شُبهات وتساؤلات حول المرأة(12)

قيم هذا المقال
(0 صوت)
شُبهات وتساؤلات حول المرأة(12)

لا زال بعضٌ من المتأثرين بثقافة الغرب، يفضل أن يبتعد عن الزواج بما فيه من مشاكل ويستبدله بعلاقات الصداقة أو غير مشروعة، والبعض يعتبر أن الحياة الزوجية عبارة عن استخدام المرأة لصالح الرجل، وفيما يلي إطلالة سريعة على معنى ومفهوم الزواج وفوائده والحقوق الزوجية المتبادلة في الإسلام؛ لكي يتضح للقارئ العزيز أنَّ الحياة الزوجية هي لمصلحة الزوجين وتكاملهما.

* * * * *

الزواج

هو الرابطة الشرعية المقدسة، وشركة الحياة بين الزوجين، شرّعه الله عزّ وجلّ لحفظ النوع البشري وتكاثره، وعمران الأرض وازدهار الحياة فيها، وقد رغّبت فيه الشرائع السماوية السابقة والشريعة الإسلامية، وحرّضت عليه كتاباً وسنة، حيث اعتبر الإسلام الرابطة الزوجية من أقدس وأعظم الروابط في المجتمع الإنساني، حتى اعتبرت هذه العلاقة آية من آيات الله تعالى التي تشير إلى جميل فعله وصنعه، قال تعالى: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لّتَسْكُنُوَاْ إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مّوَدّةً وَرَحْمَةً)([1]).

وقد أولاها اهتماماً بالغاً، وشرّع لها أنظمة وقوانين كثيرة لضمان الحفاظ عليها، لأنها أعظم مؤسسة في الإسلام، وفيما يلي إضاءة لبعض هذه الأحكام والقوانين:

من الثابت أن السعادة الزوجية لا تتحقق، ولا ينال الزوجان ما يصبوان إليه من رغد وهناء، إلا إذا أحسن كل منهما اختيار صاحبه، وشريك حياته، واصطفاه على ضوء القيم الأصيلة والمقاييس الثابتة، التي من شأنها أن توثّق الروابط الزوجية.

والزوجان بعد هذا، لا يكسبان السعادة الزوجية والهناء العائلي، إلا بمراعاة كل منهما حقوق الآخر وأداء واجباته، جرياً على قانون الأخذ والعطاء، وبذلك ينعمان بحياة سعيدة.

وبديهي أن العلاقات الزوجية ليست رهينة الحقوق المتبادلة فقط، بقدر ما هي رهينة العواطف والمحبة المتبادلة بين الزوجين.

وقد أولت الشريعة الإسلامية الحياة الزوجية عناية بالغة، بصفتها الخلية الأولى من خلايا المجتمع الكبير، ورعتها بالتنظيم والتوجيه، وتقوية وشائج الحب والمودة بين الزوجين قبل أن تهتم بفرض الحقوق المتبادلة، ومن ثم قررت الحقوق المشتركة بين الزوجين، والحقوق الخاصة بكل منهما على انفراد، ولا شك أنه إذا رُوعيت هذه الحقوق من الطرفين على أساس المحبة والاحترام المتقابل فلا خوف على هذه الحياة الزوجية.

فالحقوق المشتركة التي يجدر تبادلها بين الزوجين، هي: الإخلاص، والثقة والأمانة والتعاطف والتآزر، وهذه هي عناصر الحياة الزوجية الناجحة، ومقوماتها الأصيلة.

وأما الحقوق الخاصة، فسنعرضها في مطاوي هذا البحث:

 

حقوق الزوج

للزوج حقوق على زوجته، بحكم رعايته لها، وقوامته عليها، منها:

1ـ إطاعة الزوج

وهي أول متطلبات الزوج، وحقوقه المفروضة على زوجته، فهي مسؤولة عن طاعته، وتلبية رغباته المشروعة، واجتناب كل ما يسيئه ويغيظه، كالخروج من الدار بغير رضاه، والتبذير في ماله، ونحو ذلك مما يعرّض الحياة الزوجية لأخطار التباغض والفرقة.

فعن أبي جعفر (ع) قال: جاءت امرأة إلى النبي  (ص) فقالـت: يا رسول الله، ما حق الزوج على المرأة؟ فقال لها: أن تطيعه ولا تعصيه، ولا تتصدّق من بيته إلا بإذنه، ولا تصوم طوعاً إلاّ بإذنه، ولا تمنعه نفسها وإن كانت على ظهر قتب([2])، ولا تخرج من بيتها إلاّ بإذنه...

فقالت: يا رسول الله، من أعظم الناس حقاً على الرجل؟

قال:   (ص) والده.

قالت: فمن أعظم الناس حقاً على المرأة؟

قال (ص)  زوجها..([3]).

2- الحفاظ على ماله وعرضه

قال تبارك وتعالى: (...فَالصّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللهُ.. .....)([4]). جاء في بعض التفاسير: حافظات للغيب يحفظن في غيبة الأزواج ما يجب حفظه في النفس والمال.

قال رسول الله (ص): «ما استفاد امرؤٌ مسلم فائدة بعد الإسلام أفضل من زوجة مسلمة تسره إذا نظر إليها، وتطيعه إذا أمرها، وتحفظه إذا غاب عنها في نفسه وماله»([5]).

3ـ حسن العشرة والمداراة

على الزوجة أن تحيط زوجها بحسن العشرة، وجميل الرعاية، ولطف المداراة، وذلك بتفقد شؤونه، وتوفير وسائل راحته النفسية والجسمية، وحسن التدبير المنزلي ورعاية عياله، ليستشعر منها العطف والولاء، فعن رسول الله (ص): «جهاد المرأة حسن التبعل»([6]).

وهذه وصية بليغة لأعرابية حكيمة، توصي بها ابنتها ليلة البناء بها:

أي بنية، إنك فارقت بيتك الذي منه خرجت، وعشك الذي فيه درجت، إلى وكرٍ لم تعرفيه، وقرين لم تألفيه، فكوني له أمةً يكُن لك عبداً، واحفظي له خصالاً عشراً:

أما الأولى والثانية: فاصحبيه بالقناعة، وعاشريه بحسن السمع والطاعة.

وأما الثالثة والرابعة: فالتفقد لموضع عينه وأنفه، فلا تقع عينه منك على قبيح، ولا يشم منك إلا أطيب ريح.

وأما الخامسة والسادسة: فالتفقد لوقت منامه وطعامه، فإنَّ تواتر الجوع ملهبة، وتنغيص النوم مغضبة.

وأما السابعة والثامنة: فالاحتراس بماله، والإرعاء على حشمه وعياله، وملاك الأمر في المال حسن التقدير، وفي العيال حسن التدبير.

وأما التاسعة والعاشرة: فلا تعصين له أمراً، ولا تفشين له سرّاً، فإنك إن خالفتيه أغرت صدره، وإن أفشيت سرّه لم تأمني غدره.

ثم إياك والفرح بين يديه إذا كان مهتماً، والكآبة بين يديه إذا كان فرحاً، فإن الخصلة الأولى من التقصير، والثانية من التكدير.

وكوني أشد الناس له إعظاماً يكن أشدهم لك إكراماً، واعلمي أنك لا تصلين إلى ما تحبّين حتى تؤثري رضاه على رضاك، وهواه على هواك، فيما أحببت وكرهت والله يخير لكR([7]).

حقوق الزوجة

جعل الله تعالى للزوجة على زوجها حقوقاً، كما جعل له حقوقاً على زوجته:

1ـ النفقة

وهي حق محتم على الزوج، يجب أداؤه إليها، وتوفير حاجاتها المعاشية، من الملبس والمطعم والمسكن وخدمة، ونحو ذلك من مستلزمات الحياة حسب شأنها وعادتها.

والنفقة حق للزوجة، تتقاضاه من زوجها، وإن كانت ثرية موسرة، ولا يسقط إلا بنشوزها وتمردها على الزوج.

وقد يقصّر في أداء النفقة فيبخل على أسرته، مما يولد ذلك جملة من المشاكل، ومن هُنا جاءت أحاديث أهل البيت عليهم السلام محذّرة، من ذلك الإمساك ومرغّبة في البرّ بهم والتوسعة عليهم، قال رسول الله (ص): «عيال الرجل أسراؤه، وأحب العباد إلى الله تعالى أحسنهم صنيعاً إلى أسرائه»([8]).

2ـ حسن العشرة معها

الزوجة أنيسة الرجل، وشريكة حياته، تشاطره السراء والضراء، وتواسيه في الأفراح والأحزان، وتنفرد بجهود شاقة من تدبير المنزل، ورعاية الأسرة، ووظائف الأمومة، فعلى الرجل أن يحسن عشرتها، ويسوسها بالرفق والمداراة، تلطيفاً لمشاعرها ومكافأة لها على جهودها، وذلك مما يسلّيها، ويخفف متاعبها، ويضاعف حبّها وإخلاصها لزوجها.

قال تعالى: (وَعَاشِرُوهُنّ بِالْمَعْرُوفِ)([9])، وقال تعالى: (وَلَهُنّ مِثْلُ الّذِي عَلَيْهِنّ بِالْمَعْرُوفِ)([10])،وقال رسول الله (ص)  «خيركم خيركم لنسائه، وأنا خيركم لنسائي»[11]).

3ـ وصالها

وهو الإتصال بينهما كما أراده الله تعالى، ولذلك لا يحق للزوج هجرانها والإبتعاد عنها زيادة عن المدة المحدّدة في الشرع المبين، ومن القبح بمكان أن يقتصر الرجل في أداء هذا الحق، على أقلّ المقدار المعين في الشرع، وقد ورد ذم الرجل المتهاون بهذا الأمر في النصوص الواردة عن أهل بيت العصمة عليهم السلام.([12])

 

[1] ـ الروم: 21.

[2] ـ قتب: الرحل الصغير على قدر سنام البعير، القاموس المحيط للفيروز آبادي: ص113.

[3] ـ الكافي 5: 506 ح1.

[4] ـ النساء: 34.

[5] ـ وسائل الشيعة 7: 23.

[6] ـ الوافي 12: 114 عن الكافي.

[7] ـ مختارات المنفلوطي: 240.

[8] ـ الوافي 12: 17 عن الفقيه.

[9] ـ النساء: 19.

[10] ـ البقرة: 228.

[11] ـ الوافي 12: 117 عن الفقيه.

[12] ـ راجع سفينة البحار، 1: 180.

قراءة 2309 مرة