه السلام: - مَن صافَحَ الحَجَرَ الأَسوَدَ فَقَد صافَحَ اللّهَ تَعالى ، فَانظُر يا مِسكينُ لا تُضَيّع أجرَ ما عَظُمَ حُرمَتُهُ، وتَنقُضِ المُصافَحَةَ بِالمُخالَفَةِ وقَبضِ الحَرامِ نَظيرَ أهلِ الآثامِ. ثُمّ قالَ عليه السلام: نَوَيتَ حينَ وَقَفتَ عِندَ مَقامِ إبراهيمَ عليه السلام، أنّكَ وَقَفتَ عَلى كُلّ طاعَةٍ، وتَخَلّفتَ عَن كُلّ مَعصِيَةٍ؟ قالَ: لا، قالَ: فَحينَ صَلّيتَ فيهِ رَكعَتَينِ نَوَيتَ أنّكَ صَلّيتَ بِصَلاةِ إبراهيمَ عليه السلام وأرغَمتَ بِصَلاتِكَ أنفَ الشّيطانِ؟ قالَ: لا، قالَ لَهُ: فَما صافَحتَ الحَجَرَ الأَسوَدَ، ولا وَقَفتَ عِندَ المَقامِ، ولا صَلّيتَ فيهِ رَكعَتَينِ!

ثُمّ قالَ عليه السلام لَهُ: أشرَفتَ عَلى بِئرِ زَمزَمَ، وشَرِبتَ مِن مائِها؟ قالَ: نَعَم، قالَ: نَوَيتَ أنّكَ أشرَفتَ عَلَى الطّاعَةِ، وغَضَضتَ طَرفَكَ عَنِ المَعصِيَةِ؟ قالَ: لا، قالَ عليه السلام: فَما أشرَفتَ عَلَيها، ولا شَرِبتَ مِن مائِها!

ثُمّ قالَ عليه السلام لَهُ: أسَعَيتَ بَينَ الصّفا والمَروَةِ، وَمَشيتَ وتَرَدّدتَ بَينَهُما؟ قالَ: نَعَم، قالَ لَهُ: نَوَيتَ أنّكَ بَينَ الرّجاءِ والخَوفِ؟ قالَ: لا، قالَ: فَما سَعَيتَ، ولا مَشَيتَ، ولا تَرَدّدتَ بَينَ الصّفا والمَروَةِ!
ثُمّ قالَ: أخَرَجتَ إلى مِنى ؟ قالَ: نَعَم، قالَ: نَوَيتَ أنّكَ آمَنتَ النّاسَ مِن لِسانِكَ وقَلبِكَ ويَدِكَ؟ قالَ: لا، قالَ: فَما خَرَجتَ إلى مِنى !
(ثُمّ) قالَ لَهُ: أوَقَفتَ الوَقفَةَ بِعَرَفَةَ، وطَلَعتَ جَبَلَ الرّحمَةِ، وعَرَفتَ وادِيَ نَمِرَةَ، ودَعَوتَ اللّهَ سُبحانَهُ عِندَ المَيلِ والجَمَراتِ؟ قالَ: نَعَم.

قالَ: هَل عَرَفتَ بِمَوقِفِكَ بِعَرَفَةَ مَعرِفَةَ اللّهِ سُبحانَهُ أمرَالمَعارِفِ والعُلومِ، وعَرَفتَ قَبضَ اللّهِ عَلى صَحيفَتِكَ واطّلاعِهِ عَلى سَريرَتِكَ وقَلبِكَ؟ قالَ: لا، قالَ: نَوَيتَ بِطُلوعِكَ جَبَلَ الرّحمَةِ أنّ اللّهَ يَرحَمُ كُلّ مُؤمِنٍ ومُؤمِنَةٍ ويَتَوَلّى كُلّ مُسلِمٍ ومُسلِمَةٍ؟ قالَ: لا، قالَ: فَنَوَيتَ عِندَ نَمِرَةَ أنّكَ لا تَأمُرُ حَتّى تَأتَمِرَ، ولا تَزجُرُ حَتّى تَنزَجِرَ؟ قالَ: لا، قالَ: فَعِندَما وَقَفتَ عِندَ العَلَمِ والنّمِراتِ نَوَيتَ أنّها شاهِدَةٌ لَكَ عَلَى الطّاعاتِ حافِظَةٌ لَكَ مَعَ الحَفَظَةِ بِأَمرِ رَبّ السّماواتِ؟ قالَ: لا، قالَ: فَما وَقَفتَ بِعَرَفَةَ، ولا طَلَعتَ جَبَلَ الرّحمَةِ، ولا عَرَفتَ نَمِرَةَ، ولا دَعَوتَ، ولا وَقَفتَ عِندَ النّمِراتِ!

ثُمّ قالَ: مَرَرتَ بَينَ العَلَمَينِ، وصَلّيتَ قَبلَ مُرورِكَ رَكعَتَينِ، ومَشَيتَ بِمُزدَلِفَةَ، ولَقَطتَ فيهَا الحَصى ، ومَرَرتَ بِالمَشعَرِالحَرامِ؟ قالَ: نَعَم، قالَ: فَحينَ صَلّيتَ رَكعَتَينِ نَوَيتَ أنّها صَلاةُ شُكرٍ في لَيلَةِ عَشرٍ، تَنفي كُلّ عُسرٍ وتُيَسّرُ كُلّ يُسرٍ؟ قالَ: لا، قالَ: فَعِندَما مَشَيتَ بَينَ العَلَمَينِ ولَم تَعدِل عَنهُما يَمينًا وشِمالًا نَوَيتَ أن لا تَعدِلَ عَن دينِ الحَقّ يَمينًا وشِمالًا، لابِقَلبِكَ، ولا بِلِسانِكَ، ولا بِجَوارِحِكَ؟ قالَ: لا، قالَ: فَعِندَما مَشَيتَ بِمُزدَلِفَةَ ولَقَطتَ مِنهَا الحَصى نَوَيتَ أنّكَ رَفَعتَ عَنكَ كُلّ مَعصِيَةٍ وجَهلٍ، وثَبّتّ كُلّ عِلمٍ وعَمَلٍ؟ قالَ: لا، قالَ: فَعِندَما مَرَرتَ بِالمَشعَرِالحَرامِ، نَوَيتَ أنّكَ أشعَرتَ قَلبَكَ إشعارَ أهلِ التّقوى والخَوفِ للّهِ ِ عَزّوجَلّ؟ قالَ: لا، قالَ: فَما مَرَرتَ بِالعَلَمَينِ، ولا صَلّيتَ رَكعَتَينِ، ولا مَشَيتَ بِالمُزدَلِفَةِ، ولا رَفَعتَ مِنهَا الحَصى ، ولا مَرَرتَ بِالمَشعَرِالحَرامِ!

مّ قالَ لَهُ: وَصَلتَ مِنى ، ورَمَيتَ الجَمرَةَ، وحَلَقتَ رَأسَكَ، وذَبَحتَ هَديَكَ، وصَلّيتَ في مَسجِدِ الخيفِ، ورَجَعتَ إلى مَكّةَ، وطُفتَ طَوافَ الإِفاضَةِ؟ قالَ: نَعَم، قالَ: فَنَوَيتَ عِندَما وَصَلتَ مِنى ورَمَيتَ الجِمارَ أنّكَ بَلَغتَ إلى مَطلَبِكَ وقَد قَضى رَبّكَ لَكَ كُلّ حاجَتِكَ؟ قالَ: لا، قالَ: فَعِندَمارَمَيتَ الجِمارَ نَوَيتَ أنّكَ رَمَيتَ عَدُوّكَ إبليسَ وغَضِبتَهُ بِتَمامِ حَجّكَ النّفيسِ؟ قالَ: لا، قالَ: فَعِندَما حَلَقتَ رَأسَكَ، نَوَيتَ أنّكَ تَطَهّرتَ مِنَ الأَدناسِ ومِن تَبِعَةِ بَني آدَمَ وخَرَجتَ مِنَ الذّنوبِ كَما وَلَدَتكَ اُمّكَ؟ قالَ: لا، قالَ: فَعِندَما صَلّيتَ في مَسجِدِ الخيفِ نَوَيتَ أنّكَ لاتَخافُ إلّا اللّهَ عَزّوجَلّ وذَنبَكَ ولا تَرجو إلّا رَحمَةَ اللّهِ تَعالى ؟ قالَ: لا، قالَ: فَعِندَما ذَبَحتَ هَديَكَ نَوَيتَ أنّكَ ذَبَحتَ حَنجَرَةَ الطّمَعِ بِما تَمَسّكتَ بِهِ مِن حَقيقَةِ الوَرَعِ، وأنّكَ اتّبَعتَ سُنّةَ إبراهيمَ عليه السلام بِذَبحِ وَلَدِهِ وثَمَرَةِ فُؤادِهِ ورَيحانِ قَلبِهِ وأحيَيتَ سُنّتَهُ لِمَن بَعدَهُ وقَرّبَهُ إلَى اللّهِ تَعالى لِمَن خَلفَهُ؟ قالَ: لا، قالَ: فَعِندَما رَجَعتَ إلى مَكّةَ وطُفتَ طَوافَ الإِفاضَةِ نَوَيتَ أنّكَ أفَضتَ مِن رَحمَةِ اللّهِ تَعالى ورَجَعتَ إلى طاعَتِهِ وتَمَسّكتَ بِوُدّهِ وأدّيتَ فَرائِضَهُ، وتَقَرّبتَ إلَى اللّهِ تَعالى ؟ قالَ: لا، قالَ لَهُ زَينُ العابِدينَ عليه السلام: فَما وَصَلتَ مِنى ، ولا رَمَيتَ الجِمارَ، ولا حَلَقتَ رَأسَكَ، ولا أدّيتَ نُسُكَكَ، ولا صَلّيتَ في مَسجِدِ الخيفِ، ولا طُفتَ طَوافَ الإِفاضَةِ، ولا تَقَرّبتَ، اِرجِع فَإِنّكَ لَم تَحُجّ!
فَطَفِقَ الشّبلِيّ يَبكي عَلى ما فَرّطَهُ في حَجّهِ، وما زالَ يَتَعَلّمُ حَتّى حَجّ مِن قابِلٍ بِمَعرِفَةٍ ويَقينٍ1.

1- الحج والعمرة في الكتاب والسنة / العلامة محمد الريشهري.

قراءة 7440 مرة