emamian

emamian

كان على الإمام السّجّاد عليه السلام، من أجل حفظ تيّار الإسلام الأصيل والمذهبيّ والواقعيّ، أن ينهض للجهاد، ويجمع كلّ هذا الشّتات الإسلاميّ،

الإجراءات التنفيذيَّة للإمام السجّاد عليه السلام
كان على الإمام السّجّاد عليه السلام، من أجل حفظ تيّار الإسلام الأصيل والمذهبيّ والواقعيّ، أن ينهض للجهاد، ويجمع كلّ هذا الشّتات الإسلاميّ، ويتّجه بهم نحو الحكومة العلويّة، أي نحو الحكومة الإسلاميّة الواقعية. لقد عمل الإمام السّجّاد عليه السلام في ظلّ هذه الظّروف طيلة 34 سنة. وسنكتفي بذكر بعض المقاطع البارزة من حياة الإمام السّجّاد عليه السلام، ومواقفه المشرّفة.

إعادة بناء المجتمع الإسلاميّ

1- تدوين الفكر الإسلاميّ الأصيل، وحفظه:
إنّ أعظم الأدوار الّتي مارسها الإمام السجّاد عليه السلام هي أنّه دوّن الفكر الأصيل للإسلام: كالتوحيد، والنبوّة، وحقيقة المقام المعنويّ للإنسان، وارتباطه بالله. وأهمّ دور أدّته الصّحيفة السجّادية هو في هذا المجال. فانظروا إلى هذه الصّحيفة، ثمّ جولوا ببصركم في أوضاع النّاس على صعيد الفكر الإسلاميّ في ذلك الزّمن، ستجدون مدى المسافة الّتي تفصل بين الاثنين.

قام الإمام السجّاد عليه السلام بعملٍ كبيرٍ لأجل أن يحفظ الفكر الأصيل للإسلام في فضاء المجتمع الإسلاميّ.

ويظهر هذا الأمر في كلمات الإمام عليه نجد رسالة الحقوق، وهي رسالة مفصّلة بحجم رسالةٍ حقيقية بحسب اصطلاحنا، وهي رسالة كتبها الإمام لأحد أصحابه، يذكر فيها حقوق الأفراد والإخوان بعضهم على بعض، ويذكر فيها أيضًا حقّ الله علينا، وحقّ أعضائنا وجوارحنا، وحقّ العين واللسان واليد والأذن... كما يذكر حقّ حاكم المجتمع الإسلاميّ، وحقّنا عليه، وحقّنا على جيراننا، وحقّنا على أسرتنا. لقد ذكر كلّ هذه الأنواع من الحقوق الّتي تُنظّم العلاقات بين الأفراد في النّظام الإسلاميّ. فالإمام، وبهدوءٍ تامّ، ومن دون أن يأتي على ذكر الحكومة والجهاد والنّظام المستقبليّ، قد ذكر في هذه الرسالة أسس علاقات النّظام المقبل، بحيث إنّه لو جاء يومٌ وتحقّق نظام الحكومة الإسلاميّة في عصر الإمام السجّاد نفسه - وهو بالطبع احتمالٌ بعيد - أو في العصور اللاحقة، فهو يُعرّف النّاس إلى الإسلام الّذي ستُحقَّق حكومته في المستقبل، ليلقي في أذهانهم مسبقًا طبيعة العلاقات الّتي تربط بينهم في ذلك النّظام. هذا نوعٌ آخر من كلمات الإمام السجّاد الّتي تلفت الأنظار كثيرًا.

كما أنَّ الصحيفة السجّادية أيضاً تتضمّن مجموعة من الأدعية في المجالات الّتي ينبغي أن يلتفت إليها الإنسان اليقظ والفطن كافة، وأكثرها في الروابط والعلاقات القلبية والمعنوية للإنسان. في هذه الأدعية والمناجاة، توجد مطالب معنوية وتكاملية كثيرة، لا حصر لها. والإمام عليه السلام في ثنايا هذه الأدعية، وبلسان الدّعاء، يُحيي في أذهان النّاس الدوافع نحو حياة إسلاميّة، ويوقظها. إحدى النتائج الّتي يُمكن أن تحصل من الأدعية، وقد ذكرناها مراراً، هي إحياء الدوافع السليمة والصحيحة في القلوب. فعندما ندعو: "اللهمّ اجعل عواقب أمورنا خيراً"، فإنّ هذا الدّعاء يُحيي في القلوب ذكر العاقبة، ويدفع أصحابها للتفكّر في المصير. فقد يغفل الإنسان أحيانًا عن عاقبته، ويعيش ولا يلتفت إلى مصيره. فإذا تلا هذا الدعاء، يستيقظ فجأة إلى ضرورة تحسين عاقبته. أمّا كيف يتمّ ذلك فهذا بحثٌ آخر. فقط أردت أن أضرب مثلاً حول الدور الصادق للدعاء. وهذا الكتاب المليئ بالدوافع الشريفة للأدعية، كافٍ لإيقاظ المجتمع، وتوجيهه نحو الصلاح. وإذا تجاوزنا ذلك، وجدنا روايات قصيرة وعديدة نُقلت عن الإمام السجّاد عليه السلام. منها ما ذكر سابقاً: "أوَلا حرٌّ يدعْ هذه اللماظة لأهلها"1. انظروا كم هو مهمٌّ هذا الحديث. فالزخارف الدنيويّة، والزبارج كلّها، ما هي سوى بقايا لعاب الكلب التي لا يتركها إلا الحرّ. وكلّ أولئك الّذين يدورون في فلك عبد الملك، إنّما يريدون تلك اللماظة. وأنتم أيها المؤمنون لا تنجذبوا إليها. ونجد الكثير من مثل هذه الكلمات الثورية والملفتة في خطب الإمام السجّاد عليه السلام2.

2- إصلاح النّاس، وإرشادهم:
انتشر الانحطاط الفكريّ، والفساد الأخلاقيّ، والفساد السياسيّ في المجتمع الإسلاميّ، كما ذكرنا. فأغلب الشخصيّات الكبار قد تشبّثوا بفضلات الحياة المادية لرجال الحكومة آنذاك. شخصيّات كبيرة مثل محمّد بن شهاب الزهريّ، الذي كان في مرحلة من المراحل، من تلامذة الإمام السّجّاد عليه السلام، أصبح تابعًا للجهاز الحاكم.

ونقل العلّامة المجلسيّ في البحار على ما يبدو عن جابر بن عبد الله أنّ الإمام السّجّاد عليه السلام قال: "ما ندري كيف نصنع بالنّاس، إن حدّثناهم بما سمعنا من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ضحكوا"، فهم لا يكتفون بالرّفض، بل يضحكون استهزاءً، "وإن سكتنا لم يسعنا"3. ومن ثمّ يذكر حادثةً حيث نقل الإمام حديثًا لجماعةٍ، كان فيها شخصٌ استهزأ ورفض ذلك الحديث. ثمّ يذكر بشأن سعيد بن مسيّب، والّزهريّ أنّهم كانوا منحرفين، وبالطّبع لا نقبل ذلك بشأن سعيد بن مسيّب، فهناك شواهد عديدة على أنّه كان من حواريّي الإمام، لكن ما يتعلّق بالزّهريّ وكثيرين غيره كان الأمر كذلك. ويُعدّد ابن أبي الحديد أسماء عدد من الشخصيّات ورجال ذلك الزمان من الّذين كانوا من أتباع أهل البيت عليهم السلام ثمّ انحرفوا فيما بعد.

في ظل هذه الظروف، كان يجب على الإمام الإنطلاق لإصلاح دين النّاس، وإصلاح أخلاق النّاس، وإخراج النّاس من مستنقع الفساد، كما كان يجب إعادة إحياء التوجّه إلى المعنويّات، المعنويّات التي هي لبّ لباب الدّين، وروحه الأصليّ. لذا نرى أنّ أكثر الكلام المنقول عن الإمام السجّاد عليه السلام هو في الزّهد: "إنّ علامة الزاهدين في الدنيا، الراغبين عنها في الآخرة...إلخ"4. هذه الجملة هي بداية حديثٍ طويل مفصّل. وإنْ كان في هذا الحديث مفاهيم وإشارة إلى تلك الأهداف التي ذكرناها.

إنّ أكثر كلمات الإمام السّجّاد عليه السلام كانت حول الزّهد والمعارف الإسلاميّة، إلّا أنّ الإمام كان يطرح المعارف الإسلاميّة، ويُبيّنها من خلال الدّعاء، وذلك لأنّ الظّروف في ذلك العهد، وكما كُنّا قد ذكرنا، كان يسودها القمع، ولم يكن الوضع ملائمًا بحيث يُسمح للإمام السجّاد عليه السلام بأن يتكلّم إلى النّاس، ويطرح آراءه بصورة صريحة وواضحة. لم تكن الأجهزة فقط هي المانع، بل النّاس أيضًا كانوا يرفضون ذلك. أساسًا، فإنّ المجتمع كان قد أصبح مجتمعاً فاسدًا ضائعاً فاقدًا للاستعداد، وكان يجب إعادة بنائه من جديد.

3- تعريف النّاس إلى أحقّية أهل البيت عليهم السلام:
من النشاطات المهمّة للإمام السجّاد عليه السلام تعريف النّاس إلى أحقّية أهل البيت عليهم السلام، وأنّ مقام الولاية والإمامة والحكومة حقٌّ ثابت لهم. إذ كيف يُمكن لأهل البيت عليهم السلام تشكيل حكومة في الوقت الّذي كان الإعلام والتبليغ ضدّ آل الرسول قد ملأ العالم الإسلاميّ طوال عشرات السنين، حتّى عصر الإمام السجّاد عليه السلام، وفيه ظهرت الأحاديث الموضوعة عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، والّتي تُخالف حركة أهل البيت عليهم السلام، بل إنّها في بعض الموارد تشتمل على سبّهم ولعنهم، وقد نُشرت بين أناس لم يكن لديهم أي اطّلاع على المقام المعنويّ والواقعيّ لأهل البيت.

لهذا، من التحرّكات المهمّة للإمام السجّاد عليه السلام ما كان يرتبط بتعريف النّاس إلى أحقّية أهل البيت، وأنّ مقام الولاية والإمامة والحكومة حقٌّ ثابت لهم، وهم الخلفاء الواقعيّون للنبيّ صلى الله عليه وآله وسلم. وهذا الأمر، إلى جانب أهميّته العقائدية والفكريّة، له ماهيّة سياسيّة، وهي الارتباط بالحركة السّياسيّة المناهضة للنّظام الحاكم.

4- تأسيس الأجهزة والتشكيلات الشيعية:
إنّ تأسيس التشكيلات الشيعية في المجتمع، يُمكن أن يكون منطلقًا أصليًّا للتحرّكات السّياسيّة المستقبليّة. ففي مجتمعٍ ممزّق، يعيش تحت أنواع القمع والفقر والتضييق الماليّ والمعنويّ، حتّى أنّ الشّيعة عاشوا من الرّعب والتضييق إلى درجة أنّ تشكيلاتهم تلاشت، فكيف يُمكن للإمام السجّاد عليه السلام أن يبدأ عمله وحيدًا، أو مع مجموعة قليلة وغير منظّمة؟ لهذا كان همّ الإمام السجاد عليه السلام أن يبدأ بتشكيل هذه التّنظيمات الّتي كانت، برأينا، موجودة منذ أيّام أمير المؤمنين عليه السلام، غير أنّها ضعفت وتلاشت إثر واقعة عاشوراء والحرّة، وثورة المختار.

والدليل على وجود التشكيلات السريَّة هو كلمات الإمام السجّاد عليه السلام الواردة في كتاب "تحف العقول"، حيث نُشاهد عدّة أنواع من أساليب الخطاب الّتي تُشير إلى طبيعة الجهات المخاطَبة. وأبرز هذه الأساليب نجده في:

أ- الخطاب الموجه لعامّة النَّاس:
أحد تلك الأنواع هو الكلمات الموجّهة إلى عامّة النّاس، والّتي يظهر فيها أنّ المستمع ليس من الجماعة المقرَّبة والخاصّة للإمام، أو من الكوادر التّابعين له. وفي هذه الخطابات يستند الإمام عليه السلام دائمًا إلى الآيات القرآنية، لماذا؟ لأنّ عامّة النّاس لا ينظرون إلى الإمام السجّاد عليه السلام كإمام، بل يطلبون الدّليل على كلماته، ولهذا كان الإمام يستدلّ إمّا بالآيات أو بالاستعارة من الآيات. ولعلّه في هذه الرّوايات قد استخدم، في 50 موردًا أو أكثر، آيات قرآنيّة، إمّا بصورة مباشرة، أو بطريق الاستعارة.

ففي رواية مفصّلة من كتاب "تحف العقول" تحت عنوان: "موعظته لسائر أصحابه وشيعته، وتذكيره إيّاهم كلّ يوم جمعة"5، نجد أنّ دائرة المستمعين واسعة، وهذا ما نستنتجه من القرائن المفصّلة الواردة فيها. فلم يستخدم الإمام عليه السلام في هذه الرّواية كلمة "أيّها المؤمنون" أو "أيّها الإخوة"، وأمثالها، حتّى نعلم أنّ خطابه موجّه إلى جماعة خاصّة، ولكنّه قال "أيّها النّاس"، وهذا يُشير إلى عموميّة الخطاب.

لا يوجد في هذه الرواية تصريحٌ بشيء معارض للجهاز الحاكم، بل انصرف كلّ الخطاب لبيان العقائد وما ينبغي أن يعرفه الإنسان، وذلك بلسان الموعظة. فالخطاب يبدأ هكذا: "أيها النّاس، اتقّوا الله، واعلموا أنّكم إليه راجعون...". ثمّ يتطرّق الإمام عليه السلام إلى العقائد الإسلاميّة، ويوّجه النّاس إلى ضرورة فهم الإسلام الصّحيح، وهذا يدلّ على أنّهم لا يعرفون الإسلام الصحيح، وهو يريد بذلك إيقاظهم من غفلة الجهل إلى معرفة الإسلام وتعاليمه.

هنا يستفيد الإمام السّجاد عليه السلام من الأسلوب الجذّاب، حيث يقول هنا: "ألا وإنّ أوّل ما يسألانك عن ربّك الّذي كُنتَ تعبده"6، ويمضي على هذا المنوال ناصحًا، ويُخوّف من ذلك الوقت الّذي يوضع فيه المرء في قبره، ويأتي منكر ونكير لمساءلته. وبهذا يريد أن يوقظ فيهم الدّافع إلى معرفة الله، وفهم التوحيد، "وعن نبيّك الّذي أُرسل إليك"، ثمّ الدافع لفهم النبوة، "وعن دينك الّذي كنت تدين به، وعن كتابك الّذي كنت تتلوه..."7.

وأثناء عرضه هذه العقائد الأصيلة، والمطالب الأساس للإسلام، كالتوحيد والنبوّة والقرآن والدين، يُبيّن عليه السلام هذه النقطة الأساس بقوله: "وعن إمامك الّذي كنت تتولّاه"8، فهو هنا يطرح موضوع الإمامة. وقضيّة الإمامة عند الأئمّة تعني قضيّة الحكومة أيضًا، إذ لا يوجد فرق بين الولاية والإمامة على لسان الأئمّة عليهم السلام. وإن كان للوليّ والإمام معانٍ مختلفة عند بعض النّاس، ولكن هاتين القضيّتين - الولاية والإمامة ــ على لسان الأئمّة أمرٌ واحدٌ، والمراد منهما واحد. وكلمة "الإمام" المقصودة هنا تعني ذلك الإنسان المتكفّل بإرشاد النّاس وهدايتهم من الناحية الدينيّة، والمتكفّل أيضًأ بإدارة أمور حياتهم من النّاحية الدنيويّة، أي خليفة النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم وقائد المجتمع، أي ذلك الإنسان الّذي نتعلّم منه ديننا، وتكون بيده إدارة دنيانا أيضًا، بحيث تكون إطاعته في أمور الدّين والدّنيا واجبة علينا.

وهكذا عندما كان الإمام السجّاد عليه السلام يقول إنّك ستُسأل عن إمامك في القبر، كان يُشير إلى أنّك هل انتخبت الإمام المناسب والصّحيح؟ وهل أنّ ذلك الشّخص الّذي كان يحكمك، ويقود المجتمع الّذي تعيش فيه، هو حقّاً إمام؟ وهل هو ممّن رضي الله عنه؟ لقد كان الإمام بهذا الكلام يوقظ النّاس، ليجعل هذه القضيّة حسّاسة في نفوسهم.

بهذه الطريقة كان الإمام يحيي قضيّة الإمامة. فلمّا لم يكن الجهاز الأمويّ الحاكم يرضى بأن يتمّ الحديث عنها، استخدم الإمام أسلوب الموعظة.

ب- الخطاب الموّجه للخواص:
في الخطاب الموجّه إلى المؤمنين، نجد الأمر يختلف، لأنّ هؤلاء المؤمنين يعرفون الإمام السجّاد عليه السلام، وقوله مقبول عندهم. لهذا لم يكن يستند في كلامه إلى الآيات القرآنية. ولو أحصينا كلّ كلامه الموجّه إليهم، لوجدنا أنّ استخدام الآيات القرآنية فيه قليل جدًّا.

نجد في كتاب تحف العقول نموذجًا لهذا النّوع من الكلمات الصّادرة عن الإمام السجّاد عليه السلام.

"كفانا الله وإيّاكم كيد الظالمين، وبغي الحاسدين، وبطش الجبّارين"9. ويُعلم من هذا البيان أنّ الإمام والجمع الحاضر مهدّدون من قِبَل السلطات الحاكمة، وأنّ المسألة ترتبط بمجموعة خاصّة: المؤمنين بأهل البيت عليهم السلام، ولذلك جاء الخطاب بصيغة "يا أيّها المؤمنون"، خلافًا للنّوع الأوّل حيث يستعمل "يا أيّها النّاس" أو "يا ابن آدم"، وذلك لأنّ الخطاب موجّه في الحقيقة إلى المؤمنين بأهل البيت وأفكار أهل البيت عليهم السلام.

والدّليل الآخر الواضح جدًّا هو عندما يقول عليه السلام: "أيّها المؤمنون، لا يفتننّكم الطواغيت وأتباعهم من أهل الرغبة في الدنيا، المائلون إليها، المفتونون بها، المقبلون عليها"10.

فالمقصد الأصليّ من الكلام هو حفظ هؤلاء المؤمنين، وبناء الكادر اللازم للمستقبل. ومن الواضح أنّه على أثر الصّراع الشّديد في الخفاء، ما بين أتباع الأئمّة عليهم السلام وبين أتباع الطواغيت، فإنّ أتباع الأئمّة عانوا من الحرمان الكبير والخطر الأكبر الّذي يُهدّد المجاهدين، وهو التوجّه إلى الرفاهية، هذه الرفاهية الّتي لن تجرّهم سوى إلى ترك الجهاد.

ماذا يعني التّحذير من الدنيا؟ إنّه يعني حفظ النّاس من الانجذاب نحو المترَفين والإيمان بهم وتمييزهم، بحيث تقلّ حدّة مواجهة النّاس لهم. وهذا النّوع من الخطابات موجّه للمؤمنين، أمّا في الخطاب المتوجّه إلى عامّة النّاس، فقلّما نجد مثل هذا النّوع. ففي خطاب عامّة النّاس، كثيرًا ما يظهر: أيّها النّاس، التفتوا إلى الله، إلى القبر والقيامة، إلى أنفسكم والغد. فما هو هدف الإمام عليه السلام من هذا النوع الثاني من الخطاب؟ المقصود هو بناء الكادر.

فهو عليه السلام يريد أن يصنع من المؤمنين كوادر ملائِمة للمرحلة، ولهذا يُحذّرهم من الانجذاب نحو أقطاب القدرة والرّفاهية الكاذبة. ويُكرّر ذكر النّظام الحاكم، خلافًا للنوع الأوّل من الكلمات، كما يقول مثلاً: "وإنّ الأمور الواردة عليكم في كلّ يوم وليلة من مظلمات الفتن، وحوادث البدع، وسنن الجور، وبوائق الزمان، وهيبة السلطان، ووسوسة الشيطان"11.

وهنا نجد أنّ الإمام بعد ذكر هيبة السّلطان وقدرته، يذكر مباشرة وسوسة الشّيطان، يريد بذلك أن يلفت النظر، وبكلّ صراحة، إلى حاكم ذلك الزّمان، ويضعه إلى جانب الشّيطان. وفي تتمّة الكلام جملة لافتة ومهمّة جدًّا، لذلك أنقلها، فهي تحكي عن مطلب كُنتُ قد ذكرته سابقًا: "لتثبّط القلوب عن تنبهها، وتذهلها عن موجود الهدى ومعرفة أهل الحقّ"12، تلك الهداية الموجودة الآن في المجتمع. فهذه الأحداث الّتي ترد على الإنسان في حياته في الليل والنّهار - في عصر القمع - تمنع القلوب من تلك النيّة والتوجّه والدافع والنشاط المطلوب للجهاد.

فالإمام السجّاد عليه السلام يعظهم بالأسلوب السّابق نفسه، "وإيّاكم وصحبة العاصين، ومعونة الظّالمين" فهو يُحذّرهم من مجالسة أهل المعاصي. من هم أهل المعاصي؟ أولئك الذين جُذبوا إلى نظام عبد الملك الظالم. الآن، حاولوا أن تتصوّروا شخصية الإمام السجّاد، وأن تكوّنوا تصوّرًا عنه عليه السلام. هل ما زال ذلك الإمامَ المظلوم الصّامت المريض الّذي لا شأن له بالحياة؟ كلّا، فالإمام هو الّذي كان يدعو مجموعة من المؤمنين والأصحاب، ويُحذّرهم، بهذه الصّورة الّتي ذكرناها من التقرّب إلى الظلَمة، ونسيان المجاهدة، ويمنعهم من الانحراف عن هذه الطريق، وكان يحفّزهم ويشحنهم بالنشاط، ويدفعهم من أجل أن يكونوا مؤثّرين في إيجاد الحكومة الإسلاميّة.

من جملة الأشياء الّتي أراها جليّة وشديدة الأهميّة في هذا القسم من كلمات الإمام السّجاد عليه السلام، تلك الكلمات الّتي يُذكّر فيها بتجارب أهل البيت عليهم السلام الماضية. ففي هذا القسم يُشير الإمام عليه السلام إلى تلك الأيّام الّتي مرّت على النّاس من قِبَل الحكّام الجائرين، مثل معاوية ويزيد ومروان، ووقائع مثل الحرّة وعاشوراء، وشهادة حجر بن عديّ، ورشيد الهجريّ، وعشرات الحوادث المهمّة والمعروفة والّتي مرّت على أتباع أهل البيت طيلة الأزمان الماضية، واستقرّت في أذهانهم. ويريد الإمام عليه السلام أن يحثّ أولئك المخاطَبين من خلال ذكر تلك الحوادث الشّديدة، على التحرّك والثورة. والتفتوا الآن إلى هذه الجملة: "فقد لعمري استدبرتم من الأمور الماضية، في الأيّام الخالية، من الفتن المتراكمة، والانهماك فيها، ما تستدلّون به على تجنّب الغواة"13، أي إنّكم تستحضرون تلك التّجارب، وتعلمون ماذا سيفعل بكم أهل البغي والفساد - وهم حكّام الجَور - عندما يتسلّطون عليكم. ولذلك يجب عليكم أن تتجنّبوهم وتواجهوهم. وفي هذا الخطاب يطرح الإمام مسألة الإمامة بصورة صريحة، أي قضيّة الخلافة والولاية على المسلمين، والحكومة على النّاس، وإدارة النّظام الإسلاميّ. هنا يُبيّن الإمام السجّاد عليه السلام قضيّة الإمامة بالصّراحة، في حين أنّه في ذلك الزّمن لم يكن ممكنًا طرح مثل هذه المطالب على العامّة. ثم يقول عليه السلام: "فقدّموا أمر الله وطاعته، وطاعة من أوجب الله طاعته"14.

وهنا يُعيّن الإمام فلسفة الإمامة عند الشّيعة، والإنسانَ الّذي يجب أن يُطاع بعد الله. ولو فكّر النّاس في ذلك الوقت بهذه المسألة، لعلموا بوضوح أنّه لا يجب طاعة عبد الملك، لأنّه من غير الجائز أن يوجب الله طاعة عبد الملك، ذلك الحاكم الجائر بكلّ فساده وبغيه. وبعد أن يُقدّم الإمام هذه المسألة، يتعرّض لردّ شبهة مقدّرة، فيقول: "ولا تقدّموا الأمور الواردة عليكم من طاعة الطّواغيت، وفتنة زهرة الدنيا، بين يدي أمر الله وطاعته، وطاعة أولي الأمر منكم"15. فالإمام عليه السلام في هذا القسم من كلمته يتعرّض بصراحة لقضية الإمامة.

1- ابن شعبة الحرّاني، تحف العقول، تصحيح وتعليق علي أكبر الغفاري، نشر مؤسسة النشر الإسلامي ـ قم، ط2، 1404هـ، ص391.
2- مجلة باسدار إسلام، 10- .
3- العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، ج 6، ص 259.
4- م.ن، ج 75، ص 128.
5- ابن شعبة الحراني، تحف العقول، ص 249.
6- م. ن.
7- ابن شعبة الحراني، تحف العقول، ص 249.
8- م. ن.
9- الشيخ الكليني، الكافي، ج8، ص15.
10- ابن شعبة الحراني، تحف العقول، ص 252.
11- الشيخ الكليني، الكافي، ج 8، ص 15.
12- م. ن، ص 15.
13- ابن شعبة الحراني، تحف العقول، ص 253.
14- م.ن، ص 254.
15- م.ن.

 

الثلاثاء, 20 شباط/فبراير 2024 03:12

ملامح انكسار الهجوم الإسرائيلي

ملامح انكسار الهجوم البري تتنامى في ظل شعور الجنود الإسرائيليين بأنهم يتعرضون لخطر كبير، ولا يستطيعون تحقيق أي إنجاز يمكن أن يتفاخروا به وأن يسوقوه أمام المجتمع الإسرائيلي بأنهم أبطال.

أيمن الرفاتي

على عكس الدعاية الإسرائيلية المتواصلة بقرب السيطرة على قطاع غزة، وبعد 80 يوماً من الحرب، بانت ملامح انكسار الهجوم العسكري الكبير لجيش الاحتلال في القطاع من دون تحقيق أيٍ من أهداف الحرب التي أعلنها، وسط صمود أسطوري للمقاومة وأثمان كبيرة يدفعها الجيش الإسرائيلي.

في منطقة شمال قطاع غزة، ظهر انكسار العملية العسكرية في ظل عدم قدرة الجيش الإسرائيلي على إحكام سيطرته على جميع المناطق التي دخلها على الرغم من استخدامه سياسة الأرض المحروقة والقصف السجادي المكثف، وبات مستنزفاً في هذه المناطق، وما زالت العمليات شديدة وقوية ومركزة في المناطق التي دخلها الاحتلال منذ الأيام الأولى للاجتياح البري، ولا يكاد يمر يوم دون إيقاع خسائر فادحة بهذه القوات.

وتظهر الشهادات التي قدمها العديد من جنود الاحتلال بأنهم يتعرضون لمقاومة شرسة غير متوقعة مليئة بالكمائن والضربات من الخلف، وباتت الدبابات لا توفر الحماية لهم في ظل تعرضها للاستهداف المتواصل من المقاومة التي استهدفت حتى الوقت الحالي أكثر من ألف آلية، وحيّدت أكثر من 10 آلاف جندي إسرائيلي مدرب، فيما يعترف العديد من الجنود بأنّ الخوف يتملك قلوبهم، وأن غالبيتهم عادوا بأمراض نفسية بعد المشاهد المخيفة داخل القطاع.

في مقابل ذلك، مثّل الصمود الأسطوري للمقاومة في قطاع غزة أكبر صدمة للمستويين السياسي والعسكري الإسرائيلي، فقد كان الجيش يتوقع أن تكون مهمته أقل صعوبة مما بدت خلال الهجوم البري، وهو ما جعل تفكيره في مرحلة ما بعد الحرب أمراً مشكوكاً في واقعيته، وبات يطرح حلولاً مثل إقامة شريط عازل داخل قطاع غزة لحماية المستوطنات، وهو أمر فاشل عملياتياً من المعلوم أن المقاومة لن تسمح بوجوده، وأن هذا الفعل هدفه إعلامي لإرضاء المستوطنين وتفاوضي مع قرب نهاية الحرب.

ملامح انكسار الهجوم البري تتنامى في ظل شعور الجنود الإسرائيليين بأنهم يتعرضون لخطر كبير، ولا يستطيعون تحقيق أي إنجاز يمكن أن يتفاخروا به وأن يسوقوه أمام المجتمع الإسرائيلي بأنهم أبطال، ولا يوجد هدف محدد لهم من قبل القيادة السياسية يمكن تحقيقه.

أحد أهم أسباب الانكسار هو حالة الخذلان الاستخباري التي بات الجيش الإسرائيلي يشعر بها، فجميع المعلومات الاستخبارية التي قدمها جهاز الأمن العام الإسرائيلي سطحية، وكثير منها مضلل وغير صحيح، ولا يرقى إلى حجم التحديات المفروضة أمام الجيش في الميدان.

هذا الأمر جعل قيادة الجيش والجنود في الميدان يشعرون بأنهم ذاهبون إلى المجهول، وأن نسبة عودتهم سالمين ضئيلة جداً، وهو ما جعل الجيش يشعر بالذهول مما يواجه من مقاومة، ويدرك أنه دخل وحلاً خطيراً سيؤدي الاستمرار فيه إلى انكسار وحدات وقوات كانت يتغنى بأن اسمها يرعب أعداء الكيان.

ملامح الانكسار ظهرت جلياً في صمود الفلسطينيين أمام الحمم التي يطلقها الجيش الإسرائيلي عليهم، بل والأشد عدم انكسار الفلسطينيين أو رفع أي مقاتل منهم الراية البيضاء، إضافةً إلى فشل الجيش في الوصول إلى قيادة المقاومة بمختلف مستوياتها. هذا الأمر لا يوجد أي أفق ميداني أو معلوماتي لدى "دولة" الاحتلال بقرب تحققه في ظل احتياطات كبيرة ومسبقة من المقاومة لسيناريو دخول الجيش.

الخسائر الكبيرة التي مُني بها الجيش الإسرائيلي في قطاع غزة لا يحتملها المجتمع الإسرائيلي. إنها حقيقة حاول المستويان السياسي والعسكري التغطية عليها بأن هذه الحرب هي حرب وجودية، لكن المعطيات الداخلية لدى الاحتلال تشير إلى انزعاج وضغط كبير بدأت عائلات الجنود تمارسه لوقف الحرب حتى لا يقتل مزيد من الجنود. وقد أكد آخر استطلاع لصحيفة معاريف أن ثلثي المجتمع الإسرائيلي بات مقتنعاً حالياً بضرورة التوصل إلى حل يؤدي إلى وقف الحرب مع غزة.

بعد 80 يوماً من الحرب، أيقنت "دولة" الاحتلال أنَّ إمكانية كسر المقاومة داخل قطاع غزة مستحيلة، وأن مهمة استعادة الأسرى أحياء بعيدة المنال. ولتحقيق جميع الأهداف المعلنة، قد يحتاج جيش الاحتلال إلى أشهر طويلة، وربما سنوات، وهو أمر لا يمكن تمريره بسبب تأثيرات الحرب في الاقتصاد العالمي والوضع الداخلي الأميركي والاستقرار الإقليمي والوضع الداخلي الإسرائيلي. 

انكسار الهجوم الإسرائيلي لا يظهر فقط في الميدان، بل من خلال حديث الكثير من المحللين السياسيين والعسكريين والمفكرين الإسرائيليين الذين باتوا يحذّرون من أن استمرار الحرب يعزز بشكل كبير الكره لـ"إسرائيل" لدى الفلسطينيين والعرب، وأيضاً لدى شعوب العالم، بسبب الفظائع التي ارتكبت ضد المدنيين والأطفال والنساء والمستشفيات والمرافق الطبية. هذا الأمر سيؤدي إلى تراجع الدعم الخارجي لكيان الاحتلال الذي يعد عمود بقائها في المنطقة.

وقد دلَّت تصريحات نائب رئيس هيئة الأركان في جيش الاحتلال السابق يائير جولان لصحيفة معاريف العبرية على حجم الأزمة التي وقعت بها "دولة" الاحتلال بقوله: "مشكلة العملية البرية أن المستوى السياسي لا يوضح أهداف الحرب. التصريح بأنه سيتم سحق حماس لا يكفي، والسؤال: ما الذي سيحدث بعد ذلك؟ لا مفر من التوصل إلى اتفاق مع الحركة، وليس مع أي فاعل آخر، لأنها الوحيدة القادرة على إطلاق سراح المختطفين".

وأدى الضغط الذي تمارسه عائلات الجنود الأسرى لدى المقاومة إلى ضغط حقيقي أيضاً على المستوى السياسي والجيش بعدما انتقلت التظاهرات إلى مقر وزارة الحرب، وهو أمر غير مسبوق، وعدم اكتراث المستوى السياسي لمطالبهم سيؤدي إلى انكسار أحد أهم ركائز المجتمع الإسرائيلي القائم على أولوية الجندي واستعادته من المعركة مهما كلف الثمن.

 

 

أعلن تحالف المنظمات المؤيدة لفلسطين تفاصيل اليوم العالمي الثاني للتضامن مع سكان قطاع غزة، المزمع انطلاق مسيراته اليوم السبت في أكثر من 100 مدينة في أكثر من 45 بلدا حول العالم.

وقال إنه ستشارك في هذا الحدث العالمي عواصم كبرى من جميع أنحاء العالم، مثل لندن وواشنطن وسيدني وإسطنبول وسيول.

وفي بريطانيا، ستبدأ المسيرة المقررة من منطقة ماربل آرش، المحاذية للهايد بارك، وسط العاصمة لندن، الساعة 12:30 ظهرًا، اليوم السبت متجهة نحو السفارة الإسرائيلية في حي كينسيغتون.

تشغيل الفيد وقد أصدر التحالف المكون من المنتدى الفلسطيني في بريطانيا وتحالف أوقفوا الحرب وحملة التضامن مع فلسطين وحملة وقف التسليح النووي والرابطة الإسلامية في بريطانيا ومنظمة أصدقاء الأقصى، نداء عاجلا للتحرك ردا على الأزمة الإنسانية الكارثية غير المسبوقة في رفح، جنوبي قطاع غزة.

وقال إنه "مع تصاعد عمليات الجيش الإسرائيلي، يواجه المدنيون في رفح خطر نزوح وشيك، إضافة إلى جميع أنواع المعاناة الأخرى التي تحيط بهم، مما سيضاعف العدد الصادم من الشهداء والجرحى والنازحين".

ودان التحالف بشدة جميع أشكال العدوان ضد السكان المدنيين في غزة، وأهاب بالمجتمع الدولي أن "ينفّذ إجراءات حازمة وجدية لمحاسبة إسرائيل على جرائمها ضد الإنسانية".

ودعا التحالف لمشاركة العالم أجمع في اليوم العالمي لنصرة غزة، وللدعوة لوقف الإبادة الجماعية في القطاع، والمطالبة بالحرية لفلسطين.

وقال عدنان حميدان نائب رئيس المنتدى الفلسطيني في بريطانيا إن الحراك في اليوم العالمي الثاني للتضامن مع غزة يكتسب زخما خاصا بمشاركة مئات المدن والعواصم حول العالم، وفي لندن بالذات، حيث يأتي هذا الحراك في توقيت مهم بين يدي تصويت البرلمان مجددا على تبني الدعوة لوقف إطلاق النار في غزة في 21 من الشهر الجاري.

 

السيد نصر الله يؤكد أنّ تضحيات حركات المقاومة "لا تنطلق من حالة انفعالية أو رد فعل مؤقت، بل من الوعي والمعرفة بالأهداف". ويضيف أنه على "الأميركيين والصهاينة، أن يعرفوا أنهم في فلسطين، أمام شعب لن يتراجع مهما بلغت التضحيات".

"ثمن دماء المدنيين سيكون دماءً وليس مواقع وآليات وأجهزة تجسس إسرائيلية"، وفق الأمين العام لحزب الله، السيد حسن نصر الله، الذي قال إنّ "هدف العدو الإسرائيلي من قتل المدنيين، الضغط على المقاومة لتتوقف، لأن كل الضغوط منذ 7 أكتوبر كان هدفها وقف جبهة الجنوب"، مؤكداً أنّ المقاومة لا تتحمل موضوع المس بالمدنيين "ويجب أن يفهم العدو أنه ذهب في هذا الأمر بعيداً".

وشدّد السيد نصر الله، في حفل الذكرى السنوية للشهداء القادة، الذي أقامه حزب الله في بيروت، أنّ الجواب على المجزرة، "يجب أن يكون مواصلة وتصعيد العمل في الجبهة"، مؤكداً أنّ استهداف مستوطنة "كريات شمونة" بعشرات صواريخ الكاتيوشا وعدد من صواريخ "الفلق"، "هو ردٌ أولي"، على ما جرى في النبطية والصوانة.

وفي إطار ردّه على وزير "أمن" الاحتلال، يؤآف غالانت، الذي هدّد مؤخراً بالوصول إلى بيروت، حسم السيد نصر الله، موقفاً سابقاً، مذكراً غالانت وقادة العدو، بأنّ "المقاومة في لبنان تملك من القدرة الصاروخية الهائلة والدقيقة التي تمتد من كريات شمونة إلى إيلات"، مشيراً إلى أنّ المقاومة "في قلب معركة حقيقية على جبهة تمتد أكثر من 100 كيلومتر"، وارتقاء شهداء من المقاومة "جزء من المعركة القائمة".

وفي سياق خطابه، أكد السيد نصر الله، أنّ تضحيات حركات المقاومة "لا تنطلق من حالة انفعالية أو رد فعل مؤقت، بل من الوعي والبصيرة والمعرفة بالأهداف". ووفقاً له، فإنّه "على الأميركيين والصهاينة أن يعرفوا أنهم في فلسطين أيضاً، أمام شعب لن يتراجع مهما بلغت التضحيات ومهما بلغ البذل".

وفي  السياق نفسه، شكر السيد نصر الله، القوات المسلحة اليمنية وحركة أنصار الله، الذين واصلوا حتى اليوم، استهداف السفن الأميركية والبريطانية، "على الرغم من العدوان الأميركي والبريطاني عليهم"، مضيفاً أنّ "المعركة الأساسية تبقى ما يجري في غزّة"، معقباً بالقول، إنّ الجزائر قدّمت أكثر من مليون أو مليوني شهيد، "ولو لم تقدم كل هؤلاء الشهداء، هل كانت الجزائر ستتحرر؟".

كلفة الاستسلام كبيرة وخطيرة

وفي حديثه عن كلفة المقاومة وثمنها وتبعاتها والتضحيات المترتبة عليها، وهو "عنوان مطروح منذ العام 1984" وفق السيد نصر الله الذي شدّد على أنّ "كلفة الاستسلام كبيرة وخطيرة وباهظة ومصيرية جداً". 

ورأى السيد نصر الله أنّ "الاستسلام يعني خضوعاً وذلاً وعبودية واستهانة بكبارنا وصغارنا وأعراضنا وأموالنا"، مردفاً أنّ "ثمن الاستسلام في لبنان، يعني الهيمنة السياسية والاقتصادية الإسرائيلية على بلدنا".

إضافةً إلى ذلك، قال السيد نصر الله إنّه لو استسلم الشعب الفلسطيني، "لكان اليوم أهل غزّة خارجها وأهل الضفة خارجها وحتى أهل أراضي 48 خارجها"، موضحاً أنّه "من جملة المسؤوليات الملقاة على عاتقنا، وعلى عاتق الشعوب الإسلامية وأحرار العالم هو تبيان الحقائق".

وتساءل السيد نصر الله: "أليس من الذل والهوان والضعف والوهن أنّ دولاً تدير ملياري مسلم لا تستطيع إدخال الدواء والغذاء إلى أهل غزّة؟"

المقاومة الفلسطينية تعرّضت لأبشع عملية تزوير وإهانة

وعن الأكاذيب والشائعات، التي طالت المقاومة الفلسطينية منذ 7 تشرين الأول/أكتوبر، أكّد السيد نصر الله أنّها تعرّضت منذ عملية طوفان الأقصى إلى اليوم، "إلى أبشع عملية تزوير وإهانة، تعرضت لها المقاومة في تاريخنا".

وقال إنّ المقاومة جعلت العدو "يعيش في أزمة وجود ذروتها كانت طوفان الأقصى"، مؤكداً أنّ الإسرائيلي لم يستطع أن يقدّم للعالم دليلاً واحداً على الأكاذيب التي روّج لها منذ 7 أكتوبر.

كما لفت إلى أنه لو فُتح تحقيق حول 7 أكتوبر، فسيكون من نتائجه انهيار "الأساس الأخلاقي والقانوني الذي يدعيه نتنياهو وبايدن بإصرارهما على القضاء على حماس".

وفي هذا الإطار، بيّن السيد نصر الله أنّ كثيرين صدّقوا التزوير التاريخي الإسرائيلي بخصوص 7 أكتوبر، "بما في ذلك دول تقول إنّها صديقة لحماس"، مشيراً إلى أنّ "أكبر ظاهرة نفاق يشهدها العالم اليوم، هي موقف الإدارة الأميركية تجاه ما يجري في غزّة"، موضحاً أنّه إذا أوقفت الولايات المتحدة تسليح ودعم "إسرائيل" الآن، "فسيتوقف العدوان مباشرة شاء نتنياهو أم أبى".

وشدد السيد نصر الله أنّ الذي يصرّ على هدف القضاء على حماس هي أميركا أكثر من "إسرائيل"، موضحاً أنّ المسؤول عن كل قطرة دم في المنطقة هو الإدارة الأميركية "والمسؤولون الإسرائيليون هم أدوات تنفيذ".

الهدف الإسرائيلي تهجير الفلسطينيين

كذلك، أوضح السيد نصر الله أنّ ما كشفته "طوفان الأقصى" هو أنّ الهدف الإسرائيلي الذي كان يعمل عليه "هو تهجير الفلسطينيين وإقامة دولة يهودية خالصة"، مشيراً إلى أنّ هدف حصار قطاع غزّة، كان "إيصالها إلى الموت بسكون وهدوء ومن دون أن يهتز العالم".

ولافتاً إلى أنّ "الهدف الإسرائيلي هو تهجير أهل الضفة إلى الأردن، وأهل غزّة إلى مصر، وأهل الـ48 إلى لبنان، والمسؤولية تقتضي منع تهجير الفلسطينيين، وهذا يتطلب مواجهة كبرى".

السيد نصر الله: نحن لا نتدخل في المفاوضات

أما بالنسبة إلى التفاوض السياسي بين فصائل المقاومة الفلسطينية والعدو الإسرائيلي، فأكّد نصر الله أنّ "المعني بها هو الفصائل الفلسطينية، التي فوّضت حماس، ونحن لا نتدخل بما يجري في المفاوضات".

كما أشار إلى أنّ حماس والمقاومة الفلسطينية، "يُمثلون جبهات محور المقاومة وكل مواقع الإسناد العسكري واللوجستي لهم".

هدف محور المقاومة إلحاق أكبر خسائر بالعدو

وفي خطابه أيضاً، قال السيد نصر الله، إنّ المقاومة في لبنان وفلسطين، "كسرت ميزان الردع الإسرائيلي وهشّمت صورته وأوجدت ميزان ردع حماية"، مضيفاً: "مهما قلنا وشرحنا، ستكون ألسنتنا عاجزة عن توصيف المقاومة الأسطورية في غزة والصمود الأسطوري لشعب غزّة".

ولفت السيد نصر الله أيضاً إلى أنّ "الإسرائيلي والأميركي لم يتوقعا"، أن تكون لدى المقاومة في لبنان "الإرادة والشجاعة لفتح الجبهة لمساندة غزّة".

وفي ردٍ على تساؤلات حول هدف محور المقاومة، قال السيد نصر الله إنّ المحور "دولاً وشعوباً وحركات ومقاتلين هدفه كان وسيبقى هو هزيمة العدو"، متابعاً: "المقصود بهزيمة العدو في هذه المعركة، هو فشله في تحقيق أهدافه".

سلاح المقاومة لحماية لبنان

وعن الوضع الداخلي اللبناني، شدد السيد نصر الله على أنّ "سلاح المقاومة ليس لتغيير النظام السياسي والدستور ونظام الحكم وفرض حصص طائفية جديدة في لبنان"، مؤكداً أنّ "سلاح المقاومة هو لحماية لبنان".

وشرح أنّ الحدود البرية مُرسّمة وأيّ مفاوضات ستكون على قاعدة "اخرجوا من أرضنا اللبنانية"، مردفاً أنّ "ثقافة مقاومتنا ثقافة حياة وكرامة وليست ثقافة ذل وهوان واستسلام".

المصدر: المیادین

الناطق باسم "كتائب القسّام"، أبو عبيدة، يؤكّد أنّ ما يُبثّ من مشاهد جزءٌ من إنجازات المقاومين في الميدان، ويضيف أنّ الخسائر في صفوف أسرى العدو باتت كبيرة جداً.

 أكّد الناطق باسم "كتائب القسّام"، الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية (حماس)، أبو عبيدة، اليوم الجمعة، أنّ معركة "طوفان الأقصى" تُمثّل بداية النهاية لأقدم احتلال في التاريخ الحديث، وستكون نقطةً فاصلة في تاريخ أمتنا".

وقال أبو عبيدة، في كلمةٍ مُسجّلة، إنّ "مجاهدينا يُوقعون في صفوف العدو خسائر فادحة غير مسبوقة، ويوقعون أفراده في كمائن مُحكمة".

وأشار إلى أنّ ما تبثّه "القسّام" من مشاهد جزءٌ من إنجازات المقاومين في الميدان، مضيفاً: "نُؤْثِر تأجيل بث بعض المشاهد لأسباب أمنية"، مضيفاً أنّ "مجاهدينا يُنفذون عملياتٍ نوعية قاتلة، بالتوازي مع عمل قوى الأمة في المقاومة".

ولفت إلى أنّ مجاهدي "القسّام" يخوضون في مناطق التوغل كافّة، في شمال غزّة ووسطها وجنوبيّها، معاركَ عبر تكتيكاتٍ مُتنوعة، وبأسلحةٍ ملائمة، مشدداً على أنّ المقاومة ضد العدو الإسرائيلي "مُستمرة حتى خروج آخر جندي صهيوني من قطاع غزّة".

وتابع: "لسنا معنيين بالتفنيد التفصيلي لمزاعم العدو وأكاذيبه في الميدان، والمستقبل القريب والمستقبل البعيد سيثبتان وهم العدو وأكاذيبه".

وذكّر أبو عبيدة بتحذير كتائب القسام "عشرات المرّات من المخاطر، التي يتعرّض لها أسرى العدو لدى المقاومة، لكن قيادة العدو تجاهلت ذلك".

وشدّد أبو عبيدة على أنّ "الخسائر في صفوف أسرى العدو باتت كبيرة جداً، وحاولنا حمايتهم ورعايتهم، منذ أشهر، من أجل تحقيق مصالح شعبنا، ولا نزال نسعى لذلك".

وفي اليوم الـ 133 منذ بداية ملحمة "طوفان الأقصى"، تواصل المقاومة في غزّة استهداف القوات الإسرائيلية المتوغلة في خان يونس، وتخوض الاشتباكات في عدّة محاور في المدينة.

وبينما تواصل المقاومة تصدّيها للقوات الإسرائيلية المتوغّلة في القطاع، فاقت حصيلة قتلى "جيش" الاحتلال 230، منذ بدء المعارك البرية في قطاع غزة، وتجاوزت الحصيلة الإجمالية 570 قتيلاً من الجنود والضباط، منذ بداية "طوفان الأقصى".

 

الثلاثاء, 20 شباط/فبراير 2024 03:04

كيف تهيئين طفلك لوظائف المستقبل؟

لاريسا معصراني

تتغير الوظائف تزامنا مع التطور التكنولوجي واحتياجات السوق، لتظهر وظائف أخرى كنتيجة حتمية تنسجم مع مخرجات الثورة الصناعية الرابعة والروبوتات المتقدمة والذكاء الاصطناعي، والتعلم الآلي، لذا يجب إعداد الأطفال لوظائف غير موجودة بعد؛ لمساعدتهم على الاستعداد لمستقبلهم، كما يجب تزويدهم بمجموعة من المهارات المناسبة.

وبحسب الباحثين المتخصصين، فإن تهيئة الأطفال ليكونوا ناجحين في وظائفهم المستقبلية تكون من خلال دعم الأهل، فما الذي يمكن للوالدين القيام به لمساعدة أطفالهم في اختيار وظائف المستقبل؟.. إليك ما يقوله المختصون.

القيادة الفعالة من أهم ما يجب أن يتقنها الطفل، وتعتبر مؤشرا قويا على الثقة في النفس (غيتي)

تنصح الأخصائية في علم الاجتماع شانتال صعب الوالدين في حديثها إلى الجزيرة نت باتباع عدة خطوات لمساعدة الطفل للتوجه إلى المهن المناسبة التي تواكب العصر والتكنولوجيا، وهي:

  • جمع المعلومات: جمع كل الخطوات التي سيقوم بها الطفل على مدار الأعوام المقبلة ليهيئ نفسه للالتحاق بالكلية التي تناسبه، ومن المهم أيضا معرفة أماكن المعاهد والجامعات التي يستطيع الالتحاق بها.
  • تنمية المهارات الحياتية: تنمية مهارات الطفل بشكل فعّال لتحقيق النجاح الشخصي في المستقبل، ومنها تشجيع الطفل على الاطلاع والاشتراك بمواقع مختلفة لتزويده بالمعلومات، إضافة إلى تشجيعه على الاستمرارية والتحدي للوصول للهدف، مما يسعده على اكتساب ميزة اتخاذ القرارات.
  • تشجيع الطفل على التفكير والإبداع بحرية: يجب أن يكون الطفل قادرا على التعبير عن كل ما يدور في ذهنه، فأي عمل إبداعي هو شكل من أشكال التعبير عن الذات، كما يجب السماح له بالتعبير عن ما يحبه بطريقته الخاصة، وهكذا يستكشف الأمور ويبحث عما يستهويه.
  • الحوار والمناقشة مع الطفل: القيام بجلسات حوارية مع الطفل وتحديد ماذا يحب أن يكون، وماذا لا يحب وعمل قوائم بما يفضل، وما لا يفضله أيضا، لمناقشة الاختيارات جميعا. ومن المهم ترك حق الاختيار للطفل وعدم إجباره على اختيار دراسة أو مهنة ما.
  • عدم توبيخ الطفل: ترك العنان للطفل للتجارب واختيار المناسب له مع التوجيه غير المباشر.
  • التدريب على المرونة: الطفل الذي يستطيع فهم كل تغيير والتفاعل معه سينجح في الحياة كبالغ. لذا من المهم تعليم طفلك كيفية استيعاب لحظات التغيير وتحويلها إلى فرصة للنمو، مما يعلمه أن يكون أكثر مرونة.
  • تطوير القيادة الفعّالة: تعدّ هذه من ضروريات القوى العاملة المستقبلية. فالقيادة الفعالة هي من أهم ما يجب أن يتقنه الطفل، وتعتبر مؤشرا قويا للثقة في النفس وتمثل دورًا مهمًا في نجاح المستقبل المهني لها، فهذه الصفة لها تأثير إيجابي على تحقيق الطفل إنجازات مميزة تختلف عن الآخرين.
    أي عمل إبداعي يقوم به الطفل هو أيضًا شكل من أشكال التعبير عن الذات (غيتي)

ما وظائف المستقبل؟

وفي هذا الإطار، تحدثت الإخصائية صعب عن أهم هذه الوظائف المستقبلية، ومنها:

 وظائف التكنولوجيا والمعلومات: تخصص الطفل في البرمجة يجب أن يبدأ مبكرا من خلال جمع المعلومات والاشتراك فى كورسات البرمجة، وأيضا الممارسة في تطبيق كل هذا مما قد يجعله يلتحق بهذه الوظائف في المستقبل.

  • وظائف الطاقة البديلة: بات الاعتماد الآن على الطاقة الشمسية والرياح بشكل كبير، وهذا يتطلب مهندسين لشغل هذه الوظيفة.
  • وظائف التسوق الإلكتروني: أصبح كل شيء عبر الإنترنت، الشراء، البيع، إنجاز ومتابعة الأوراق المهمة، حجز رحلات السفر، فمعظم الأمور الحياتية أصبحت تتم باستخدام التطبيقات الإلكترونية.

كليات الذكاء الاصطناعي هي الأهم

وتشير "صعب" إلى أن كليات الذكاء الاصطناعي ستصبح من أهم الكليات على الإطلاق، كون وظائف المستقبل ستعتمد على خريجي هذه الكليات اعتمادا تاما. لذلك تدريب الطفل وخوض تجارب الذكاء الاصطناعي من أهم الأمور التي ستهيئ طفلك لوظائف المستقبل، وتشمل مدربين ومشرفين مستقلين، كتابا وموسيقيين وفنانين وخبراء في الأمن الإلكتروني، وكلهم معززون بقدرات الذكاء الصناعي.

مهارات الطفل التكنولوجية تشجعه على التفكير المنطقي وتعزيز مهاراته في حل المشكلات (غيتي)

5 طرق لتهيئة الطفل لوظائف مستقبلية

ومن جهة أخرى نشر موقع "كودا كيد" تقريرا عن أهم الطرق لإعداد طفلك لوظائف المستقبل الجديدة:

وفقاً لخبيرة تقنية التعليم في المستقبل كاثي دفيدسون، هناك 65% من أطفال اليوم ستنتظرهم وظائف مستقبلية لم تخطر في بال أحد.

وتوضح بأن هنالك 5 طرق أساسية لتهيئة الطفل وإعداده لوظائف مستقبلية، وهي:

  • تنمية حب العلم لدى الأطفال: إضافة للتمتع بالمهارات الأحدث كالتفكير التحليلي والقيادة والتعلم النشط ومتعة الاستكشاف وما إلى ذلك؛ لتحل محل المهارات القديمة؛ كالمهارة اليدوية والقدرة على التحمل وقوة الذاكرة والقدرات اللفظية.
  • تنمية مهارة القيادة: يحتاج الأطفال إلى الإيمان بأنفسهم والثقة بقدرتهم على تجربة أنشطة جديدة، وتساعدهم مهارات القيادة على ذلك.
  • التعامل مع الصعوبات: يجب على الوالدين تعليم أطفالهم كيفية التعامل مع الصعوبات التي يواجهونها، وتشجيعهم على النهوض بسرعة بعد الفشل أو التعثر، ومنحهم فرصة أخرى للتجربة والتحسين. كما يجب تعليم الطفل مهارة التفاوض واتخاذ القرارات مع زرع الثقة بالنفس.
  • تحفيز الطفل على التعاون والعمل الجماعي: تشجيع الأطفال على المشاركة في الأنشطة الجماعية الخارجية، والاستماع لآراء الآخرين واحترامها.
  • إتقان القراءة والكتابة والرياضيات: فكلها تسهم في التركيز والتحليل النقدي وتحسين النقاش مع زيادة المعرفة.
  • تعليم الطفل مهارة التكنولوجيا وتقنية البرمجة: في عالم الرقميات المتسارع أصبح تطوير مهارات التكنولوجيا للأطفال ضرورة ملحة لتشجيعهم على التفكير المنطقي وتعزيز مهاراتهم في حل المشكلات، وحتى يمكن تنمية مهاراتهم الإدراكية، فيميل تفكيرهم للإبداع والاختراع والابتكار.

المصدر :  مواقع إلكترونية

 

من الجيّد أن نلفت النظر إلى شخصيّة الإمام الحسين عليه السلام وصفاته وبعض الملامح العامّة لهذه الشخصيّة. ومن هذه الخصائص والملامح في شخصيته القيادية سلام الله عليه:
 
1- قوّة الإرادة: ويكفي أن نرى قوّة الإرادة عنده من إصراره على إنهاء المسيرة حتّى النهاية مع عائلته وأولاده رغم سماعه نبأ استشهاد مسلم بن عقيل رضوان الله عليه، في جوّ لا يطمئن بأيّ حسم عسكريّ لصالحه، بل في ظروف يعلم أنّه ملاقٍ فيها الشهادة، وهو القائل: "لا أرى الموت إلا سعادة والحياة مع الظالمين إلّا برماً"[1].
 
2- إباء الضيم: لقب "أبيّ الضيم" من أهمّ ألقابه المباركة، وقد قال عنه ابن أبي الحديد المعتزليّ: "سيّد أهل الإباء الّذي علّم الناس الحميّة والموت تحت ظلال السيوف اختياراً على الدّنيّة أبو عبد الله الحسين بن عليّ بن أبي طالب عُرض عليه الأمان هو وأصحابه فأنف من الذلّ، وخاف ابن زياد أن يناله بنوع من الهوان مع أنّه أبى الموت على ذلك"[2].
 
وهو الذي خلّد لنا التاريخ كلمته المشهورة الّتي تنبض بالعزّة والكرامة: "ألا إنّ الدعيّ ابن الدعيّ قد ركز بين اثنتين بين السلّة والذلّة وهيهات منّا الذلّة، يأبى الله ذلك ورسوله والمؤمنون وحجور طابت وطهرت، وأنوف حميّة، ونفوس أبيّة، من أن نؤثر طاعة اللِّئام على مصارع الكرام"[3].
 
3- الشجاعة: ومواقف عاشوراء كلّها دليل على هذه الشجاعة اللافتة للإمام عليه السلام وهو الّذي قال لأصحابه حينما أمطرتهم سهام الأعداء: "قوموا رحمكم الله إلى الموت الّذي لا بدّ منه، فإنّ هذه السهام رسل القوم إليكم"[4].
 
4- الصراحة والوضوح: توّجت كلّ هذه الصفات بصفة مهمّة جداً وهي الوضوح والصراحة، وهو القائل: "يا أمير إنّا أهل بيت النبوّة، ومعدن الرسالة، بنا فتح الله وبنا يختم ويزيد فاسق، شارب الخمر، قاتل النفس المحترمة، معلن بالفسق والفجور، ومثلي لا يبايع مثله"[5].
 
5- الصلابة في الحقّ: وقد قال عليه السلام: "ألا ترون إلى الحقّ لا يُعمَل به، وإلى الباطل لا يُتناهَى عنه، ليرغب المؤمن في لقاء الله"[6].
 
6- الصبر: قال الأربليّ: "شجاعة الحسين عليه السلام يُضرَب بها المثل، وصبره في الحرب أعجز الأوائل والأواخر"[7].
إلى غيرها من الصفات الّتي اجتمعت في الإمام عليه السلام.
 


[1] الذهبي، سيرة أعلام النبلاء، ج3، ص310، والحديث في كتاب الطبري، والطبراني "إلا برما".
[2] ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، ج1، ص302.
[3] العلامة المجلسي، بحار الأنوار، ج45، ص8.
[4]  ابن طاووس، اللهوف على قتلى الطفوف، ص65.
[5] البلاذري، أحمد بن يحيى بن جابر ، أنساب الأشراف، ج1، ص1.
[6] العلامة المجلسي، بحار الأنوار، ج44، ص381.
[7] الأربليّ، كشف الغمّة، ج2، ص20.

الثلاثاء, 13 شباط/فبراير 2024 03:34

المودّة والرحمة في الحياة الزوجية

يقول تعالى: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا﴾([1]) أي: جعل لكم من شكل أنفسكم "أزواجاً".
 
وإنّما منَّ سبحانه علينا بذلك، لأنّ الشكل إلى الشكل أميل ﴿لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَ﴾ أي: لتطمئنّوا إليها، وتألفوا بها، ويستأنس بعضكم ببعض. ﴿وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً﴾ يريد بين المرأة وزوجها، جعل سبحانه بينهما المودّة والرحمة، فهما يتوادّان ويتراحمان، وما شيء أحبّ إلى أحدهما من الآخر من غير رحم بينهما. والمودّة هي المحبّة الّتي تستتبع عملاً بمقتضاها ولا تقتصر على مجرّد الشعور القلبيّ، والرحمة: الشفقة. ﴿ إِنَّ فِي ذَلِكَ﴾ أي: في خلق الأزواج مشاكلة للرجال  لَآيَاتٍ   أي: لدلالات واضحات ﴿لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾ في ذلك.
 
لأنّهم إذا تفكّروا في الأصول التكوينية الّتي تبعث الإنسان إلى بناء المجتمع من الذكورة والأنوثة الداعيتين إلى الاجتماع المنزليّ والمودّة والرحمة الباعثتين على الاجتماع المدنيّ والأنس ثمّ ما يترتّب على هذا الاجتماع من بقاء النوع واستكمال الإنسان في حياتيه الدنيا والأخرى، لعثروا من عجائب الآيات الإلهية في تدبير أمر هذا النوع على ما يبهر عقولهم ويدهش أحلامهم، فالإنسان يسدّ من خلال الزواج حاجات ودوافع فطرية منغرسة في حاقّ نفسه وأعماق فطرته، لا بُدّ له من قضائها وإلا يبقى في حالة اضطراب داخليّ وبحث باطنيّ عمّا يسدّها ولو كان بطرق غير إنسانية، فهذا في الواقع نفع دينيّ شخصيّ ومجتمعيّ، وهو أكبر مساعد على عفّة النظر وعفّة الفرج اللذين هما من أفضل العبادة.
 
لكي نتكلّم عن مقوّمات الحياة الزوجية إسلاميّاً وبالمنظار الإلهي لا بُدّ لنا أوّلاً أن نُلقي نظرة على كيفية نظرة الإسلام والقرآن لبناء البيت الزوجي والعلاقة الزوجية، إلى أيّ حدٍّ يُقدِّر ويحترم هذا البناء وهذه العلاقة؟
 
إنّ تقدير الإسلام للعلاقة الزوجية يُصنّف في أعلى درجات التقديس والاحترام وذلك من خلال عدّة أمور:
 
أوّلاً: نجد الآية القرآنية تجعل خلق الزوج لزوجه آيةً من آياته تعالى ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم﴾ إذاً هي أمر يُعطيه الخالق أهميّة مميّزة حيث جعله آية من آياته.
 
ثانياً: ختم الآية سبحانه وتعالى بقوله: ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾ أي أكّد كون العلاقة الزوجية آية ودعا إلى التفكّر والتدبّر في مكتنفات هذه الآية لما لها من أبعاد لطيفة جديرة بأن تُستنبط عن طريق التفكّر.
 
ثالثاً: الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم: "ما بُني بناء في الإسلام أحبّ إلى الله عزّ وجلّ من التزويج"([2]).

وهذا يؤكّد على أنّ الأبنية الكثيرة الّتي هي ضمن الإطار الإسلاميّ، بعضها أحبّ إلى الله تعالى من بعض وأحبّها على الإطلاق التزويج، وهذا من أعظم التعابير عن الأهمية والتقدير من قبل الله تعالى للبيت الزوجيّ!
 
وفي رواية عنه صلى الله عليه وآله وسلم:"ما استفاد امرؤ مسلم فائدة بعد الإسلام أفضل من زوجة مسلمة تسرّه إذا نظر إليها، وتُطيعه إذا أمرها، وتحفظه إذا غاب عنها في نفسها وماله"([3]).
 
إذا كانت أهمية هذه المؤسّسة العائلية لهذا الحدّ، وهذه المرتبة السامية بالنظر الشرعيّ الإسلاميّ فلا بُدّ أن نعرف كمؤمنين متديّنين عظم المسؤولية فيها، وذلك من خلال عدّة أمور:
 
أ- المؤمن يُحبّ ما أحبّ الله، فإذا كان البناء الزوجيّ أحبّ الأبنية الإسلامية إلى الله، فالمؤمن لا بُدّ أن يُحبّه ويكون لديه من أحبّ المؤسّسات، وإذا كان كذلك فإنّه سيعتني به، ويُعطيه أهمية قصوى ليكون بناءً متيناً قويّاً ومحقِّقاً للأهداف الإلهية الّتي سنذكرها فيما سيأتي.
 
ب- سيكون حذراً دائماً من إلحاق أيّ ضرر بهذه المؤسّسة المحترمة غاية الاحترام لدى الله سبحانه وتعالى، لأنّه لو قصّر أو تهاون أو حقّر ـ لا سمح الله ـ هذا البناء فإنّه سيكون قد وضع ما رفعه الله، وحقّر ما عظّمه الله تعالى وهذا سيكون من المهلكات..!
 
كيف إذا رأيت أحداً يريد تخريب بناء مقدّس كالمسجد، فإنّك تعتبره خاطئاً بل مجرماً، فكذلك العلاقة الزوجية هي بناء محترم غاية الاحترام في الإسلام بل بنصّ الرواية: "ما بني بناء في الإسلام أحبّ إلى الله من الترويج" فإنّ من أراد تخريبه وإلحاق الضرر به فإنّه سيكون قد ارتكب إحدى الموبقات.
 
وهذا طبعاً يُحمِّل المؤمن مسؤولية كبرى، كيف يرعى؟ كيف يحمي؟ كيف يكون حكيماً في معالجة الأمور الموهنة للحياة الزوجية؟ كيف يُعطي وقتاً ويبذل طاقة ويولي أهمية لهذه الحياة العائلية، ولا يكون مستصغراً لقدرها ولا متهاوناً بشأنها؟
 
وهذا بدوره يحتاج إلى علمٍ وحكمة وفنٍّ في التعامل ومهارة في التعاطي وتغافل عن السفائف والصغائر وتعقّل وتحمُّل وتصبُّر.
 
رابعاً: إنّ الله تعالى قد أمر الإنسان المكلَّف بأن يقي نفسه النار، وقرن هذا الأمر بأمرٍ آخر في نفس السياق وهو أمره بأن يقي أهله النار أيضاً، وهذا يعني تكليفاً إلزامياً وجوبياً يُحمِّل الإنسان الّذي يتّخذ أهلاً "من خلال بناء الأسرة والحياة الزوجية" مسؤولية عظمى تجاههم، وهذه المسؤولية الكبيرة شعر بها بعض المؤمنين بعد نزول الآية وعبّر عن ذلك للرسول صلى الله عليه وآله وسلم.
 
فعن أبي عبد الله عليه السلام قال: "لمّا نزلت هذه الآية ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا﴾([4]) جلس رجل من المؤمنين يبكي وقال: أنا عجزت عن نفسي وكُلّفت أهلي".
 
فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "حسبك أن تأمرهم بما تأمر به نفسك وتنهاهم عمّا تنهى عنه نفسك"([5]).
 
وفي رواية عن أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام في قوله: ﴿قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا﴾ قال عليه السلام: "علِّموا أنفسكم وأهليكم الخير وأدّبوهم"([6]).
 
فإذاً لاحظوا المسؤولية الملقاة على عواتق المؤمنين تجاه عوائلهم.
 
فعلى المؤمن أن يأمرهم بما يأمر به نفسه، وينهاهم عما ينهى عنه نفسه، يعني إذا رأيت ابنك يتكلّم كلام الفحش فتكليفك أن تنهاه، وإذا رأيته يُصاحب أصدقاء السوء فعليك أن تُبادر إلى نصيحته بالامتناع عن مصاحبة الفاسدين، وإذا رأيته يتهاون في صلاته فعليك أن تأمره بأداء الصلاة والاهتمام بأوقاتها وشرائطها، فإذا رأيته مثلاً لا يستيقظ لصلاة الفجر فعليك أن تُبادر إلى أمره بالاستيقاظ لأدائها، وكذلك عليك أن تنهاه عن الكذب والنميمة والغيبة والظلم والعقوق، ومُرْه بأضدادها، فإذاً القضيّة ليست بالسهولة الّتي نتصوّرها، بل هي مسؤوليّة دفعت بعض المؤمنين الّذين يستشعرون المسؤوليّة الرساليّة بكلّ أبعادها إلى أن يبكي.
 
وكذلك أمير المؤمنين عليه السلام يُحمِّلنا هذه المسؤولية بالبعد التعليميّ للخير "علّموا أنفسكم وأهليكم الخير". فلا تبخل على أهلك بالعلم الّذي تعلّمته، ولا تقل مللت من الكلام، ولا أجد عندي طاقة للحديث والموعظة، وتكفيني همومي المعيشية وهموم الحياة.
 
فهذا واجب عليك يأمرك به أمير المؤمنين عليه السلام.
 
وبالبعد التأديبيّ "وأدّبوهم" أي اذكروا لهم الآداب وتابعوهم لكي يتحلّوا بها. فالتعليم ليس هو التأديب، فقد يلقي شخص المعلومة إلى آخر ويتلقّاها الآخر، إلا أنّه لا يعمل ولا يتخلّق بها، فهذا تعليم وليس تأديباً. فالتأديب هو تعليم وزيادة، هو تعليم الآخر الآداب ومتابعته بتكرارها والتذكير بها ومداومة الحثّ عليها حتّى تُصبح جزءاً ملتصقاً به تصدر تصرّفاته عنها فيكون مؤدّباً حينئذ.
 


([1]) سورة الروم، الآية: 21.
([2]) وسائل الشيعة، الحرّ العامليّ، ج 20، ص 15.
([3]) م.ن، ص 41.
([4]) سورة التحريم، الآية: 6.
([5]) الكافي، الشيخ الكلينيّ، ج 5، ص 62.
([6]) كنز العمّال، المتّقي الهندي، ج 2، ص 540.

الإثنين, 12 شباط/فبراير 2024 04:34

بالإسلام قامت الثورة

 

* الأعداء في مواجهة الإسلام
كما تعلمون، فإنّ الدول الكبرى عملت على محاربة الثورة الإيرانيّة الإسلاميّة منذ البداية وحتّى الآن، وشنّت ضدّها الهجوم العسكريّ ودفعت أعداء الإسلام لمهاجمة هذا البلد العزيز، لا لذنب إلّا لأنّه يدعو إلى الإسلام. أمّا بالنسبة إلى بلدنا، فينبغي القول بأنّه ليس له معين غير الله تبارك وتعالى. فالشعوب التي تربطها علاقات طيّبة مع شعبنا، والمستضعفون في العالم ممّن هم على اطّلاع بالإسلام ويتطلّعون إلى العدل والكرامة الإنسانيّة، يتعرّضون لأنواع الضغوط من قِبل حكوماتهم التي تعمل على إقصاء الإسلام ومحاربته، وتمارس الضغوط ضدّ شعوبها خشية أن تطالبها بالعدالة وبالكرامة الإنسانيّة.

* ضرورة توعية المستضعفين بهمومهم‏
إنّ المسؤوليّة التي تقع على عاتقكم جميعاً، تتمثّل في تناول قضايا هذه الثورة في مجالات الأدب والفن والإعلام وغيرها كي تُحفظ للأجيال القادمة. لا بدّ من توعية الناس وشعوب العالم والمستضعفين بالمصائب التي حلّت على رؤوسهم والهموم التي يعانون منها، والأوضاع التي يعيشون فيها، ولفت أنظارهم إلى أوضاع حُكّامهم والترف الذي يعيشون فيه. ولا بدّ لأبناء الدول الإسلاميّة أن يعلموا كيف تُنفق ثرواتهم وأين تذهب خيرات بلدانهم، في ذات الوقت الذي تعاني فيه شعوبهم من الجوع والفقر والحرمان، وإنّ الكثير منهم يموت جوعاً فيما يسرق هؤلاء ثروات بلدانهم وخيرات شعوبهم. إنّ هؤلاء الغاصبين لو أنفقوا على شعوبهم عشر أعشار هذه الثروات؛ لاستطاعوا أن يحقّقوا النموّ والازدهار لشعوبهم، غير أنّهم يقدّمون كلّ ثروات بلدانهم لأعداء الإسلام.

حاولوا توعية الجماهير بما حدث في إيران وما تجرّعه الشعب الإيرانيّ من مصائب ومعاناة في عهد النظام البائد. حدّثوهم عن أساليب النضال التي انتهجها الشعب الإيرانيّ، فحقّق ما حقّق بمشيئة الله تبارك وتعالى، وإنّ هذه الانتصارات في تنامٍ مستمرّ ولله الحمد.

* البداية كانت من الصفر
لقد كان كلّ شيء مهدّداً، وقد وصل الكبت إلى درجة لم تستطع المرأة أن تقول لزوجها ولا الزوج لزوجته كلمة تعارض النظام. لقد بدأنا من الصفر، فاستفاق الناس من غفلتهم، وشيئاً فشيئاً تنامى الاعتراض وكبر وتحوّل إلى قبضات محكمة دون أن تكون ثمّة تشكيلات منظّمة ولا قطعة سلاح واحدة. لقد كرّس الواعون جهودهم للعمل على مدى عشرين عاماً تقريباً، وفجأةً، حدثت الثورة وحدث الانفجار. وبفضل هذه الثورة، هُزم النظام البائد الذي كان مدجّجاً بالسلاح. لقد استطعنا أن نحقّق متطلّبات البلد المستقلّ، رغم كلّ الضغوط والحصار الاقتصاديّ والعسكريّ، فلا تيأسوا من رحمة الله، فهو حاضر ناظر، وآمنوا بأنّ قدرته تعالى فاعلة في كلّ مكان. ولا تخشوا قلّة العدّة والعدد، فالله تبارك وتعالى يساعدكم، وإذا ما نصرتموه فإنّه سبحانه قد وعدكم بالنصر(1).

* ما هي مسؤوليّتنا؟
أمريكا لا تعبأ بالأديان، حتّى أنّها لا تفكّر بمصالح الأميركيّين، وإنّما بمصالحها كإدارة فقط، وقد أضرمت النيران في العالم بأسره وتعمل على تأجيجها باستمرار. إنّ الحكومات الخانعة توفّر لأمريكا قواعد لجيوشها في البلدان الإسلاميّة، وكلّ ذلك من أجل إرعاب لبنان وإيران. فكيف ينبغي للمسلمين أن يتعاملوا مع أمثال هذه الحكومات وهؤلاء الحكّام؟ هل يجب أن يتفرّجوا بصمت؟ فلو كان فكّر الإيرانيّون على طريقة: “ما شأني أنا بكلّ ما يحصل ولأنشغل برزقي”، فالله العالم ما كان سيحلّ بالإسلام في هذا البلد على يد نظام الطاغية الفاسد.

* نحن شيعة المضحّين الأوائل
لقد منّ الله تبارك وتعالى بقدراته الغيبيّة على هذا الشعب ليصبح هؤلاء الشباب رجالاً ينهجون نهج العارفين بالله، ويضحّون من أجله تبارك وتعالى، ويسترخصون كلّ شيء في سبيله، فيحثّ الآباء والأمّهات أبناءهم على التضحية والفداء. وبفضل هذه التضحيات، وفقداننا الكثير من أعزّتنا وشبابنا الأعزّاء وتحمّلنا خسائر فادحة، استطعنا أن نصون الإسلام العزيز ونعيده إلى واقع الحياة. ولا شكّ في أنّ ديننا يستحقّ أن يضحّى بكلّ شيء من أجله، مثلما فعل أولياء الله، حيث ضحّى النبيّ محمّد صلى الله عليه وآله وسلم بكلّ ما لديه في سبيله، وضحّى الإمام الحسين عليه السلام بنفسه وأهل بيته وأصحابه من أجله. ونحن أيضاً علينا أن نقتدي بهم. فنحن أمّة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وشيعة هؤلاء الذين ضحّوا في صدر الإسلام.

على الشعوب أن تنهض، وإذا كانت تفكّر بأن يأتي الآخرون ويخلّصوها من محنتها، فهي مخطئة. ولكن إذا ما لجأت إلى الله تبارك وتعالى وعملت بواجباتها بالاتّكال عليه وسخّرت طاقاتها من أجل الإسلام، فإنّ الله تبارك وتعالى سيدلّها على سبيل الخلاص، كما حصل في هذه الثورة المباركة.

*من خطاب للإمام الخميني قدس سره ألقاه بتاريخ 26 ربيع الثاني 1403هـ.ق‏.
(1) إشارة إلى قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ﴾ (محمد: 7)

نعم الله تعالى بحسب القرآن الكريم منوعة منها مادية ومنها معنوية ومنها نوع يشير إلى الحفظ من أي مكروه.

وقال الله تعالى في الآية الـ33 من سورة فاطر المباركة “يَدْخُلُونَهَا يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ” فيمنّ الله تعالى على المؤمنين الذين هجروا الدنيا ولم يهتموا بمظاهرها بأفضل الألبسة وأجمل المظاهر.

بالطبع البشر لا يستوعب الكثير من نعم الجنة لأنها وإن كانت مماثلة لنعم الله في الدنيا فإنها مختلفة في الماهية فإن الحلية التي تخصص بها العرب دون غيرهم والتاج الذي وضعه الملوك من غير العرب فهي أمور مفهومة بالنسبة لنا بقدر فهمنا الدنيوية ولكنها لن تكون كذلك في الآخرة.

ويشير البارئ عز وجل في الآية 34 من سورة فاطر المباركة إلى تمتع البشر بالنعم المادية ثم يشير إلى الطمأنينة التي منّ الله بها على البشر بعد ذلك فيقول تعالى “وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ”.

إن ذكر الصفتين “غفور” و”شكور” لله تعالى في نهاية الآية يدلّ على أن النعم الالهیة هي في الحقيقة نتيجة مغفرة الله، وثانياً، أنها أضعاف الثواب الذي يعطيه الله تعالى لعباده على أعمالهم الصالحة.

ويستطرد الله تعالى بالقول “الَّذِي أَحَلَّنَا دَارَ الْمُقَامَةِ مِنْ فَضْلِهِ لَا يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٌ وَلَا يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٌ”(فاطر / 35) فإن الرفاه قد يوجد في الدنيا ولكن الطمأنينة والراحة النفسية قد لا توجد في الدنيا وهي التي ينعم بها أهل الجنة.

إن مفردة “نَصَبٌ” في هذه الآية تعني التعب والمعاناة، ومفردة “لُغُوبٌ” تعني الضعف والعجز، وأحياناً تستخدم في الاكتئاب. نشهد حالياً أن البلدان المتقدمة والأسر الغنية تتمتع بالرفاه، ولكن الطمأنينة والراحة النفسية في هکذا بلدان وأسر قليل، وبحسب القرآن الكريم إن أهل الجنة ینعمون بالراحة التامة والطمأنينة بعيداً عن الأحزان والمعاناة.