شُبهات وتساؤلات حول المرأة (14)

قيم هذا المقال
(0 صوت)
شُبهات وتساؤلات حول المرأة (14)

قال بعضٌ: إن استعمال الرجل لزوجته في خدمتها المنزلية استغلال منه لها، فتكون عنده كالأجير، وفيما يلي نبحث هذه المسألة، ونجيب عن هذه الشبهة بنحوين:

* * * * *

أولاً: لا تكليف على المرأة في الخدمة المنزلية

مما اتفق عليه الفقهاء نظراً إلى ما وصلهم من الروايات الواردة عن النبي (ص) وأهل بيته، عدم وجوب الخدمة المنزلية على الزوجة، فلا يجب عليها طبخ ولا كنس ولا ترتيب فراش ولا غير ذلك، إلاّ إذا جعله الزوج شرطاً في ضمن عقد النكاح، فتصبح الخدمة المنزلية واجبة عليها بعنوان آخر، وهو الوفاء بالشرط المأخوذ في ضمن العقد اللازم، وقد قال الله تعالى: (أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ)([1])، وقال (ص): «المؤمنون عند شروطهم»([2])، أما بدون ذلك فليس للزوج إلزامها بالخدمة.

إن حياة الزوجين حينما تكون قائمة على الحب المتبادل، فلا بدَّ أن تخضع للظروف المختلفة حسب وضع العمل والمعاش والبيئة، ولذا اكتفى الإسلام بجعل الحقوق للزوجين في أمور معدودة كحق القسم والإنفاق على الزوج للزوجة وحق مطاوعة المرأة للزوج في الاستمتاع، ولكن ترك تنظيم الحياة الأسروية على عهدتها وأوجب المعاشرة المعروفة (وَعَاشِرُوهُنّ بِالْمَعْرُوفِ)([3]) وحسن الصلة فيما بينهما لتسير الأمور على متطلبات الحياة كما فعل ذلك أمير المؤمنين وفاطمة الزهراء(عليها الشلام)  حيث تصالحا على أن يقوم علي (ع) بالعمل خارج المنزل، وتقوم السيدة الزهراء (عليها الشلام)   بالعمل داخله، وعلى هذا قامت حياتهما الزوجية واستمرت، غير أن علياً (ع)  كان في كثير من الأحيان يعود إلى المنزل ليعين الزهراء(عليها الشلام)   في خدمة المنزل، وما كان ليتركها وعملها دون أن يسدي لها ذلك.

من نافلة القول أن نقول: إنه من الخطأ بمكان أن نتعامل مع الحياة الزوجية فقط في عالم القوانين والحقوق، وما يجب على أحد الزوجين وما لا يجب، فإن الحياة الزوجية ليست أي مصنع أو شركة أو دائرة يرجع موظفوها إلى الحقوق والواجبات، بل هي عيش قائم على أساس البذل والحب والمودة والاطمئنان، قال تعالى: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لّتَسْكُنُوَاْ إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مّوَدّةً وَرَحْمَةً)([4])، فينبغي أن يكون الحكم السائد في هذه العلاقة المقدسة هي السكن والمودة والرحمة، وهو بدوره يفرز تفانياً بين الزوجين، وبذلاً عميقاً وتنازلاً عن الحقوق والواجبات، ولم يشرّع الإسلام الحقوق والواجبات لهذه العلاقة إلا لحالات الاضطراب التي قد تسود الأسرة، ولأجل الاختلاف الذي يحصل بين الزوجين فيرجع كل واحد منهما لما له وما عليه حلاً للخلاف وحسماً للاضطرار، لا أن هذه الحقوق واجب قائم، رضيا بتركها أم لا، فمثلاً من الواجبات إنفاق الرجل على زوجته، ولكن لو رضيت الزوجة بإسقاطه، بل لو أنفقت على زوجها وأولادها من مالها برضاها فلا يحرّم الإسلام عليها ذلك، كما أنه من الواجب على المرأة ألاّ تخرج من بيت زوجها إلاّ بإذنه، لكن إن أسقط الزوج حقه في ذلك وأجازها في أن تخرج متى بدا لها، فلا يمنع الإسلام من ذلك، وهذا وغيره يكشف بجلاء عن أن الحقوق والواجبات التي شرّعها الإسلام لهذه العلاقة المقدسة هي في الحقيقة خطوط حمراء يُرجع إليها عند الاختلاف، ولا يجب تطبيقها عندما يسود الاتفاق والود والحب والحنان بين الطرفين.

ومن هنا، فإن الخدمة المنزلية التي تقدمها الزوجة لزوجها وأطفالها ليست من باب الاستخدام والاستئجار أو الاستغلال، بل هي عنوان معاونتها له، ووقوفها إلى جنبه، وعربون محبة وإخلاص ووفاء، بغض النظر عما يجب وما لا يجب، ولذا نرى المرأة المؤمنة، والزوجة الصالحة تقدم هذه الخدمة الجليلة عن طيب نفس وراحة بال.

نعم، ينبغي على الرجل في أوساط أمتنا الإسلامية أن يتأسى بنبيه وأئمته العظام صلوات الله عليهم أجمعين، في معونة الزوجة في الخدمة المنزلية، وإسدائها لها فإنها أحق من يعان، وقد قال (ص): «خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي»([5])، وقد نقلت إحدى زوجاته أنه (ص): كان يأتي الى المنزل ويطهي الطعام ويضع الأطباق ويرفعها ولا يترّفع عن هذه الخدمة الجليلة، فكان عمله هذا سنة يستفاد منها استحباب الفعل وحبّ الشارع المقدس له.

ثانياً: الزوجة تؤجر على الخدمة المنزلية

إن ما تقدمه الزوجة من خدمة لزوجها وأطفالها تؤجر وتثاب عليبه ويدخره الله لها لآخرتها.

قال الصادق (ع) : سألت أم سلمة رسول الله (ص): عن فضل النساء في خدمة أزواجهن، فقال: «أيما امرأة رفعت من بيت زوجها شيئاً من موضع إلى موضع تريد به صلاحاً، إلاّ نظر الله إليها، ومن نظر الله إليه لم يعذّبه»([6]).

وقال الإمام الباقر(ع): «أيما امرأة خدمت زوجها سبعة أيام أغلق الله عنها سبعة أبواب النار، وفتح لها ثمانية أبواب الجنة، تدخل من أيها شاءت».([7]) وقال (ع): «ما من امرأة تسقي زوجها شربة ماء إلاّ كان خيراً لها من عبادة سنة صيام نهارها وقيام ليلها»([8]).

 

[1] ـ المائدة: 1.

[2] ـ التهذيب 7: 371.

[3] ـ النساء: 19.

[4] ـ الروم: 21.

[5] ـ وسائل الشيعة 20: 171.

[6] ـ وسائل الشيعة 21: 451.

[7] ـ الكافي 5: 507.

[8] ـ وسائل الشيعة 14: 123، 302.

قراءة 1673 مرة