emamian

emamian


﴿أَوَ لَم يَرَوا أَنّا جَعَلْنا حَرَماً آمِناً.
من مهام الحج تحقيق السلام في العلاقات الاجتماعية، وتوفير فرصة نموذجية للسلام في العلاقات فيما بين الناس، في فترة الإِحرام في الحج، وتوفير رقعة نموذجية من الأرض ; لتمكين السلام في العلاقات الاجتماعية هي رقعة الحرم.

ولكي نعرف موقع السلام في هذه الرحلة، لا بدّ من أن نستعرض المراحل الأساسية فيها بإيجاز شديد، بالقدر الذي نستطيع أن نتعرف فيه على مواقع السلام في هذه الرحلة الإِلهية.

الحج رحلة الأنا والذات إلى الله على الطريقة الإِبراهيمية أواختزال لهذه الرحلة الشاقة التي قطعها من قبل أبونا إبراهيم عليه السلام، على الطريقة الرمزية التي تعتمدها فريضة الحج بصورة واضحة.

هذه الرحلة تبدأ مهمتها من الميقات، وتنتهي بطواف النساء وطواف الوداع والآن نشير بإجمال إلى الأشواط الرئيسة التي يقطعها الحاج في هذه المرحلة من الأنا إلى الله تعالى.

1ـ التحرر من الأنا:
تبدأ هذه الرحلة في الميقات بتجاوز الذات والأنا، ومحاولة صهر الذات والأنا في المسيرة الإِيمانية إلى الله تعالى، وهذه هي المرحلة الأولى في هذه الرحلة الإِلهية.
وتصبّ هذه الذوات بعد انسلاخها عن الأنا، ومختصات هذا الأناـ في الحشد البشري ـ الكبير، في الطواف حول البيت، كما تصب السواقي والأنهر الصغيرة في البحر الكبير، فلا تستطيع أن تميز ـ بعد ذلك ـ أين هي مياه هذه السواقي من البحر الكبير، وهي رحلة شاقة وذات معاني كبيرة في حياة الإِنسان، تستحق منا الكثير من التأمل والتفكير.

تبدأ هذه الرحلة من الميقات، حيث يتجرّد الإِنسان فيه من ذاته وأهوائه، وخصائصه التي تفرزه عن الآخرين وتفرده، وتحجزه عن الانصهار في المسيرة الإلهية الحاشدة، التي لا يتمايز فيها الأفراد، ولا يحجز بعضهم عن البعض شيءٌ من هذه النوازع، والفوارز التي تفصل الناس بعضهم عن بعض.

إنّ الميقات حدّ فاصل، بين الأنا وبين الجماعة المؤمنة. فقبل أن يدخل الحاج الميقات يعيش كما يعيش سائرُ الناس الأنا تمييزاً وتشخيصاً. وللأنا تظاهر وبروز في حياتهم، وللأنا سماته معالمه الواضحة. فإذا دخل الميقات تضاءل الأنا وخف صراخه وصوته وفقد معالمه ومميزاته، وفقد لونه وصبغته الصارخة، وهذا الانقلاب في الشخصية والموقع يتمّ في الميقات. ويرمز إلى هذا الانقلاب (لباس الإِحرام).

وقد قلنا: إن الحج يعبّر عن المعاني والمفاهيم التي تنطوي عليها بلغة الرمز. فعند الميقات يتجرد الحاج عن كل ملابسه وما تحمله من سمات شخصية وطبقية وقومية وإقليمية. إنّ لباس الإِنسان يحمل هويته ويحمل الإِشارة إلى شخصية الانسان وانتمائه القومي والاقليمي والعقدي وطبقته مهنته ودرجته في الثراء والفقر والمستوى الاجتماعي. فإذا بلغ الميقات تجرد عن ملابسه، ولبس ثياب الإِحرام إزاراً ورداءً... وكانا قطعتين من القماش، لم يستعمل فيهما الخيط، كالآخرين على نحو سواء في غير بذبح ولا شرف ولا تمييز، وخلع عن نفسه ملابسه التي كانت تحمل هويته وتعبر عن شخصيته.

إنّ هذه الخطوة الأولى في الميقات تعبّر عن انسلاخ الانسان عن هويته وشخصيته وأنانيته وتعبر أيضاً عن العبور على الذات وتجاوز الأنا. وكما يجرد الميت عن ملابسه، لأنّ دور الأنا في حياته قد انتهى، ولم يعد للأنا حجم ولا دور ولا شكل في المرحلة الجديدة من حياته، كذلك الميقات مرحلة أخرى من الحيات ضمن هذه الحياة الدنيا، يتجرد فيها الحاج عن هويته وأنانيته، وينسلخ عن ذاته ليدخل الميقات، وكان الميقات مصفاة، وأول شيء تأخذه هذه المرحلة من الإِنسان هو ذاته، فإذا تجرد عن الأنا وانسلخ عن ذاته حق له أن يتجاوز الميقات إلى الحج، وما لم يتخلص الإِنسان عن ذاته فلا يحق له أن يتجاوز الميقات إلى لقاء الله. فإذا خلص في هذه المصفاة من ذاته اجتاز الميقات وتوجه إلى الحج.

وإنّ أكثر ما يثير المتاعب في حياة الناس ويعكّر العلاقة فيما بينهم هو التصادم الذي يحدث بين الذوات والأنانيات، وعندما تذوب الذات عند الانسان وتنصهر، ويخلص الانسان من طغيان الأنا، ينتهي شطر كبير من مشاكل الإِنسان، ولقاءاته السبيلة مع الآخرين، وما يستتبعه من صدام وتردي العلاقة، وحالة الأثرة والأنانية، وحب الذات، فإذا خلصت حياته من الذاتية والأنانية تمكن أن يسلم من هذه المشاكل والمتاعب التي تعجّ بها حياة الناس في المجتمع، واستطاع أن يضع حياته وعلاقاته الاجتماعية على أسس سليمة وأن يحكم السلام في علاقاته مع الآخرين.

التجمل والترف:
وفي الميقات يختص الإنسان مع خصلة أخرى من خصال الأنا، وهي خصلة ممدوحة لو كانت في الحدود المعقولة، التي لا تستأثر باهتمام الانسان كله ولا تملك إرادته ولا تحكمها، فإذا تحولت هذه الخصلة إلى خصلة حاكمة على إرادته كانت صفة ذميمة من صفات الإِنسان، وتلك هي خصلة التجمل، فهي خصلة ممدوحة في الحدود التي تظهر على الانسان نعم الله تعالى وفضله، فإذا تحولت إلى خاصية من خواص الذات، مهمتها إبراز الذات وإظهارها، لا إبراز نعم الله تعالى وفضله، تحولت إلى صفة ذميمة من صفات الذات، وسلبته القدرة على تحمل الشظف والسير على طريق ذات الشوكة.

وفي الميقات يدخل الأنا في هذه التصفية الإِلهية، ويلزم الإِحرام التخلي في فترة الإِحرام عن هذه الخصلة، ويحرم عليه الطيب والتجمل، حتى بالنسبة للنساء، فيما يتجاوز الحد المألوف للمرأة في التجمل، وذلك لتمكين الإِنسان من هذه الخصلة التي تشكل حالة تظاهر للأنا، وحالة ترف تؤثر تأثيراً سلبياً على إرادة الإِنسان، وقدرته في مواجهة متاعب الطريق، إذا لم يعمل على تعديل وتهذيب هذه الخصلة، وإرجاعها إلى نصابها الممدوح، الذي يقره الإِسلام ويأمر به.

سلطان الهوى والشهوات:
وفي الميقات يمر الأنا بتصفية ثالثة، وهي تخليص الإِنسان من سلطان الهوى والشهوات والغرائز، وهي مسألة في غاية الدقة في الإِسلام فقد قلنا إنّ تخليص الإِنسان من سلطان الهوى والشهوات، ولم نقل من الهوى والشهوات، ذلك لأنّ الإِسلام لا يكافح الأهواء والشهوات في نفس الإنسان، وإنما يعتبرها ضرورة من ضرورات الحياة ومن دونها تختل الحياة، وإنما الذي يكافحه الإسلام هو سلطان الهوى، والشهوات على الإنسان وإرادته، وليست الأهواء والشهوات في حدّ ذاتها مصدراً للانحراف والسقوط في حياة الانسان، وإنما الانحراف والسقوط يأتي من ناحية سلطان الهوى على إرادته، فإذا تمكنت الأهواء منه، وتحكمت الشهوات عليه وخضع واستسلم لها، عند ذلك فقط يتمكن الشيطان منه، ويتعرض الانسان للسقوط والانحراف. ولذلك فإن النهج الإِسلاميّ في التربية يعمل على ترويض الأهواء والشهوات وتطويعها لارادة الإِنسان، وتمكين الإرادة منها، دون أن يكافحها ويحاربها ويستأصلها ويصادرها.

والصوم نموذج واضح لهذا المنهج التربوي. والميقات هو الآخر يقع في هذا الخط التربوي، ففي الميقات يتعرض الانسان لتصفية واسعة في (الأنا) و(الهوى)، ويمتص الميقات من نفس الانسان سلطان هاتين الخصلتين، ويسمح له بالدخول في رحاب ضيافة الله ـ تعالى ـ بعد أن يجرده من هذه النزعة الحيوانية التي تطغى على تصرفاته وتحكم إرادته وفعله.

والهوى عند ما يحكم الإِنسان يتحول إلى مصدر للشرّ في علاقاته وحياته الاجتماعية، ويسلب الأمن والسلام في حياة الناس، فليس ما بين الناس من خلاف وصراع وصدام مصدره الاختلاف في الرأي غالباً وإنما يعود السبب في نسبة كبيرة وواسعة في هذه الخلافات إلى عامل الهوى في العلاقات الاجتماعية.

وللإِمام الخميني (قدس سره) كلمة ذات دلالة عميقة فيما يقول قدس سره: "لو أن مئة وأربعة وعشرين ألف نبيّ عاشوا في مكان واحد لما اختلفوا فيما بينهم، لأنه لا سلطان للهوى في نفوسهم".

فالميقات نقطة تحول وانقلاب في حياة الإِنسان، وأهم ما في هذا الانقلاب هو إضعاف الأنا والذات، وخصال وخصائص في حياة الإِنسان. فإذا تجرد عن ذلك كان موءَهلاً للدخول في رحاب ضيافة الله في الحج.
ومن عجب أن المذاهب الفكرية المادية تؤكد عكس ذلك تعزيز الأنا وتثبيت واعتماد عنصر الاعتداد بالنفس، وتنمية حالة الغرور والعجب. بخلاف الإِسلام الذي يبني منهجه التربوي على أصل مكافحة الأنا وإضعافها وتحجيمها، وتحويل الإِنسان من محور الأنا، إلى محور حاكمية الله تعالى وسلطانه في حياته، ويدعو الإِنسان إلى التحلل من هذاالمحور و الارتباط بالمحور الرباني والانصهار فيه (قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين ).

2ـ الانصهار في الجماعة:
فإذا تجرد الإِنسان عن الأنا وانسلخ عن ذاته وجد نفسه فجأة في وسط حشد بشري كبير، لا يمتاز بعضهم عن بعض، ولا يكاد يفرق بينهم شيء، يتحرك ضمن موج بشري كبير هادر، ينطلق من الميقات إلى الكعبة، كما تصب الأنهر في البحر من كل ميقات من هذه المواقيت المعروفة، التي وقّتها رسول الله صلى الله عليه وآله، تجري أنهر كثيرة من الناس تصبّ في الحرم حول الكعبة، فتتجمع هذه الأنهر حول البيت الذي رفع قواعده إبراهيم ومعه ابنه اسماعيل عليهما السلام وفي هذا التيار البشري العظيم يتضاءل عنده الإِحساس بالأنا، حتى لا تكاد تشعر به حواسه ومشاعره، فلا ترى في المطاف أفراداً يتحركون، وإنما ترى كتلة بشرية واحدة من الناس تطوف حول البيت العتيق.

ولو أن الحاج الذي تجرد في الميقات عن الأنا، لم يكن يصب في المطاف في الجماعة المؤمنة، لكان يضيع ويفقد مقومات وجوده وشخصيته، ولكنه لا يكاد يتجرد عن الأنا ومعالمه وحدوده حتى يصبّ في الجماعة الكبيرة، كما تصبّ قطرات الماء في النهر الكبير، ويعود في المطاف إلى لون جديد من الحياة، وإلى حياة جديدة لم يألفها من قبل بهذه القوة والفاعلية، ولم يتذوقها بهذه الصورة تموت فيه الأنا، ويبعث الله في نفسه الإحساس بالجماعة، وينتقل إلى طور جديد من الحياة أهم خصائصه غياب الفردية، وحضور الجماعة ; ويتكرس هذا الإحساس لدى الانسان في المطاف وفي السعي، وفي الموقف في عرفات، وفي الافاضة إلى المزدلفة، وفي المزدلفة، وفي منى، وفي العودة إلى الطواف والسعي يتضاءل لدى الانسان المسلم الإحساس بالأنا، ويتأكد لديه الاحساس بالجماعة المسلمة، وبأنه عضو من جسم واحد، وليس فرداً من مجموعة انسانية، وبأن هذه الأمة كيان واحد ومصير واحد وما يصيبها من خير وشر يصيب الجميع، وبأنه وحده لا يستطيع أن يتحرك إلى الله على خطى إبراهيم عليه السلام، إلاّ أن يذوب في هذا الحشد البشري الكبير المتجه إلى الله.

إنّ الناس قبل أن يتجاوزوا الميقات إلى الحرم مجموعة من الأفراد، يتمايزون فيما بينهم، ويتزايدون، ويتفاخرون، ويتجادلون، ويضرّ بعضهم بعضاً، ويعتدي بعضهم على بعض، وتجمعهم المجامع من المدن والضواحي والقرى فتتجمع في هذه المجامع النزعات المتضاربة والأهواء المتخالفة والرغبات المتضادة، فتكون الجامع البشرية ساحة للصراع والخلاف. أمّا عند ما يتجاوزون الميقات إلى الحرم، ويصبون من خلال قنوات المواقيت التي وقّتها رسول الله صلى الله عليه وآله إلى الحرم، فإنهم يتحولون إلى أمة واحدة، ويتحركون باتجاه واحد ويلبّون دعوة واحدة ويلبسون زيّاً واحداً، ويطوفون حول كعبة واحدة، ويسعون في مسار واحد ويؤدون مناسك واحدة، لا يختلفون ولا يتجادلون، ولا يتفاخرون، ولا يتضاربون، ولا يؤذي بعضهم بعضاً، وكأنّ الحرم يصهرهم في بوتقة واحدة، ويجعل منهم كياناً جديداً يختلف عما كانوا عليه.

الحرم الآمن:
وأبرز خصائص هذا التركيب الجديد للمجتمع البشري الذي يستحدثه الحرم في حياة الناس هو الأمن، والاحساس بالأمن. إن هذا الأمن من خصائص ونتائج هذا التركيب البشري الجديد الذي يجده الناس في الحرم، وهو في نفس الوقت من أسبابه وموجباته. فإن الناس إذا شعروا بالأمن بعضهم من بعض، التقى بعضهم بعضاً دون حذر، وتعامل بعضهم من بعض، وتلاقوا، وتآلفوا، وتعاونوا. فالأمن يعد الناس ليكونوا أمة واحدة، والأمن يعطي للناس هذه الفرصة، التي تتطلبها عملية الانتقال من الحياة الفردية، التي يعيشها الناس عامة إلى هذا النمط الجديد، الذي يريده الله تعالى لعباده، والذي يرسم الحرم نموذجاً له، كما يصح العكس أيضاً، فانّ الأمن والإحساس بالأمن و النتيجة الطبيعية لهذا اللون الجديد من الحياة الاجتماعية. فإنّ الناس عند ما يحشرون في الحرم لا يختلفون ولا يتشاجرون ولا يتفاخرون ولا يتزايدون ولا يتضاربون.

الحرم رقعة نموذجية لساحة الحياة:
والله تعالى يريد أن يكون وجه الأرض كلّه آمنا للناس، يعيش الناس بعضهم مع بعض في أمن ودعة وسلام لا يحنق بعضهم على بعض، ولا ينوى أحد لأحد شرا، يُؤثِر بعضهم بعضاً على نفسه، ويحب بعضهم بعضا.

يقول تعالى في صفة المهاجرين والأنصار في الصدر الأول من هذا الدين... ﴿وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ  * وَالَّذِينَ جَاؤُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيم ولكن الناس يرفضون أن يعيشوا كما يريد الله تعالى لهم.

فجعل الله لهم من الحرم (رقعة نموذجية) للحياة الآمنة التي يريدها للناس. بدعاء عبده وخليله إبراهيم عليه السلام: ﴿وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُم بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ.

هذا هو دعاء العبد الصالح إبراهيم عليه السلام: وقد استجاب الله تعالى لدعاء عبده وخليله إبراهيم عليه السلام فقال: ﴿وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِّلنَّاسِ وَأَمْناً.

والمثابة: المحل الذي يرجع إليه الناس، وقد جعل الله تعالى البيت مثابة للناس يجمع الناس ويرجعون إليه، ويقصدونه من كل فجّ عميق، ثمّ جعله آمناً يأمن فيه الناس بعضهم من بعض ولا يحذر فيه أحد الآخرين على نفسه; يقول تعالى: ﴿أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا. وجعل رقعة الحرم رقعة نموذجية لساحة الحياة كلها، كما جعل الشهر الذي يتم فيه الحج (ذوالحجة) من الأشهر الحرم. يقول الله تعالى: ﴿هَذَا بَلَدًا آمِنًا.

وحتى (الجدال )الذي ينطوي على نوع من العدوان على الآخرين يحرمه الله تعالى على الحجاج، ﴿فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَج.

فإن الجدال منفذ للعدوان بين الناس، وكثير من العدوان يبدأ بين الناس من الجدال الذي يسعى فيه كل من الطرفين المتجادلين إلى إثبات الذات وتجاوز الطرف الآخر.

والأمن في الحرم أمن شامل، يشمل حتى الحيوان والنبات، فلا يجوز الصيد في الحرم، ولا يجوز قطع النباتات والأشجار في منطقة الحرم إلاّ في حالات خاصة يذكرها الفقهاء، وحرمة الصيد وقطع النباتات لا تخص حالة الاحرام، فإنهما تحرمان على المُحرم والمُحل معاً في منطقة الاحرام، والحرم في الاسلام عينة صغيرة لساحة الحياة كلها، والذي يجب أن يعرف رأي الاسلام في الحياة ; فإنّ هذه العينة الصغيرة والرقعة المحدودة من الأرض تجسد تخطيط الاسلام لساحة الحياة الواسعة، فإنّ العلاقة فيما بين الناس والارتباط والتلاقي هو الافراز الطبيعي للحياة الاجتماعية، فمن أجل هذه العلاقة واللقاء والتلاقي خلق الله تعالى الانسان اجتماعياً وأعدّه للحياة الاجتماعية، ولا يبلغ الانسان الكمال والنضج الذي أعده الله تعالى له إلاّ في وسط هذه العلاقات واللقاءات والتلاقي في الحياة الاجتماعية، فلو أنّ انساناً اعتزل الحياة وعاش وحده في جزيرة قاصية لم يبلغ بالتأكيد النضج والكمال الذي أعدّه الله تعالى له، وهذه اللقاءات والعلاقات إنما تثمر وتعطي وتنتج في حياة الانسان، فيما إذا توفر له الجوّ السليم، الأمن والسلام، أما عند ما تكون هذه العلاقة في جوّ من الريبة والحذر، والخوف والقلق والعدوان والكيد والمكر، فإنّ هذه العلاقة والارتباط فيما بين الناس لا تكاد تثمر هذه الثمرة، ولا تكاد تبلغ بالانسان النضج والكمال، الذي يطلبه الانسان في الحياة الاجتماعية، من خلال هذه العلاقات واللقاءات والارتباطات، بل قد تعود العلاقة في مثل هذا الجوّ إلى نتائج سلبية في حياة الانسان.

فالاسلام يخطط بناءً على هذا الفهم لضرورة العلاقة وحدودها في حياة الانسان، ليجعل العلاقة فيما بين الناس في الحياة الاجتماعية في جوّ آمن وسليم، فيأمن الانسان الآخرين على نفسه في حضوره وغيبته، وفي نفسه، وعرضه، وماله، ويأمن على نفسه من ألسنة الآخرين وأيديهم، ومن مكرهم وكيدهم وعدوانهم، فيعيش في جوّ من الأمن الشامل، ويبني علاقاته كلها مع الآخرين في هذا الجوّ الآمن، في السراء والضراء، وفي التجارة والبيع، وفي الزواج والعلاقات الاجتماعية، وفي علاقاته مع أصدقائه وزملائه، وفي علاقاته مع أعضاء أسرته، وفي ارتباطه بمن هو فوقه ومن هو دونه، وحينما يأخذ وحينما يعطي، وحينما يحتاج إلى الآخرين وحينما يحتاج إليه الآخرون...

الاسلام يخطّط ويعمل ; ليجعل العلاقة فيما بين الناس في الحياة الاجتماعية على كل الأصعدة في جوّ من الأمن والسلام، لتعطي هذه العلاقة الثمرات المطلوبة منها في الحياة الاجتماعية، ويخطط الاسلام ويعمل ليجعل الحياة الاجتماعية حياة آمنة مطمئنة ليتعايش الناس فيها بسلام.

والحرم عينة صغيرة نموذجية في الحياة الآمنة والمطمئنة التي يطلبها الاسلام، والاحرام عينة أخرى نموذجية للحالة التي يطلبها الاسلام للناس في الحياة الاجتماعية، في علاقة الناس بعضهم ببعض، ويعود الحجاج من الاحرام والحرم إلى واقع حياتهم ليأخذوا معهم النموذج الإلهي للحياة وللعلاقات الاجتماعية، ويعيشوا حياتهم بها.

3ـ الانتقال إلى المحور الإِلهي:
وهذه هي المرحلة الثالثة، من رحلة الحج الابراهيمي.
في المرحلة الأولى يتخلص الانسان من فرديته وأنانيته وأعراض هذه الأنانية.
وفي المرحلة الثانية يصبّ في الحرم في الجماعة المسلمة، وينصهر في هذه الجماعة (الأمّة).
وفي المرحلة الثالثة وهي الغاية الأخيرة في هذه الرحلة تصبّ هذه الجماعة في المطاف حول الكعبة.
والكعبة في لغة الحج الرمزية رمز للمحورية الالهية في حياة الانسان. وإذا استطاع الانسان في المرحلة الأولى من هذه الرحلة، أن يتخلص من جاذبية محور الأنانية في حياته، فإنّ المحور الالهي يجذبه جذباً قوياً بطبيعة الحال.

وانجذاب الانسان إلى هذا المحور، أمر طبيعي كامن في عمق فطرة الإِنسان، والأنا هو الذي يحجز الإِنسان عن هذه الجاذبية، فإذا تحرر عن حاجز الأنا فانّ الجاذبية الإِلهية تجذبه. والطواف بعد الإِحرام رمز لذلك، فإنّ الاحرام من الميقات يرمز للتحرر من الأنا، والطواف حول البيت يرمز إلى الانجذاب إلى الله تعالى، والحركة حول المحور الالهي في الحياة.

وعليه فإنّ حركة الطواف نقلة في حياة الانسان من الأنا إلى الله تعالى، إنه تعبير رمزي عن التوحيد في حياة الانسان المسلم، إلاّ أنّ هذا التوحيد ليس هو التوحيد النظري، الذي يعرفه الناس، وإنما هو توحيد العبودية لله، وتوحيد الحبّ والولاء والاهتمام، كما ترسمه الآية المباركة من سورة الأنعام: ﴿قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ *لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ.

إنّ الطواف يرمز إلى الحركة الانسانية الدائمة والمستمرة حول هذا المحور الالهي في التاريخ، وإننا لننظر من بعيد إلى حركة التاريخ، فنرى أنّ حركة التاريخ تجسد (التوحيد) في حياة الانسان، وأنّ الأنبياء عليهم السلام وأممهم ـ إلاّ في فترات قصيرة جدّاً ـ يجسدون هذه الحركة البشرية الدائمة حول محور الألوهية، ولكن عندما ندخل نحن ضمن هذه الحركة فسوف نواجه ألواناً من المضايقات والأذى والمشاكسات من الهوى في داخل أنفسنا، ومن الطاغوت في المجتمع، ومن شياطين الجنّ والإِنس الذين يضايقون الناس في حركتهم إلى الله.

وحركة الطواف حول الكعبة تجسّد هذا الواقع بالدقة ; فإذا نظرت من الأعلى إلى المطاف ترى حركة دائرة لجماهير الطائفين بصورة مستمرة، وكأنّ أرض المسجد الحرام تطوف بهم حول البيت في حركة منظمة وهادئة، أما إذا دخلت بنفسك في المطاف التقيت بالوجه الآخر لهذه الحركة الانسانية حول المحور الالهي، من المعاناة ومواجهة العقبات والمضايقات، وهو يختلف اختلافاً كبيراً عن الوجه الأول الهادئ والمريح.

لماذا عبر الانصهار في الجماعة؟
في هذه المرحلة نحن نفهم المنطلق والغاية في حركة الانسان بصورة دقيقة، فالمنطلق الذي ينطلق منه الانسان هو تجاوز الأنا والذات ويعبر الاحرام في الميقات عن هذا المنطلق، والغاية هي الحركة إلى الله وتوحيده تعالى، ويرمز الطواف إلى هذه الغاية، ولكن الانسان في الحج يصل إلى هذه الغاية عبر الانصهار في الجماعة المسلمة، ومن دون الانصار في الأمة المسلمة لا يمكن الوصول إلى هذه الغاية.

إنّ التخطيط الاسلامي للحج يؤكد على حضور الأمة المسلمة وتواجدها في موسم الحج من كل فج عميق، ﴿وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيق.

إنّ هذا الأذان والإعلان والدعوة الإِلهية العامة للحج، من قبل الله ورسوله، والاستجابة من قبل الناس من كل فج عميق، يشكل بالتأكيد بعداً هاماً من أبعاد الحج.

وعند ما نستعرض آيات الحج، والكعبة والبيت، في القرآن منذ أن رفع إبراهيم وإسماعيل القواعد من البيت، نجد اهتماماً كبيراً بحضور الناس في هذا البيت، وفي هذا الموسم، وأبلغ ما في ذلك تعبير القرآن عن بيت الله بأنه بيت الناس ﴿إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ * فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَّقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَن دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً.

ومن عجب أنّ الله تعالى يخص الناس ـ عباده ـ بأول بيت وأشرف بيت ويعلن عن أنه بيت للناس ثم يدعو الناس إليه ﴿وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْت.

وفي دعاء إبراهيم عليه السلام نجد أنّ إبراهيم خليل الرحمن، عند ما أودع أهله وذريته بهذا الوادي القاحل غير ذي زرع، دعا الله تعالى أن يجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم ﴿فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُم مِّنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُون.

وأيضاً نجد في سورة البقرة ﴿وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِّلنَّاسِ وَأَمْنا.
فالبيت مثابة للناس يجتمع الناس حوله، ويثوب إليه الناس، ويجتمع الناس من كل حدب وصوب، ثم إننا في سورة المائدة نقرأ ﴿جَعَلَ اللّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًا لِّلنَّاس.

فالكعبة تقوم حياة الناس، وتقوم حياة الناس بها، وعند الإفاضة يأمر الله تعالى عباده أن لا ينفرد بعضهم عن بعض في الإِفاضة، وإنما يفيض كلُّ منهم حيث أفاض الناس ﴿ثُمَّ أَفِيضُواْ مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُواْ اللّه.

إذن حضور الناس حول البيت وتواجدهم في الموسم، وانصهار الفرد داخل البيت والحرم في الناس شييء أساس في الحج، في طريق حركة الانسان إلى الله تعالى.

ونتساءل بعد ذلك، لماذا؟
وهو سؤال مهم يرتبط بسر من أسرار هذا الدين، فإن هذا الدين يحرك الانسان إلى الله تعالى ولكن من خلال الحضور في وسط الناس فالحج حركة إلى الله، ولكن من خلال الانصهار في الناس، والصلاة معراج كل مؤمن، ولكن من خلال الجماعة، وحتى الاعتكاف الذي هو نحو من الاعتزال عن الناس يتم في المسجد الحرام ومسجد النبي(صلى الله عليه وآله) والمسجد الجامع في الكوفة، والمسجد الجامع في أي بلد، وليس في أي مسجد معزول متروك، فنتساءل مرة أخرى لماذا لا تتم حركة الانسان إلى الله في الحج إلاّ من خلال الانصهار في الناس ومن خلال الحضور في وسط الناس؟.

والجواب:
إنّ من غير الممكن أن يتجاوز الإِنسان الأنا في عزلة من الناس، وهو شرط أساس في الحركة إلى الله تعالى.والانسان قد يتصور إذا اعتزل الناس، وابتعد عن الحياة الاجتماعية، يتحرر من الأنا والهوى والشهوات والرغبات، ولكنه يخطىء كثيراً، فإنّ نزعات الأنانية تبقى مطوية في خبايا نفسه، وهو غير شاعر بها، فإذا دخل الحياة الاجتماعية واحتكَّ بالناس، برزت هذه النزعات المخبوءة، على السطح الظاهر من شخصيته، ولكن يمكن اجتثاث هذه النزعات والقضاء عليها إلاّ في وسط الحياة الاجتماعية.

إنّ هذه النزعات لا يمكن استئصالها إلاّ من خلال صراع مرير مع النفس في وسط الحياة الاجتماعية، ولا شك أن هذه النزعات، تختفي في حياة العزلة والرهبانية، إلاّ أنّها تبقى كامنة ومختفية في النفس، فإذا صادفت فرصة مناسبة وجوّاً مناسباً تبرز مرة واحدة.

ولذلك لا بدّ من هذا الوسط الاجتماعي والحياة الاجتماعية، والحضور في وسط المغريات والمثيرات ليستطيع الإِنسان أن يتجاوز الأنا بصورة كاملة.

وحقيقة أخرى لا تقل أهمية عن الأولى: أنّ حركة الانسان إلى الله تعالى حركة شاقة عسيرة وصبعة، ولا يستطيع الإِنسان أن يطوي هذا الطريق وحده، فإذا حضر نفسه في الجماعة المؤمنة، وانصهر في وسط الأمة هان عليه السير، واستطاع أن يطوي معهم هذا الطريق بكفاءة وجدارة ويسر.
لذلك نقول في الصلاة، ونكرر في كل يوم عشر مرات ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِين بصيغة الجمع، وليس بصيغة المتكلم الوحده، فإنّ الطريق إلى الله طريق صعب، وليس من شك أن سلوك هذا الطريق، وطي هذه المسافة مع الجماعة المؤمنة آمن وأسلم وأيسر.

ولذلك نجد أنّ الطريق إلى الله ـ تعالى ـ يتمّ في الاسلام، عبر الحضور في الجماعة المسلمة والانصهار فيها، وليس بمعزل عنها.

الأبعاد الثلاثة للحج:
تلك هي المراحل الثلاث التي يرسمها الحج بلغته الرمزية الخاصة:
1ـ مرحلة تجاوز الذات.
2ـ مرحلة الانصهار في الجماعة.
3ـ مرحلة الحركة إلى الله.
وهذه المراحل الثلاث هي الأطراف الثلاثة في علاقات الانسان ; فإنّ للانسان علاقة بالله تعالى، وعلاقة بالمجتمع والكون، وعلاقة بنفسه.

وهذه العلاقات منظورة جميعاً في الحج، ومن عجب أن تكون علاقة الانسان بالجماعة وانصهاره فيها، هو الجسر الذي يربط الانسان بالله تعالى، وليس هو الحاجز والحاجب والعقبة كما في التصورات الرهبانية 1.


1-محمّد مهدي الآصفي/ مجلة ميقات الحج.

اكد قائد الثورة الاسلامية آية الله العظمى الامام السيد علي الخامنئي، اليوم الثلاثاء، خلال استقبال رئيس ومسؤولي السلطة القضائية، بمناسبة يوم السلطة القضائية، ان سر شموخ الجمهورية الإسلامية في جميع الأحداث هو الصمود وعدم الخوف من الأعداء.

وخلال هذا اللقاء أشار قائد الثورة الإسلامية، الى ذكرى الشهيد آية الله بهشتي وسائر الشهداء في انفجار «7 تير» (28/6/1981)، ووصف الشهيدَ بهشتي بـ«الشخصية البارزة حقاً». وجراء «الظروف المعقدة والخاصة بالأشهر التي سبقت "7 تير"»، ورأى سماحته خلال اجتماعه صباح اليوم الثلاثاء 28/6/2022 مع رئيس السلطة القضائية محسني إجئي وأعضاء السلطة، أن دراسة تلك المرحلة «وسيلة للمضي قدماً في يومنا هذا».  

وأشار الإمام الخامنئي بمراجعته الأوضاع في 1981، والأشهر التي سبقت «7 تير»، إلى «الظروف الصعبة للحرب المفروضة» وتقدّم قوات صدام حسين إلى مقربة من بعض المدن الكبيرة في غربي إيران وجنوبيها، قائلاً: «بالإضافة إلى الظروف غير المواتية للحرب، كان المنافقون في طهران قد بدؤوا عملياً حرباً داخلية أيضاً، ومن الناحية السياسية أيضاً قبل أيام قليلة من "السابع من تير"، صوّت مجلس النواب على نزع الأهلية السياسية عن رئيس الجمهورية... في مثل هذه الظروف، سُلبت الثورة والنظام محوراً مثل الشهيد بهشتي». 

ولفت سماحته إلى استشهاد رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء بعد شهرين من حادثة «7 تير» وبعدها استشهاد عدد من كبار القادة في الحرب في حادث سقوط طائرة، قائلاً: «على الشباب مطالعة هذه القضايا والتفكير فيها بعناية... مَن الحكومة والدولة التي تعرفون أنها لا تسقط أمام مثل هذه الأحداث المريرة والمروّعة؟». 

لكن قائد الثورة الإسلامية نبّه إلى أن «في مواجهة كل هذه الأحداث، وقف الإمام (الخميني) مرفوع الهامة مثل قمة دماوند قبل الجميع، كما ثبتَ المسؤولون الحريصون والناس والشباب الثوريون واستطاعوا تغيير ظروف البلاد مئة وثمانين درجة، فتبدّلت الإخفاقات المتتالية إلى انتصارات متتالية». 

في إشارة إلى موقف العدو في بعض المراحل بسبب بعض نقاط الضعف والنقص الداخلية، قال سماحته: «في كلّ من عام 1981 وبعد ذلك أيضاً خلال العقود الأربعة الماضية، انبهر العدو وعقد الأمل في بعض الحالات وظنّ أن الثورة والنظام صارا قيد الرحيل لكن هذا الأمل تحوّل إلى خيبة... مشكلة هؤلاء أنهم لا يلتفتون إلى السر في هذه الخيبة». وتابع: «لا يستطيع العدو أن يفهم أنه في هذا العالم هناك حسابات وعلاقات أخرى غير الحسابات والعلاقات السياسية، هي السنن الإلهية». 

كذلك، تحدث الإمام الخامنئي عن المضامين الكثيرة في القرآن بشأن السنن الإلهية، موضحاً: «إذا صمدت المجتمعات ضد الأعداء وأدت واجباتها بالتوكل على الله، فنتيجة ذلك النصر والتقدم، وأما إذا أصيبت بالخلافات وطلب الراحة والوهن، فنتيجة ذلك الهزيمة».

في هذا السياق، شدد قائد الثورة الإسلامية على «الدراسة العلمية للسنن الإلهية عبر نظرة اجتماعية»، قائلاً: «عام 1981 استطاع الشعب الإيراني أن يخيب آمال العدو باستقراره في مدار إحدى السنن الإلهية، أي الجهاد والصمود، واليوم أيضاً القاعدة والقانون نفسيهما ساريان، والله عام 2022 هو نفسه الله عام 1981، ولا بدّ أن نسعى أن نجعل أنفسنا مصداق السنن الإلهية حتى تكون نتيجة ذلك التقدّم والنصر».  

في جانب آخر من حديثه، رأى سماحته أن القضاء «ركن مهم ومؤثر في البلاد كلها». وقال: «وفقاً لآيات القرآن الكريم إن واجب الحكومة الإسلامية هو إقامة الصلاة، أيْ نشر روح التعبّد في الجمهورية الإسلامية، وإيتاء الزكاة، أي العدالة التوزيعية في المجتمع الإسلامي، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، أي الأمر بقيَمٍ كالعدالة والإنصاف والأخوة والنهي عن الظلم والفساد والتمييز الذي أكده الدستور أيضاً، وهذا من واجبات السلطة القضائية».  

الإمام الخامنئي أوصى مسؤولي القضاء بـ«مكافحة الفساد بجدية»، مؤيّداً ما قاله رئيس السلطة القضائية عن أن «مكافحة الفساد في السلطة [القضائية] هي في الأولوية». وتابع: «غالبية القضاة هم أشخاص شرفاء ونزيهون ونجباء ومؤمنون ومثابرون، لكن يجب التعامل مع الفاسدين القلائل الذين يضرون بعمل الآخرين وسمعتهم... طبعاً في مكافحة الفساد إن المَهمة الأساسية هي مواجهة الهيكليّات المنتجة للفساد وتفكيكها».  

كما كان «رفض ترك أيّ من الصلاحيات والمَهمات القانونية للسلطة [القضائية] معطلة» توصية سماحته الأخرى للمسؤولين القضائيين، إذ قال في هذا الصدد: «مثلاً للنائب العام واجبات في مجال الحقوق العامة، فيجب التصدي لتضييع الحقوق العامة عبر الرصد التام... بعيداً عن العواطف والتأثر بالشعارات».  

في توصية أخرى، قال قائد الثورة الإسلامية لمسؤولي السلطة القضائية بخصوص الأمن النفسي للناس: «الأمن النفسي من جملة الحقوق العامة، وعلى الجهاز القضائي أن يتصدّى لإقلاق أذهان الناس وتشويهها بالإشاعات والتصريحات الكاذبة التي تبثّ الخوف، والتي تصدر عن أفراد في وسائل الإعلام والفضاء المجازي».  

يذكر أنّ في بداية هذا اللقاء قدّم رئيس السلطة القضائية، حجة الإسلام والمسلمين الشيخ محسني إجِئي، تقريراً عن إجراءات هذا الجهاز في المدة الأخيرة.

جاء ذلك خلال اللقاء بين "اية الله رئيسي" ورئيس الهيئة المشتركة لرؤساء اركان الجيش الباكستاني "نديم رضا" الذي يزور البلاد حاليا.

واشاد رئيس الجمهورية بتعاون اسلام اباد والجيش الباكستاني في تعزيز الظروف الامنية على الشريط الحدودي مع ايران.

وصرح، ان وجود القوات الامريكية والحلف الاطلسي على مدى العقدين الاخيرين في افغانستان لم يخلف سوى الدمار والمجازر لهذا البلد.

واضاف رئيسي في هذا اللقاء، ان المطلوب من طالبان تاسيس حكومة شاملة بمشاركة كافة الاقوام الافغانية والتيارات، بهدف ترسيخ الاستقرار والسلام في افغانستان.

الى ذلك، عبر رئيس هيئة رؤساء اركان الجيش الباكستاني على العلاقات الودية والحميمة التي تجمع بلاده بالجمهورية الاسلامية الايرانية.

وصرح "رضا" خلال اللقاء مع اية الله رئيسي اليوم، ان الزيارات المتتالية للمسؤولين الباكستانيين خلال الشهر الاخير الى ايران، خير دليل على رغبتنا في توسيع العلاقات مع الجمهورية الاسلامية الايرانية.

مصدر : العالم

وبيّن المنصري أنّ "هناك بعض الأحزاب والجمعيات والمنظمات التي طلبت المشاركة في الاستفتاء، ولكن أغلبية الطلبات قدّمها مواطنون".

وقال "تم غلق باب الترشح للمشاركة مساء الاثنين، ولكن مددت الهيئة إلى غاية مساء الثلاثاء 28 يونيو/حزيران عند السادسة مساء، لتصحيح الأمور وبعض الوثائق"، مشيراً إلى أنّ "كل الطلبات يتم إيداعها في العاصمة في مقرّ الهيئة المركزي سواء للمشاركين داخل تونس أو المقيمين في الخارج".

وأفاد المنصري بأنه "سيتم نشر قائمات المشاركين في الحملة يوم غد"، مضيفاً "صادقنا على قائمة المترشحين من أعضاء الهيئات الفرعية للانتخابات داخل البلاد وخارجها، وسيتم أداء اليمين أمام أعضاء الهيئة اليوم في محافظة سوسة بالإضافة إلى تنظيم دورة تدريبية للإشراف على الاستفتاء، ثم سيتم عقد ندوة صحافية الخميس لتقديم حصيلة عن جميع أعمال الهيئة".

وأضاف أنه "تم توزيع المواد الانتخابية داخل البلاد وخارجها ووضعها في مخازن هيئة الانتخابات، وسيتم إبرام اتفافيات مع عدد من الوزارات والمصالح لإنجاح الاستفتاء".

وبيّن أنّ "مجلس الهيئة في حالة انعقاد دائم بسبب دقة المسائل الدقيقة والمستعجلة على غرار المصادقة على المخطط الإعلامي للاستفتاء حيث حملة التحسيس بداية من يوم الثلاثاء".

وتنص روزنامة هيئة الانتخابات التونسية على أن يبت مجلس الهيئة في تصاريح المشاركة بحملة الاستفتاء في أجل أقصاه الثلاثاء 28 يونيو، بينما بدأت في قبول المشاركات منذ الاثنين 21 يونيو، على أن يتم تعليق قائمة المشاركين في حملة الاستفتاء بمقر الهيئة ونشرها بموقعها الإلكتروني في ذلك الأجل (يوم 28 يونيو)، وتقوم الهيئة بإعلام المشاركين، فردياً، بقراراتها، في أجل أقصاه يوم الأربعاء 29 يونيو/ حزيران الحالي.

وينتظر أن ينشر الرئيس التونسي قيس سعيّد مشروع الدستور في الجريدة الرسمية للبلاد في 30 يونيو/حزيران حتى يطلع عليها التونسيون والمشاركون في حملة الاستفتاء لتحديد موقفهم منه قبل الذهاب للتصويت في 25 يوليو/تموز المقبل.

وسيتم قبول مطالب سحب تصاريح المشاركة في حملة الاستفتاء في أجل أقصاه 2 يوليو، كما سيتم فتح باب إيداع التصاريح بتحديد الموقف من مشروع النص المعروض على الاستفتاء يوم الجمعة 1 يوليو، ويغلق يوم السبت 2 يوليو 2022.

وينقسم المشهد السياسي التونسي إلى 3 أقطاب: قطب المشاركين والمساندين للاستفتاء ممن سيقودون حملتهم لترغيب الناخبين في التصويت بنعم على مشروع الدستور، على غرار الحركات السياسية الجديدة المساندة لسعيّد وحراك 25 يوليو وبعض الشخصيات والأحزاب الصغرى الموالية للمسار.

وأما القطب الثاني فيضم المشاركين في الحملة ولكنهم سيتوجهون إلى معارضة مشروع الدستور وتحفيز الناخبين للتصويت بـ"لا"، على غرار ما أعلنه حزب آفاق تونس.

فيما يبرز القطب الأكبر المقاطع للاستفتاء والذي رفض ما اعتبره منح الانقلاب شرعية المسار الذي يناهضونه من أساسه، على غرار مكونات جبهة الخلاص الوطني التي تضم خصوصاً حزب النهضة (أكبر الأحزاب البرلمانية حسب انتخابات 2019) وحزب قلب تونس وائتلاف الكرامة (من أكبر الأحزاب البرلمانية عدديا) وحراك "مواطنون ضد الانقلاب" وحركة أمل وحراك تونس الإرادة واللقاء الوطني للإنقاذ وحراك توانسة من أجل الديمقراطية واللقاء من أجل تونس واللقاء الشبابي من أجل الديمقراطية والعدالة الاجتماعية وتنسيقية عن نواب مجلس الشعب المنحل.

كما أعلنت مجموعة الأحزاب اليسارية الاجتماعية الأكثر تمثيلية مقاطعتها للاستفتاء، وهي تضم 5 أحزاب سياسية تتكون من التيار الديمقراطي وحزب التكتل والحزب الجمهوري وحزب العمال وحزب القطب.

كما يعتبر الحزب الدستوري الحر من أبرز المقاطعين للاستفتاء، إذ أعلن في لائحته العامة أنه لن يعترف بمساره غير القانوني "الذي يرمي للسطو على إرادة التونسيين".

بدورها أعلنت منظمة أنا يقظ (منظمة رقابية) عن مقاطعتها الاستفتاء ونضالها بكل السبل لتشجيع المواطنين على مقاطعته.

وفي سياق متصل يعتبر اتحاد الشغل التونسي أبرز المشاركين في حملة الاستفتاء بعد أن أعلن أمينه العام نورالدين الطبوبي، أنّ "الاتحاد قرر التسجيل في الحملة الانتخابية للاستفتاء"، مشيراً إلى أنّ "الهيئة الإدارية التي ستنعقد يوم 2 يوليو المقبل ستحدد موقف الاتحاد من الدستور الجديد (التصويت بنعم أو لا) بعد نشره والاطلاع على محتواه".

مصئر العالم 

من المقرر عقد جولات المحادثات النووية الإيرانية الغربية هذه المرة في قطر، وبشكل غير مباشر بين إيران والولايات المتحدة.. وسوف يؤدي مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي إنريكي مورا دور المراقب في هذه المفاوضات.
إعرابه:
- الجولة الجديدة من المحادثات النووية التي بدأت في ربيع العام الماضي وأواخر الإدارة الإيرانية السابقة والتي تواصلت مع تولي الإدارة الجديدة مهامها.. تستمر بعد وقفة ذات مغزى، وتستأنف هذه المرة و من خلال سياق جديد في قطر وتحت إشراف إنريكي مورا.. حيث أعلنت إيران أن موافقتها على استضافة قطر هذه الجولة، إنما تأتي بسبب الدور الإقليمي الإيجابي لقطر.
- تحظر الولايات المتحدة إلى قطر بهدف ما أسمته منع إيران من امتلاك سلاح نووي، وتسعى إيران لإحياء اتفاق نووي تستفيد من مصالحه، فيما يعىدو الاتحاد الأوروبي بدوره كمراقب في المفاوضات خلف تتبع تعاطفه الدائم مع الولايات المتحدة في هذا الملف، وأخيراً يمكن لقطر كنائبة عن دول المنطقة أن تساعد في تبديد الرؤية التي تتبناها بعض دول المنطقة والتي تزعم أن نشاطات إيران النووية تتعارض مع الأمن والاستقرار الإقليميين.
- في أول فرصة بعد الإعلان عن بدء المحادثات ذهب روبرت مالي إلى قطر نيابة عن الولايات المتحدة. كما غادر علي باقري إلى قطر من بعده. وفضلت بعض دول المنطقة أن تتابع المحادثات عن كثب بإرسال ممثلين لها إلى قطر، كما فعلت الإمارات بإرسال مستشارها للأمن القومي طحنون بن زايد إلى قطر.
- وفي خضم ذلك عكست بعض الدول الأوروبية مثل فرنسا ومن خلال تواصلها هاتفيا مع إنريكي مورا أحدث وجهات نظرها، فيما يتوقع أن تستمر هذه الوتيرة في الأيام المقبلة ومن قبل دول أوروبية أخرى.
- في الفترة ما بين الجولة الأخيرة من المحادثات النووية في فيينا مع جولة قطر، مارس الغرب ومن خلال استخدام أدوات كالوكالة الدولية للطاقة الذرية، وكذلك إصدار قرار ضد إيران، والتهديد بإحالة ملف إيران إلى مجلس الأمن.. مارس آخر الضغوط المتصورة من أجل ثني إيران عن مواقفها المبدئية والمحقة.. ولكنه أخفق بالطبع.
- والآن وعلى أعتاب زيارة بايدن إلى المنطقة وبعد الزيارة الرسمية لـ بوريل مسؤول السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي إلى طهران، تستضيف قطر الاجتماع القادم.. ما سيفضي عن هذا الاجتماع يمكن تصوره في عدة سيناريوهات: أولاً، أن تواصل الولايات المتحدة الإصرار على مواقفها المتعنتة، وأن تصرّ على المواقف الغربية غيرالمتفقة تماماً ولكن المبدئية، من بينها إعطاء الضمانات لإيران والإبقاء على بعض الحظر على بعض الأشخاص والمؤسسات وأن ترى إيران أنها غير منتفعة من نتائج الاتفاق النووي.. ففي هذا الحال ستكون نتائج اجتماع قطر واضحة من الآن.. وفي السيناريو الثاني والذي لا يعتبر مستبعداً، أن يبدي الطرفان مرونات من جانبهم من أجل إنقاذ الاتفاق النووي بغية الوصول إلى أفق جديد. ومن الواضح في هذه الحالة أن المرونة من الجانب الإيراني ستكون بالتأكيد متآلفة مع مواقفها المبدئية، وإنما على الولايات المتحدة أن تعلن مزيداً من الابتعاد عن مواقفها غير العادلة.
- واقع الساحة النووية هو أن مرور الوقت في الملف النووي ليس بمصلحة الغرب أساساً.. فبعد سنوات من خروج ترامب من الاتفاق النووي لم يعد يرى الغرب ضغوطه قد شلت إيران، كما أنه لم يستطع من إرغام إيران على التراجع عن الأبحاث والتطوير في المجال النووي.
- إن تركيبة الحضور لممثلي أطراف الاتفاق النووي في قطر يدل على أن الأساس الرئيسي للخلافات في هذا الملف متوجه إلى الولايات المتحدة وإيران، لذلك من المرجح أن يعرض كل طرف احتجاجاته واستدلالته في اجتماع قطر، علّ ذلك يكون كفيلاً بالخروج من المشكلة التي اختلقتها أميركا والتي لا زالت تصر عليها.
- على الرغم أن من السابق لأوانه التكهن بنتائج اجتماع قطر، لكن قد تكون أقل نتيجة يمتخض عنها هذا الاجتماع أن تصبح دول المنطقة مرة واحدة وإلى الأبد على دراية بدلائل إيران، وأن تودع المخاوف التي غرستها الولايات المتحدة والغرب في أذهان الرأي العام والتي تزعم أن برنامج إيران النووي السلمي يتعارض مع الأمن والاستقرار الإقليميين.
- عطفا على ما سبق يبدو أن قطر هي آخر محطة نووية لاستماع وتفهم دلائل إيران من قبل الغرب ودول المنطقة.. رغم أن إيران كانت منطقية دوماً، ولم تتجنب أبداً خوض المفاوضات المنطقية.

الأحد, 26 حزيران/يونيو 2022 12:07

العاقل لا يغترّ بطول الأمل

يظهر أثر قصر الأمل في المبادرة إلى الأعمال الصالحة واغتنام أوقات العمر، فإنّ الأنفاس معدودة والأيام مقدّرة، وما فات لن يعود، وعلى الطريق عوائق كثيرة، ومن قصر أمله قلّ همّه، وتنوّر قلبه لأنّه إذا استحضر الموت اجتهد في الطاعة، وقد أرشدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قائلاً: "أكثروا من ذكر هادم اللذّات، فقيل: يا رسول اللّه، وما هادم اللذّات؟ قال صلى الله عليه وآله وسلم: الموت، فإنّ أكيس المؤمنين أكثرهم ذكراً للموت، وأحسنهم للموت استعداداً"[1].
 
وقال الإمام أمير المؤمنين عليه السلام: "اتّقوا باطل الأمل، فربّ مستقبل يوم ليس بمستدبره، ومغبوط في أول ليلة قامت بواكيه في آخره"[2].
 
والواقع أنّ أصحاب العقول لا يُمكن أن يغترّوا بطول الآمال، وهم يرون في كلّ يوم وفي كلّ صباح وفي كلّ مساء أجناس الناس الذين ينتقلون إلى الدار الآخرة، ممّن هم أقوى منهم أبداناً وأكثر أموالاً كلّ هؤلاء يدفنون جميعاً في المقابر، وكلّنا صائرون إلى ذلك المصير:
ومن لم يمت بالسيف مات        بغيره تعدّدت الأسباب والموت واحد
 
قال مولانا أمير المؤمنين عليه السلام: "من أيقن أنّه يُفارق الأحباب، ويسكن التراب ويواجه الحساب، ويستغني عمّا خلف، ويفتقر إلى ما قَدم، كان حريّاً بقصر الأمل وطول العمل"[3].
 
 الزهد وقصر الأمل
قال مولانا أمير المؤمنين عليه السلام: "رحم الله أمرأً قصّر الأمل، وبادر الأجل، واغتنم المهل، وتزوّد من العمل"[4].
وقال سلمان المحمدي رضي الله عنه: "ثلاث أعجبتني حتّى أضحكتني: مؤمّل الدّنيا والموت يطلبه، وغافل لا يغفل عنه، وضاحك ملء فيه لا يدري أمسخط ربّه أو مرضيه"[5].
ودخل رجل على أبي ذر الغفاري رضي الله عنه، فجعل يُقلّب بصره في بيته، فقال: "يا أبا ذر! أين متاعكم؟ فقال أبو ذر: إنّ لنا بيتاً نوجّه إليه صالح متاعنا، فقال الرجل: إنّه لا بدّ لك من متاع ما دمت هاهنا، فقال أبو ذر: إنّ صاحب المنزل لا يدعنا فيه"[6]، فأبو ذر غريب في الدنيا يمشي وحده، ويموت وحده، ويبعث وحده، وهو من الجنّة، وإلى الجنّة:
كم منزل للمرء يألفه الفتى       وحنينه أبداً لأول منزل.
 
وكان أُويس بن عامر القرني رضوان الله عليه إذا قيل له: كيف الزمان عليك؟ قال: "كيف الزمان على رجل إن أصبح ظنّ أنّه لا يُمسي، وإن أمسى ظنّ أنّه لا يُصبح، فمُبَشَّر بالجنّة أو النار يا أخا مراد إنّ الموت وذكره لم يترك لمؤمن فرحاً.."[7].
 
يا ذا المؤمِّل آمالاً وإن بَعُدتْ        منه ويزعُم أن يحظى بأقصاها
أنَّى تفوز بما ترجوه ويكَ وما          أصبحت في ثقة من نَيْل أدناها
[8]
 
أعاذنا الله وإيّاكم من طول الأمل، فإنّه يمنع خير العمل، ويُنسي المرء التفكّر في الأجل، وجعلنا الله وإيّاكم ممّن يُقصّرون الأمل ويستجلبون به حلاوة الزهادة، وصلى الله على سيدنا مُحمد وآله الطاهرين.
 
المهتدون، جمعية المعارف الإسلامية الثقافية


[1] ابن الأشعث محمد بن محمد، الجعفريات، ص 199، باب ذكر الموت، ط 1، مكتبة لنينوى الحديثة، طهران.
[2] الآمدي التميمي، غرر الحكم و درر الكلم، الفصل السابع "الأماني" ( ذم الأمل )، رقم: 7231.
[3] محمد بن علي الكراجكي، كنز الفوائد، ج 1، ص 351، طبعة 1: دار الذخائر، قم.
[4] الآمدي التميمي، غرر الحكم و درر الكلم، الفصل الثالث، آثار الاعتقاد بالمعاد، رقم: 2734 .
[5] أحمد بن حنبل، الزهد، ج 1، ص 153، طبعة دار الريان للتراث، القاهرة.
[6] أحمد بن الحسين البيهقي، شعب الإيمان، ج 7، ص 378، رقم ( 10651)، طبعة 1: دار الكتب العلمية.
[7] أبو نعيم الأصبهاني، حلية الأولياء، ج 2، ص 83، طبعة 4: دار الكتاب العربي.
[8] محمد بن أحمد القرطبي، الجامع لإحكام القرآن، ج 10، ص 3، الطبعة 2: دار أحياء التراث.

الأحد, 26 حزيران/يونيو 2022 12:04

آثار سوء الخلق وعاقبته

آثار سوء الخلق وعاقبته

من آثار سوء الخلق التي يلقاها صاحب الخلق السيء ما يلي:

1- العذاب النفسيّ
عن الإمام عليّ (عليه السلام): «سوء الخلق نكد العيش وعذاب النفس«([1]).
وعنه (عليه السلام): »سوء الخلق يوحش النفس، ويرفع الأنس»([2]).
وسئل (عليه السلام) عن أَدْوَمِ الناس غمًّا، فقال: «أسوأهم خُلقًا»([3]).
وعن الإمام الصادق (عليه السلام): »من ساء خلقه عذّب نفسه»([4]).

2- بُعد الناس
عن الإمام عليّ (عليه السلام): «سوء الخلق يوحش القريب، وينفِّر البعيد»([5]).

3- ضِيق الرزق
عن الإمام عليّ (عليه السلام): «من ساء خلقه ضاق رزقه»([6]).

4- فساد العمل
عن الإمام الصادق (عليه السلام): «إنّ سوء الخلق لَيُفسِد العمل كما يُفسد الخلّ العسل»([7]).

5- إعاقة التوبة
عن الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله): «أبى الله لصاحب الخلق السيّىء بالتوبة، فقيل: يا رسول الله، وكيف ذلك؟ قال (صلى الله عليه وآله): لأنّه إذا تاب من ذنب وقع في أعظم منه»([8])

6- عذاب القبر
عن أبي عبد الله الصادق جعفر بن محمّد (عليه السلام) قال: «أُتي رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقيل له: إنّ سعد بن معاذ قد مات. فقام رسول الله (صلى الله عليه وآله) وقام أصحابه معه، فأمر بغسل سعدٍ، وهو قائم على عضادة الباب، فلمّا أن حُنِّط وكُفِّن وحُمل على سريره، تبعه رسول الله (صلى الله عليه وآله) بلا حذاء ولا رداء، ثمّ كان يأخذ يمنة السرير مرّة، ويسرة السرير مرّة، حتّى انتهى به إلى القبر، فنزل رسول الله (صلى الله عليه وآله) حتّى لحده، وسوَّى اللِّبن عليه، وجعل يقول: ناولوني حجرًا، ناولوني ترابًا وطينًا، يسدّ به ما بين اللِّبن، فلمّا أن فرغ وحثا التراب عليه، وسوىَّ قبره، قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): إنّي لأعلم أنّه سيُبلى، ويصل البلى إليه، ولكنَّ الله يحبّ عبدًا إذا عمل عملاً أحكمه. فلمّا أن سوّى التربة عليه، قالت أمّ سعد: يا سعد، هنيئًا لك الجنّة. فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): يا أمّ سعد، مه، لا تجزمي على ربّك، فإنّ سعدًا قد أصابته ضمّة. فرجع رسول الله (صلى الله عليه وآله)، ورجع الناس، فقالوا له: يا رسول الله، لقد رأيناك صنعتَ على سعدٍ ما لم تصنعه على أحد، إنّك تبعت جنازته بلا رداء ولا حذاء؟! فقال (صلى الله عليه وآله): إنّ الملائكة كانت بلا رداء ولا حذاء، فتأسّيت بها، قالوا: وكنت تأخذ يمنة السرير مرّة، ويسرة السرير مرّة؟ قال (صلى الله عليه وآله): كانت يدي في يد جبرئيل (عليه السلام)، آخذ حيث يأخذ. قالوا: أمرت بغسله، وصلَّيت على جنازته، ولحدته في قبره، ثمّ قلت: إنّ سعدًا قد أصابته ضمّة؟ فقال (صلى الله عليه وآله): نعم، إنّه كان في خُلُقه مع أهله سوء«([9]).

7- براءة النبيّ (صلى الله عليه وآله)
عن الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله): ثلاث من لم تكن فيه فليس منّي، ولا من الله عزّ وجلّ، قيل: يا رسول الله، وما هنّ؟ قال: حلم يردّ به جهل الجاهل، وحسن خلق يعيش به في الناس، وورع يحجزه عن معاصي الله عزّ وجلّ»([10]).
 
كيف نتواصل مع الناس؟، الشيخ أكرم بركات


([1]) الواسطيّ، عليّ، عيون الحكم والمواعظ، ص285.
([2]) المصدر السابق، ص286.
([3]) البروجردي، حسين، جامع أحاديث الشيعة، ج13، ص512.
([4]) الكلينيّ، محمّد، الكافي، ج2، ص321.
([5]) الواسطيّ، عليّ، عيون الحكم والمواعظ، ص283.
([6]) المصدر السابق، ص431.
([7]) الكلينيّ، محمّد، الكافي، ج2، ص321.
([8]) المصدر السابق نفسه.
([9]) الصدوق، محمّد، الأمالي، ص468.
([10]) الصدوق، محمّد، الخصال، ص146.

الأحد, 26 حزيران/يونيو 2022 11:59

عقيدتنا في الصفات الإلهية

آيات قرآنية:   

1ـ (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) (الشورى/ 11).

إنّ الله تعالى لا شبيه ولا نظير له، فلا الأشياء تشبهه ولا هو يشبه الأشياء، وهو محيط بعباده، ولا يعزب عنه، ولا يخفى عليه علم شيء.

2ـ (قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ * اللهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ) (سورة الأخلاص).

فهو تعالى متفرد أحدٌ لا يوجد له مثيل أو نظير في أي شيء.

3ـ (هُوَ الأَوَّلُ وَالآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) (الحديد/ 3).

لا ابتداء قبله، فهو الأوّل، ومنه مبدأ كلّ شيء، ولا انتهاء بعده، فهو الآخر، وإليه منتهى كلّ شيء. الظاهر بآثاره وعجائب تدبيره، والباطن الخفيُّ عن الأبصار والأوهام بكنه ذاته وصفاته. وهو المحيط بكلّ الوجود، فلا يخفى، ولا يغيب عنه شيء.

4ـ (تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلَالِ وَالْإِكْرَام) (الرحمن/ 78).

«تبارك» لها عدّة معان، منها: الدوام والزيادة للخيرات، والنِّعم الإلهية، ومنها: التقديس والتنزيه لله عزّوجلّ. وفي قوله تعالى: (ذِي الْجَلَالِ وَالْإِكْرَام). إشارة إلى جميع الصفات المنزَّه عنها، وجميع صفات كماله.

5ـ (إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ).

متمكن من كلّ شيء، فاعل لما يشاء، يدبّر شؤون الخلق بحكمته دون أن يشاركه أحد، ولا ينسب إليه العجز مطلقاً.

6ـ (هُوَ اللهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ * هُوَ اللهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ * هُوَ اللهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) (الحشر/ 22-24).

لا معبود سواه تعالى، صفاته تعالى تدلّ على كماله، وتنزهه عن كلّ شريك، ولا يشبهها ولا يحيط بها شيء، ولا يتعلّق بها نقص.

وقيم وزير الخارجية حسين أمير عبد اللهيان على صفحته الشخصية على انستغرام إيجابياً نتائج المحاديات مع جوزيف بوريل الممثل الأعلى للسياسة الخارجية والسياسة الأمنية للاتحاد الأوروبي.

وقال، سنواصل المفاوضات الآن دون التراجع عن حقوق الشعب الإيراني العزيز، ونأمل أن يتخذ الجانب الأمريكي  هذه المرة إجراءات مسؤولة وملتزمة بشكل واقعي ومنصف في مسار المفاوضات والوصول إلى نقطة انجاز الاتفاق.

ناقش قادة دول "بريكس" في قمتهم المنعقدة، اليوم الخميس، عدداً من الملفات الإقليمية أبرزها المفاوضات النووية بين الدول الغربية وإيران، والعملية الروسية في أوكرانيا، والوضع في أفغانستان، إضافة إلى الوضع الاقتصادي في العالم.

وحول الملف النووي الإيراني، طالب قادة دول "بريكس" اليوم الخميس، بحل القضية النووية الإيرانية بالوسائل السلمية والدبلوماسية.

وأكدت دول "بريكس" في البيان الختامي لقمتها، "ضرورة حل القضية النووية الإيرانية بالوسائل السلمية والدبلوماسية وفقاً للقانون الدولي، وعلى أهمية الحفاظ على خطة العمل الشاملة المشتركة وقرار مجلس الأمن رقم 2231 من أجل عدم انتشار الأسلحة النووية". 

وبشأن العملية الروسية في أوكرانيا، ناقش قادة دول "بريكس" المسألة، مع التأكيد على دعم المفاوضات بين كييف وموسكو.

أما بشأن أفغانستان، فقد أيد القادة سلمية واستقرار البلد، مع احترام سيادتها وسلامة أراضيها، وعدم التدخل في شؤونها الداخلية".

وفي بيان القمة الختامي شددت دول "بريكس"، على أن "أراضي أفغانستان يجب ألا تستخدم لتهديد أو مهاجمة أي دولة، أو لإيواء أو تدريب الإرهابيين، أو لتخطيط أو تمويل أعمال إرهابية، ونعيد التأكيد على أهمية مكافحة الإرهاب في أفغانستان".

وفي السياق نفسه، أعلن القادة رفضهم للمعايير المزدوجة في مكافحة الإرهاب. ودعت هذه الدول، إلى "الإسراع بإتمام واعتماد اتفاقية شاملة في إطار الأمم المتحدة بشأن مكافحة الإرهاب الدولي، وكذلك إطلاق مفاوضات حول اتفاقية لمكافحة الإرهاب الكيميائي والبيولوجي في إطار مؤتمر نزع السلاح".

اقتصادياً، دعت دول "بريكس" الدول المتقدمة الكبرى إلى تبني سياسة اقتصادية مسؤولة، والتغلب على العوامل السياسية الثانوية السلبية.

وجاء في إعلان بكين للقمة الرابعة عشرة لدول "بريكس"، التأكيد على أن "الحوكمة الاقتصادية العالمية ضرورية للبلدان لتحقيق التنمية المستدامة، ونذكر بشأن دعم توسيع وتعزيز مشاركة البلدان النامية والدول ذات الأسواق الناشئة في عمليات صنع القرار الاقتصادي الدولي و وضع المعايير".

وشددت على أن "مجموعة العشرين" يجب أن تحافظ على سلامتها والاستجابة للتحديات العالمية الحالية.

كما دعت الأطراف المجتمع الدولي إلى "تعزيز الشراكات مع التأكيد على الحاجة إلى تعزيز تنسيق سياسة الاقتصاد الكلي لإخراج الاقتصاد العالمي من الأزمة وبناء انتعاش اقتصادي قوي ومستدام ومتوازن وشامل بعد انتشار الوباء ".

وفي الإطار نفسه، أعلنت دول "بريكس"، أنها ستساهم في مشاركة أكثر جدوى للبلدان النامية والأقل نمواً، وخاصة أفريقيا، في العمليات العالمية.

واستضافت بكين قمة "البريكس" الرابعة عشرة، التي عقدت إفتراضياً  تحت عنوان "تعزيز شراكة بريكس عالية الجودة ـ بداية عصر جديد للتنمية العالمية".

 المصدر: الميادين