Print this page

عن نشأة معرض الكتاب في مصر وخواتيمه

قيم هذا المقال
(0 صوت)
عن نشأة معرض الكتاب في مصر وخواتيمه

يحتفل "معرض القاهرة الدولي للكتاب" بالعيد الخمسين له، الذي افتتح نشاطه لعام 2019، لمدّة أسبوعين اعتباراً من يوم الأربعاء 23 كانون الثاني/ يناير 2019، وحتى يوم الخامس من شباط|فبراير 2019، والاحتفال باليوبيل الذهبي، لأنه تمّ تدشين المعرض رسمياً عام 1969، وهو العام الذي يوافق مرور ألف عام على تأسيس مدينة "القاهرة"، حيث تحتفل  محافظة القاهرة بعيدها القومي يوم 6 تمّوز/ يوليو من كل عام، وهو اليوم الذي يوافق وضع القائد الفاطمي "جوهر الصقلّي" حجر أساس المدينة عام  969 بالتقويم الميلادي، ما يوافق 17 شعبان 358 بالتقويم الهجري، وكان اختياراً موفّقاً، لأنه يمثّل تجميع مدن الفسطاط والقطائع لتشكّل تلك المدينة "القاهرة"، ذات الألف مئذنة.

صاحب فكرة معرض القاهرة للكتاب، فهو "الدكتور ثروت عكاشة"(1921 -2012)، وزير "الثقافة والإرشاد القومي" بين عامي "1958 – 1962"، وهي سنوات الوحدة بين "مصر وسوريا"، وهو المفكّر القومي المُستنير، حيث رأى أن الاحتفال بمدينة "قاهرة المعز" يكون من خلال معرض سنوي للكتاب، وهي فريضة غائبة من أجل نشر الفكر التنويري، وإضفاء بلسَم يُداوي جِراح الحزن الذي خيّم على مصر والعرب، بعد هزيمة حزيران|يونيو 1967، وقد نجح المعرض طوال الخمسين عاماً، في نشر الثقافة وحوار الأفكار، وكتقليدٍ سنوي، يوضع رمز تنويري يحمل المعرض إسمه في كل عام، كان الراحل المفكّر"عبد الرحمن الشرقاوي" شخصية معرض القاهرة 2018، وبسبب دور "ثروت عكاشة" في تأسيس المعرض، اختارت وزارة الثقافة إسمه رمزاً لمعرض 2019، ومعه إسم الدكتورة "سهير القلماوي"، التي نفّذت تأسيس المعرض على أرض الواقع، عندما كانت تتولّى رئاسة "الهيئة المصرية العامة للكتاب" عام 1969.

لقّب الدكتور "ثروت عكاشة" بفارس الثقافة والثورة، وحتى اليوم، لا تكاد تُذكَر وزارة الثقافة إلا مقرونة بإسمه، فهو الرجل الذي تحوّل من ضابط بالقوّات المسلّحة ومن الضبّاط الأحرار، إلى أديب مفكّر، عندما اكتشف شغفه بالأدب وعشقه للثقافة، فكان المؤسّس الحقيقي لوزارة الثقافة، وقد استطاع أن يجعل من السلطة السياسية سلاحاً لمحاربة الجهل والأميّة، مدعوماً برؤية الرئيس الراحل "جمال عبد الناصر"، وقد نجح في أن يطرح دواء الدكتور "طه حسين" للجمهور، لتكون الثقافة مثل التعليم كالماء والهواء، وقدّم "ثروت عكاشة" العديد من المؤلّفات والتراجم من بينها "معجم المُصطلحات الثقافية"، و"تاريخ الفن الإغريقي"، و"تاريخ الفن الروماني"، وترجم كتاب "مسخ الكائنات" للكاتب الإيطالي "أوفيد"، و"الترجمات للمسرح المصري القديم" و"مذكّرات ثروت عكاشة"، وقد تأسّست في عهده وزارة الثقافة كمؤسّسة حقيقية كما ذكرنا، فأنشأ المجلس الأعلى للثقافة والفنون والآداب، والهيئة المصرية العامة للكتاب، وأكاديمية الفنون، وكوّن الفرقة الفنية للموسيقى العربية، وأنشأ مشروع الصوت والضوء بالأهرامات الفرعونية، بالإضافة إلى إسهاماته المهمّة في إنقاذ آثار النوبة وتطوير معبد الكرنك والدير البحري في مدينة "الأقصر" في "صعيد مصر"، وغيرها كثير، فكان إذن أحد البُناة العِظام لهذه الوزارة، كما كان منفّذ طبع "سلسلة الألف كتاب"، التي بدأها ورعاها الدكتور "طه حسين"، وساهمت الدولة في تمويل ذلك المشروع الحضاري، وقد نشرت "السلسلة" وترجمت لكبار الكتّاب العرب والعالم، كما أشرف "ثروت عكاشة" على مجلة "رسالة الإسلام" التي كانت تصدر عن "دار التقريب بين المذاهب الإسلامية" في القاهرة، والتي كان يكتب فيها شيوخ مسلمون شيعة وسنّة، وكذلك من رجال الدين المسيحي، فأشاع جواً من التسامُح وحب الوطن والوحدة الوطنية، وهو ما مهَّد الطريق لإزالة آثار عدوان حزيران|يونيو 1967

أمّا الدكتورة سهير القلماوي(1911 – 1997)، تلميذة الدكتور "طه حسين"، والتي كانت تُصرّ على أن تنطق إسمها "سهير بفتح السين وكسر الهاء"، فتعلّمت منه الجدّ والاجتهاد، وحفظت عنه كما كتبت في مذكّراتها "مذكّرات جدّتي" قوله لها :"أنا لا أحب الطُرُق القِصار ولا الأبواب الواسعة، بل أحب الطُرُق الطويلة والأبواب الضيّقة"، وبالفعل مشت في الشوارع الطويلة، وتمكّنت من فتح كل الأبواب الثقافية التي كانت مُغلقة عليها وعلى المرأة المصرية عموماً، فكتبت ونشرت في المجلاّت والجرائد وتحدّثت في الإذاعة، ثم هي أول فتاة تتخرّج من الجامعة المصرية وتحصل على الدكتوراه، وأول من شغل منصب رئيس قسم اللغة العربية في كلية الآداب، وهو الكرسي الذي شغله أستاذها عميد الأدب العربي طه حسين، كما تولّت منصب أستاذ الأدب العربي الحديث في كلية الآداب أيضاً عام 1956، كما تولّت الإشراف على "دار الكتاب العربي"، ثم الإشراف على مؤسّسة التأليف والنشر، وكانت ممَن أسهموا في إقامة أول دورات معرض القاهرة الدولي للكتاب عام 1969، والذي شمل على جناح خاص بالأطفال، وهو ما استمر بعد ذلك ليُصبح في ما بعد "المعرض السنوي لكتب الطفل"؛ وترجمت " سهير القلماوي" كذلك العديد من الأعمال منها "قصص صينية" للكاتبة الأميركية "بيرل بك"، و"عزيزتي اللويتا"،  و"رسالة أبون لأفلاطون"، وعشر مسرحيات لشكسبير وأكثر من 20 كتاباً في "مشروع سلسلة الألف كتاب"، وكانت الأولى في تقديم دراسة عن الأدب المصري المُعاصر إلى التعليم الجامعي، كما أعطت الفرصة لأكثر من ستين أديباً لتقديم مؤلّفاتهم عندما قامت بإصدار سلاسل أدبية سُمّيت "مؤلّفات جديدة"، وعُرِفت بإسم "فارسة الطفل والمرأة" لدورها في توعية المرأة ورعاية الأطفال ثقافياً، ولذلك تستحقّ الدكتورة "القلماوي" والدكتور "عكاشة" أن يكونا رمزاً لمعرض الكتاب، وإن كان إسم كل منهما منفصلاً يستحق وحده أن يكون رمزاً تنويرياً .

يبقى أن نذكر ثلاث ملاحظات رأيناها في المعرض هذا العام 2019، الملاحظة الأولى أن الإقبال الجماهيري كان مُرتفعاً رغم انتقال مكان المعرض إلى حيّ "التجمّع الخامس" البعيد عن وسط "القاهرة"، وقد ازداد شراء المؤلّفات رغم ارتفاع الأسعار، والملاحظة الثانية تكمُن في انتشار الندوات الثقافية والفنية من غناء ومسرح وشعر ونقد، ولا توجد فعّاليات سياسية أو دينية، وتمّت مصادرة بعض الكتب الخارجة عن الذوق والأخلاق العامة التي تخدش الحياء، كما صرّحت إدارة المعرض، ومعظمها كتب أدبية شعر ونثر، والمُدهش أن الزائرين فوجئوا بوجود السفير الإسرائيلي في القاهرة "دافيد جوفرين" يوم الثلاثاء 29 كانون الثاني|يناير داخل المعرض، وبرّر الدكتور "هيثم الحاج" ، رئيس هيئة الكتاب، إنَّ زيارته غير رسمية، ولكن الجميع ابتعد عنه، بما يعني استمرار الرفض الشعبي المصري لأيّ تعامل مع الدولة الصهيونية.

أما الملاحظة الثالثة، فهي أن كل مؤلّفات وكتب الإخوان المسلمين والسلفيين والشيعة وجماعة القرآنيين على السواء، اختفت تقريباً جميعها من المعرض، وكأن الدولة تقول إنها لا تريد صراعاً فكرياً، كما استمر المعرض في منع أية مناظرة سياسية أو دينية، كعادته منذ سنوات، بعد أن اغتيل الكاتب الدكتور "فرج فوده" بعد مناظرته الشهيرة داخل المعرض عام 1992 مع الشيخ "محمّد الغزالي" ومرشد الإخوان المسلمين "مأمون الهضيبي"، وقد أصدرا ومعهما آخرون فتوى بكُفر "فرج فوده" ومن ثمّ تم اغتياله بعد المناظرة بأربعة أشهر، في يوم 8 حزيران|يونيو 1992، ومنذ ذاك الوقت، منع المعرض المناظرات، ولكن توجد ندوات ومحاضرات ومناقشات للكتب، واستضافة فنانين وشعراء في ندوات مُتخصّصة أو ذكريات من بعضهم، ولقد ارتوينا منها كثيراً عبر سنوات طوال، وهي محاضرات وندوات ثقافية، مسّت الدين والسياسة مسّاً رقيقاً، فالثقافة والفن عموماً يرتبطان بكل نواحي الحياة...

علي أبو الخير، كاتب مصري

قراءة 1064 مرة