
emamian
عشاق الامام الحسين(عليه السلام) يزحفون الى كربلاء
في العراق، تواصل الحشود الزائرة السير نحو مدينة كربلاء المقدسة لإحياء اربعينية الأمام الحسين عليه السلام. وانتشرت على الطرق المؤدية الى المدينة المقدسة آلاف المواكب الحسينية لتقديم الخدمات للزائرين السائرين على الأقدام. وتعتبر زيارة الأربعين واحدة من أضخم المسيرات في العالم، وتتميز بالأعداد المليونية للزوار الذين يشاركون في إحياء المناسبة سنويا.
سيول بشرية ضخمة تواصل التدفق الى مدينة كربلاء المقدسة جنوب العاصمة العراقية بغداد لاحياء مراسم اربعينية الامام الحسين عليه السلام .
الحشود البشرية تواصل السير من شمال العراق وجنوبه للمشاركة في هذه المناسبة التي اصبحت حدثا عالميا بعدما اخترقت عظمة الرسالة الانسانية مختلف العواصم والمدن في العالم.
السلطات العراقية اتخذت كافة الاجراءات الوقائية لوباء كورونا لتامين سلامة الزوار الصحية وانتشرت الاف المواكب الحسينية لتقديم الخدمات المتنوعة للزائرين السائرين على الاقدام الى المرقد الطاهر في مدينة كربلاء المقدسة.
بعد تحديد الحكومة العراقية الزوار من الخارج من المشاركة في احياء الاربعين العام الماضي جراء انتشار وباء كورونا عادت هذا العام وسمحت لسبعين الف زائر من خارج البلاد من بينهم ستون الف من ايران.
زيارة الاربعين للامام الحسين عليه السلام في مدينة كربلاء تعتبر واحدة من اكبر واضخم المسيرات في العالم وتتميز بالاعداد المليونية للزوار الذين يتلقون جميع الخدمات من جانب المواكب والموالين لاهل البيت عليهم السلام دون اي دعم حكومي.
وفي الاعوام القليلة الماضية تضاعفت اعداد الجنسيات الاجنبية المشاركة في الذكرى من ستين دولة تتقدمهم ايران وافغانستان وباكستان والقوقاز ودول مجلس التعاون ودول عربية وغربية كما شاركت مواكب اخرى من جنوب افريقيا والصين والهند وسنغافورة ونيوزيلاندا وتانزانيا.
المصدر : العالم
ظاهرة الضعف النفسي وسبل علاجها
د. مجدي الهلالي
مما لا شكّ فيه أنّ النفس البشرية لها مطالب دائمة تسعى إلى نيلها، وحظوظ تعمل على الفوز بها، وأحلام تتمنى تحقيقها، وهي حين تسعى لتنفيذ مآربها والهوى هو ما تميل إليه النفس، والنفس بطبيعتها تهوى الراحة والكسل وتكره المشقة والتكليف، تعشق الشهوات الحسية كشهوة البطن، والفرج، وجمع المال، والشهوات المعنوية كشعورها بالعلو والرفعة عمن حولها، وحب الجاه والسلطان وامتلاك قلوب الناس وأن يشار إليها بالبنان، وتطرب بالمدح والثناء عليها.
والنفس حين تلح على القلب ليأمر الجوارح بتنفيذ طلباتها لا تنظر إلى العواقب المترتبة على ذلك، فكلّ ما تريده هو الشعور بالنشوة واللذة والسعادة سواء كانت حسية أو معنوية.
وحظوظ النفس لا تنتهي أبداً، فإن فُتح لها باب طلبت الآخر، وإن أُعطيت شيئاً من حظوظها ألحت في طلب المزيد.
ولقد خلق الله – عزّ وجلّ – هذه النفس بهذه الميول والصفات لتكون هي المحك الرئيسي لصدق عبوديتنا له، فمن أراد أن يكون عبداً لله فليخالف نفسه، وهواها، وليطع أوامر ربه وليجتنب نواهيه، أما من انهار أمام نفسه ورغباتها وشهواتها فهذا هو عبد نفسه وإن ادعى غير ذلك.
والناس أمام نفوسهم على ثلاثة أقسام:
القسم الأوّل: قسم أيقن أنّ أعداءه هي نفسه التي بين جنبيه فرفع رأية الجهاد عليها وشهر سيفه أمامها، خالف هواه وفطم نفسه عن رغباتها وشهواتها ولم يعطها من الحظوظ إلا الحظ المباح بلا توسع يطغيها ولا منع يُفسد عليه أعماله وعباداته.
فقد ساق نفسه وباعها إلى الله فرحاً بالثمن الغالي الذي بشره الله به: (إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ...) (التوبة/ 111).
فهذا هو العبد الحقيقي لربه ومولاه الذي نصر الله على نفسه فنصره الله في الدنيا والآخرة كما قال تعالى: (وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ...) (الحج/ 40).
فما من معركة أمام الباطل يخوضها إلا وينصره الله فيها.
ومما يدعو للأسف أنّ هذا القسم من الناس يندر وجوده بيننا ومن الصعب العثور عليه وإن كان موجوداً بصورة دائمة على مر الأزمان ولكن بنسب متفاوتة كما قال رسول الله (ص): "لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحقِّ لا يضرهم من خذلهم حتى يأتي أمر الله وهم كذلك"[1].
أما القسم الثاني: فقسم قد سار وراء نفسه وهواها لا يتخلف عن طلب تطلبه ولا شهوة تريدها، هذا الصنف سائر إلى الهلاك لا محالة – إن لم تتداركه رحمة من ربه – ولم لا وقد استبدل عبادة ربه وخالقه ومولاه بعبادة نفسه وهواها فانطبق حاله مع قول الله – عزّ وجلّ – (أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلا) (الفرقان/ 43)، فنفسه تسوقه إلى الأرض بطينها وشهواتها فأطبقت عليه الدنيا من كلِّ جانب، وغرق في بحرها، وأصبح أسيراً لنفسه وهواها، غافلاً عن عبادة ربه، ومما يثير الحزن في النفس أنّ أصحاب هذا القسم كثيرون – على عكس القسم الأوّل – فما أيسر العثور عليهم ورؤية حالهم وما آلوا إليه من عبودية تامة لنفوسهم.
أما القسم الثالث: من الناس فقسم قد خالف نفسه تارة وسار وراءها تارة أخرى، ففيه عبودية لله وعبودية لنفسه تختلف نسبة كلّ منهما من شخص لآخر بحسب حجم اتباعه لأوامر ربه أو ابتعاده عنها واتباعه لهوى نفسه.
فلقد انتصر أصحاب هذا القسم على نفوسهم في مواضع كثيرة، وانتصرت عليهم في مواضع أخرى، ففيهم الكثير من مظاهر القوة والضعف أمام نفوسهم.
وهذا الصنف موجود بيننا، والكثير منا – إن لم يكن أغلبنا – يندرج تحت هذا القسم وللأسف الشديد أنّ البعض قد خدعتهم مظاهر قوتهم أمام أنفسهم في بعض المواضع – وبخاصة المحسوسة والمرئية – وظنوا أنهم قد انتصروا عليها انتصاراً تاماً ولم ينتبهوا إلى أساليب خداعها، فمنعوا عنها حظوظها الظاهرة، وانساقوا وراء حظوظها الخفية، فانتصرت عليهم نفوسهم، وساقتهم أمامها دون أن يشعروا بذلك.
حظوظ النفس لا تنتهي أبداً، فإن فتح لها باب طلبت الآخر وإن أعطيت شيئاً من حظوظها ألحت في طلب المزيد
من هنا نقول إنّه يخطئ من يظن أنّ المعركة مع النفس معركة سهلة وفي مجالات محدودة، بل هي معركة ضخمة لا تنتهي إلا بالموت كما قال أحد الصالحين: "يموت المؤمن وسيفه يقطر دماً".
لذلك ينبغي علينا أن نداوم على محاسبة أنفسنا والتفتيش الدائم داخلها، فمن خلال ذلك يمكننا أن نضع أيدينا على نقاط ضعفنا أمامها فيسهل علينا بعد ذلك تحويل هذا الضعف وهذه الهزيمة إلى قوة ونصر وما ذلك على الله بعزيز، فمواضع ضعف الإنسان أمام نفسه كثيرة منها الظاهر الجلي الذي لا يحتاج إلى بيان كالانسياق وراء الشهوات والمغريات، ومنها الخفي الذي يحتاج إلى بعض البيان.
مظاهر ضعف الإنسان أمام نفسه:
مظاهر ضعف الإنسان أمام نفسه كثيرة نذكر منها:
- كثرة الحديث أمام الناس عن النفس بما يزكيها ويرفعها فوق مستوى الأقران، وعدم الملل من الحديث عن البطولات والإنجازات السابقة، والمباهاة والتفاخر بأي مظهر من مظاهر القوة أو الجاه أو السلطان أو النسب أو الأولاد أو المال وغير ذلك مما يجوز فيه التفاخر.
- الخوف والخجل من الظهور أمام الناس بمظهر الجاهل، أو المحتاج إلى المعرفة، أو الدراسة والفهم والحرص الشديد على عدم الوقوع في الخطأ أمام الآخرين، وإذا ما طُلب منه فعل شيء لا يقدر عليه لا يقول لا أستطيع، وإذا مازُجٍّ في أسئلة في دين الله أجاب دون أن يعلم خوفاً من ظهوره بمظهر الجاهل والمحتاج إلى المعرفة ومن ثمّ انتقاص قدره عند الناس.
- لا يريد أن يتفوق عليه أحد من أقرانه، "وحين لا يملك التغيير الواقع وإثبات تفوقه على غيره ممن يضعه الناس في مصاف المتفوقين فما عليه إلا أن يستره بغمطه وجحوده وتنقيصه وبالتعالي عليه في تصرفات وأعمال من أنها إشعار الآخرين بأنّه ذو امتياز خاص"[2].
- الاعتداد بالرأي فهو حين يناظر أحداً من الناس يستنكف أن يرد عليه أو يخالفه في الرأي ولا يهدأ إلا إذا تنازل من يناظره عن رأيه وأبدى اقتناعه بما هو مقتنع به.
- عدم الاعتراف بالخطأ والعمل على تبرير أخطائه بشتى الوسائل.
- ضيق الصدر بالنقد والنصيحة، بل وقد يقيم صاحب هذه النفس المريضة الدنيا ولا يقعدها إذا ما كان الناصح أقل منه سناً أو شأناً وجاهاً أو سبقاً، وقد يتغير قلبه تجاه ناقده فيطلق لسانه فيه، ويتحاشاه، ويعمل على إبعاده عن مجالسه قدر الإمكان.
- الشعور بالنشوة والفرح عند مدح الآخرين له ويعمل على ألا تخلو مجالسه من مادحيه، وكثيراً ما يسعى إلى استنطاق ألسنة الناس بالمدح والثناء عليه بتعمد وتكرار ذكر محاسنه وإنجازاته.
- الفرح والسرور إذا ما رآه غيره في موضع حسن يستحق المدح، والحزن والابتئاس إذا ما رُؤي في موضع يعرضه للذم.
- حب الرئاسة والصدارة وأن يشار إليه بالبنان، والحزن والضيق إذا ما تخطاه الاختيار، ومحاولة تشويه صورة من وقع عليه الاختيار والعمل على تصيد الأخطاء له وإشاعتها بين الناس.
- صعب القيادة فهو يريد أن يخضع الناس له، ولا يخضع هو لغيره بسهولة.
- ولا يعترف بعيوبة ونواقصه بل ويحرص على إخفائها، ويخجل من ذكر ماضيه إن كان فيه ما يشينه.
- لا يقبل أن يقصر أحد في حقِّ من حقوقه، أما بالنسبة إليه فلا بأس من التقصير في حقوق الآخرين، ومبرراته لذلك كثيرة.
- إساءة الظن بالآخرين وتصيد الأخطاء لهم وكثرة نقدهم ونصيحتهم دون مراعاة للآداب الشرعية للنصيحة.
- عدم الرفق بالناس إذا ما كان في مقام المعلم أو الموجه، فالزجر والتعنيف والتوبيخ سمة من سماته.
- المن على الآخرين بخدماته ومعروفه، وعدم الملل من تكرار الحديث عن هذه الخدمات في جلساته الخاصة، وينتظر دوام الشكر والعرفان بالجميل ممن خدمه، وأن يسارع هذا المخدوم إلى قضاء حوائجه، ومبادأته بالسلام والوقوف له إذا ما رآه وإن لم يفعل فالتشهير والتجريح والسخرية والاستهزاء هو الجزاء المنتظر.
- لا ينسب أي فضل أو نعمة تصيبه إلى الله بل ينسبها إلى مواهبه وقدراته وإمكاناته، وأنّه لولا هذه المواهب ما تواردت عليه النعم.
- عدم حب الخير للآخرين، والحزن والضيق إذا ما تواردت نعمة على أحد أقرانه دونه.
- السخرية والاستهزاء بالآخرين، في حين أنّه لا يقبل أن يسخر منه أو يستهزئ به أحد.
ومن مظاهر الضعف النفسي الذي قد يكون موجوداً في نفوس البعض:
- عدم القدرة على مواجهة الآخرين بأخطائهم لشعوره بالضعف أمامهم، وعدم قدرته أيضاً على تحمل نتيجة أخطائه فإذا ما صارحه الآخرون بها تهرب منها وتنكر لها، وقد يجره ذلك إلى الكذب لينجو بنفسه من هذه المواجهة.
- سهولة التنازل عن رأيه ومواقفه خوفاً من الآخرين، ومن الهزيمة أمامهم، وللأسف الشديد أنّه بذلك قد هُزم أمام نفسه وهو لا يدري، بل إنّه في كثير من الأحيان قد يكون له رأي مخالف لما يقال حوله لكنه لا يجاهر به خوفاً من مواجهة الآخرين وتعرضه للوم والسخرية منهم ومن ثمّ انكساره أمامهم.
الأسباب:
والأسباب المؤدية إلى ظاهرة الضعف النفسي كثيرة نذكر منها:
1- عدم اهتمام الأبوين بغرس المعاني الصحيحة في نفس الابن منذ الصغر بل والعمل على غرس المعاني المضادة – دون قصد – كإشعار بتميزه على أقرانه وأنّه الأحسن والأفضل والأذكى والأشرف نسباً والأكثر مالا، والعمل على الانتقاص من الآخرين وإشعاره بأنّه مميز عنهم، والإكثار من مدحه والثناء عليه بسبب وبدون سبب، وتلبية جميع طلباته النافع منها والضار، وعدم محاسبته وعقابه وتوجيهه إذا ما أخطأ في حقِّ نفسه أو غيره، بل العمل على تبرير هذه الأخطاء أمامه مما يؤدي إلى تماديه في الخطأ.
2- وقد يكون أسلوب التربية عند الأبوين – وبخاصة الأب – فيه من الغلظة والشدة والقهر ما يجعل الابن ينغلق على نفسه وينهزم أمامها فيحاول بعد ذلك إثبات ذاته أمام الآخرين فيكثر من الحديث عن النفس وعن بطولات وهمية وإنجازات مزعومة هو بطلها، أو تنعدم شخصيته، وينكسر أمام نفسه فلا يستطيع أن يرفع رأسه أو يدافع عن آرائه ومعتقداته أمام الآخرين، فما أسهل هزيمته أمام غيره في أضعف المعارك.
3- وجود نقاط ضعف في البناء الداخلي أو البيئة المحيطة بالشخص كعدم استكمال دراسته أو عدم القدرة على الاستيعاب أو رقة حال الأسرة أو غير ذلك من نقاط الضعف، فيتولد عن ذلك محاولة إثبات الذات وتعويض هذا النقص في المحيط الخارجي فينشأ الاعتداد بالرأي والعمل على فرضه على الآخرين ومحاولة الظهور بمظهر العارف بمواطن الأمور، العالم بكلِّ شيء، وعدم الملل من الحديث عن النفس بما يزكيها ويرفعها عمن حولها.
4- وجود بعض المواهب والقدرات لدى الشخص، وعدم تربيته منذ الصغر على أنّ الله – عزّ وجلّ – هو الذي منحه إياها، وأنّ ذلك يستوجب منه دوام الشكر لله الخالق سبحانه وتعالى فينشأ عن عدم التربية على ذلك الإحساس بالتفوق على غيره ومقارنته الداخلية بينه وبين الآخرين والعمل على إثبات أفضليته الدائمة عليهم. لذلك قد تكون المواهب والإمكانات وبالاً على صاحبها إن لم يحسن استقبالها، ولنا في قصة قارون أفضل العبر في ذلك كما قصها القرآن في سورة القصص.
ومما يعمل على استفحال هذا الأمر في نفس هذا الشخص ضعف إمكانات من حوله فلا يجد من يهزمه ولا من يناظره فالكلّ دونه في المستوي.
5- عدم شيوع النصيحة بين الناس، مما يعطي للخطأ صفة الصواب في بعض الأحيان وفي المقابل نجد المدح والثناء منتشراً بينهم بصورة ممجوجة ومتكلفة.
6- عدم الاهتمام بالبناء الداخلي للذات وضياع سنوات العمر في العقود الثلاثة الأولى دون استغلالها في استكمال جوانب النقص التي لا يخلو منها إنسان، مما يجعل مظاهر الضعف النفسي تتمكن من الشخصية.
7- عدم محاسبة النفس بصورة مستمرة والرضى بما يؤدى من عبادات وطاعات دون النظر إلى محاولات النفس للاستيلاء على هذه الأعمال، وإذا ما تمكن أحدنا في يوم من الأيّام من محاسبة نفسه حاسبها على عبادات الجوارح ولم يحاسبها على عبادات القلب.
8- التقدم للأمام والقفز فوق الصفوف والتصدر للتوجيه دون إعداد وتكوين، فيتعرض هذا المتصدر لشمس الشهرة قبل الآوان فيفوته الكثير كما قال الشافعي رحمه الله: "إذا تصدر الحدث فاته علم كثير" مما يؤدي إلى الفتور في طلب العلم وتكوين الذات وترويض النفس وإحياء القلب.
فالبعض عندما تُسلط عليه الأضواء دون أن يكون معداً لذلك يصبح حاله كحال من يقترب من السراج فكلما اقترب رأى نفسه كبيراً وحقيقة الأمر أنّ حجمه لم يتغير وإنما ظله هو الذي كبر.
ولقد خدع هذا الظل الكثير فرأوا أنفسهم أكبر بكثير مما هم عليه، فنظروا إلى غيرهم على أنهم دونهم فأصبح شغلهم الشاغل فعل ما يؤكد تلك الحقيقة، والابتعاد عما يظهرهم بمظهر الجاهل أو المحتاج إلى المعرفة، فترى أحدهم يظن في نفسه أنّه من أهل العلم، ويضع نفسه في مصاف العلماء، مع أنّه لم يُرهق نفسه في الاطلاع أو الحفظ أو المدارسة، ولم يسلك في يوم من الأيام سبيل طالب العلم، فلقد زُج به إلى الأضواء وإلى الشمس دون إعداد، فإذا ما سئل عن أمر من الأمور تراه يجيب دون دراية لينفي عن نفسه صفة الجهل، وإن رد عليه شيء من قوله غضب، وإن حاج أو ناظر أنف أن يُرد عليه، وإن وُعظَ استنكف من قبول النصح، فهو لا يرى نفسه إلّا على صفحة مرآة مقعرة، ويتخيل الآخرين أضأل مما هم عليه في الحقيقة.
الهامش:
[1]- متفق عليه.
[2]- الأخلاق الإسلامية وأسسها لعبد الرحمن حسن حبنكة – بتصرف.
المصدر: مجلة المجتمع/ العدد 1221 لسنة 1996م
دون تعريض سلامته للخطر.. علمي طفلك الدفاع عن نفسه أمام الكبار المتجاوزين
يتفق خبراء طب نفس الأطفال على أن دفاع الطفل عن نفسه سلوك صحي من الناحية التطورية.
تحدثي مع طفلك بأدب ولطف، فهو كالإسفنجة، يمتص تلقائيا كل سلوكياتك (شترستوك)
زهراء أحمد
)
نعرف في العصر الحالي أهمية الانتباه لأطفالنا وسماعهم، ومنحهم الفرصة للتعبير عن مشاعرهم، والتأكيد على احترامها، لكن تأتي مرحلة المدرسة وتكوين العلاقات، فيدخل الطفل يوميا صراعا مع الآخر، ومن خلال صراعاته يتعرف على نفسه والآخرين وسلطتهم، وتكاليف وعواقب أفعاله، سواء كانت حسنة أو سيئة النية، وللأسف، سيعرف أن الحياة ليست عادلة، وأن بعض البالغين يسيئون التصرف أيضا.
لماذا يجب على طفلك الرد على الكبار غير المهذبين؟
نتفق قبل كل شيء على ضرورة احترام الكبار، لكن يجب أن يكون الاحترام متبادلا، فنقدمه للأطفال ونتوقعه في المقابل. أما خارج المنزل، فقد يجد الطفل نفسه مضطرا للدفاع عن حقه طالما هو بعيد عن أعيننا، فوالدة صديقه قد تتصرف معه بأنانية للدفاع عن ابنها المخطئ، وقد يتنمر المدرّس الجديد عليه بسبب طول شعره، وقد تكذّبه الجارة إذا استدرجته للتجسس على أسرار المنزل، وتدفع الطفل أخلاقه للدفاع عن حقه والسلوك القويم الذي تربى عليه.
يتفق خبراء طب نفس الأطفال على أن دفاع الطفل عن نفسه سلوك صحي من الناحية التطورية، فقمع قدرته على قول "لا" وعدم الرد على الكبار إذا تعدوا حدوده الشخصية، هو من الأسباب الأكثر شيوعا وخبثا لمعاناة الإنسان. مقابل ذلك، فإن الطفل الذي يضع حدودا لشخصيته، ويدافع عن المبادئ التي تعلمها من والديه، وعن حقه مقابل الكبار المتجاوزين، هو الطفل الأسعد والأنجح في المستقبل.
تكمن المسألة في كيفية تعامل الطفل مع المشكلات التي يواجهها مع الكبار خارج نطاق الأسرة، بطرق تجعلها أسوأ أو أفضل، وما إذا كان يتعلم من تلك المواجهات أم لا، وإلى أي مدى يستمر الجدال للدفاع عن حقه مقابل شخص بالغ سيئ الخلق، أم سيجدها الكبار فرصة لتوبيخ أطفالنا حتى إن كان الحق لصالحهم؟
يجب على الطفل معرفة متى يتوقف ويبتعد عن الموقف المحرج منعا للتصعيد مع بالغ غير مهذب (بيكسابي)
مهارات حل الخلافات مع الكبار
قدمت الخبيرة الرائدة في مجال أسلوب الحياة والآداب الاجتماعية إلين سوان، في كتابها "كيف تحصل على ما تريد بأدب، وتتعامل مع الوقحين بلطف"، عدة نصائح للآباء والأمهات لتدريب الأطفال على الدفاع عن أنفسهم أمام الكبار، والتي ستساعدك على تربية طفل يجعل العالم مكانا أكثر لطفا واحتراما:
1- يجب أن يبتسم الطفل للشخص البالغ عند بدء الحديث، ثم يعبر عن مشاعره ويصفها، باستخدام ضميره وعباراته البسيطة، فيعد التعبير عما نشعر به أقل الطرق عدائية للتحدث إلى أي شخص، إذ لا يضعه في موقف دفاعي يضطره لإثبات صحة موقفه أمام الآخر، والذي هو في تلك الحالة طفل بريء في منافسة غير متكافئة.
2- يمكن تدريب طفلك على بدء الحوار بقول: "عفوا سيدي/تي"، من أجل لفت انتباه الشخص والاعتراف بمكانته كفرد بالغ، ولتقليل احتمالية اتخاذه موقفا دفاعيا قبل سماع حجة الطفل.
3- يبدأ الطفل شكواه وهو يعبر عن حاجته لمساعدته دون انفعال، فيقول "لا أقصد أن أكون غير مهذب، ولكن بينما كنت مشغولا بالرسم، أخذ ابن سيادتكم أقلامي، ولا أعتقد أنك توافقين على ذلك، لذا أحتاج مساعدتك لاستعادة قلمي منه"، أو "لا أقصد مقاطعتك، لكني حزين لأنك وصفتني بـ…، وأنا متأكد من أنك لم تقصد إهانتي، لكن ذلك جرح مشاعري".
يجب أن يبتسم الطفل للشخص البالغ عند بدء الحديث ثم يعبر عن مشاعره ويصفها (وكالات)
4- يجب على الطفل معرفة متى يتوقف ويبتعد عن الموقف المحرج منعا للتصعيد مع شخص بالغ غير مهذب، واللجوء إلى آخر مسؤول في المكان إذا لم يتمكن من إيصال وجهة نظره بعد محاولتين.
5- دربي طفلك على وضع حدود بينه وبين الغرباء، وأن يتراجع خطوتين للوراء قبل التكلم مع الغرباء سواء كانوا بالغين أو في مثل سنه، والانصراف في الوقت المناسب إذا تحول الحديث لشجار، فسلامته تأتي قبل ضرورة استعادة الحق، وإذا رأى صديقه أو أخاه متورطا في جدال أو يتعرض للتنمر، فليضع ذراعه حول كتفيه ويقول له "اسمع، علينا المغادرة الآن"، وتلك هي أولى مهارات حل النزاع.
6- علمي طفلك تجنب الدخول في جدال مع أشخاص سيئين إذا كانوا ذوي سلطة في المكان، كوالدة زميل له في منزلها، أو المدرس في حجرة الدراسة، أو البائع في المحل، فلن يفوز الطفل في جداله معهم.
7- تحدثي مع طفلك بأدب ولطف، فهو كالإسفنجة، يمتص تلقائيا كل سلوكياتك. تخيلي أن يستخدم طفلك عباراتك في الجدال مع الكبار، فيحاول لفت نظرهم إلى أخطائهم، أو مقاطعتهم في أثناء الحديث، أو تصحيح وجهات نظرهم وسلوكهم السيئ. إذا فعل ذلك فسيكون هو الخاسر الوحيد في أي نقاش مع الكبار، وإن كانوا مخطئين في حقه.
لذا عليك الاستماع لطفلك، وإظهار التعاطف معه، والاعتذار إذا أسأت التصرف، وعدم السخرية من إخفاقاته. على سبيل المثال، يمكنك قول "أرى أنك تعمل بجد لإنجاز لوحتك الفنية، كم هي جميلة، سأحضر لك إسفنجة لتنظيف الأرضية ومسح الألوان"، بدلا من قول "أنت مهمل ودائما ما تتسبب في إحداث فوضى من حولك".
8- اجعلي سلوكك نموذجا لما تتمنينه من طفلك في مواقف مشابهة، فاستخدمي عبارات تعبر عنك وعن مشاعرك إذا أساء التصرف، مثل "أنا حزينة، لقد جرحت مشاعري عندما صرخت/ رفضت مساعدتي/ وصفتني بصفات غير لطيفة/ أخذت أشيائي دون استئذان، وأنا واثقة من أنك لم تقصد جرح مشاعري"، ثم طبقي أكثر من سيناريو مختلف ليتمرن على مهارات الدفاع عن نفسه في أي نقاش.
المصدر : مواقع إلكترونية
بعد نقاشات استغرقت 8 ساعات.. حكومة ميقاتي تفوز بثقة البرلمان اللبناني
85 نائبا منحوا ثقتهم لحكومة ميقاتي في حين حجب 15 نائبا الثقة عنها (رويترز)
منح مجلس النواب اللبناني ثقته للحكومة الجديدة برئاسة نجيب ميقاتي، التي تشكلت بعد 13 شهرا من الفراغ، وتقع على عاتقها مهمات صعبة، أبرزها محاولة وقف الانهيار الاقتصادي في البلاد.
وبعد مناقشة البيان الوزاري خلال جلسة طويلة استغرقت 8 ساعات، منح 85 نائبا ثقتهم للحكومة الجديدة، في حين حجب 15 نائبا الثقة عنها، حسب تعداد أعلنه رئيس مجلس النواب نبيه برّي.
وعقدت الجلسة الصباحية في قصر الأونيسكو في بيروت برئاسة نبيه بري، وحضور رئيس مجلس الوزراء والوزراء، ثم تلتها جلسة مسائية لمناقشة البيان الوزاري والتصويت على الثقة في الحكومة.
وتأخر انعقاد الجلسة 50 دقيقة بسبب انقطاع التيار الكهربائي عن القصر.
وفي مستهل الجلسة، تعهد رئيس الحكومة بالخروج مما سماها الأقوال الكلاسيكية، والانطلاق نحو العمل الجاد، واستئناف التفاوض الفوري مع صندوق النقد الدولي فور نيل حكومته الثقة، من أجل الخروج باتفاق على خطة للتعافي الاقتصادي، ووضع خطة لإصلاح القطاع المصرفي وإعادة هيكلته.
وقال ميقاتي إن حكومته تمثُل أمام البرلمان لنيل ثقته في ظرف يُحتم مقاربات استثنائية لمعالجة الأزمات الاقتصادية والاجتماعية والمالية والمعيشية الخانقة التي يعاني منها لبنان، والتي لم يشهد لها مثيلاً في تاريخه الحديث.
وأضاف -خلال تلاوة البيان الوزاري لحكومته- أن أغلب اللبنانيين يريدون معالجة مشكلاتهم الطارئة وتأمين قوتهم اليومي، بعيدا عما وصفها بالسجالات السياسية.
وتشكلت في العاشر من سبتمبر/أيلول الحالي حكومة جديدة مكونة من 24 وزيرا -بينهم سيدة واحدة- برئاسة نجيب ميقاتي، وذلك بعد 13 شهرا على استقالة حكومة حسان دياب.
وتواجه حكومة ميقاتي تحديات كبيرة في ظل الوضع الكارثي الذي يعيشه لبنان بعد تفاقم الأزمة المالية والاقتصادية التي طالت آثارها كافة القطاعات الطبية والتربوية وقطاعات المحروقات والكهرباء والاتصالات والأفران وغيرها.
المصدر : وكالات
العراق: المفوضية العليا للانتخابات تؤكد أهمية المراقبة الدولية
أكدت المفوضية العليا المستقلة للانتخابات في العراق، اليوم الأحد، أهمية المراقبة الدولية للانتخابات دعماً لنزاهتها وشفافيتها.
وذكر بيان للمفوضية أن "رئيس مجلس المفوّضين القاضي جليل عدنان خلف، استقبل في مقر المفوضية ببغداد، سفير اليابان في العراق كوتارو سوزوكي، لبحث دورها في دعم العملية الانتخابية في العراق من خلال المشاركة في المراقبة الدولية".
وأضاف البيان، أن "رئيس المجلس استهل اللقاء مرحباً بالسفير الياباني، مشيدا بمواقف بلده الداعمة لنجاح الانتخابات، وما قدّمته من مساعدات لدعم جُهُود مُواجَهة تفشّي جائحة فيروس كورونا المُستجِدّ".
وشدد خلف على أهمية المراقبة الدولية للعملية الانتخابية، كي يجري تقديم التقارير التقييمية للعملية الانتخابية بكلّ حرية وحيادية من أجل تأكيد نزاهة الانتخابات وشفافيتها، وهو ما سعت إليه الإدارة الجديدة للمفوضية عبر عدة إجراءات منها تطوير آليات العمل الانتخابي والأجهزة الانتخابية الإلكترونية وتدريب ملاكات المفوّضية لرفع مستوى العمل الانتخابي".
من جانبه أبدى السفير الياباني رغبة بلاده في المشاركة بمراقبة الانتخابات المقبلة من خلال إرسال فريق مراقبة دولي ياباني للإسهام في تحقيق الشفافية والحيادية، مجدداً حرص اليابان على إدامة التعاون مع العراق وبالأخص في ملف الانتخابات المقبلة.
ومن المقرر أن تجري الانتخابات التشريعية في العاشر من تشرين الأول المقبل.
المصدر:العالم
السعودية: طهرنا منابر المساجد من أصحاب التوجهات! ولم يبق الا المتعاونين معنا
أعلن وزير الشؤون الإسلامية والدعوة السعودي "عبد اللطيف آل الشيخ"؛ أن سلطات بلاده "طهرت" المنابر، من "أصحاب التوجهات"، وفق تعبيره.
وقال آل الشيخ في حديث مع قناة "أم بي سي" المملوكة للسعودية؛ إنه تم تطهير المنابر والأنشطة الدعوية من أصحاب التوجهات، وأن جميع الأئمة والخطباء الموجودين حاليا، متعاونون مع الوزارة ويحرصون على تنفيذ ما يصدر منها.
واعتبر آل الشيخ أنه "كان في السابق بعض الأئمة والخطباء، يخالفون التوجيهات بنسب بسيطة، أما الآن، فالكل متعاون وحريص على تنفيذ جميع ما يرد إليهم من الوزارة، ولديهم حس ديني ووطني وولاء للقيادة ومحبة للوطن، والأنظمة تطبق بحذافيرها، ولا يستثنى أحد ولا يوجد أحد فوق النظام"، وفق وصفه.
المصدر : العالم
الحرس الثوري سيستخدم الروباتات في الخطوط الامامية بالقتال البري
اعلن مساعد القائد العام لقوات حرس الثورة الاسلامية لشؤون العمليات العميد عباس نيلفروشان، انه سيتم استخدام الاجهزة الروباتية في الخطوط الامامية بالقتال البري في السنوات المقبلة.
على هامش ازاحة الستار عن معدات فحص وإبطال مفعول القنابل اليوم الاثنين، قال العميد نيلفروشان في تصريح للصحفيين: ما كشفنا عنه من قبل كان في مجال الحرب الصعبة ، واليوم ما تم الكشف عنه هو في مجال الحرب شبه الصعبة والأمن.
واوضح أن الحرس الثوري بحاجة إلى تحقيق الاكتفاء الذاتي في هذا المجال أيضًا، مضيفا: ان الأدوات الأمنية للواردات غير موثوقة لأن الدول المعادية إما لا تبيعها لنا أو بإجراء تغييرات يمكن أن تقلل من حساسية هذه المعدات حتى تتمكن من ادخال المواد والعبوات المتفجرة إلى البلاد عند الحاجة.
وتابع مساعد قائد الحرس الثوري لشؤون العمليات: ان أهمية هذه المعدات زادت من تعزيز الأمن في المنافذ الحدودية والاماكن العامة.
واضاف نيلفروشان: خاصة في مواجهة النهج الجديد للكيان الصهيوني، المحبط في المعركة الصعبة معنا وخاض المعركة في الفضاء السيبراني والأمني، فإن استخدام هذه الأجهزة مهم للغاية.
واختتم مساعد قائد الحرس الثوري لشؤون العمليات قائلا: ان شاء الله في السنوات القادمة، سنستخدم أيضًا الاجهزة الروباتية في الخطوط الامامية في مجال القتال البري.
الإسلام في مسيرة التنمية
لوي غارديه/ محمّد أركون ترجمة: علي المقلد
إنّ إيديولوجية التنمية تكرّس تناقضاً واضحاً نوعاً ما مع نمط التاريخية المقرر من جانب الأديان، وعلى العموم، من قبل الثقافات التقليدية.
إنّ الفكر لم يعد يكتفي «بتفسير العالم»، بل قرر تحويله: إنّ النظرة الواقعية والعلاقة المعاشة مع الواقع هما اللذان يتغيران.
قد يجد المسلمون الداعون إلى الحداثة أنّنا نبالغ في إعطاء الأهميّة للخطّ المتشدّد الذي يمثّله المناضلون المنادون بالعودة إلى الجذور. ونكرّر القول بأنّ هدفنا لم يكن درس فكر المنادين بالتكامل كفكر، بل هو استخلاص الثوابت التي تقوم عليها الشخصية الإسلامية الركيزية، من خلال الخطاب الإسلامي الأكثر فاعلية اجتماعية والأقل مدعاة للاعتراض عقائدياً.
ولتوضيح حالة مبهمة، مشوشة نذكّر بأهم التعابير أو الحدود المطروحة حالياً في مشكلة التنمية، ونحاول فيما بعد وصف العلاقات الحقوقية والعلاقات الواقعية بين الإسلام والتنمية.
1- الاشكالية التنموية
إنّ التجربة التي عاشتها المجتمعات الأكثر تطوّراً تثبت أنّه انطلاقاً من حدٍّ بنيوي جديد، تبدو كلّ النماذج التنموية، غير كافية وحتى خطرة، وقد ساعدت أزمة الطاقة أكثر من كلّ النظريات «العلمية» على إغناء المشاكل الإنمائية. في الغرب الليبرالي، ارتبطت النماذج والممارسات التنموية، حتى الستينات، بمفاهيم القرن التاسع عشر أكثر من ارتباطها «بالنظام العالمي الجديد» الذي بُدءَ بالكلام حوله. والنماذج الاشتراكية لا تقل عجزاً - رغم فعّاليتها الكبيرة - خصوصاً عندما يُنظَر إليها من ناحية كلفتها البشرية في مواجهة النموذجين الأكبرين المتزاحمين، تحاول المجتمعات الإسلامية أن تفرض «الخصوصية النوعية» وعلو المكانة «الإسلامية» التي تدمج بين المشروع الحرّ واحترام الملكية الخاصّة، وعدالة توزيع الثروات بين الجميع (بفعل منع الفائدة) والغائية الروحانية الكامنة في كلّ عمل بشري (إذ كلّ شيء ملك لله والإنسان يحمل مسؤولية الإفادة من ريع الأموال التي تقع بين يديه من أجل خدمة الجماعة). هذه الرؤية النظرية، غالباً ما تعرض في أدب غزير حول موضوع: «الإسلام والاشتراكية»، «الإسلام والرأسمالي»، «العدالة في الإسلام»... إلخ. وتذكر نفس الآيات ونفس الأحاديث إلّا أنّه قلّما تجري المقارنة بين المبادىء المغرية حقّاً، والواقع الاقتصادي المعاش في كلّ بلد، ولا يجري أيضاً التوغل في درس الظروف المحددة - في عالم كعالمنا الحاضر - لإمكانية وجود نظام تقوم وتستمر فيه علاقة عادلة بين حدود ثلاثة: الضغط السكاني، الموارد المتاحة، أو الممكنة، والتوزيع.
2- الإسلام والتنمية
لقد احتكرت الأديان حتى الآن امتياز مراقبة سرد أحداث التاريخ. لقد حدّدت نظاماً للعالم وذلك بأن حدّدت للإنسان مكانة ومسؤولياته. وقد تترجم هذا التحديد وهذا الاحتكار بمعانٍ مستقرة أُسّست وبُنيت على جذور «أونطولوجية» أي على إحساس بالطمأنينة إلى استمرارية وصلاح العمل الإنساني المتمشي مع «التعاليم الإلهيّة».
والإسلام الذي يُقدَّمُ «كدين ودنيا» - أي بمثابة نظرية وتطبيق تاريخي - مستهدف بصورة خاصة بالانشقاقات التي تتعمّق وتتكاثر. إنّ القيمين على التراث الحيّ يتكلّمون (ولكن هل يتصرّفون دوماً؟) كما لو أنّ الكيان المعرفي للدِّين المنزل الموحى به يحتفظ، قانوناً، بمزاياه التجاوزية وبفوقيته التاريخية. وبالتالي فالقيمون يرفضون بشدّة تسميتهم «دُعاة الماضي» التي يطلقها بعض علماء الاجتماع عليهم، في مقابل «منظمي المستقبل». ومن أجل توضيح وضع دقيق ومغبش، من المهمّ إذاً تفحص علاقات الإسلام والتنمية في القانون وفي الواقع.
أ- العلاقات القانونية:
في المجتمعات الإسلامية التي استردّت استقلالها السياسي، نشاهد عودة إلى الممارسات وإلى النُّظم وإلى التجمعات الإسلامية. وأغلب الحكومات خصّصت وزارة بعينها للشؤون الدينية. والاتجاه الديني المحافظ يتأكّد في كلّ مكان ويبرز بوضوح أكثر ممّا كان يفعل في زمن كان الفكر الليبرالي، العلماني المتعقلن يجد مدافعين عنه، من الدرجة الأُولى، أمثال طه حسين وأحمد أمين، وسلامة موسى... إلخ. وننتقل بهذا، وبسهولة من النهضة الاجتماعية السياسية إلى عودة التأكيد على حقيقة ميتافيزيقية تعود أخيراً إلى حقوقها المغتصبة «بالغزو الفكري الغربي». ولا تُرفضُ المنجزاتُ الإيجابية للفكر الليبرالي. ولكن يتم التركيز على النقص فيها، وعلى المثالية، وعلى السذاجة، وخصوصاً على التسويات المشبوهة مع الإيديولوجية الاستعمارية التي ينادي بها المغتصبون.
إنّ تراجعات طه حسين وأمثاله في الخمسينات، وسكوت الكثير من المثقفين أثناء صعود الحركة الناصرية، وانتشار الكتابات «الثورية» التي لا تقل رومانطيقية واستلابية عن كتابات البورجوازيين الليبراليين من أيّام «النهضة»، تدل على معطى أساسي هو: أنّ المجتمعات المسلمة خضعت لعنف بنيوي متزايد بفعل العوامل الداخلية والخارجية مجتمعة. إنّ شروط التحليل الواقعي، الجدي مع النفس، العاري من أي حسابات أيديولوجية، لهذه العوامل لم تتحقّق بعد. إنّ مهمّات التنمية الاقتصادية، كما الصراعات من أجل التحرر السياسي، تجعل الأفضلية لفضح العدو الإمبريالي، على التحليل الانتقادي للتناقضات الداخلية المتراكمة منذ ثلاثين سنة.
من هذا نفهم لماذا إنّ العلاقات الحقوقية بين الإسلام والتنمية يجب أن تشكّل بالنسبة إلى الفكر الإسلامي القائم، مجال بحث أفضل.
بالنسبة إلى المؤمن، جوهر الإنسان كامن في العلاقات بين المخلوق والخالق، الطاعة والأمر، وغرور الحياة الدُّنيا وكمال الحياة الآخرة الخالدة هذه العلاقة تنتظم نظرياً بعلم الأُصول: الأُصول التي هي في أساس كلّ فكر، وكلّ قرار، وكلّ سلوك تاريخي يسلكه المؤمن. هذا العلم يطرح أفضلية وأسبقية علم القواعد، وعلم المنطق السليم، على التاريخ، والوحدة والاستمرارية والدلالية «للكتب»، وتنظيم العالم والتاريخ بفضل منطق التضمين، (داخل نظام المعتقدات)، والاستثناء (نظام الإنكار) والتكريس والتقديس، والتسامي بالمبادرات الإنسانية الأكثر ضعة.
ب- العلاقات الواقعية:
في كلّ المجتمعات المسلمة المعاصرة، يعمل عدد من المعطيات القديمة والجديدة على سيادة العلاقات الواقعية فوق العلاقات القانونية، في ما بين الدِّين والتنمية، وليس بالإمكان إعطاء وصف دقيق لهذه المعطيات في كلّ مجتمع. إنّما من الممكن تجميع بعض الملاحظات حول الوضع العام.
ننظر، بادئ ذي بدء، إلى الضغط الديمغرافي، لأنّه يجعل دون جدوى، الجهود الأكثر تقدّماً، والأكثر «إيغالاً في الاشتراكية» من أجل تحسين النوعية المادّية والثقافية لحياة الطبقات الشعبية.
في مثل هذا الإطار، يؤمن الدِّين التقليدي وظيفة فريدة من حيث التوازن السيكولوجي الاجتماعي. ولكن بمقدار ما توظّف السلطة السياسية هذا الدِّين لغايات سياسية يقع الالتباس بين القصدية الروحية والغائية الأيديولوجية. وينتج عندئذ تمزق فعلي في الوجدان الديني المرتبط بلغة تقليدية وببعض الطقوس التقليدية، إلّا أنّه يصرف كلّ حماسة في أعمال تاريخية آنية، محتملة وبالتالي منفصلة عن «تاريخ الخلاص» الذي بدونه، كما في القرآن، لا يوجد سلوك روحاني قويم.
ومن الجدير بالتوضيح الدور المتصاعد للبنية التقنية من وجهة النظر التي تهمنا. والمخططون سواء كانوا خبراء أجانب أم مسؤولين وطنيين، وكذلك المهندسون من كلّ اختصاص يتميّزون، بتكوين تقني مثاله الأعلى ماثل في معهد ماساشوست التكنولوجي. هؤلاء «المتمسكون بالعلم» يقررون بطمأنينة تتعارض مع التواضع، ومع الشكوكية اللذين يعتريا الباحثين في مجالات العلوم الإنسانية. إنّهم لا يتصرّفون فقط في الحاضر. إنّهم يفكّرون في المستقبل وكأنّه مجموعة إجراءات تقنية ومنتجة، حابسين الأجيال القادمة ضمن مسارات ضاغطة. والمؤرخ للإسلام، وعالم الاجتماع، والفيلسوف، واللاهوتي ليس لهم أيّ نصيب في هذه البرمجة لمصير الإنسان. بل إنّهم عرضة للهزء لأنّ أعمالهم تعتبر «غير ذات فائدة». هذا الوضع يدلّ عليه نجاح أيّ كتاب ينشره «رجل علم» حول المسائل الدينية: إثبات أنّ الإسلامَ يتفقُ مع العلم يُصَدقُ أكثر عندما يقوم به مهندس أو طبيب. الواقع أنّ «رجل العلم» المزوّد بإحساس ديني، يتكلّم عن الدِّين بحماس عفوي مثله مثل كلّ الذين هم بعيدون عن المعرفة التاريخية والفلسفية واللاهوتية.
إنّ التفوق الاجتماعي والسياسي لجماعة التكنوقراط، على أهل الفكر يتأكّد كلّ يوم أكثر بفعل الانشقاقات التي تتكاثر عند كلّ المستويات في العالم الرموزي المرتبط بالإسلام. وقلّما تدعو الضرورة للكلام عن تحوّل اللغات الإسلامية إلى لغات تقنية مقتبسة عن اللغات التكنولوجية الكبرى، دون أن تمرّ بالمسارات الفكرية التي تؤدِّي إلى اكتشاف المفهوم، وإلى لغة في الحياة اليومية تحيل إلى نواحي جزئية من واقع شامل محطم. وفي المرحلة الراهنة، إنّ الانشقاق الأكثر خطورة بالنسبة إلى الفكر الإسلامي هو الانشقاق الذي يتفاقم بين المقولة الدينية التقليدية المسيطرة بشكل واسع ومقولة العلوم الإنسانية التي يتأخر استخدامها بفعل الحاجة إلى إعادة النظر في اللغات القومية.
لا يوجد حتى الآن في العالم الإسلامي المعاصر، فكر، يجاري الفكر الكلاسيكي، في مواجهة مشاكل العصر، وفقاً لتناسق داخلي، مع اهتمام دائم بالعمق، ومتابعة خالصة من شوائب الفائدة، ورغبة مصممة على اختراق «حقيقة الأشياء» مع احترام حقّ المعرفة ومصالح الجماعة بآنٍ واحد. المسلمون - كما جميع أعضاء المجتمعات المتخلّفة - يعيشون عملياً كلّ أنواع التيارات الوافدة، ولكنّهم عاجزون، حتى الآن، عن التعبير عن تجربتهم التاريخية، بغير اللغات المتجزئة والمسهبة الزائدة: سواء كانت اللغات الكلاسيكية الإسلامية، بأشكالها المبتورة نوعاً ما، أو اللغات الأيديولوجية، المقولبة في الخارج والتي قد تتناسب وتتلاءم مع أوضاع وحالات خاصّة. ولا تنعدم الجهود والمحاولات من أجل تجاوز القصور الذي يحسّ به الجميع. ولكنّ المصاعب البنيوية التي وصفناها، تحدّ كثيراً من الجرأة، وتُفشل الكثير من الإنجازات.
وصلت إلى 6 ملايين دولار يوميا.. تكلفة البحث عن الأسرى المفقودين هي الأعلى بتاريخ إسرائيل
عناصر من "وحدة مكافحة الإرهاب الإسرائيلية" يشاركون في البحث عن الأسرى في سهل مرج ابن عامر (الصحافة الإسرائيلية)
أكدت مصادر بالشرطة الإسرائيلية أن تكلفة البحث عن الأسرى الفلسطينيين الذين تمكنوا من الفرار من سجن جلبوع هي الأعلى في تاريخ إسرائيل، بينما قمع الاحتلال احتجاجات في الضفة الغربية ضد الاستيطان، كما أصيب سائق فلسطيني بطعنات من طرف مستوطنين في القدس.
ونقلت إذاعة كان الإسرائيلية عن مصادر في الشرطة الإسرائيلية أن التكلفة تجاوزت حتى اليوم مبلغ 30 مليون دولار وهي ترتفع باستمرار، مشيرة إلى أن تواصل البحث عن اثنين من الأسرى ما زالا قيد الملاحقة يكلف إسرائيل ما بين 3 إلى 6 ملايين دولار يوميا.
ومنذ عملية الفرار دفعت إسرائيل بآلاف من عناصر الأجهزة الأمنية والقوات الخاصة وقصاصي الأثر، كما استخدمت طائرات مروحية مسيرة ووسائل تكنولوجيا متطورة في عمليات البحث.
احتجاجات ضد المستوطنات
في سياق آخر، قمعت قوات الاحتلال الإسرائيلي مظاهرة سلمية في قرية المغير شمال شرقي رام الله، خرجت للاحتجاج على استمرار الاحتلال في سيطرته على أراضي فلسطينيين لصالح الاستيطان.
واستخدمت قوات الاحتلال قنابل الغاز لتفريق المتظاهرين عقب أدائهم صلاة الجمعة قرب الأراضي المهددة بالمصادرة.
وفي وقت سابق من اليوم، فضت قوات الاحتلال تجمعا احتجاجيا ينظمه فلسطينيون وناشطون أجانب أسبوعيا جنوب مدينة يَطّا جنوبي الخليل، رفضا للمشاريع الاستيطانية في المنطقة.
طعن سائق فلسطيني
من جهة أخرى، أفاد المراسلون بإصابة سائق فلسطيني يعمل في شركة حافلات إسرائيلية إثر تعرضه للطعن من طرف مستوطنين خلال عمله في القدس.
وقد تم نقل السائق إلى المستشفى لتلقي العلاج ووصفت إصابته بالمتوسطة.
وأظهر شريط فيديو، تم تداوله على شبكات التواصل الاجتماعي، 3 إصابات في ظهر السائق محمد أبو ناب، وهو من سكان بلدة سلوان، بالقدس الشرقية.
ويعمل أبو نائب سائقا في شركة إيغد للمواصلات (حكومية إسرائيلية)، وكان على رأس عمله في حي جفعات شاؤول في القدس الغربية، عند تعرضه للاعتداء.
ومن جهتها، قالت الشركة الإسرائيلية في تصريح مكتوب إنها تحقق في شجار وقع في جفعات شاؤول في القدس.
وأضافت أنه تم استدعاء قوات الشرطة إلى مكان الحادث، بعد مشاجرة بين 3 ركاب سيارة، وسائق حافلة، أسفر عن إصابة اثنين من المتورطين، وتم إجلاؤهما لتلقي العلاج الطبي.
ولم توضح الشرطة الإسرائيلية هوية المصاب الثاني.
ويشتكي السائقون الفلسطينيون، في الحافلات العامة وسيارات الأجرة، من اعتداءات يتعرضون لها من قبل إسرائيليين خلال عملهم بالقدس الغربية وإسرائيل.
المصدر : الجزيرة + الأناضول
صحيفة لبنانية: حزب الله يكسر «المحرّمات»
أكدت صحيفة الأخبار اللبنانية ان حزب الله يكسر «المحرّمات» في تعليقها على وصول الوقود الايراني الى لبنان عبر سوريا وقالت "دخلت القافلة الأولى للمازوت الإيراني مكرّسة واقعاً كان حتى وقت قريب مجرد احتمال غير قابل للتنفيذ".
وتابعت الصحيفة: "فالخوف الرسمي من غضب أميركا جعل الدولة تفضّل خنق الناس على الترحيب بدعم إيراني يمكن أن يخفّف بعضاً من المعاناة. لكن مع ذلك، تولّى حزب الله المهمة، مكرّساً معادلات لم يعد بالإمكان التغاضي عنها لا محلياً ولا إقليمياً. وفيما كانت الحكومة تتعامل مع الحدث كأنه لم يحصل، لم تتردّد بتدشين رحلتها بقرار رفع الدعم، من دون انتظار البطاقة التمويلية التي تواجهها مشكلات جمّة. وبالرغم من تعمّد تمويه قرار إلغاء الدعم بإشارة إلى درس المعطيات المتوفرة قبل إصدار القرار أو الإعلان عن رفع جزئي للدعم، إلا أن الواقع أثبت أن الدعم انتهى وأن ما يُخفّف من هول وقعه، جزئياً، هو انخفاض سعر الدولار، رغم أن من غير المضمون ألّا يرتفع مجدداً
الحدث الأبرز في لبنان أمس هو تحوّل الوعد الذي قطعه الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله بعدم ترك الناس فريسة النقص في المحروقات إلى حقيقة، بعد كثير من التشكيك في إمكان وصول الفيول الإيراني إلى لبنان. فقد وصلت، أمس، القافلة الأولى من المازوت. واستُقبلت استقبالاً شعبياً لافتاً، أكد الاحتضان الشعبي لخيار كسر الحصار، بعدما تحوّل الناس في الفترة الماضية إلى أسرى للعتَمة وفقدان المحروقات، في ظل خوف مؤسسات الدولة من عقوبات أميركية لا يمكن أن تؤدي إلى أكثر مما يعيشه اللبنانيون من مآسٍ بالجملة فرضتها منظومة الفساد المدعومة أميركياً.
لكن هذه الخطوة لا يمكن أن تحسب على أساس نتائجها الاجتماعية والاقتصادية فحسب، فإن إنجاز حزب الله الذي تحدى الإرادة الأميركية ومنظومة الاحتكار في كسر اللبنانيين، ما كان ليتحقق لولا تكريس الحزب، ومحور المقاومة، معادلات جديدة في الإقليم، وخاصة في لبنان وسوريا والعراق. وهذه المعادلات التي سمحت بكسر حزب الله للحصار على لبنان، هي التي أجبرت الولايات المتحدة الأميركية على الانقلاب على خططها السابقة، والمسارعة إلى فتح أبواب الحلول، إن كان سياسياً بتأليف الحكومة، أو طاقوياً من خلال استثناء الغاز والكهرباء من مفاعيل قانون قيصر.
وما قام به الحزب يثبت الآتي:
ــــ أولاً، إثبات تعزيز معادلة الردع في وجه العدو الإسرائيلي الذي لم يجرؤ على منع وصول البواخر الإيرانية إلى الشواطئ السورية، كما لم يجرؤ على محاولة منع وصول الصهاريج المحملة بالوقود الإيراني من سوريا إلى لبنان. وتزداد مفاعيل معادلة الردع مع استذكار تصريح وزير الخارجية الأميركي السابق، مايك بومبيو، في حزيران 2020 (كان لا يزال في منصبه)، عندما قال: «سنفعل كل ما في وسعنا للتأكد من أن إيران لا يمكنها الاستمرار في بيع النفط الخام، في أي مكان، بما في ذلك إلى حزب الله». عندما قال بومبيو ذلك، لم يكن يتحدّث في الفراغ، بل إنه عبّر عن سعي واشنطن لمنع أيّ تخفيف لنتائج الانهيار في لبنان، إلا بواسطة إجراءات أميركية تكون مقابل تنازلات سياسية في بيروت.
ــــ ثانياً، خطوة حزب الله، ورغم أنها محصورة في الجانب الاقتصادي بتخفيف أثر شح المحروقات على اللبنانيين ومؤسساتهم ومصانعهم، إلا أنها تفتح الباب واسعاً أمام إمكان التعاون مع سوريا وإيران ودول أخرى، كان لبنان ممنوعاً من التعامل معها حتى الأمس القريب. كما أنها تضع على طاولة صنّاع القرار في لبنان وفي الدول المعنية بالشأن اللبناني، عاملاً جديداً لم يكن في الحسبان: ثمة خيارات بديلة للبنانيين من انتظار المعونات الغربية والخليجية. وكلما اشتد الخناق على لبنان، سيضطرّ، ولو عبر جزء من قواه، إلى كسر محظورات في المقابل.
ــــ ثالثاً، بعد إعلان السيد حسن نصر الله بدء استيراد المحروقات قبل شهر من اليوم، خرجت السفيرة الأميركية لتعلن السماح للبنان باستيراد الغاز والكهرباء من مصر والأردن عبر سوريا. وبعد ذلك، منحت السفيرة الإذن لوفد وزاري لبناني ليزور دمشق لبحث استجرار الطاقة. وما لم يتم التركيز عليه حينذاك هو قولها إن البواخر المحملة بالمحروقات موجودة في البحر قبالة الشواطئ اللبنانية، موحية بأن البلاد لا تعاني من أزمة حقيقية. لكن الأزمة استمرت، وازدادت حدّة. وهي مرشحة للتفاقم بعد رفع الدعم. وأظهرت وقائع الأيام الماضية أن السوق اللبنانية متعطشة للمحروقات بصورة كبيرة جداً. فبعد ساعات على إعلان السيد نصر الله، يوم الاثنين الماضي، آلية توزيع وبيع المازوت المستورد من إيران، انهالت على أرقام الهواتف المخصصة لتلقي طلبات شراء المحروقات مئات الاتصالات (في البقاع وحده، تلقت شركة «الأمانة» أكثر من 300 طلب لشراء المازوت، في غضون أقل من 24 ساعة). وبعض هذه الاتصالات وردت من مؤسسات وشركات لا يكنّ أصحابها الكثير من الود السياسي لحزب الله، لكن عملهم غير قابل للاستمرار من دون تأمين إمدادات موثوقة من المحروقات.
ــــ رابعاً، من المتوقع أن يلجأ خصوم المقاومة وأعداؤها إلى إجراءات مقابِلة، سواء عبر خطوات تؤدي إلى التخفيف من حدة الأزمة في لبنان لمنعه من الاندفاع أكثر نحو خيارات اقتصادية وسياسية وميدانية بديلة، أو عبر خطوات سلبية لتخريب ما قام به حزب الله، أو الحؤول دون تثبيته مستقبلاً. وهذا الجانب من أداء «الفريق الآخر» سيكون موضع رصد في الأيام والأسابيع المقبلة.
الخطوة التالية بعد استيراد المازوت من إيران ستكون استيراد البنزين. لكن حزب الله لم يحدّد بعد آلية توزيع البنزين الإيراني وبيعه، وبأي سعر سيُباع للمستهلكين، وكيفية ضمان عدم تحوّل المحطات التي ستبيع البنزين الإيراني إلى مواقع إضافية للزحمة، في ظل الأزمة الخانقة التي تعانيها السوق اللبنانية. وسيكون الحزب معنياً بتقديم تجربة مختلفة عن تلك التي قدّمتها الدولة ومصرف لبنان والمحتكرون، والتي أدّت إلى إذلال سكان لبنان في الطوابير وفي حجب المحروقات عنهم وإجبار جزء منهم على اللجوء إلى السوق السوداء المزدهرة.