emamian

emamian

الاتفاق يسمح لمفتشي الوكالة الدولية بالدخول إلى بعض منشآت التخصيب الإيرانية

ترتبط الوكالة الدولية للطاقة الذرية -التابعة للأمم المتحدة- وإيران باتفاق مؤقت على مراقبة الأنشطة النووية الإيرانية، وقد انتهى أجله أمس الخميس، وإذا لم يتم تمديده فستدخل المفاوضات الرامية لإحياء الاتفاق النووي في مرحلة الأزمة، كما يقول دبلوماسيون.

نتعرف في هذا العرض على أهم بنود هذا الاتفاق الذي تم التوصل إليه في 21 فبراير/شباط، على أن يظل ساريا 3 أشهر، ثم اتفق الطرفان على تمديده شهرا في 24 مايو/أيار.

كيف تم التوصل إليه؟

سحب الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي الذي أبرمته إيران و6 قوى عالمية في 2018، وأعاد فرض العقوبات الاقتصادية على طهران.

وفي فبراير/شباط، أعلنت إيران أنها ألغت بعض تدابير التفتيش والمراقبة السارية بموجب الاتفاق النووي، وشمل ذلك إنهاء التنفيذ المؤقت للبروتوكول الإضافي المبرم بين الوكالة الدولية وبعض الدول الأعضاء، والذي يمكّن الوكالة من تنفيذ عمليات تفتيش سريعة بناء على إخطارات قصيرة لمواقع غير معلنة، وبعض التدابير الأخرى.

وقالت إيران إنها ستتخلى عن تدابير الشفافية الواردة في اتفاق 2015 التي تتيح مراقبة بعض قطاعات برنامجها النووي، وفي كثير من الأحيان تتم هذه المراقبة بأجهزة مثل معدات القياس الآنية والكاميرات.

ولتخفيف أثر الخطوة التي أخذتها إيران، توصلت الوكالة الدولية وطهران في فبراير/شباط إلى اتفاق، يستمر بمقتضاه العمل ببعض تدابير الشفافية، غير أن الوكالة لن تتمكن من الاطلاع على البيانات التي تجمعها الأجهزة إلا في تاريخ لاحق.

ولا تتضمن كل بنود الشفافية أعمال مراقبة يمكن أن تستمر بمقتضى هذا الترتيب، فأحد هذه البنود التي ألغتها إيران يسمح لمفتشي الوكالة الدولية "بالدخول يوميا عند الطلب" إلى منشآت التخصيب الإيرانية في نطنز وفوردو.

ما الذي يشمله الاتفاق؟

  • التخصيب: يمكن للوكالة الدولية أن تستخدم أجهزة "القياس الإلكتروني للتخصيب" التي تقيس كمية اليورانيوم التي يجري تخصيبها وتحسب درجة نقائها الانشطارية وتنقل البيانات آنيا. وقد استطاعت إيران تخصيب اليورانيوم إلى درجة نقاء تبلغ نحو 60%، وهو ما يفوق بكثير الحد المتفق عليه في الاتفاق النووي البالغ 3.67%، ويعد في الوقت نفسه أقرب كثيرا إلى نسبة 90% اللازمة لصنع قنابل ذرية. وتقول إيران إنها تسعى فقط للحصول على الطاقة النووية للاستخدامات المدنية، وإن بوسعها أن تلغي ما اتخذته من خطوات بسرعة إذا ألغت واشنطن العقوبات وعادت إلى اتفاق 2015.
  • وحدات الطرد المركزي: ينص الاتفاق على مراقبة الوكالة الدولية جوانب مختلفة من تجميع وتخزين وحدات الطرد المركزي، وهي الآلات التي يتم من خلالها تخصيب اليورانيوم.
  • الكعكة الصفراء: يتم الحصول على مركزات خام اليورانيوم -أي الكعكة الصفراء- من اليورانيوم المستخرج من المناجم، ولا بد من معالجته قبل تخصيبه في أجهزة الطرد المركزي.
    وينص الاتفاق على أن تراقب الوكالة الدولية "مركزات خام اليورانيوم كلها في إيران أو التي يتم الحصول عليها من أي مصدر آخر".

آليات المراقبة

جرّد قرار إيران الامتناع عن تنفيذ البروتوكول الإضافي الوكالة الدولية من القدرة على تنفيذ عمليات التفتيش المفاجئة في المواقع التي لم تعلن إيران أنها مواقع نووية، وزاد ذلك من صعوبة رصد أي منشأة أو أنشطة سرية.

غير أن الوكالة الدولية تراقب المنشآت الإيرانية المعلنة التي تضم أنشطة نووية أساسية، ولها سلطة الدخول المنتظم إليها بمقتضى اتفاق الضمانات الشاملة الذي يحدد التزامات كل دولة من الدول الأعضاء الموقعة على معاهدة حظر الانتشار النووي.

متابعة متواصلة

وما دام الاتفاق المؤقت ساريا يستمر جمع البيانات، وهو ما يعني أنه عند استعادة البيانات تتمكن الوكالة الدولية من مواصلة الإلمام بما حدث في تلك المناطق التي يشملها الاتفاق.

ويقول دبلوماسيون إن من شأن فقدان هذا الإلمام المتواصل أن يثير أزمة دبلوماسية، ويعرض للخطر المفاوضات الرامية لإحياء الاتفاق النووي المبرم في 2015.

المصدر : رويترز

 

السبت, 26 حزيران/يونيو 2021 03:28

الفرق بين الإيمان والإسلام

إنّ المُراجِع لكلام الإمام علي (عليه السلام) في نهج البلاغة وفي غيره من الكتب الروائية والذي يُستفاد أيضاً من الروايات الواردة عن الأئمّة الأطهار يكتشف وجود نوع من الاختلاف المفهومي والمصداقي بين الإيمان والإسلام.

 

فالإيمان هو: التصديق القلبي الذي ينعقد في قرارة النفس، وهو أعلى رتبة من الإسلام، في حين أنّ الإسلام هو: التشهّد بالشهادتين لساناً والعمل بالشرع ظاهراً.

 

وبالتّالي ستختلف الشروط والصفات لكلّ واحد منهما، فصفات المسلم مختلفة إلى حدٍّ ما عن صفات المؤمن.

 

وإنّ العلاقة بينهما قد تلحظ باعتبار الصدق أي الانطباق على المصداق، فالإسلام أعمّ مطلقاً من الإيمان وهو أخصّ مطلقاً من الإسلام، فكلّ مؤمن هو مسلم وليس كلّ مسلم هو مؤمن وقد تلحظ بلحاظات أخرى.

 

ويدلّ عليه صريحاً قوله تعالى: ﴿قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُل لَّمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِن قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ﴾، كما استدلّ بها أبو عبد الله  عليه السلام لجميل بن درّاج على افتراق الإسلام عن الإيمان، وفي رواية أبي بصير عن أبي جعفر عليه السلام ذيل الآية: "فمن زعم أنّهم آمنوا فقد كذب، ومن زعم أنّهم لم يسلموا فقد كذب"[1].

 

رواية فُضَيْلِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ الله قَالَ: "الإيمان يُشَارِكُ الإسلام والإسلام لَا يُشَارِكُ الإيمان"[2].

 

وعن فُضَيْلِ بْنِ يَسَارٍ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ الله يَقُولُ: "إِنَّ الإيمان يُشَارِكُ الإسلام ولَا يُشَارِكُه الإسلام، إِنَّ الإيمان مَا وَقَرَ فِي الْقُلُوبِ، والإسلام مَا عَلَيْه الْمَنَاكِحُ والْمَوَارِيثُ وحَقْنُ الدِّمَاءِ والإيمان يَشْرَكُ الإسلام والإسلام لَا يَشْرَكُ الإيمان"[3].

 

ولعلّ المراد من: "المشاركة وعدمها في الرواية وفق عدّة اعتبارات: إمّا باعتبار المفهوم فإنّ مفهوم الإسلام داخل في مفهوم الإيمان دون العكس، أو باعتبار الصدق فإنّ كلّ مؤمن مسلم دون العكس، أو باعتبار الدخول فإنّ الداخل في مفهوم الإيمان داخل في الإسلام دون العكس أو باعتبار الأحكام فإنّ أحكام الإسلام مثل حقن الدماء وأداءِ الأمانة واستحلال الفرج ثابتة للإيمان دون العكس، فإنّ الحكم المترتّب على الإيمان مثل الثواب والنذر للمؤمن وإعتاقه لا تكون للإسلام"[4]، وكلّ هذه المعاني تُدلّل على الفرق بينهما..

 

النتيجة: من خلال ما ذُكر سابقاً، إنّ الفوارق بين الإسلام والإيمان تكون على الشكل التّالي:

 

1- الإسلام أسبق من حيث التحقُّق من الإيمان، فلا يتحقّق الإيمان قبل تحقُّق الإسلام، نعم قد يتحقّق الإسلام ولا يتحقّق الإيمان.

 

2- الإسلام يتحقّق بمجرّد الإقرار باللسان، وإن لم يقترن بالعمل. لكن الإيمان (الكامل) هو إقرار باللسان واعتقاد بالقلب وعمل بالجوارح.

 

3- بعض الأعمال تتوقّف صحّتها من حيث إسقاط التكليف لا الثواب الأخروي على الإسلام، وبعضها الآخر على الإيمان.

 

4- للإيمان معنيان: عام وخاص، فالعام هو الاعتقاد بالإسلام بمعناه المتقدّم آنفاً، والخاص هو الاعتقاد بما تعتقده الإمامية، وهو مجموع ما جاء به النبي بما فيه الإمامة.

 

بغير حساب، جمعية المعارف الإسلامية الثقافية

 

[1] الشيخ الكليني، الكافي، ج2، ص 25.

[2] م.ن، ص25.

[3] م.ن، ص25.

[4] المازندراني، محمد صالح بن أحمد، شرح الكافي - الأصول والروضة، المكتبة الإسلامية، طهران، الطبعة الأولى، 1424هـ، ج8، ص 79.

هنأ الرئيس الجزائري، عبد المجيد تبون، السيد إبراهيم رئيسي بانتخابه رئيسا لإيران في الانتخابات التي جرت الجمعة الماضية.

وجاء في بيان صادر عن الرئاسة الجزائرية: "هنأ رئيس الجمهورية، السيد عبد المجيد تبون، اليوم، السيد إبراهيم رئيسي، بمناسبة انتخابه رئيسًا جديدا للجمهورية الإسلامية الإيرانية".

وترتبط الجزائر وإيران بعلاقات اقتصادية وصناعية، وكلا البلدين عضو في منظمة الدول المصدر للنفط "أوبك". ووقع البلدان في 2015 خمس اتفاقيات تعاون في مختلف المجالات الاقتصادية لتعزيز الشراكة بين البلدين.

 

السبت, 26 حزيران/يونيو 2021 03:24

أحسن إلى من أساء إليك

 

إنّ من أسباب السعادة أن تعفو عمّن ظلمك، وتُعطي من حرمك، وتُحسن إلى من أساء إليك، فإنّ العفو والصفح يُنقّي القلب من الغيظ والحقد والعداوة، كذلك الصفح والتجاوز يُطهّر القلب، ويجلب له السعادة والمسرّات، فلا يُسَرّ الإنسان وقلبه ممتلئ غيظاً وحقداً، والله تعالى يقول في مُحكم كتابه: ﴿وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ﴾[1]. فتأمّل كيف أعطاهم شرف النسبة إليه سبحانه مثلما قال: ﴿وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ﴾[2]،  وَقُلْ ﴿لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ﴾.

 

فإذا جاءك إنسان، فقال لك: فلان قد أساء إليك ويقول فيك كذا وكذا، فهناك حسن، وهناك أحسن، ولم يقل الله: قولوا حسنى، بل أمر: بأن يقولوا التي هي أحسن "أفعل التفضيل"، وهذا ممّا يدلّ على أنّ عباد الله حقّاً لا يُبادلون الإساءة بالإساءة، مع أنّ الحقّ لك إذا أساء الغير، أن تردّ الإساءة بالإساءة، ولكن الأحسن أنّ ترد الإساءة بالإحسان: ﴿فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ﴾[3].

 

هذا ويُعلّمنا مولانا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم درساً عظيماً في ردّ الإساءة بالإحسان، وذلك في اليوم العصيب الذي شخبت فيه جراحاته وكسرت رباعيته، وقُتل عمّه سيّد الشهداء حمزة رضوان الله عليه، ومع كلّ ما أصابه من الأذى لم يزد على أن قال: "اللهم اغفر لقومي، فإنّهم لا يعلمون"[4]، فتأمّل كيف لم يمنعه سوء صنيعهم به عن إرادته الخير وطلب المغفرة لهم.

 

وإليك نموذج من عباد الله الذين أدّبهم هذا النبيّ الكريم صلى الله عليه وآله وسلم، فكان من الرجال الذين لا تهزّهم إساءة، ولا تستفزّهم جهالة، لأنّ لغو السفهاء يتلاشى فى رحابهم كما تتلاشى الأحجار في أغوار البحر المحيط، عنيتُ أبا ذر الغفاري رضي الله عنه، فقد شتمه رجل ذات يوم، فقال له أبو ذر: "يا هذا لا تغرق في شتمنا، ودع للصلح موضعاً، فإنّا لا نُكافئ من عصى الله فينا بأكثر من أن نُطيع الله فيه"[5].

 

إنّ المؤمن ذو قلب رحيم، عطوف حنون يُسامح ويكظم الغيظ، ويعفو عن الناس وإن أساؤوا، ويحترمهم وإن أهانوا، والمؤمن أسمى من أن يصدر عن غيظ، وينطلق عن غضب أو حقد، وكيف يعرف قلبه الأحقاد، وقد تمكّنت فيه هداية الله وحبّ المؤمنين؟

 

طلائع القلوب، جمعية المعارف الإسلامية الثقافية

 

[1] سورة الإسراء، الآية 53.

[2] سورة الفرقان، الآية 63.

[3] سورة فصلت, الآية 34.

[4] أبو القاسم الطبراني، المعجم الكبير، ج6، ص120، حديث 5694، طبعة:2، مكتبة العلوم والحكم، الموصل.

[5] أبو سعد منصور بن الحسين الآبي، نثر الدر، ج2، ص55، طبعة:1، دار الكتب العلمية، بيروت، ومحمد بن مفلح الصالحي الحنبلي، الآداب الشرعيَّة، والمنح المرعيَّة، ج2، ص11، طبعة: عالم الكتب، والتذكرة الحمدونية، وغيرهم.

السبت, 26 حزيران/يونيو 2021 03:21

آثار الذنوب في عالم البرزخ

 

البرزخ في اللغة: "الحاجز بين الشَّيئين والمانع من اختلاطهما وامتزاجهما"[1]. قال تعالى: ﴿مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ * بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لَّا يَبْغِيَانِ﴾[2]، وقال سبحانه: ﴿وَمِن وَرَائِهِم بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ﴾[3]. فالقرآن الكريم أراد من هذا الاستخدام للفظ البرزخ أن يوضح أنّ هناك عالماً آخر يفصل بين الدُّنيا والآخرة، ولا بدّ للإنسان من المرور به كمقدّمة ليوم القيامة، وفي الرِّوايات ورد أنّ البرزخ هو القبر، وأنَّه عالم الثّواب والعقاب بين الدُّنيا والآخرة، روي عن الإمام الصادق عليه السلام: "البرزخ القبر، وهو الثّواب والعقاب بين الدُّنيا والآخرة"[4]. وفيما يلي نستعرض أهمّ آثار الذنوب في البرزخ:

 

1- سكرات الموت وشدّة النزع:

قال تعالى: ﴿وَجَاءتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنتَ مِنْهُ تَحِيدُ﴾[5].

 

سكرات الموت من العقبات الصعبة، فشدائدها تُحيط بالمحتضر من جميع الجهات، فمن جهةٍ يواجه شدّة المرض والوجع وذهاب القوى من البدن، ومن جهةٍ أخرى يواجه مشهد العائلة من بكاء وعويل ووداع أحبّة، ومن جهةٍ ثالثة فراق ما جمع في عالم الدُّنيا من مالٍ وأملاكٍ وغير ذلك، ومن جهةٍ رابعةٍ يواجه قدومه على نشأةٍ هي غير هذه النشأة، ثمّ إنّ عينيه تريان أشياء لم ترها من قبل، وقد اجتمع عليه إبليس وأعوانه ليوقعوه في الشكّ، وهم يحاولون جاهدين أن يسلبوه إيمانه، ليخرج من الدُّنيا بلا إيمان، هذا كلّه إلى جانب هول حضور ملك الموت، وبأيّ صورةٍ وهيئةٍ سيأتي، وبأيّ نحوٍ سوف يَقبض روحه[6].

 

فملك الموت عزرائيل عليه السلام لا يأتي بصورةٍ واحدةٍ لكلِّ النَّاس، فالصورة إمّا قبيحةٌ وإمّا جميلةٌ، بل إنّ شدّة قُبح صورته، أو شدّة جمالها مرتبطةٌ بأعمال الإنسان في الدنيا، فإذا كانت أعماله صالحةً أتاه الملك بصورةٍ جميلة، وإذا كان مبتلىً بالرذائل والمعاصي أتاه الملك بصورةٍ قبيحةٍ.

 

روي عن أمير المؤمنين عليه السلام أنّه قال: "ما من الشِّيعة عبدٌ يُقارف أمراً نهيناه عنه فيموت حتَّى يُبتلى ببليّةٍ تُمحَّصُ بها ذنوبه، إمّا في مالٍ، وإمّا في ولدٍ، وإمّا في نفسه، حتَّى يلقى الله عزّ وجلّ وما له ذنبٌ، وإنّه ليبقى عليه الشيء من ذنوبه فيُشدَّدُ به عليه عند موته"[7].

 

وفي الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يُشبِّه فيه الموت بالمصفاة، فيقول: "الموت هو المصفاة تُصفّي المؤمنين من ذنوبهم، فيكون آخر ألم يُصيبهم كفّارة آخر وزرٍ بقي عليهم، وتُصفّي الكافرين من حسناتهم، فيكون آخر لذّةٍ أو راحةٍ تلحقهم هو آخر ثواب حسنة تكون لهم"[8].

 

وعليه فإنّ قبض روح الإنسان شدةً أو ضعفاً، وصورة الملك قُبحاً وحسناً مرتبطة بطبيعة الأعمال في نشأة الدُّنيا، والتي تظهر آثارها البرزخية من لحظة النّزع، وتستمر في كلّ عقبات البرزخ، فالإنسان لحظة سكرات الموت والاحتضار يُشاهد صور أعماله وآثارها.

 

2- وحشة القبر وغربته:

كتب أمير المؤمنين عليه السلام لمحمّد بن أبي بكر: "يا عباد الله، ما بعد الموت لمن لا يُغفر له أشدّ من الموت، القبر فاحذروا ضيقه وضنكه وظلمته وغربته"[9].

 

وحشة القبر هي أول المنازل التي يمرّ بها الإنسان، وقد عُبّر عنها في الروايات بتعبيرات متعدِّدة، وهذه التعبيرات إمّا أهوال مستقلّة بذاتها، أو تُعبّر عن وحشة القبر لكن بألفاظ متعدِّدة، من قبيل: غمّ القبر، ضيق القبر، ظلمة القبر، وحشة القبر[10].

 

وإنّ لهذا المنزل أهوالاً عظيمة ومنازل ضيّقة ومهولة، يصعب تصوّرها على العقل البشري، ولذا شرحها لنا أئمّة أهل البيت عليهم السلام. تبدأ المنازل بوحشة القبر، فضغطة القبر، ثم المسألة في القبر وهكذا. ونحن نذكر هذه الأمور باختصارٍ شديدٍ للفت النَّظر إلى علاقتها بطبيعة الأعمال في عالم الدُّنيا، فالذّنوب والمعاصي تظهر آثارها في ذلك العالم.

 

وما يؤيّد هذا الأمر (أهوال القبر) ما ورد في الروايات من استحباب التمهُّل في إنزال الميِّت إلى قبره، حيث روي عن الإمام الصادق عليه السلام: "وإذا حُمل الميت إلى قبره فلا يفاجأ به القبر، لأنّ للقبر أهوالاً عظيمة، ويتعوّذ حامله بالله من هول المطّلع، ويضعه قرب شفير القبر، ويصبر عليه هنيهةً، ثم يُقدِّمه قليلاً ويصبر عليه هنيهة، ليأخذ أهبّته، ثم يُقدّمه إلى شفير القبر"[11].

 

وليست الوحشة حال جميع النَّاس لزاماً، بل هناك فئةٌ من النَّاس يؤمنُها الله منها، كما ورد في الدعاء عن الإمام زين العابدين عليه السلام: "اللهمّ صلّ على محمّد وآل محمّد، واجعلني وجميع إخواني بك مؤمنين، وعلى الإسلام ثابتين، ولفرائضك مؤدّين...وعند معاينة الموت مستبشرين، وفي وحشة القبر فرحين، وبلقاء منكر ونكير مسرورين، وعند مساءلتهم بالصّواب مجيبين..."[12].

 

هذا الدُّعاء - وغيره من الرّوايات - يدلّ على التَّرغيب في فعل ما يُزيلُ وحشةَ القبر، وما تستأنس به النُّفوس، وهي الأخلاق الفاضلة والأعمال الحسنة، وذلك لما روي من أنّهما يظهران بصورةٍ حسنةٍ في القبر، وهكذا الأعمال السيّئة تؤدّي إلى وحشة القبر وشدّة أهواله، روي عن أبي عبد الله الصادق عليه السلام أنّه قال: "... فإذا دخلها (أي حفرة القبر) عبدٌ مؤمنٌ، قال: مرحباً وأهلاً، أما والله لقد كنتُ أُحبّك وأنت تمشي على ظهري، فكيف إذا دخلت بطني فسترى ذلك، قال عليه السلام: فيفسح له مدى البصر، ويفتح له باب يرى مقعده من الجنّة، قال: ويخرج من ذلك رجلٌ لم تر عيناه شيئاً قطّ أحسن منه، فيقول: يا عبد الله، ما رأيت شيئاً قط أحسن منك! فيقول: أنا رأيك[13] الحسن الذي كنتَ عليه، وعملك الصالح الذي كنتَ تعمله..."[14].

 

3- ضغطة القبر:

ضغطة القبر تعني التَّضييق على الميِّت، وإنّ طبيعة الأعمال هي التي تُحدّد شدّة هذا الشّعور بالضِّيق والأذى في عالم البرزخ، وهي تُحدّد أيضاً أمَدَ استمرار هذه الضَّغطة التي قد تكون شعوراً وأذى روحياً مؤقّتاً يزول بعد حين، وقد يستمر أمداً طويلاً، وقد يبقى إلى البعث والنشور.

 

ويُفهم من الرِّوايات أنّ هذه الضَّغطة يختلف حالها من شخصٍ إلى آخر، وذلك حسب درجة إيمانه وطبيعة عمله في نشأة عالم الدُّنيا، وأنّ هذه الضَّغطة لا تشمل كلّ الأموات، ومنها ما دلَّت عليه الروايات بأنّ القيام ببعض الأعمال يؤدّي إلى النجاة من ضغطة القبر.

 

عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام "قلتُ: جعلتُ فداك، فأين ضغطة القبر؟ فقال: هيهات ما على المؤمنين منها شيء. والله، إنّ هذه الأرض لتفتخر على هذه، فتقول: وطأ ظهري مؤمن، ولم يطأ على ظهرك مؤمن، وتقول له الأرض: والله، كنتُ أُحبّك وأنت تمشي على ظهري، فأمّا إذا وليتك فستعلم ماذا أصنع بك، فتفسح له مدّ بصره"[15].

 

وتعبير الإمام الصادق عليه السلام في الرواية المتقدّمة "ما أقلّ من يفلت منها" يدلّ على أنَّ بعض المؤمنين قد يفلت من ضغطة القبر، كما هو ثابت في حقّ السيّدة فاطمة بنت أسد، وذلك حسب روايات أهل البيت عليهم السلام حيث رُفعت عنها ضغطة القبر ببركة نزول النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى قبرها الشَّريف.

 

وينبغي الإشارة إلى أن ّضغطة القبر على المؤمن - لو حصلت - فهي من باب تطهيره من الذّنوب المتبقية في عالم الدُّنيا، فيخرج نقياً إلى عالم القيامة، وروي عن الإمام الصادق عليه السلام عن آبائه عليهم السلام عن أمير المؤمنين علي عليه السلام قال: "قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ضغطة القبر للمؤمن كفّارة لما كان منه من تضييع النِّعم"[16].

 

وفي الرّوايات أنّ الميّت يتعرّض لضغطة القبر أو ضمّة الأرض، وأنّ هناك أعمالاً تؤدّي إلى ضغطة القبر أو إلى شدّتها، نذكر منها ما روي عن أمير المؤمنين عليه السلام أنّه قال: "عذاب القبر يكون من النميمة، والبول، وعزب[17] الرجل عن أهله"[18].

وعن الإمام الصادق عليه السلام عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم - عندما وصف سعد - قال: "إنّما كان من زعارة[19] في خلقه على أهله"[20].

 

وعنه عليه السلام أيضاً أنّه قال: "قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ثلاثٌ من الذّنوب تُعجَّل عقوبتها ولا تؤخَّر إلى الآخرة: عقوق الوالدين، والبغي على النَّاس، وكفر الإحسان"[21].

 

هُدىً وبشرى، جمعية المعارف الإسلامية الثقافية

 

[1] الطريحي، مجمع البحرين، ج1، ص186.

[2] سورة الرحمن، الآيتان 19 - 20.

[3] سورة المؤمنون، الآية 100.

[4] الحويزي، نور الثقلين، ج3، ص553.

[5] سورة ق، الآية 19.

[6] الشيخ عباس القمي، منازل الآخرة والمطالب الفاخرة، ص107، تعريب وتحقيق: السيد ياسين الموسوي، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة، مؤسسة النشر الإسلامي، الطبعة الأولى، محرم الحرام 1419.

[7] العلامة المجلسي، بحار الأنوار، ج6، ص157.

[8] م.ن، ص153.

[9] م.ن، ص218.

[10] الشيخ الطوسي، مصباح المتهجد، ص562، مؤسسة فقه الشيعة - بيروت - لبنان، لا.مط، الطبعة الأولى، 1411 - 1991م.

[11] الشيخ الصدوق، من لا يحضره الفقيه، ج1، ص170، تصحيح وتعليق: علي أكبر الغفاري، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة، لا. مط، الطبعة الثانية، لا. ت.

[12] الصحيفة السجادية، دعاؤه رقم 206، بحار الأنوار، ج91، ص123.

[13] الرأي: يعني الاعتقاد والإيمان.

[14] الشيخ الكليني، الكافي، ج3، ص130.

[15] م.ن.

[16] العلامة المجلسي، بحار الأنوار، ج6، ص221.

[17] عزب الرجل عن أهله معناه ابتعاده عن فراشه وطعامه، مع ظلمه لزوجته.

[18] الشيخ الصدوق، علل الشرائع، ج1، ص309، تقديم: السيد محمد صادق بحر العلوم، منشورات المكتبة الحيدرية ومطبعتها - النجف الأشرف، لا. مط، لا.ط، 1385 - 1966م.

[19] الزعارة: - بتشديد الراء وتخفيفها - شراسة الخلق، والرجل شرس أي سيء الخلق.

[20] العلامة المجلسي، بحار الأنوار، ج6، ص261.

[21] الحرّ العاملي، وسائل الشيعة، ج16، ص312.

أكد قائد الثورة الاسلامية آية الله السيد علي الخامنئي في تصريح للصحفيين عقب الادلاء بصوته في الانتخابات الرئاسية في ايران صباح اليوم، ان الشعب الايراني سيرى خيرا من هذه الانتخابات.

وادلى سماحة قائد الثورة الاسلامية اية الله العظمى السيد علي الخامنئي صباح الیوم الجمعة بصوته في المركز الانتخابي بحسينية الإمام الخميني (رض)، في الدقائق الأولى من بدء عملية الاقتراع في الانتخابات الرئاسية في ايران.

وفي تصريح للتلفزيون الايراني عقب الادلاء بصوته، قال قائد الثورة الاسلامية، "يوم الانتخابات هو يوم الشعب الايراني، اليوم الشعب هو المدير الرئيسي للساحة، شعبنا اليوم من خلال حضوره امام صناديق الاقتراع وادلائه بصوته هو من يعين الوضع العام والاساسي للبلاد في الاعوام القادمة ".

وتابع قائد الثورة الاسلامية: ان دعواتنا المتكررة لمشاركة الشعب الايراني في الانتخابات يرجع الى أنه هو المستفيد الأول من هذا الحضور، كما أن الجمهورية الإسلامية الايرانية سوف تكتسب مزايا كبيرة على الساحة الدولية.

واكد سماحته ان اصوات جميع الشعب فرداً فرداً لها اهمية في الانتخابات قائلا: تعالوا جميعكم، اختاروا وصوتوا ولا يقول أحدكم أن صوته لا يحدث تغييرا، لأن هذه الأصوات الفردية هي التي تشكل ملايين الأصوات.

واضاف الامام الخامنئي، ان شاء الله وببركة الامام علي بن موسى الرضا (عليهما السلام) صاحب الذكرى العطرة في هذه الايام، سيكون هذا اليوم يوم مبارك وسيكون كذلك بفضل الله وسيرى الشعب خيرا من هذه الانتخابات.

وأعرب قائد الثورة عن شكره لجميع المسؤولين والعاملين في مجال تنظيم هذه الانتخابات ودعاهم الى توخي الدقة اللازمة في العملية الانتخابية في عموم البلاد.

كما أعرب سماحته عن شكره للصحفيين والمصورين على ادائهم وتغطيتهم لاحداث الانتخابات .

صرح رئيس الجمهورية حسن روحاني بعد مشاركته في الانتخابات الرئاسية ان العالم كله ينظر اليوم إلى صناديق الاقتراع وطوابير الناخبين من ابناء الشعب الايراني ، مؤكدا انها ستدخل اليأس في نفوس الاعداء.

وخلال تفقده للجنة الانتخابات بوزارة الداخلية صباح اليوم الجمعة ادلى روحاني بصوته في الانتخابات الرئاسية الثالثة عشرة بالتزامن مع الدورة السادسة للمجالس البلدية، والانتخابات التكميلية لمجلس الشورى الاسلامي ومجلس خبراء القيادة.
وفي تصريح للمراسلين قال روحاني : فيما يتعلق بالأمن ، لم نشهد حالة واحدة من انعدام الأمن في جميع أنحاء البلاد ، وهو أمر مهم للغاية، كما يتم اتباع البروتوكولات الصحية في جميع المجالات.
واضاف: تجري عملية الانتخابات الالكترونية خطوة بخطوة، ونخطو خطوة للأمام كل عام ، والوضع الحالي يوضح عدد الناخبين الذين صوتوا في جميع محافظات البلاد والتأكد من هوية الناخب من أهم القضايا من خلال النظام الإلكتروني.
واشار الى ان عملية التصويت تجري بصورة آلية في الكثير من مراكز المحافظات، ونأمل أن تتم جزء مهم من عملية التصويت في المستقبل بشكل آلي، مما يسهم في تحقيق الشفافية.
ولفت رئيس الجمهورية الى ان عملية التصويت وفرز الاصوات يخضعان للعملية الالكترونية وقال : لم نشهد خرقا للبروتوكولات الصحية خلال العملية الانتخابية حتى الآن.
وتابع رئيس الجمهورية قائلا: هذه الانتخابات مهمة جدا، إنها انتخابات رئاسية مهمة ، وهي من أهم الانتخابات كل 4 سنوات بالنظر إلى الصلاحيات والمسؤوليات الكبيرة المنصوص عليها في الدستور لرئيس الجمهورية، داعيا المواطنين الى التوجه الى صناديق الاقتراع.
وأكد روحاني انه على مدى 42 عاما كانت الانتخابات الايرانية محط انظار العالم، وان هذه الانتخابات ستؤدي الى سرور الاصدقاء وغيظ الاعداء وخيبة أملهم.
وقال: العالم كله ينظر اليوم إلى صناديق الاقتراع وصفوف الشعب، وان شاء الله فأن كل محبي إيران في العالم سيكونون سعداء وستدخل اليأس في نفوس أعداء إيران.
واعرب روحاني عن أمله في أن يقوم الشعب الايراني بواجبه الثوري في المشاركة في الانتخابات مع الالتزام بالتعليمات الصحية

الأحد, 20 حزيران/يونيو 2021 01:31

وهو القاهر فوق عباده..

 

 

 

‏ قال تعالى: ﴿وَهُوَ الْقاهِرُ فَوْقَ عِبادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً حَتَّی إِذا جاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنا وَهُمْ لا يُفَرِّطُونَ﴾([1]).

إشارات:

‏- استيفاء الروح في الليل وبعثها في النهار أحد أمثلة قاهريّة الله تعالی علی الإنسان.

 

‏- إنّ موضوعة قبض الروح ينسبها القرآن الکريم إلی الله تعالی «اللهُ يَتَوَفَّی الأَنْفُسَ»، وإلی ملک الموت والملائکة في آنٍ معاً، وهذا التباين في العبارات ربّما يعود إلی أنّ الملائکة تلي أمر أرواح الأشخاص العاديين، وملک الموت - وهو ملک مقرّب - يلي أمر أرواح الأشخاص البارزين، أمّا الله تبارک وتعالی فهو يلي أمر أرواح أوليائه.

‏وقيل أيضاً، ربّما يکون مردّ ذلک أنّ الملائکة تقوم أوّلاً بقبض روح الإنسان، ثمّ تدفعه إلی ملک الموت (عزرائيل) وبدوره يقوم الأخير بتسليم الروح إلی ربّ العالمين، وبذلک يمکن القول: إنّ قبض الأرواح هو عمل الملائکة وملک الموت والله تعالی. إذن، فالله سبحانه هو الفاعل والمسبّب والملائکة هم المباشرون الفعليون لهذا العمل، ومن هنا، فإنّ هذا العمل تارةً ينسب إلی المسبّب، وأخری إلی المباشرين الفعليين.

 

‏- قد يکون المقصود بالملائکة الحافظين أولئک الذين يراقبون الإنسان ويحفظونه من شرّ الحوادث([2])، «لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ ومِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللهِ»([3])، أو الملائکة المأمورين بکتابة أعمال الإنسان وتسجيلها، «ورُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ»([4]).

 

‏- يقين الإنسان بمراقبة الملائکة له، حافز علی شکر الله تعالی، والإيمان بأنّ الملائکة تکتب أعمال الإنسان هو عامل حياء وتقوی.

‏التعاليم:

‏١- الله تعالی بيده القدرة والسلطة التامّة، أمّا ترک الخيار لنا فذلک لأنّه بلطفه الواسع أمهلنا في هذه الدنيا، «وهُو الْقَاهِرُ...».

 

‏٢- إنّ قاهريّة الله علی عباده کبيرة لدرجة لا تدع مجالاً لمقاومتها، «وهُوالْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ».

 

‏٣- يضمّ نظام الخلق أنواعاً عديدة للمراقبة، «حَفَظَةً».

 

‏٤- إرسال الملائکة الحافظين أمرٌ دائم، «ويُرْسِلُ».

 

‏٥- لکلّ مجموعة من الملائکة مهمّة خاصة، «حَفَظَةً... تَوَفَّتْهُ».

 

‏٦- عند قبض الروح يحضر عدد من الملائکة، «إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا».

 

‏٧- الملائکة معصومون، وهم لا يتساهلون في إنجاز مهمّتهم، «لَا يُفَرِّطُونَ».کما ورد في آية أخری «لَا يَعْصُونَ اللهَ مَا أَمَرَهُمْ»([5]).

 

‏ تفسير النور، سماحة الشيخ محسن قراءتي

 

([1]) سورة الأنعام: 61.

([2]) تفسير الميزان.

([3]) سورة الرعد، الآية ١١

([4]) سورة الزخرف، الآية ٨٠.

([5]) سورة التحريم، الآية ٦.

الأحد, 20 حزيران/يونيو 2021 01:29

كيف نتعامل مع الأسئلة السّامية؟

 

السؤال على أنواع؛ فبعض الأسئلة مدعاة للتطور والارتقاء، وبعضها مدعاة للتراجع والهبوط. وإن اختلافها راجع إلى اختلاف دوافعها وحوافزها.

 

الأسئلة الدانية:

 الأسئلة التي تطرح بدوافع رجعية، تنشأ من كون الإنسان يخالف حقا، ثم يطرح الأسئلة واحدا تلو الآخر ليشكك في ذاك الحق. فعلى سبيل المثال يعقتد بعض علماء فلسفة الأخلاق، إن مصدر تبلور هذا العلم؛ أي علم فلسفة الأخلاق هو أن الناس أصبحوا لا يطيقون بعض الأحكام الأخلاقية، فأقبلوا يتساءلون من قال أن لهذا العمل قيمة؟! ومن قرّر على أن يكون هذا العمل قيّما؟! كان هذا السلوك قيما في ما مضى أما الآن فليس من المعلوم أنه قد بقى على حاله. ما هو المعيار في تقييم الأعمال الجيدة والسيئة؟ وهل يمكن تغيّر هذه المعايير؟... وهكذا فتح باب فلسفة الأخلاق.

 

 إن منطلق معظم هذه الأسئلة هو مخالفة الإنسان للأحكام الأخلاقية. فإن أمثال هذه الأسئلة تطرح في سبيل التراجع لا التقدّم. بينما الإنسان الرشيد لا يطرح مثل هذه الأسئلة المنطلقة من دوافع التراجع، ولا تتبادر في ذهنه أبدا. فمن خصائص هذا النمط من الأسئلة هو إنك إن حصلت على أجوبة ستين سؤال من هذا النوع ما زلت لم تتحرك من نقطة الصفر.

 

إن استفحلت ونشطت النفس الأمارة والرذائل في وجود الإنسان، وخرج الإنسان عن اعتداله يكثر في طرح الأسئلة بدافع التراجع.

 

مضارها:

إن هذه الأسئلة لا تضيّع وقت الإنسان وحسب، وليس ضررها الرئيس هو ضياع الوقت، بل أهمّ ضررها هو أن الإنسان بعد ما طرح أسئلته هذه قد يحصل على بعض الأجوبة الظّنية غير القطعية، ثم يتحجّر على هذه الأجوبة ويتعلق بها، أو يعشقها ولا ينفكّ عنها. هذه قاعدة مهمة وهي أنه إذا تبادر لك سؤال بدافع مخالفة الحق والتمرد عليه، عند ذلك سوف تتعلق بأسوء الأجوبة له وأكثرها بطلانا. وعليه فمن المهمّ جدا أن نسعى لمنع تبلور أمثال هذه الأسئلة في أذهاننا.

 

قيموا أسئلتكم

ليس كل سؤال بحري أن يطرح، فقد قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): «حُسْنُ‏ السُّؤَالِ‏ نِصْفُ‏ الْعِلْم‏»([1]). ولهذا فحري بالإنسان أن يعرض أسئلته على أستاذ في الأخلاق أو أستاذ في السير والسلوك المعنوي ليرى كيف يقيّم أسئلته. لا داعي لأن يجيب عن الأسئلة بل المهم هو أن يقيّم الإنسان من خلال أسئلته ويطلعه على روحياته ونزعاته التي خفيت عليه. إذ تنعكس صفات الإنسان وروحياته ومناخه الفكري والعقدي على أسئلته بكل وضوح.

 

الأسئلة الفارغة:

هناك فئة أخرى من الأسئلة لا تنطلق من أمراض ورذائل أخلاقية كالقسم الأول، ولكنها أسئلة لا فائدة لها. وهي الأسئلة التي تثار وتطرح بسبب النسيان. كالإنسان الذي يسأل عن عنوان ما، فتدلّه على ضالته ولكن سرعان ما ينسى العنوان فيرجع ويكرر سؤاله. ثم تدلّه على ضالته مرة أخرى فينسى كما نسي من قبل وهكذا! فهل يمكن أن نعتبر أسئلته هذه حبّا للعلم والمعرفة؟!

 

النموذج الآخر من أمثال هذه الأسئلة غير المفيدة ولعله أكثر انسجاما ببحثنا هذا، هو السؤال الناجم من عدم الفكر. وهو السؤال الذي يطرحه الإنسان لا عن وعي ودراية وتأمل، بل عن عدم فكر. ولهذا كان العلامة الطباطبائي(رض) يقول: كنت أكتم أكثر أسئلتي ولم أبدها، حتى أجد جوابها.

 

ذات يوم قال لي شخص: عندي أسئلة في ولاية الفقيه. قلت له: كم كتابا قرأت؟ قال: لم أقرأ شيئا. فقلت له: إذن أنا لا أجيب عن أسئلتك. قال: لماذا لم تحترم أسئلتي؟ فقلت له: ولماذا أنت لم تحترم أسئلتك؟ ولماذا لم تحترم وقتك؟ كم هو موضوع مهم لديك حيث لم تقرأ فيه كتابا واحدا؟!

 

الأسئلة السامية:

أما الفئة الثالثة من الأسئلة فهي الأسئلة التي تطرح بدافع التقدم والارتقاء. فإنها أسئلة ثمينة قيمة لابدّ من معرفة قدرها. إنها نور في قلب من تبادرت إليه. فبمجرد أن حقّق الإنسان في أسئلته هذه يمتلئ نورا، وكذلك إن حصل على الجواب فقد حصل على نور.

 

أدب التعامل مع الأسئلة السامية:

إن الاستعجال في إبداء هذه الأسئلة السامية قد ينقص من ثمن جوابها لدى رؤية الإنسان. فلنروّض أرواحنا بهذه الأسئلة فترة، ولنعجن أسئلتنا ونروّضها بالفكر والتأمل كي نزداد شوقا للجواب. فلا تستعجلوا بالخلاص من السؤال. حيث إن هذا العذاب الذي يلقيه السؤال في وجودك نور في الواقع.

 

يعجبني كثيرا بعض الشباب عندما يأتيني ويقول: «هناك سؤال يعتلج في قلبي منذ سبع أو ثمان سنين، فمهما حاولت أن أحصل على جوابه لم أستطع». هذا سؤال قيّم. وقد ذكر شرّاح نهج البلاغة أن أمير المؤمنين (عليه السلام)  قد تثاقل عن الجواب ليزداد همّام عطشا ويزداد الجواب أثرا. إن هذه الأسئلة لا تخلو من بعض الألم والعذاب على الإنسان ولكن ألمها جميل ينبغي أن نتحمله. فإنه ينوّر قلب الإنسان.

 

بالإضافة إلى ذلك، لماذا يستعجل الإنسان في طرح بعض الأسئلة طمعا بالجواب؟ فإن دققنا النظر في بعض هذه الأسئلة ـ التي هي ليست من نمط الأنواع السيئة الأولى ـ نجدها مشوبة ببعض الشرك الخفي. فعلى سبيل المثال تجده يبحث عن زمن موته ويسأل متى أموت. فإذا أردنا أن نحلّل سؤاله بكل ما تحيط به من دوافع ونوايا، كأنه يقول: أريد أن أتخلص من خوفي من الله والتوكل على الله والثقة بالله والاستغاثة بالله. أريد أن أدبر أموري بنفسي وأطلع على مصير حياتي بالكامل.

 

أو قد يسأل: هل أن الله راض عني أم لا. لماذا يسأل هذا السؤال؟ إنه سؤال جميل ولكن ينبغي للإنسان أن يصبر عليه. فقد شاء الله أن لا يجيبنا عن هذا السؤال، وإلا فليس من الصعب عليه أن يطلعنا على رضاه أو عدمه تجاهنا. كان يقدر على أن يخلق لكم ملائكة بعدد شعر رؤوسكم ليجيبوا عن أسئلتكم في كل آن ولحظة. فهل تتصورون أن قد عازه ملائكة فلم يرسلهم؟! إنه كان قادرا على كل هذا ولكن من المؤكد أن هناك نور في هذا الغموض. فلعل إصرارك على هذا السؤال يدل على أنك بصدد التخلص من أعباء العلاقة الجميلة بالله، عبر بعض المعلومات. إذ بعض أنواع الجهل تارة يزيد من جمال علاقة العبد بمولاه. راجعوا خطبة القاصعة لأمير المؤمنين ففيها إشارات إلى هذا المضمون.

 

وتارة سؤالك جيد، ولكن ليس علاجه طرحه و إبداءه. فقد ورد عن أهل البيت (عليهم السلام): «مَنْ‏ عَمِلَ‏ بِمَا يَعْلَمُ‏ عَلَّمَهُ اللَّهُ مَا لَمْ يَعْلَم»([2]). كما كان الشيخ بهجت (رض) يؤكد على هذا الحديث وكثيرا ما أجاب سائليه بمضمون هذه الرواية. فطريق الحصول على جواب بعض الأسئلة السامية ليس السؤال، بل العمل بالعلم، ولا سيما في المسائل المعنوية فإن عملت بمقتضى معرفتك وعلمك تحصل على باقي المعارف والعلوم بحسب عملك. وإلا فإن سألنا بلا عمل وأعطينا الجواب يخاف علينا أن لا نقنع بالجواب، أو نقنع به ولا نؤمن به، أو نؤمن به ولا نعمل به ما يؤدي إلى تفاقم أمراضنا ورجوعنا إلى الأسوء. ولهذا قال أمير المؤمنين (عليه السلام): «إِنَّكُمْ إِلَى الْعَمَلِ‏ بِمَا عُلِّمْتُمْ أَحْوَجُ‏ مِنْكُمْ إِلَى تَعَلُّمِ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ»([3]).

 

في حديث عنوان البصري عن الإمام الصادق (عليه السلام) وهو حديث عرفاني معروف، وكان العلامة القاضي (رض) يوصي تلامذته بحمله وقراءته يوميا، جاء فيه أن الإمام الصادق (عليه السلام) لم يستجب لعنوان في المرة الأولى. أما في المرة الثانية فأجابه وقال له (عليه السلام): «لیس العلم بالتعلم إنما هو نور یقع فی قلب من یرید الله تبارک وتعالى أن یبدیه فإن أردت العلم فاطلب أولا من نفسک حقیقة العبودیة واطلب العلم باستعماله واستفهم الله یفهمک»([4]). هذا النمط من العلم هو ما يسمّى بالعلم اللدنّي، أو الفرقان والبصيرة.

 

قف عند دوافع السؤال والنوايا المحيطة به

إن همام قد سأل وصف المتقين لا توصية أو موعظة في هذا المجال. فنحن نرى أكثر الناس يبحثون عن الوصايا في مسار السلوك المعنوي. أما همام فقد سأل سؤالا آخرا. لم يقل لأمير المؤمنين (عليه السلام): كيف أصبح متقيا؟ بل قال: صف لي المتقين. وهل توافقونني بأن لا يخطر على بالنا أمثال هذا السؤال؟ فنحن لا نبحث عن وصف المتقين أو المؤمنين عادة، ولكن لماذا؟ نحن نبحث عن طرق الصلاح وأساليب النجاح وهكذا. وكأنما نريد أن نقرأ مادة دراسية ونمتحن فيها. فإذا أمعنا النظر ودققنا في خفايا نوايا الإنسان وزوايا مشاعره لعلنا نجده يريد التخلص من قيود العبودية وأعبائها، أو يريد أن يمتحن في هذه المادة ويخلص منها ومصاعبها. وهذا يحكي عن نظرتنا الخاطئة لحقائق الدين والعبادة.

 

ليس أمامنا هدف الوصول إلى الله ولقائه. وإنما هو مسير وحركة إلى الله. ولكن كثير من الناس يسألون عن سبيل الله لكي يخلص من الحركة والسير في هذا الدرب يوما ما! وهل في هذا الدرب إزعاج وشرّ حتى يبغي الخلاص منه.

 

من الذين لا يتحملون مصاعب هذا الدرب وأعباء الطريق؟ أتعرفون من هم؟ أولئك الذين لا يطيقون الخوف والشوق في سبيل الله؟ أولئك الذين لا يطيقون صمت الله والغموض الذي يحيط بالعبد في حركة عبادته. انظروا إلى أدعية أهل البيت وحتى إلى أشعار العرفاء وعبّاد الله، حيث كانت حياتهم كلّها توسلا وإصرارا وطلبا وكأن لم تنفكّ من عقدهم واحدة. لابد أن نرصد نوايانا الخفية في زوايا السؤال مخافة أن لا يمتزج سؤالنا عن الطريق، بأمثال هذه النوايا الباطلة. فقد سئل الإمام الصادق (عليه السلام): «قِيلَ لَهُ أَيْنَ طَرِيقُ‏ الرَّاحَةِ، فَقَالَ عليه السلام: فِي خِلَافِ الْهَوَ.ى قِيلَ فَمَتَى يَجِدُ عَبْدٌ الرَّاحَةَ. فَقَالَ عليه السلام: عِنْدَ أَوَّلِ يَوْمٍ يَصِيرُ فِي الْجَنَّةِ». فهذا السائل وإن سأل عن الطريق ولكن في واقع أمره كان يبحث عن أصل الراحة لا عن طريقها.

 

 سماحة الشيخ علي رضا بناهيان - بتصرّف

 

([1])بحار الأنوار، ج1، ص224.

([2]) بحار الأنوار، ج75، ص189.

([3]) عيون الحكم والمواعظ لليثي، ص 174؛ غرر الحكم ودرر الكلم، ص 268.

([4]) بحار الأنوار، ج1، ص225.

الأحد, 20 حزيران/يونيو 2021 01:27

خصائص المشرّع في القرآن الكريم

 

 

 

الصفة الأولى:

ينبغي أن يكون المشرع متمتعاً بما لا نهاية له من المعرفة بكل المصالح الفردية والاجتماعية والجسمية والروحية والمادية والنفسية، لكي يتمكن من وضع قانون يشمل أبعاد كيان الإنسان كلها.

وهذه الصفة لا تتوفر إلا في الله تعالى، فهو الذي ينبغي له أن يضع القوانين لحياة البشر.

 

الصفة الثانية:

ينبغي أن يكون المشرع بعيداً عن الأنانية والتعصب الفئوي ويضع القانون طبقاً للحق والعدالة، حيث إن العلم بالمصالح والمفاسد لا يكفي وحده لواضع القانون، فقد نجد شخصاً يعرف المصالح القانونية جيداً لكن الميول الشخصية والعائلية أو الفئوية تمنعه من وضع القانون بالشكل الذي يراه مناسباً، فمثل هذا الشخص يقدم شيئاً باسم القانون يحقق في معظمه مصالحه أو مصالح فئته، وهكذا يجب أن يكون المشرع ـ فضلاً عن الوعي بالمصالح والمفاسد ـ شخصاً لا تؤدي به أنانيته وتعصبه الفئوي إلى إضاعة الحق والعدالة.

 

هذه القواعد التي ذكرناها توضح لنا أن البشر العاديين لا يتصفون بهذه الحصانة، أي أن كل إنسان يخضع ـ شاء أم أبى ـ لبعض الرغبات، ومن المستبعد جداً وربما من المستحيل حصول الثقة بحصانته التامة من اتباع الهوى والنزعات الشخصية، أما الله تعالى فهو عالم علماً كاملاً بالمصالح والمفاسد وكذلك لا يصيبه نفع أو ضرر من أي عمل.

 

إنه في غنى مطلق، ولا يتأثر بأية رغبة، فهذا إذن دليل آخر على وجوب وضع القانون من قبل الله تعالى، لأنه منزّه وبعيد عن الرغبات النفسية ومراعاة المصالح الشخصية والفئوية.

 

التوحيد والشرك في قضية التشريع:

التوحيد الذي يعد أساس الفكر الإسلامي يقتضي أن يكون واضع القانون هو الله تعالى وحده، بمعنى: إننا نعلم أن من شؤون التوحيد؛ (ربوبية الله التشريعية) أي كما أن على الموحّد أن يؤمن بأنه لا خالق إلا الله، وأن مدير العالم هو الله تبارك وتعالى وأن له ربوبية العالم التكوينية؛ أن يؤمن كذلك أن (الربوبية التشريعية) تختص به تعالى، أي يلزم إطاعة الله تعالى وحده، إطاعة مطلقة.

 

والخلل الذي أصاب إبليس فأدّى إلى كفره وهلاكه الأبدي هو النقص في هذه الربوبية التشريعية، وإلا فإنه كان مؤمناً بالربوبية التكوينية وبالمعاد، ولهذا أكد القرآن الكريم على هذا الموضوع كثيراً واعتبر الذين ينكرون الربوبية التشريعية مشركين، ولكن ليس كالمشركين الذين تسري عليهم الأحكام الخاصة بالمشركين في الظاهر، بل إنهم مشركون في الباطن ولن ينالوا السعادة التي تختص بالموحدين.

 

يقول تعالى بشأن أهل الكتاب: ﴿اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباَ من دون الله﴾([1]).

أي أن اليهود والنصارى اتخذوا علماءهم ورهبانهم (أرباباً) وجعلوها شركاء لله ـ وكما ورد في الروايات بشأن تفسير هذه الآية ـاعتبروا طاعتهم المطلقة واجبة كطاعة الله وكان كل ما يقولونه مقدساً لديهم كقانون الله.

 

وقد روي عن الإمام الباقر عليه السلام قوله بعد ذكر هذه الآية: "والله ما صلّوا لهم ولا صاموا، ولكن أطاعوهم في معصية الله".

 

على أية حال فإن (الربوبية التشريعية) تعني تسليم الإنسان أمام الله وإيمانه بأن حق الأمر والنهي يختص به تعالى وأنه وحده الذي يجب إطاعة أوامره كلها، أو الشخص الذي عيّنه الله تعالى للأمر والنهي أو الذين فوّض إليهم الله تعالى الأمر والنهي وأجازهم فيه، وإلا فليس لأي أحد حق أمر عباد الله ونهيهم بشكل مستقل. وهذه النظرة التوحيدية تقتضي أيضاً أن يختص حق التشريع في الأصل بالله تعالى، ولو وضع أحد غيره قانوناً ليأخذ به الناس فينبغي أن يستند إلى قانون الله ويصدر بإذنه التشريعي، والصفات التي ذكرناها للمشرع هي في الحقيقة أدلة أوردناها لإثبات هذا الأمر، وهناك أدلة أخر أيضاً ولكن أهمها هذه الأدلة:

 

أولاًـ علم الله المطلق، حيث يتمتع تعالى بالعلم اللامتناهي.

 

ثانياًـ إن الله لا ينتفع أو يتضرّر بسلوك الناس ولا يخضع في التشريع لتأثير الميول الفردية والفئوية بل يضع من القوانين ما يقتضيه الحق والعدل.

 

ثالثاًـ إن حق الولاية والتشريع والأمر والنهي يختص أساساً بالله تعالى، لأنه هو الرب، فالربوبية التكوينية والتشريعية تختص به أيضاً.

 

خصائص المشرع في القرآن:

فيما يخص الميزات التي ذكرناها للمشرع، يمكننا أن نورد آيات كثيرة من القرآن الكريم كشواهد على ذلك، ففضلاً عن الآيات التي تعتبر (الربوبية المطلقة) و(المالكية والملكية) مختصة بالله تعالى، مثل: ﴿يسبح لله ما في السموات وما فيالأرض الملك القدوس﴾ حيث تقتضي الملكية أن ينحصر بيده تدبير شؤون المجتمع ويطيعه الجميع، وكذلك الآيات التي تدل على (ولاية الله المطلقة ومولويته) والتي تقول إن الله مولى العباد والناس عباده فيجب عليهم إطاعة مولاهم، فضلاً عن هذه الآيات التي هي كثيرة جداً؛ هناك عدة مجموعات من الآيات الأخرى التي تدل على هذا الأمر، وهي:

 

أـ مجموعة الآيات التي تقول إن الحكم يختص بالله؛ ففضلاً عن الربوبية والمالكية والملكية وسائر العناوين التي تدل على التزام هذا الأمر، لدينا آيات تدل بصراحة على (أن الأصالة في الحكم تختص بالله) ومنها هذه، الآية الكريمة: ﴿إن الحكم إلا لله أمر ألا تعبدوا إلا إياه...﴾([2]).

 

فكلمة (الحكم) تستخدم أحياناً للدلالة على معانٍ أخر غير المعنى الذي نقصده هنا، ولكن في هذه الآية يأتي بعدها بشكل مقصود قوله تعالى: ﴿أمر ألا تعبدوا إلا إياه﴾، ومن هنا يتضح تماماً أن الأمر والنهي من مستلزمات هذا (الحكم)، وهذه الحاكمية التي تختص بالله تعالى تقتضي أن يكون الأمر والنهي لله على العباد، وأن على العباد أن يطيعوا أوامره ونواهيه.

 

ب ـ كذلك هناك آيات كثيرة تدل على أنه يجب على البشر (التسليم المطلق) لله تعالى واتباع دينه وتعاليمه، ومن هذه الآيات: ﴿ومن يسلم وجهه إلى الله وهو محسن﴾([3]).

 

فمعنى الإسلام أساساً هو كما قال الإمام علي (عليه السلام).

 

(الإسلام هو التسليم)([4]).

 

ويقول تعالى في آية أخرى: ﴿أفغير دين الله يبغون وله أسلم من في السموات والأرض طوعاً وكرهاً وإليه يرجعون﴾([5]).

 

والإنسان الذي هو من مخلوقات الله أيضاً عليه أن يطيع الله ولا يقبل ديناً غير الدين الإلهي، إذ يقول تعالى بعد آيتين: ﴿ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين﴾([6]).

 

ج ـ كما أن هناك آيات أخرى توجب على البشر الرجوع إلى حكم الله عند اختلافهم، مثل: ﴿وما اختلفتم فيه من شيء فحكمه إلى الله﴾([7]).

 

فمن الواضح أن القضايا الاجتماعية والحقوقية مما يحدث فيه خلاف وتضادّ فمن اللازم أن نطلب حكمها من الله ونأخذ منه قانونها.

 

وفي بعض الآيات يؤكد الله تعالى على النبي (صلى الله عليه وآله) بأن عليه أن يحكم بما أنزل هو عليه وعدم اتباع هوى النفس أو ميول الآخرين وتجاهل الأوامر التي أنزلها الله عليه، ومن هذه الآيات: ﴿فاحكم بينهم بما أنزل الله﴾([8]).

 

﴿وأن احكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله إليك﴾([9]).

 

ومن الواضح أن شخص النبّي (صلى الله عليه وآله) كان مبرّأً من هذا الأمر لكونه معصوماً، ولكن هذا الخطاب الإلهي كان من أجل التأكيد وكذلك لكي يعلم الآخرون أن أحكام الله ينبغي أن تراعى بدقة ولا تتجاهل أو تهمل، من أجل ذلك يؤكد الله تعالى مراراً على النبي (صلى الله عليه وآله) أن عليه أن يحكم بما أنزل الله، حيث يقول تعالى في ثلاث آيات متتاليات:

﴿ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون﴾([10]).

﴿ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون﴾([11]).

﴿ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون﴾([12]).

 

فالتأكيد المتتالي على هذا الأمر يدل على أنه يحظى بأهمية كبرى عند الله تعالى حتى ظل يؤكد عليه ويكرره هكذا.

 

د ـ وأخيراً في القرآن آيات جاء فيها ذم كثير للذين يضعون من عند أنفسهم قانوناً ويعينون حلالاً وحراماً، وقد تعرض هؤلاء لاستنكار شديد وأدين عملهم، ومن ذلك قوله تعالى: ﴿قل ءآلله أذن لكم أم على الله تفترون﴾([13]).

 

حيث يأمر الله تعالى نبيّه بأن يسأل الذين يحللون أموراً ويحرمون أخرى من عند أنفسهم فيحرفون بعض اللحوم ويحلّلون بعضاً آخر أي أنهم يحددون الحلال والحرام كما يشتهون ويضعون قانوناً من عند أنفسهم، أن يسألهم هل إن الله أذن لهم بأن يفعلوا ذلك أم أنهم يفترون على الله؟ فهذا الاستفهام الوارد في عبارة ﴿ءالله أذن لكم﴾ استفهام استنكاري، أي أنهم يفترون بالتأكيد، لأن الله لم يأذن لهم بأن يفعلوا ذلك.

 

وهكذا فالذي يحدد حلالاً أو حراماً دون إذن الله ويضع قانوناً للناس تشمله هذه الآية التي تصفه بأنه افترى على الله.

 

وفي آيات أخرى ورد ذم بهذا التعبير للذين يفترون على الله كقوله تعالى: ﴿ومن أظلم ممن افترى على الله كذب﴾([14]).

 

أي من هو أظلم ممن وضع من عنده قانوناً ونسبه إلى الله دون أن يأذن الله له بذلك؟ فلا ظلم أعلى من أن يضع أحد قانوناً من عند نفسه ويقدمه إلى الناس بعنوان القانون الإلهي ويدعوهم إلى اتباعه.

 

وفي سورة الأنعام خمس عشرة آية (من الآية 136 وحتى الآية 150) يذكر فيها الله تعالى مواضع مختلفة من الأحكام التي وضعها المشركون من عند أنفسهم وعينوا فيها الحلال والحرام، حيث أدان القرآن الكريم فعلهم هذا وصرّح بأنهم لا يملكون مثل هذا الحق بل عليهم اتباع ما أنزل الله الذي له وحده الحق في تشريع القوانين للناس وتعيين الحلال والحرام.

 

وفي سور أخرى أيضاً مثل النحل والكهف وهود والعنكبوت وغيرها آيات تحكي عدم مشروعية عمل هؤلاء الذين كانوا يضعون القوانين من عندهم ويريدون تطبيقها على المجتمع ودعوة الناس إلى اتباعها وتصفهم بالشرك، من كل ذلك نستنتج: أن القرآن الكريم يرى أن الله تعالى يعلم الحق والعدل أفضل من غيره بسبب ربوبيته التكوينية، وكذلك بسبب احاطته العلمية بصلاح الناس وفسادهم، حيث تقول الآية الكريمة: ﴿قل الله يهدى للحق أفمن يهدي إلى الحق أحق أن يتبع أمّن لا يهدّي إلا أن يهدى﴾([15]).

 

فهو الذي يعرف الحق أصالة، ويحيط علماً بكل الحقائق والمصالح والمفاسد، وهو الذي يختص بالمولوية تجاه العباد الذين يجب عليهم إطاعته بحكم عبوديتهم له.

 

فلهذه الأدلة ينبغي أن يكون المشرع أصالة هو الله تعالى، وسوف نوضح أن هذا الكلام لا يعني أن الآخرين لا يحق لهم التشريع،حيث يمكن أن يدور الحديث في نظام الحكم الإسلامي حول أسلوب آخر من التشريع أيضاً شريطة أن يستند إلى إذن الله، فلو وجد شكل من أشكال التشريع يسير بموازاة القوانين الإلهية ويستند إلى إذن الله فلن يكون شركاً بل وينبغي اتباعه أيضاً، أما لو كان مستقلاً وغير مستند إلى إذن الله، فلن تكون له قيمة في نظر الإسلام، ولا يمكن اعتبار مضمونه إسلامياً، ولا يلزم المسلمين ـ كونهم مسلمين ـ اتباع مثل هذا القانون.

 

الحكومة الإسلامية وولاية الفقيه، آية الله الشيخ محمد تقي مصباح اليزدي (قدس سره)

 

([1]) التوبة: 31.

([2]) يوسف: 40.

([3]) لقمان: 22.

([4]) نهج البلاغة، قصار الحكم: 125.

([5]) آل عمران: 83.

([6]) آل عمران: 85.

([7]) الشورى: 10.

([8]) الشورى: 48.

([9]) الشورى: 49.

([10]) المائدة: 44.

([11]) المائدة: 45.

([12]) المائدة: 47.

([13]) يونس: 59.

([14]) هود: 18.

([15]) يونس: 35.