
emamian
المصالحة التركية - السورية.. لماذا ومن هو الهدف؟
- حسني محلي
حديث "رويترز" عن رفض الرئيس الأسد لقاء إردوغان، عدّته الأوساط الإعلامية والسياسية رسالة واضحة من الأسد، أولاً إلى المعارضة التركية، في كل أطيافها، ليقول لها "إن دمشق معها وليست مع إردوغان".
بعد أن حسم مصالحاته مع ابن زايد وابن سلمان والسيسي، وهم جميعاً حلفاء نتنياهو، حليف إردوغان الجديد، زاد الرئيس إردوغان ووزراؤه في تصريحاتهم المتناقضة والغامضة والخاصة بالمصالحة مع الرئيس الأسد.
أَولى الإعلام العربي والإعلام الدولي هذه التصريحات أهمية إضافية بعد تصريحات المسؤولين الروس، ومنهم لافرنتيف وبوغدانوف وبيسكوف، وتحدثوا معاً عن احتمالات قمة سورية - تركية يستضيفها الرئيس بوتين في موسكو، والبعض يقول سوتشي، لكن من دون تحديد الزمان.
وجاء خبر وكالة "رويترز" ليُثير عدداً من التساؤلات، بعد أن قيل "إن الرئيس الأسد رفض لقاء إردوغان قبل الانتخابات التركية"، في أيار/مايو أو حزيران/يونيو المقبل، حتى لا يستغلّ إردوغان هذه المصالحة في حملته الانتخابية ضد المعارضة، التي لم تستطع اتخاذ أي موقف عملي تجاه الأزمة السورية، وخصوصاً قضية اللاجئين. فبعد أن أرسل نائبه فاروق لوغ أوغلو إلى دمشق، حيث التقى الرئيس الأسد مرتين، في أيلول/سبتمبر 2011 وتشرين الأول/أكتوبر 2012، اتخذ زعيم حزب الشعب الجمهوري، كمال كليجدار أوغلو، موقفاً عنيفاً جداً ضدّ سياسات إردوغان بشأن سوريا، الأمر الذي دفع إردوغان إلى مهاجمته في أكثر من مناسبة، متهماً إياه بـ"التضامن مع بشار الأسد لأنه علوي مثله".
كان هذا الاتهام كافياً لكليجدار أوغلو، الذي تهرّب بعد ذلك من زيارة دمشق، على الرغم من زيارته بغداد في آب/أغسطس 2013، وإرساله فاروق لوغ أوغلو إلى القاهرة في تشرين الأول/أكتوبر 2013، بعد أن كان مقرَّرا لكليجدار أوغلو أن يقوم بهذه الزيارة، فتراجع عن قراره خوفاً من ردّ فعل إردوغان، الذي كان يشنّ آنذاك هجوماً عنيفاً ضد السيسي بسبب انقلابه على الإخواني محمد مرسي في تموز/يوليو 2013.
لكنّ هذا الهجوم لم يمنع كليجدار أوغلو، ومن معه في المعارضة، من التصدي لسياسات الرئيس إردوغان الخارجية، وبصورة خاصة "مغامراته الخطيرة في سوريا وليبيا والمنطقة بصورة عامة"، وكل ذلك بغياب الاهتمام عربياً ودولياً، إعلامياً وسياسياً، بموقف المعارضة هذا، كأنّ الجميع كان متضامناً، سراً أو علناً، مع إردوغان.
كما لم يحظَ كليجدار أوغلو بأيّ اهتمام من دمشق وطهران، اللتين رجّحتا التعاون مع زعيم حزب الوطن، دوغو برينجاك، في حين أن شعبيته لا تزيد على مئة ألف صوت في الانتخابات من أصل 55 مليون ناخب، وهو الآن حليف إردوغان.
حديث وكالة "رويترز" عن رفض الرئيس الأسد لقاء إردوغان قبل الانتخابات التركية، عدّته الأوساط الإعلامية والسياسية هنا رسالة واضحة من الأسد، أولاً إلى المعارضة التركية، في كل أطيافها، ليقول لها "إن دمشق معها وليست مع إردوغان".
كما هي رسالة إلى موسكو، التي تتهمها المعارضة التركية بدعم الرئيس إردوغان في كل الوسائل، من أجل ضمان بقائه في السلطة، ما دامت علاقاته بالرئيس بوتين "مثالية".
موقف دمشق هذا شجّع أحزاب المعارضة على التحرك تجاه دمشق، وأعلنت قياداتها، في أكثر من تصريح، أنها تخطط من أجل زيارة سوريا، مع تأكيد ضرورة الحوار المباشر مع الدولة السورية ورئيسها الشرعي بشار الأسد، من أجل الاتفاق معه بشأن مجمل القضايا التي تخص البلدين. ومن دون أن يكون واضحاً هل ستتعامل دمشق مع تحركات المعارضة هذه، وكيف، في الوقت الذي يعرف الجميع أن الأزمة السورية، في كل معطياتها الأمنية والسياسية والعسكرية، ستكون من أهم موادّ الحملة الانتخابية المقبلة، التي وضع إردوغان من أجلها عدداً من السيناريوهات، أهمها إبعاد حزب الشعوب الديمقراطي (الكردي) عن تحالف المعارضة، والعمل على سحب هذا الحزب إلى جانبه، وهو ما يتطلّب موقفاً أكثر وضوحاً تجاه الوضع شرقي الفرات؛ الموضوع الرئيس في الحوار السوري - التركي المستقبلي.
المسؤولون الأتراك يتحدثون باستمرار عن ضرورة القضاء على وحدات حماية الشعب الكردية، وهي الذراع السورية لحزب العمال الكردستاني التركي، كما يتّهمون موسكو، بين الحين والآخر، بالوساطة بين هذه الوحدات ودمشق. وترى أنقرة في ذلك خطراً عليها، بحسب تصريحات المسؤولين الأتراك، بمن فيهم إردوغان، الذي اتّهم ويتّهم أيضاً حلفاءه التقليديين الأميركيين باحتلال شرقي الفرات، وتقديم كل أنواع الدعم إلى الميليشيات الكردية هناك.
ولا تتجاهل الأوساط السياسية والإعلامية الحديث عن دعم خليجي (إماراتي وسعودي وقطري) لإردوغان، من خلال ضخ المليارات من الدولارات في المصرف المركزي والخزانة في تركيا، التي تعيش أخطر أزماتها.
وتتحدّث الأوساط المذكورة أيضاً عن دعم واشنطن والعواصم الغربية لإردوغان، على الرغم من كل ما يصدر عنها من تصريحات ومواقف سلبية ضدّه بسبب تقاربه وتعاونه مع موسكو، التي تعتقد أنها ستستطيع أن تُبعد أنقرة عن حلفائها التقليديين في الغرب.
في جميع الحالات، وفي خضمّ هذه المعطيات المثيرة، تعود بنا الذكريات إلى بدايات ما يسمى "الربيع العربي"، عندما وقف الجميع في المنطقة وخارجها مع الرئيس إردوغان في سياساته المعروفة ضد سوريا، التي عادَتها أغلبية الأنظمة العربية، وما زالت، على الرّغم ممّا يصدر عنها بين الحين والحين من تصريحات تتحدّث عن "ضرورة لمّ الشمل العربي وحلّ الأزمة السورية". وهو ما يتحدث عنه المصريون باستمرار، لكن من دون أن يمنع ذلك الرئيس السيسي من مصافحة عدوه اللدود إردوغان (بوساطة عدوه الأخطر تميم) بدلاً من مصافحة الرئيس الأسد، الذي قطعت القاهرة وتونس العلاقة به في عهد محمد مرسي وإخوان الغنوشي.
فعسى ألّا تكون هذه الذكريات بداية جديدة لتحالفات إقليمية جديدة، كما هي الحال في بدايات "الربيع العربي"، عندما كان الجميع معاً ضدّ سوريا، وبسببها، ضدّ إيران وحزب الله. وهم جميعاً الآن هكذا. وهذه المرة بفارق مهم، هو استسلام الأنظمة المذكورة للكيان الصهيوني بصورة مباشرة، بعد أن كانت حليفة لهذا الكيان في الخفاء طوال الأعوام الماضية.
يفسّر كل ذلك مصالحات إردوغان مع الإمارات والسعودية، بعد أن صالحت الإماراتُ والبحرين والسودان (البرهان زار أنقرة مرتين خلال هذا العام) والمغرب "تلَّ أبيب"، حليفة إردوغان الجديدة في المنطقة، التي حدّدت اتفاقيتا كامب ديفيد ووادي عربة مسارها، سياسياً وعسكرياً، منذ أكثر من أربعين عاماً.
ويبقى السؤال الأخير، وهو: "لماذا يتحدث إردوغان باستمرار عن مصالحته مع الأسد، والجميع يعرف أن عواصم المنطقة ما زالت تتآمر على دمشق وعلى إيران ولبنان والعراق واليمن والمنطقة، بصورة عامة، وكل ذلك وفق المسرحية التي أدّى الكلّ، وما زالوا، أدوارهم فيها بمهارة فائقة، وهم الآن يكرّرونها تحت شعار السلام والأمن والاستقرار، تحت مظلّة "اتفاقيات أبراهام". ويعرف الجميع أنها لا ولن تحمي سوريا وحلفاءها من لهب الشمس الحارقة، كما كانت عليه طوال الأعوام الأخيرة.
فعسى ألّا يُلدغ المرءُ من جُحره مرتين أو ثلاثاً، ما دام التآمر مستمراً ضد حزب الله، مصدر الرعب الحقيقي للكيان الصهيوني وحلفائه، القدامى والجدد!
هل للحج دور في تنمية الشباب؟
محمود حسين عيسى
فرحت كثيراً بقرار صديقي الشاب وعزمه على أداء فريضة الحج هذا العام، وقد جاء قراره بعد الحديث المطول الذي دار بيني وبينه، عن الفوائد العظيمة التي يتركها هذا الركن العظيم – ركن الحج – في نفس المسلم الذي يقبل عليه بفهم عميق لمغزاه، فضلاً عن تلبيته لأمر الله سبحانه وتعالى، وأدائه لما افترضه عليه.
وقد عقدت النية قبل حديثي معه على أن أشجعه وأحدثه في أمر مصاحبتي للحج هذا العام، وأن يكون تشجيعي له وحديثي إليه أحد الأسباب التي تدفعه إلى أداء هذه الفريضة، خاصة وأنّه يمتلك الاستطاعة البدنية والمالية منذ أعوام عديدة خلت، ولكنه التسويف الذي حال بينه وبين أدائه هذه الفريضة.
وقد ركّزت في حديثي معه حول: وجوب أداء فريضة الحج على كل مسلم يستطيع أداءها، والثواب العظيم الذي ينتظر من يؤديها بحقها، وكيف يستفيد الحاج – وخاصة الشاب – من الفوائد الروحية، والإجتماعية، والإقتصادية، والخاصة بتنمية وتطوير الذات، التي يتيحها الحج.
- فريضة الحج:
فرض الله سبحانه وتعالى الحج على المسلمين، ومن رحمته سبحانه بعباده أن جعله في العمر مرّة واحدة لمن استطاع إليه سبيلاً.. قال تعالى: (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ) (آل عمران/ 97).
وقال رسول الله (ص): "مَنْ أراد الحج فليتعجل، فإنّه قد يمرض المريض، وتضل الضالة، وتعرض الحاجة".
وها هي هذه الأيّام تمر بنا كأنّها ساعات، وها هو شهر ذي الحجة يعود إلينا.. وهو الشهر الذي اختصه الله سبحانه وتعالى بالركن الخامس من أركان الإسلام.. الحج، واختصه سبحانه وتعالى بخير الأيّام.. العشر الأوائل من ذي الحجة، والتي تحمل معها الخير كلّه من رب كريم رحيم، واختصه سبحانه وتعالى أيضاً بخير يوم.. يوم عرفات الله.. وجعل الوقوف به من أركان الحج، حيث يقول رسول الله (ص): "الحج عرفة".. ويا له من موقف عظيم، إنّه يوم الدعاء.. يوم التذلل إلى الله؛ حيث ترفع فيه الأكف.. وتُبح فيه الأصوات.. وتذرف فيه العيون.. وهو موقف يباهي به الله سبحانه وتعالى ملائكته..
وكما قيل: الحج عبارة عن مجموعة من المناسك والشعائر، وجملة من الأفعال والأقوال؛ تنتظم جميعها في أطر زمنية ومكانية محددة؛ لتجسد بمجموعها معنىً تعبدياً، وعملاً تربوياً يساهم في بناء شخصية المسلم، ويعمل على إعادة تنظيمها، وتصحيح مسيرتها في الحياة، ويسدد وجهتها ومسارها إلى الله.
- أوّلاً: معنى الحج المبرور:
انتهى العلماء في أقوالهم المتعددة إلى معنى واحد وهو: أنّ الحج المبرور هو الحج الذي وُفيت أحكامه، ووقع موقعاً لما طلب من المكلف على الوجه الأكمل.
وقد وصف الرسول (ص) الحج المبرور بقوله: "والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة".
- ثانياً: علاماته:
1- قبول عملك عند الله سبحانه: إنّ قبول العمل عند الله سبحانه يتوقف على مدى إخلاصك في هذا العمل – وهو الحج – وتوجهك به بدءاً من النية إلى الله سبحانه لا شريك له في ذلك، وطاعتك لأوامره، واجتنابك نواهيه، واتباعك في الحج – وغيره – سنة نبيه (ص): فعن جابر (رض) قال: قال رسول الله (ص): "لتأخذوا عني مناسككم؛ فإني لا أدري لعلي لا أحج بعد حجتي هذه".
وتكون غايتك بهذا الحج التقرُّب إلى الله سبحانه بأداء فرض فرضه عليك، ويكون مبتغاك قبول هذا الحج دون رياء ولا سمعة ولا حظ من حظوظ النفس، وقد روى ابن ماجه أنّ رسول الله (ص) حج على رحل رث وقطيفة تساوي أربعة دراهم، ثمّ قال: "اللّهمّ حجة لا رياء فيها ولا سمعة".
والإخلاص لله في كل عمل يجب أن يكون مبدأً عاماً يجب التزامه، وعدم الحياد عنه، فالإخلاص في العمل يولد الإتقان، الذي بدوره يميّز صاحبه عن غيره، ويرتفع به إلى أعلى الدرجات والمناصب في عمله الدنيوي سواء كان حرفة، أو مهنة، أو تجارة، فضلاً عن بناء علاقات إجتماعية إيجابية وقوية مع أفراد مجتمعه، مما يشعره بسعادة غامرة تدفعه إلى مزيد من العمل المتقن، والنجاح الدائم.
2- التخطيط وتهيئة النفس للحج:
إنّ التخطيط وتهيئة النفس قبل الحج يعيناك – ويعينا كل حاج – على أن يكون حجه مبروراً، وهناك العديد من الخطوات العملية التي تساعدك على تهيئة نفسك.. منها:
- ترغيب النفس في الحصول على الثواب العظيم الذي ينتظرها إذا كان حجها مبروراً، فهي تعود بذنب مغفور.
- التوبة النصوح.
- اختيار النفقة الحلال.
- اختيار الرفقة الصالحة.
- التحلل من حقوق العباد.
- سكينة النفس.
- التعرف على حِكَم وأسرار الحج: وهذا التعرف يعد من الوسائل المهمة التي تعمل على تهيئة النفس لإستقبال رحلة الحج، ومن ثمّ العمل على نجاحها، فيجب على كل حاج أن يتعرف ويستشعر حكم الحج وأسراره، فالحج شعيرة من شعائر الله، والحاج أثناء حجه يسير على خُطا الأنبياء والصالحين، ويستشعر الحاج في وقفة عرفات حيث يحتشد ملاين الحجيج يوم العرض الأكبر والوقوف بين يدي الله سبحانه، كما يستشعر في تلبيته: "لبيك اللّهمّ لبيك.. لبيك لا شريك لك لبيك.. إنّ الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك"، عبوديته لله الواحد الأحد الذي لا شريك له، ويستشعر أنّ الحمد والنعمة والملك لا تكون إلا له سبحانه، وفي هذا إقرار بالولاء المطلق لله سبحانه، ويستشعر الحاج أيضاً أنّه في ضيافة الكريم سبحانه، وأنّه قد ترك الأهل والمال والولد، ملبياً مستجيباً، لأمره سبحانه وتعالى: (وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ) (الحج/ 27)، سعياً لرضاه سبحانه، راجياً القبول، والرجوع من حجه بذنب مغفور، عائداً إلى دنياه كيوم ولدته أُمّه دون ذنوب.
ويستشعر الحاج أيضاً أنّ الحج يتطلّب بذل المال والجهد، كما يتطلّب تحمل المشاق البدنية، وفي ذلك تدريب عملي للنفس على بذل المال والجهد، وكسر ما تعودت عليه من راحة ورفاهية، وهذا يساعدها – بلاشكّ – على تحمل ما يصادفها من مشكلات أو ظروف عملية أو شخصية صعبة، تتطلب منها بذل المزيد من الجهد للتغلب عليها، وعدم الإنكسار أمامها، وفي ذلك خير كبير لهذه النفس.
إنّ التخطيط الصحيح إن تأصل في نفسك، وكان منهجاً لك، تلجأ إليه قبل الشروع في القيام بأي عمل، هذا التخطيط يؤدِّي بك إلى النتائج التي تصبو إليها، ويساعدك في تحقيق أهدافك، وجعلها واقعاً ملموساً على الأرض، وشريطة الهمة العالية، والإرادة القوية الصلبة أثناء تنفيذ ما سبق التخطيط له.
3- احرص على إكتساب خصال البر أثناء حجك: ومن أجمع خصال البر التي تحتاج إليها، ويحتاج إليها كل حاج – كما يقول ابن رجب – ما وصى به رسول الله (ص) أبا جُرَيٍّ الهجيمي حين قال لك: "لا تحقرن من المعروف شيئً ولو أن تعطيَ صلة الحبل، ولو أن تعطيّ شسع النعل، ولو أن تنزع من دلوك في إناء المستسقي، ولو أن تنحي الشيء من طريق الناس يؤذيهم، ولو أن تلقى أخاك ووجهك إليه منطلق، ولو أن تلقى أخاك فتسلم عليه، ولو أن تؤنس الوحشان في الأرض".
يا لها من خصال عظيمة إن تأصلت في نفسك بعد الحج، وتعاملت بها، ونشرتها بين أفراد أسرتك الصغيرة، ومجتمعك الكبير تكون من أسعد الناس في الحياة الدنيا، ومن الفائزين – إن شاء الله – في الآخرة، فهذه الخصال تعمل على تقوية الأواصر الإجتماعية بينك وأفراد أسرتك ومجتمعك، وتجعل مجتمعك مجتمعاً متحاباً، ومتعاوناً، وقوياً، ومتقدماً، والذي يعمل بدوره على تهيئة أسباب النجاح والتميز والرقي لأفراده، فضلاً عن مساعدتهم في أن يكونوا مشاعل مضيئة تحمل النور، والعلم، وتنشر الحب والتعاون بين المجتمعات البشرية الأخرى.
4- كن في تجارة دائمة مع الله سبحانه وتعالى: احرص على وقتك أثناء الحج، فوقتك رأسمالك – في الحج وغيره – وكن تاجراً ناجحاً مع الله، أكثر من الطاعات، وابتعد عن المعاصي والمخالفات، وكل ذلك من بر الحج.. يقول سبحانه وتعالى: (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الألْبَابِ) (البقرة/ 197).
فإلزام نفسك – أثناء الحج – بالمحافظة على الطاعات حيث الثواب العظيم في الدنيا والآخرة، واجتناب المعاصي والمخالفات حيث تجنبك العذاب الأليم في الدنيا والآخرة، وشغل وقتك بكل ما هو مفيد من ذكر ودعاء، متجنباً سفاسف الأمور، والجدال، هذا الإلزام وذاك الشغل المفيد للوقت صفات مفيدة حسنة تكتسبها أثناء الحج، ويجب عليك تنميتها في حياتك العملية والعلمية والخاصة، فالنفس تتطبع بما تعودها عليه، وإن استطعت تعويدها الإلتزام، واحترام الوقت – الذي هو حياتك – فسوف ينعكس ذلك بآثار إيجابية تساعدك على تطوير ذاتك، ومن ثمّ نجاحك وتميزك العلمي والعملي، فضلاً عن نجاحك في حياتك الخاصة بانتظام شؤونك، وترشيد وتوجيه إهتماماتك نحو الأهم دوماً.
5- استفد من منافع الحج:
يقول الله سبحانه وتعالى: (وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ * لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الأنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ) (الحج/ 27-28).
ففي الحج تلتقي جموع المسلمين الآتية من كل أصقاع الأرض، في مكان واحد، يلبسون زياً واحداً تتلاشى من خلاله الفروق المادية والطبقية والإدارية، فالكل سواسية – وفي ذلك تهذيب وتربية عملية للنفس – فهم يمارسون عملاً واحداً، ويتجهون نحو غاية واحدة، ويعلنون في آن واحد عبوديتهم وولاءهم لله سبحانه وتعالى. ولحكمة يعلمها الله سبحانه أقر لهذه الجموع – التي تقدر في زماننا هذا بالملايين – أن تشهد منافع لها سواء كانت منافع إجتماعية في التعارف بين المسلمين الذين تفصل بينهم المسافات الطوال، واللغات واللهجات، أم منافع إقتصادية حيث يتوافر للتجار الوافدين والمقيمين عدد هائل من المستهلكين في مكان وزمان واحد، قلما يجدونه في أي وقت أو مكان آخر، فينتج عن هذا الإلتقاء بين التجار والمستهلكين حراك إقتصادي ومالي ضخم؛ عن طريق النقل، والإستهلاك، وحمل البضائع، وتبادل النقود، وشراء الأضاحي والحاجيات ومستلزمات الحج والإقامة والسفر؛ فينتفع العديد من المسلمين، وتشهد مجتمعاتهم حركة إقتصادية ومالية نشطة. وهذا يدفعنا – كل الحجيج – إلى العمل على الإستفادة القصوى من هذا التجمع البشري الضخم، فلما لا نتاجر في أشياء مفيدة؟ وتكون نقطة إنطلاق لإكتساب مهارة جديدة في عمل حر يجلب الكثير من الفوائد سواء على المستوى الشخصي أو على مستوى المجتمعات والأوطان ككل.
6- ألزم نفسك الإستقامة بعد الحج: قال بعض العلماء: علامة بر الحج أن يزداد – الحاج – بعده خيراً، ولا يعاود المعاصي بعد رجوعه، وقال الحسن البصري: الحج المبرور أن يرجع – الحاج – زاهداً في الدنيا، راغباً في الآخرة.
وذلك لما في الحج من إعداد وتربية لسلوك الفرد ونوازعه؛ فالحج تدريب عملي يكتسب الحاج من خلاله الكثير من الصفات الحميدة.. مثل: الصبر، وتحمل المشاق، وحسن الخلق، والتواضع، واللين، والتحكم في الإنفعالات وعدم الغضب، وحسن العشرة، والبذل والتضحية، والتعاطف، والإمتناع عن الكذب، والغيبة.. وغيرها من الصفات التي إن تمسكت بها – أيها الحاج – وحرصت على ممارستها بعد العودة من الحج فسوف يساعدك هذا الحرص وذاك التمسك على إصلاح وتهذيب نفسك، وفي ذلك خير عظيم على حاضرك ومستقبلك في الحياة الدنيا، فضلاً عما ينتظرك من نعيم مقيم في دار الخلد إن شاء الله.
مونديال قطر بيـن صراع الحضارات وتعارفها
- وليد القططي
نظرية التعارف الإسلامية، هي البديل الأصيل لنظرية صراع الحضارات الغربية، وفيها يتم تقديم مفاهيم: تفاعل الحضارات وتدافعها على صدامها وتطاحنها، وتعارف الشعوب على تنافرها.
بعد ما يقرب من قرنٍ مضى على إبحار سفينة بطولة كأس العالم في كرة القدم (المونديال)، رست سفينة المونديال بأمان، لأول مرة، في ميناء دولة عربية وإسلامية، هي قطر، وبعد أكثر من عقدٍ من انطلاق قطار الحملة الغربية الشرسة لسحب تنظيم قطر لمونديال 2022، وصل قطار مونديال قطر بسلام إلى محطته الأخيرة بالافتتاح والمباريات.
وقد تركزت محاور الحملة الغربية ضد قطر على:
- نزع شرعية تنظيم قطر للمونديال بإلقاء تُهمة الفساد على قرار "الفيفا" إسناد البطولة إليها.
- نفي قدرة قطر كدولة عربية صغيرة على تنظيم البطولة كفعالية رياضية كبيرة.
- ضرب مصداقية قطر الأخلاقية بادعاء انتهاكها لحقوق العمال الأجانب.
- تصوير قطر كدولة "متخلّفة" عن قيم "التحضر" الغربية المتعلّقة بحرية الشواذ "المثليين" وشرب الخمور...
هذه الحملة الغربية التي شارك فيها سياسيون وإعلاميون ورياضيون وحقوقيون من مختلف الدول الأوروبية تتطلب البحث في خطورتها وجذورها في إطار التناقض بين نظريتَي صراع الحضارات في الغرب وتعارف الحضارات في الإسلام.
خطورة الحملة الغربية ضد مونديال قطر تكمن في تنصيب الغرب نفسه سيداً على العالم ليكون: حكماً للأخلاق، ومعياراً للقيم، وميزاناً للحقيقة، ومقياساً للحضارة. لأنه – بزعمه – يملك: النموذج الأخلاقي الأمثل، والمنظومة القيَمية الأسمى، والحقيقة المطلقة الأصدق، والمثال الحضاري الأرقى.. وعلى العالم أن يحتذي به ويتبعه في كل ذلك، ومن هذه العقيدة الفوقية انطلق السياسي الإسباني جوزيف بوريل، ممثل الاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية، ليؤكدها بقوله: "أوروبا حديقة العالم.. وأغلب بقية العالم غابة"، مستثنياً الدول التي أنشأتها أوروبا في العالم بعد إبادتها وتهجيرها واستعباد سكانها الأصليين.
وبهذه النظرة الفوقية ترى أوروبا نفسها وامتداداتها الاستعمارية من أستراليا ونيوزيلندا إلى أميركا وكندا مروراً بـ"إسرائيل" مركزاً للعالم ومنبعاً للحضارة، بينما بقية العالم هامش مُتخلف عليه أن يتبع المركز الحضاري للعالم، حتى لو كانت أخلاق المركز انتهازية ميكافيلية، وقيمه شاذة إباحية، وحقيقته أُحادية مُطلقة، وحضارته مادية استعلائية.
رؤية السياسي الإسباني جوزيف بوريل المُعبّرة عن الغرب الأوروبي ومستعمراته في الزمن الحاضر والتي لخّصها في نظرية "الحديقة والغابة" الجديدة، هي إعادة إنتاج لرؤية الفيلسوف اليوناني
أرسطوطاليس، المُعبّرة عن كل الأوروبيين والغرب في الزمن الغابر، والتي لخّصها مُخاطباً تلميذه الإسكندر الأكبر: "ثقافتنا هي الأفضل، حضارتنا هي الأفضل، رجالنا هم الأفضل، وكل الآخرين برابرة". وبهذه الروح العنصرية الاستعلائية الغربية، انطلق الإسكندر الأكبر اليوناني الوثني غازياً الشرق، وانطلق هرقل الأكبر الروماني مجتاحاً الشرق، وسار على دربهما كل الغزاة القادمين من الغرب، أمثال: فريدريك الأول الألماني الصليبي، ونابليون بونابرت الفرنسي الكاثوليكي، وأدموند ألنبي البريطاني الإنجيلي، وجورج بوش الابن الأميركي البروتستانتي...
وبالروح نفسها، عمد فلاسفة أوروبا ومنهم جورج هيغل وديفيد هيوم وإيمانويل كانط إلى تأصيل فكرة تفوّق العِرق الأبيض والحضارة الأوروبية، وعمد علماء أوروبا ومنهم آدم سميث وتشارلز داروين وهربرت سبنسر إلى التنظير لفكرة الصراع وحتمية سيطرة الأغنى والأصلح والأقوى، فأنتجت فلسفتهم وعلمهم: النازية، والفاشية، والعنصرية، والإمبريالية، والصهيونية، والعولمة.
الفلسفات والنظريات التي تُؤصّل للصراع وتُنظّر للاستعلاء أعطت الغرب أحقية حسم الصراع لمصلحته، وصلاحية قيادة العالم باستعلاء؛ لكونه الأفضل عرقياً والأرقى حضارياً، وقد أعاد تأكيدها المؤرخ البريطاني الأميركي باري بوزان في أطروحته حول "المركز والأطراف" عام 1991 التي قسّم فيها العالم إلى مركز "متحضر" هو الغرب، وأطراف "متخلفة" هي بقية العالم، والمركز مُهدّد بزحف الهجرة من الأطراف، وبالصراع الحضاري بين الغرب والإسلام. ولخّصها الفيلسوف الأميركي فرانسيس فوكوياما في أطروحته حول "نهاية التاريخ" عام 1992 والتي عدّ فيها ما وصل إليه الغرب بقِيَمه الليبرالية ونظامه الرأسمالي قمة الحضارة الإنسانية، وأنَّ المشكلة الأساسية بالنسبة إلى الغرب هو الصراع مع الإسلام كحضارة متناقضة معه. ووضحها المفكر الأميركي صاموئيل هنتنغتون في أطروحته حول "صدام الحضارات" عام 1996م، إذ رأى فيها أنَّ الغرب هو مركز الحضارة العالمية وحتمية خضوع الآخرين لها لا سيما الحضارتين الإسلامية والصينية؛ فَشَرْعَن بذلك العدوان الغربي بقيادة أميركا على العالم، وحمّل الرئيس الأميركي الحالي، جو بايدن، كل هذا الإرث للصراع الحضاري الغربي وسجّله في مقاله في أثناء حملته الانتخابية بعنوان "لماذا على أميركا أن تقود العالم؟".
صراع الحضارات الغربي هو الأرض التي نبتت فيها شجرة العنصرية والاستعلاء الغربية، فأنتجت ثمارها المُرّة بطعم الكراهية ورائحة العدائية، التي أكل منها الأوروبيون الذين تولوا الحملة الغربية المُعادية لمونديال قطر، فكان الرد الواضح عليها والبديل الحضاري لها من مونديال قطر نفسه عندما افتتح الشاب القطري المُبدع غانم المفتاح المونديال بالآية الكريمة: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا، إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ، إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ". وهي الآية القرآنية التي وضعت الأساس لنظرية "تعارف الحضارات" الإسلامية كرؤية أصيلة للتعايش السلمي بين شعوب العالم وتعارف حضاراتهم.
نظرية "تعارف الحضارات" تقوم على أُسس هي:
- إنَّ الله خلق الناس مختلفين: "وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ الناس أُمَّةً واحِدَةً، وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ".
- خلق الله الناس أحراراً "وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لآمَنَ مَن فِي الأرض كُلُّهُمْ جَمِيعاً، أَفَأَنتَ تُكْرِهُ الناس حَتَّى يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ".
- وخلقهم مختلفين وأحراراً ليتعارفوا "وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا"، فأصل العلاقة بين الناس المختلفين والأحرار هو التعارف الإنساني القائم على مبادئ: الوحدة الإنسانية " يَا أَيُّهَا النَّاسُ"، والأصل الإنساني الواحد "إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى"، والتنوع الإنساني "وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ"، وعلاقة التعارف الإنساني "لِتَعَارَفُوا"، التعارف القائم على: تبادل المعرفة والخبرة، واستمرارية الاتصال والتواصل، وديمومة التضامن والتعاون.
وبنظرية التعارف الإسلامية، البديل الأصيل لنظرية الصراع الغربية، يتم تقديم مفاهيم: تفاعل الحضارات على تصادم الحضارات، وتدافع الحضارات على تطاحن الحضارات، وتعارف الشعوب على تنافر الشعوب، وتلاقح الثقافات على تناقض الثقافات، ومراكمة الإنجازات البشرية على إلغاء إنجازات الآخرين، وقيم الأخوّة الإنسانية على قيم التفوّق العنصرية، والالتقاء على كلمة سواء والقواسم المشتركة على فرض الكلمة والنموذج الأوحد.
المصدر:الميادين
كيف نستثمر في أبنائنا؟
ما هو الأفضل للأبناء.. أن نترك لهم رصيداً في البنوك.. أم نترك لهم عقارات نمنحها لهم ليبدؤوا بها حياتهم.. أم نترك لهم شركات ومؤ سسات تقيهم شر الزمن.. أم ننفق قيمة كلّ ذلك على تعليمهم وتأهيلهم.. أم نحاول أن نفعل كلّ ذلك معاً؟!
إنه السؤال الصعب الذي يواجه الآباء، فالأسرة هي السوق الاستثماري الذي يبدأ فيه استثمار الأموال في البناء، وهي المصنع الحقيقي الذي ينتج البشر، فحين يبني الإنسان نفسه جيداً، فهو يبني أباً جيداً لأبنائه، وحين يختار زوجة صالحة فهو يختار أماً قادرة على تربية أبنائه، باختصار فإن الإنسان يبني مشروع حياته الذي سوف يستثمر فيه أبناءه.
مصطلح الإستثمار في الموارد البشرية والبشر هو مصطلح جديد، يضع معايير لهذه القضية المعقدة، حتى داخل كلّ أسرة.
مفهوم الاستثمار البشري، هو مصللح جديد بدأ يظهر في علم الإدارة مؤخراً، وأصبحت هناك مواصفات عالمية خاصة بالإستثمار البشري، فقد بدأ علم الإدارة يخاطب اهتمامات الأشخاص وهواياتهم وطموحاتهم، ماذا يحبون وماذا يكرهون، فالإنسان كائن متكامل بما يملكه من أفكار ومشاعر وأحاسيس، وليس كما ينظر إليه البعض على أنه زوج من الأيدي والأرجل.
لذلك فإن الاستثمار في الموارد البشرية هو استثمار بأموال ولكن ليس بضخ النقود فقط، وإنما من حيث الوقت وإعطاء فرصة للتعلم، فمن حق الفرد أن يخطئ ويناقش خطأه في سبيل تقويم سلوكه، وهذا نوع من الاستثمار غير المباشر، في حين يكون الاستثمار المباشر من خلال التدريب والتأهيل.
الاستثمارفي التعليم
ماذا عن حيرة الآباء فيما يجب أن يفعلوه للأبناء، هل يمنحونهم المال أم الميراث أم المشروعات أم العقارات؟
يُجمع الكثير من العلماء والباحثين على أن أفضل أنواع الاستثمار في الأبناء، هو الاستثمار في التعليم، فالإنسان هو المحور الأساسي للإبداع والإختراع لذلك فهو أهم قيم الحياة. ويخطئ بعض الآباء في اعتقادهم أن استثمار الآبناء في التعليم يعني اختيار مدرسة أو جامعة نموذجية ودفع مبلغ معين من النقود فقط، دون الاهتمام بجوانب وتفاصيل حياة الأبناء الأخرى، وهذه نظرة قاصرة لأنها تغطي جانباً واحداً وهو تعليم المناهج الدراسية، في حين أن هناك جوانب أكثر أهمية، وهي أن نستثمر أبناءنا نفسياً وجسدياً وفكرياً ومعنوياً ليشمل هذا الاستثمار كافة جوانب الحياة، ولكن بلا أدنى شك أن التعليم الجيد هو أفضل طرق الاستثمار، ولكنه ليس الطريقة الوحيدة، فليس هناك معنى لشخص تعلم جيداً بينما شخصية لا تصلح لمواجهة الحياة ومصاعبها.
تنمية الهوايات
ولكن البعض يعتقد أن الهوايات مضيعة للوقت..؟
هذا حقيقي وينظر بعض الآباء بالفعل إلى هوايات أبنائهم وميولهم على أنها ترف ويقفون حجر عثرة أمام تنميتها، وقد يعتقدون أن هوايات كالموسيقى أو الرياضة أو الرسم تهدر وقت الأبناء و تصرفهم عن دراستهم وعن بناء مستقبلهم، وعلى خلاف هذا الفهم الخاطئ فإن تنمية ميول الأبناء أحد أهم السبل لتعليمهم وتطوير طرق تفكيرهم وتعزيز ثقتهم بأنفسهم، فعلى سبيل المثال، أكدت دراسة حديثة أن تعلم الموسيقى ينمي ملكات التفكير، فحجم الخلايا الذهنية في أثناء تعلم العزف يزداد. ويجب علينا أن نكون آباء متعلمين منفتحين مع الحفاظ على ما يصلح من عاداتنا وتقاليدنا، كذلك يجب علينا في بعض الحالات التدخل لتوجيه ميول أبنائنا بما يصب في مصلحتهم، فنحن وبحكم تجاربنا قد نكون أكثر إدراكاً وفهماً للحياة.
التفكيرالناقد
في إطار التعليم الجيد، يجبر البعض الأبناء على اختيار تخصص معين باعتباره يقدم أفضل الفرص المادية بعد التخرج، فكيف ترى ذلك..؟
هذه الإشكالية التي تحصل دائماً بيننا وبين أبنائنا حول ما نريده نحن، وما يريدونه، هي واقع شئنا أم أبينا، ولكن يجب أن ننتبه إلى أن هناك معطيات متوافرة في البيئة المحيطة بأبنائنا، توفر لهم فرصة لتكّون تفكيرهم الناقد الذي يعطيهم مفاتيح الحل لمشكلات الحياة وصعوباتها، فإذا استطعنا أن ننمي هذا التفكير لديهم، لا يهم أي المجالات سوف يدرسون، لأنهم سيكونون قادرين على تطويع هذه الدراسة لتخدم حياتهم العملية من خلال ابتكارات جديدة تساهم في تطوير حياتهم و تنعكس إيجاباً على بناء المجتمع، فتعلم مهارة حل المشكلات والتعامل مع التغيير الحاصل في المجتمع أهم من مجال الدراسة نفسه، فالدراسة هي جواز سفر الشخص وليس من الضروري التقيد بها، و إنما هناك فرصة للإبداع و التطوير.
وقت لأبنائك
*هل يقتصر الاستثمار في الأبناء على ترك حرية الاختيار لهم وتقديم فرص تعليم جيدة..؟
الاستثمار في الأبناء ليس بالمال فقط، وليس بتقديم الفرص فقط، بل يجب أن نستثمر جزءاً من وقتنا أيضاً من أجل الأبناء، وهناك جزء من عملنا في تنمية الموارد البشرية هو المساهمة المجتمعية، وأحد أهم هذه الجوانب هو تطبيق مفاهيم الإدارة على الأسرة، وفي هذا المجال يوجد مفهوم في الإدارة يسمى «التغذية الراجعة» والذي يعني معرفة مدى رضى العلماء عن الخدمات المقدمة، وهذا المفهوم يمكن تطبيقه على أبنائنا، فبإمكانك تخصيص ساعة في الشهر لكل ابن من أبنائك، تخرج معه منفرداً، وتستمع له، تتعرف إلى مشكلاته وهمومه، وتعطيه جزءاً من خبراتك التي تصطلح لزمانه وتتوافق معه، وبنفس الوقت تحصل منه على التغذية الراجعة الخاصة بإدارة شؤون الأسرة، أين أخطأت و أين أصبت، فأنت بذلك تشعره بأهمية بالنسبة إليك، وتعلمه طرق جديدة، للتواصل مع ذاته ومع الآخرين، فالأسرة مشروع استثماري يحتاج إلى الإدارة، خاصة إذا علمنا أن نسب الطلاق قد تجاوزت 30% في بعض الدول العربية.
قبل فوات الأوان
هناك تباعداً حدث بين أفراد الأسرة العربية فرضته ظروف الحياة وتسارع عجلة الزمن، إلا أن هذا ليس مبرراً لعدم إعطاء الوقت الكافي لحياتنا الأسرية، فقد نستيقظ بعد فوات الأوان، يوجد مثال يطبق على حياتنا العملية والأسرية «خلال التدريب نعرض لقطة مدتها 30 ثانية، يؤديها أشخاص يلعبون بالكرة، وفي أثناء هذه اللقطة يمر شخص يرتدي لباس«غوريلا»، يطلب من المتدربين إحصاء عدد المرات التي لمست فيها الكرة الأرض، وعدد المرات التي التقطها الاعبون».
بعد انتهاء اللقطة أسأل المتدربين، هل من شيء غريب حدث في أثناء اللعب؟ والمفاجئ أن واحداً أو اثنين من بين ثلاثين متدرباً، ينتبهون إلى مرور الغوريلا، في حين أن البقية وعلى الرغم من عدم إجابتم عن العدد فإنهم لا يلحظون مرور أي شيء. بالضبط هذا ما قد يحدث مع أبنائنا، فقد تمر كارثة أو مصيبة كبيرة ونحن منشغلون بتفاصيل صغيرة ولا ندركها إلا بعد فوات الأوان، لذلك يجب أن نكون على تواصل وعلم دائمين بكل التفاصيل التي تحيط بنا.
قالب الحلوى
وكيف نتغلب على ذلك؟
حتى نستثمر وقتنا بالشكل الأمثل، يجب أن نرتب أولويات حياتنا حسب أهميتها، فالوقت أثمن شيء بالوجود، وبهذا الخصوص يقول أبو الإدارة الحديثة «بيتر دراكر» إن الشخص الناجح يبدأ يومه ليس بما يجب عليه فعله وإنما ما هو الوقت المتاح له للفعل، ويشبه دراكر الوقت بقالب الحلوى، الذي يسعى كلّ شخص للحصول على قطعة منه، فهذا يريد منك الرد على البريد الإلكتروني وذاك يريد منك حضور اجتماع أو تقديم خدمات، وأنت من واجبك توزيع هذا القالب حسب أهمية الأشياء. وهذا التنظيم سوف يتيح لك الفرصة لإعطاء الأهمية لكل جوانب حياتك على حدٍ سواء، ابتداءً من العمل ومروراً بالأسرة وانتهاءً بالتواصل الاجتماعي.
يجب الإصرار على أن يكون يوم الإجازة مقدساً في حياتنا الأسرية، مهما بلغت إغراءات العمل، فهو فرصة لقضاء أوقات ممتعة مع أفراد العائلة وزيارة أماكن للترفيه، وليس بالضرورة رصد ميزانية كبيرة، فأي مكان يكسر الروتين المعتاد يفي بالغرض، بشرط التنويع والتغيير.
الدكتاتورية مطلوبة
عندما تتعارض الرغبات، كيف يمكن اتخاذ القرار في هذه الحالة، وهل الديمقراطية هي الأفضل..؟
يقع على عاتق الآباء أحيانا وضع قواعد عامة لسولك الأبناء و شرح هذه القواعد ودواعيها التي تخدم مصلحة الأبناء، وعلى الرغم من أهمية الإقناع في الحوار بين الآباء وأبنائهم، فإن الديكتاتورية قد تكون مطلوبة في بعض الحالات، فالتعرض للتلفاز يجب أن يكون مقننا، وأوقات الفراغ يجب ملؤها بما هو نافع كتنمية الهوايات، كذلك يتوجب علينا الجلوس مع أبنائنا وتصفح مواقع الإنترنت التي يحبونها وتوجيههم لمواقع مفيدة تساهم في تكوينهم المعرفي، وعلينا ألا ننسي أبداً أن أبناءنا يحتاجون إلى مساحة خاصة بهم يقضونها مع أقرانهم، وينمون مهاراتهم في التواصل الاجتماعي.
استثمار طويل المدى
وختاماً، فالأسرة هي المكان الأول لاستثمار البشر، وقد لا تتوافر لديها الإمكانيات المادية، ولكن يجب أن نتذكر قولاً مفاده: إذا امتلكت الإدارة سوف تجد الطريق للوصول. فهناك أمثلة كثيرة لأشخاص تجاوزوا خط الفقر إلى الإبداع، حققوا ذاتهم بالإصرار والعزيمة، إن الاستثمار بالأسرة والأبناء هو استثمار معنوي طويل المدى وهو استثمار مادي أيضاً، لذلك يجب علينا زيادة الوعي من أجل الاهتمام بهذا الجانب من خلال وسائل الإعلام ومن خلال الدعوة لإعداد مناهج متكاملة تهدف إلى الاستثمار في الإنسان.
*د.علاء جراد (خبير الاستثمار في البشر)
فيتامين ج.. فوائده ومصادره وجرعته اليومية الموصى بها
فيتامين ج أحد أهم الفيتامينات التي لا غنى عنها في العديد من الوظائف الحيوية للجسم، مثل تكوين الأوعية الدموية والجلد والعظام على نحو صحي. وسنتعرف في السطور التالية بالتفصيل عن هذا الفيتامين الحيوي، من بينها فوائده وكذا مصدر فيتامين ج في الغذاء.
ما هو فيتامين ج؟
فيتامين ج (فيتامين سي) هو فيتامين قابل للذوبان في الماء. يوجد في العديد من الفواكه والخضراوات وهو مكمل شائع. كما أن هناك العديد من الأطعمة التي تحتوي على فيتامين ج.
ويشعر الكثير من الناس أن الجرعات الكبيرة تفيد الجسم. وفوائد فيتامين ج للجسم لا حصر لها، فهو مهم لصحة الأنسجة الضامة. وتظهر بعض الدراسات البحثية أن فيتامين ج قد يساعد على تقليل أعراض نزلات البرد وطول مدتها.
فوائد فيتامين ج (vitamin c)
يلعب فيتامين ج العديد من الأدوار في كيمياء جسم الإنسان، ومن بينها ما يلي:
- ضروري لصنع الكولاجين.
- جزء مهم من النسيج الضام في الجسم.
- يساعد على زيادة امتصاص الحديد من الأمعاء.
- فيتامين ج ضروري للعديد من التفاعلات الكيميائية.
- يستخدم الجسم فيتامين ج لصنع مواد مهمة أخرى. وتشمل هذه:
- كارنتين
- تيروزين
- المنشطات المصنوعة في الغدة الكظرية
- الناقلات العصبية
هذا الفيتامين هو أيضًا أحد مضادات الأكسدة القوية. ويعتقد أن مضادات الأكسدة تلعب دوراً في إبطاء عملية الشيخوخة.
قد يقلل أيضاً هذا الفيتامين من تلف بطانة الأوعية الدموية، ويقلل من خطر الإصابة ببعض أنواع السرطان.
هل فيتامين ج هو فيتامين c؟
نعم، فيتامين ج أو حمض الأسكوربيك هو أنقى أشكال فيتامين سي، لكن أشكال فيتامين سي الأخرى تحتوي على مكملات أخرى. يأتي فيتامين سي بأشكال عديدة ، ولكل واحد منها استخدام وموقع بديل في عناصر العناية بالبشرة.
أعراض نقص فيتامين ج
يمكن أن يؤدي نقص هذا الفيتامين إلى الإسقربوط. يسبب الاسقربوط نزيفاً متزايداً في اللثة والجلد والعضلات والأعضاء الداخلية.
تشمل الأعراض الأخرى لنقص فيتامين ج ما يلي:
- بطء التئام الجروح
- الجلد الخشن المتشقق
- التغييرات في العظام
- آلام المفاصل والسوائل في المفاصل
- تضخم بصيلات الشعر، مع تراكم الجلد في قاعدة الشعر
- فقر دم
- إعياء
استخدامات صالحة طبياً
قبل اكتشاف فيتامين ج، أصاب الاسقربوط الأشخاص الذين لم يكن يتناولوا سوى القليل من الفواكه والخضراوات الطازجة. كان الاسقربوط شائعا بين البحارة الذين ظلوا بعيدا في البحر لعدة أشهر في كلّ مرة. لكن وُجد أن تناول الليمون يمكن أن يمنع الإسقربوط لدى هؤلاء البحارة. وفي وقت لاحق، تم اكتشاف هذا الفيتامين . وتم استخدامه لمنع وعلاج الاسقربوط.
تشير الأبحاث إلى أن تناول فيتامين ج بانتظام قد يساعد على تقليل أعراض نزلات البرد. قد يقلل أيضا من مدة استمرار البرد. لكن من المحتمل أن الفيتامين لا يمنع نزلات البرد. فعدم تناول فيتامين ج إلّا بعد ظهور أعراض البرد لا يفيد على ما يبدو.
أقاويل غير مثبتة علمياً
ثمة بعض الأقاويل التي يتم تداولها حول فيتامين ج، لكن لم يتم إثباتها من خلال الدراسات، ومن بينها:
- يقال إن فيتامين ج يساعد في الوقاية من أمراض اللثة أو علاجها (التهاب دواعم السن).
- في هذا الوقت، تختلف الأدلة حول ما إذا كان هذا الفيتامين يساعد في الوقاية من السرطان.
- لا تظهر معظم الدراسات أدلة كافية على أن مكملات الفيتامين تقي من أمراض القلب والأوعية الدموية.
- قد يحمي الفيتامين الجسم من آثار التلوث. قد يمنع أيضاً تجلط الدم ويقلل من الكدمات.
إعلام إسرائيلي: صفعة مؤلمة في مونديال قطر.. عداء العرب مستمر والتطبيع هَش
- المصدر: وسائل إعلام إسرائيلية
وسائل اعلام إسرائيلية تعلّق بانزعاج على المشاهد المتكررة يومياً لعداء المشجعين العرب للاحتلال وتصف إخفاق المراسلين الإسرائيليين في انتزاع أي استصراح إيجابي تجته "إسرائيل" بالمخجل.
علّقت وسائل الإعلام الإسرائيلية بانزعاج كبير على مشاهد تفاعل الجمهور العربي السلبي مع المراسلين الإسرائيليين، الذين يحضرون إلى قطر بعنوان تغطية أخبار كأس العالم، وهم يحاولون منذ بدء المباريات انتزاع "استصراحات إيجابية"، تخدم عملية التطبيع.
وقال مقال في صحيفة "إسرائيل هيوم" الإسرائيلية بعنوان "المونديال في قطر مرآة للإسرائيليين: لا يحبوننا ولا يريدوننا أيضاً"، إنّ "المونديال في قطر وضع إسرائيل، أمام واقعٍ وحقيقة مؤلمة جداً للإسرائيليين".
وأوضح أنّ الإسرائيليين "شاهدوا للمرة الأولى المتحمّسين من الخليج(الفارسي)، وتجربة الرفض والتجاهل والكراهية وعدم قبول الإسرائيليين في بلد مسلم عربي".
مراسل إسرائيلي من قطر: برغم التطبيع لكن الشعوب العربية رافضة لوجودنا
وأشار المقال إلى أنّ "كلّ من يزعم أنّ سكان دول الخليج (الفارسي)ليس لديهم عداء تجاه إسرائيل، قد رأوا أنهم تعرّضوا للخداع وشاهدوا حقيقة مختلفة".
وتابع قائلاً إنّ "مراسلي الأخبار في المحطات الإسرائيلية سافروا بحماسة إلى قطر، وأقاموا الكاميرات وانتظروا قدوم عدد من العرب المقيمين في الخليج والدول العربية الأخرى ليمتدحوا إسرائيل، لكن سرعان ما وجدوا أنفسهم يتعرضون للازدراء والتجنب والاستهزاء من هؤلاء العرب".
وكانت مشاهد صوّرتها كاميرات وسائل إعلام إسرائيلية في قطر أظهرت مجموعة مشجعين من المغرب وهي ترفض التحدّث إلى صحافي إسرائيلي وتهتف مع فلسطين وضدّ الاحتلال، بالرغم من صراخ الصحافي الإسرائيلي بأنّ "حكومتكم طبّعت معنا.. يجب أن نكون في سلام الآن!".
صفعة ووضع مخجل
وعلّق المقال في الإعلام الإسرائيلي على رفض بعض المشجعين العرب، عندما عرفوا أنّ الصحافي الذي يستصرحهم إسرائيلي، إجراء المقابلة معه ومواجهته بأنه "لا يوجد شيء اسمه إسرائيل، هناك فلسطين فقط" وأكّد الكاتب أنّه كان يتوقع ذلك و"لم يفاجأ برفض الغالبية العظمى من المشجعين العرب الذين لم يوافقوا على إجراء مقابلات مع التلفزيون الإسرائيلي".
وأضاف المقال "وحدَه من لا يفهم الأجواء في العالم العربي على مستوى عامة الناس والمواطن العادي، سيسارع إلى نصب كاميرا ويتوسل إلى عربي لإجراء مقابلة مع محطة إسرائيلية".
ووصف ما تعرّض له المراسلون الإسرائيليون من إذلال واضطرار إلى الكذب وإخفاء هويتهم فقال: "من المخجل رؤية صحافي إسرائيلي يتوسّل ويعانق من يجري معه مقابلة على الهواء مباشرة لحضّه على قول كلمة طيبة عن إسرائيل، ليتبيّن أنهم يعتبرون أنّه لا يوجد إسرائيل بل فلسطين فقط".
ضربة للتطبيع
وأضاف المقال "حقاً هذه صفعة مدوية على الوجه لمن يظنّ أنّ التطبيع في متناول اليد، وأنّ التطبيع مع الدول العربية ليس سوى مسألة وقت".
وقال إن "سلوك المواطن العربي العادي تجاه إسرائيل يشير إلى عداء يزيد عمره على 70 عاماً، ويشير إلى أنّ أصل المشكلة لا يزال حياً ويركلنا ويصفعنا بشدة".
وأكّد المقال أنّ هذا هو الواقع والحقيقة، وأنّ "على من لا يريد أن يراها أن يغمض عينيه، لكنّ الواقع المر والصعب، وفي نظري المؤلم، هو أنّه إذا لم تُحلّ القضية الفلسطينية بطريقة ما ومقبولة من جميع الأطراف، فنحن لسنا ولن نكون موضع ترحيب في الدول العربية، ولا حتى في البلدان التي أُبرِمَت معها اتفاقيات تطبيع".
وأشار إلى أنّه "يكفي النظر إلى اتفاقيات التطبيع مع مصر لنفهم كيف لم نحرز تقدماً في مواجهة الشعب المصري، الذي لا يزال أكثر العرب عداءً لإسرائيل، وبقينا على المفهوم الخطأ نفسه من الاتفاقيات بين قادة الدول فقط".
اتفاقيات التطبيع سقفها من زجاج
وأشار المسؤول السابق في جهاز "الشاباك" دورون ماتسا، في مقال في موقع "مكور ريشون" بعنوان "كراهية إسرائيل في قطر تشير إلى السقف الزجاجي لاتفاقيات التطبيع"، إلى أنّ "التعامل الفظّ لمشجعي كرة القدم العرب مع ممثلي وسائل الإعلام الإسرائيلية، فاجأ المراسلين من أصدقائه، ما فتح عيونهم على الواقع في الشرق الأوسط وعلاقة إسرائيل بالمنطقة".
وتابع مستخلصاً: "لا يحبوننا في قطر، وكما يبدو، في عموم الشرق الأوسط، وهذا هو الاستنتاج الذي استخلصه الصحافيون في ظلّ الاحتكاكات غير اللطيفة بمشجعين سعوديين وقطريين وإيرانيين وغيرهم".
وأضاف: "اتضح أنّ لا شيء تغيّر.. حتى لو كان من الجيّد أن نتحلّى بالأمل، فإنّ قوة الواقع وضروراته يجب ألا تغيب عنا".
وقلل من قيمة اتفاقيات التطبيع الرسمية مع الأنظمة العربية على مستوى التأثير في الشعوب، التي قال إنه "جرى تشكيلها ضدّ العناصر الأقلّ أيديولوجيةً في المنطقة مثل الإمارات العربية المتحدة".
واستنتج المقال أنّ "معنى هذه الأمور واضح، اتفاقيات التطبيع لم تضع الشرق الأوسط في حقيقة نهاية التاريخ، لم يكن هناك تزامن بين التطبيع مع القيادات وبين التطبيع مع الشعوب".
وأشار إلى أنّ "الأحداث التي جرت على هامش كأس العالم في قطر تظهر أنّ مكانة "إسرائيل" الإقليمية ومضمون "اتفاقات التطبيع" تمتلك سقفاً زجاجياً".
وقفة شعبية في المغرب تضامناً مع فلسطين ورفضاً للتطبيع
تظاهر العشرات من مناهضي التطبيع في المغرب، أمام مقر البرلمان بالعاصمة الرباط، في وقفة شعبية دعماً لفلسطين، و"إدانةً لكل أشكال التطبيع والصهيونية، ورفضاً للمصادقة على قوانين تهمّ التعاون الاقتصادي والتجاري مع العدو الصهيوني".
وأطلق مناهضو التطبيع، في الوقفة التي دعت إليها "مجموعة العمل الوطنية من أجل فلسطين" (غير حكومية)، تخليداً لليوم العالمي للتضامن مع الشعب الفلسطيني، هتافات منددة بالتطبيع مع "إسرائيل"، وأخرى متضامنة مع الشعب الفلسطيني، من بينها "فلسطين أمانة والتطبيع خيانة"، و"المغرب أرضي حرة وصهيوني يطلع برا"، و"المغرب وفلسطين شعب واحد مش شعبين".
وقال الكاتب العام لـ"المرصد المغربي لمناهضة التطبيع" عزيز هناوي، لـ"العربي الجديد"، إن الوقفة الاحتجاجية تأتي في سياق عام يتعلق بالفعاليات التي يقيمها أحرار العالم كل سنة، تضامناً مع الشعب الفلسطيني، وآخر خاص على المستوى الوطني، لتجديد تأكيد ثوابت الشعب المغربي المتمثلة باعتبار القضية الفلسطينية قضية وطنية.
كذلك تأتي الوقفة الشعبية في سياق هجمة تطبيعية متصاعدة بلغت مستوى كبيراً الأسبوع الماضي، بمصادقة مجلس النواب المغربي على قوانين تطبيعية على المستوى الاقتصادي وفي مجال النقل الجوي، وفق هناوي.
وتابع موضحاً، أنه "حينما يصادق 167 نائباً على تلك القوانين التطبيعية مقابل معارضة 15 نائباً، خلافاً لما كان عليه الأمر في عام 2013، حيث تم تجميد والتآمر على مقترح قانون لتجريم التطبيع، كان قد حصل على موافقة 5 كتل نيابية تمثل 90 في المائة من تشكيلة مجلس النواب، فإن ذلك يطرح سؤالاً كبيراً عن الشرعية الشعبية للبرلمان الحالي، الذي يبدو أنه يجيء به لتمرير مثل هذه القوانين"، لافتاً إلى أن "ربط التطبيع مع الكيان الصهيوني بقضية الصحراء، قتل وطعن واغتيال لقضية وجودية بالنسبة إلى الشعب المغربي".
وكان مجلس النواب المغربي قد أقر في 21 من الشهر الحالي، بالأغلبية قانونين هما مشروع قانون الموافقة على الاتفاق بشأن الخدمات الجوية الموقع عليه في الرباط قي 11 أغسطس/ آب 2021، وينص على الإعفاء المتبادل من الرسوم الجمركية ومصاريف التفتيش والضرائب التي لا تتعلق بتكلفة الخدمات المقدمة على متن الطائرة. فيما يتعلق المشروع الثاني بالتعاون الاقتصادي والتجاري بين المغرب والكيان المحتل، الذي ينص على تيسير المشاركة في المعارض التجارية والتظاهرات الاقتصادية التي تعقد في المغرب والاراضي المحتلة.
وفي حال تصديق غرفتي البرلمان (النواب، المستشارون) ستُنشَر الاتفاقيتان في الجريدة الرسمية، لتدخلا حيّز التنفيذ كأول اتفاقيتين بين الرباط وتل أبيب تُحالان على البرلمان.
وإلى جانب الوقفة المركزية أمام البرلمان، شهدت مدن مغربية عدة، الاثنين والثلاثاء، وقفات احتجاجية وتظاهرات فنية ورياضية وأنشطة إشعاعية تحت شعار "من أجل تفكيك نظام الأبارتهايد الصهيوني"، دعت إليها الجبهة المغربية لدعم فلسطين وضد التطبيع" (غير حكومية).
وشارك مئات الحقوقيين والمواطنين في وقفات احتجاجية في مدن الدار البيضاء ومراكش ومكناس وخريبكة ووجدة وجرسيف وأزمور وتارودانت وبني ملال والجديدة وأزرو، للتضامن مع الشعب الفلسطيني، والتنديد بالتطبيع بين الرباط وتل أبيب.
إلى ذلك، جددت حركة "التوحيد والإصلاح"، الذراع الدعوية لحزب العدالة والتنمية المعارض، دعوتها للدولة المغربية وللأنظمة العربية التي لها علاقات دبلوماسية مع "إسرائيل"، للتراجع عن مسار التطبيع، وما عرفه من خطوات واتفاقات وقوانين للرفع من مستوى العلاقة والتعاون مع إسرائيل، مطالبةً بـ"تصحيح هذا المسار، بما ينسجم مع المواقف التاريخية للشعوب العربية، ومع الدور الذي يقوم به المغرب الذي يرأس عاهله لجنة القدس، وجهوده في إعمار القدس، وتاريخ الشعب المغربي المشرف في دعم الشعب الفلسطيني والدفاع عن القدس الشريف والأقصى المبارك".
وحذرت الحركة في مقال افتتاحي على موقعها الرسمي بمناسبة اليوم الدولي للتضامن مع الشعب الفلسطيني، من "خطر الاختراق الصهيوني للمجتمع المغربي وللمجتمعات العربية"، معتبرةً أن "هذا الكيان المجرم لا يبحث إلا عن مصلحته".
واعتبرت أن الإحتلال "تشكل تهديداً حقيقياً للاستقرار والتماسك المجتمعي بحكم سيرتها الإجرامية وسجلها الإرهابي ومشروعها الاستيطاني المدعوم من القوى الاستعمارية الكبرى".
قائد الثورة: وصول العراق لمكانته الراقية في مصلحة الجمهورية الإسلامية
إستقبل قائد الثورة الإسلامية في إيران آيةالله السيدعلي خامنئي مساء اليوم الثلاثاء رئيس الوزراء العراقي محمدشياع السوداني.
و في مستهل اللقاء قال سماحة قائد الثورة الإسلامية في إيران مخاطبا السوداني: إن تقدم العراق ووصوله إلى مكانته الراقية والحقيقية هو في مصلحة الجمهورية الإسلامية، ونعتقد أن حضرتك تتمتع بالقدرة على النهوض بشؤون العراق وارتباطاته وإيصال هذا البلد إلى موقعه المستقل واللائق بحضارته وتاريخه.
وتقدم قائد الثورة الإسلامية بالتهنئة للسيد محمد شياع السوداني لانتخابه رئيساً لوزراء العراق، ووصفه بأنه شخص مخلص ومقتدر، معتبراً تعيينه رئيساً للحكومة العراقية مصدر رضا وسعادة.
واعتبر قائد الثورة الإسلامية العراق أفضل دولة عربية في المنطقة من حيث الموارد الطبيعية والبشرية فضلا عن الخلفية الثقافية والتاريخية والحضارية وقال: للأسف ورغم هذه الخلفية لم يستطع العراق حتى الآن الوصول إلى مكانته الحقيقية والراقية، ونأمل بحضور معاليكم أن يحقق العراق تقدمه ومكانته الحقيقيان.
وأشار إلى أن إحدى الضروريات الأساسية لبلوغ العراق موقعه الحقيقي هو تماسك الفضائل العراقية ووحدتها، وأضاف: إحدى المستلزمات الأخرى لهذا التقدم هو الاستفادة القصوى من الطاقات العراقية الشابة والنشطة.
وأضاف آيةالله خامنئي: طبعا تقدم العراق له أعداء قد لا يظهرون عدائهم جهاراً، لكنهم لا يقبلون بحكومة مثل حكومتك، ما يحتم الوقوف بحزم أمام إرادة العدو من خلال الاعتماد على الشعب والقوى المتحمسة والشابة التي اجتازت اختبارها في مواجهة الخطر الداعشي المهلك.
واعتبر قائد الثورة أن تقدم العراق في المجالات الاقتصادية والخدمية وحتى الافتراضية وتقديم صورة مقبولة من الحكومة إلى الشعب العراقي يعتمد على استخدام الطاقات الهائلة للشباب العراقي كداعم حقيقي للحكومة، وقال: بإمكان الحكومة العراقية الجديدة ومن خلال استغلال هذه الطااقات وكذلك المصادر المالية والتسهيلات الجيدة الموجودة لدى هذا البلد بأن تحدث تغييرات جادة في مختلف المجالات، وخاصة في تقديم الخدمات للشعب.
وفي إشارة إلى كلام رئيس الوزراء العراقي أنه وفق الدستور العراقی لا نسمح لأي طرف باستخدام الأراضي العراقية لزعزعة أمن إيران، قال: للأسف يحدث هذا الأمر في بعض مناطق العراق، والحل الوحيد هو أن تبسط الحكومة العراقية سلطتها على تلك المناطق أيضاً.
وأكد سماحته قائلاً: طبعا وجهة نظرنا حول أمن العراق إنه إذا أراد طرف تعكير صفو أمن العراق، فسوف نقف بوجهه، من أجل حماية العراق.
وضمن تأكيده أن "أمن العراق هو أمن إيران، كما أن أمن إيران مؤثر أيضا على أمن العراق" أشار قائد الثورة الإسلامية في إيران إلى محادثات رئيس الوزراء العراقي في طهران اليوم، وأضاف: "كانت هناك مفاوضات وتفاهمات جيدة في الجولات السابقة، لكنها لم تصل إلى مستوى تنفيذي لائق، لذلك يتعين الوصول إلى مرحلة العمل فيما يتعلق بجميع التفاهمات، وخاصة في مجال التعاون الاقتصادي وتبادل السلع والسكك الحديدية."
وفي إشارة إلى بعض النوايا التي لا ترغب حصول تفاهمات وتعاوناً بين إيران والعراق، قال: يجب التغلب على هذه النوايا من خلال العمل.
في هذا اللقاء الذي حضره الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، أشار رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني إلى العلاقات الاستراتيجية والتاريخية بين إيران والعراق وقال: المثال الواضح للتكاتف الإيراني العراقي معاً كانت الحرب ضد داعش، حيث اختلطت دماء الإيرانيين والعراقيين في خندق واحد.
وأحيى رئيس الوزراء العراقي ذكرى الشهيدين قسام سليماني وأبومهدي المهندس، معتبراً هذين الشهيدين البارين مثالًا آخر على تضافر إيران والعراق.
وأشار السوداني إلى إصرار الحكومة العراقية الجديدة على تنفيذ الاتفاقات بين البلدين وتوسيع العلاقات في مختلف المجالات وخاصة في المجال الاقتصادي ، قائلا: "إن أمن إيران والعراق ليس منفصلا عن بعضهما البعض، ووفقاً للدستور لن نسمح لأي طرف باستخدام الأراضي العراقية لزعزعة الأمن."
رئيس وزراء العراق في إيران.. رسائل ونتائج
في أول زيارة رسمية له إلى إيران بمنصب رئاسة الوزراء في العراق، إلتقى محمد شياع السوداني مع كبار المسؤولين في إيران وتحدث معهم.
- باستثناء زيارات استغرقت عدة ساعات إلى الأردن والكويت، فضل رئيس الوزراء العراقي الجديد محمد شياع السوداني أن يخصص أول زيارة جادة وهامة إلى إيران، وتشير الوفود السياسية والاقتصادية المرافقة للسوداني أن مجموعة واسعة من القضايا وضعت على طاولة المفاوضات بين البلدين.
- أدى تزامن هذه الزيارة مع مشروع معاقبة إيران للانفصاليين المناهضين للثورة المستقرين منطقة كردستان العراق لدفع البعض لأن يرى ويفسر الزيارة بأكملها في إطار القضايا الأمنية، في حين يمكن اعتبار هذه القضايا واحدة من أجندة الزيارة.
- خلال السنوات الماضية قررت إيران والعراق زيادة طاقة التبادل التجاري فيما بينهما إلى 20 مليار دولار على الأقل، لكن تطورات العراق الأخيرة وخاصة أحداث العام الماضي في هذا البلد حالت دون تحقيق ذلك.
- إلى جانب مجالات التعاون المشتركة الأخرى، يعد ملفا الكهرباء والغاز، من أهم وأبرز القضايا المطروحة للتباحث بين الجانبين.
- اللقاء الذي جمع السوداني مع بارزاني في بغداد قبل زيارته إلى إيران، إلى جانب زيارة العميد قاآني إلى العراق منذ وقت ليس ببعيد، ومحادثاته مع السوداني وعبد اللطيف رشيد من جهة، وما تلا ذلك من التزامات مسؤولين عراقيين بضمان الأمن على الحدود المشتركة من ناحية أخرى، قد يشيران إلى أن الحكومة الفيدرالية العراقية ستتخذ من الآن فصاعداً إجراءات تنفيذية أكثر من أي وقت مضى ضد مناهضي الثورة المتواجدين في كردستان العراق.
- فيما يتعلق بالتعامل مع الانفصاليين المتمركزين في العراق، ورداً على التساؤل إن كانت قوات حرس الحدود الجديدة ستتبنى وبالتعاون مع البيشمركة مسؤولية تأمين الحدود، أم سيتم ترحيل الانفصاليين إلى معسكرات تحت سيطرة العراق؟.. لم ترد أي أخبار دقيقة للإعلام حتى الآن، لكن المؤكد أن إيران سلمت الحكومة العراقية وثائق عداوات وفتن هذه الجماعات (فبحسب السفير الإيراني في العراق، تم تسليم أكثر من 70 وثيقة في هذا الشأن) كما أطلعت إيران الجانب العراقي بمقرات تواجد هذه الجماعات (76 مقراً للجماعات الانفصالية وفقاً لوزير الخارجية الإيرانية).
- خلال زيارة السوداني لإيران أكد رئيس الوزراء العراقي في مؤتمره الصحفي مع الرئيس الإيراني اليوم أن بغداد لن تسمح لأحد باستخدام الأراضي العراقية لمهاجمة إيران، هذا يعني أنه وبعد هذه الزيارة، ستكون هناك المزيد من الحساسية الخاصة لدى العراق بالنسبة للدور المناهض للجمهورية الإسلامية من منطقة كردستان.
- خلال هذه الزيارة، أشاد السوداني بوقوف إيران إلى جانب الشعب العراقي منذ عام 2003 وبدور إيران الخاص في طرد داعش من العراق، وشدد على ضرورة تعميق العلاقات التاريخية بين البلدين. فإن تركيز شخصية عراقية على قضايا كهذه، بينما كان هو من أكثر الأشخاص فاعلية في النضال ضد البعثيين والأميركان وداعش في العراق، يضاعف التركيز على تعميق العلاقات بين البلدين في المستقبل المنظور.
- ليس من المستبعد أن يكون مشروع استئناف العلاقات بين إيران والسعودية، الذي تم تبنيه من قبل بوساطة عراقية، كان محط اهتمام رئيس الوزراء العراقي الجديد خلال زيارته هذه.
- لإيران والعراق، وخاصة خلال الدورة الجديدة من رئاسة الوزراء العراقية اهتمامات وأهداف مشتركة تم تحديدها من قبل، ولكنها لم تكتمل بعد، ومن بين هذه الأهداف طرد أميركا من المنطقة، والقضاء التام على الإرهاب في المنطقة، ومناهضة "إسرائيل"، والتمتين الاستراتيجي للعلاقات بين البلدين في مختلف الأبعاد السياسية والاقتصادية والأمنية والثقافية
لصحتك.. استفد من طاقات دماغك
التعرُّف إلى الإيقاع الطبيعي لنشاط الدماغ، يسمح لنا بالقيام بالمهمات اليومية بشكل أسهل، أسرع وأفضل.
مستويات الطاقة لدينا ليست الوحيدة التي تتغير صعوداً وهبوطاً خلال ساعات النهار، فالدماغ أيضاً يخضع لإيقاعه الخاص. ويعتمد هذا الإيقاع أساساً على عادات النوم، التعرُّض لضوء الشمس والتركيبة الوراثية. ويؤكد الاختصاصيون أنّ التعرُّف الوثيق إلى هذا الإيقاع يساعد على تحسين حالتنا الصحية والنفسية والعملية. وتعطي اختصاصية علم النفس الأميركية البروفيسورة لين هاشر، مثالاً على الدور الذي يلعبه هذا الإيقاع في حياتنا، فتقول إنّ البالغين فوق الأربعين يكونون عادة أشخاصاً نهاريين، لذلك من الأرجح أن يسجلوا نتائج أفضل على اختبار الذكاء إذا خضعوا له الساعة التاسعة صباحاً، عوضاً عن الرابعة بعد الظهر. تضيف هاشر وعدد من اختصاصيي الدماغ الآخرين أن بوسعنا حرق المزيد من الوحدات الحرارية في ممارسة الرياضة، ورفع مستوى فاعليتنا في العمل وتسهيل الكثير من مهماتنا إذا عرفنا كيف نوقتها بشكل متوافق مع الإيقاع الطبيعي للدماغ. ونستعرض في التالي أبرز التحولات التي يشهدها النشاط الدماغي على امتداد ساعات النهار، وأفضل ما يمكننا القيام به خلال كل فترة من هذه التحولات.
1- ما بين الساعتين 7 و9 صباحاً:
هذه الفترة هي الأفضل لتمتين العلاقات الزوجية. تقول عالمة الأعصاب البروفيسورة اليا كاراتسوريس، إنّ السبب يعود إلى ارتفاع مستويات الأوكسيتوسن (هرمون الحب) عند الاستيقاظ. وهذا يجعل الفترة الصباحية مثالية لتقوية العلاقات الزوجية والعائلية وعلاقات الصداقة.
2- ما بين الساعتين 9 و11 صباحاً:
تسجل مستويات هرمون التوتر الكورتيزول ارتفاعاً متوسطاً في الدماغ مع حلول هذه الساعة، وهذه الكمية المعقولة من الكورتيزول تساعد الذهن على التركيز وكانت دراسة أجريت في جامعة ميتشيغان الأميركية قد أظهرت أن طلاب الجامعة والبالغين المتقاعدين يكونون أسرع في الاستجابات الذهنية في الصباح، وأن حدة الذهن والتيقظ تتراجعان بعد الظهر. وهذه الفترة مناسبة لتطوير أفكار جديدة، وكتابة التقارير وإيجاد حلول للمشكلات الصعبة. تقول البروفيسورة كارولين يون، الأستاذة المساعدة في جامعة ميتشيغان، إنّ الأشخاص في سن الأربعين وما فوق يكونون أكثر تيقظاً في ساعات النهار المبكرة. لذلك فإنها تنصح ببرمجة النقاشات المهمة المرتبطة بالعمل، أو تلك الخاصة بالقضايا العائلية، في هذه الفترة المبكرة من النهار، كي يتم إيجاد حلول سريعة لها.
3- ما بين الساعتين 11 و2 بعد الظهر:
تهبط مستويات هرمون النوم الميلاتونين في هذه الفترة، إلى أدنى مستوياتها. وهذا يعني أننا نكون خلالها جاهزين للقيام بعدد كبير من المهمات والمشروعات. يقول البحاثة الألمان إنّ الوقت الذي تتطلبة ردود فعلنا واستجاباتنا في هذه الفترة يكون قصيراً جدّاً. كذلك فإن قدرتنا على إنجاز الكثير من الأعمال، ترتفع في فترة منتصف النهار. ويُستحسن إذن تكريس هذه الفترة، للإجابة عن كلّ الرسائل الإلكترونية والبريدية، تقديم التقارير المختلفة إلى المدير، وحل المشكلات الزوجية المستعصية. لكن البروفيسور رينيه موروا، الأستاذ المساعد في علم النفس وعلوم الأعصاب في جامعة فاندربيلت الأميركية، يقول، إنّ التمتع بالقدرة على إنجاز العديد من المهمات، يجب ألّا يدفعنا إلى إنجازها في الوقت نفسه، لأن ذلك يُرهق الدماغ، والأفضل هو إنجازها الواحدة تلو الأخرى.
4- ما بين 2 و3 بعد الظهر:
هذه الفترة هي الأفضل لأخذ قسط من الراحة. يقول الدكتور سانغ لي، من رابطة دراسات الدماغ الدولية، إنّ هذا التوقيت مناسب لتناول وجبة الغداء، خاصة أن عملية الهضم تستقطب الدم نحو المعدة، وتبعده عن الدماغ. وهو ينصح بتفادي تناول وجبة الغداء قبل هذا الوقت، أي عند منتصف النهار، لأن ذلك سيجعلنا نشعر بالرغبة في النوم. وكانت دراسة أجريت في جامعة هارفرد، قد أظهرت أنّ الإيقاع الطبيعي للجسم، أي الساعة البيولوجية التي تُنظِّم النوم واليقظة، تكون أيضاً خلال هذه الفترة في مرحلة خمود قصير، ما يتناسب مع الراحة التي ينشدها الدماغ في الوقت نفسه.
انطلاقاً من ذلك يمكن تخصيص هذه الفترة للقيام بأنشطة تساعد على الاسترخاء، مثل التأمُّل. أو أنشطة لا تتطلّب الكثير من المجهود الفكري، مثل قراءة مجلة، أو دخول مواقع "الإنترنت". ولكن من الضروري الابتعاد عن كلّ ما يمتُّ للعمل بصلة، واختيار قراءة المجلات المفضلة لدينا. أما إذا كانت ظروف العمل لا تسمح لنا بأخذ قسط من الراحة، وإذا ما شعرنا بالخمول (وهو طبيعي في هذه الفترة) فينصح لي بالخروج في نزهة سريعة على القدمين، أو احتساء الماء، فكلا الناشطين يساعدان على إبعاد الدم عن المعدة وسحبه في اتِّجاه الرأس. فالماء يزيد من حجم الدم في الدورة الدموية ويعزز انسيابه إلى الدماغ.
5- ما بين الساعتين 3 و6 بعد الظهر:
مع حلول هذا الوقت، ندخل في فترة التعاون والاشتراك مع الآخرين في إنجاز المهمات. يقول البروفيسور بول نوسبوم، الأستاذ المساعد في الجراحة العصبية في كلية الطب، في جامعة بيتسبورغ الأميركية، إنّ الدماغ يكون تَعِباً في هذا الوقت. لكن هذا لا يعني أن نكون مُعرَّضين للتوتر والإجهاد النفسي، بل على العكس، فقد أظهر العلماء في جامعة ميتشيغان، أن مستويات الكورتيزول تنخفض عادة، خاصة لدى النساء، في وقت متأخر من فترة بعد الظهر. وأفضل ما يمكن أن نقوم به في هذه الفترة هو مشاركة الزملاء في مناقشة موضوعات العمل. فعلى الرغم من أننا لا نكون مُتيقِّظين ذهنياً مثلما كنا في فترة سابقة خلال النهار، إلا أنّنا نكون أكثر هدوءاً، ما يساعد على المشاركة في اجتماعات غير خاضعة لأي ضغوط. ويمكن للأشخاص الذين يُنهون دوامهم مع حلول هذا الوقت، أن يقوموا بنشاط مختلف تماماً عن عملهم. وتعتبر ممارسة الرياضة أفضل ما يمكن القيام به. وكانت الدراسات قد أظهرت أن قوة قبضتنا، والبراعة اليدوية، والمهارات الجسدية الأُخرى تبلغ ذروتها في هذه الفترة. لكن لا يجب تأخير موعد ممارسة الرياضة لأنّ الأدرينالين المتبقِّي في الجسم على أثر ممارسة الرياضة، يمكن أن يؤثر سلباً في النوم. لذلك يُستحسَن ممارسة الرياضة قبل العشاء لتفادي هذه المشكلة.
6- ما بين الساعتين 6 و8 مساء:
وجد البحّاثة أنّ الذهن يدخل خلال هاتين الساعتين في فترة من التيقُّظ، ينخفض خلالها مستوى هرمون الميلاتونين الذي يحث على النوم، إلى أدنى مستوياته. وهذا يعني أنّه من المستبعَد جدّاً الإحساس بالتعب في هذه الفترة. وأظهرت الدراسات أيضاً أن براعم الذوق تكون ناشطة جدّاً في هذا الوقت، وذلك بسبب التغيُّرات البيولوجية الطبيعية في مستويات الهرمونات. يمكن إذن الاستفادة من مستويات النشاط المرتفعة للقيام بالمهمات المختلفة، خاصة الصعبة منها. كذلك يمكن تمضية الوقت مع أفراد العائلة، أو في إعداد وجبة عشاء لذيذة. ويمكن الحفاظ على مستويات الطاقة عن طريق الخروج إلى الهواء الطَّلْق، وتعريض النفس لأشعة الشمس قبل غروبها، فأشعة الشمس تساعد على تعزيز إفراز السيروتونين.
7- ما بين الساعتين 8 و10 مساء:
تَشهَد هذه الفترة نقلة مُفاجئة من التيقُّظ التام، إلى الإحساس بالنعاس، ويعزو البحّاثة الأستراليون والبريطانيون سبب ذلك إلى الارتفاع السريع في مستويات الميلاتونين. وفي الوقت نفسه نشهد انخفاضاً موازياً في مستويات السيروتونين، الناقل العصبي المرتبط بالتيقظ. يقول الاختصاصي الأميركي البروفيسور روبن نايمان، أستاذ الطب في جامعة أريزونا، إن ما نسبته 80% من السيروتونين، يتم إنتاجه في الجسم بفعل التعرُّض لضوء النهار، ومن الطبيعي أن تنخفض مستوياته بعد غروب الشمس. وأفضل ما يمكن القيام به خلال هذه الفترة، الاسترخاء ومشاهدة فيلم فكاهي خفيف، كما يمكن القيام بأنشطة خفيفة تتميَّز بالحركات المتكررة الرتيبة، التي تساعد على الارتياح وإزالة التوترات، مثل غزل الصوف. وينصح نايمان بتفادي حل الألغاز، أو الأنشطة التي تتطلَّب مجهوداً ذهنياً، في هذه الفترة التي يكون فيها الدماغ تَعِباً، والحرص على القيام بكل ما من شأنه تعزيز حالة الاسترخاء.
8- الساعة 10 وما بعد:
يتوق الدماغ في هذه المرحلة إلى تنسيق وترتيب كلّ ما تعلّمه خلال النهار، وهو ما يقوم به أثناء النوم. ويجب أن تكون الأولوية لدينا، الخلود إلى النوم والتمتع بليلة نوم كاملة مريحة. والواقع أنّ النوم يساعد على إيجاد الحلول لمسائل شهدناها خلال النهار. فقد تَبيَّن في إحدى الدراسات الحديثة، أن أكثر من نصف الأشخاص الذين تعلَّموا مهمة ما خلال النهار، نجحوا في إيجاد طريقة أسهل للقيام بها، وذلك بعد نومهم مدة 8 ساعات. ومن الضروري في هذا الوقت تخفيف حدة الأضواء في المنزل بعد العشاء، كي يتأكد الجسم أنّ النهار قد انتهَى. وأفضل ما يمكننا القيام به في هذه الساعة هو التمدُّد وقراءة كتاب جيِّد، أو كتابة المذكرات اليومية، أو قراءة شيء نريد أن نتذكره في اليوم التالي.