emamian

emamian

الثلاثاء, 04 نيسان/أبريل 2023 10:48

الفرصة الذهبية في شهر رمضان المبارك

النص التالي هو مجموعة مقاطع من كتاب: «مدينة الله؛ شهر رمضان وأسرار الصيام» لسماحة الشيخ علي رضا بناهيان، وهو يتضمن مقتطفات مؤثرة من سماحته حول هذا الشهر الكريم...

ما ينبغي أن يكون شعورنا تجاه شهر رمضان؟
• طيب، إن هذا الشهر المبارك مع ما ينطوي عليه من روعة وجمال، والذي دعانا إلى ضيافة الله، وجعل الله مضيّفنا، فما ينبغي أن يكون شعورنا تجاهه؟ وبأي قلب يجب أن نستقبل رمضان؟ فمع وجود كل هذه الوعود الإلهية الرائعة في هذا الشهر، هل ينبغي أن نستقبل شهر رمضان بشوق وفرح وحسب؟ أو أن للخوف والخشية محلا في هذا البين؟

• لا شك في أن أول ما يتبادر إلى القلب هو الاغتباط بلذّة توفيق الحضور في مثل هذه الضيافة الكريمة. ولكن كلما كان الشوق مصحوبا بالخوف، سبقه الخوف في إظهار نفسه وكأنه يطلب من الإنسان أن عالج الخوف وأرح بالك منه أولاً، ثم أسرع إلى شوقك. وأنتم تعلمون جيدا أن الخوف إنما ينبثق من القلب الشائق وإن الشوق هو الذي يفرض على الإنسان الخوف من المخاوف والمخاطر وأن لابدّ من معاملتها بكلّ حكمة وعقل.

هيبة شهر رمضان
• نحن إن كنّا قد صدّقنا بالحضور بين يدي المضيّف في هذه الضيافة، وأدركنا عظمة ربّ شهر رمضان، سيعتري قلبنا الخوف ـ بلا شك ـ من سوء الأدب في هذا المجلس العظيم، مضافا إلى شعور الاغتباط بهذه الضيافة. كما أنه قبل الاستعداد للحضور في هذا الحفل العظيم، ستعترينا الرهبة من تجلّي كل هذه العظمة أمام وجودنا الحقير.

• ألم يقل الإمام السجاد (عليه السلام) في دعاء وداع شهر رمضان: «وَ[ما] أَهْیَبَكَ فِي صُدُورِ الْمُؤْمِنِینَ» [الصيفة السجادية/الدعاء45] فمن أين أتت هذه الهيبة؟ من الواضح أنها ناجمة من التقرّب إلى محضر ربّ العالمين، وإما ناشئة من أهمية مراعاة آداب شهر رمضان وأداء أعماله، لئلّا يتعدّى الضيف الأدبَ على ساحة القدس الربوبي أو على مجلس ضيافته الكريم.

• عندما كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يتحدث مع جابر بن عبد الله عن بركات شهر رمضان، عرّج على شروطه وآدابه وقال: «یَا جَابِرُ هَذَا شَهْرُ رَمَضَان مَنْ صَامَ نَهَارَهُ وَ قَامَ وِرْداً مِنْ لَیْلِهِ وَعَفَّ بَطْنُهُ وَفَرْجُهُ وَکَفَّ لِسَانَهُ خَرَجَ مِنْ ذُنُوبِهِ کَخُرُوجِهِ مِنَ الشَّهْر» فاسترّ جابر من ثمرات شهر رمضان وبشاراته وقال: «یَا رَسُولَ اللَّهِ مَا أَحْسَنَ هَذَا الْحَدِیثَ» فأجابه النبي (صلى الله عليه وآله) وقال: «یَا جَابِرُ وَ مَا أَشَدَّ هَذِهِ الشُّرُوطَ» [الکافي، ج4، ص87، باب أدب الصائم، ح 2]، ففي الواقع أراد النبي (صلى الله عليه وآله) أن يلفت نظر جابر إلى أهميّة شهر رمضان وخطره. ولا شكّ في أن النبي (صلى الله عليه وآله) يريد من أتباعه أن يكونوا في قلق مراعاة آداب شهر رمضان أكثر من البهجة والتمتع ببركات هذا الشهر وبشاراته.

عدم الاسترخاء من طبيعة مجلس الضيافة
• من شأن كلمة «الضيافة» أن تلفتنا إلى بعض أوجه الصعوبة في شهر رمضان. لأن الإنسان بطبيعة الحال لا يمكنه أن يسترخي ويكون على راحته في مجلس الضيافة ـ حتى وإن كان زاخراً بالعطايا ـ كما إذا كان في بيته، ولذلك وبسبب اقتضاءات مراعاة الأدب، يعاني من بعض القيود التي لا وجود لها في بيته. مهما كان مجلس الضيافة ممتعا ومريحا للإنسان مع ذلك لا يسعه أن يفعل كلّ شيء، وبقدر أهمية المجلس وشموخه، ينشغل الإنسان عن راحته بالانتفاع من هذا المجلس.

الخوف من فقد فرصة شهر رمضان الذهبية
• أليس شهر رمضان فرصة ذهبية؟ أولسنا بحاجة وشوق شديدين إلى هذه الفرصة؟ إذن لابدّ أن نخشى ذهاب هذه الفرصة وعدم انتفاعنا بها. كلما كانت هذه الضيافة أعزّ علينا يزداد خوفنا من ضياعها وتعترينا الهواجس والأسئلة أن: هل سأنتفع بشهر رمضان بأفضل انتفاع؟ أم سأكون في شهر رمضان المبارك من زمرة الذين لا يكون نصيبهم فيه سوى الجوع والعطش؟ وهل ستلبّى احتياجاتنا الكثيرة في هذا الشهر؟... وغيرها من الأسئلة الكثيرة التي تتبادر إلاّ إلى المشتاقين وأولي الهمم العالية. إلا اللهمّ إذا كنّا مُتخَمين بالنعم المعنوية وأصبحنا غير مضطرّين إلى المزيد منها وأصبح شهر رمضان لنا شهر نزهة وتبديل جوّ فعند ذلك سنكون بغنى من هذا القلق. فإن هذا الكلام من السخافة والتفاهة بمكان بحيث لا يستحقّ الاعتناء. إذ عندما نرى أولياء الله يلتمسون ويتضرّعون إلى الله من أجل كسب ذرة من عنايات الله سبحانه، والحال أن كسب رضا الله ليس بأمر عسير عليهم، فتكليف باقي الناس معلوم.

• ولكن من باب ذكر شيء في هذا المقام، أقول إن حالنا لا يخلو من حالين؛ فإما لسنا من أهل العرفان والعبادة، فعند ذلك من الواضح أن سنكون مضطرّين ومحتاجين، وإن لم نشعر بذلك نحن. وإن كنّا من أهل ذلك، فمن المؤكد أن قد أصبحنا من المحبين إلى مناجاة الله واكتساب عنايته بحيث نصبح متعطّشين إلى نيل المزيد من ألطاف الله ورحمته.

• فإذن اسمحوا أن نستعرض عبر عبارات واضحة هواجسنا وعواملها:

هواجس الدخول

1ـ نقصان ما ننجزه من عمل
• أولا يودّ الصالحون من الناس أن ينجزوا جميع أفعالهم بشكل جيّد. فإذا أنجزوا فعلا ما لا يحبون أن يكون ناقصا ومليئا بالعيوب. ورمضان كل سنة عبارة عن فعل وأثر نتركه في عالم الوجود، ونحن سوف نواجه هذا الإنجاز يوم القيامة. وحتى إن أنجزت أشهر رمضان القادمة بشكل جيّد لا تعوّض عن نواقص شهر رمضان الحاضر. فلكلٍّ علامة وسمة مستقلّة. الخوف من عدم إنجاز شهر رمضان بالمستوى المطلوب هو شيء متعارف لدى هؤلاء.

2ـ أن يكون مستوى أوج ارتفاعنا منخفضًا
• ثم إذا كان شهر رمضان أوج صلاحنا وحسننا، وعادة ما لن نحصل على حالة أفضل مما كنا نعيشها في شهر رمضان، وبطبيعة الحال كل درجة سوف نحصل عليها في شهر رمضان، سنحصل على أقلّ منها في غيره من الشهور، فهذه الحقيقة مما تبعث خوفا في نفوس أولي الهمم العالية خشية من أن يكون مستوى أوج تحليقهم وأوج إنسانيّتهم منخفضًا مما يأباه بعد النظر وعلوّ الهمّة.

3ـ عدم مراعاة حرمة شهر رمضان
• كلما ازداد شهر رمضان قدسية ورفعة لدى محبي الله، تصبح أهمية مراعاة حرمة هذا الشهر ومعرفة قدره مدعاة لخوفهم. طبعا لكل من هذه الهواجس طعم خاص. وإن بعض هذه الهواجس كهذا الخوف ليس بمرّ ولا مكروه بل حلو وممتع. وهذا الشعور يشبه بشعور العاشق الذي يخاف على هدية حبيبه، فهو يحافظ عليها بشدّة خشية إصابتها بصدمة.

4ـ الشقاء
• المفترض في شهر رمضان هو أن تشملنا المغفرة الإلهية، وإنها من الأهمية بمكان بحيث قال رسول الله(صلى الله عليه وآله):«فَإِنَّ الشَّقِيَ مَنْ حُرِمَ غُفْرَانَ اللَّهِ فِي هَذَا الشَّهْرِ الْعَظِیمِ» [عيون أخبار الرضا/ج1/ص295] أليس هذا يكفي لخوفنا من عدم الغفران، وعدم العفو والتكفير عن سيئاتنا وأن نخرج من شهر رمضان بنفس مساوئنا؟ وليت شعري أين تطهّر هذه الأقذار إن لم تطهّرها عين رمضان؟

5ـ قبول العمل
• إن كان المفترض هو أن يكون شهر رمضان شهر عبادتنا وأن تعرض طاعاتنا وعباداتنا على محضر إله العالمين سبحانه وتعالى، أليست عظمة مقام ربوبيّته وأبهته مدعاة لخوفنا من قلة قيمة أعمالنا؟ أ وليس من شأن علوّ مرتبة بارئ الخلق سبحانه وتعالى أن ترتجف قلوب عباده خوفا من عدم قبول عملهم؟!

لماذا لم يهتمّ البعض لقبول أعمالهم؟
• ترى بعض الناس إذا قاموا بعبادة ما مثل الصلاة، لا يهتمّون بعد بأنه هل رضي الله بهذه الصلاة أم لا؟ وهل رضي بصوم شهر رمضان هذا أم لا؟ مع أنهم يحملون مثل هذا الهمّ والقلق لكثير من قضايا حياتهم الأخرى. كأنهم يطلبون الله، وقد سمعوا منه كلاما شديدا اضطرهم إلى القيام بهذه العبادة، وكأنهم يرون أن هذه العبادة على علّاتها كافية وزائدة على من أمرهم بها!

• هم لا يعلمون أن الله ينظر إلى مشاعر عباده، فإذا كان أحد غير مهتمّ لقبول عمله، فهو في الواقع يقوم بأعماله كرها. ولا قيمة لهذا العمل عند الله بعد.

• ما قيمة عبادات العبد عند الله، إذا رأى عبده يرمي عباداته صوب ربه بغير مبالاة وهو غير مهتمّ لوصولها إلى الهدف وقبولها من قبل المعبود، والحال أن المهمّ لدى الله قبل العمل وبعد العمل وفي أثناء العمل هو العبد نفسه وإقباله إلى الله وقلبه العاشق لربّه. ومن هنا ترى کم من صائم ليس له من صيام شهر رمضان إلا الجوع والظمأ.

• مثل الأجير الذي فرضوا عليه حرث الأرض. فبعد أن حرث الأرض كرها لا ينظر إلى عين صاحب العمل باحثا عن رضاه، بل ينظر إلى يده ليستلم أجره. وإن كان لا يتوقّع الأجر وكان يعتبر صاحب العمل ظالما لا يؤجره بشيء، فسوف يرمي المسحاة أمام رجله ويذهب.

• هل تعلمون متى نكون غير مبالين بنتيجة أعمالنا ولا يعترينا القلق من أن هل سينال عملنا رضى الله أم لا؟ أضرب مثالا قاسيا مع طلب المعذرة، لأنه بمنزلة الضربة القاضية لمن يريد أن يكون مقاوما لهذا الكلام ولا يتأثر.

• إن دخل على بيتنا فقير مسكين، وأردنا أن نعطيه طعاما، فبما أن شخصية هذا الفقير غير مهمّة لدينا، وكنا بصدد تقديم بعض فضائل الطعام له، عند ذلك لا نهتمّ بثمن الإناء الذي نصبّ الطعام فيه، وبأنه هل سيعجبه الإناء أم لا. ولا سيّما إن كنّا قد أعطيناه الطعام مع الإناء ولم نتوقّع منه إرجاعه. فنحن في هذا المقام غير مهتمّين باستحسان الفقير عملَنا وأسلوبَ ضيافتنا، بل نريد أن نعطيه شيئا ليذهب ويبتعد.

• لا شك في أن الخروج من هذه الهواجس وغيرها التي لم نحصها، لا يمكن إلا بمدد ربّ العالمين. كما أن الدخول في وادي الخوف إنما يتحقق عبر حبّ المعبود ومعرفته.

• يا له من إنسان رفيع الهمّة والنظر، وهو ذاك العبد الذي يقلق لنتيجة عمله وآخر فعله منذ البداية، ويردد هذا الدعاء القرآني بمشاعر مزيجة من الخوف المصحوب بالعشق والمعرفة منذ دخوله في شهر رمضان: «وَقُل رَبِّ اَدخِلنِي مُدخَلَ صِدقٍ وَ اَخرِجنِي مُخرَجَ صِدقٍ وَ اجعَل لِي مِن لَدُنكَ سُلطَاناً نَصِیراً» [الإسراء/80]


سماحة الشيخ علي رضا بناهيان

الثلاثاء, 04 نيسان/أبريل 2023 10:47

عشر صفات سبب للمغفرة

الرجل والمرأة في الآيات

(إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا).(سورة الاحزاب).

تفسير
المسلمين:
الّذين استسلموا لأمر الله وانقادوا له.
المؤمنين: المصدِّقين رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)فيما أتاهم به من عند الله تعالى.

ذكر سبحانه في هذه الآية عشر خصال تسبّب المغفرة والعفو عن الزلاّت للموصوفين بها:

1 و 2: (إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ):ربّما يقال بأنّ المراد من الإسلام هو التسليم لساناً لا جَناناً، كما أنّ المراد من الإيمان هو التصديق قلباً، يقول العلاّمة الطباطبائي: إنّ الإسلام هو تسليم الدين حسب العمل وظاهر الجوارح، والإيمان أمر قلبي، ثم إنّ الإيمان الذي هو أمر قلبي، اعتقاد وإذعان باطن، بحيث يترتّب عليه العمل بالجوارح. الميزان في تفسير القرآن: 16 / 314. ويُريد رحمه الله تعالى بهذا الكلام وجود التسليمين معاً، أي التسليم لساناً، والتسليم اعتقاداً.

(3) وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَات :أي العابدين والعابدات والمطيعين والمطيعات. ومن المعلوم أنّ العبادة والطاعة من آثار الإيمان والتصديق، وبما أنّ الآية بصدد التكريم فالمراد الملازمة مع العبادة والطاعة، لا مجرّد التلبّس بهما ولو مرّة واحدة.

(4 )وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ: في النيّة والقول والعمل والوعد. والصدق ركن الاستقامة والصلاح، وسبب الفوز والفلاح، قال تعالى: (هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا المائدة: 119 .

(5)وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ: يتلبّسون بالصبر على الطاعة والصبر عن المعصية والصبر عند النائبة. قال الإمام علي عليه السلام): «والصَّبْرَ مِنَ الاْيمَانِ كَالرَّأْسِ مِنَ الْجَسَدِ، وَلاَ خَيْرَ فِي جَسَد لاَ رَأْسَ مَعَهُ، وَلاَ فِي إِيمَان لاَ صَبْرَ مَعَهُ/ نهج البلاغة: قصار الحكم، برقم 82 . وقال الإمام الصادق (عليه السلام): «اصبروا على طاعة الله، وتصبّروا عن معصيته، فإنّما الدنيا ساعة، فما مضى فلست تجد له سروراً ولا حزناً، وما لم يأتِ فلست تعرفه، فاصبر على تلك الساعة، فكأنّك قد اغتبطْتَ الوافي: 3 / 63 .

(6) وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ: بالتذلّل باطناً، والخضوع هو التواضع ظاهراً بالجوارح.

(7)وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ : مَن يبذلون المال للفقراء ويُخرجون الصدقات تقرّباً إلى الله سبحانه. (والصدقة في اصطلاح الأحاديث والأخبار تطلق على معنيين: الصدقة الواجبة كالزكاة، والصدقة المستحبّة كالتي تُعطى إلى السائل مثلاً. وإذا ما كان الإنسان مخلصاً زكياً صادق التعامل مع الله وبعيداً عن رئاء الناس، فإنّ صدقاته مقبولة مرضية سواء دفعها سرّاً أم علناً، فلكلّ حال منهما مبرّراته ومسوّغاته المشروعة، فصدقة السرّ تطفئ غضب الربّ تبارك وتعالى، وصدقة العلانية تدفع ميتة السوء ومصارع الهوان، وقد تضافرت الروايات حول ذلك ، كما صحّح القرآن أصل الإنفاق سرّاً وعلناً، بيد أنّه ـ بصورة عامّة ـ صدقة السرّ أفضل الصدقتين.

(8)وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ : والصوم رياضة بدنية وروحية تقوّي في الإنسان ملكة ترك المعاصي والمحارم.

(9)وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ: يحفظون الفروج عمّا حرّم الله، وليس المراد ترك التزوّج والرهبانية، لأنّه مذموم، كما سيوافيك في سورة الحديد اية 27.

(10)وَالذَّاكِرِينَ اللهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ: والظاهر أنّه من الذُّكر ـ بضم الفاء ـ والمراد من يذكر الله قياماً وقعوداً وعلى عامّة الأحوال ففيه حياة القلوب.

وهذه الخصال العشر، هي الّتي تسبب شمول رحمة الله ومغفرته كما يقول: (أَعَدَّ اللهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيًما)


* اية الله جعفر السبحاني ، تفسير منية الطالبين

تشهد الأيام الحالية تغيرات اقتصادية عالمية كبيرة ، فمن جهة تنهار البنوك الامريكية والغربية حاليا وزيادة المظاهرات والتوترات الاجتماعية بما يذكر بالأزمة الاقتصادية المالية سنة /2008/ وتداعياتها الدولية الكبيرة والتي انطلقت من الغرب وخاصة التحالف (الانغلو سيكسوني أي الامريكي ) وغيرها البريطاني، وبنفس الوقت تسعى روسيا و الصين ومعهما ايران وسورية وكوريا وكوبا وفنزويلا )  وغيرها لتعزيز علاقاتها  وتجاوز العقوبات الغربية المفروضة عليها.

 

وتتلاقى مصلحة هذه الدول في التخلص من الغطرسة الغربية ونفاقها السياسي والاقتصادي، واستقرار الاقتصاد العالمي يتطلب بناء نظام عالمي اقتصادي جديد ويساعد في ذلك أن ( روسيا والصين) دولتان نوويتان وقويتان ودائمتا العضوية في مجلس الامن ومتفوقان في المجال العسكري والاقتصادي وتتوطد علاقاتهما مع دول العالم وتزداد عملتهما قوة على الساحة العالمية بشكل نسبي ، وهما عضوان في العديد من المنظمات الدولية مثل (مجموعة بريكس ومنظمة شنغهاي ) ويتوجهان الان لتقوية ( الاتحاد الأوراسي ).

وستزداد هذه التوجهات قوة بعد لقاء القمة الذي جمع الرئيسان الروسي فلاديمير بوتين ) والصيني ( شين جين بينغ ) بتاريخ 20/3/2023 لمدة /3/ أيام وهي أول زيارة له بعد انتخابه رئيسا ولولاية ثالثة ، ولكن سيق اللقاء /40/ لقاء سابق بين الزعيمين ، وتم توقيع اتفاقيات اقتصادية حتى سنة /2030/ بحيث تزداد ( التجارة البينية بينهما ) ويتجاوزان سنة /2023 / ماتم تحقيقه سنة /2022/ حيث بلغ حجم التبادل التجاري بينهما بحدود /196/ مليار دولار لصالح روسيا / 114/ مليار وللصين / 76/ ، لكن بعد الزيارة ستتغير الأمور حيث حظيت الأمور الاقتصادية بأهمية كبيرة ، فقد وقع الرئيسان على اتفاقية تطوير خط نقل الغاز من روسيا إلى الصين المتفق عليها سنة /2019 / والمتضمنة تطوير خط الغاز من روسيا إلى الصين عبر منغوليا بطول /3000/ كلم والصفقة لمدة /30/ عام وبقيمة /400/ مليار دولار عبر منغوليا وبمشروع عملاق هو ( باور أوف سيبريا ) والذي سينقل /50/ مليار م3 من الغاز.

وتصدر حاليا روسيا من النفط الى الصين بحدود /1،9/ مليون طن وأكد الرئيس الروسي أنه بحلول /2030/ ستؤمن روسيا إلى الصين بحدود /98/ مليار م3، إضافة إلى معدات عسكرية من أنظمة انزار وصواريخ S400 و غيرها ، وبالتالي فإن التعامل بعملاتهما المحلية سيزيد من تجارتهما البينية حيث تتوجه روسيا لزياد الاعتماد على العملة الصينية على حساب الدولار واليورو بدليل أن الوان في بداية سنة /2022/ كان يشكل /4%/ من ولكنه ارتفع إلى /13%/ في نهايتها ونسبة /16%/ من المستوردات وأكثر من /50%/ من قيمة الأصول الروسية ، وبراينا ستزداد المستوردات الروسية من الصين وخاصة ان الصين صدرت السنة الماضية بقيمة /3600/ مليار دولار كا نصيب روسيا منه فقط بحدود /2%/ أ ما الصين فهي الوجهة الأولى للصادرات الروسية ، وبالتالي فالظروف الموضوعية تساعد في زيادة التكامل بينهما وعلى كل الأصعدة الاقتصادية والعسكرية والسياسية وغيرها، ومن هنا نتفهم دعوة الرئيس الروسي للشركات الصيني بأن تحل مباشرة محل الشركات الغربية التي خرجت من السوق الروسية.

ومن خلال متابعتنا لما كتب عن اللقاء وتداعيات القمة وجدنا انزعاجا غربيا قبل نهاية الزيارة وعبر عنه ( جون كيربي ) الناطق باسم مجلس الامن القومي الأميركي واعتبرها انها تشكل عقبة كبيرة امام السلم العالمي ؟!، ونسي أن الرئيس الصيني تقدم بمبادرة لوقف الحرب بين ( روسيا والناتو ) على الأرض الأوكرانية وأكد الرئيس الروسي أنه يدرسها مرحبا بها بل أدانتها أمريكا مباشرة وقبل ان يكشف عن مضمونها ، ونسي أو تناسى أن التعاون بين القطبين الشرقيين ( روسيا والصين ) قائم على اعتبارات اقتصادية بالدرجة الأساسية والصين تتمدد في العالم بقوتها الاقتصادية بينما أمريكا تتمدد بقواعدها العسكرية الخارجية والتي تزيد عن /860/ قاعدة خارج حدودها وأخرها في ( بولونيا ) بهدف تاجيج الحرب الروسية الناتوية ، ولم تخف دول الناتو من انزعاجها من التوسع ( الروسي - الصيني ) في العديد من القارات وتوجههما لبناء مشاريع استثمارية على مبدأ ( رابح - رابح ) وتمكن الصين من ان تتحول إلى مارد سياسي بعد أن أصبحت ماردا اقتصاديا وخاصة انها رعت الكثير من الاتفاقيات الدولية وأخيرا الاتفاق بين ( السعودية وايران ) وهذا يمهد لتتقدم بمبادرات دولية أخرى.

وتعرف كل من الصين وروسيا وايران ان تمدد حلف ( الناتو NATo ) شرقا هو لمحاصرتها وخاصة عن طريق ( البحر الأبيض المتوسط ) فهل تتوجه استثمارات هذه الدول وغيرها إلى سورية حليفتهم الأساسية وهي عانت وتعاني من الناتو وأتباعه ، وهذه الدول وقفت مع سيادة واستقلال سورية وتسخير الثروة السورية لمصلحة الشعب السوري وتطالب هذه الدول بطرد المحتل الأمريكي والمتعاملين معه من على الأرض السورية ، وقوة سورية بقوتها الاقتصادية وبموقعها الجيوسياسي وتمسكها بتطبيق الشرعية الدولية وميثاق الأمم المتحدة ، ومن هنا كان تركيز الرئيسين الروسي والصيني وايران ومنظمة شنغهاي والبريكس وغيرها على إدانة الاحتلال الأمريكي ، وأصبح واضحا أن العالم بدأ يرفض الهيمنة الغربية المرسخة لتركيز رأس المال المالي العالمي على حساب التهميش الاجتماعي الدولي ، وتستخدم ترسيخ استخدام القوة الاقتصادية والعسكرية ، لكن الأن تغيرت الأمور وقد أوضح ذلك السيد الرئيس ( بشار الأسد ) إلى روسيا والرئيس الإيراني إلى ( الصين ) على ان تحقيق التوازن الاستراتيجي ضروري لمنع الحرب وتحقيق الاستقرار الدولي ، وأخيرا نسأل هل ستقبل الدول الغربية دول الاستعمار القديم والجديد ظهور قوى منافسة وقد تصبح اقوى قريبا ؟ أم أنها كعادتها ستقوم ( بتصنيع الحروب وزيادة التوترات والصراعات وبما يخدم مصالحها فقط ) هذا ما ستجاوب عنه الأيام القادمة ، ولكن أثبتت التجارب أن منع الحرب يتطلب الاستعداد لها والتغيرات الدولية تنبؤ بسيئ قادم لم تكتمل معالمه بعد لكن قد يكون أسوأ ونرجو ان يكون استنتاجنا خاطئا وخاصة ان العالم يشهد مخاض فكيف سيكون المولود ؟.

*حيان أحمد سلمان

وجاء ذلك في رسالة وجهها سفير ومندوب ايران الدائم لدى الأمم المتحدة، يوم الاثنين ، إلى رئيس مجلس الأمن والأمين العام للمنظمة ردا على رسالة اميركا الأخيرة ومزاعمها التي لا أساس لها من الصحة ضد جمهورية إيران الإسلامية في سوريا.

وصرح ايرواني في رسالته: أن الجمهورية الإسلامية الإيرانية اذ ترفض رفضًا قاطعًا اتهامات اميركا الباطلة في سوريا، تدين بشدة الهجمات العسكرية غير المشروعة التي شنتها القوات الأمريكية على البنية التحتية المدنية في سوريا في 23 آذار / مارس 2023، والتي أسفرت عن مقتل مدنيين أبرياء وإلحاق أضرار جسيمة بالبنية التحتية في سوريا. يجب على أمريكا أن تتحمل مسؤوليتها عن ارتكاب مثل هذه الجريمة النكراء التي انتهكت السيادة الوطنية وسلامة أراضي سوريا وميثاق الأمم المتحدة والقوانين الأساسية للقانون الإنساني الدولي.

وقال إيرواني: على أمريكا القبول بأن استمرار نهب الثروات السورية ، والاحتلال المستمر للأراضي السورية ، ودعمها للانفصاليين، تعد السبب الاساس في مواجهة الشعب السوري للقوات العسكرية الأمريكية. لا يمكن لأمريكا أن تلقي على الآخرين مسؤولية أخطائها وجرائمها.

وأوضح: إن الحكومة السورية صرحت مرارًا وتكرارًا أن وجود القوات الأمريكية على أراضي هذا البلد غير قانوني وانتهاك للسيادة الوطنية وسلامة أراضي سوريا. طلبت الحكومة السورية مرارًا وتكرارًا من اميركا إنهاء احتلالها ووجودها غير القانوني في سوريا.

وصرح سفير إيران لدى الأمم المتحدة: إن إشارة أمريكا إلى حق الدفاع عن النفس وفقًا للمادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة لتبرير هجماتها المسلحة على البنية التحتية المدنية في سوريا ما هي إلا تفسير تعسفي وغير صحيح للمادة 51 من قانون الأمم المتحدة ولا يمكن الدفاع عنه وباطل ويفتقر إلى أي سند قانوني.

وأضاف: على أمريكا أن توقف أعمالها غير القانونية ، وأن تنهي احتلالها غير الشرعي ، وأن تفي بالتزاماتها القانونية الدولية ، بما في ذلك قرارات مجلس الأمن ذات الصلة ، والتي تطالب جميع الدول الأعضاء باحترام السيادة الوطنية والاستقلال ووحدة أراضي سوريا. هذا الامر يصب في مصلحة السلم والأمن الإقليميين والدوليين.

وأكد إيرواني: إن جمهورية إيران الإسلامية تؤكد مرة أخرى التزامها القوي بالسيادة الوطنية لسوريا وسلامة أراضيها ووحدتها واستقلالها السياسي. إن وجود إيران في سوريا قانوني تمامًا ويستند إلى طلب رسمي وموافقة الحكومة السورية للمساعدة والدعم في مكافحة الإرهاب.

وحذر المندوب الدائم لإيران لدى الأمم المتحدة: ان جمهورية إيران الإسلامية تحتفظ بحقها الطبيعي في الدفاع عن نفسها بناءً على القوانين الدولية واتخاذ تدابير حاسمة لحماية قواتها ومصالحها ومنشآتها من أي تهديد أو عمل غير قانوني تقوم به اميركا أو غيرها.

الثلاثاء, 04 نيسان/أبريل 2023 08:11

'قيس سعيّد' يوجّه بتعيين سفير لتونس في دمشق

جاء ذلك أمس الاثنين، خلال استقبال قيس سعيد بقصر قرطاج وزير الخارجية نبيل عمار، مؤكدا خلال اللقاء على "ضرورة التمسك بمبادئ السياسة الخارجية للدبلوماسية التونسية، ومن أهمها عدم الانخراط في أي محور واستقلال القرار الوطني"، بحسب بيان للرئاسة التونسية.

وشدد سعيّد على أن "مواقف تونس في الخارج تنبع من إرادة شعبها في الداخل".

وشهدت العلاقات بين سوريا وتونس تطورات باتجاه التقارب والإعلان عن نيّة تونسية باستعادة العلاقات الدبلوماسية، المقطوعة بين الجانبين منذ عهد الرئيس التونسي الأسبق المنصف المرزوقي في عام 2012، خصوصاً عبر بوابة الزلزال الذي ضرب الشمال السوري الشهر الماضي.

وفي 5 مارس/آذار الماضي، أجرى وزير الخارجية السوري فيصل المقداد اتصالاً هاتفياً بوزير خارجية تونس نبيل عمار، لبحث عودة العلاقات بين الطرفين.

الخميس, 30 آذار/مارس 2023 07:32

من ثمار شهر رمضان المبارك

في شهر رمضان المبارك تمكّن الكثير من الناس أن ينالوا ثماراً ونتاجات كثيرة، ثماراً سيكون لها بركات لا لسنتهم الآتية فحسب، بل في بعض الأحيان لكلّ عمرهم. فبعضهم نال حالة الأُنس مع القرآن واستفاد من معارفه وتدبّر فيه، وبعضٌ جعلوا الأُنس والمناجاة مع الله في هذا الشهر سيرتهم ومنهاج حياتهم ونوّروا قلوبهم بذلك.
 
صام الناس، وبواسطة الصيام حقّقوا في أنفسهم صفاءً حيث سيكون لهذا الصفاء وهذه النورانيّة والأُنس بركات كثيرة في الحياة الفرديّة والاجتماعيّة. فهذا الصفاء النفسانيّ يُعطي الإنسان حُسن الفكر وتطهير النفس من الحسد والبخل والكبر والشهوات. الصفاء في نفس الإنسان يجعل بيئة المجتمع بيئة آمنة وأمينة على المستوى الروحي والمعنوي، يُقرّب القلوب ويجعل المؤمنين يتراحمون مع بعضهم بعضاً ويزداد التعاطف والتراحم بين أبناء المجتمع الإيماني. كلّ هذه هي ثمار شهر رمضان المبارك للنّاس الفائزين والسعداء.

الثمرة الأساس الأخرى لهذا الشهر هي التقوى، حيث قال: ﴿لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾1، "اليد التي تمسك بزمامه وعنانه"، هذا هو معنى التقوى. فأحياناً، نمسك بعنان الآخرين جيّداً، لو استطعنا أن نمسك بعناننا ونمنع أنفسنا من الجموح والسَبُعية ومن تجاوز الخطوط الإلهية الحمراء، فهذه مهارة كبرى. التقوى تعني مراقبة النفس من أجل الحركة على الصراط الإلهيّ المستقيم، وتحصيل العلم والمعرفة والبصيرة، والتحرّك على أساس العلم والمعرفة والبصيرة.
 
ولحسن الحظّ كان لمجتمعنا في شهر رمضان الكثير من هؤلاء الأفراد السعداء الذين تمكّنوا من كسب هذه البركات. يمكن القول إنّ الصورة الغالبة عن بلدنا وشعبنا بحمد الله هي مثل هذه. ففي المجالس المختلفة، في مجالس الذكر والدعاء، ومجالس تلاوة القرآن في ليالي القدر، في المراسم المختلفة كما كنّا نتابع أخبارها ورأينا مشاهدها وصورها واطّلعنا فإنّ شبابنا، نساءً ورجالاً من الشرائح المختلفة والفئات المتعدّدة في مجتمعنا، اجتمعوا كلّهم على اختلاف سلائقهم وتوجّهاتهم حول سفرة هذه الضيافة الإلهية في شهر رمضان المبارك ونالوا فيضاً.
 
قال الشاعر يوماً: "اليد التي تمسك بعنانه ليست موجودة اليوم في كمّ أحد"، لكن في زماننا فإنّ الأيدي التي تُمسك بعنانها ليست قليلة. فهذا المجتمع المتشكّل من شباب البلد، وهذه الشريحة للجيل اليافع الفاعل والنشيط في بلادنا تتحرّك على الطريق الصحيح وتتمرّن على التقوى، فإنّ هذا بالنسبة لمستقبل بلدنا وأُمّتنا الإسلاميّة بشارة كبرى.

ما هو ضروريّ هو أن نحفظ هذه النتاجات وهذه الثمار، وأن لا ندع صاعقة الذنوب تُحرق هذا الحصاد القيّم وتقضي عليه. أن نحفظ طريق الله وسبيل التوجّه وصراط صفاء النفس والأُنس بالقرآن والحفاظ على علاقتنا بالله والتوجّه القلبيّ إليه ومخاطبته في أنفسنا. لو أنّكم تحدّثتم مع الله، فإنّ الله يتحدّث معكم، ﴿فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ﴾2.

الإمام الخامنئي (دام ظله) ،الزمان: 1/10/1432ﻫ.ق.،  31/08/2011م.


1- سورة الأنعام، الآية 153.
2- سورة البقرة، الآية 152.

الخميس, 30 آذار/مارس 2023 07:27

الآثار الطيبة للتمسك بالقرآن

القرآن الكريم كلام الله وللتمسّك بكلامه آثار طيّبة ومتنوّعة منها:

1- الهداية من الضلالة:
القرآن الكريم مظهر هداية الله، وسرّ النجاة من الضلالة: ﴿إِنَّ هذَا القرآن يَهْدي لِلَّتي‏ هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنينَ الَّذينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً كَبيرا﴾[1]. وعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "إنّي تارك فيكم الثقلين ما إنْ تمسكتم بهما لن تضلُّوا كتاب الله وعترتي أَهل بيتي وإنَّهما لن يفترقا حتَّى يردا عليَّ الحوض"[2].
 
2- الارتقاء في مراتب الآخرة:
كلُّ آيةٍ من آيات القرآن الكريم تُمثِّلُ درجةً من درجات الجنَّة، وكلَّما تحقَّقَ الإنسانُ بآيةٍ من آيات الكتاب الإلهيّ، كلَّما ارتقى في مراتب الجنَّة. فعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: "عدد درج الجنَّة عدد آيات القرآن، فإذا دخل صاحب القرآن الجنَّة قيل له، اقرأ وارق لكلِّ آية درجة فلا تكون فوق حافظ القرآن درجة"[3].
 
3- الشِّفاءُ:
القرآن هو الشافي الحقيقي لأمراض النفوس المزيل لأمراض القلوب، وهو إكسيرُ السعادة في الدَّارين. فمن أراد أنْ يُطهِّر باطنه من الأمراض والرذائل الأخلاقية والذُّنوب الممحقة ما عليه سوى التَّمسك بهذا النور الإلهيّ. قال تعالى: ﴿وَنُنَزِّلُ مِنَ القرآن ماهُوَ شِفاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنينَ وَلا يَزيدُ الظَّالِمينَ إِلاَّ خَسارا﴾[4]
 
وعن أمير المؤمنين  عليه السلام في خطبة له قال: "واعلموا أنَّه ليس على أحد بعد القرآن من فاقة ولا لأحد قبل القرآن من غنى فاستشفوه من أَدوائكم واستعينوا به على لأوائكم فإنَّ فيه شفاء من أكبر الداء وهو الكفر والنفاق والغي والضلال"[5]. وعنه  عليه السلام أيضاً قال: "وتعلّموا القرآن فإنَّه ربيع القلوب واستشفوا بنوره فإنَّه شفاء الصدور"[6].
 
4- حملته يحشرون مع الأنبياء:
من كرامة الله على حامل القرآن أنْ يرزقه ثوابَ الأنبياء ويحشره معهم، فعن النبيّ الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم قال: "إنَّ أَكرم العباد إلى الله بعد الأنبياء العلماء، ثمَّ حملةُ القرآن يخرجون من الدُّنيا كما يخرج الأنبياء ويُحشرون من قبورهم مع الأنبياء، ويمرّون على الصراط مع الأنبياء ويأخذون ثواب الأنبياء، فطوبى لطالب العلم وحامل القرآن ممّا لهم عند الله من الكرامة والشرف"[7].
 
5- النجاة من العذاب:
لأنّ الله تعالى لا يُعذِّبُ من تلبَّسَ برداء القرآن ظاهراً وباطناً، لأنّه صار مظهراً للقرآن خَلقاً وخُلقاً، ولأنّ القرآن هو الجنَّة نفسها. فعن النبيّ الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم قال: "اقرؤوا القرآن واستظهروه فإنَّ الله تعالى لا يُعذّب قلباً وعى القرآن"[8].
 
6- الخروج من الظلمات إلى النور:
فهو الكتاب السماوي الوحيد الذي يهدي إلى سبل الخير والسَّلام، وهو نور الله المتّصل بين الأرض والسماء، والصراط المستقيم الذي من سلكه نجا ومن تخلَّفَ عنه هلك: ﴿قَدْ جاءَكُمْ مِنَ اللهِ نُورٌ وَكِتابٌ مُبينٌ * يَهْدي بِهِ اللهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوانَهُ سُبُلَ السَّلام وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْديهِمْ إِلى‏ صِراطٍ مُسْتَقيم﴾[9].
 
7- الشفاعة:
من نعم الله السَّابغة على المتمسِّكِ بالقرآن الكريم، أنْ يرزقَه الشَّفاعةَ التي هي من أهمّ خصائص الأنبياء والأولياء والشُّهداء، فعن الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم قال: "من استظهر القرآن وحفظه، وأحلّ حلاله، وحرّم حرامه، أدخله الله به الجنَّة وشفَّعه في عشرة من أهل بيته كلّهم قد وجب له النَّار"[10].
 
8- الإيمان:
تجذُّر الإيمان في النفس وتكامله، هو من أهمّ الآثار المترتّبة على التمسّك الحقيقي بالقرآن الكريم: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذينَ إِذا ذُكِرَ اللهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زادَتْهُمْ إيماناً وَعَلى‏ رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ﴾[11].
 
9- الخشوع:
من المواهب السَّنـيَّة التي يهبها الله تعالى للمتحقِّق بآيات القرآن، أنْ يلين قلبه ويجعلَهُ خاشعاً من خشيته: ﴿لَوْ أَنْزَلْنا هذَا القرآن عَلى‏ جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خاشِعاً مُتَصَدِّعاً مِنْ خَشْيَةِ الله﴾[12].‏ وقال عزَّ اسمه: ﴿الله نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَديثِ كِتاباً مُتَشابِهاً مَثانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثمَّ تَلينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلى‏ ذِكْرِ الله﴾[13].
 
طلائع القلوب، جمعية المعارف الإسلامية الثقافية


[1] سورة الإسراء، الآية 9.
[2] الحر العاملي، وسائل الشيعة، ج27، ص33.
[3] الميرزا النوري، مستدرك الوسائل، ج4، ص231.
[4] سورة الإسراء، الآية 82.
[5] السيد حسين البروجردي، جامع أحاديث الشيعة، ج15، ص63.
[6] الحر العاملي، وسائل الشيعة، ج 6، ص167.
[7] الميرزا النوري، مستدرك الوسائل، ج4، ص244.
[8] م.ن، ج4، ص245.
[9] سورة المائدة، الآيتان 15 – 16.
[10] الميرزا النوري، مستدرك الوسائل، ج4، ص245.
[11] سورة الأنفال، الآية 2.
[12] سورة الحشر، الآية 21.
[13] سورة الزمر، الآية 23.

الجواب: نعم.

هو ليس معصوماً، وإن حاول أن يعصم نفسه من الزلل؛ لكنّه يرتكب الخطأ، ويقع فيه، إلّا أنّ الفارق بينه وبين مَن لا يتمتّع بشيءٍ منها، أنّه سريعُ التراجع عن خطأه فما أن يتذكَّر أنّه تحت نظر (الشاهد) و(الحاكم) معاً، حتى ينثني.. يقول تعالى في وقوع المُتّقين في الخطأ: ﴿إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ﴾ (الأعراف/ 201).. إنّ في داخل كلّ تقيّ (جهاز إنذار مبكر)!

وهذا يعني في ما يعنيه، أنّ التقوى استقامة فكرية وسلوكية وحياتية عامّة، تتخلَّلها حالات من الوهن والضعف والانتكاسات الآنية غير الملازمة وغير المزمنة أو المستديمة، هم سرعان ما يتنبَّهون لأخطائهم، ويراجعون أنفُسهم، ويلومونها ويحاسبونها، ويكثر بين أسئلتهم الناقدة سؤال: «أينَ الله؟»!

إنّ المتأمِّل في قول الإمام عليّ (ع): «أنّ المُتّقين ذهبوا بعاجل الدُّنيا وآجل الآخرة»، يرى أنّ لا تلازم بين الزُّهد وبين التقوى، وإن كانت التقوى في معنىً من معانيها، زهدٌ بالحرام، وإقلاعٌ عن الانكباب على الشهوات الممنوعة، ذلك أنّ قوله 7: «ذهبوا بعاجل الدُّنيا» يوافق منطق القرآن: ﴿وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الآخِرَةَ وَلا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا﴾ (القصص/ 77).

وبالتالي، فليس من الضرورة أن أجتنب الدُّنيا لكي أكون تقيّاً، وإنّما الاجتناب يُطال المحرَّمات والشبهات، وما عدا ذلك فإنّ تناول الطيِّبات من الرِّزق، وأخذ الزينة بكلّ معانيها، والإثراء المشروع، هو  من (التقوى) لأنّه طاعة لله تعالى في مباحاته.. ولمّا كانت مساحة الحرام ضيِّقة، ومساحة الحلال والمُباح واسعة بما لا قياس بين الاثنين، فإنّ تارك الحلال أو (مُحرِّمه) على نفسه ليس تقيّاً، لأنّه بذلك يُوسِّع دائرة (الحرمة) ودائرة (الكراهية) ذات الحدود المعلومة، ومن هنا ينشأ التكلُّف والتشديد والتحرُّج والتعسُّف والتطرُّف.

يومَ قَسَّم الإمام موسى الكاظم (ع) - في الرواية عنه - الأوقات إلى أربع ساعات، فإنّه كان قد وضع الساعة الرابعة للاستمتاع بالملذّات، قائلاً: «وساعة تخلون فيها للذَّاتِكم في غيرِ مُحرَّمٍ، وبهذهِ الساعةِ تقدرون على الثلاثِ ساعاتٍ»  وقد أراد أن يلفت عنايتنا إلى أنّ هذه الساعة من الأهميّة بمكان بحيث يمكن الاصطلاح عليها بأنّها (ساعة الساعات) طالما أنّها تُمكِّننا من أداء أعمالنا العبادية والمعاشية والمجتمعية بيُسر وسهولة وانشراح صدر.. وفي قول آخر للإمام عليّ (ع): «إنّ هذه القلوبَ تملُّ كما تملُّ الأبدان، فابتغُوا لها طَرَائف الحِكم» ، والطريف: الجديد.

وكما يُطاعُ الله تعالى في (عزائمه) فرائضه وواجباته، وتكاليفه ومسؤولياته، يُطاعُ كذلك في (رُخَصه) وتخفيفاته في الأحكام، فليس من التقوى أن أُطالب بالتمام في صلاة السفر ولا بالصوم خلاله حتى مع قدرتي عليه وعدم استشعاري للمشقّة، وليس من التقوى أن أغتسل وأنا مُثخنٌ بالجروح، وليس من التقوى أن أُعاند الطبيب الذي يرى أنّ الصيام يضرُّ بصحّتي، فقط لأنّني لا أحبُّ أن يفوتني صيام الشهر، والله تعالى يُرخِّصني في آية الصيام بعدّةٍ من أيّامٍ أُخر إن كنتُ مريضاً أو على سفرٍ، وعلى ذلك فقس ما سواه.

فرقٌ بين من يتهيّأ لأمرٍ ما قبل حلوله ووقوعه، فيعدّ له عدّته، ويتهيّأ التهيّؤ اللازم لاستقباله ومواجهته، وبين مَنْ يجد نفسه فجأةً في غمار ذلك الأمر وإرباك مباغتته.

فالأوّل سيواجه الأمور مواجهةً مدروسة فاعلة إيجابيّة، تستفيد من مفرداتها كلّها، وتوظّف معطياتها كلّها بما يثري وجوده ووجود الآخرين من حوله. أمّا الثاني، فسيهجم عليه الحدث، وستقتحمه الأمور، وتتقاذفه تقلّباتها، وسيغدو محكومًا لها بعد أنْ كان متحكّمًا فيها.

وينطبق ما تقدّم على كيفيّة استقبالنا لشهر رمضان الكريم، فمَن تهيّأ لشهر الله العظيم التهيّؤ المناسب، واستقبله الاستقبال الملائم، كانت استفادته من الشهر أكبر، ومكاسبه منه أوفر، ومَن دخل عليه الشهر الكريم وهو في غيابٍ عن انتهاز عظيم الفرصة، أو كسلٍ عن الاستفادة منها، فلن يضيف إلى رصيده غير القليل، أو الحسرة على تضييع فرصة الفرص والتزوّد من المائدة الإلهيّة.

فأولياء الله تعالى يستقبلون شهر رمضان أحسن استقبال، بل يشتاقون إلى قدومه قبل مجيئه، ويودّعونه أحسن توديع، ويحزنون على فراقه قبل انقضائه.

فالعلاقة التي يعيشها أولياء الله بهذا الشهر، هي علاقة الحبيب بمحبوبه، والعاشق بمعشوقه، فهو ينتظره بلهفة وشوق لا يمكن وصفهما، ويتركه ويودّعه بوَجْدٍ ولوعة لا مثيل لهما، وإنّ سبب هذه العلاقة هي معرفة هؤلاء العظماء بحقيقة هذا الشهر وعظمته ومكانته وفوائده الجمّة، التي مهما بذل الإنسان من سعي حثيث لاستثمارها، سيشعر بالتقصير، لأنّ الحجم المعنويّ العظيم الذي ادّخره الله تعالى لعباده، قد لا يسعه هذا الوعاء الزمنيّ القصير.

ومن هذه الرؤية، تنبع أهمّيّة الحديث عن التهيئة لشهر رمضان الكريم. فالحديث عن التهيئة لشهر رمضان هو حديثٌ عن كيفيّة الاستفادة من المُنح الإلهيّة والعطايا الربّانيّة والنفحات الرحمانيّة، التي بسطها الله تعالى لعباده الفقراء، فنحن، باختصار، ضيوفٌ على مائدة الرحمن. وإذا أردنا أن نصوغ هذا الكلام بمعادلة ما، فنحن العباد الفقراء (محض الفقر)، ضيوفٌ على مائدة الغنيّ المطلق (محض الغنى)، فلو أضفنا محض الغنى على محض الفقر، فالنتيجة رحمةٌ لا متناهيةٌ.

وما نريد أن نصل إليه من خلال هذه المقدّمة، أنّ شهر رمضان هو محطّة روحيّة، ولقاء ربّانّي، على مائدة الرحمة الإلهيّة، فمن تهيّأ في ما مضى من رجب وشعبان، وقام بأداء ما ورد فيهما من طاعات بالصوم والقيام والذكر وتلاوة القرآن، فيكون قد استكمل مسيرة المائدة، وهيّأ وأعدّ واستعدّ للمائدة الكبرى، أي شهر رمضان، وإذا استقبله بالتوبة الحقيقيّة، فسيكون ذلك بمثابة بطاقة دخول للضيافة الرحمانيّة، وغاسلة للذنوب، وتهيئة لطهارة النفس، لتستعدّ لتلقّي عطاءات الله وفيوضاته النوارنيّة.

الثلاثاء, 28 آذار/مارس 2023 07:59

نافلة الليل في أسحار شهر الله

تُعتبر صلاة الليل أهمّ النوافل، فهي تمسّكٌ بأخلاق النبيين، وهي المانعة من نزول العذاب، وهي النور والأنيس في القبر، وهي التي تنفي السيئات، وتدرّ الأرزاق، غذاء القلوب، وزاد الأرواح، مناجاةٌ ودعاء، خضوع وثناء، تذلّل وبكاء، وتوسّل ورجاء، واعتصام والتجاء، وتواضع لكبرياء الله، وخضوع لعظمته، وانطراح بين يديه، وانكسار وافتقار إليه، تذلّلٌ وعبودية بين يديه، إنّها ملجأ المسلم، وملاذ المؤمن، فيها يجد البلسم الشافي، والدواء الكافي، والغذاء الوافي، إنّها خير عدّة وسلاح، وأفضل جُنَّة وكفاح، وأعظم وسيلة للصلاح والفلاح والنجاح، تنشئ في النفوس، وتذكي في الضمائر قوةً روحية، وإيمانًا راسخًا، ويقينًا عميقًا، ونورًا يُبدّد ظلمات الفتن، ويقاوم أعتى المغريات والمحن، وكم فيها من الأسرار والحكم، والمقاصد والغايات، فما أعظم الأجر، وأوفر الحظّ لمن واظب على أدائها.
 
الشرف الوضاح:
لتبيان ماهية هذا الشرف ننقل عن الإِمام جعفر بن محمد الصادق عليه السلام قوله: "ما مِن عمل حسن يعملهُ العبد إِلاَّ ولهُ ثواب في القرآن إِلاَّ صلاة الليل، فإِنَّ الله لم يُبيّن ثوابها لعظيم خطرها عنده فقال: ﴿تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ*  فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاء بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾[1].[2]
 
وفي معتبر هشام بن سالم عن أبي عبد الله عليه السلام قال: "جاء جبرائيل إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم  فقال: يا محمد، عش ما شئت فإنّك ميت، وأحبب ما شئت، فإنّك مفارقه، واعمل ما شئت، فإنّك تجزى به.. واعلم أنّ شرف الرجل قيامه بالليل، وعزّه استغناؤه عن الناس"[3].
 
وفي صحيح عبد الله بن سنان قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: "ثلاث من فخر المؤمن وزينه في الدنيا والآخرة: الصلاة في آخر الليل، ويأسه ممّا في أيدي الناس، وولايته الإمام من آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم"[4].
 
تمسُّك بأخلاق النبيّين:
وبالرغم مِن أنّنا نعلم أنّ أمير المؤمنين عليه السلام لا يترك صلاة الليل أبداً، ولكن نظراً لأهمّية هذه الصلاة فإنّ رسول الله  صلى الله عليه وآله وسلم  أوصاهُ بها في جملة مِن وصاياه لهُ، رواها حفيده الصادق عليه السلام ، فقال: كان في وصية النبي صلى الله عليه وآله وسلم لعلي عليه السلام أن قال: "يا علي، أُوصيك في نفسك بخصال احفظها عنّي، ثم قال: اللهم أعنه.. إلى أن قال.. وعليك بصلاة الليل.. وعليك بصلاة الليل.. وعليك بصلاة الليل.."[5].
 
وروي عن النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم  أنّه قال: "خيركم مَن أطابَ الكلام، وأطعم الطعام وصلّى بالليل والناس نيام"[6].

وروي عن أمير المؤمنين عليه السلام أنّه قال: "قيام الليل مصحّة للبدن، ومرضاة للرّب عزّ وجلّ، وتعرّض للرحمة، وتمسّك بأخلاق النّبيّين"[7]، وفي سيرته العطرة صلوات الله عليه لم يترك صلاة الليل قطّ حتى في ليلة الهرير[8].[9]
 
أبا حــــــســـــــــــنٍ والليل مرخٍ ســـــــــــــــــــدوله      وأنت عان لوجـــــــــــــه الله تُناجــيـــــــــــــــهِ
براك الظنا من خوفِ باريك في غدٍ      وقد أمن المغرور من خوف باريهِ
على شفتيك الذكر يطفح سلسلاً       فتنهل علاً من ســــموِّ معانيهِ

 
غفران الذنوب:
روي عن الإمام الصادق عليه السلام في قول الله عزّ وجلّ: ﴿إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ﴾[10] قال: "صلاة المؤمن باللّيل تَذهَب بما عمل من ذنب بالنّهار"[11].

روى اسحاق بن عمار أنّ الإمام الصادق عليه السلام وقف على رجلٍ يُصلّي فقال له: (يا عبدَ اللهِ أيَّ شيءٍ تُصلّي؟) فقال: "صلاة الليلِ فاتتني أقضيها بالنهارِ". فقال عليه السلام (لصاحبه) حُطَّ رَحلك حتَّى نتغدَّى مع الذي يقضي صلاةَ الليلِ. فقال: جُعلت فداكَ تروي فيه شيئاً، فقال عليه السلام: حدّثني أبي، عن آبائه، قال: قال رسول الله  صلى الله عليه وآله وسلم: "إنَّ اللهَ يُباهي بالعبدِ يقضي صلاةَ الليلِ بالنهارِ، يقول: يا ملائكتي انظروا إلى عبدي كيف يقضي ما لم أفترضْ عليه، أُشهِدُكم أنّي قدْ غفرْتُ له"[12].
 
وروي عن الصادق عليه السلام عن رسول الله  صلى الله عليه وآله وسلم  أنّه قال: "إذا قامَ العبدُ من لذيذِ مضجعِه، والنعاسُ في عينه، ليُرضي ربَّه تعالى بصلاةِ ليلِه. باهى اللهُ تعالى به الملائكةَ، وقالَ أَما ترَون عبدي هذا قد قام من لذيذِ مضجعِه لصلاةٍ لم أفترضْها عليه،اشهَدوا أنّي قد غفرتُ له"[13].
 
للمتهجـّدين بالأسحار:
صلاة الليل لها أثر كبير في ترقّي العبد وعلوّ درجاته، فإنّ انفرد مؤدّيها في جوف الليل بربّه عزّ وعلا - يشكو إليه بثّه وحزنه ويُناجيه ملحّاً عليه، متوسّلاً بسعة رحمته إليه، راجياً لاجئاً، راهباً راغباً، منيباً تائباً، معترفاً لائذاً عائذاً، لا يجد ملجأ من الله تعالى إلاّ إليه - فإنّ عوائد الله ستترادف على هذا العبد.

روى الإمام علي بن موسى الرضا عن أبيه، عن جدّه قال: سُـئل علي بن الحسين عليهم السلام: ما بال المتهجّدين بالليل من أحسن الناس وجهاً؟.. قال عليه السلام : "لأنّهم خلوا بالله، فكساهم الله من نوره"[14].
 
روى عبد الله بن سنان، أنّه سأل الصادق عليه السلام عن قول الله عزّ وجلّ: ﴿إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ﴾[15]؟ قال: "هو السهر في الصلاة"[16].
 
وروى ابن عمار عنه عليه السلام قال: "صلاة الليل تُحسّن الوجه، وتُحسّن الخلق، وتطيب الريح، وتدرّ الرزق، وتقضي الدين، وتذهب بالهمّ، وتجلو البصر"[17].
 
ولتبيان كثرة هذه الآثار الحميدة نقول روى يعقوب بن زيد، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: "كذب من زعم أنه يُصلّي صلاة الليل وهو يجوع، إنّ صلاة الليل تضمن رزق النهار"[18].

قال الإمام الصادق عليه السلام: "إنّ البيوت التي يُصلّى فيها بالليل بتلاوةِ القرآنِ تُضيءُ لأهلِ السماءِ كما تُضيءُ نجومُ السماء لأهلِ الأرض"[19].
  
قربان الأتقياء، دار المعارف الإسلامية الثقافية


[1] سورة السجدة، الآيتان 16 - 17.
[2] العلامة المجلسي، بحار الأنوار، ج 87، ص 140.
[3] الشيخ الصدوق، من لا يحضره الفقيه، ج 1، ص 472، باب ثواب صلاة الليل.
[4] ثقة الإسلام الشيخ الكليني، الكافي، ج 8، ص 234.
[5] الحُر العاملي، وسائل الشيعة، ج 4، ص 91.
[6] العلامة المجلسي، بحار الأنوار، ج 87، ص 142 - 148.
[7] م. ن.
[8] حسن بن محمد الديلمي، إرشاد القلوب، ج 2، ص 217، فصل: في عبادته وزهده سلام الله عليه.
[9] الأبيات للشيخ العميد الدكتور أحمد الوائلي رحمه الله.
[10] سورة هود، الآية 114.
[11] ثقة الإسلام الشيخ الكليني، الكافي، ج 3، ص 266.
[12] الحُر العاملي، وسائل الشيعة، ج 4، ص 278 - 279.
[13] الشيخ المفيد محمد بن محمد بن النعمان أعلى الله مقامه، المقنعة، ص 120، 9: باب كيفية الصلاة و صفتها.
[14] الحر العاملي، وسائل الشيعة، ج ‏8، ص 157، 39 - باب تأكد استحباب المواظبة على صلاة الليل.
[15] سورة الفتح، الآية 29.
[16] من لا يحضره الفقيه، ج‏1، ص 471، باب ثواب صلاة الليل.
[17] م. ن.
[18] البرقي، المحاسن، ج‏1، ص 53، باب 61، ثواب صلاة الليل.
[19] الحُر العاملي، وسائل الشيعة، ج 5، ص 294.