emamian

emamian

الإثنين, 03 أيار 2021 01:52

معرفة الحقوق في الشهر الأعظم

 العلّامة السيِّد محمّد حسين فضل الله

إنّنا في هذا الشهر المبارك العظيم ـ شهر رمضان ـ نتعرَّف إلى ما علينا من حقوقٍ، وما لنا من حقوق، وأيّ حقِّ أعظم من حقِّ الله تعالى علينا؟!

إنّ رسالة الحياة في الحقّ، هي رسالة الإمام عليّ بن الحسين زين العابدين (ع): «رسالة الحقوق»، ففيها كلُّ الحقوق: من حقِّ الله تعالى عليك، إلى حقّ أنفُسنا علينا، إلى حقّ أقلّ إنسانٍ معنا.

إنّ الإطلالة في رحاب شهر الله الأعظم على هذه الرسالة الحقوقية، ممّا يُرشدنا ويُهذّبنا ويعلّمنا، ويزكّي أنفُسنا، ويسمو بروحنا لنتكامل في المجتمع من خلال هذه الحقوق التي فرضها الله علينا وأعطانا إيّاها، لأنّ هذا الشهر المبارك هو شهر الحقّ والتغيير والثورة على الفكر الباطل، والنفس الأمّارة بالسوء، والمشاعر الخبيثة، والأخلاق الفاسدة، والمعاملات الباطلة، والمواقف الخاطئة، حتى نخرج من شهر الله ـ ورسالة حقوق وليِّ الله ـ ونحن في سلامةٍ من عقولنا وقلوبنا وحياتنا وأعمارنا، وفي رِضى من ربِّنا.

فالأهميّة تكمن في كيفية حصولنا على محبّة الله، ورضاه، وكيف نستطيع قطع هذه الحياة بحسب الشوط الذي جُعِلَ لنا من فسحة العمر المُقدَّر، حتى إذا وصلنا إلى الله، نصلُ بقلبٍ سليمٍ مُطمئنّ، وروحية إيمانية تقوائية، لأنّ الله تعالى لا يضيّع عمل عامل منكم من ذكرٍ أو أنثى، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ * وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ) (الحشر/ 18-19). وهم أصحاب الحقّ والمسؤولية والحركية والعمل الذي يراه الله ورسولُهُ ويحمدُهُ الناس، فالخلق كلّهم عيال الله، وأحبّهم إليه، أنفعهم لعياله.

إنّ الإنسان النفّاع الخيِّر المصلح، الذي اتّقى وآمن بالله ورسوله، على كتفيه تبعات المسؤولية، وهو المنطلق في رحاب الله مغيِّراً وداعيةً وقدوة.

حقّ وواجب

يشعر الإنسان في مسيرة حياته الإنسانية كلّها بأنّه محاطٍ بشبكةٍ من الحقوق، فكلُّ شيءٍ في داخل جسده ومواقع أفعاله، وفي ما يحيط به في مجتمعه ممّن له علاقة به، له حقٌّ عليه لابدّ أن يقوم به، كما أنّه يملك حقوقاً على الناس من حوله. فالإنسان في الحياة له حقّ وعليه واجب، ولا يدّعي إنسانٌ امتلاكه للحقّ دون أن يكون للآخرين حقٌّ عليه. فالنبيُّ يملك حقّ الطاعة على الناس، ولهم حقٌّ أن يُعلِّمهم الكتاب والحكمة ويزكّيهم، ويتلو عليهم آيات الله، فالمسؤول فردٌ في دائرة المسؤوليات العامّة، فله حقٌّ وعليه واجب.

إنّ الفكرة التي يجب أن تعيش في وجداننا الإنساني الإسلامي، أنّه ليس لأحدٍ أن يتصوّر نفسه مُحقّاً مطلقاً مهما بلغت درجته، ومهما كان كبيراً. فلقد ربط الله تعالى الواقع الإنساني كلّ.. واقع الإنسان في نفسه، وواقعه مع الإنسان الآخر، بشبكةٍ من الحقوق، حيث يتحرّك الإنسان في علاقته مع أخيه الإنسان وفق دراسة ما الحقّ المفروض له؟ وما الحقّ الواجب عليه؟ وهو ما يمنع الإنسان من أن يعيش الأنانية التي تأتي من تصوّره أنّ حقّه على الآخرين مقدّسٌ وواجبٌ وليس للآخرين حقّ عليه. ولهذا، بيّن الإمام عليّ بن الحسين زين العابدين (ع) من خلال رسالة حقوقه، حقَّ كلّ فردٍ في الحياة، وركّز الحقوق العامّة والخاصّة في كلّ ما أراده الله تعالى وفرضه.

وانطلاقاً من ملخّص الإمام زين العابدين (ع) للحقوق، يقول ممّا رُوِي عنه في كتاب (تُحف العقول): «اعلَمْ ـ رَحِمَك اللهُ ـ أنّ للهِ عليك حقوقاً مُحيطةً بك في كلِّ حركة تَحرّكتَها، أو سَكَنَة سَكَنتَها، أو مَنزِلة نَزَلْتَها، أو جَارِحة قَلَّبْتَها ـ والجوارحُ الأعضاء ـ وآلةٍ تَصرَّفْتَ بها، بعضُها أكبرُ من بعضِ»، فحين خلقك الله، خلقك مسؤولاً أن تؤدِّي هذه الحقوق، باعتبار أنّك عبدٌ لله وعليك أن تنفّذها وتقوم بها، في ما تتحرّك به حين الحركة، وفي ما تكفُّ عن الحركة به حينما تسكن وتهدأ، وفي كلّ منزلةٍ تنزل بها في هذا الموقع أو غيره، وفي كلّ تقليد لجوارحك وأعضائك، وفي ما تتصرّف به من الآلات التي تتوصّل بها إلى مقاصدك، حيث تشعر بعظيم ما فرضه الله عليك من حقٍّ في كلّ جوانب حياتك، ومفاصل هذه الحياة، وتشعر بأنّك محاصرٌ بالمسؤولية الحقوقية في الكلمة والحركة والسَّكَنة والموقف، بحيث تشعر من خلال الأشياء التي تتصرّف فيها في كلّ أعضائك، بأنّ هناك حقّاً يجب على الإنسان أن يعرفه وينطلق من خلاله.

حقُّ النفس

«وأكبرُ حقوقِ اللهِ عليك، ما أوجبَهُ لنفسِهِ تبارك وتعالى من حقِّه الذي هو أصلُ الحقوقِ، ومنه تفرّع، ثمّ أوجبَهُ عليك لنفسِك من قرنِك إلى قدمِك، على اختلافِ جوارحِك». فهذا الجسد الإنساني الذي يمثِّلُ وجودك وإنسانيتك، قد جعل الله عليك حقّاً فيه لكلّ عضوٍ من أعضائك، والتي تمثِّل العناصر الحيّة في إدارتك لحياتك، حيث إنّك مسؤولٌ أمامها، كما لو كانت هذه الأعضاء شخصاً حيّاً يطالبك بحقوقه عليك.

«فَجعلَ لِبَصرِك عليك حقّاً ـ والبصرُ سوف يطالبك بهذا الحقّ يوم الحقّ ــ ولِسَمعِك عليك حقّاً، ولِلسانِك عليك حقّاً، ولِيدِك عليك حقّاً، ولِرِجلِك عليك حقّاً، ولِبَطنِك عليك حقّاً، ولِفَرجِك عليك حقّاً، فهذِهِ الجوارحُ السَّبعُ ـ يُعبّر عادة عن الأعضاء الإنسانية بالجوارح، وهو ما ورد في دعاء كميل: و«قَوِّ على خِدمَتِك جَوارِحي، واشدُدْ على العزيمةِ جَوانِحي»، أي قوِّ على خدمتك أعضائي الإنسانية التي وهبتني إيّاها يا ربّ ـ التي بها تكونُ الأفعالُ». فالإنسان يتحرّك من خلال أفعاله؛ إنّه يُبصِرَ بالأشياء، ويسمع بها، ويتحدّث ويتكلّم من خلالها، ويستودع ما يحتاجه من غذاءٍ وما يفوته في حياته.

«ثمّ جعلَ عزّوجلّ لأفعالِك عليك حقوقاً»، فلقد كلّفنا الله بأفعالٍ وأعمالٍ لها حقٌّ علينا في كيفية إدارتها، فأنت كإنسانٍ مسؤول ومطالب به، «فَجعلَ لِصلاتِك عليك حقّاً» ـ كيف تكونُ صلاتك؟! «ولِصَومِك عليك حقّاً» كيف يكونُ صومك؟! «ولِصَدَقتِك عليك حقّاً» حين تتصدَّقُ، «ولِهَديِك»، والهَدي ما يقدّم في الحجِّ، «عليك حقّاً، ولأفعالِك عليك حقّاً».

حقّ الإمام والرعية والرَّحِم

«ثمّ تخرجُ الحقوقُ منك إلى غيرِك من ذوي الحقوقِ الواجبةِ عليك»، فيأتي حقُّ الناس الذين تتّصلُ حياتك بحياتهم، ومسؤوليتك بمسؤوليتهم. «وأوجَبُها عليك حقوقُ أئمّتِك» الأئمّة الذين فرض الله عليك طاعتهم، وفي خطّ الأئمّة، العلماء الذين يتميّزون بالاجتهاد والعدالة، ممّا فرض الله عليك إطاعتهم في خطِّ طاعة الله.

«ثمّ حقوقُ رَعيّتِك»، إذا كنت مسؤولاً عن الناس في موقعٍ عامّ أو خاصّ، وسواء في الموقع العالي من الدرجة الكبرى في خطّ المسؤولية أو أدناه.

 «ثمّ حقوقُ رَحِمِك». فإرضاؤك لهم حقٌّ عليك وواجبٌ يتعلّق بصلة الأرحام.

حقوق متشعّبة

«فَهذِهِ حقوقٌ يَتشعّبُ منها حقوقٌ: فَحقوقُ أئمّتِك ثلاثةٌ: أوجَبُها عليك حقُّ سَائسِك بالسُّلطانِ ـ أي الراعي لك من خلال السلطة ـ ثمّ سَائسِك بالعِلمِ ـ السائس الذي يعلّمك، لأنّ الجاهل رَعِيّةُ العَالِمِ، وليس رَعِيّة السلطة، فهم رَعِيّة العِلم يعيشون تحت المسؤولية العلمية. وحقُّ رَعِيّتك بالمُلكِ»، من خلال التعاقد بين الأزواج وما ملكت الأيمان لِمَا كان في السابق والآن، كالعمّال الذين يملك المسؤول عملهم.

«وحقوقُ رَحِمِك كثيرةٌ مُتّصلةٌ بقَدرِ اتّصالِ الرَّحِمِ في القرابةِ، فأوجَبُها عليك حقُّ أُمِّك، ثمّ حقُّ أبيك، ثمّ حقُّ وَلَدِك، ثمّ حقُّ أخيك ثمّ الأقربُ فالأقربُ» من العمّ والخال، «والأوّلُ فالأوّلُ، ثمّ حقُّ مَولاك المُنعِمِ عليك ـ من أنعُم عليك بنِعَمه ـ ثمّ حقُّ مَولاك الجَاريةُ نِعمتُك عليه، ثمّ حقُّ ذي المعروفِ لديك، ثمّ حقُّ مُؤذِّنُك بالصلاةِ ـ وهو يملك حقّاً على كلّ المصلّين والمؤمنين ـ ثمّ حقُّ إمامِك في صلاتِك، ثمّ حقُّ جَليسِك ـ مَن تجالسه وتحادثه وتحاوره ـ ثمّ حقُّ جارِك، ثمّ حقُّ صاحِبك ـ الذي تصاحبه في ذهابك وإيابك ـ ثمّ حقُّ شريكِك ـ الذي تشاركه في المعاملات التجارية والمالية ـ ثمّ حقُّ مالِك ـ الذي إن ملكته صار إنفاقه واجباً في ما أمر الله من موارد الإنفاق ـ ثمّ حقُّ غَرِيمِك الذي تُطالِبُهُ ـ وله دينٌ عليك ـ ثمّ حقُّ خَصمِك المُدَّعي عليك، ثمّ حقُّ خَصمِك الذي تَدّعِي عليه»، فلا تمارس كلّ سلطتك ومزاجك في ما لك من حقّ.

«ثمّ حقُّ مُستَشيرِك ـ الذي يطلبُ منك المشورة في الرأي الذي يُمكنك أن تبدي رأيك فيه ـ ثمّ حقُّ المُشيرِ عليك ـ وهو الذي يرشدُك ويشير عليك بالرأي ـ ثمّ حقُّ مُستَنصحِك ـ وهو الشخص الذي يطلب منك النصيحة في الله ـ ثمّ حقُّ الناصحِ لك، ثمّ حقُّ مَن هو أكبرُ منك ـ وهو حقّ إنساني اجتماعي، حقُّ الكبير على الصغير ـ ثمّ حقُّ مَن هو أصغرُ منك - وهو ما يعني حقُّ الصغير على الكبير ـ ثمّ حقُّ سَائلِك ـ الذي يوجِّه السؤال إليك ليتعرّف الجواب منك ـ ثمّ حقُّ مَن سألتَهُ، ثمّ حقُّ مَن جَرى لك على يَدَيهِ مَساءَةٌ بقول أو فِعل أو مَسَرَّة بذلك بقول أو فِعل عن تَعَمُّد منه أو غيرِ تَعَمُّد منه، ثمّ حقُّ أهلِ مِلّتِك حقّ المسلمين عليك ـ ثمّ حقُّ أهلِ الذمّةِ ـ من غير المسلمين عليك، والذين بينك وبينهم عهدٌ وعقدٌ ـ ثمّ الحقوقُ الجَارِيَةُ بقدرِ عِلل الأحوالِ وتَصرُّفِ الأسباب».

«فطُوبى لِمَن أعانَهُ اللهُ على قضاءِ ما أوجبَ عليه من حقوقِهِ ووَفّقهُ وسَدّدَهُ»، لأنّه يكون قد عاش الحياة وقد أدَّى لكلِّ ذي حقّ حقّه، وقدم على الله سبحانه وتعالى مطيعاً له، ملتزماً بأوامره ونواهيه.

حثّ قائد الثورة الاسلامية آية الله السيد علي خامنئي على المشاركة في الانتخابات المقبلة وعدّها بالفرصة المهمة بالمعنى الحقيقي للكلمة مشددا على عدم ثني الناس عن المشاركة فيها.

وقال قائد الثورة، في كلمته التي بثتها المحطات الرسمية اليوم الاحد بمناسبة يومي المعلم والعامل، منوها الى المكانة الرفيعة التي تبوأتها هاتان الشريحتان في البلاد ودورهما البارز في تقدمها.

وفي سياق آخر أشار الى الانتخابات الرئاسية المقبلة، مؤكدا إنه لاينبغي تخريبها عبر إطلاق وعود مخادعة دون توثيق وأقوال باطلة.

وحذر سماحته من محاولات تشويه الصورة الناصعة للانتخابات وسمعة المسؤولين المعنيين.

ووصف قائد الثورة قوة القدس التابعة للحرس الثوري بمثابة العنصر الرئيسي للحؤول دون الدبلوماسية المنفعلة السلبية في منطقة غرب آسيا.

واشاد بقوة القدس وانجازاتها عادًاً أنها حققت السياسة المستقلة والسيادة المشرفة للجمهورية الاسلامية الايرانية في غرب آسيا.

وتابع: إن الاميركيين منزعجون من نتائج نفوذ ايران المعنوي وحلفائها وقوة القدس وقائدها الشهيد قاسم سليماني في المنطقة؛ وقد هددوه مرارا بالاغتيال، فيما كان رده: "انكم تهددوني بأمر لطالما بحثت عنه".

واردف سماحته : ان الغربيين يصرون على أن تكون سياساتنا تتسم بالرضوخ لهم؛ حيث كانت ايران خلال عهدي القاجار والبهلوي تابعة لهيمنتهم، وحاولوا الاستيلاء على مقدرات البلاد خلال العقود الاربعة الماضية ايضا، لذلك نلمس شعورهم بالاستياء إذا ما ارادت الجمهورية الإسلامية الايرانية بناء علاقات سياسية واقتصادية جيدة مع الصين او روسيا.

ونوه الى ان مسؤولين رفيعي المستوى في بلدان جوار ارادوا زيارة إيران لکنهم واجهوا منع الأميركيين؛ مبينا انهم يعارضون جميع نشاطاتنا الدبلوماسية، لذلك يقتضي التحرك باستقلال وعزة وبذل المزيد من الجهود في هذا السياق.

وانتقد التصريحات التي أطلقها بعض المسؤولين في البلاد مؤخرا والتي بثت عبر وسائل اعلام مناهضة للجمهورية الاسلامية ووصفها بمثابة تكرار للتصريحات المناوئة التي يطلقها الاميركيون والأعداء.

واكد قائد الثورة الاسلامية، ان السياسة الخارجية في جميع بلدان العالم يتم تحديدها من قبل الجهات العليا وليس وزارة الخارجية؛ منوها في الوقت نفسه ان هذه الوزارة تساهم في صنع القرارات لكنها ليست صانعة القرار الرئيسي لكنها تضطلع بمهمة التنفيذ.

وفي سياق آخر شدد على ضرورة حماية الإنتاج المحلي باعتباره أفضل أداة وأكثرها نجاحا لافشال الحظر الجائر.

وعدّ سماحته حماية الانتاج الوطني رهن بتوفير الدعم للعمال؛ لانها كفيلة بتحقيق الثروة الوطنية وبالتالي تمهد للدفاع عن كرامة ايران واستقلالها وتعزيز اقتدارها. 

 د. محمّد عبداللطيف الحسني

للرأي مقام متميز في الإسلام بعامّة وفي الحضارة العربية الإسلامية بخاصّة، فإذا استخدمت النُّظم السياسية والفكرية قبل الإسلام شتّى السبل لمصادرة الرأي في المجتمع الإنساني كما كان شأن القياصرة والأكاسرة والأباطرة السابقين حتى صار في الأعم الأغلب إبداءُ الرأي جريمة ولاسيّما أمام الملوك والحكّام فإنّ الإسلام بنصوصه الآمرة جاء حرباً على الدكتاتورية والإرهاب، سواءٌ في ذلك إرهاب الدولة أو إرهاب غيرها، ولاسيّما إرهاب الدولة، فجعل نظام الحكمة مبنياً على الشورى ومُناطاً بالعدل، بما يحقّق المصلحة للناس ويجلب الرحمة لهم والمنفعة العامّة إذ المقصد العام من التشريع هو: جلب المصالح للناس ودفع الضرر عنهم، وذلك لا يكون أبداً عن طريق مصادرة آراء الناس وإلغائهم وعدم الاعتراف بهم إلّا بما يحقّق مصالح الحاكم وحده أو مَن حوله، فالشريعة عدل كلّها، ورحمة كلّها، ومصلحة كلّها، فكلّ قضية خرجت عن العدل والرحمة والمصلحة فليست من الشريعة ولو أُدخلت إليها بالتأويل. من هذا المنطلق الواضح نتعرّف على حقيقة الحرّية ومفهومها العام والفلسفي ثمّ على معالم الحرّية في الإسلام حتى نصل إلى ضوابط الحرّية، ولعلي وُفِقت بضبط الحرّية بضوابطها التي تتبعتها في مكانها بالاستقراء.

إنّ حرّية التعبير عن الرأي في الإسلام يعود إلى معرفة مكانة الإنسان في الإسلام، ثمّ معرفة الحوار وضوابطه عن طريق احترام الإنسان الآخر الذي نتعامل معه كائناً مَن كان فلابدّ من الاعتراف به أوّلاً، ثمّ صيانته لنصل إلى حرّية التعبير عن الدِّين والدعوة إليه وهو المقصود من هذا كلّه، إذ لم يكتف الإسلام بأن يجعل الناس أحراراً في التعبير عمّا يدينون به من شرائع وأديان بل أباح لهم الدعوة إلى ما يرونه دِيناً بالإقناع فقط دون أي ضغط مادّي أو أدبي على الناس المدعوين لهذه الأفكار.

- مفهوم الحرّية:

قرّر الإسلام الحرّية للإنسان وجعلها حقّاً من حقوقه واتّخذ منها دعامة لجميع ما سنّه للناس من عقيدة وعبادة ونُظم وتشريع، وتوسع الإسلام في إقرارها ولم يقيد حرّية أحد إلّا فيما فيه مصالح الناس المعتبرة واحترام الآخرين بعدم التدخل في شؤونهم وإلحاق الضرر بهم، لا في أعراضهم ولا في أموالهم ولا في أخلاقهم ولا في أديانهم ومقدّساتهم وغير ذلك.

فالحرّية في الإسلام لا تعني الفوضى وارتكاب الموبقات والمنكرات واستباحة محارم الله والانغماس في الشهوات المحرَّمة، فالحرّية التي تبيح هذه المحظورات هي فوضى، وتصوّر خاطئ للحرّية، وقد صحح الإسلام هذا التصوّر الخاطئ وقرّر حرّية الناس منذ ولادتهم، وأنّه لا يجوز استعبادهم كما لا يجوز تقييد حرّياتهم، وكلُّ حقٍّ لهم يقابله واجب عليهم، ليكون هناك توازن في الحياة، ولذلك قال الرسول (ص) فيما رواه سيدنا النعمان بن بشير، قال سمعت رسول الله (ص) يقول: «مَثلُ القائم على حدود الله والواقع فيها، كمثل قوم استهموا على سفينة فأصاب بعضهم أعلاها وأصاب بعضهم أسفلها، فكان الذين في أسفلها إذا استقوا من الماء مروا على مَن فوقهم، فقالوا: لو أنا خرقنا في نصيبنا خرقاً ولم نؤذِ من فوقنا، فإن يتركوهم وما أرادوا هلكوا جميعاً وإن أخذوا على أيديهم نجوا جميعاً».

وهكذا حياة الناس على سطح الأرض كركّاب السفينة تحمل هذه الأرض البارّ والفاجر، والصالح والطالح والمُحسن والمُسيء كالذين يسيئون إلى الآخرين بمن فيهم أنبياء الله ورُسُله يضعونهم فيما لا يليق بمقامهم الذي يستحق الاحترام والتقدير، فإن تُرِك هؤلاء المسيئون يفعلون ما يحلو لهم وما يشاءون دون الأخذ على أيديهم وكفها عن اقتراف الموبقات والآثام هلك الناس جميعهم نتيجة لاختلال التوازن في مطالب الحياة، وإن أخذ بأيديهم نجوا ونجا الناس جميعاً وعاشوا حياة طيِّبة، هذا هو توجيه الإسلام للحرّية، أرشدنا إليه رسول الله (ص) نبيّ الرحمة.

ومفهوم الحرّية من المنظور الإسلامي يتحقّق من خلال الحقوق والواجبات باعتبارهما وجهين لحقيقة واحدة لأنّ الحقوق من دون أن تقيّد بالواجبات سيصبح الفرد فيها غير مرتبط بالآخرين وقد يعرف حقوقه ولا يعرف حقوق الآخرين عليه وبذلك يصبح انفرادياً في تعامله قاصراً عن أداء واجباته، فإذا كانت الحرّية من منطلق الحقوق فقط دون الواجبات كان عدم التوازن في الحياة.

وقد حرص الإسلام على تطبيق مبدأ الحرّية في هذه الحدود وبهذه المناهج في مختلف شؤون الحياة، وأخذ به في جميع القضايا التي تقتضي كرامة الفرد في شؤونها وهي المناحي المدنية والدينية ومناحي التفكير والتعبير، ومناحي السياسة والحكم حتى وصل إلى شأن رفيع لم تصل إلى مثله شريعة أُخرى من شرائع العالم قديمه وحديثه.

فالإسلام يقرّر أنّ إنسانية الإنسان هي رهن حرّيته إذ لا يمكن أن تتحقّق إنسانيته بدون حرّيته؛ فإن تحكم الآخرين عليه باستعباده بغير صورة شرعية وتدخلهم في شؤون حياته فيه إلغاء لحقوقه، فهو من منطلق هذا يعيش حياته آمناً على نفسه وأهله ولا يخشى عدوان حاكم ولا بطش ظالم.

وقد يظنّ البعض أنّه مادامت الحرّية مكفولةً وحقّاً مقرّراً شرعاً أباح لنفسه كلّ شيء، وإن كان ذلك على حساب الآخرين، وهذه هي الفوضى التي تقضي على أمن المجتمع واستقراره وسلامته.

إنّ الله سبحانه وتعالى كرَّم الإنسان بحيث سَخَّر له ما في السموات والأرض جميعاً منه، وجعله خليفة عنه وزوَّده بالقوى والمواهب ليسود الأرض وليصل إلى أقصى ما قدَّر له من كمال مادّي وارتقاء روحي.

ولا يمكن أن يحقّق الإنسان أهدافه ويبلغ مراميه إلّا إذا توفّرت له جميع عناصر النمو وأخذ حقوقه كاملة في الحياة وفي التملك وفي صيانة العرض وفي الحرّية وفي المساواة وفي التعلّم. وهذه الحقوق واجبة للإنسان من حيث هو إنسان بقطع النظر عن لونه أو دينه أو جنسه أو وطنه أو مركزه الاجتماعي.

قال تعالى: (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً) (الإسراء/ 70).

وقال (ص): «يا أيّها الناس إنّ دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكـم حرام...».

وهكذا كرَّم الله الإنسان بهذه الحرّية من خلال هذه الحقوق؛ فمنحه حرّية الاعتقاد حيث قال الله تعالى: (لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىَ لاَ انفِصَامَ لَهَا وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) (البقرة/ 256).

وقال تعالى: (وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِن يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاء كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءتْ مُرْتَفَقًا) (الكهف/ 29).

فالاعتقاد الصحيح نابع عن الاقتناع الكامل والتصديق الثابت، فلا قيمة لعقيدة تأتي بالقهر والتسلط؛ فحين تزول أسباب القهر تزول العقيدة. ولذا حينما سأل هرقلُ ملكُ الروم أبا سفيان عن المسلمين: أيرتد أحد منهم سخطاً على دينه؟ قال: لا. فقال هرقل: هكذا الإيمان حين تخالط بشاشته القلوب.

فالإسلام يتيح الفرصة المتكافئة للناس كي ينظروا ويختاروا، فلا يجبرهم على شيء لا يرغبونه... ولم يحدث في تاريخ الإسلام أن أكره أحدٌ أحداً أو أجبر قومٌ قوماً على اعتناق الدِّين.

- المفهوم الفلسفي للحرّية:

الحرّية هي الخلوص من الشوائب أو من الرق أو من اللؤم؛ فإذا أطلقت على الخلوص من الشوائب دلّت على صفة مادّية، يُقال: ذَهَبٌ حُرٌّ، لا نحاس فيه. وإذا أطلقت على الخلوص من الرق دلّت على صفة اجتماعية، يُقال: رجلٌ حرٌّ أي طليق من كلِّ قيد سياسي أو اجتماعي.

وعلى ذلك فالحرّية تكون على ثلاثة معانٍ:

1- المعنى العام: الحرّية خاصّة الموجود الخالصة من القيود العامل بإرادته أو طبيعته، من قبيل ذلك قولهم تظهر حرّية الجسم الساقط في هبوطه إلى مركز الأرض وفقاً لطبيعته بسرعة متناسبة مع الزمان إلّا إذا صادف في طريقه عائقاً يمنع سقوطه.

2- المعنى السياسي والاجتماعي: الحرّية بهذا المعنى قسمان:

أ‌- الحرية النسبية وهي الخلوص من القسر أو الإكراه الاجتماعي، والحرّ هو الذي يأتمر بما أمر به القانون ويمتنع عما نهى عنه، من قبيل ذلك ما جاء في المادة (11) من إعلان حقوق الإنسان في فرنسا لسنة 1789م: «إنّ حرّية الإعراب عن الفكر والرأي أثمن حقوق الإنسان، ولكلّ مواطن الحقّ في حرّية الكلام والكتابة والنشر، على أن يكون مسؤولاً عن عمله في الحدود التي يعيّنها القانون».

ومن قبيل ذلك أيضاً ما جاء في المادة (29) من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان: «يخضع الفرد في ممارسة حقوقه وحرّياته للقيود التي يعيّنها القانون»، والغرض من التقيّد بالقانون ضمان الاعتراف بحقوق الغير واحترام حرّياته وتحقيق ما يقتضيه النظام العام من شروط عادلة.

والحرّيات السياسية هي الحقوق المعترف بها في الدولة: كحرّية الفكر والرأي والضمير والدِّين والتعبير... إلخ.

ب‌- وأمّا الحرّية المطلقة، فهي حقّ الفرد في الاستقلال عن الجماعة التي انخرط في سلكها متى شاء وليس المقصود من هذه الحرّية حصول الاستقلال بالفعل، بل المراد الإقرار بهذا الاستقلال واستحسانه وتقديره واعتباره قيمة خلقية مطلقة.

- المعنى النفسي والخلقي:

أ‌- الفاعل الحرّ هو الذي يقيّد نفسه بعقله وإرادته ويعرف كيف يستعمل ما لديه من طاقة وكيف يتنبأ بالنتائج وكيف يقرنها بعضها ببعض أو يحكم عليها، فحرّيته ليست مجرّدة من كلّ قيد ولا هي غير متناهية، بل هي تابعة لشروط متغيّرة توجب تحديدها وتخصيصها وتسمى هذه الحرّية بـ(الحرّية الأدبية أو الخلقية).

ب‌- حالة مثالية لا يتصف بها إلّا مَن جعل أفعاله صادرة عمّا في طبيعته من معانٍ سامية.

ج‌- القدرة على الاختيار من غير مرجِّح.

- من معالم الحرّية في الإسلام:

أوّلاً - معالم حرّية الفكر في الإسلام:

التفكير طبيعة الإنسان التي فطره الله عليها. وهذه الطبيعة لم يغمطها الإسلام حقّها ولم يبح كبتها، بل حث عليها وطالب المسلمين بالإيمان بالله عن طريق التفكير لا عن طريق تعطيل هذا التفكير وإلغائه، فقال تعالى: (وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ) (آل عمران/ 191).

فالإسلام يدعو إلى احتكاك الآراء وسعة الاطّلاع وتنوّع الثقافات، واعتبرها إرثاً إنسانياً مشتركاً بين الأُمم، وهذا ما جعل العرب في العصور الإسلامية الزاهرة يَقْبَسون من علوم الأُمم السالفة والمعاصرة وثقافاتها المتنوّعة ما يجدونه نافعاً وصالحاً لبناء أُمّتهم.

وأكبر شاهد على حرّية الفكر في الإسلام مبدأ الشورى الذي أمر به القرآن الكريم بقوله: (وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ) (الشورى/ 38).

فإنّ الإسلام منح المسلمين حرّية الفكر في جميع المعقولات، بل وأوجب على المسلم التفكير فيما ينفع نفسه وينفع غيره وفيما يقيه الضرّر والأذى، قالَ رسولُ اللهِ (ص): «الكلمةُ الحكمةُ ضالَّةُ المؤمنِ فحيثُ وَجَدَها فهو أحقُّ بها».

ثانياً - معالم حرّية التعبير في الإسلام:

حرّية الكلام والتعبير حقّ فطري، لأنّ التعبير عما في الضمير فطرة فُطِرَ عليها الإنسان يعسر، بل يتعذر إمساكه عنها، فكان الأصل أنّ لكلّ إنسان أن يقول ويحاور ويناقش ولا يمسكه عن ذلك إلّا وازع الدِّين بأن لا يقول لغواً أو ينطق باطلاً.

وفي الحديث: «قالَ أَلا أُخْبِرُكَ بِمَلاكِ ذلك كُلِّهِ؟»، قُلتُ: بلى؛ يا نبيَّ اللهِ. فأخذَ؛ بلسانِهِ فقالَ: «كُفَّ عليك هذا». فقُلتُ: يا نبيّ اللهِ؛ وإنّا لَمؤاخَذُون بما نتكلّمُ بهِ؟! فقالَ: «ثَكِلَتكَ أُمُّكَ َا مُعَاذُ؛ وهل يَكُبُّ الناسَ في النّارِ على وُجُوهِهم أو على مَنَاخرِهم إلّا حصائِدُ ألسنَتِهم».

والأصل في حرّية القول هو الصِّدق في الإخبار، وتتبّع الحقّ واتّباعه؛ قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللهَ وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ) (التوبة/ 119).

- ضوابط الحرّية:

إنّ الحرّية بلا قيود ولا ضوابط عقلية وخُلقية ودينية لا يصلح بها أمر الإنسان والمجتمعات أبداً، فالحكمة تقتضي أنّ لكلِّ شيء حدوداً وقواعد إذا غابت يُضحي وجود الحرّية عبثاً، فهي إن تُركت سائبة بلا حدود فغايتها الضلال والسقوط في الهاوية، وأمامنا الأُمم السابقة أدلة واضحة على ذلك. هذا؛ وإنّ الإسلام أحكم قواعد الحرّية للإنسان أفراداً ومجتمعات، بأن جعل إطاراً معقولاً وصحيحاً لحرّية الفكر وحرّية القول، وحرّية العمل، هو (عدم الإضرار بالنفس وعدم الإضرار بالآخرين)، حتى إنّ الإسراف في الأكل والشرب يحرم لأنّه إضرار بالنفس. وقد أمر رسول الله (ص) بعدم الضرر، فالقاعدة الشرعية: (لا ضرر ولا ضِرار)، فلا يسوغ لأصحاب المذاهب الفكرية والكلامية القول بالحرّية المطلقة ممّا يؤدِّي إلى الإضرار والتضييق على حرّيات الآخرين، هذا بالإضافة إلى الآفات والعيوب الاجتماعية في بلاد الحرّية التي تدّعي الحرّية المطلقة ولا تعرف حدوداً ولا قيوداً ضرورية لحياة المجتمعات الإنسانية. الإسلام واسع سهل، يحمل في طياته خطاباً شاملاً مستوعباً، وهو لا يريد الإكراه، للقاعدة المعروفة: (القسر لا يدوم)، وإنّما يسعى إلى إعطاء الحرّية لكلّ إنسان فيما يعمل بحسب معتقده، ويحاوره، قال سبحانه وتعالى: (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) (النحل/ 12).

يقول جولدتسيهر: «سار الإسلام لكي يصبح قوّة عالمية على سياسة بارعة، ففي العصور الأولى لم يكن اعتناقه أمراً محتَّماً، فإنّ المؤمنين بمذاهب التوحيد أو الذين يستمدون شرائعهم من كُتُب منزلة كاليهود والنصارى والزرادشتية كان في وسعهم متى دفعوا ضريبة الرأس (الجزية) أن يتمتعوا بحرّية الشعائر وحماية الدولة الإسلامية.. بل لقد ذهب الإسلام في هذه السياسة إلى حدود بعيدة، ففي الهند - مثلاً- كانت الشعائر القديمة تُقام في الهياكل والمعابد في ظل الحكم الإسلامي». وهكذا ترى مبادئ الإسلام وتعاليمه في الوقت الذي تربّي الإنسان المسلم على التزام دين الله وتوحيده، توجهه إلى أن يحترم الإنسان أخاه بما هو إنسان مهما كان دينه أو مذهبه.

- التعبير عن الرأي في الإسلام:

كلُّ منصف من العقلاء والمفكرين والباحثين عن الحقيقة المجرّدة يرى تنوّعاً شاملاً لكلّ حقائق الحياة، وهذا التنوّع الشامل والمستوعب لجميع الأشياء لازمه ملازمة تامّة كاملة تنوّعٌ في الوظائف الداخلية والأشكال الخارجية، وهكذا فكلّما أبعد المرء في تفكيره، وأمعن النظر دلته حقائق الكون الكبرى على أنّ هذا التنوّع هو ظاهرة كونية شملت أدق دقائق عالم الطبيعة وجميع عناصرها بشتّى تجلياتها، كما أنّ هذا التنوّع لم يحدث بالمصادفة قط، وإنّما هو صنع الله مبدع السماوات والأرض عالم الغيب والشهادة الذي أتقن كلّ شيء خلقه، وأحسن صنعه وأتمّه؛ وقد دلّت النصوص من الكتاب والسنة المطهرة على أنّ هذا التلوّن والتنوّع في كلّ شيء إنّما هو من مظاهر الخلق الكبرى، ومن مظاهر الإعجاز والإبداع في الخلق، ممّا يعني - من جملة ما يعنيه - أنّ عظمة الله سبحانه وتعالى لا تتجلى في مجرد إيجاد الأشياء من العدم فحسب، بل بخلقها وإيجادها على هذه الشاكلة العجيبة الغريبة في صنعها وتنوّعها واختلافها.

وهذا التنوّع ينقل إلى تنوّع من نوع آخر، هو ذلك التنوّع في ميول البشر واعتقاداتهم وآرائهم ونزعاتهم؛ تنوّع في الأذواق والعادات وأنماط العيش، ممّا يتصل بالثقافة بمفهومها العام، وتنوّع آخر يتعلق بقناعات وتوجهات في حياة الإنسان من حيث النظام السياسي والاجتماعي الفكري والثقافي والعلمي حيث بنو آدم مختلفون يحيون حياةً ميزتها التنوّع.

نعم، حصل في بعض الأديان كالمسيحية واليهودية، وفي الفلسفات الأُخرى كالمجوسية والبوذية والكونفوشيوسية والهندوسية، أنّها كانت تحاول نفي الآخر، وإثبات الذات، وصهر المجتمعات في بوتقتها... لكنّ رحمة الإسلام تعمّ الجميع بقوله تعالى: (لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ) (البقرة/ 256). والناس جميعاً ليسوا عرضةً للإكراه على اعتناق الإسلام، مما يعني أنّ الإسلام دينٌ يستوعب مبدأ التنوّع في العقائد دون أن يكون لهذا التنوّع أي مساس بالحقوق والواجبات الإنسانية، بل هذه الحقوق مكفولة بتكريم بني آدم، حيث قال تعالى: (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنْ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً) (الإسراء/ 70)، ما لم يكن هناك خلل أخلاقي أو رادع ديني (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا) (الحجرات/ 13). وإنّ حرّية التعبير من أعظم الحرّيات التي كفلها الإسلام للإنسان وهي من نِعَم الله تعالى عليه حيث جعله بهذه النِّعمة مُعبّراً عن نفسه مبيّناً عمّا يدور في فكره وخلده، ومنحه القدرة العقلية على تصوّر ما يدور حوله، ثمّ الحكم عليه بما يصل له من خبراته وتجاربه يقول الله عزّوجلّ تأكيداً على ذلك: (الرَّحْمَنُ * عَلَّمَ الْقُرْآنَ * خَلَقَ الإِنسَانَ * عَلَّمَهُ الْبَيَانَ) (الرحمن/ 1–4). فالله جلّ جلاله خلق الإنسان وأكرمه وأنعمه بنِعمة العقل والإدراك وعلَّمه البيان ليُعْمل عقله ويفصح عمّا يدور في عقله بحرّية مبنية على احترام الحقّ الفطري واستخدام نِعمة الإدراك والبيان، ودعوة إلى تحقيق التعاون على البرّ والتقوى، والتطلّع إلى تكوين المجتمع المسلم الذي يقوم على المشاركة الإيجابية في تحقيق الإخاء والمساواة والأمن والعدل. ومن الأدلة التي تدل على وجوب حرّية التعبير قوله تعالى: (كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُم مِّنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ) (آل عمران/ 11)، فإنّ الأمر والنهي لا يكونان إلّا من خلال التعبير. وممّا يدلنا على حرّية التعبير أيضاً قوله (ص): «مَن رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان». وهذا كلّه يدل على أنّ حرّية التعبير من حقوق الإنسان، وحقوق الإنسان جزء من الدِّين شرعها الله وبينها الرسول (ص) في سنّته المشرفة وسيرته العطرة.

- الحوار وضوابطه:

فقه الحوار هو من أبرز ما يتميّز به ديننا الإسلامي العظيم يدلُّ عليه قوله تعالى في التنزيل: (وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلالٍ مُّبِينٍ) (سبأ/ 24).

فقد خاطب القرآن العظيم غير المسلمين بأدب الحوار وفقهه، فافترض الهدى والضلال في كلّ من الفريقين، المؤمنين وغير المؤمنين، فما بالك إذا خاطب المسلم مسلماً مثله؟! يدين بدينه؟! ويصلي إلى قبلته؟! ويؤمن بنبيّه؟! كيف يكون أدب الحوار وفقهه بين المسلمين بعضهم مع بعض إذا كان الأمر كذلك مع غير المسلمين؟!.

أما ضوابط فقه الحوار، فهي:

الضابط الأوّل: التوسط والاعتدال في كلّ شيء، فالمبالغات والتزيُّدات والإفراط والتفريط ليست من التوسط في شيء، قال تعالى: (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا) (البقرة/ 143)، أي عدولاً، فنحن أُمّة الوسط الأعدل، ديننا وسط وشريعتنا وسط، فيجب أن يكون خِطابنا وسطاً معتدلاً، حتى نحقّق به الغاية دون إفراطٍ أو تفريطٍ، دون زيادةٍ أو نقصٍ مع الالتزام بجوهر العلم ولبابه، فنبتعد عن الخلاف اللفظي، وعن الخلاف في القشور والبحث عن الأُمور الجانبية، وكذلك نبتعد عن الأمور التاريخية ومحاكمة التاريخ لأنّ التاريخ أمر انقضى، وآفة الرواية نقلها، وما آفة الأخبار إلّا رواتها، فلا نقبل من الأخبار إلّا ما ثبت لدينا بمنهج المحدِّثين لا بمنهج المؤرخين، مع الاعتماد على المقاصد العامّة وحكمة التشريع وعلل الأحكام للوصول إلى جوهر العلم.

الضابط الثاني: الالتزام بالمنهج العلمي وأُصول البحث والموضوعية والتجرّد عن كلّ ما يخالف عن الموضوعية في العلم، للوصول إلى الحقيقة المجرّدة، فإنّ المطلوب هو الوصول إلى الحقيقة المجرّدة أينما كانت وحيثما وجدت، ولا ننحاز لأحد لأنّنا نحبّه ونترك الحقيقة التي مع الآخر لأنّنا لا نحبّه، أو لأنّه مخالف لنا، أو لأنّه على غير ما نحن عليه، فالحكمة ضَالَّة المؤمن أينما وجدها فهو أحق بها، والمنهج العلمي يقتضي الرجوع إلى الأُمَّهات وأُصول العلوم والكُتُب، وأُصول البحث تقتضي الدقّة والتحقيق والتمحيص والمراجعة والصِّدق في النقل والبرهنة الصحيحة على الموضوع المتكلَّم فيه، والذي يدور الحوار حوله.

الضابط الثالث: الالتزام بقواعد المنطق والمناظرة والمسلَّمات العقلية، وهذا العلم قديم، وأوّل مَن قعَّده وضبطه اليونان، وهم الذين أوجدوا المنطق الصوري، ولكنّ علماء المسلمين أخذوا المنطق الصوري وزادوا عليه بعد أن هذّبوه وضبطوه زادوا عليه المنطق المادّي، وهو أرقى من المنطق الصوري، فإن كان المنطق الصوري يعتمد القياس والاستنتاج، فإنّ المنطق المادّي يعتمد الاستقراء والاستنباط، وأُسس علماؤنا ومفكرونا (رحمهم الله) قواعد المناظرة وأُصول الاستدلال، وحضارتنا الإسلامية زاخرة بأمثال هؤلاء المفكرين المسلمين وأساطين المعرفة الذين شهد لهم علماء الغرب فضلاً عن علماء المسلمين، والفضل ما شهدت به الأعداء، والمكتبة الإسلامية حافلة بمئات الكُتُب والأبحاث والدراسات القديمة الأصيلة والحديثة المعاصرة في هذا الميدان، وهذا الضابط مهم جدّاً لأنّه نقطة اتفاق لدى كافة العقلاء من المسلمين وغيرهم من أصحاب الشرائع وغيرهم، وهو معيار المنطق والعقل السليم، والذي لا يمكن إنكاره أو التشكيك فيه.

الضابط الرابع: عدم مخالفة صحيح المنقول وصريح المعقول، بعد أن تبيّن أنّ المنهج في الحوار هو: (إذا نقلت فالصحّة وإن ادعيت فالدليل)، وإذا ثبتت صحّة النقل وصريح الاستدلال، فكيف يمكن إنكارهما أو إنكار أحدهما، بل لابدّ من الأخذ بالصحيح من المنقول، الثابت بالخبر الصادق الذي هو أحد مسالك العقل والعلم، والتسليم بصريح المعقول وهو المسلَّم به أو المستدل عليه بالبرهان القاطع والحجّة الدامغة، وإلّا لكان حوارنا مجرد تسلية، وكلامنا فارغاً لا قيمة له، بل ومضيَّعة للوقت لأنّنا نكون قد فقدنا جوهر الحوار وهو الوصول إلى الحقيقة العلمية.

الضابط الخامس: هو عدم مخالفة ما هو معلوم من الدِّين بالضرورة، فما أصبح من المسلَّمات كالإيمان بالغيب والصلاة والزكاة… لا يجوز النقاش في ثبوته أو عدم ثبوته لأنّه من المعلوم من الدِّين بالضرورة وهذا يدخل ضمن الخلاف الذي لا طائل وراءه، والحوار الجدلي الذي هو لمجرد الحوار، ويدخل تحت هذا الضابط عدم التكفير أو التفسيق بلا دليل قاطع، فلا يجوز أبداً التهاون في هذا الأمر، وإنّ التكفير لأمر عظيم لا ينبغي الخوض في أَوْحَالِه لمجرَّد الظنِّ أو الشبهة أو الوهم، يقول الإمام الغزالي في كتابه: فيصل التفرقة بين الإسلام والزندقة: «... ولكنّي أُعطيك علامةً صحيحةً مطردةً ومنعكسةً لتتخذها مطمح نظرك وترعوي بسببها عن تكفير الفِرَق، وتطويل اللسان على أهل الإسلام، وإن اختلفت طُرقهم ما داموا متمسكين بقول: لا إله إلّا الله محمّد رسول الله، صادقين بها غير مناقضين لها، فأقول: الكفر هو تكذيب الرسول (ص) في شيء ممّا جاء به، والإيمان تصديقه في جميع ما جاء به... فكلّ مكذِّب للرسول فهو كافر، وكلّ كافر فهو مكذِّب للرسول (ص) فهذه هي العلامة المطردة المنعكسة».

وهنالك مَن يتشدّد فيلغي الرخص ولا يفتي بها للناس ولا يأخذ بها، ويلغي مساحة العفو التي شرَّعها الله تعالى، ويتشدّد في الحلال حتى يجعله حراماً؛ بدعوى الزُّهد حتى يظهر الدِّين من كلامه على أنّه دين قديمٌ متخلف لا يصلح لهذا العصر، قال الله تعالى: (قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلا تَتَّبِعُوا أَهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيرًا وَضَلُّوا عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ) (المائدة/ 77)، فإذا حصل هذا التشدّد حصل التنفير من الدِّين بالتطبيق السيِّئ له وجاء العنف فتوّج ذلك كلّه بتاج من الخبال، وما كان الرفق في شيء إلّا زانه وما نزع من شيء إلّا شانه.

ديننا دين الرحمة، دين اللين واللطف: (وَلْيَتَلَطَّفْ) (الكهف/ 19)، (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأمْرِ) (آل عمران/ 159).

الضابط السادس: تحقّق الإخاء الوطني والعربي والإسلامي: إنّ فك العروبة عن الإسلام هو أكبر خطر على هذه الأُمّة، العروبة والإسلام تيار واحد وليسا تيارين أبداً، حتى غير المسلمين مسلمون ثقافة، والمسلمون مسلمون ثقافة وعقيدة؛ فالعروبة مادّة الإسلام والإسلام روحها.

فالوحدة والتوسط هما القاسم المشترك الأعظم في حضارة هذه الأُمّة وتاريخها، ولئن كانت الفُرقة والتنازع والتطرّف الديني سِمَة المدنيات السابقة على الإسلام كمدنية الفرس والرومان والهند وغيرها، وكان شعارَها الحربُ الظالمة بلا سبب إلّا سبباً واحداً هو الاستبداد والاستغلال والاستعباد، فإنّ الحضارة الإسلامية في تاريخها المشرق ما عَرَفت إلّا الوحدة والوسطية منهجاً عاماً وقاسماً مشتركاً أعظم في مراحلها كلّها، من لدن فجر الدعوة الإسلامية المباركة وإلى عهد قريب. والذي أراه أنّ الذي حقّق الوحدة للأُمّة في تاريخها المجيد يوم كانت أُمّةً واحدةً يملأ ذكرها العَطِرُ الوهادَ والنجاد؛ الذي حقّق ذلك هو وسطيتها أي عدالتها، وتوسطها بين جانبي الإفراط والتفريط، وهو قمين أن يحقّق وحدة الأُمّة اليوم وغداً وإلى أن يرث اللهُ الأرضَ ومَن عليها إذا تحقّقت لدينا العبودية الحقُّ لله ربِّ العالمين، فهي الولاية والولاية معاً كما قال جلّ شأنه في التنـزيل: (هُنَالِكَ الوَلاَيَةُ لِلهِ الحَقِّ) (الكهف/ 44).

- احترام الآخر وصيانته:

إنّ حرّية التعبير الحقّ هي التي تحافظ على حقوق الآخرين، وأمّا التصرُّفات التي تصدر دون مراعاة حقوق الآخرين فهي الفوضى التي تؤدي إلى اختلال التوازن في موازين الحياة. واحترام الآخر، واحترام حقوقه لا يتأتى إلّا من حرّية التعبير التي تعتمد مبادئ الأخلاق وآداب الإسلام الذي يعني عدم مصادرة آراء الآخرين وإيذائهم، وإن كانت مخالفة، لكن غير مسيئة للآخرين ومعتقداتهم. وقال رسول الله (ص): «الدِّين النصيحة». قلنا: لمن؟ قال: «لله ولرسوله ولأئمّة المسلمين وعامّتهم». فنصيحة أئمّة المسلمين وعامّة المسلمين هي من حرّية التعبير، وهكذا كانت حياة الرسول (ص) مع أصحابه فيقول لهم في كثير من الأُمور: «أشيروا عليَّ». وكان (ص) أمره شورى بينه وبين أصحابه؛ قال الله تعالى: (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ) (آل عمران/ 159). والله سبحانه وتعالى مدح المؤمنين بسبب الشورى التي بينهم بقوله: (وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ) (الشورى/ 38). هذا؛ وحرّية التعبير التي تحترم الأديان والمقدّسات هي التي تنبني على ضوابط:

1- أن يكون التعبير طيِّباً بعيداً عن الفحش والقبح يقول الله تعالى: (وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ وَهُدُوا إِلَى صِرَاطِ الْحَمِيدِ) (الحجرات/ 24). ويقول جلّ شأنه: (وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً) (الإسراء/ 36).

قال الإمام النووي: «اعلم أنّه ينبغي لكلّ مكلَّف أن يحفظ لسانه عن جميع الكلام إلّا كلاماً ظهرت فيه المصلحة، ومتى استوى الكلام وتركه في المصلحة فالسنة الإمساك عنه؛ لأنّه قد ينجر الكلام المباح إلى حرام أو مكروه، وذلك كثير في العادة».

2- أن يكون التعبير مطابقاً للحقيقة صادقاً متثبتاً فيه، بعيداً عن الظنّ والوهم؛ قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللهَ وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ) (التوبة/ 119)، وقال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ) (الحجرات/ 6). وفي الحديث عن رَسُولِ اللهِ (ص): «كفى بالمرءِ كَذِباً أن يُحدِّثَ بكلِّ ما سَـمِعَ».

3- أن يتحرى التعبير الحقّ والعدل فلا يحابي؛ يقول الله تعالى: (وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُواْ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَبِعَهْدِ اللهِ أَوْفُواْ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) (الأنعام/ 152). إنّ حرّية التعبير التي تنطلق من هذه الضوابط لها ثمار كثيرة، منها:

أوّلاً: أنّها تعمّق الثقة بين أفراد الأُمّة فإنّ الوضوح يقتل الخلاف، والمصارحة تقضي على الدس والوقيعة، والصدق يعمر القلوب بالألفة والمحبّة.

ثانياً: قوّة بناء الأُمّة وتماسكها فإنّ احتكاك الآراء وتعاون الناس يولّد القرب بينهم وتلاقح الأفكار يولّد التنوُّر والتقدّم الحضاري؛ فيتشاورن ويتناصحون، وهذا يزيد من تماسكهم وتضامنهم لأنّ الاحتكاك بين المؤمنين يولّد نوراً ولاريب أنّ اجتماع المواهب وتعاضدها يؤدِّي إلى خير كثير، وهذا بخلاف الخوف والكبت فإنّهما يولّدان التفكك والشكّ والريبة.

ثالثاً: إنّ المرء متى أُعطِي الفرصة لإبداء رأيه في تقرير مصيره والمشاركة في صناعة القرار أدى ذلك إلى رقي في الأُمّة وتقدّمها، فإنّنا نجني من وراء حرّية التعبير الأفكار النيرة والآراء الصائبة، فلا تقدم الأُمّة على أمر إلّا وتكون قد عرفت مصالحه وأدركت منافعه.

- حرّية التعبير عن الدِّين والدعوة إليه:

كلُّ مَن عرف الحقّ في دينه ينشط في دعوة الناس إليه، فقد ورد عنه (ص): «وأيم الله لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خيرٌ لك ممّا طلعت عليه شمس وغربت». ولكنّ دعوة الإسلام ترتكز على الإقناع والمجادلة بالتي هي أحسن، وتجنّب أيّة محاولة لفرض الدِّين عن طريق السطوة أو السلطة. هذا؛ ومن الصحيح والمشروع إقناع الآخرين، ولكنّ البعض يستخدم القوّة والعنف لفرض الذي يؤمن به على الناس، وهذا مردّه الجهل أو روح التسلُّط والظلم، وكم عانت البشرية وتحمّلت من المصائب والمآسي من الحروب والصراعات الدينية الدامية.

والإسلام أعلن موقفه الواضح والصريح من حرّية الاعتقاد واختيار الدِّين، وأرسى القرآن الحكيم مبدأ الحرّية الدينية الفكرية في قوله تعالى: (لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ) (البقرة/ 256). هذا؛ والإسلام يدعو إلى السلام ويعتبر السلم هو الأصل والحرب هي الاستثناء، قال سبحانه وتعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ) (البقرة/ 208). وقال أيضاً: (وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ) (الأنفال/ 61). فالإسلام يأمر بمحاربة مَن لا يزال يقاتل المسلمين ويريد الاعتداء عليهم، وينهى عن موادّة أمثال هؤلاء، أمّا الذين لم يقاتلوا المؤمنين ولم يخرجوهم من ديارهم، فالله سبحانه يأمر ببرهم والإقساط إليهم وإن كانوا كفاراً.

قال الله تعالى: (لا يَنْهَاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) (الممتحنة/ 8). ولذلك فالذي ترجّح لدى جمهور الفقهاء المسلمين أنّ الكفر وحده لا يصلح سبباً للقتل، وإنّما الذي يصلح سبباً للقتل هو الحرابة.►

تحتوي القدمان على العديد من الدلائل على صحة المرء ويمكن أن تشير إلى خطر الإصابة بحالة صحية خطيرة تتعلق بالكبد.

ويمكن أن يتطور الكبد غير الصحي مع تجاهل الأعراض إلى مرض الكبد الدهني، وهي حالة خطيرة يريد الجميع تجنبها.

مرض الكبد الدهني: ثلاثة أعراض تشير إلى تلف الكبد "الدائم"

وقبل أن يتطور المرض، غالبا ما تعطي القدم أدلة وعلامات تشير إلى أن الكبد لا يعمل بشكل صحيح.

وتوجد ثلاث علامات على القدمين تحذر من احتمال تعرض شخص ما لخطر الإصابة بمرض الكبد الدهني، ويوضح الدكتور إريك بيرغ: "إن مظهر القدم يعطي الكثير من المؤشرات على الصحة العامة للشخص لأن القلب يجب أن يرسل الدم على طول الطريق إلى أسفل القدمين والعودة من خلال نظام الأوعية الدموية. وعادة إذا كانت هناك مشكلة في الكبد ستكون هناك مشكلة في الأوعية الدموية. وسيلاحظ الشخص نقاطا حمراء وبنية صغيرة يمكن أن تكون لامعة في أسفل الساق".

وهذه علامة على ضعف الدورة الدموية وعادة ما تكون مشكلة في الكبد.

وأشار الدكتور بيرغ إلى أن الكعب المتشقق هو علامة على نقص فيتامين B3 أو نقص في الأحماض الدهنية أوميغا 3، وإحدى وظائف الكبد هي إنتاج الحيوية ومساعدتك على امتصاص هذه الأحماض الدهنية.

وبالتالي فإن الكعب المتشقق يمكن أن يشير إلى وجود مشكلة في الكبد.

أما العلامة الثالثة فتتمثل في حكة القدم وعادة ما توجد في أسفل القدم. وقال الدكتور بيرغ: "يشير هذا إلى وجود احتياطي للسوائل في الكبد ويمكن أن يشير إلى أن الكبد المبتلع يمكن أن يكون أيضا احتياطيا للصفراء وتراكم الهيستامين ما يحذر من وجود مشكلة في الكبد".

وفي دراسة نشرت في المكتبة الوطنية الأمريكية للطب، التابعة للمعاهد الوطنية للصحة، تم التحقيق في أمراض الكبد المزمنة.

ووجدت الدراسة أن الحكة هي أحد الأعراض التي يعاني منها مرضى أمراض الكبد المزمنة.

وأشارت الدراسة إلى أنه على الرغم من أن الحكة قد لا تكون مرتبطة بشكل مباشر بتوقعات أو نتائج أمراض الكبد، فقد أظهرت مراجعة منهجية حديثة أن الحكة لها تأثير على نوعية الحياة المرتبطة بالصحة في المرضى الذين يعانون من أمراض الكبد الصفراوية.

وأضافت: "الحكة قد تكون مؤشرا لزراعة الكبد حتى في حالة عدم وجود فشل الكبد".

وأشارت الدراسات إلى أن إفراز الصفراء يمكن أن يضعف في مجموعة متنوعة من أمراض الكبد.

وتشير إحدى الدراسات إلى نظرية مفادها أن أمراض الكبد يمكن أن تزيد من مستويات الأملاح الصفراوية، والتي تتجمع بعد ذلك تحت الجلد، مما يؤدي إلى الحكة.

وأفادت أبحاث أخرى أن المستويات غير الطبيعية من البيليروبين تثير الخلايا العصبية الحسية المحيطية.

وقال موقع "ميديكال نيوز توداي" إن هناك نظرية تشير إلى أن المستويات المرتفعة من الهيستامين يمكن أن تسبب الحكة.

وأضاف الموقع الصحي: "تشير إحدى الدراسات إلى وجود مستويات عالية من الهيستامين لدى الأشخاص المصابين بأمراض الكبد الصفراوية. ومع ذلك، لاحظ المؤلفون أنه لا توجد علاقة بين شدة الحكة وتركيز الهيستامين".

 

 علي القطبي

◄(لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لا انْفِصَامَ لَهَا وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) (البقرة/ 256). من الآراء التفسيرية التي أرى من النافع والمفيد طرحها في هذا الموضوع آراء المفسّر والمفكّر الإسلامي الكبير السيِّد محمّد حسين فضل الله (رحمه الله)، فلفضل الله آراء ونظرات في مثل هذه المواضيع تساهم في إغناء البحث وتنوّعه لما له من نظرات واسعة ومتعدّدة في أكثر من مجال من مجالات الدِّين والحياة، وإن كان هناك من خلاف مع السيِّد فضل الله في مجالات أُخرى إلّا أنّ ذلك لا يمنعنا من الاستفادة من علمه الكثير وفكره الواسع، وكذلك أيضاً مناقشته ومباحثته فيما نرى أنفُسنا مختلفين معه حتى وإن كان هذا الخلاف يكون حاداً أحياناً .

يبحث فضل الله هذه الآية الكريمة في تفسيره المعنون (من وحي القرآن) بحثاً تفصيلاً متشعباً وموضوعياً وذاكراً العديد من آراء المفسّرين ورابطاً بين هذه الآية الكريمة وعدّة من الآيات التي تؤدِّي إلى نفس الغرض وبين الآيات التي يرى خلافها، وهذا وارد من خلال مبدأ الناسخ والمنسوخ والمحكم والمتشابه والظاهر والتأويل ويمكن الاستفادة من خلال البحث والنظر فيه لي تعليق واحد على ما ذكره السيِّد فضل الله النقطة التي أتعرض لها في هذا الباب هي التالي:

(وهذا ما قد يتنافى مع المشهور بين العلماء من حكم المرتد بإكراهه على العودة إلى الإسلام أو منعه من الانتقال عنه، فلابدّ من دراسة هذه المسألة بالمقارنة مع هذه الروايات، ولكن لم تثبت لنا صحّتها).

التعليق: أنّ هذه الآيات تتحدّث عن ابتداء الدعوة إلى الإسلام لا بعد رسوخ العقيدة في العقل والقلب، كما إنّ هناك فرق بين يقول المسلم إنّي مرتد عن الدِّين وكافر به وبين أن لا يعمل بأحكامه أو لا يرى أنّ الإسلام هو البرنامج الذي يُطبّق حرفياً في الحياة وإنّ الإسلام يجب أن يكون هو الحاكم في الصغيرة والكبيرة لعدّة أسباب يعتقد بها المرء ويقتنع بها مع عقيدة هذا الإنسان بأنّ الله حقّ وأنّ الدِّين حقّ، وأبني قولي هذا على ما ذهب إليه السيِّد أبو القاسم الخوئي في تفسيره - 19 - والسيِّد محمّد حسين الطباطبائي - 20 - من حرّية الفرد المطلقة واختياره للعقيدة التي يراها.

على أنّ فضل الله يستدل في نهاية بحثه على تقارب وجهات نظره، ولا يختلف مع الراحلين العالمين السيِّد أبي الخوئي والسيِّد محمّد حسين الطباطبائي (رحمهما الله) بالتفسير القائل بأهميّة بل وضرورة احترام رأي المكلف وإعطائه حقّ الاختيار في ما يرى من عقائد ومتبنيات فكرية تتأتى عن درس وبحث فيكتب السيِّد فضل الله شارحاً ومستغرقاً في هذه الآية الكريمة قائلاً :

معاني المفردات

(إِكْرَاهَ) الإكراه: الإجبار والحمل على الفعل من غير رضا.

(الرُّشْدُ): خلاف الغيّ، وهو إصابة وجه الأمر ومحجّة الطريق، ويستعمل استعمال الهداية. يقول صاحب تفسير الميزان: إنّ معنى الرشد والهدى معنيان مختلفان ينطبق أحدهما بعنايةٍ خاصة على مصاديق الآخر... وكذلك القول في الغيّ والضلال .

(بِالطَّاغُوتِ): كلّ متعدّ، وكلّ معبود من دون الله، كالأصنام والشياطين وأئمّة الضلال من الناس، وكلّ متبوع لا يرضى الله سبحانه باتباعه. والطاغوت مبالغة في الطغيان والتجاوز عن الحدّ.

(بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى): العصمة الوثيقة، وهي استعارة تصريحية تمثيلية، فقد شبّه مَن يسلك سبيل الله بمن أخذ بحبل وثيق مأمون لا ينقطع.

(انفِصَامَ): انقطاع، من الفصم وهو الكسر.

مناسبة النزول

جاء في أسباب النزول للواحدي، عن سعيد بن جبير عن ابن عباس، في قوله تعالى: (لاَ إِكْرَاهَ فِى الدِّينِ) قال: كانت المرأة من الأنصار لا يكاد يعيش لها ولد، فتحلف لئن عاش لها ولد لتهوّدنه، فلما أجليت بنو النضير إذا فيهم أناس من الأنصار، فقالت الأنصار: يا رسول الله أبناؤنا، فأنزل الله تعالى: (لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ) قال سعيد بن جبير: فمن شاء لحق بهم، ومَن شاء دخل في الإسلام.

وقال مجاهد: نزلت هذه الآية في رجل من الأنصار كان له غلام أسود يُقال له صبيح، وكان يكرهه على الإسلام. وقال السدي: نزلت في رجل من الأنصار يكنى أبا الحصين، وكان له ابنان، فقدم تجّار الشام إلى المدينة يحملون الزيت، فلما أرادوا الرجوع من المدينة، أتاهم ابنا أبي الحصين فدعوهما إلى النصرانية فتنصرا وخرجا إلى الشام، فأخبر أبو الحصين رسول الله (ص) فقال: اطلبهما، فأنزل الله عزّوجلّ: (لاَ إِكْرَاهَ فِى الدِّينِ) فقال رسول الله (ص): أبعدهما الله هما أوّل من كفر.

وقال مسروق: كان لرجل من الأنصار من بني سالم بن عوف ابنان، فتنصرا قبل أن يبعث النبيّ (ص)، ثمّ قدما المدينة في نفر من النصارى يحملون الطعام، فأتاهما أبوهما فلزمهما وقال: والله لا أدعكما حتى تسلما، فأبيا أن يسلما، فاختصموا إلى النبيّ (ص)، فقال: يا رسول الله أيدخل بعضي النار وأنا أنظر؟ فأنزل الله عزّوجلّ: (لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قد تبيّن الرشد من الغيّ) فخلى سبيلهما.

وعن مجاهد، قال: كان ناس مسترضعين في اليهود، قريظة والنضير، فلما أمر النبيّ (ص) بإجلاء بني النضير، قال أبناؤهم من الأوس الذين كانوا مسترضعين فيهم: لنذهبن معهم ولندينن بدينهم، فمنعهم أهلهم وأرادوا أن يكرهوهم على الإسلام، فنزلت (لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ).

فإذا صحّت هذه الروايات التي اختلفت في مواردها واتفقت في مضمونها، فإنّها تشير إلى أنّ مدلول الآية يوحي بالمنع من إكراه الإنسان الذي انتقل إلى دين آخر، أو كان فيه من خلال البيئة التي عاش فيها، بالرجوع عنه والعودة إلى الإسلام أو الانتقال إليه، انطلاقاً من إرادة الله للإنسان بالالتزام بالإسلام في مرحلة الحدوث أو البقاء من خلال التأكيد على حرّيته في الانتماء الديني.

وهذا ما قد يتنافى مع المشهور بين العلماء من حكم المرتد بإكراهه على العودة إلى الإسلام أو منعه من الانتقال عنه، فلابدّ من دراسة هذه المسألة بالمقارنة مع هذه الروايات، ولكن لم تثبت لنا صحّتها.

(لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ) ـ مدلولها ومغزاها

(لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ) ما الذي تعنيه هذه الكلمة؟ هل تعني نفي الإكراه من خلال إعطاء الإنسان الحرّية في أن يؤمن أو لا يؤمن، على أساس أنّها قضيته الشخصية التي لا تستتبع أيّة مسؤولية، تماماً كما هي قضية أن يأكل الإنسان أو لا يأكل في ما يباح للإنسان أن يفعله أو يتركه، أو أنّها تعني نفي الإكراه من خلال إعطاء فرصة الاختيار للإنسان على أساس تقديم البراهين على ما في الدِّين من الحقّ، وما في الكفر من الباطل، مع التأكيد على أنّ الاختيار المضاد يستتبع المسؤولية بالعقاب في الآخرة، بالنظر إلى وضوح الرؤية في الحقّ الذي يمثّله الدِّين، وفي الباطل الذي يمثّله الكفر، فلا شبهة ولا ريب، لأنّ كلَّ ما يثار من عناصر الريب والشبهة لا يمثل قيمةً كبيرةً في حساب الفكر والوجدان، لضعف الحجج المضادة، وقوّة الأدلة الموافقة، ولعلّ هذا ما يظهر من ختام الآية.

ثمّ يبرز سؤال آخر: هل الفقرة واردة في مورد الإخبار، أو هي واردة في مورد الإنشاء والتشريع؟

ربّما يبدو للبعض الفرض الأوّل، باعتبار أنّ قضية الدِّين تتعلّق بالقناعة الداخلية الفكرية للناس، وهي من الأُمور التي لا تقع تحت طائلة الإكراه، ويرى هذا البعض في قوله تعالى: (قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ)، دليلاً على هذا الفرض، لأنّ معنى هذا ـ في ما يراه ـ هو أنّ هناك ما يدعم حجّة الدِّين من خلال وضوحه في مقابل الكفر، فلا معنى للإكراه على أيّ حال، لأنّ الدعوة إليه تنسجم مع الطبيعة الذاتية لعلاقة الفكر بالقناعة الدينية.

وهناك مَن يرى في هذه الفقرة حكماً شرعياً يدعو النبيّ إلى عدم إكراه الآخرين على الدخول في الدِّين، بل كلّ ما هناك أن يدعوهم إليه بالحجّة والبرهان والحكمة والموعظة الحسنة، فيعرض أمامهم الرشد الواضح في مقابل الغيّ الواضح، ويترك لهم المجال لكي يتحمّلوا مسؤولية مصيرهم في الدُّنيا والآخرة من موقع الإرادة السلبية أو الإيجابية.

ويذكر أصحاب هذا الرأي، أنّ مثل هذه الكلمة قد وردت في أكثر من موقع تشريعي، كما في قوله تعالى: (فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ) (البقرة/ 187) أو في الحديث الشريف: «لا ضرر ولا ضرار»، وغيرهما، فإنّ مفادها هو نفي تشريع مثل هذه الأُمور، ويرون في آية (قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ) أساساً لهذه الفكرة، باعتبار أنّ الاعتماد على البلاغ والدعوة من موقع الوضوح في القضية هو الذي يخدم الدِّين أكثر ممّا يخدمه الإكراه، فإذا كان الله قد خلق الإنسان مختاراً في ما يأخذ وفي ما يدع من موقع التكوين، لأنّه يريد للحياة الإنسانية أن تتحرّك في خطّ الاختيار على أساس المسؤولية، فإنّه يريد لرسالاته من خلال رسله أن لا تفرض على الناس من موقع التشريع، وعلى هذا، فتكون الآية واردة في أسلوب الدعوة من جهة، وفي خطّ مهمّة النبيّ الداعية من جهة أُخرى. ففي الخطّ الأوّل، ينطلق الأسلوب في إطار الوضوح الذي هو سِمة الدِّين الحقّ، وفي الخطّ الثاني، يتحرّك النبيّ الداعية في أجواء الإبلاغ والإقناع وحركة حرّية الفكر... وفي هذا الخطّ، تلتقي الآية، في ما توحيه ، بقوله تعالى: (وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْ) (الغاشية/ 21ـ 22)، وقوله تعالى: (أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ) (يونس/ 99).

وربّما كان هذا الاتجاه في تفسير الآية أقرب إلى هذه الأجواء القرآنية من الاتجاه الأوّل، بل ربّما نستطيع أن نؤكّد ذلك على أساس أنّه لا معنى لسوق الآية مساق الإخبار، لأنّ عدم قابلية الدِّين للإكراه من حيث هو فكر، من الأُمور البديهية التي لا تحتاج إلى المزيد من التوضيح والاهتمام.►

 

يلعب الإعلام دوراً هاماً في إيصال الأخبار والمعلومات لعامّة الناس، بغضّ النظر كانت مؤسسة تجارية أو غير ربحية أو حكومية أو خاصّة، وتتفاوت أنواع الأخبار التي يقدّمها الإعلام بمختلف أنواعه من ترفيه، وتسلية، وأخبار سياسية وتثقيفية وغيرها، ومن المتعارف عليه فإنّ الإعلام يمكن إطلاقه على أي وسيلة يمكن استخدامها لهذا الغرض، سواء كانت تقليدية أو إلكترونية.

يؤدي الإعلام عدداً من الوظائف المناطة به كتمثيل الرأي العام، وتقديم الإعلانات التجارية، ومنح زاوية ترفيهية للمشاهد، كما قد تكون وظيفتها تعليمية أو إرشادية، ومن أهم أنواع وسائل الإعلام المواقع الإلكترونية عبر شبكة الإنترنت، والتلفاز، والمذياع، ومواقع التواصل الاجتماعي بمختلف أنواعها ومسمياتها، والمطبوعات.

من الدلائل التي تشيرُ إلى مدى أهميّة الإعلام، اتساع رقعة وسائل الإعلام وقوانينها وأخلاقيتها، إذ يفرض على ممْتَهني الإعلام والصحافة الانقياد والخضوع لتعليمات وقوانين خاصّة بهذه المهنة تمنعهم من تشويه صورتها والمساس بها، إلّا أنّه في الآونة الأخيرة بات الإعلام سلاحاً ذا حدّين دون أدنى شك، فهو خير لمن أصاب التعامل معها والتفريق بين الواقع والخيال، وشر لمن لم يُجِدْ ذلك.

تأثير الإعلام على المجتمع

انطلاقاً من مدى تأثير الإعلام على الفرد والمجتمع فقد رسمت الحكومات قوانين خاصّة بالإعلام، وأخلاقيات لممارسة هذه المهنة، فيقوم قانون الإعلام بضمان الحماية للمعلومات بمختلف أنواعها، وتأمينها باعتبارها جزءاً لا يتجزأ من الحقوق العامّة والقوانين المدنية والجنائية، أمّا فيما يتعلق بأخلاقيات الإعلام فلها تأثير عميق المفعول على المجتمعات، ففي حال غيابها يمكن للصحافة التلاعب بالأخبار التي قد تثير الشعوب على حكوماتها، وإخفاء الحقائق أو تسريب معلومات يمنع تداولها.

ونظراً لعمق الأثر الذي يتركه الإعلام في مجتمعاته، فقد أطلق عليه اسم (السلطة الرابعة) نظراً لحساسية موقفه ومكانته، ومن الممكن نعت الإعلام بأنّه سلاح ذو حدين بالرغم من جوانبه الإيجابية، إلّا أنّه ذات جانب سلبي أكبر وأخطر على المجتمعات والشعوب، إذ بزغ الأثر السلبي بما تركته هذه الوسائل في اتجاهات الناس وعاداتهم وتقاليدهم، فمنها ما كان إلى الأفضل، ومنها ما كان إلى الأسوأ، وبالرغم من ذلك فإنّ الإعلام الذي يمتاز بالشفافية يُعتبر رمزاً لتحضر المجتمع المنبثق عنه، ومعلماً لتقدّمه بين الشعوب.

لابدّ لنا أن ننوّه إلى أنّ الإعلام بالرغم من سلبياته، فقد كان له الأثر الإيجابي في نشر الدِّين الإسلامي بمختلف وسائل الإعلام، كما أيقظ الناس من غفلتها في بعض الأمور، كحقوق المرأة، وأُمور الدِّين، ومختلف الثقافات التي تهمّ الفرد في حياته من حقوق وواجبات، وأصبح الإنسان بفضل ذلك واعياً متيقظاً لما يدور حوله. 

الأمير محمد بن سلمان كشف عن أن المملكة تجري محادثات مع شركة طاقة أجنبية لبيعها 1% من أسهم شركة أرامكو

قال ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان إن إيران دولة جارة والمملكة تطمح أن تكون لديها علاقة جيدة معها، متمنيا من الحوثيين الجلوس إلى طاولة الحوار لإنهاء الحرب.

وفي لقاء تلفزيوني بث مساء الثلاثاء، أوضح ولي العهد السعودي أن إيران دولة جارة لبلاده وإن ما تسعى له السعودية هو علاقة طيبة ومميزة معها بما يخدم مصالح البلدين، مشيرا إلى أن بلاده تسعى مع شركائها إلى حل ما وصفها بالإشكاليات القائمة مع طهران حول بعض المواضيع.

وأضاف "لا نريد أن يكون وضع إيران صعبا، بالعكس، نريد لإيران أن تنمو وأن يكون لدينا مصالح فيها ولديها مصالح في المملكة العربية السعودية لدفع المنطقة والعالم للنمو والازدهار".

وفي الشأن اليمني، قال ولي العهد السعودي إنه يتمنى قبول الحوثيين وقف إطلاق النار والجلوس إلى طاولة المفاوضات، للتوصل إلى حل يضمن حقوق جميع الأطراف اليمنية ومصالح دول المنطقة.

في سياق آخر، أكد بن سلمان أن المملكة تتفق مع إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن بشأن 90% من الأمور، معتبراً أن الولايات المتحدة شريك إستراتيجي.

من جهة أخرى، كشف ولي العهد السعودي أن المملكة تجري محادثات مع شركة طاقة أجنبية لبيعها 1% من أسهم شركة أرامكو النفطية الضخمة، دون أن يسمي تلك الشركة.

وقال ولي العهد السعودي "هناك الآن نقاش حول الاستحواذ على 1% من قبل إحدى الشركات الريادية في الطاقة في العالم، وهذه ستكون صفقة مهمة جدا لتعزيز مبيعات أرامكو في الدولة الموجودة فيها (الشركة) وهي دولة ضخمة جدا".

ولي العهد السعودي تحدث خلال المقابلة عن نقاشات مع عدة شركات لشراء حصص مختلفة من أرامكو (الفرنسية)

كما تحدّث في المقابلة ذاتها عن نية المملكة، أكبر مصدّر للنفط في العالم، بيع حصص لشركات أخرى وطرح أسهم محليا.

وقال "هناك نقاشات أيضا مع شركات أخرى لشراء حصص مختلفة، وهناك جزء من أسهم أرامكو قد يتحوّل لصندوق الاستثمارات العامة، وجزء يُطرح على شكل طروحات سنوية في السوق السعودية".

وأُدرجت أرامكو في البورصة السعودية في ديسمبر/كانون الأول 2019 بعد أكبر عملية طرح عام أولي في العالم وصلت قيمته إلى 29.4 مليار دولار مقابل بيع 1.7% من أسهمها.

اعلان

وفي مارس/آذار الماضي، أعلنت أرامكو أنها حققت في 2020 أرباحا صافية بلغت 49 مليار دولار، بتراجع نسبته 44.4% عن أرباح العام السابق، بسبب انخفاض أسعار النفط الخام مع تراجع الطلب العالمي بسبب وباء كوفيد-19.

المصدر : الجزيرة + وكالات

بعث قائد الثورة الاسلامية "اية الله السيد علي الخامنئي" رسالتين منفصلتين الى الامين العام لحزب الله لبنان "السيد حسن نصر الله"، و"اسماعيل هنية" رئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة الاسلامية (حماس)؛ معربا عن تقديره وشكره لتعاطفهما برحيل "اللواء محمد حجازي"، متمنيا لهما السلامة والتوفيق.

وافاد الموقع الاعلامي لمكتب قائد الثورة الاسلامية، اليوم الثلاثاء، ان نص رسالة سماحته الى كل من الامين العام لحزب الله، ورئيس المكتب السياسي لحركة حماس، جاء على الشكل التالي : 

بسم الله الرّحمن الرّحیم
اخي العزيز.. حجة الاسلام السيد حسن نصر الله - دامت بركاته
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته 
انني تلقيت رسالة سماحتكم العطوفة والاخوية، لمناسبة رحيل القائد المجاهد "السيد محمد حجازي" رضوان الله عليه؛ شاكرا لكم هذه المشاعر المفعمة بالمحبة.
لقد قضى المرحوم عمره للجهاد في سبيل الله وانتقل الى جوار ربه مجاهدا؛ في عاقبة مباركة تبعث على الاغتباط.
اسال الله ان يمن على فقيدنا برحمته، ويحفظكم في كنف رعايته ويديم بركاته على الاسلام والمسلمين.
انني ادعو لكم دوما وابعث سلامي الى جميع الاخوة في حزب الله 
                                                                                     ************
بسم الله الرّحمن الرّحیم
الاخ المجاهد السيد اسماعيل هنية - دامت بركاته
انني اشكر جنابكم على رسالتكم المفعمة بالمحبة لمناسبة رحيل القائد المجاهد "السيد محمد حجازي"؛ لقد قضى المرحوم عمره للجهاد في سبيل الله وانتقل الى جوار ربه مجاهدا.
نحن نتضامن على الدوام مع اخواننا المجاهدين الفلسطينيين دفاعا عن القضية الفلسطينية، ونقف الى جانبهم في خندق واحد؛ اسال الله القادر الحكيم ان يمن على الشعب الفلسطيني بالنصر ويمدكم بعونه في المضي على هذا النهج المشرف، كما ابعث سلامي الى الاخوة في حماس. 

استقبل رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي، اليوم الاثنين، وزير خارجية الجمهورية الاسلامية الايرانية محمد جواد ظريف والوفد المرافق له.

ورحب السيد الكاظمي في مستهل اللقاء بالوزير الضيف في العراق حيث اجواء شهر رمضان المبارك، كما حمله تحياته الى القيادة الايرانية.

وجرى خلال اللقاء بحث تطور العلاقات الثنائية بين البلدين بالشكل الذي يخدم المصالح المتبادلة، وتعزيز التبادل التجاري بالاتجاهين، كما ناقشا قيام البلدين بالايفاء بالتزاماتهما المالية والتعاقدية.

وجرى خلال اللقاء ايضا بحث تعاون البلدين بشأن مواجهة التهديدات الامنية المشتركة، بناء على التعاون الذي حصل اثناء مواجهة تنظيم "داعش" الارهابي ومنع معاودة نشاطه.

واكد السيد الكاظمي على اهمية التواصل بين مسؤولي البلدين، في ظل التطورات المتسارعة التي تشهدها المنطقة والعالم، والتي تتطلب استمرار الحوار وتبادل الافكار بين دول المنطقة.

من جانبه نقل وزير الخارجية الايراني محمد جواد ظريف تحيات القيادة الايرانية للسيد رئيس مجلس الوزراء، وبارك له حلول شهر رمضان الكريم.

واشار ظريف الى اهمية الدور الذي تلعبه الحكومة العراقية ورئيس مجلس الوزراء السيد مصطفى الكاظمي سواء على مستوى العلاقة بين البلدين او على مستوى الملفات الاقليمية بشكل اوسع، ودور العراق في تبني سياسة الحوار والتهدئة من اجل امن واستقرار وسلام المنطقة.

كذلك اعلن السيد ظريف رفض الجمهورية الاسلامية الايرانية لأي تصرف او سلوك يؤثر سلبا على الامن في العراق.

 

في ليلة النصف من رمضان المبارك، وفي السنة الثالثة للهجرة، أشرقت المدينة المنورة، بمولد الإمام المجتبى الحسن عليه السلام.

ففي مثل هذا اليوم المبارك أعلن البيت النبوي في المدينة المنورة، نبأ ميلاد السبط الاول، وزفت بالبشری إلی المصطفی محمد صلى الله عليه وآله وسلم، فهب الی بيت الزهراء عليها السلام، ليحمل لها تهانيه ويقضي لها بمسرَاته..وما ان وصل الرسول الاکرم(ص) إلی بيت الزهراء(ع) حتی تنزَل الوحي الالهي المقدَس علی رسول الله (ص) يبلَغه بأن الله تعالی قد سمَی الوليد المبارك (حسنا).

فهو الإمام أبو محمد الحسن بن علي بن أبي طالب المجتبی، ثاني أئمة اهل البيت عليهم السلام بعد رسول الله صلی الله عليه وآله وسلم، وسيد شباب أهل الجنة باجماع المحدثين، واحد اثنين انحصرت بهما ذرية رسول الله (ص)، وأحد  الاربعة الذين باهی بهم رسول الله (ص) نصاری نجران، ومن المطهَرين الذين أذهب الله عنهم الرجس ومن القربی الذين أمر الله سبحانه بمؤدتهم، وأحد الثقلين الذين من تمسك بهما نجا ومن تخلَف عنهما ضلَ وغوی.

شب الوليد في كنف الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله، وتغذى من معين رسالته وأخلاقة وسماحته وورث عنه (ص) هديه وأدبه وهيبته وسؤدده، مما اهله للإمامة التي كانت تنتظره بعد أبيه عليه السلام، وقد صرَح بها جدَه في أکثر من مناسبة حينما قال (الحسن والحسين إمامان قاما او قعدا، اللهم إني احبَهما فاحبَ من يحبَهما). كما وتربى تحت ظلال الوصي علي بن أبي طالب عليه السلام، وفي رعاية الزهراء عليها السلام، ليأخذ من نبع الرسالة كلّ معانيها، ومن ظلال الولاية كلّ قِيَمِها ومن رعاية العصمة كلّ فضائلها ومكارمها.

لقد اجتمع في هذا الامام العظيم شرف النبوة والإمامة، بالاضافة إلی شرف الحسب والنسب، و وجد المسلمون فيه ما وجدوه في جدَه وأبيه حتی کان يذکَرهم بهما، فأحبوه وعظَموه، وکان مرجعهم الأوحد بعد أبيه، فيما کان يعترضهم من مشاکل الحياة وما کان يستصعبهم من اُمور الدين، لاسيما بعد ان دخلت الأمة الإسلامية حياة حافلة بالاحداث المريرة التي لم يعوفوا لها نظيرا من قبل. 
وکان الإمام الزکي المجتبی في جميع مواقفه ومراحل حياته، مثالا کريما للخَلق الإسلامي النبوي الرفيع في تحمل الاذی والمکروه في ذات الله والتحلي بالصبر الجميل والحلم الکبير، حتی اعترف له ألد أعدائه - مروان بن الحکم - بان حلمه يوازي الجبال. کما اشتهر بالشجاعة والسماحة والکرم والجود والسخاء بنحو تميَز عن سائر الکرماء والاسخياء.
وشاهد عليه السلام کل المحن، من فقده لمعلمة الأول جده المصطفی صلى الله عليه وآله وسلم أمه الزهراء ثم تجرع النکبات التي حلت بابيه امير المؤمنين علي بن ابي طالب والظلم الذي تعرض له، وهو لايزال يافعا.

وفي فضائله ومناقبه، عن الصادق عليه السلام: حدّثني أبي، عن أبيه عليه السلام: "أنّ الحسن بن عليّ بن أبي طالب عليه السلام، كان أعبد الناس في زمانه، وأزهدهم وأفضلهم، وكان إذا حجّ، حجّ ماشياً، وربّما مشى حافياً، وكان إذا ذكر الموت بكى، وإذا ذكر القبر بكى، وإذا ذكر البعث والنشور بكى، وإذا ذكر الممرّ على الصِراط بكى، وإذا ذكر العَرْض على الله، تعالى ذكره، شَهِق شَهْقة يُغشى عليه منها. وكان إذا قام في صلاته، ترتعد فرائصه بين يدي ربّه عزّ وجلّ، وكان إذا ذكر الجنّة والنّار، اضطرب اضطراب السليم، وسأل الله تعالى الجنّة، وتعوّذ به من النّار.

وروي أنّ شاميّاً رآه راكباً، فجعل يلعنه والحسن لا يردّ، فلمّا فرغ أقبل الحسن عليه السلام عليه وتبسّم، وقال: "أيّها الشيخ، أظنّك غريباً، ولعلّك شبَّهت، فلو استعتبتنا أعتبناك، ولو سألتنا أعطيناك، ولو استرشدتنا أرشدناك، ولو استحملتنا حملناك، وإن كنت جائعاً أشبعناك، وإن كنت عرياناً كسوناك، وإن كنت محتاجاً أغنياك، وإن كنت طريداً آويناك، وإن كان لك حاجة قضيناها لك، فلو حرَّكت رحلك إلينا، وكنت ضيفنا إلى وقت ارتحالك كان أعود عليك، لأنّ لنا موضعاً رحباً، وجاهاً عريضاً، ومالاً كبيراً"، فلمّا سمع الرجل كلامه بكى، ثمّ قال: أشهد أنّك خليفة الله في أرضه، الله أعلم حيث يجعل رسالته، وكنت أنت وأبوك أبغض خلق الله إليّ، والآن أنت أحبّ خلق الله إليّ، وحوّل رحله إليه، وكان ضيفه إلى أن ارتحل، وصار معتقداً لمحبّتهم.

وروي أنّه عليه السلام مرّ على فقراء، وقد وضعوا كسيرات على الأرض، وهم قعود يلتقطونها ويأكلونها، فقالوا له: هلمَّ يا ابن بنت رسول الله إلى الغداء، فنزل، وقال: "إنّ الله لا يحبّ المستكبرين"، وجعل يأكل معهم حتى اكتفوا، والزاد على حاله ببركته، ثمّ دعاهم إلى ضيافته وأطعمهم وكساهم.
وذكر في المناقب أنّه كان عليه السلام إذا توضّأ، ارتعدت مفاصله واصفرّ لونه، فقيل له في ذلك، فقال: حقٌ على كلّ من وقف بين يدي ربّ العرش أن يصفرّ لونه، وترتعد مفاصله.
وكان عليه السلام إذا بلغ باب المسجد، رفع رأسه، ويقول: "إلهي ضيفك ببابك، يا محسن قد أتاك المسيء، فتجاوز عن قبيح ما عندي، بجميل ما عندك يا كريم".

وعن الصادق عليه السلام، أنّ الحسن بن عليّ عليه السلام حجّ خمساً وعشرين حجّة ماشياً، وقاسَم الله تعالى ماله مرّتين. وفي خبر: قاسَم ربّه ثلاث مرّات، وحجّ عشرين حجّة على قدميه.

لقد کان الحسن في شبابه الی جانب أبيه عليه السلام في کل مايقول ويفعل واشترك معه في جميع حروبه.. وکان يعاني ما كان يعانيه ابوه من مصائب ومحن، ويتألم لآلامه وهو يری معاوية يبث دعاته ويغري القادة من جيش ابيه بالاموال والمناصب حيت فرَق اکثرهم، وبعد استشهاد الإمام علي عليه السلام، بقي الحسن ابي علی (ع) بين تلك الاعاصير بين اهل الکوفة المتخاذلين وفلول الخوارج المارقين وتحديات اهل الشام القاسطين.  

وتولّى الإمام الحسن السبط عليه السلام منصب الإمامة والقيادة بعد استشهاد أبيه المرتضى عليه السلام في الواحد والعشرين من رمضان سنة 40 هجرية وهو في السابعة والثلاثين من عمره الشريف، حيث ان نص أمير المؤمنين (ع) علی خلافة ابنه الحسن الزکي وسلَمه مواريث النبوة، اجتمع عليه أهل الکوفة وجماعة المهاجرين والانصار وبايعوه بالخلافة بعد أن طهَره الله من کل نقص ورجس، بالاضافة إلی توفرَ جميع متطلبات الخلافة فيه من العلم والتقوی والشجاعة والحزم والجدارة، وتسابق الناس الی بيعته في الکوفة والبصرة، کما بايعه اهل الحجاز واليمن وفارس وسائر المناطق التي کانت تدين بالولاء والبيعة لابيه عليه السلام، وحين بلغ نبأ البيعة معاويه واتباعه بدأوا يعملون بکل مالديهم من مکر وخداع لافساد امره والتشويش عليه. واستمر بعد أبيه يحمل مشعل القيادة الربّانية حتى الثامن والعشرين أو السابع من شهر صفر سنة 50 هجرية، وله يومئذ ثمان وأربعون سنة.

وقام عليه السلام في فترة إمامته، بأفضل ما يمکن القيام به في ذلك الجوَ المشحون بالفتن والمؤمرات فأمر الولاة علی اعمالهم واوصاهم بالعدل والاحسان ومحاربة البغي والعدوان ومضی علی نهج ابيه عليه السلام الذي کان امتدادا لسيرة جده المصطفی محمد صلى الله عليه وآله وسلم. 
وبالرغم مما کان يعلمه الامام الحسن عليه السلام من معاوية ونفاقه ودجله وعدائه لرسالة جده وسعيه لاحياء مظاهر الجاهلية الاولى... بالرغم من ذلك کله لقد ابی ان يعلن الحرب الا بعد ان کتب اليه المرة بعد المرة بدعوه الی جمع الکلمة وتوحيد امر المسلمين فلم يبق له في ذلك عذرا أو حجة.

لقد اطمأن معاوية إلی ان الامور ممهدة له باعتبار علاقته المتينة مع اکثر قادة الإمام الحسن.. من هنا اعد معاوية العدة لمحاربة الامام المجتبی عليه السلام، واطمأن بان المعرکة ستکون لصالحة وسيکون الحسن والمخلصون له من جنده بين قتيل واسير، ولکن هذا الاستيلاء سوف يفقد الصيغة الشرعية التي کان يحاول ان يتظاهر بها لعامة المسلمين ولذلك حرص معاوية ان لا يتورط في الحرب مع الإمام الحسن، معتمدا المکر والخداع والتمويه وشراء الضمائر وتفتيت جيش الإمام، ولم يکن للإمام بد من اختيار الصلح بعد ان تخاذل عامة جيشه واکثر قادته ولم يبق معه إلا فئة قليلة من اهل بيته والمخلصين من اصحابه، فتغاضی عن السلطة دفعا للافسد بالفاسد في ذلك الجو المحموم فکان اختياره للصلح في منتهی الحکمة والحنکة السياسية الرشيدة تحقيقا لمصالح الاسلام العليا واهدافه المثلی.
ان هذا الصلح والعهد قد حقق إنجازا عظيما على صعيد تأكيد الحق، وترسيخ الشرعية فيما يرتبط بإمامة أهل البيت عليهم السلام، وسلب ذلك عن الطرف الآخر، وانتزاع اعتراف خطي منه بأنه باغ و متغلب، حين أكدت بنوده على:
*1- أن الحق لا بُدَّ أن يعود للإمام الحسن عليه السلام، ثم من بعده للإمام الحسين عليه السلام.
*2 - أن ليس لمعاوية أن يعهد لأحد من بعده.
*3 - أن لا يقيم الإمام الحسن عليه السلام شهادة عند معاوية .
* 4- أن لا يسميه أمير المؤمنين.
*5 - أن يعمل بكتاب الله و سنة نبيه .
*6 - أن لا يذكر علياً إلا بخير .
*7 - أن يكون أصحاب علي و شيعته آمنين حيث كانوا من أرض الله .
* 8 - أن يكون الناس جميعاً آمنين حيث كانوا من أرض الله .

و ثمة شروط أخرى ذكرها المؤرخون أيضاً .
لقد تعرّض الإمام الحسن السبط (عليه السلام) للنقد اللاذع من شيعته وأصحابه الذين لم يتّسع صبرهم لجور معاوية، مع أنّ أكثرهم كان يدرك الظروف القاسية التي اضطرّته الى تجنّب القتال واعتزال السلطة، كما أحسّ الكثير من أعيان المسلمين وقادتهم بصدمة عنيفة لهذا الحادث لِما تنطوي عليه نفوس الاُمويّين من حقد على الإسلام ودعاته الأوفياء، وحرص على إحياء ما أماته الإسلام من مظاهر الجاهلية بكلّ أشكالها.
لقد فسح الإمام الحسن المجتبى عليه السلام المجال بصلحه المشروط، لمعاوية ليكشف واقع اُطروحته الجاهلية، وليعرّف عامة المسلمين البسطاء مَن هو معاوية؟ ومن هنا كان الصلح نصراً ما دام قد حقّق فضيحة سياسة الخداع التي تترّس بها عدوّه.
ووقع ما خطط له الإمام الحسن عليه السلام، حينما بدأ معاوية يساهم في كشف واقعه المنحرف، وذلك في إعلانه الصريح بأنّه لم يقاتل من أجل الإسلام، وإنّما قاتل من أجل المُلك والسيطرة على رقاب المسلمين، وأنّه سوف لا يفي بأيّ شرط من شروط الصلح.

بهذا الإعلان وما تلاه من خطوات قام بها معاوية لضرب خط عليٍّ (عليه السلام) وبنيه الأبرار وقتل خيرة أصحابه ومحبّيه كشف النقاب عن الوجه الاُموي الكَريه، إلا ان الإمام (عليه السلام) مارس مسؤولية الحفاظ على سلامة الخط بالرغم من إقصائه عن الحكم، وأشرف على قاعدته الشعبية فقام بتحصينها من الأخطار التي كانت تهدّدها من خلال توعيتها وتعبئتها، فكان دوره فاعلاً إيجابياً للغاية، ممّا كلّفه الكثير من الرقابة والحصار، وكانت محاولات الاغتيال المتكرّرة تشير الى مخاوف معاوية من وجود الإمام (عليه السلام) كقوة معبّرة عن عواطف الاُمّة ووعيها المتنامي، ولربّما حملت معها خطر الثورة ضد ظلم بني اُمية، ومن هنا صحّ ما يقال من أنّ صلح الإمام الحسن (عليه السلام) كان تمهيداً واقعياً لثورة أخيه أبي عبدالله الحسين (عليه السلام). ولهذا قرّر معاوية التخلص من الإمام الحسن، ووضع خطّته الخبيثة بالاتفاق مع جعدة ابنة الأشعت بن قيس التي دسّت السم لزوجها الإمام (ع)، واستشهد من جراء ذلك الإمام الحسن (ع) .

وکان الإمام عليه السلام قد أوصی ان يدفن الی جوار جده رسول الله صلی الله عليه وآله وسلم إلا أن بني أمية، وعلی راسهم مروان بن الحکم، منعوا من ذلك وحالوا بين ان يجمع بين رسول الله (ص) وريحانته وحبيبه وبسطه الحسن سيد شباب اهل الجنة فاضطر اهل البيت عليهم السلام لدفنه في البقيع.

وممّا وعظ به جنادة بن أبي أميّة، عندما دخل عليه قبيل وفاته، وقال له: عظني يا ابن رسول الله، قال: "نعم، استعدّ لسفرك، وحصّل زادك قبل حلول أجلك، واعلم أنّك تطلب الدنيا والموت يطلبك، ولا تحمل همّ يومك، الذي لم يأتِ على يومك الذي أنت فيه، واعلم أنّك لا تكسب من المال شيئاً فوق قوتك إلّا كنت فيه خازناً لغيرك. واعلم أنَّ في حلالها حساب، وفي حرامها عقاب، وفي الشبهات عتاب، فأنزل الدنيا بمنزلة الميتة، خذ منها ما يكفيك، فإن كان ذلك حلالاً، كنت قد زهدت فيها، وإن كان حراماً، لم يكن فيه وزر، فأخذت كما أخذت من الميتة، وإن كان العتاب فإنّ العتاب يسير. واعمل لدنياك كأنّك تعيش أبداً، واعمل لآخرتك كأنّك تموت غداً، وإذا أردت عزّاً بلا عشيرة، وهيبةً بلا سلطان، فاخرج من ذلّ معصية الله إلى عزّ طاعة الله عزَّ وجلَّ.
فسلام عليك يا أبا محمد الحسن بن علي مظلوما، حيَا وشهيدا.