emamian

emamian

الأحد, 03 تشرين1/أكتوير 2021 14:17

ما هو الذنب؟

يقول الله تعالى: ﴿وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدً1.

معنى الذنب
الذنب هو مخالفةُ الأوامر الإلهيَّة الواردة في الشَّريعة الإسلاميَّة، من خلال ترك الواجبات أو ارتكاب المحرَّمات التي يُعاقب الله تعالى عليها. فكلُّ مخالفة لتلك الأوامر والنواهي تُعدُّ ذنباً، حتَّى لو كان هذا الذنب في نفسه هيّناً وبسيطاً، فهو عظيم لمخالفته الأوامر والنواهي الربّانية، والخروج عن رَسْمِ الطَّاعة والعبوديَّة.

كبائر الذنوب وصغائرها
لقد قسّم القرآن الكريم والروايات الشريفة الذنوب إلى نوعين هما: الكبائر والصغائر. ويدلُّ على صحّة هذا التقسيم الآية الشريفة الآتية، في قوله تعالى: ﴿إِن تَجْتَنِبُواْ كَبَآئِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُم مُّدْخَلاً كَرِيمً2.

يُستفاد من الآية أنّ الكبائر يُقابلها ما هو أدنى منها رتبةً، أي الصَّغائر، فالمنهي عنها هي المعاصي، الصغائرُ والكبائرُ، والسيِّئات في الآية هي الصَّغائر، لمناسبة المقابلة بينها وبين الكبائر. وكبر المعصية إنّما يتحقّق بأهمّية النهي عنها ، ولا يخلو قوله تعالى: ﴿مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ من دلالة على ذلك.

وقوله تعالى: ﴿الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ3، و"اللَّمَمَ" عبارة عن الصغائر أو نوع خاص منها.

رُوي عن الإمام الصَّادق عليه السلام: (في تفسير الآية)، قال: "الفواحش: الزِّنا والسّرقة، واللمم: الرّجل يلمّ بالذَّنب فيستغفر اللهَ منه. قلتُ: بين الضَّلال والكفر منزلةٌ؟ فقال: ما أكثر عُرى الإيمان"4.

فاللّمَم هو ما يلمُ به العبد من ذنوبٍ صغيرةٍ بجهالةٍ، ثمَّ يندمُ ويستغفرُ ويتوبُ، فيُغفَرُ له.

ويدلّ على ذلك قوله تعالى: ﴿وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدً5.

ومن مجموع هذه الآيات يظهر لنا أنّ الذنوب نوعان: صغيرة وكبيرة، مع أنّ كلّ ذنب مخالف للأوامر الإلهية يُعتبر كبيراً وثقيلاً، ولكن هذا الموضوع لا يُنافي كون بعض الذنوب من حيث آثارها الوخيمةُ أكبر من بعضها الآخر، وعليه يُمكن لنا تقسيمها إلى كبيرة وصغيرة.

الذُّنوب كلُّها شديدة
روي عن الإمام الباقر عليه السلام: "الذّنوب كلّها شديدة، وأشدُّها ما ينبت عليه الّلحم والدَّم، لأنَّه إمَّا مرحومٌ وإمَّا معذَّبٌ، والجنَّة لا يدخلها إلا طيّب"6.

فالذّنوب كلّها شديدةٌ، أي بحسب ذواتها، لأنَّها مخالفةٌ للأوامر الإلهية، وهذا هو وجه شدّتها، وإن كان بعضها أشدّ من بعضها الآخر، وأشدّها -حسب الرواية- ما ينبتُ عليه اللحم والدم الذي قد يشمل أكل الحرام والإصرار على المعصية من دون تكفيرها بالتوبة.

فالإنسان المرحوم هو من كفّرت ذنوبه بالتوبة أو البلاء في الدنيا، ويُقابله المعذّب، وهو الذي لم تُكفّر ذنوبه بأحد الوجوه المتقدّمة، والجنّة لا يدخلها إلا طيّبٌ، أي طاهرٌ وخالصٌ من الذُّنوب7.

وعليه، فالذنوب كلّها شديدةٌ، وجميعها كبائر، ولا فرق بينها من جهة مخالفة المولى سبحانه وتعالى، وإنّما الكبائر والصَّغائر هي أمورٌ نسبيةٌ لا ذاتيةٌ، وإنّما نُطلِقُ عليها لفظ الصغائر بالإضافة إلى ما هو أكبر منها، ونُطلق عليها لفظ الكبائر بالإضافة والنسبة إلى ما هو أصغر منها8.

فالجرح بالنسبة إلى القتل صغيرةٌ، وبالنسبة إلى اللطم كبيرةٌ، والزنا بالنسبة إلى النظرة المحرَّمة كبيرةٌ9.

وعليه، يُفهم من الرواية المتقدِّمة ضرورة تجنُّب كلّ ذنب يُعلَم كونه ذنباً حسب ما نصَّت عليه الشريعة الإسلامية، بل ينبغي تجنُّب كلّ ما يُحتمل أنّه كذلك، وذلك لعظمة مقام الله تعالى وحقّ طاعته، فإنّ الجرأة على ذاته المقدَّسة محتملة حتَّى مع وجود الاحتمال، فمن احتمل أنّ في الكأس خمراً فعليه عقلاً أن يمتنع عن شربه، لا لمفسدة الخمر وضرره فحسب، بل لعظمة الله ووجوب طاعته في كلّ الموارد، حتى المحتملة منها.

اتّقوا المحقّرات من الذنوب
للشيطان أبوابٌ كثيرةٌ ومداخل مختلفةٌ، يأتي منها ابنَ آدم ويستدرجه إلى المعاصي، وإنَّ أكثر بابٍ يتسلَّلُ منه إلى قلوب الناس هو باب احتقار الذُّنوب واستصغارها من قِبَلهم، وذلك بعد أن ييأس الشيطان من إسقاطهم في كبائر الذنوب يسعى جاهداً لإيقاعهم في الصغائر، بل قد يُصرُّون عليها، لأنّها بحسب تصنيفهم من صغائر الذنوب. لكنّه لو عُلم مدى خطورتها عليهم لما وقعوا فيها ولما أصرّوا عليها، روي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال: "لا تنظروا إلى صغر الذنب، ولكن انظروا إلى مناجترأتم"10.

وروي عن الإمام الصادق عليه السلام: "اتّقوا المحقّرات من الذنوب، فإنّها لا تُغفر"، قلتُ (أي الراوي): وما المحقّرات؟ قال: "الرجل يُذنب الذنب فيقول: طوبى لي لم يكن لي غير ذلك"11. وروي عن الإمام الباقر عليه السلام: "اتّقوا المحقّرات من الذنوب، فإنّ لها طالباً"12.

وروي عن النبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم في وصيّته لأبي ذر: "يا أبا ذر، إنّ الرجل ليعمل الحسنة فيتّكل عليها، ويعمل المحقّرات حتَّى يأتي الله وهو عليه غضبان، وإنّ الرجل ليعمل السيّئة فيفرق منها، يأتي آمناً يوم القيامة"13.

فالمحقّرات من الذُّنوب هي الذُّنوب التي يحتقرها الإنسان ويستصغرها، ويستهين بها، ويقول حسب ما ورد في بعض الروايات "أُذنِب وأَستغفر"، والله تعالى يقول: ﴿وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ14.

فالذي يُحقّر ذنبه ويستسهل أمره، ألا يدري أنّ الذنب مهما كان صغيراً أو حقيراً فإنَّه من حيث كونه معصيةً لله العظيم فإنّه يُعدّ أمراً عظيماً، فلا ينبغي للمؤمن أن يُحقّر شيئاً من الذنوب، فقد لا يُغفر له بسبب تحقيره واستخفافه بها.

والصغيرة قد تقترن بقلّة الحياء وعدم المبالاة بها، وترك الخوف والاستهانة بالله العظيم والإصرار عليها، وهذا - بالمناسبة - ما يمنع من شمول الشَّفاعة للمذنب، فتتحوّل هذه الصغيرة إلى كبيرةٍ من الكبائر، كما صرّحت الروايات15.

ما هي أسباب الذنوب؟
لكي نستطيع التعرُّف إلى أسباب الابتلاء بالذّنوب والوقوع بها، ينبغي التنبّه إلى أسباب هذه الذنوب، مع الإشارة إلى أنَّه يوجد العديد من الأسباب والعوامل سوف نقتصر على ذكر عاملين أساسين منها، هما:

1- ضعف الإيمان في النفس:
إنَّ أهمَّ سببٍ من أسباب الوقوع في المعاصي هو ضعف الرَّادع الدِّيني لدى الإنسان، أو ما يُسمَّى بـ "ضعف الإيمان". فالإيمان أمرٌ يقبل الزيادة والنقصان، والشدّة والضعف، فنحن نشاهد في مجتمعنا كثيراً من النَّاس يشكون من قسوة قلوبهم، ومن قلّة خشوعهم في صلاتهم، ونرى من سلوكيَّات بعضهم غلبةَ حرصهم على الدُّنيا ويأسهم وقنوطهم وحزنهم في الظُّروف والمصائب القاسية، بالإضافة إلى الأنانيَّة والغرور والتعصُّب، إلى غيرها من الأمراض المتعدِّدة، والتي ترجع إلى سببٍ واحدٍ وهو ضعفُ الإيمان، الذي يزدادُ ويشتدُّ عبر الطاعات وينقص ويضعف بالمعاصي، كما قال تعالى: ﴿وَإِذَا مَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُم مَّن يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُواْ فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ * وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْ وَمَاتُواْ وَهُمْ كَافِرُونَ16.

ولا شكّ أنّ هذا الضعف أو القوّة في الإيمان لا يولد مع الإنسان، ولا يُجبر عليه أحد، فهذا ينافي مبدأ الاختيار وعقيدة "أمر بين أمرين" التي تعني نفي الجبر والتفويض للنّاس، وإثبات اختيارية التكليف الذي تؤمن به مدرسة أهل البيت عليهم السلام. فمن خلال هذا البيان نفهم أنّ هناك أسباباً تؤدّي إلى ضعف الإيمان، بل إلى تلاشيه في بعض الأحيان، وكأنّه غير موجود.

فما هي تلك الأسباب التي قد تؤدّي إلى اضمحلال الإيمان والتي تجرّ الإنسان إلى الذنوب والمعاصي؟

من أبرز أسباب ضعف الإيمان:
- الجهل وعدم المعرفة، فهو من أعظم أسباب ضعف الإيمان.
- غلبةُ الهوى وطولُ الأمل، فغلبة الهوى تجعل الإنسان يميل إلى الشّهوات، وطول الأمل يُنسيه الآخرة ويجذِبُه إلى الدُّنيا.
- مصاحبة السفهاء والفجّار.
- ارتياد أماكن المعصية.
- ترك تعاهد القرآن، وعدم الذهاب إلى المساجد والأماكن المقدَّسة.
- ترك مجالسة العلماء وأهل العبادة.

2- سيطرة الشهوات والغرائز على الإنسان:
نقصد بها مجموعة الغرائز والقوى الموجودة في باطن الإنسان التي إن لم يعرفها ولم يسعَ إلى تعديلها فإنّها ستؤدّي به إلى الهلاك الحتمي، والوقوع في المعاصي. فينبغي عليه أوّلاً معرفتها والسعي في تعديلها، بمعنى إخراجها عن حدِّ الإفراط والتفريط، لأنّ عدم ذلك سيؤدّي إلى طغيانها وعدم استقرارها، وهذا ما سيدفع بالإنسان إلى ارتكاب المعاصي.

إنّ هذه القوى الباطنية المودعة في الإنسان قد تؤثّر سلباً أو إيجاباً على سلوكه وعلاقته بالله تعالى، فالله تعالى أوجد في الإنسان "قوّة العقل" وأعطاها جنوداً، وأوجد فيه "قوّة الجهل" أيضاً وأعطاها جنوداً.

فالإنسان في حركته التصاعدية العقلية قد يصل إلى درجة أعلى من درجة الملائكة إذا ابتعد عن الذَّنب بإرادته واختياره وتحكيمه لعقله وسيطرته على غرائزه، وقد يصل في حركته التنازلية من خلال اتّباعه للشهوات إلى درجةٍ يُصبح فيها كالأنعام، بل أضل سبيلاً، كما في قوله تعالى: ﴿إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلً17، وما ذلك إلا لأنّه حكَّم هواه على عقله، واتَّبع غرائزه وشهواته النَّفسية.

العلاج بالطهارة
من أبرز القوى والغرائز النفسية التي منحها الله عزّ وجلّ للإنسان:

1- القوّة الشهويّة:
وهي القوّة التي لا يصدر عنها إلا أفعال البهائم من عبوديّة الفرج والبطن، والحرص على الجماع والأكل. وتوصف بالقوى البهيميّة، لوجودها الأصلي في البهائم. ومن خواصّها أنَّها تُنْزِل الإنسان إلى درجة الأنعام، إن لم يُوجّهها ضمن الضوابط التي حدّدتها الشريعة. وهي من القوى العنيدة التي لا تهدأ بسرعة.

2- القوّة الغضبيّة:
وهي القوّة التي تكون منشأً لصدور أفعال السباع من الغضب والبغضاء والتوثّب على النَّاس بأنواع الأذى. وتمتاز القوّة الغضبيّة بأنّها قوّةٌ تهدأ بسرعةٍ بخلاف القوَّة الشَّهويّة، ومع أنَّها تمتازُ بشدَّتها من ناحيةٍ، لكنّها سرعان ما تهدأ من ناحية أخرى.

والإنسان إذا أطلق العنان للقوّة الشهوية والغضبية ولم يُخضعهما لميزان العقل والشرع فمن المؤكّد أنّها سوف توقعانه في المعاصي والذنوب وتدفعانه إلى مخالفة أوامر الله تعالى. لذا على الإنسان المؤمن أن يُطهّر قلبه وباطنه وجوارحه من مفاسد الشهوات والغضب، وأن يكون شديد الحرص والانتباه كي لا يكون أسير شهوته وغضبه، وأن يجعلهما دائماً في طريق الخير الذي يُرضي الله ورسوله، ولا يجعلهما في طريق الشيطان الذي يُبغضه الله ورسوله.

* كتاب هدى وبشرى، جمعية المعارف الإسلامية الثقافية.


1- سورة الكهف، الآية 49.
2- سورة النساء، الآية 31.
3- سورة النجم، الآية 32.
4- الشيخ الكليني، الكافي، ج2، ص278.
5- سورة الكهف، الآية 49.
6- الشيخ الكليني، الكافي، ج2، ص27.
7- مولي محمد صالح المازندراني، شرح أصول الكافي، ج9، ص244، مع تعليقات: الميرزا أبو الحسن الشعراني / ضبط وتصحيح: السيد علي عاشور، دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع - بيروت - لبنان، دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع، الطبعة الأولى، 1421 هـ- 2000م.
8- راجع: الاقتصاد الهادي إلى طريق الرشاد، ص144. بتصرف.
9- وممّن يذهب إلى هذا الرأي: الشيخ المفيد، وابن البراج الطرابلسي، وأبو الصلاح الحلبي، وابن إدريس الحليّ، والشيخ الطوسي، بل نسبه الطبرسي في تفسيره مجمع البيان إلى أصحابنا مطلقاً.
10- العلامة المجلسي، بحار الأنوار، ج 74، ص168.
11- الشيخ الكليني، الكافي، ج2، ص287.
12- م.ن، ص270.
13- العلامة المجلسي، بحار الأنوار، ج 74، ص79.
14- سورة يس، الآية 12.
15- كما سيأتي في الدروس اللاحقة.
16- سورة التوبة، الآيتان 124 - 125.
17- سورة الفرقان، الآية 44.

الأحد, 03 تشرين1/أكتوير 2021 14:14

فضيلة الصمت وخزن اللسان

روى الكليني قدس سره في الكافي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، قَالَ: "أَمْسِكْ لِسَانَكَ، فإنّها صَدَقةٌ تَصَدَّقُ بِهَا عَلَى نَفْسِكَ. ثُمَ قال:وَلا يَعْرِفُ عَبْدٌ حَقِيْقَةَ الإِيمَانِ حَتَّى يَخْزِنَ مِنْ لِسَانِهِ"1.

وقفةٌ مع لغة الموعظة

للإمساك معانٍ عديدة، منها: أمسكه بيده، أي: قبض عليه، وأمسك عن كذا، أي: امتنع عنه وكفّ، ويُقال: أمسك لسانك، أي: امتنع عن الكلام وكفّ عنه. وقد اعتبر الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم الإمساك عن الكلام صدقة يتصدَّقُ بها المرءُ على نفسه، فقال: "فإنّها صدقةٌ"، والضمير راجعٌ إلى الإمساك، والتأنيث بتأويل الخصلة، أي: أنَّ خصلة وعادة الإمساك عن الكلام والصمت حين لا يلزم الكلام خصلةٌ ممدوحةٌ وصدقةٌ تنفع صاحبها في الدنيا والآخرة، حالها حال الصدق في القول، فإنَّهُ يدفعُ البلايا ويُقرّبُ من الربّ، وهذا يكون عندما "يَخْزِنَ مِنْ لِسَانِهِ"، أي: يمنع ويمسك ويكفّ لسانه عن ارتكاب اللغو والكذب والنميمة والغيبة والفاحش من الكلام والشتم وما شابه ذلك من كلامٍ بغير حقّ.

وقفةٌ تأمّليّة في مضمون الموعظة

تعلّقت المشيئة الإلهيّة المقدّسة بخلق الخلائق وإسكانها أرضه التي جعلها مهبطاً لهم، وقد فضَّل ـ عزّ وجلّ ـ بعض خلقه على البعض الآخر، فقال: ﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً2، جاعلاً هذا الإنسان المُكرّم والمفضّل خليفته في الأرض فقال: ﴿إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً...3، حتّى أنَّهُ ـ تبارك وتعالى ـ جعله مسجود الملائكة، فقال: ﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلآئِكَةِ اسْجُدُواْ لآدَمَ فَسَجَدُواْ إِلاَّ إِبْلِيسَ لَمْ يَكُن مِّنَ السَّاجِدِينَ4.

ولو أردنا البحث عن أسباب هذا التفضيل والإكرام لوجدنا أنَّ أقوى تلك الأسباب هو العقل والفهم الذي يمتاز به الإنسان عن غيره من الحيوانات والعجماوات، ففي تعريف المناطقة للإنسان يقولون: (الإنسانُ حيوانٌ ناطقٌ)، وقالوا إنَّ مرادهم من (الناطقيّة) في تعريفهم هو التعقّل والتفكّر والفهم والإدراك، وبهذا يكون قوام إنسانيّة الإنسان بعقله وفكره وفهمه وإدراكه.

هذا من جهة، ومن جهةٍ أخرى قالوا إنَّ الله عزّ وجلّ كما خلق الإنسان مفطوراً على التفكير فإنَّهُ كذلك خلقه مفطوراً على النطق، بمعنى أنَّهُ يملك القدرة على التكلُّم والتعبير عن مراداته المكنونة في صقع نفسه، وأنَّه جعل اللّسان آلةً ينطق بها5، وقد ورد عن أمير البيان الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام أنَّهُ قال: "مَا الإِنْسَانُ لَوْلَا اللِّسَانُ إِلَاْ صُوْرَةٌ مُمثَلَة، أو بَهِيمَةٌ مُهْمَلَةٌ"6، و"اللِّسَانُ مِيْزَانُ الإِنْسَانِ"7، و"الإِنْسَانُ لُبُّهُ لِسَانُهُ، وَعَقْلُهُ دِينُهُ"8، و"كَلَامُ الرَجُلِ مِيْزَانُ عَقْلِهِ"9، و"يُسْتَدَلُّ عَلَى عَقْلِ كُلِّ امْرِئٍ بِمَا يَجْرِي عَلَىْ لِسَانِهِ"10.

واللّسان كما قيل: من نعم الله العظيمة، ولطائف صنعه الغريبة، فإنَّهُ صغيرٌ جرمُهُ، عظيم طاعتُهُ وجُرمُهُ, إذ لا يستبين الكفر والإيمان إلا بشهادة اللّسان، وما من موجود أو معدوم خالق أو مخلوق، متخيّل أو معلوم، مظنون أو موهوم إلا واللّسان يتناوله، ويتعرّض له بإثبات أو نفي، فإنَّ كُلّ ما يتناوله العلم يعرب عنه اللّسان إما بحقّ أو باطل، واللّسان رحب الميدان ليس له مردّ، ولا لمجاله منتهى وحدّ، ﴿ولا يَكُبُّ النَّاسَ فِي النَّارِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِلَّا حَصَائِدُ أَلْسِنَتِهِمْ11 ولا يُنجي من شرّ اللّسان إلا أن يُقيّد بلجام الشرع، فلا يطلقه إلا فيما ينفعه في الدنيا والآخرة. وأعصى الأعضاء على الإنسان اللّسان، فإنَّهُ لا تعب في تحريكه ولا مؤونة في إطلاقه، وإنَّهُ أعظم آلة الشيطان في استغواء الإنسان12.

ومن هذا المنطلق كان التأكيد في الشرع المقدّس على حفظ اللّسان كبيراً جداً، فقد ورد عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وآله الأطهار عليهم السلام روايات كثيرة جداً في مدح الصمت وذمّ كثرة الكلام، وانعكس ذلك من خلال إفراد جمٍّ غفيرٍ من العلماء لبحوث مطوّلة حول آفات اللّسان، وفضيلة الصمت وحفظ اللّسان إلّا عن الخير والدعوة.

فقد روي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنَّهُ قال: "إخْزِنْ لِسَانَكَ إِلَّا مِنْ خَيْرٍ، فَإنَّكَ بِذَلِكَ تَغْلِبُ الشَيْطَانَ"13، وروي أنَّهُ جاء رجلٌ إليه صلى الله عليه وآله وسلم وقال له: "يَا رَسُولَ الله أَوْصِنِي، فَقَالَ: احْفَظْ لِسَانَكَ، قَالَ: يَا رَسُولَ الله أَوْصِنِي، قَالَ: احْفَظْ لِسَانَكَ، قَالَ: يَا رَسُولَ الله أَوْصِنِي، قَالَ: احْفَظْ لِسَانَكَ... وَهَلْ يَكُبُّ النَّاسَ عَلَى مَنَاخِرِهِمْ فِي النَّارِ إِلَّا حَصَائِدُ أَلْسِنَتِهِمْ ؟"14.

اللسان ترجمان القلب

إنَّ اللّسان ترجمان القلب، والكاشف عمّا يختزنه المرءُ في صدره وفؤاده، وهو المعبّر عن هويّة الإنسان وشخصيّته، و"المَرْءُ مَخْبُوْءٌ تَحْتَ لِسَانِهِ"15، فعقل المرء وفضلُهُ مستورٌ ومخفيٌّ تحت لسانه، إذا تكلّم وتحرّك لسانُهُ انكشف وعُرف، ولهذا لا ينبغي له إلا أن يتكلّم بعلمٍ وخير وصلاح وإلا كان اللّسان سَبُعاً إن أطلقَهُ صاحبُهُ أكلَهُ وافترسه، فعن أمير المؤمنين عليه السلام في وصيّته لابنه محمّد ابن الحنفيّة: "مَا خَلَقَ الله عَزَّ وَجَلَّ شَيْئاً أَحْسَنَ مِنَ الْكَلَامِ وَلَا أَقْبَحَ مِنْهُ، بِالْكَلَامِ ابْيَضَّتِ الْوُجُوهُ وَبِالْكَلَامِ اسْوَدَّتِ الْوُجُوهُ، وَاعْلَمْ أَنَّ الْكَلَامَ‏ في وَثَاقِكَ مَا لَمْ تَتَكَلَّمْ بِهِ فَإِذَا تَكَلَّمْتَ بِهِ صِرْتَ فِي وَثَاقِهِ فَاخْزُنْ لِسَانَكَ كَمَا تَخْزُنُ ذَهَبَكَ وَوَرِقَكَ فَإِنَّ اللِّسَانَ كَلْبٌ عَقُورٌ، فَإِنْ أَنْتَ خَلَّيْتَهُ عَقَرَ، وَرُبَّ كَلِمَةٍ سَلَبَتْ نِعْمَةً، مَنْ سَيَّبَ عِذَارَهُ قَادَهُ إِلَى كُلِّ كَرِيهَةٍ وَفَضِيحَةٍ ثُمَّ لَمْ يَخْلُصْ مِنْ دَهْرِهِ إِلَّا عَلَى مَقْتٍ مِنَ اللهِ وَذَمٍّ مِنَ النَّاسِ"16.

وينقل لنا التأريخ أنَّ بعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان يضع حصاةً في فمه، فإذا أراد أن يتكلّم بما علم أنَّ لله فيه رضا أخرجها، وإلّا بقي خازناً لسانه صامتاً 17، فلسانُ السوء واللغو والرذيلة جديرٌ به أن يُسجن ويُحبس ويُغلق عليه، وفي هذا يقول أمير المؤمنين عليه السلام: "مَاْ مِنْ شَيءٍ أَحَقّ بِطُوْلِ الحَبْسِ مِنَ اللِّسَانِ وَمِنْ أَجْلِ ذَلِكَ حَجَبَ اللهُ اللِّسَانَ بِأَرْبَعَةِ مَصَارِيْع لِكَثْرَةِ ضَرَرِهِ، الشْفَتَانِ مِصْرَاعَان، وَالأَسْنَان مِصْرَاعَان، وَمَعْ هَذَا انْظُر إِلَى فِعْلِهِ وَحَذِّر نَفْسَكَ مِنْ شُرُوْرِهِ"18.

لماذا الحثّ على الصمت؟

نعم، إنَّ قلّة الكلام وكثرة التفكّر والصمت من موجبات الفوز والنجاح والفلاح، وفي هذا ورد عن صادق أهل البيت عليهم السلام قوله: "نَجَاةُ المُؤْمِنِ فِيْ حِفْظِ لِسَانِهِ"19، وعن أمير المؤمنين عليه السلام: "مَنْ حَفِظَ لِسَانَهُ سَتَرَ اللهُ عَوْرَتَهُ"20، وروي عن آدم أبي البشر عليه السلام أنَّهُ لما كثر وِلْدُهُ، وولد ولده، كانوا يتحدّثون عنده وهو ساكت، فقالوا: "يَا أَبَهْ مَا لَكَ لَا تَتَكَلَّمُ فَقَالَ عليه السلام يَا بُنَيَّ إِنَّ اللهَ جَلَّ جَلَالُهُ لَمَّا أَخْرَجَنِي مِنْ جِوَارِهِ عَهِدَ إِلَيَّ وَقَالَ أَقِلَّ كَلَامَكَ تَرْجِعْ إِلَى جِوَارِي"21.

الأعضاء والجوارح تستكفي اللّسان

ولشدّة خطورة اللّسان ترى الأعضاءَ كافّة تستكفيه وتطلبُ منه الإمساك عن التفوّه والكلام بغير علم وحقّ، وتطالبه بالاستقامة وترك الاعوجاج, لأنَّها ستؤخذ بجريرته وتُحاسب بجريمته، وفي هذا ورد عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قوله: "إِذَا أَصْبَحَ ابنُ آدَم أَصْبَحِتِ الأَعْضَاءُ كُلُّهَا تَسْتَكْفِي اللِّسَانَ، أي تقول: اِتَقِّ اللهَ فِيْنَا، فإنَّما نَحْنُ بِكَ،إِنِ اسْتَقَمْتَ اسْتَقَمْنَا وَإِنِ اعْوَجَجْتَ اعْوَجَجْنا"22.

وقريبٌ منه ما عن إمامنا زين العابدين علي بن الحسين عليه السلام حين يقول: "إِنَّ لِسَانَ ابْنِ آدَمَ يُشْرِفُ عَلَى جَمِيعِ جَوَارِحِهِ كُلَّ صَبَاحٍ فَيَقُولُ كَيْفَ أَصْبَحْتُمْ فَيَقُولُونَ بِخَيْرٍ إِنْ تَرَكْتَنَا وَيَقُولُونَ اللهَ اللهَ فِينَا وَيُنَاشِدُونَهُ وَيَقُولُونَ إِنَّمَا نُثَابُ وَنُعَاقَبُ بِكَ"23.

اللّسان أكثر الجوارح عذاباً

ولما كان اللّسان أضرّ الجوارح وأكثرها خطورة على الإنسان وأعظمها هلاكاً له، كان مستحقّاً لشديد العقاب وأليم العذاب، وفي هذا ورد عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قوله: "يُعَذِّبُ اللهُ اللِّسَانَ بِعَذَابٍ لَا يُعَذِّبُ بِهِ شَيْئاً مِنَ الْجَوَارِحِ فَيَقُولُ: أَيْ رَبِّ عَذَّبْتَنِي بِعَذَابٍ لَمْ تُعَذِّبْ بِهِ شَيْئاً، فَيُقَالُ لَهُ: خَرَجَتْ مِنْكَ كَلِمَةٌ فَبَلَغَتْ مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا فَسُفِكَ بِهَا الدَّمُ الْحَرَامُ وَ انْتُهِبَ بِهَا الْمَالُ الْحَرَامُ وَانْتُهِكَ بِهَا الْفَرْجُ الْحَرَامُ، وَعِزَّتِي وَجَلَالِي لَأُعَذِّبَنَّكَ بِعَذَابٍ لَا أُعَذِّبُ بِهِ شَيْئاً مِنْ جَوَارِحِكَ"24.

ولهذا على من أراد تخليص نفسه من عذاب جبّار السماوات أن يلجم لسانه بلجام الصمت، وألَّا ينطق ويتفوّه إلّا بصدقةٍ أو معروفٍ أو صلح بين الناس، ومن قدر على ذلك كبح آفات اللّسان ونال رضا الرحمن، قال تبارك وتعالى: ﴿لاَّ خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاَحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتَغَاء مَرْضَاتِ اللّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا25.

لماذا الحثُّ الكبير على الصمت؟!!

لا شكّ أنَّ الكثير من الآفات الأخلاقيّة والرذائل النفسيّة إنَّما تكون بفعل لغو الكلام وزلات اللّسان، فـ "رُبَّ لِسَانٍ أَتَى عَلَى إِنْسَانٍ"26، و"كَمْ مِنْ دَمٍّ سَفَكَهُ فَمٌ"27. وأنَّ سلامة الإنسان واستقامة الإيمان إنَّما تكون بحفظ اللّسان، ومن هنا نلحظ الحثّ الكبير على الصمت الموجب لراحة وسلامة الإنسان، وفي هذا ورد عن إمامنا الباقر عليه السلام أنَّهُ قال: "إِنَّ هَذَا اللِّسَانَ مِفْتَاحُ كُلِّ خَيْرٍ وَشَرٍّ فَيَنْبَغِي لِلْمُؤْمِنِ أَنْ يَخْتِمَ عَلَى لِسَانِهِ كَمَا يَخْتِمُ عَلَى ذَهَبِهِ وَفِضَّتِهِ"28، ولهذا كان التأكيد الشديد على حقّ اللّسان في "إِكْرَامِهِ عَنِ الْخَنَا وَ تَعْوِيدِهِ الْخَيْر"29 كما ورد عن إمامنا زين العابدين عليه السلام.

استقامة اللسان

لقد ورد عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قوله: "إنَّ أَكْثَرَ خَطَايَا ابن آَدَم فِيْ لِسَانِهِ"30، وهذا الأمر مشهودٌ ومحسوسٌ ولا يقبل الأخذ والردّ، فاللّسان مصدرُ الكذب والغيبة والفحش والسبّ والبذاءة والمراء والمجادلة والخصومة والتشدّق والكلام في ما لا يعني، والخوض في الباطل والغناء والسخرية والاستهزاء وإفشاء السّر وغيرها الكثير من الأباطيل ولغو الحديث والرذائل.

ومن هنا، وبما أنَّهُ من اللازم على الهداة المهديّين إرشاد العباد إلى ما يُنجيهم من مهاوي النيران ويُدخلهم إلى الروض والجنان، وهذا ما لا يكون إلّا لمستقيمي الإيمان وصِفَتُهُم كما في حديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "لَا يَسْتَقِيمُ إِيمَانُ عَبْدٍ حَتَّى يَسْتَقِيمَ قَلْبُهُ وَلَا يَسْتَقِيمُ قَلْبُهُ حَتَّى يَسْتَقِيمَ لِسَانُهُ"31، كان لزاماً عليهم عليه السلام حثّ الناس وترغيبهم بموجبات الاستقامة ومنها حفظ اللّسان والصمت والسكوت عن غير ما فيه رضا الله ـ عزّ وجلّ ـ وصلاح الأفراد والأمم.

الصمت دليل الحكمة

ولا ينبغي أن يكون الصمت مجرّد سكوتٍ وسكون، وإنَّما لا بُدَّ فيه أن يكون ساحةً رحبة للتفكّر وميداناً واسعاً للتدبّر, ليستفيد المرءُ في تلك اللحظات والآنات بإعمال العقل وإجراء الفكر في أمور الخالق والخلق، وحينها تنفتح عليه آفاق الحكمة والمعرفة، فقد أخذ الله ـ تبارك وتعالى ـ على نفسه أن يأخذ بأيدي السالكين إليه، وقال عزّ من قائل: ﴿سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ32، ولقد ورد في الروايات عن أهل العصمة والطهارة عليه السلام: "أَفْضَلُ الْعِبَادَةِ إِدْمَانُ التَّفَكُّرِ فِي الله وَفِي قُدْرَتِهِ"33.

هذا الصمت، وهذا التدبّر والتفكّر هو الذي يجعل من الإنسان حكيماً عارفاً، وبهذا النوع من الصمت يستحقّ المدح والثناء، كما ورد ذلك على لسان إمامنا الرضا عليه السلام عن أبيه عالم آل محمّد عليه السلام حيث يقول: "طُوبَى لِمَنْ كَانَ صَمْتُهُ فِكْراً وَنَظَرُهُ عَبَراً"34.

إضافةً إلى المدح لشخص الصامت المتفكّر والساكت المتدبّر نلاحظ الحثّ والدعوة إلى متابعته والدنو منه والاقتراب إليه, للاستفادة من رشحات ما يُفاض عليه من الحكمة، وهذا ظاهرٌ وجليٌّ في قول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "إِذَا رَأَيْتُمُ الْمُؤْمِنَ صَمُوتاً فَادْنُوا مِنْهُ فَإِنَّهُ يُلْقِي الْحِكْمَةَ"35.

الكلام في خير أفضل من الصمت

ولا ينبغي فهم ما نحاول بيانه من الحثّ على الصمت وترك الكلام على أنَّهُ هو الأفضل والأكمل في كلّ الأوقات والأحيان، كلا، الصحيح هو أنَّ تفضيل السكوت والصمت فيما لو كان الكلامُ مصحوباً بالآفات والأباطيل، أمّا لو سلم الكلام من تلك الأباطيل والرذائل فهو أفضل وأكمل، وفي بعض الموارد يكون الكلام والبيان واجباً كالصدع بكلمة الحقّ.

يقول أمير المؤمنين عليه السلام: "لَا خَيْرَ فِي الصَّمْتِ عَنِ الْحُكْمِ كَمَا أَنَّهُ لَا خَيْرَ فِي الْقَوْلِ بِالْجَهْلِ"36، وعن إمامنا زين العابدين عليه السلام في مقام الجواب عن سؤال عن الكلام والصمت، أيّهما أفضل؟، قال: "لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا آفَاتٌ فَإِذَا سَلِمَا مِنَ الْآفَاتِ فَالْكَلَامُ أَفْضَلُ مِنَ السُّكُوتِ، قِيلَ وَكَيْفَ ذَاكَ يَا ابْنَ رَسُولِ اللهِ؟ فَقَالَ: لِأَنَّ الله عَزَّ وَجَلَّ مَا بَعَثَ الْأَنْبِيَاءَ وَالْأَوْصِيَاءَ بِالسُّكُوتِ إِنَّمَا بَعَثَهُمْ بِالْكَلَامِ وَلَا اسْتُحِقَّتِ الْجَنَّةُ بِالسُّكُوتِ وَلَا اسْتُوجِبَتْ وَلَايَةُ اللهِ بِالسُّكُوتِ وَلَا وُقِيَتِ النَّارُ بِالسُّكُوتِ وَلَا تُجُنِّبَ سَخَطُ اللهِ بِالسُّكُوتِ إِنَّمَا ذَلِكَ كُلُّهُ بِالْكَلَامِ، مَا كُنْتُ لِأَعْدِلَ الْقَمَرَ بِالشَّمْسِ، إِنَّكَ لَتَصِفُ فَضْلَ السُّكُوتِ بِالْكَلَامِ وَلَسْتَ تَصِفُ فَضْلَ الْكَلَامِ بِالسُّكُوت"37.

العبرة النّهائية:

بعد كُلِّ ما تقدّم يتّضح لنا من وصية رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنَّه يُرشدنا ويدلّنا إلى طريق ترك المضرّات والرذائل ونيل المكرمات والفضائل، والذي يتمثّل بترك لغو الحديث والصمت عن فضول الكلام، وذلك من خلال ترويض اللّسان وخزنه وضبطه، فإنَّهُ وكما تقدّم آلة الشيطان في إغراق الإنسان.

وفي الختام قصةٌ وعِبْرَة

قيل إنَّهُ اجتمع أربعة حكماء: من الروم، والفرس، والهند، والصين، فقال أحدهم: أنا أندم على ما قلت ولا أندم على ما لم أقل. وقال الآخر: إذا تكلّمت بالكلمة ملكتني، ولم أملكها، وإذا لم أتكلّم ملكتها ولم تملكني.

وقال الآخر: عجبت للمتكلّم، إن رجعت عليه كلمته ضرَّته، وإن لم ترجع لم تنفعه، وقال الرابع: أنا على ردّ ما لم أقل، أقدر منّي على ردّ ما قلت38.

*  كتاب وصايا الأولياء، نشر جمعية المعارف الإسلامية الثقافية.


1- الكُلَيْني، مُحَمَّد بن يعقوب، الكافي، ج2، ص114، باب: الصمت وحفظ اللسان، ح 7، تصحيح وتعليق علي أكبر غفاري، الطَّبعة الثّالثة 1367ش، دار الكتب الإسلاميَّة، طهران.
2- سورة الإسراء، الآية: 70.
3- سورة البقرة، الآية: 30.
4- سورة الأعراف، الآية: 11.
5- المظفّر، محمّد رضا، المنطق، ص11، تحت عنوان: الحاجة إلى المنطق، الطَّبعة الثَّالثة 1414، دار التعارف للمطبوعات، بيروت.
6- الآمدي، عبد الواحد التميمي، غرر الحكم، ص209، ح4029، الطَّبعة الأولى 1366ش، مكتب الإعلام الإسلامي، الحوزة العلميّة بقم.
7-م. ن، ص209، ح4021.
8- المجلسي، محّمَّد باقر، بحار الأنوار، ج75، ص56، ح119، الطَّبعة الثَّالثة 1403، دار إحياء التُّراث، بيروت.
9- الآمدي، عبد الواحد التميمي، غرر الحكم، ص209، ح4032، الطَّبعة الأولى 1366ش، مكتب الإعلام الإسلامي، الحوزة العلميّة بقم.
10- م. ن، ص209، ح4033، الطَّبعة الأولى 1366ش، مكتب الإعلام الإسلامي، الحوزة العلميّة بقم.
11- الكليني، الكافي، ج2، ص115.
12- الفيض الكاشاني، محمّد محسن، المحجّة البيضاء في تهذيب الإحياء، ح3، ص127، ربع المهلكات، كتاب آفات اللّسان، الطَّبعة الأولى1426 هـ، تحقيق وإعداد مؤسسة إحياء الكتب الإسلاميّة، قم.
13- النراقي، محمّد مهدي، جامع السعادات، ج2، ص112، بحثٌ حول (الصمت)، الطبعة الثانية، 1423هـ، نشر دار التفسير، قم.
14- النراقي، محمّد مهدي، جامع السعادات، ج2، ص113، بحثٌ حول (الصمت)، الطبعة الثانية، 1423هـ، نشر دار التفسير، قم.
15- الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام، نهج البلاغة، ج 4، ص138، الموعظة: 148.
16- الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن، وسائل الشيعة،12: 187، باب استحباب الصمت والسكوت إلا عن الخير، ح 18،الطَّبعة الثانية1414هـ، مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث بقم المشرّفة.
17- العلامة المجلسي، بحار الأنوار، ج 68، ص 284.
18- الحائري، محمّد مهدي، شجرة طوبى، ص397، الطَّبعة الخامسة1385 ش،منشورات المكتبة الحيدريّة ومطبعتها، النجف الأشرف.
19- العلامة المجلسي، بحار الأنوار 68: 283، ح36.
20- م. ن.
21- م. ن.
22- الري شهري، محمّد، ميزان الحكمة، ج 4، ح2778، سلامة الإنسان في حفظ اللّسان، الطَّبعة الأولى1416 هـ، دار الحديث، قم.
23- الشيخ الكليني، الكافي، ج2، ص 115، باب: الصمت وحفظ اللسان، ح 13.
24- م. ن، ح 16.
25- سورة النساء، الآية: 114.
26- الآمدي، عبد الواحد التميمي، غرر الحكم، ص213، ح4154، الطَّبعة الأولى 1366ش، مكتب الإعلام الإسلامي، الحوزة العلميّة بقم.
27- م. ن، ح4158.
28- الحرّاني، ابن شعبة، تحف العقول، ص 298، تصحيح وتعليق علي أكبر غفاري، الطَّبعة الثانية 1363ش، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرّفة.
29- الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن، وسائل الشيعة، ج15، ص172، باب جملة مما ينبغي القيام به من الحقوق الواجبة والمندوب، ح1،الطَّبعة الثانية1414هـ، مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث بقم المشرّفة.
30- الطبراني، المعجم الكبير، ج10، ص197، ح 10446، الطَّبعة الثانية 1406 هـ ، دار إحياء التُّراث العربي، بيروت.
31- العلامة المجلسي، بحار الأنوار، ج68، ص287، ح42.
32- سورة فصلت، الآية: 53.
33- الكُلَيْني، مُحَمَّد بن يعقوب، الكافي، ج2، ص55، باب: التفكّر، ح3، تصحيح وتعليق على أكبر غفاري، الطَّبعة الثّالثة 1367ش، دار الكتب الإسلاميَّة، طهران.
34- علي بن بابويه، فقه الرضا عليه السلام ص380، باب التفكّر والاعتبار، الطَّبعة الأولى1406هـ، نشر: المؤتمر العالمي للإمام الرضا عليه السلام مشهد المقدّسة، تحقيق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث بقم المشرّفة.
35- النراقي، محمّد مهدي، جامع السعادات، ج2، ص112، بحثٌ حول (الصمت)، الطبعة الثانية، 1423هـ ، نشر دار التفسير، قم.
36- وسائل الشيعة، ج12، ص187، باب استحباب الصمت والسكوت إلا عن الخير، ح18.
37- الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن، وسائل الشيعة، ج12، ص188، باب استحباب الصمت والسكوت إلا عن الخير، ح2،الطَّبعة الثانية1414هـ، مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث بقم المشرّفة.
38- المعتزلي، ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، ج10، ص138، فصلٌ في فضل الصمت والاقتصاد في المنطق، تحقيق محمّد أبو الفضل إبراهيم، نشر مؤسسة إسماعيليان للطباعة والنشر والتوزيع، قم.

الأحد, 03 تشرين1/أكتوير 2021 14:01

حبّ أولياء الله

معنى العبادة

1 - العبادة في اللغة:
معنى العبادةِ في اللغة الطاعةُ مع الخُضُوعِ، ومنه طريقٌ مُعَبَّدٌ إِذا كان مذللًا بكثرة الوطءِ1. فالعبادة لغةً بمعنى التمهيد والتذليل. ويقال عبّدت فلاناً أي ذلَّلته وإذا اتّخذته عبداً قال تعالى: ﴿ أَنۡ عَبَّدتَّ بَنِيٓ إِسۡرَٰٓءِيلَ 2 3. وقال الزمخشري: العبادة: "أقصى غاية الخضوع والتذلّل، ولذلك لم تستعمل إلاّ في الخضوع لله تعالى لأنّه مولى أعظم النعم فكان حقيقاً بأقصى غاية الخضوع"4.

2 - العبادة في الاصطلاح:
العبادة بحسب الاصطلاح هي المواظبة على فعل المأمور به، والفاعل عابد، والجمع عباد وعبدة مثل كافر وكفار وكفرة، ثم استعمل العابد فيمن اتخذ إلها غير الله، فقيل عابد الوثن وعابد الشمس5.

3 - العبادة شرعاً:
لقد أخذت العبادة معنى أضيق في الفقه الإسلامي، وهي تعني في مفهوم الفقه أي بالمصطلح الخاص مجموعة شعائر يقوم بها العبد، مثل الصلاة والصوم والحج والزكاة والخمس...

وغيرها من الأحكام والتكاليف الشرعية. فالعبادة من الناحية الشرعية تعني امتثال أمر الله كما أمر، والانتهاء عما نهى عنه شرعاً.

مفهوم العبادة في الإسلام

العبادة في الحقيقة اسمٌ جامعٌ لكلّ ما يحبّه الله تعالى ويرضاه من الأقوال والأعمال الظاهرة والباطنة. وهي تتضمّن غاية الذلّ لله تعالى مع المحبة له. وهذا المدلول الشامل للعبادة في الإسلام هو مضمون دعوة الرسل عليهم السلام جميعاً، وهو ثابتٌ من ثوابت رسالاتهم عبر التاريخ، فما من نبيٍّ إلا أمر قومه بالعبادة، قال الله تعالى ﴿ وَمَآ أَرۡسَلۡنَا مِن قَبۡلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلَّا نُوحِيٓ إِلَيۡهِ أَنَّهُۥ لَآ إِلَٰهَ إِلَّآ أَنَا۠ فَٱعۡبُدُونِ 6.

فالعبادة في الإسلام بالمصطلح العام، اسمٌ يُطلق على كلّ ما يصدر عن الإنسان المسلم من أقوالٍ وأفعالٍ وأحاسيس استجابةً لأمر الله تعالى وتطابقاً مع إرادته ومشيئته.

ولا حصر ولا تحديد لنوع الأعمال أو الأفكار أو الأقوال، أو المشاعر التي يعبد بها الله. فالصلاة، والصدقة، والجهاد، والتفكّر في خلق الله، ومساعدة الضعيف، وإصلاح الفاسد، وأداء الأمانة، والعدل بين الناس، ورفض الظلم، وعدم شرب الخمر، ومقاطعة الربا والاحتكار...إلخ، كل تلك الأعمال هي عبادة ما دام الداعي إلى فعلها، أو تركها، هو الاستجابة لأمر الله تعالى.

وانطلاقاً من هذا التعريف الإسلامي لمفهوم العبادة، نعلم أن العبادة في الإسلام ليست محددة بمجموعة من التكاليف والأعمال، وإنما تتّسع لتشمل كل ما يصدر عن الإنسان بدافع القربة إلى الله والاستجابة لأمره، والانتهاء عن نهيه.

وعبادة الله تعالى لا تنحصر في الطقوس والممارسات التي تتعلق بحياة الإنسان كفردٍ مستقلٍّ بذاته، بل هي تشمل الحياة الفردية والحياة الاجتماعية، وتنتظم في إطار علاقة الفرد مع الله تعالى والعلاقة مع النفس، والعلاقة مع الآخرين، والعلاقة مع الكون. وكل عملٍ حسنٍ يُقصد به وجه الله تعالى فهو عبادة لله تعالى سواء كان فردياً أم اجتماعياً.

وما يعنينا في هذه الدروس هو البحث حول العبادات وبيان أسرارها التي ترتقي بالإنسان ليصبح في مرتبة تسمو فوق مراتب الملائكة المقرّبين كما ورد في الحديث القدسي: "… وإنه العبد ليتقرّب إليّ بالنوافل حتى أُحبّه فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ولسانه الذي ينطق به، ويده التي يبطش بها، إن دعاني أجبته، وإن سألني أعطيته"7.

العبادة في القرآن والسنة
دعا القرآن الكريم في كثير من آياته إلى العبادة السليمة، ونهى عن العبادة المنحرفة، وذكر أن غاية الخلق هي العبادة، وذكر بعض آثار العبادة على الإنسان، وهنا نورد بعض هذه الآيات: ﴿ يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱعۡبُدُواْ رَبَّكُمُ ٱلَّذِي خَلَقَكُمۡ وَٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِكُمۡ لَعَلَّكُمۡ تَتَّقُونَ 8. ففي هذه الآية الكريمة نجد دعوة للناس إلى عبادة الله تعالى الذي خلق جميع الناس.

وفي آية أخرى نجد نهياً عن عبادة الشيطان: ﴿ أَلَمۡ أَعۡهَدۡ إِلَيۡكُمۡ يَٰبَنِيٓ ءَادَمَ أَن لَّا تَعۡبُدُواْ ٱلشَّيۡطَٰنَۖ إِنَّهُۥ لَكُمۡ عَدُوّٞ مُّبِينٞ ٦٠ وَأَنِ ٱعۡبُدُونِيۚ هَٰذَا صِرَٰطٞ مُّسۡتَقِيمٞ ٦١ وَلَقَدۡ أَضَلَّ مِنكُمۡ جِبِلّٗا كَثِيرًاۖ أَفَلَمۡ تَكُونُواْ تَعۡقِلُونَ 9.

وكذلك نجد أمراً بالإخلاص في العبادة في الآية الكريمة: ﴿ قُلۡ إِنِّيٓ أُمِرۡتُ أَنۡ أَعۡبُدَ ٱللَّهَ مُخۡلِصٗا لَّهُ ٱلدِّينَ 10.

ونرى في آيةٍ أخرى دعوةً للمؤمنين لإعلان الثبات على عبادة الله وترك عبادة ما سواه: ﴿ قُلۡ يَٰٓأَيُّهَا ٱلۡكَٰفِرُونَ ١ لَآ أَعۡبُدُ مَا تَعۡبُدُونَ 11.

كما حدّدت النصوص الشريفة مفهوم العبادة تحديداً شاملاً، وذكرت الغاية من العبادة، وأنواع العابدين، ومن هو العابد حقاً، ولم تحصرها في إطار العبادات المتعارفة بين النّاس. وإليكم النماذج التالية:
عن رسول الله محمد صلى الله عليه وآله وسلم: "أفضل الناس من عشق العبادة فعانقها وأحبّها بقلبه، وباشرها بجسده، وتفرّغ لها، فهو لا يبالي على ما أصبح من الدنيا على عسرٍ أم على يسرٍ"12.

وسُئل الإمام الرضا عليه السلام عن علّة العبادة فقال: "... لئلا يكونوا ناسين لذكره ولا تاركين لأدبه، ولا لاهين عن أمره ونهيه، إذا كان فيه صلاحهم وقوامهم، فلو تركوا بغير تعبُّدٍ لطال عليهم الأمد، فقست قلوبهم"13.

وعن الإمام الصادق عليه السلام: "ليس العبادة هي السجود ولا الركوع، إنما هي طاعة الرجال، من أطاع المخلوق في معصية الخالق فقد عبده"14.

وعن أبي عبد الله عليه السلام قال: "في التوراة مكتوب: يا ابن آدم، تفرّغ لعبادتي أملأ قلبك غنى"15.

وقد ورد عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "العبادة سبعة أجزاء أفضلها طلب الحلال"16.

وجاء عن الإمام الباقر عليه السلام: "أفضل العبادة عفّة البطن والفرج"17.

وجاء عن الإمام الصادق عليه السلام: "أفضل العبادة العلم بالله، والتواضع له"18.

وجاء عن الامام علي بن موسى الرضا عليه السلام: "ليس العبادة كثرة الصيام والصلاة، وإنما العبادة كثرة التفكّر في أمر الله"19.

أهمية العبادة في حياة الإنسان
يولي الذكر الحكيم العبادة أهميةً بالغةً كما ذكرنا وهي من الموضوعات التي تطرق إليها كثيراً، وحثَّ عليها في أكثر من سورة وآية وخصَّها بالله سبحانه فقال: ﴿ وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعۡبُدُوٓاْ إِلَّآ إِيَّاهُ 20، فنهى عن عبادة غيره من الأنداد المزعومة والطواغيت والشياطين. وتكمن أهمية العبادة في كونها طريق الوصول إلى الله سبحانه، فهي غاية خلق الإنسان وجعله خليفة في الأرض: ﴿ وَمَا خَلَقۡتُ ٱلۡجِنَّ وَٱلۡإِنسَ إِلَّا لِيَعۡبُدُونِ 21.

فالعبادة في الإسلام منهج متكامل المراحل والفصول، وطريق واضح المعالم. وغرضه تحقيق الكمال البشري: ﴿ وَٱعۡبُدۡ رَبَّكَ حَتَّىٰ يَأۡتِيَكَ ٱلۡيَقِينُ 22، وتنقية الوجود الإنساني من الشوائب والانحرافات، تمهيداً للفوز بقرب الله وتأسيساً لتحقيق رضوانه.

فعبادات الإسلام جاءت جميعها تزكيةً للنفس والبدن، وتطهيراً للذات، وتنمية للروح والإرادة، وتصحيحاً لنشاط الجسد والغريزة. فهي بمثابة معراجٌ تتدرّج به النفس البشرية، مرحلةً بعد مرحلة، حتى يتمّ لها الصفاء والنقاء، فتستطيع الإطلال على عالم الآخرة، واستشفاف حقيقة الوجود، والتعالي على مكاسب الحياة الفانية، لسموّ مقام الآخرة وعلوّ غاياتها، وارتباطها بعالم الخلود والنعيم الأبدي.

فقد جعل الإسلام الصلاة تنزيهاً للإنسان من الكبرياء والتعالي، وغرساً لفضيلة التواضع والحب للآخرين... ولقاءً مع الله للاستغفار والاستقالة من الذنوب والآثام، وشحذاً لهمّة النفس وقيادتها في طريق التسامي والصعود. والصوم ترويضاً للجسد، وتقوية للإرادة من أجل رفض الخضوع للشهوات، والسقوط تحت وطأة الاندفاعات الحسية.

والدعاء تنمية لقوة الإحساس الروحي، وتوثيقٌ للصلة الدائمة بالله والارتباط به والاعتماد عليه، ليحصل الاستغناء الذاتي بالله عمّن سواه، فيلجأ إليه المؤمن في محنه وشدائده... وعند إساءته ومعصيته... وهو واثق أنه يُقبِل على ربٍّ رؤوفٍ رحيم، يمدّه بالعون ويقبل منه التوبة، فتطمئن نفسه، وتزداد ثقته بقدرته على مواصلة حياة الصلاح، وتجاوز المحن والشدائد.

وممّا يعزّز أهمية العبادة في الإسلام أنها ذات منهاج فطري له طبيعة اجتماعية حركية، لا يؤمن بالفصل بين الدنيا والآخرة، فهو لا يدعو الى محاربة المطالب الجسدية، من الطعام، والشراب، والزواج، والراحة، والاستمتاع بالطيبات بدعوى أنها تعارض التكامل الروحي والتقرّب من الله، بل وازن بمنهاجه موازنة تامّة بين الروح والجسد، ولم يفصل بينهما.

فالإسلام لا يرى في مطالب الجسد حائلاً يقف في طريق تكامل الروح، أو عائقاً يعرقل تنامي الأخلاق، بل يؤمن بأن هدف الجسد والروح من حيث التكوين الفطري هدف واحد، ومنهاج تنظيمها وتكاملها منهاج واحد.

لذلك كان لكلّ فعلٍ عبادي أثرٌ إصلاحي على صحّة الجسم وعلى النفس والأخلاق والعلاقة بالله، فالطهارة، والصوم، والصلاة، والزكاة، والحج، والجهاد.. كلها عبادات ذات مردود إصلاحي على الفرد جسداً وروحاً فضلاً عن أثرها التكاملي في نظام المجتمع.

قال تعالى: ﴿ وَٱبۡتَغِ فِيمَآ ءَاتَىٰكَ ٱللَّهُ ٱلدَّارَ ٱلۡأٓخِرَةَۖ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ ٱلدُّنۡيَاۖ وَأَحۡسِن كَمَآ أَحۡسَنَ ٱللَّهُ إِلَيۡكَۖ وَلَا تَبۡغِ ٱلۡفَسَادَ فِي ٱلۡأَرۡضِۖ إِنَّ ٱللَّهَ لَا يُحِبُّ ٱلۡمُفۡسِدِينَ 23.

﴿ قُلۡ مَنۡ حَرَّمَ زِينَةَ ٱللَّهِ ٱلَّتِيٓ أَخۡرَجَ لِعِبَادِهِۦ وَٱلطَّيِّبَٰتِ مِنَ ٱلرِّزۡقِۚ قُلۡ هِيَ لِلَّذِينَ ءَامَنُواْ فِي ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَا خَالِصَةٗ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِۗ 24.

آثار العبادة على الصعيدين الفردي والاجتماعي
بما أن دين الإسلام هو دين شامل يراعي جميع أبعاد الوجود البشري فإن للعبادة في الإسلام آثارها وفوائدها على الصعيدين الفردي والاجتماعي:

أ - على الصعيد الفردي:
تؤثّر العبادات مجتمعة على بناء الشخصية الإنسانية، والارتقاء بها إلى المستوى التكاملي، وتخليصها من كل المعوّقات التي تمنع رقيّها، وتكاملها من الأنانية والحقد والرياء والنفاق والجشع و... إلخ. فالعبادة تعمل على تطهير الذات الإنسانية من كل تلك المعوّقات وتساهم بإنقاذها من مختلف الأمراض النفسية والأخلاقية. وتسهم في أن يكون المحتوى الداخلي للفرد مطابقاً للمظهر والسلوك الخارجي، وفي تحقيق انسجامٍ كاملٍ بين الشخصية وبين القيم والمبادىء السامية. كما تعمل على غرس حب الكمال والتسامي الذي يدفع الإنسان إلى التعالي، وتوجيه نظره إلى المثل الأعلى المتحقّق في الكمالات الإلهية. لأن العبادة ممارسة إنسانية جادّة لإلغاء الأنانية إلغاء تاماً من وجود الإنسان من أجل التحرّر من قيودها والخروج من سجنها الضيّق الذي يشدّ الإنسان إليه ويستعبده. وكذلك فالعبادة تقوّي إرادة النفس، فمثلاّ إن التنازل عن النوم اللذيذ في ليل الشتاء البارد والانصراف إلى عبادة الحق المتعالي وكذلك الصوم في اليوم الحار الطويل، يزيدان من قوة الروح فتتغلّب على قوى الجسم وتسيطر على الشهوات وتصبح هذه القوى تحت إمرة الروح وتوجيهها.

ويمكن أن نحصي لعبادة الله سبحانه آثاراً عديدة أخرى على الإنسان، نذكر منها:

1 - غنى القلب: عن الإمام الصادق عليه السلام قال: "في التّوراة مكتوب يا ابن آدم تفرّغ لعبادتي أملأ قلبك غنًى ولا أكلك إلى طلبك، وعليّ أن أسدّ فاقتك وأملأ قلبك خوفاً منّي وإن لا تَفَرَّغ لعبادتي أملأ قلبك شغلاً بالدنيا ثم لا أسدّ فاقتك وأكلك إلى طلبك"25.

2 - التنعّم في الآخرة: عن الإمام الصادق عليه السلام قال: "قال الله تبارك وتعالى يا عبادي الصِّدِّيقين تنعّموا بعبادتي في الدُّنيا فإنّكم تتنعَّمُون بها في الآخرة"26.

3 - يباهي الله به الملائكة: عن الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: "إنّ الله تعالى يُباهي بالشابّ العابد الملائكة، يقول: انظروا إلى عبدي ترك شهوته من أجلي"27.

4 - ينصره الله على الشيطان: عن الإمام الصادق عن آبائه عليهم السلام قال: "قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لأصحابه: ألا أُخبركم بشيء إن أنتم فعلتموه تباعد الشيطان عنكم كما تباعد المشرق من المغرب؟ قالوا: بلى، قال: الصوم يسوّد وجهه، والصدقة تكسر ظهره، والحبّ في الله والموازرة على العمل الصالح يقطعان دابره، والاستغفار يقطع وتينه ولكلّ شي‏ء زكاة وزكاة الأبدان الصّيام"28. فالملاحظ أنّ لكلّ عبادة أثراً خاصّاً يضرّ بإبليس اللعين الذي يتربّص بالبشر الدوائر، ما يُعين المؤمن أكثر على المحافظة على دينه وتقواه وطاعة مولاه.

5 - يثيبه الله تعالى الجنّة: عن أبي عبد الله عليه السلام قال: "ثلاثة يُدخلهم الله الجنّة بغير حساب: إمامٌ عادل، وتاجرٌ صدوق، وشيخٌ أفنى عمره في طاعة الله"29.

ب - على الصعيد الاجتماعي:
وقد راعى الإسلام في كل عباداته أن تكون العبادة ذات أثر تكاملي على الذات ومردود عملي على المجتمع بهدف إصلاحه وتحسين أوضاعه. فالصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر: ﴿ وَأَقِمِ ٱلصَّلَوٰةَۖ إِنَّ ٱلصَّلَوٰةَ تَنۡهَىٰ عَنِ ٱلۡفَحۡشَآءِ وَٱلۡمُنكَرِۗ 30. والصوم يشعر الإنسان بالوحدة والمساواة ومشاركة ذوي الحاجة والفقر بإحساسهم عند معاناة ألم العطش والجوع.. والحج مؤتمرٌ للوحدة والتفاهم والتعارف والإصلاح... إلخ. والكفّارات والنذور والصدقات والزكاة والخمس عبادات لإشباع الحاجات المادية عند الفقراء، وتحقيق التوازن الاقتصادي في المجتمع..

وللعبادة آثار اجتماعية وأخلاقية مهمّة تنعكس على حياة المجتمع البشري وتؤثّر على علاقاته الإنسانية المختلفة. فالعبادة والشعور بالعبودية لله وحده ينقذ الإنسان من الخضوع لإرادة الطغاة والمستبدّين، والشعور بها يحرّر الإنسان كذلك من الشهوات ومن سيطرة حب المال وجمعه وتكديسه، وتسخير الآخرين وظلمهم واستغلالهم من أجل هذا المعبود الزائل. والشعور بالعبودية لله يحرّر الناس، من الصراعات والمآسي التي يعيشونها من أجل الاستعلاء والتحكّم والمكاسب المختلفة. والشعور بالعبودية لله يشعر الإنسان بالمساواة والعدل بين الناس، لأنهم جميعاً متساوون في صفة العبودية لله الواحد الأحد. لذا فإن المجتمع الذي تسود فيه العبادة والعبودية لله لا يجد الناس فيه غاية في الحياة غير الله، ولا يملأ آفاق نفوسهم شيء غير العبودية لله. فيحطّم الناس حينذاك أصنام العبوديات المختلفة، صنم المال، والشهوة، والجاه، والسلطة، والكبرياء، إلخ. ليكونوا أحراراً كما خلقوا.. وكما أراد لهم خالقهم العظيم.

* روح العبادة، نشر جمعية المعارف الإسلامية الثقافية.


1 ابن منظور، لسان العرب، ج3، ص273، لا ت، نشر أدب الحوزة، 1405هـ، لا ط، فصل العين المهملة.
2 سورة الشعراء، الآية 22.
3 السيد عادل العلوي، القول الرشيد في الاجتهاد والتقليد، ج1، ص47.
4 الزمخشري، الكشاف، 1، ص 10، نشر شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده بمصر، 1966م.
5 الشيخ فخر الدين الطريحي، مجمع البحرين، ج3، ص92، نشر مرتضوي، مطبعة ﭼـاﭙـخانه طروات، ط 2، 1362ش.
6 سورة الأنبياء، الآية 25.
7 الشيخ الكليني، الكافي، ج2، ص352.
8 سورة البقرة، الآية 21.
9 سورة يس، الآيات 60-62.
10 سورة الزمر، الآية 11.
11 سورة الكافرون، الآيتان 1-2.
12 الشيخ الكليني، الكافي، ج2، ص83.
13 العلّامة المجلسي، بحار الأنوار، ج6، ص58، تحقيق يحيى العابدي، نشر مؤسّسة الوفاء – لبنان، 1983م، ط 2، باب علل الشرائع والأحكام.
14 الشيخ الكليني، الكافي، ج2، ص372.
15 م. ن، ص83.
16 ابن شعبة الحراني، تحف العقول، ص37، تحقيق وتصحيح وتعليق علي أكبر الغفاري، نشر مؤسّسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة، 1404هـ، ط 2، باب في قصارى كلمات النبي صلى الله
عليه وآله وسلم.
17 الشيخ الكليني، الكافي، ج2، ص79.
18 العلّامة المجلسي، بحار الأنوار، ج75، ص247.
19 الشيخ الكليني، الكافي، ج2، ص50.
20 سورة الإسراء، الآية 23.
21 سورة الذاريات، الآية 56.
22 سورة الحجر، الآية 99.
23 سورة القصص، الآية 77.
24 سورة الأعراف، الآية 32.
25 الشيخ الكليني، الكافي، ج2، ص83.
26 م. ن.
27 جلال الدين السيوطي، الجامع الصغير، ج1، ص 282، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع - بيروت، 1401 - 1981م، ط 1.
28 الشيخ الكليني،الكافي، ج4، ص62.
29 العلّامة المجلسي، بحار الأنوار، ج26، ص261.
30 سورة العنكبوت، الآية 45.

 

الأحد, 03 تشرين1/أكتوير 2021 13:58

ماهيّة العبادة وآثارها

معنى العبادة

1 - العبادة في اللغة:
معنى العبادةِ في اللغة الطاعةُ مع الخُضُوعِ، ومنه طريقٌ مُعَبَّدٌ إِذا كان مذللًا بكثرة الوطءِ1. فالعبادة لغةً بمعنى التمهيد والتذليل. ويقال عبّدت فلاناً أي ذلَّلته وإذا اتّخذته عبداً قال تعالى: ﴿ أَنۡ عَبَّدتَّ بَنِيٓ إِسۡرَٰٓءِيلَ 2 3. وقال الزمخشري: العبادة: "أقصى غاية الخضوع والتذلّل، ولذلك لم تستعمل إلاّ في الخضوع لله تعالى لأنّه مولى أعظم النعم فكان حقيقاً بأقصى غاية الخضوع"4.

2 - العبادة في الاصطلاح:
العبادة بحسب الاصطلاح هي المواظبة على فعل المأمور به، والفاعل عابد، والجمع عباد وعبدة مثل كافر وكفار وكفرة، ثم استعمل العابد فيمن اتخذ إلها غير الله، فقيل عابد الوثن وعابد الشمس5.

3 - العبادة شرعاً:
لقد أخذت العبادة معنى أضيق في الفقه الإسلامي، وهي تعني في مفهوم الفقه أي بالمصطلح الخاص مجموعة شعائر يقوم بها العبد، مثل الصلاة والصوم والحج والزكاة والخمس...

وغيرها من الأحكام والتكاليف الشرعية. فالعبادة من الناحية الشرعية تعني امتثال أمر الله كما أمر، والانتهاء عما نهى عنه شرعاً.

مفهوم العبادة في الإسلام

العبادة في الحقيقة اسمٌ جامعٌ لكلّ ما يحبّه الله تعالى ويرضاه من الأقوال والأعمال الظاهرة والباطنة. وهي تتضمّن غاية الذلّ لله تعالى مع المحبة له. وهذا المدلول الشامل للعبادة في الإسلام هو مضمون دعوة الرسل عليهم السلام جميعاً، وهو ثابتٌ من ثوابت رسالاتهم عبر التاريخ، فما من نبيٍّ إلا أمر قومه بالعبادة، قال الله تعالى ﴿ وَمَآ أَرۡسَلۡنَا مِن قَبۡلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلَّا نُوحِيٓ إِلَيۡهِ أَنَّهُۥ لَآ إِلَٰهَ إِلَّآ أَنَا۠ فَٱعۡبُدُونِ 6.

فالعبادة في الإسلام بالمصطلح العام، اسمٌ يُطلق على كلّ ما يصدر عن الإنسان المسلم من أقوالٍ وأفعالٍ وأحاسيس استجابةً لأمر الله تعالى وتطابقاً مع إرادته ومشيئته.

ولا حصر ولا تحديد لنوع الأعمال أو الأفكار أو الأقوال، أو المشاعر التي يعبد بها الله. فالصلاة، والصدقة، والجهاد، والتفكّر في خلق الله، ومساعدة الضعيف، وإصلاح الفاسد، وأداء الأمانة، والعدل بين الناس، ورفض الظلم، وعدم شرب الخمر، ومقاطعة الربا والاحتكار...إلخ، كل تلك الأعمال هي عبادة ما دام الداعي إلى فعلها، أو تركها، هو الاستجابة لأمر الله تعالى.

وانطلاقاً من هذا التعريف الإسلامي لمفهوم العبادة، نعلم أن العبادة في الإسلام ليست محددة بمجموعة من التكاليف والأعمال، وإنما تتّسع لتشمل كل ما يصدر عن الإنسان بدافع القربة إلى الله والاستجابة لأمره، والانتهاء عن نهيه.

وعبادة الله تعالى لا تنحصر في الطقوس والممارسات التي تتعلق بحياة الإنسان كفردٍ مستقلٍّ بذاته، بل هي تشمل الحياة الفردية والحياة الاجتماعية، وتنتظم في إطار علاقة الفرد مع الله تعالى والعلاقة مع النفس، والعلاقة مع الآخرين، والعلاقة مع الكون. وكل عملٍ حسنٍ يُقصد به وجه الله تعالى فهو عبادة لله تعالى سواء كان فردياً أم اجتماعياً.

وما يعنينا في هذه الدروس هو البحث حول العبادات وبيان أسرارها التي ترتقي بالإنسان ليصبح في مرتبة تسمو فوق مراتب الملائكة المقرّبين كما ورد في الحديث القدسي: "… وإنه العبد ليتقرّب إليّ بالنوافل حتى أُحبّه فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ولسانه الذي ينطق به، ويده التي يبطش بها، إن دعاني أجبته، وإن سألني أعطيته"7.

العبادة في القرآن والسنة
دعا القرآن الكريم في كثير من آياته إلى العبادة السليمة، ونهى عن العبادة المنحرفة، وذكر أن غاية الخلق هي العبادة، وذكر بعض آثار العبادة على الإنسان، وهنا نورد بعض هذه الآيات: ﴿ يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱعۡبُدُواْ رَبَّكُمُ ٱلَّذِي خَلَقَكُمۡ وَٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِكُمۡ لَعَلَّكُمۡ تَتَّقُونَ 8. ففي هذه الآية الكريمة نجد دعوة للناس إلى عبادة الله تعالى الذي خلق جميع الناس.

وفي آية أخرى نجد نهياً عن عبادة الشيطان: ﴿ أَلَمۡ أَعۡهَدۡ إِلَيۡكُمۡ يَٰبَنِيٓ ءَادَمَ أَن لَّا تَعۡبُدُواْ ٱلشَّيۡطَٰنَۖ إِنَّهُۥ لَكُمۡ عَدُوّٞ مُّبِينٞ ٦٠ وَأَنِ ٱعۡبُدُونِيۚ هَٰذَا صِرَٰطٞ مُّسۡتَقِيمٞ ٦١ وَلَقَدۡ أَضَلَّ مِنكُمۡ جِبِلّٗا كَثِيرًاۖ أَفَلَمۡ تَكُونُواْ تَعۡقِلُونَ 9.

وكذلك نجد أمراً بالإخلاص في العبادة في الآية الكريمة: ﴿ قُلۡ إِنِّيٓ أُمِرۡتُ أَنۡ أَعۡبُدَ ٱللَّهَ مُخۡلِصٗا لَّهُ ٱلدِّينَ 10.

ونرى في آيةٍ أخرى دعوةً للمؤمنين لإعلان الثبات على عبادة الله وترك عبادة ما سواه: ﴿ قُلۡ يَٰٓأَيُّهَا ٱلۡكَٰفِرُونَ ١ لَآ أَعۡبُدُ مَا تَعۡبُدُونَ 11.

كما حدّدت النصوص الشريفة مفهوم العبادة تحديداً شاملاً، وذكرت الغاية من العبادة، وأنواع العابدين، ومن هو العابد حقاً، ولم تحصرها في إطار العبادات المتعارفة بين النّاس. وإليكم النماذج التالية:
عن رسول الله محمد صلى الله عليه وآله وسلم: "أفضل الناس من عشق العبادة فعانقها وأحبّها بقلبه، وباشرها بجسده، وتفرّغ لها، فهو لا يبالي على ما أصبح من الدنيا على عسرٍ أم على يسرٍ"12.

وسُئل الإمام الرضا عليه السلام عن علّة العبادة فقال: "... لئلا يكونوا ناسين لذكره ولا تاركين لأدبه، ولا لاهين عن أمره ونهيه، إذا كان فيه صلاحهم وقوامهم، فلو تركوا بغير تعبُّدٍ لطال عليهم الأمد، فقست قلوبهم"13.

وعن الإمام الصادق عليه السلام: "ليس العبادة هي السجود ولا الركوع، إنما هي طاعة الرجال، من أطاع المخلوق في معصية الخالق فقد عبده"14.

وعن أبي عبد الله عليه السلام قال: "في التوراة مكتوب: يا ابن آدم، تفرّغ لعبادتي أملأ قلبك غنى"15.

وقد ورد عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "العبادة سبعة أجزاء أفضلها طلب الحلال"16.

وجاء عن الإمام الباقر عليه السلام: "أفضل العبادة عفّة البطن والفرج"17.

وجاء عن الإمام الصادق عليه السلام: "أفضل العبادة العلم بالله، والتواضع له"18.

وجاء عن الامام علي بن موسى الرضا عليه السلام: "ليس العبادة كثرة الصيام والصلاة، وإنما العبادة كثرة التفكّر في أمر الله"19.

أهمية العبادة في حياة الإنسان
يولي الذكر الحكيم العبادة أهميةً بالغةً كما ذكرنا وهي من الموضوعات التي تطرق إليها كثيراً، وحثَّ عليها في أكثر من سورة وآية وخصَّها بالله سبحانه فقال: ﴿ وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعۡبُدُوٓاْ إِلَّآ إِيَّاهُ 20، فنهى عن عبادة غيره من الأنداد المزعومة والطواغيت والشياطين. وتكمن أهمية العبادة في كونها طريق الوصول إلى الله سبحانه، فهي غاية خلق الإنسان وجعله خليفة في الأرض: ﴿ وَمَا خَلَقۡتُ ٱلۡجِنَّ وَٱلۡإِنسَ إِلَّا لِيَعۡبُدُونِ 21.

فالعبادة في الإسلام منهج متكامل المراحل والفصول، وطريق واضح المعالم. وغرضه تحقيق الكمال البشري: ﴿ وَٱعۡبُدۡ رَبَّكَ حَتَّىٰ يَأۡتِيَكَ ٱلۡيَقِينُ 22، وتنقية الوجود الإنساني من الشوائب والانحرافات، تمهيداً للفوز بقرب الله وتأسيساً لتحقيق رضوانه.

فعبادات الإسلام جاءت جميعها تزكيةً للنفس والبدن، وتطهيراً للذات، وتنمية للروح والإرادة، وتصحيحاً لنشاط الجسد والغريزة. فهي بمثابة معراجٌ تتدرّج به النفس البشرية، مرحلةً بعد مرحلة، حتى يتمّ لها الصفاء والنقاء، فتستطيع الإطلال على عالم الآخرة، واستشفاف حقيقة الوجود، والتعالي على مكاسب الحياة الفانية، لسموّ مقام الآخرة وعلوّ غاياتها، وارتباطها بعالم الخلود والنعيم الأبدي.

فقد جعل الإسلام الصلاة تنزيهاً للإنسان من الكبرياء والتعالي، وغرساً لفضيلة التواضع والحب للآخرين... ولقاءً مع الله للاستغفار والاستقالة من الذنوب والآثام، وشحذاً لهمّة النفس وقيادتها في طريق التسامي والصعود. والصوم ترويضاً للجسد، وتقوية للإرادة من أجل رفض الخضوع للشهوات، والسقوط تحت وطأة الاندفاعات الحسية.

والدعاء تنمية لقوة الإحساس الروحي، وتوثيقٌ للصلة الدائمة بالله والارتباط به والاعتماد عليه، ليحصل الاستغناء الذاتي بالله عمّن سواه، فيلجأ إليه المؤمن في محنه وشدائده... وعند إساءته ومعصيته... وهو واثق أنه يُقبِل على ربٍّ رؤوفٍ رحيم، يمدّه بالعون ويقبل منه التوبة، فتطمئن نفسه، وتزداد ثقته بقدرته على مواصلة حياة الصلاح، وتجاوز المحن والشدائد.

وممّا يعزّز أهمية العبادة في الإسلام أنها ذات منهاج فطري له طبيعة اجتماعية حركية، لا يؤمن بالفصل بين الدنيا والآخرة، فهو لا يدعو الى محاربة المطالب الجسدية، من الطعام، والشراب، والزواج، والراحة، والاستمتاع بالطيبات بدعوى أنها تعارض التكامل الروحي والتقرّب من الله، بل وازن بمنهاجه موازنة تامّة بين الروح والجسد، ولم يفصل بينهما.

فالإسلام لا يرى في مطالب الجسد حائلاً يقف في طريق تكامل الروح، أو عائقاً يعرقل تنامي الأخلاق، بل يؤمن بأن هدف الجسد والروح من حيث التكوين الفطري هدف واحد، ومنهاج تنظيمها وتكاملها منهاج واحد.

لذلك كان لكلّ فعلٍ عبادي أثرٌ إصلاحي على صحّة الجسم وعلى النفس والأخلاق والعلاقة بالله، فالطهارة، والصوم، والصلاة، والزكاة، والحج، والجهاد.. كلها عبادات ذات مردود إصلاحي على الفرد جسداً وروحاً فضلاً عن أثرها التكاملي في نظام المجتمع.

قال تعالى: ﴿ وَٱبۡتَغِ فِيمَآ ءَاتَىٰكَ ٱللَّهُ ٱلدَّارَ ٱلۡأٓخِرَةَۖ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ ٱلدُّنۡيَاۖ وَأَحۡسِن كَمَآ أَحۡسَنَ ٱللَّهُ إِلَيۡكَۖ وَلَا تَبۡغِ ٱلۡفَسَادَ فِي ٱلۡأَرۡضِۖ إِنَّ ٱللَّهَ لَا يُحِبُّ ٱلۡمُفۡسِدِينَ 23.

﴿ قُلۡ مَنۡ حَرَّمَ زِينَةَ ٱللَّهِ ٱلَّتِيٓ أَخۡرَجَ لِعِبَادِهِۦ وَٱلطَّيِّبَٰتِ مِنَ ٱلرِّزۡقِۚ قُلۡ هِيَ لِلَّذِينَ ءَامَنُواْ فِي ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَا خَالِصَةٗ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِۗ 24.

آثار العبادة على الصعيدين الفردي والاجتماعي
بما أن دين الإسلام هو دين شامل يراعي جميع أبعاد الوجود البشري فإن للعبادة في الإسلام آثارها وفوائدها على الصعيدين الفردي والاجتماعي:

أ - على الصعيد الفردي:
تؤثّر العبادات مجتمعة على بناء الشخصية الإنسانية، والارتقاء بها إلى المستوى التكاملي، وتخليصها من كل المعوّقات التي تمنع رقيّها، وتكاملها من الأنانية والحقد والرياء والنفاق والجشع و... إلخ. فالعبادة تعمل على تطهير الذات الإنسانية من كل تلك المعوّقات وتساهم بإنقاذها من مختلف الأمراض النفسية والأخلاقية. وتسهم في أن يكون المحتوى الداخلي للفرد مطابقاً للمظهر والسلوك الخارجي، وفي تحقيق انسجامٍ كاملٍ بين الشخصية وبين القيم والمبادىء السامية. كما تعمل على غرس حب الكمال والتسامي الذي يدفع الإنسان إلى التعالي، وتوجيه نظره إلى المثل الأعلى المتحقّق في الكمالات الإلهية. لأن العبادة ممارسة إنسانية جادّة لإلغاء الأنانية إلغاء تاماً من وجود الإنسان من أجل التحرّر من قيودها والخروج من سجنها الضيّق الذي يشدّ الإنسان إليه ويستعبده. وكذلك فالعبادة تقوّي إرادة النفس، فمثلاّ إن التنازل عن النوم اللذيذ في ليل الشتاء البارد والانصراف إلى عبادة الحق المتعالي وكذلك الصوم في اليوم الحار الطويل، يزيدان من قوة الروح فتتغلّب على قوى الجسم وتسيطر على الشهوات وتصبح هذه القوى تحت إمرة الروح وتوجيهها.

ويمكن أن نحصي لعبادة الله سبحانه آثاراً عديدة أخرى على الإنسان، نذكر منها:

1 - غنى القلب: عن الإمام الصادق عليه السلام قال: "في التّوراة مكتوب يا ابن آدم تفرّغ لعبادتي أملأ قلبك غنًى ولا أكلك إلى طلبك، وعليّ أن أسدّ فاقتك وأملأ قلبك خوفاً منّي وإن لا تَفَرَّغ لعبادتي أملأ قلبك شغلاً بالدنيا ثم لا أسدّ فاقتك وأكلك إلى طلبك"25.

2 - التنعّم في الآخرة: عن الإمام الصادق عليه السلام قال: "قال الله تبارك وتعالى يا عبادي الصِّدِّيقين تنعّموا بعبادتي في الدُّنيا فإنّكم تتنعَّمُون بها في الآخرة"26.

3 - يباهي الله به الملائكة: عن الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: "إنّ الله تعالى يُباهي بالشابّ العابد الملائكة، يقول: انظروا إلى عبدي ترك شهوته من أجلي"27.

4 - ينصره الله على الشيطان: عن الإمام الصادق عن آبائه عليهم السلام قال: "قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لأصحابه: ألا أُخبركم بشيء إن أنتم فعلتموه تباعد الشيطان عنكم كما تباعد المشرق من المغرب؟ قالوا: بلى، قال: الصوم يسوّد وجهه، والصدقة تكسر ظهره، والحبّ في الله والموازرة على العمل الصالح يقطعان دابره، والاستغفار يقطع وتينه ولكلّ شي‏ء زكاة وزكاة الأبدان الصّيام"28. فالملاحظ أنّ لكلّ عبادة أثراً خاصّاً يضرّ بإبليس اللعين الذي يتربّص بالبشر الدوائر، ما يُعين المؤمن أكثر على المحافظة على دينه وتقواه وطاعة مولاه.

5 - يثيبه الله تعالى الجنّة: عن أبي عبد الله عليه السلام قال: "ثلاثة يُدخلهم الله الجنّة بغير حساب: إمامٌ عادل، وتاجرٌ صدوق، وشيخٌ أفنى عمره في طاعة الله"29.

ب - على الصعيد الاجتماعي:
وقد راعى الإسلام في كل عباداته أن تكون العبادة ذات أثر تكاملي على الذات ومردود عملي على المجتمع بهدف إصلاحه وتحسين أوضاعه. فالصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر: ﴿ وَأَقِمِ ٱلصَّلَوٰةَۖ إِنَّ ٱلصَّلَوٰةَ تَنۡهَىٰ عَنِ ٱلۡفَحۡشَآءِ وَٱلۡمُنكَرِۗ 30. والصوم يشعر الإنسان بالوحدة والمساواة ومشاركة ذوي الحاجة والفقر بإحساسهم عند معاناة ألم العطش والجوع.. والحج مؤتمرٌ للوحدة والتفاهم والتعارف والإصلاح... إلخ. والكفّارات والنذور والصدقات والزكاة والخمس عبادات لإشباع الحاجات المادية عند الفقراء، وتحقيق التوازن الاقتصادي في المجتمع..

وللعبادة آثار اجتماعية وأخلاقية مهمّة تنعكس على حياة المجتمع البشري وتؤثّر على علاقاته الإنسانية المختلفة. فالعبادة والشعور بالعبودية لله وحده ينقذ الإنسان من الخضوع لإرادة الطغاة والمستبدّين، والشعور بها يحرّر الإنسان كذلك من الشهوات ومن سيطرة حب المال وجمعه وتكديسه، وتسخير الآخرين وظلمهم واستغلالهم من أجل هذا المعبود الزائل. والشعور بالعبودية لله يحرّر الناس، من الصراعات والمآسي التي يعيشونها من أجل الاستعلاء والتحكّم والمكاسب المختلفة. والشعور بالعبودية لله يشعر الإنسان بالمساواة والعدل بين الناس، لأنهم جميعاً متساوون في صفة العبودية لله الواحد الأحد. لذا فإن المجتمع الذي تسود فيه العبادة والعبودية لله لا يجد الناس فيه غاية في الحياة غير الله، ولا يملأ آفاق نفوسهم شيء غير العبودية لله. فيحطّم الناس حينذاك أصنام العبوديات المختلفة، صنم المال، والشهوة، والجاه، والسلطة، والكبرياء، إلخ. ليكونوا أحراراً كما خلقوا.. وكما أراد لهم خالقهم العظيم.

* روح العبادة، نشر جمعية المعارف الإسلامية الثقافية.


1 ابن منظور، لسان العرب، ج3، ص273، لا ت، نشر أدب الحوزة، 1405هـ، لا ط، فصل العين المهملة.
2 سورة الشعراء، الآية 22.
3 السيد عادل العلوي، القول الرشيد في الاجتهاد والتقليد، ج1، ص47.
4 الزمخشري، الكشاف، 1، ص 10، نشر شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده بمصر، 1966م.
5 الشيخ فخر الدين الطريحي، مجمع البحرين، ج3، ص92، نشر مرتضوي، مطبعة ﭼـاﭙـخانه طروات، ط 2، 1362ش.
6 سورة الأنبياء، الآية 25.
7 الشيخ الكليني، الكافي، ج2، ص352.
8 سورة البقرة، الآية 21.
9 سورة يس، الآيات 60-62.
10 سورة الزمر، الآية 11.
11 سورة الكافرون، الآيتان 1-2.
12 الشيخ الكليني، الكافي، ج2، ص83.
13 العلّامة المجلسي، بحار الأنوار، ج6، ص58، تحقيق يحيى العابدي، نشر مؤسّسة الوفاء – لبنان، 1983م، ط 2، باب علل الشرائع والأحكام.
14 الشيخ الكليني، الكافي، ج2، ص372.
15 م. ن، ص83.
16 ابن شعبة الحراني، تحف العقول، ص37، تحقيق وتصحيح وتعليق علي أكبر الغفاري، نشر مؤسّسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة، 1404هـ، ط 2، باب في قصارى كلمات النبي صلى الله
عليه وآله وسلم.
17 الشيخ الكليني، الكافي، ج2، ص79.
18 العلّامة المجلسي، بحار الأنوار، ج75، ص247.
19 الشيخ الكليني، الكافي، ج2، ص50.
20 سورة الإسراء، الآية 23.
21 سورة الذاريات، الآية 56.
22 سورة الحجر، الآية 99.
23 سورة القصص، الآية 77.
24 سورة الأعراف، الآية 32.
25 الشيخ الكليني، الكافي، ج2، ص83.
26 م. ن.
27 جلال الدين السيوطي، الجامع الصغير، ج1، ص 282، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع - بيروت، 1401 - 1981م، ط 1.
28 الشيخ الكليني،الكافي، ج4، ص62.
29 العلّامة المجلسي، بحار الأنوار، ج26، ص261.
30 سورة العنكبوت، الآية 45.

أكد قائد الثورة الاسلامية آية الله العظمى الامام السيد علي الخامنئي، اليوم الاحد، ان الذين يعتمدون على الآخرين في توفير الأمن سيصفعون قريباً، منوها الى ان وجود الجيوش الأجنبية في المنطقة يبعث على الدمار فيها.

وفي كلمة خلال المراسم المشتركة لتخريج طلاب جامعات الضباط التابعة للقوات المسلحة، عبر الاتصال بالفيديو بحضور قائد الثورة الاسلامية والقادة والوحدات الموجودة في جامعة الإمام الحسين (ع) للضباط، قال سماحته، ان القوات المسلحة الايرانية المؤلفة من الجيش وحرس الثورة وقوى الامن الداخلي والتعبئة تعد اليوم بالمعنى الحقيقي للكلمة الدرع الدفاعي للبلاد امام التهديدات العسكرية للاعداء في الخارج والداخل،كما قال أمير المؤمنين: "فَالْجُنُودُ بِإِذْنِ‏ اللَّهِ‏ حُصُونُ‏ الرَّعِيَّة".

واضاف: ان استقرار الأمن في أي بلد هو البنية التحتية الأساسية لجميع النشاطات من أجل التقدم وأهم قضية بالنسبة للقوات المسلحة، محذرا : ليعلم الذين يظنون بأنهم قادرون على ضمان أمنهم عبر الاعتماد على الآخرين بانهم سيتلقون صفعات سلوكهم قريبا.

وتابع: إن تواجد الجيوش الأجنبية في منطقتنا، بما في ذلك الجيش الأمريكي، يبعث على الدمار ويؤجج الحروب فيها، داعيا جميع البلدان الي العمل من أجل استقلالها واستقلال جيشها والاعتماد على شعوبها والتآزر مع جيوش الدول المجاورة والجيوش الأخرى في المنطقة، معتبرا ذلك في مصلحة المنطقة.

وأشار قائد الثورة الإسلامية إلى أن الجيش الأمريكي مجهزا بجميع أنواع الاسلحة التقليدية وغير التقليدية، دخل البلد المجاور، أفغانستان، من أجل القضاء على حكومة طالبان، لكن سلمها السلطة بعد 20 عاما من القتل والجرائم وترويج المخدرات وتدمير البنى التحتية في هذا البلد وانسحب منها.

وأشار إلى المشادات اللفظية الأخيرة بين أوروبا والولايات المتحدة ، قائلا اعتبر بعض الأوروبيين الإجراء الأمريكي بأنه طعنة بالظّهر ، وقالوا إن أوروبا يجب أن تضمن أمنها بشكل مستقل دون الاعتماد على الناتو ، وفي الواقع ، دون الاعتماد على الولايات المتحدة.

وتابع سماحته ، عندما تشعر الدول الأوروبية بالعجز في استقرار  الأمن الدائم بسبب اعتمادها على الولايات المتحدة، البلد الذي لا يعارض أوروبا ، فإن حساب الدول الأخرى التي وضعت قواتها المسلحة تحت سيطرة الولايات المتحدة وغيرها من الدول واضح تماما.وليعلم الذين يظنون بأنهم قادرون على ضمان أمنهم عبر الاعتماد على الآخرين بانهم سيتلقون صفعات سلوكهم قريبا.لأن التدخل المباشر أو غير المباشر للأجانب في أمن وحرب وسلام أي بلد كارثي.

وأشاد باقتدار واعتزاز القوات المسلحة في تجارب بالغة الأهمية والصعبة ، خاصة خلال حرب الثماني سنوات المفروضة على ايران ( من جانب نظام صدام البائد في العراق – 1980-1988). ، قائلا إن اقتدار القوات المسلحة رهن على قضايا مثل التدريب والمبادرات العلمية والتجهيزات والانضباط التنظيمي. لكن أهم عامل في اقتدارها  هو المعنويات والروحانية والقضايا الدينية والأخلاقية.

واعتبر قائد الثورة الإسلامية انسحاب الجيش الأمريكي من أفغانستان بأنه مثال على نتائج الاقتدار الظاهري  قائلا ، ان الامريكيين احتلوا أفغانستان للإطاحة بطالبان قبل 20 عاما ، و ساهموا في الكثير من أعمال القتل والجرائم والخسائر ، لكن بعد كل هذه التكاليف المادية والبشرية ، سلموا الحكومة إلى طالبان وغادروا هذا البلد. هذه الحقيقة يجب ان تؤخذ في عين الاعتبار ".

ووصف انسحاب الجيش الأمريكي من أفغانستان بأنه دليل على طبيعته الحقيقية مؤكدا أن الصور الهوليوودية للجيش الأمريكي ودول مثلها هي مجرد عرض لأن طبيعتهم الحقيقية هي ما شوهد في أفغانستان.

وأشار قائد الثورة  إلى كراهية شعوب شرق آسيا للجيش الأمريكي مؤكدا، اينما يتدخل الأمريكيون ، هم مكروهون من قبل الشعوب.

و اعتبر قائد الثورة التواجد العسكري للأجانب في المنطقة سببا للشقاق والضرر والدمار مؤكدا،من مصلحة المنطقة أن يكون لدى جميع البلدان جيش مستقل معتمد على شعبهم ومتآزر مع جيوش الجيران.

 وأضاف قائلا،  "يمكن لجيوش دول المنطقة أن يضمن الأمن فيها ولا ينبغي أن تسمح للجيوش الأجنبية بالتدخل أو أن يكون لها تواجد لحماية مصالحها".

وأوضح سماحته أن الأحداث التي تقع في بعض الدول بشمال غرب إيران ، يجب حلها بالمنطق المتمثل في تجنب السماح بتواجد الأجانب.

و قال: إن قواتنا المسلحة تعمل دائما بالاقتدار والعقلانية وهذه العقلانية يجب أن تكون نموذجا للدول الأخرى وعاملا لحل المشاكل القائمة وليعلم الجميع أنه إذا حفر أحد بئراً لإخوته، فسوف يقع فيها أولاً.

الإمام أبو محمد الحسن بن علي بن أبي طالب المجتبى، ثاني أئمة أهل البيت بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وسيّد شباب أهل الجنة بإجماع المحدّثين، وأحد اثنين انحصرت بهما ذريّة رسول الله، وأحد الأربعة الذين باهل بهم رسول الله (صلى الله عليه وآله) نصارى نجران، ومن المطهّرين الذين أذهب الله عنهم الرجس، ومن القربى الذين أمر الله بموّدتهم، وأحد الثقلين الذين من تمسّك بهما نجا ومن تخلّف عنهما ضلّ وغوى.

نشأ في أحضان جدّه رسول الله (عليه السلام) وتغذّى من معين رسالته وأخلاقه ويسره وسماحته، وظلّ معه في رعايته حتى اختار الله لنبيه دار خلده، بعد أن ورّثه هديه وأدبه وهيبته وسؤدده، وأهّله للإمامة التي كانت تنتظره بعد أبيه، وقد صرّح بها جدّه في أكثر من مناسبة حينما قال: (الحسن والحسين إمامان قاما أو قعدا، اللهمّ إنّي اُحبّهما فأحبّ من يحبّهما).

لقد اجتمع في هذا الإمام العظيم شرف النبوّة والإمامة، بالإضافة الى شرف الحسب والنسب، ووجد المسلمون فيه ما وجدوه في جدّه وأبيه حتى كان يذكّرهم بهما، فأحبّوه وعظّموه، وكان مرجعهم الأوحد بعد أبيه، فيما كان يعترضهم من مشاكل الحياة وما كان يستصعبهم من اُمور الدين، لا سيما بعد أن دخلت الاُمّة الإسلامية حياة حافلة بالأحداث المريرة التي لم يعرفوا لها نظيراً من قبل.
وكان الإمام الزكي المجتبى في جميع مواقفه ومراحل حياته مثالاً كريماً للخُلق الإسلامي النبوي الرفيع في تحمّل الأذى والمكروه في ذات الله، والتحلّي بالصبر الجميل والحلم الكبير، حتى اعترف له ألدّ أعدائه ـ مروان بن الحكم ـ بأنّ حلمه يوازي الجبال. كما اشتهر (عليه السلام) بالسماحة والكرم والجود والسخاء بنحو تميّز عن سائر الكرماء والأسخياء.
 
   شخصيّة الإمام الحسن المجتبى (عليه السلام)
 
مكانة الإمام المجتبى في آيات الذكر الحكيم:

لم تتّفق كلمة المسلمين في شيء كاتّفاقهم على فضل أهل البيت وعلوّ مقامهم العلمي والروحي وانطوائهم على مجموعة الكمالات التي أراد الله للإنسانية أن تتحلّى بها.
ويعود هذا الاتّفاق الى جملة من الاُصول، منها تصريح الذكر الحكيم بالموقع الخاص لأهل البيت (عليهم السلام) من خلال النصِّ على تطهيرهم من الرجس، وأنّهم القربى الذين تجب مودّتهم كأجر للرسالة التي أتحف الله بها الإنسانية جمعاء، وأنّهم الأبرار الذين أخلصوا الطاعة لله وخافوا عذاب الله وتحلّوا بخشية الله، فضمن لهم الجنّة والنجاة من عذابه.
والإمام الحسن المجتبى (عليه السلام) هو أحد أهل البيت المطهّرين من الرجس بلا ريب، بل هو ابن رسول الله بنصِّ آية المباهلة التي جاءت في حادثة المباهلة مع نصارى نجران، وقد خلّد القرآن الكريم هذا الحدث في سورة آل عمران في الآية ٦١ قوله تعالى:
(فمن حاجّك فيه من بعد ما جاءك من العلم فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ثمّ نبتهل فنجعل لعنت الله على الكاذبين).
وروى جمهور المحدِّثين بطرق مستفيضة أنّها نزلت في أهل البيت (عليهم السلام) وهم: رسول الله وعليّ وفاطمة والحسن والحسين، والأبناء هنا هما الحسنان بلا ريب.
وتضمّن هذا الحدث تصريحاً من الرسول (صلى الله عليه وآله) بأنّهم خير أهل الأرض وأكرمهم على الله، ولهذا فهو يباهل بهم، واعترف اُسقف نجران أيضاً قائلاً: (إني لأرى وجوهاً لو سألوا الله أن يزيل جبلاً من مكانه لأزاله).
وهكذا دلّت القصة كما دلّت الآية على عظيم منزلتهم وسموّ مكانتهم وأفضليتهم، وأنّهم أحبّ الخلق الى الله ورسوله، وأنّهم لا يدانيهم في فضلهم أحد من العالمين.
ولم ينصّ القرآن الكريم على عصمة أحد غير النبي (صلى الله عليه وآله) من المسلمين سوى أهل البيت (عليهم السلام) الذين أراد الله أن يطهّرهم من الرجس تطهيراً، ولئن اختلف المسلمون في دخول نساء النبيّ في مفهوم أهل البيت فإنهم لم يختلفوا في دخول عليٍّ والزهراء والحسنين في ما تقصده الآية المباركة .
ومن هنا نستطيع أن نفهم السرَّ الكامن في وجوب مودّتهم والالتزام بخطّهم، وترجيح حبّهم على حبّ من سواهم بنص الكتاب العزيز،  فإنّ عصمة أهل البيت (عليهم السلام) أدلّ دليل على أنّ النجاة في متابعتهم حينما تتشعّب الطرق وتختلف الأهواء، فمن عصمه الله من الرجس كان دالاً على النجاة وكان متّبعه ناجياً من الغرق.
ونصّ النبي (صلى الله عليه وآله) ـ كما عن ابن عباس ـ بأنّ آية المودّة في القربى حينما نزلت وسأله بعض المسلمين عن المقصود من القرابة التي أوجبت على المسلمين طاعتهم قائلاً: إنّهم عليّ وفاطمة وابناهما.
ولا يتركنا القرآن الحكيم حتى يبيّن لنا أسباب هذا التفضيل في سورة الدهر التي نزلت لبيان عظمة الواقع النفسي الذي انطوى عليه أهل البيت والإخلاص الذي تقترن به طاعتهم وعباداتهم بقوله تعالى: (إنّما نُطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاءً ولا شكوراً * إنّا نخاف من ربّنا يوماً عبوساً قمطريراً * فوقاهم الله شرّ ذلك اليوم ولقّاهم نضرةً وسروراً * وجزاهم بما صبروا جنةً وحريراً).
لقد روى جمهور المفسّرين والمحدّثين أنّ هذه السورة المباركة نزلت في أهل البيت (عليهم السلام) بعدما مرض الحسنان، ونذر الإمام صيام ثلاثة أيام شكراً لله إن برئا، فوفوا بنذرهم أيّما وفاء، وفاءً فيه أروع أنواع الايثار، حتى نزل قوله تعالى: (إنّ الأبرار يشربون من كأس كان مزاجها كافوراً * عيناً يشرب بها عباد الله يفجّرونها تفجيراً * يوفون بالنذر ويخافون يوماً كان شرّه مستطيراً)  فشكر الله سعيهم على هذا الإيثار والوفاء بما أورثهم في الآخرة، وبما حباهم من الإمامة للمسلمين في الدنيا حتى يرث الأرض ومن عليها.
 
مكانته الامام الحسن  (عليه السلام) لدى رسول الله (صلى الله عليه وآله):

لقد خصّ الرسول الأعظم حفيديه الحسن والحسين (عليهما السلام) بأوصاف تنبئ عن عظيم منزلتهما لديه، فهما:

- ريحانتاه من الدنيا وريحانتاه من هذه الاُمّة.

 ـ وهما خير أهل الأرض.

 ـ وهما سيّدا شباب أهل الجنة.

 ـ وهما إمامان قاما أو قعدا.

ـ وهما من العترة (أهل البيت) التي لا تفترق عن القرآن الى يوم القيامة، ولن تضلّ اُمّةٌ تمسّكت بهما.

 ـ وهما من أهل البيت الذين يضمنون لراكبي سفينتهم النجاة من الغرق.

 ـ وهما ممّن قال عنهم جدّهم: (النجوم أمان لأهل الأرض من الغرق، وأهل بيتي أمان لأهل الأرض من الاختلاف).

 ـ وقد استفاض الحديث عن مجموعة من أصحاب الرسول (صلى الله عليه وآله) أنّهم قد سمعوا مقالته فيما يخصّ الحسنين: (اللهمّ إنّك تعلم أنّي أُحبُّهما فأحبَّهما، وأحبّ من يحبّهما).

وعن سلمان أنّه سمع رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: (الحسن والحسين ابناي، من أحبّهما أحبّني، ومن أحبّني أحبّه الله، ومن أحبّه الله أدخله الجنّة، ومن أبغضهما أبغضني ومن أبغضني أبغضه الله، ومن أبغضه الله أدخله النار).
ط ـ وعن أنس: أنّ رسول الله سئِل أيّ أهل بيتك أحبّ اليك؟ قال: (الحسن والحسين) وكان يقول لفاطمة: (اُدعي لي ابنىَّ فيشمّهما ويضمّهما اليه)!.

 ـ وكان أبو هريرة يقول: ما رأيت الحسن إلاّ فاضت عيناي، وذلك أني رأيت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يدخل فمه في فمه ثم يقول: (اللهم إنّي اُحبّه فأحبّه وأحبّ من يحبّه) يقولها ثلاث مرّات، وقال: لا أزال اُحبّ هذا الرجل ـ يعني الحسن ـ بعد ما رأيت رسول الله يصنع به ما يصنع.

 ـ وحينما بادر ألدّ أعدائه ـ مروان بن الحكم ـ الى حمل جثمانه الطاهر واستغرب منه الحسين (عليه السلام) قائلاً له: أتحمل جثمانه وكنت تجرّعه الغصص؟! قال مروان: كنت أفعل ذلك بمن كان يوازي حلمه الجبال.

 ـ وقال عنه أبو الأسود الدؤلي: وإنّه لهو المهذّب، قد أصبح من صريح العرب في غرّ لبابها وكريم محتدها وطيب عنصرها.

 ـ وقال عمرو بن اسحاق: ما تكلّم أحد أحبّ إليّ أن لا يسكت من الحسن بن علي وما سمعت منه كلمة فحش قطّ.

 ـ وقال عبدالله بن الزبير: والله ما قامت النساء عن مثل الحسن بن علي (عليه السلام) في هيبته وسموِّ منزلته.

ـ وعندما وقف أخوه محمد بن الحنفية على قبره ليؤبّنه قال: لئن عزّت حياتك فقد هدّت وفاتك، ولنعم الروح روح تضمّنه كفنك، ولنعم الكفن كفن تضمّن بدنك، وكيف لا تكون هكذا وأنت عقبة الهدى وخلف أهل التقوى وخامس أصحاب الكساء؟! غذّتك بالتقوى أكفّ الحق، وأرضعتك ثدي الايمان، ورُبّيت في حجر الإسلام، فطبت حيّاً وميّتاً، وإن كانت أنفسنا غير سخيّة بفراقك، رحمك الله أبا محمد.

 ـ وأبّنه أبو عبدالله الحسين بن علي (عليه السلام) قائلاً: (رحمك الله يا أبا محمد، إن كنت لتباصر الحق مظانّه، وتؤثر الله عند التداحض في مواطن التقية بحسن الرويّة، وتستشفّ جليل معاظم الدنيا بعين لها حاقرة، وتفيض عليها يداً طاهرة الأطراف، نقيّة الأسرّة، وتردع بادرة غرب أعدائك بأيسر المؤونة عليك، ولا غَرْوَ فأنت ابن سلالة النبوّة، ورضيع لبان الحكمة، فإلى رَوْح وريحان وجنّةِ نعيم، أعظم الله لنا ولكم الأجر عليه، ووهب لنا ولكم حُسن الأسى عنه).
 
مكانة الامام الحسن (عليه السلام) لدى العلماء والمؤرّخين:

ـ قال الحافظ أبو نعيم الإصبهاني ـ وهو من أعلام القرن الخامس ـ عن الإمام الحسن المجتبى: سيّد الشباب، والمصلح بين الأقارب والأحباب، شبه رسول الله (صلى الله عليه وآله) وحبيبه، سليل الهدى، وحليف أهل التقى، خامس أهل الكساء، وابن سيّدة النساء، الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهما.

 ـ وقال ابن عبد البرّ عنه: لا أسود ممّن سمّاه رسول الله (صلى الله عليه وآله) سيّداً، وكان رحمة الله عليه حليماً ورعاً فاضلاً، دعاه ورعه وفضله الى أن ترك الملك والدنيا رغبةً فيما عند الله، وقال: والله ما أحببت منذ علمت ما ينفعني وما يضرّني أن آلى أمر اُمّة محمد (صلى الله عليه وآله) على أن يهراق في ذلك محجمة دم .

 ـ وقال الحافظ ابن عساكر الشافعي عنه: هو سبط رسول الله وريحانته وأحد سيِّدَيْ شباب أهل الجنة....

ـ ـ وقال الحافظ السيوطي: سبط رسول الله وريحانته وآخر الخلفاء بنصّه... وهو خامس أهل الكساء....

 ـ وعن محمد بن اسحاق: أنه ما بلغ أحد من الشرف بعد رسول الله ما بلغ الحسن، كان يبسط له على باب داره، فإذا خرج وجلس انقطع الطريق، فما يمرّ أحد من خلق الله إجلالاً له، فإذا علم قام ودخل بيته فمرّ الناس، ولقد رأيته في طريق مكة ماشياً فما من خلق الله أحد رآه إلاّ نزل ومشى، وحتى رأيت سعد بن أبي وقّاص يمشي.

 ـ وقال محمد بن طلحة الشافعي عنه: كان الله قد رزقه الفطرة الثاقبة في ايضاح مراشد ما يعانيه، ومنحه النظرة الصائبة لإصلاح قواعد الدين ومبانيه، وخصّه التي درّت لها أخلاق مادتها بصور العلم ومعانيه.

ـ وقال سبط ابن الجوزي عنه: كان من كبار الأجواد، وله الخاطر الوقّاد، وكان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يحبّه حبّاً شديداً.

ـ وقال عنه ابن الأثير: وهو سيّد شباب أهل الجنة، وريحانة النبيّ (صلى الله عليه وآله) وشبيهه، سمّاه النبيّ الحسن... وهو خامس أهل الكساء .

و في الختام نكرر  ماقاله أخوه محمد بن الحنفية وعندما وقف على قبره ليؤبّنه قال: لئن عزّت حياتك فقد هدّت وفاتك، ولنعم الروح روح تضمّنه كفنك، ولنعم الكفن كفن تضمّن بدنك، وكيف لا تكون هكذا وأنت عقبة الهدى وخلف أهل التقوى وخامس أصحاب الكساء؟! غذّتك بالتقوى أكفّ الحق، وأرضعتك ثدي الايمان، ورُبّيت في حجر الإسلام، فطبت حيّاً وميّتاً، وإن كانت أنفسنا غير سخيّة بفراقك، رحمك الله أبا محمد.  

وأصدرت الأمانةُ العامّةُ للعتبة العبّاسية المقدّسة بعد ظهر اليوم الثلاثاء 28 سبتمبر الجاري بياناً رسميّاً أكّدت فيه أنّ أعداد الزائرين المسجّلين وفقاً لمنظومة العدّ الإلكترونيّ، للمدّة من (7) صفر الخير لغاية منتصف نهار (20) العشرين منه، بلغت (16.327,542) ستة عشر مليوناً وثلاثمائة وسبعة وعشرين ألفاً وخمسمائة واثنين وأربعين زائراً، دخلوا من خمسة مداخل رئيسيّة هي: (بغداد - كربلاء)، (نجف - كربلاء)، (بابل - كربلاء)، (حسينيّة – كربلاء) بمسارَيْن.

وفي ما يلي نصّ البيان:

نرفعُ أحرّ التعازي لإمام زماننا الحجّة بن الحسن(صلوات الله عليه وعلى آبائه)، والمراجع العظام والعالم الإسلاميّ أجمع، لا سيّما عراق الأنبياء والأوصياء والأولياء، بذكرى أربعينيّة الإمام الحسين(عليه السلام)، سائلين الله تعالى أن يحفظ بلاد المسلمين من كلّ سوء، وأن يُرجِع زائري أبي عبد الله الحسين(عليه السلام) إلى مدنهم وأوطانهم سالمين غانمين بقبول الأعمال والطاعات.

وكعادتها منذ أكثر من 13 قرناً، تشرّفت مدينةُ كربلاء المقدّسة بضيوف وزوّار سيّد الشهداء الإمام الحسين وأخيه أبي الفضل العبّاس(عليهما السلام) في الزيارة الأربعينيّة لهذه السنة 1443هـ، وكان لخَدَمَةِ العتبات المقدّسة شرفٌ عظيم باستقبال وتقديم الخدمات المتنوّعة للزائرين الكرام، وشملت هذه الخدمات العديد من الفعّاليات الطبّية والخدميّة والعزائيّة، ومنها خدمة توثيق أعداد الزائرين بمنظومة العدّ الإلكترونيّ، للقادمين إلى مداخل مدينة كربلاء المقدّسة الرئيسيّة، من قِبل شعبة الاتّصالات في العتبة العبّاسية المقدّسة وللعام السادس على التوالي، والتوثيق التحليليّ الإحصائيّ لباقي الخدمات في مدينة كربلاء المقدّسة، من قِبل مركز الكفيل للمعلومات والدّراسات الإحصائيّة.

فبلغ عددُ الزائرين الذين استقبلتهم مدينةُ كربلاء المقدّسة منذ يوم (7 صفر الخير) لغاية الساعة 12:00 ظهراً من يوم (20 صفر الخير)، وفقاً لمنظومة العدّ الإلكترونيّ وعلى خمسة مداخل رئيسيّة هي: (بغداد – كربلاء / نجف - كربلاء / بابل - كربلاء / حسينيّة – كربلاء "بمسارَيْن") لهذه السنة، نحو (16,327,542) ستة عشر مليوناً وثلاثمائة وسبعةٍ وعشرين ألفاً وخمسمائةٍ واثنين وأربعين زائراً.

وتضمّن البيانُ إحصائيّاتٍ لأعداد الزائرين وفقاً لمنظومة العدّ الإلكترونيّ لآخر ستّة أعوامٍ:

1- (16,327,542) ستّة عشر مليوناً وثلاثُمائةٍ وسبعةٌ وعشرون ألفاً وخمسُمائةٍ واثنان وأربعون زائراً للسنة الهجريّة 1443.
2- (14,553,308) أربعة عشر مليوناً وخمسُمائةٍ وثلاثةٌ وخمسون ألفاً وثلاثُمائةٍ وثمانية زائرين للسنة الهجريّة 1442.
3- (15,229,955) خمسة عشر مليوناً ومائتان وتسعةٌ وعشرون ألفاً وتسعُمائةٍ وخمسةٌ وخمسون زائراً للسنة الهجريّة 1441.
4- (15,322,949) خمسة عشر مليوناً وثلاثُمائةٍ واثنان وعشرون ألفاً وتسعُمائةٍ وتسعةٌ وأربعون زائراً للسنة الهجريّة 1440.
5- (13,874,818) ثلاثة عشر مليوناً وثمانمائةٍ وأربعةٌ وسبعون ألفاً وثمانمائةٍ وثمانية عشر زائراً للسنة الهجريّة 1439.
6- (11,210,367) أحد عشر مليوناً ومائتان وعشرةُ آلافٍ وثلاثُمائةٍ وسبعةٌ وستّون زائراً للسنة الهجريّة 1438.
 
 

بداية مرحلة جديدة في أكبر مؤسسة إعلامية في إيران، بتعيين من قائد الثورة الاسلامية آية الله السيد علي خامنئي أصبح بيمان جبلي ثامن رئيس لمؤسسة الإذاعة والتلفزيون الايرانية.

 

جبلي الذي كان يشغل حتى الان منصب رئيس دائرة الاعلام الخارجي في مؤسسة الإذاعة والتلفزيون؛ يحمل شهادة آكادمية في الاعلام وهو أحد المدراء الذين لديهم خلفية حافلة بالانجازات والتجارب في هذه المؤسسة الاعلامية الكبيرة.

قبل ترأسه لدائرة الاعلام الخارجي، كان عضوا في الهيئة العلمية في جامعة الإذاعة والتلفزيون، وكان ايضا معاونا لرئيس الإذاعة والتلفزيون في شؤون الاخبار، هذا وشغل جبلي لسنوات طوال منصب المدير العام للاخبار في قناة العالم، ومدير مكتب القناة في بيروت.

لم يقتصر سجل بيمان جبلي على عمله في الاذاعة والتلفزيون وحسب، حيث شغل نائبا اعلاميا ومساعدا لأمين مجلس الأمن القومي في ايران في عهد الامين السابق سعيد جليلي، كما كان بيمان جبلي سفير الجمهورية الإسلامية الإيرانية لدى تونس ايضا.

جبلي، الذي اجتاز جميع مناصب الأخبار في أكبر مؤسسة إعلامية في البلاد، يجيد اللغة العربية والإنجليزية بطلاقة ويتحدث لغات أخرى.

تعدّ المعرفة الاكاديمية والخبرة العملية والمرور بمستويات وتسنّم مناصب مختلفة في الإذاعة والتلفزيون من بين السمات الإيجابية لبيمان جبلي في مجال إدارة الإعلام التي يمكن أنْ تكون فعالة في تحسين الجودة والمستوى المهني في اكبر المؤسسات الاعلامية الايرانية.

المصدر:العالم

قيمت مراسم عزاء الأربعين لسيد الشهداء أبي عبد الله الحسين (ع) وأصحابه الأوفياء، بمشاركة قائد الثورة الاسلامية، الإمام الخامنئي، عبر الاتصال بالفيديو بين حسينية جامعة طهران وحسينية الإمام الخميني (قده). وفي كلمته في هذه المراسم، دعا الإمام الخامنئي، في إشارة إلى الأهمية الخاصة للأربعين يوماً، من عاشوراء إلى 20 صفر سنة 61 هـ في تاريخ الإسلام، الشبابَ والطلاب للاستعداد للدخول في ميدان التبيين والكشف.
 

في هذه المراسم، وصف قائد الثورة الإسلامية، الإمام الخامنئي، بكلمة مقتضبة، المرحلةَ ما بين عاشوراء إلى الأربعين بأنها من المراحل المهمة جداً في تاريخ الإسلام، وقال: «إذا كانت عاشوراء ذروة المجاهَدة والتضحية بالأرواح العزيزة والعظيمة، فإن مرحلة الأربعين يوماً من بعدها كانت ذروة المجاهَدة لتبيين الحقائق وكشفها»، مضيفاً: «هذا التبيين الجهادي للإمام السجاد (ع) والسيدة زينب (ع) والسيدة أم كلثوم (ع) والصبر الفائق لآل الرسول (ص) مكمّلٌ لتلك التضحية وأدى إلى تخليد ثورة كربلاء». 
وحول الهجمة الدعائية للأعداء بُغية التأثير في الرأي العام بمختلف الأساليب والأدوات، رأى الإمام الخامنئي أن «خطوة التبيين تعطل تأثير الهجمات الدعائية»، وأردف: «أيها الطلاب الأعزاء، وأنتم ثمرة قلب الشعب والأمل الحقيقي للوطن، ليُنِرْ كلٌّ منكم ما حوله كالمصباح ولتبَدّدوا الغموض عبر الاهتمام بتبيين الحقائق». 
في هذا السياق، أشاد سماحته بأهمية إمكانات الفضاء المجازي والإعلامي في التنوير والرد على الإبهامات، قائلاً إن «المبدأ الحاسم في جهاد التبيين وإعادة سرد الحقائق هو استخدام الأساليب الأخلاقية والتعبير عن القضايا بالمنطق والرصانة والعقلانية الكاملة، والاستفادة من المشاعر الإنسانية، وتجنب السباب وقذف التهم والكذب والخداع أمام الرأي العام». 
كذلك، أعرب الإمام الخامنئي عن سعادته لحقيقة أن الشباب «مجهزون بالفكر والعقلانية والكثير من الوعي»، مشدداً على تعزيز هذه الخصائص. وقال: «نهج الإمام الحسين (ع) نهجٌ مباركٌ وعذبٌ ويصل إلى نتيجة وتوفيق حتمي... سوف تتمكنون، أنتم الشباب، إن شاء الله، من إيصال البلاد إلى قمم السعادة المعنوية والمادية، بالاستلهام من هذا النهج والمعارف النورانية». 

خلال المراسم، تحدث حجة الإسلام والمسلمين رفيعي عن أن «نهضة عاشوراء هي عامل الحفاظ على الإسلام وبقائه»، وقال: «بناءً على نص زيارة الأربعين، إن العملين العظيمين للإمام الحسين (ع) هما النصيحة ورجائه الخير للآخرين حتى يوم عاشوراء وبذل الروح لإنقاذ المجتمع من الضلال، فعلى شيعة أهل البيت (ع) الاستعداد دائماً للتضحية في سبيل الله». كما جرى في المراسم نفسها قراءة السيد ميثم مطيعي المرثيات وذِكر المصيبة.

منذ حصوله على الاستقلال عام 1956، كان السودان مسرحا للعديد من الانقلابات العسكرية نجح بعضها فيما فشل البعض الآخر.

الجيش السوداني ينتشر في شوارع الخرطوم (مواقع التواصل الإجتماعي)

رسميا أعلن الجيش السوداني الثلاثاء 21 سبتمبر/أيلول 2021، إحباط محاولة انقلاب للاستيلاء على السلطة في البلاد، والقبض على 21 ضابطا من المتورطين فيها.

ومنذ حصوله على الاستقلال عام 1956، كان السودان مسرحا للعديد من الانقلابات العسكرية نجح بعضها فيما فشل البعض الآخر.

1957.. أول محاولة فاشلة

ـ يونيو/حزيران 1957: قاد مجموعة من ضباط الجيش والطلاب الحربيين بقيادة إسماعيل كبيدة انقلابا ضد أول حكومة وطنية ديمقراطية بعد الاستقلال برئاسة الزعيم إسماعيل الأزهري، وتم إحباط محاولة الانقلاب في مراحلها الأخيرة.

1958.. أول انقلاب ناجح

ـ 17 نوفمبر/تشرين الثاني 1958: قاد الفريق إبراهيم عبود أول محاولة انقلاب ناجحة ضد حكومة منتخبة مكونة من ائتلاف "حزب الأمة" و"الحزب الاتحادي الديمقراطي" (أكبر حزبين)، وحينها كان يرأس إسماعيل الأزهري مجلس السيادة وعبد الله خليل رئاسة الوزراء.

ـ تسجل وثائق التاريخ والتحليل السياسي أن الانقلاب وجد بيئة ملائمة تمثلت في الصعوبات الاقتصادية وانخفاض احتياطي العملة الصعبة واشتداد الصراعات السياسية بين الأحزاب.

ـ أكتوبر/تشرين الأول 1964: قامت ثورة شعبية أسقطت حكم عبود الانقلابي.

1969.. الانقلاب الثاني

ـ لم تكن عودة الحكم المدني إثر ثورة 1964 مرادفا لإقامة سلطة ديمقراطية مستقرة وقادرة على تلبية مطالب السودانيين، بل إن الأطراف السياسية دخلت في حلقة جديدة من الصراعات العقيمة، خاصة أن أيا منها لم يكن قادرا على نيل أغلبية مريحة في الاستحقاقات الانتخابية التي كانت تنظم.

ـ 25 مايو/أيار 1969: نفذ مجموعة "الضباط الأحرار" بقيادة جعفر نميري انقلابا عسكريا، سبقته أجواء سياسية مأزومة عنوانها المؤامرات والتحالفات المتهافتة على السلطة.

ـ بعد إعلان الحكومة اتضح أن توجه الانقلابيين السياسي يساري، فالغالبية العظمى من الوزراء الـ22 الذين أعلنت أسماؤهم صبيحة يوم الانقلاب إما شيوعيين أو رفقاءهم، وإما قوميين عربا، أو اشتراكيين.

ـ خلافا لانقلاب 1958 الذي سارع اليساريون الشيوعيون حينها إلى إدانته، سارع "الرفاق" هذه المرة إلى تأييد التحرك العسكري، داعين إلى حمايته من "الثورة المضادة"، لكن سرعان ما بدأت الخلافات تدب بين نميري ومؤيديه الشيوعيين.

ـ كانت الخلافات بين نميري والحزب الشيوعي تشمل جوانب داخلية وأخرى خارجية، حيث كان الحزب يرفض سعي نميري للالتحاق باتحاد الجمهوريات العربية مع مصر وليبيا الذي أعلن في طرابلس في 27 ديسمبر/كانون الأول 1969، بينما رفض الحزب داخليا حل نفسه والانضمام إلى الحزب الاشتراكي.

1971.. حركة تمرد

ـ بعد عامين من الانقلاب، وقع خلاف امتدت خيوطه إلى داخل المؤسسة العسكرية، ليحدث تمرد عسكري جديد، حيث قام ضباط يحملون الأفكار الشيوعية بانقلاب يوليو/تموز 1971، معلنين عزمهم محاربة "الاستعمار الجديد" والقطع مع الموالاة للغرب التي اتهموا بها نظام نميري.

ـ لم يستمر التمرّد سوى 3 أيام، حيث تدخلت قوى دولية وإقليمية عديدة تتقدمها مصر السادات وليبيا القذافي وشركة بريطانية (Lonrho)، إلى جانب دعم داخلي لهذا التدخل قاده رجل أعمال سوداني اسمه خليل عثمان، وهو ما قضى على التمرد العسكري بسرعة قياسية.

ـ عاد نميري إلى السلطة بعد القضاء على التمرد، وفرض عقيدة جديدة في صفوف الجيش تتمثل في أداء القسم على الولاء للنظام بدل الأمة، كما أسس فروعا اقتصادية تابعة للجيش، محولا بذلك المؤسسة العسكرية إلى طبقة اجتماعية ذات مصالح تجعلها مضطرة للدفاع عن النظام القائم.

ـ أصبح الجيش السوداني إثر ذلك المتحكم الأول في تزويد البلاد بالمواد الاستهلاكية، وارتبط بعلاقات مصالح متبادلة مع طبقة التجار، وانتهى بذلك العهد الذي كان يتم فيه إرضاء الفئات العسكرية المتمردة عبر امتيازات زراعية فقط.

ـ رغم حرص نميري على إنهاء بعض النزاعات الداخلية الكبرى التي كانت تطرح تحديات على حكمه، مثل توصله إلى اتفاقات مع أحزاب المعارضة في الشمال، فإن غضب بعض كبار ضباط الجيش كان يتنامى ضده بفعل إمعانه في فرض دكتاتوريته وإطلاق يد الأجهزة الأمنية لقمع الأصوات المعارضة.

ـ عام 1983: طرح نميري القوانين المستلهمة من الشريعة، سعيا منه لتجنب معارضة القوى السياسية المحافظة وذات الأفكار الدينية.

1985.. انتفاضة مارس وانقلاب أبريل

ـ 7 مارس/آذار 1985: بدأت الانتفاضة ضد حكم نميري بخروج عمال سكة حديد عطبرة في مظاهرات احتجاجية بسبب موجة الغلاء وارتفاع الأسعار، تبعتها مظاهرة طلابية خرجت من جامعة الخرطوم وصلت ذروتها يوم 26 مارس/آذار.

ـ 6 أبريل/نيسان 1985: بعد انضمام فئات أخرى إلى العصيان المدني الشامل وسلسلة الإضرابات والمظاهرات، أقدم الجيش على إعلان نهاية حكم نميري، وذلك استباقا لمسيرة دعا إليها قضاة ودبلوماسيون كان يفترض أن تجري في اليوم نفسه.

ـ تصدى لعملية عزل نميري قائد عسكري كبير هو الفريق عبد الرحمن محمد حسن سوار الذهب، معلنا تشكيل مجلس عسكري أعلى لإدارة المرحلة الانتقالية تحت رئاسته، وحدّد مدة هذه الفترة في سنة واحدة تجرى الانتخابات في نهايتها.

ـ بعد عام واحد من عزل نميري، جرت الانتخابات التي أصر سوار الذهب على تنظيمها في التاريخ الموعود، وكشفت نتائجها عن صعود غير مسبوق للإسلاميين (الجبهة الإسلامية القومية)، حيث نالوا 51 مقعدا، واحتلوا المرتبة الثالثة بعد كل من الحزب الاتحادي (63 مقعدا) وحزب الأمة (100 مقعد).

1971.. هاشم العطا

ـ 19 يوليو/تموز 1971: نفذ الضابط هاشم العطا، ومجموعة من الضباط المحسوبين على "الحزب الشيوعي" بالجيش السوداني انقلابا.

ـ تمكن العطا من الاستيلاء على السلطة ليومين، قبل أن يعود نميري إلى السلطة، ويحاكم الانقلابيين، وتم إعدامهم ومعهم عدد من قادة "الحزب الشيوعي"، على رأسهم زعيم الحزب عبد الخالق محجوب.

1975.. انقلاب حسن حسين

ـ سبتمبر/أيلول 1975: خلال حكم نميري، قاد الضابط بالجيش حسن حسين، محاولة انقلاب جديدة لكن تم إحباطها وأعدم الانقلابيون.

1976.. معارك في شوارع الخرطوم

ـ يوليو 1976: حاولت القوى السياسية التي كانت تعارض حكم نميري السيطرة على السلطة، فقاد العميد محمد نور سعد، محاولة انقلاب جديدة بمشاركة عناصر تسللت عبر الحدود من ليبيا إلى السودان.

ـ دارت معارك في شوارع الخرطوم بين القوات الحكومية وقوات الانقلابيين، أسفرت عن مقتل مئات من الانقلابيين، فيما تم لاحقا إعدام قائد الانقلاب.

1989.. انقلاب البشير

ـ عام 1989: أصدر 150 من ضباط الجيش مذكرة مطالبين الحكومة بإيقاف التدهور الاقتصادي وإنهاء حالة الانفلات الأمني وتوسيع التحالف الحكومي ليشمل جميع الأحزاب السياسية.

ـ 30 يونيو/حزيران 1989: تحت غطاء سياسي قوامه التيار الإسلامي، قاد العميد عمر البشير انقلابا ضد الحكومة المدنية المنتخبة التي كان يرأسها الراحل الصادق المهدي رئيس الوزراء آنذاك.

ـ شن الانقلابيون حملة اعتقالات طالت قادة جميع الأحزاب السياسية بمن فيهم حسن الترابي زعيم الجبهة الإسلامية القومية.

ـ منتصف التسعينيات عاد الترابي ليُنتخب رئيسا للبرلمان، في تقاسم هش للسلطة، بعدها آلت علاقة الرجلين إلى الفرقة والشقاق في أغلب مراحل العقود الثلاثة الماضية.

28 رمضان 1990

ـ أبريل/نيسان 1990: قاد اللواء عبد القادر الكدرو واللواء محمد عثمان ما سمي بـ"انقلاب 28 رمضان" لكنه فشل، وأعدم نظام البشير 28 ضابطا بمن فيهم قادة الانقلاب.

حزب البعث 1992

ـ مارس/آذار 1992: وقع انقلاب بقيادة العقيد في الجيش أحمد خالد، ونُسب الانقلاب إلى "حزب البعث"، لكن الانقلاب فشل وتم وضع قادته في السجن.‎

فترة حكم المجلس العسكري

ـ أثناء فترة حكم المجلس العسكري التي استمرت من 11 أبريل وحتى 17 أغسطس/آب 2019، أعلن المجلس عن إحباط انقلابين.

هاشم عبد المطلب 2021

ـ 11 يوليو/تموز 2021: أعلن الجيش إحباط محاولة انقلاب هدفت للإطاحة بالمجلس العسكري، وتم اعتقال 12 ضابطا.

ـ 24 يوليو/تموز 2021: أعلن اعتقال رئيس أركان الجيش هاشم عبد المطلب أحمد، بوصفه قائد ومخطط المحاولة الانقلابية.‎

سبتمبر/أيلول 2021

ـ في 21 سبتمبر/أيلول 2021: أعلن العميد الطاهر أبو هاجة، المستشار الإعلامي للقائد العام للجيش إحباط محاولة انقلابية شهدتها البلاد، والسيطرة على الأوضاع تماما.

ـ كشف وزير الدفاع السوداني الفريق ركن ياسين إبراهيم، أن قائد المحاولة الانقلابية هو اللواء ركن عبد الباقي الحسن عثمان بكراوي ومعه 22 ضابطا برتب مختلفة وعدد من ضباط الصف والجنود.

المصدر : الجزيرة + مواقع إلكترونية