شُبهات وتساؤلات حول المرأة(24)

قيم هذا المقال
(0 صوت)
شُبهات وتساؤلات حول المرأة(24)

الاختلاط، المصافحة، الحب...؟!

يقول الغرب ومن تبعه: منع الاسلام من اختلاط الرجل بالمرأة، وحرّم الخلوة بينهما، ويقول: هذا في واقعه إبعاد للمرأة من المجتمع، ومراكز التطور والمعرفة والثقافة، التي يحضرها الرجال، وهو بدوره معطّل لقدرات المرأة وتطويرها، كما منع من المصافحة بينها وبين الرجل مع ما يراه المجتمع فيه من الاحترام والتقدير، ومنع من الارتباط العاطفي بينهما مع أن ذلك يدل على النبل والمودة والاحترام، لماذا هذا المنع؟!.

* * * * *

1- المرأة والاختلاط

مما لا ينكر أن الاسلام يتحسس إلى حد من اختلاط الرجل بالمرأة، ويحاول عبر أحكامه ومبادئه التخفيف من العلائق التي من شأنها إيجاد هذا الاختلاط، وقد أعطت بنتا نبي الله شعيب (عليه السلام) درساً متميزاً في هذا التخفيف من الارتباط، فقد خرجتا تستسقيان الماء، فوجدتا أمة على الماء، فلم تقتحما الجمع لتستسقيا، بل انتظرتا جانباً، حذراً ووقاية الاختلاط بالرجال، ولما جاء موسى (عليه السلام) وسألهما عن سبب وقوفهما جانباً، ولم تستسقيا كما يستسقي الناس قالتا: (لاَ نَسْقِي حَتّىَ يُصْدِرَ الرّعَآءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ)([1])، فبهذا الجواب قطعتا الطريق على موسى(عليه السلام) عن أي سؤال آخر، لأنهما لو قالتا: لا نسقي حتى يصدر الرعاء فقط، لأثار هذا سؤالاً آخر عند موسى(عليه السلام)، وهو لماذا لا يأتي أحد من رجالكما ليستسقي؟ فيضطرهما للكلام ثانية، أما بما ذكرتاه من الجواب فقد كان حاكياً عن كل ما يمكن أن يراود موسى (عليه السلام) من تساؤل غيره.

وهذه القصة مع اتصاف النبي (ص)  بالعصمة والتنزيه، تعكس بوضوح تخفيف العلائق والارتباط بين الرجال والنساء، ولكن ليس ذلك منه إلاّ للحفاظ عليهما، فإنه مما لا يخفى أن المرأة تثير غريزة الرجل بطبيعتها، وإن لم تتكشف أو تتزين، بل هي بأصل تركيبتها مثيرة لغرائز الرجل، وكذا المرأة فإن الرجل بطبعه مثير لغريزتها، فحذراً من وقوع ما لا تحمد عقباه كانت الوقاية، وكانت هذه الحساسية، وكان ذلك التخفيف في الاختلاط بين المرأة والرجل.

ولكن لا يعني ذلك حرمة الاختلاط بشكل عام ودائم، بل هناك موارد يجوز فيها الاختلاط، كما أن هناك موارد يحرم فيها الاختلاط.

موارد حرمة الاختلاط

مما يحرم الاختلاط فيه بين الرجل والمرأة الأمور التالية:

أـ الاختلاط السافر: وهو الاختلاط الذي لا يبتني على ضوابط شرعية، كتعري المرأة والميوعة والتزين أمام الرجل، وكذلك العكس، فإن هذا في واقعه تحلل وانسلاخ عن الحقيقة الإنسانية الأصيلة، وهو بدوره يشكل سعياً وراء الانحدار والانحطاط إلى أدنى مستويات الحيوانية.

ب ـ الاختلاط الذي يهيئ مقدمات الحرام، ويمهد لوقوعه كتغيير لحن الصوت، والنظر وما شاكل ذلك من الممارسات التي تهيج رغبة كل واحد منهما نحو الآخر.

جـ ـ الاختلاط في الأعراس والحفلات المبتذلة، التي تعقد بعضها من غير ضوابط شرعية.

موارد جواز الاختلاط

جوّز الإسلام اختلاط الرجل بالمرأة مع مراعاة الضوابط الشرعية، من الحجاب الشرعي للمرأة بعيداً من الميوعة والتزين إذا كان يهدف إلى مرضاة الله، وتحقيق غاية اجتماعية تنتج مصلحة تعم بالخير على الناس كافة، ولكن هذا كما قلنا مع الحفاظ على الضوابط الشرعية ليكون ذلك واقياً عن وقوعهما في المحرمات التي تسلخ حقيقتهما الإنسانية، ويعتبر هذا التشريع ضماناً للحفاظ على المرأة، لا أنه يسلب عنها حريتها، كما يرى ذلك أعداء الإسلام.

وعلى ضوء ذلك، فإذا حضرت المرأة مراكز العلم والتطور التي يقوم الرجال فيها بأعمالهم، ملتزمة بالحجاب الشرعي، متجلببة بجلباب العفاف والشرف فلا يحرّم الإسلام عليها ذلك، ولا يمنعها منه.

2- المرأة والمصافحة

لا شك في ثبوت حرمة المصافحة بين الجنسين، وذلك بأن تضع المرأة يدها بيد رجل أجنبي عنها بهدف التحية والسلام، وهذا مسلّم فقهياً، فعن أبي عبد الله(عليه السلام): «من صافح امرأة تحرم عليه فقد باء بسخط من الله عز وجل»([2])، ولكن الدوافع المنطقية لهذا التحريم يمكن أن تتضح بما يلي:

لقد استخدم الإسلام لأجل حماية المجتمع من الفساد والتدهور والفاحشة أسلوبين هما:

الأسلوب العلاجي: وهو علاج المشكلة التي وقعت بالفعل في المجتمع، وهذا الأسلوب يختلف باختلاف حجم المشكلة وأثرها، فقد يحتاج العلاج إلى العتاب، وقد يحتاج إلى التقريع، وقد يحتاج إلى العقاب في بعض الأحيان بلحاظ حجم المشكلة وما تخلفه من أثر على الفرد والمجتمع.

الأسلوب الوقائي: وهو علاج المشكلة قبل وقوعها، والمنع من تحققها بالمنع من مقدماتها وأجوائها ومهيئاتها، وصولاً إلى بقاء المجتمع سليماً ، وهذا الأسلوب عام، وقد أولى الإسلام لحماية المجتمع من المشكلة قبل وقوعها اهتماماً بليغاً، وجميع الأنظمة الأخلاقية والتربوية التي جاد بها تدخل في هذا السياق، وتهدف إلى ترفيع الفرد عن مزاولة الذنب والمعصية، وترقية الجانب الروحي إلى مستوى يخلق فيه الردع والإحجام عن ممارسة كل ما يسيء إلى هدوء المجتمع وسلامته، انطلاقاً من صغريات القضايا إلى كبرياتها.

ومما خرج مخرج الوقاية المنع من المصافحة، إذ هذه الملامسة قد تخلق بالتعاقب جواً مناسباً للفساد، ومناخاً خصباً للارتباط غير المشروع بين الجنسين، وحذراً من وقوع هذا المحتمل الخطير والوضيع، منع الإسلام من إيجاد أسبابه وبواعثه.

وقد يقول بعضٌ إن مجرد المصافحة لا تخلق جواً لوقوع المحتمل الخطير، وهي العلاقات غير المشروعة، عند كثيرٍ من المجتمعات المتقدمة، ولا تعدو أن تكون مبدأ من مبادئ الاحترام والتقدير والتكريم، فلا معنى لحرمته.

قلنا: إن تلك المجتمعات انغمس إلى الرذيلة إلى عقرها، وفي الانحطاط الخلقي أسفله، وقد وقعت في المحتمل الخطير والزنا، فصار مباحاً إلى درجة أن من لا علاقة له غير مشروعة يعتبر متخلفاً وجاهلاً، فبالتالي ما عادت المصافحة تؤثر أثرها الخطير.

3- المرأة والحب

قد يسأل السائل: هل في الإسلام حب؟ وهل يحق لأحد الجنسين أن يرتبط عاطفياً بالآخر، وتنتشر بينهما وشائج الحب، ويربط بينهما العشق؟!

قبل الإجابة عن ذلك، لا بد وأن نتعرف على نظرية الإسلام تجاه الحب، حتى نعرف معنى الحب ومراتبه.

الإسلام و الحب

الحب هو الميل العاطفي والوجداني، وانسياق إلى المشاعر باتجاه محدد، أو نحو شخص معين، وهو أقدس وأنبل شعور يحمله كل إنسان في وجوده، وقد ورد أنه (ما عبد الله بمثل الحب)، وحينما سئل الإمام الصادق(عليه السلام) هل في الإسلام حب، قال(عليه السلام): «وهل الدين إلا الحب([3])»، ونستطيع القول بأن جميع مبادئ الإسلام ونظامه، وقوانينه جاءت لتنشر الحب والود بين العباد وربهم، وبين العباد فيما بينهم، بحيث يتعاطف الكل مع حوائجهم وحالاتهم، فإن أواصر الحب والود إذا انتشرت بين أفراد المجتمع، وكان كل واحد منهم في قلب أخيه يحضنه بوده ويوسعه بشعوره، ويحنو عليه بحنانه، كان ذلك المجتمع مجتمعاً مثالياً رفيعاً وراقياً إلى أعلى مستويات الرقي.

وقد صورت لنا جملة من الروايات اهتمام الإسلام الكبير في نشر أواصر الحب والود بين أفراد المجتمع، منها ما جاء عن الإمام الباقر(عليه السلام): «الدين هو الحب والحب هو الدين»([4])، وقال: «الإيمان حب وبغض»([5])، وقد سئل الإمام الصادق(عليه السلام) عن الحب والبغض أمن الإيمان هو؟ فقال(عليه السلام): «وهل الإيمان إلاّ الحب والبغض»([6]).

الحب المقدس

إن للحب صورة مقدسة؛ حيث يصبح شعوراً يحقق الكمال لحامله، باعتبار ما يحمل من آثار إيجابية تعود منافعها على الفرد والمجتمع، وقد أوضحت النصوص الشرعية نمط ذلك الحب وشروطه، ونستطيع أن نجمعه ونلخصه في عنوان واحد وهو كون الحب لله وفي الله: فلا يُحصر الحب الجائز في الحب في الله بل ذلك من أعلى وأقدس مراتب الحب ولكن الحب للقرابة وللخصال الموجودة في المحبوب وما إلى ذلك حياء مرغوب فيه وأفضل ما يخلصه الإنسان لربه حبه وبغضه، فلا يحب إلا في الله ولا يبغض إلا في الله، وقال رسول الله(ص): «أفضل الأعمال الحب في الله والبغض في الله تعالى»([7])، وقال(ص): «إن أوثق عرى الإسلام أن تحب في الله وتبغض في الله»([8])، ولذا قال علي(عليه السلام): «إن أفضل الدين الحب في الله والبغض في الله»، إلى غير ذلك من النصوص الكثيرة في هذا الباب.

ومن موارد ومصاديق الحب في الله، الحب لأجل الإصلاح: وقد دعت النصوص الشرعية إلى جعل الحب وسيلة لاتصاف المتحابين بالصلاح، وجعل الحب وسيلة للدعوة إلى الصلاح، قال علي(عليه السلام): «أحبب في الله من يجاهدك على صلاح دين ويكسبك حسن يقين»([9]).

وهكذا، ينبغي لكل من الرجل والمرأة أن يحب الآخر من الأقرباء والأصدقاء والمؤمنين وكل من له فضائل وخصال ممدوحة أو أنه من بني نوعه.

الحب النزيه والحب المبتذل: ودعنا نسأل الآن، ماذا نقصد من سؤال الناس عن رؤية الشريعة ونظرها إلى الحب بين الجنسين، إذا كان ذلك الحب الذي أراد الله انتشاره بين المؤمنين بحيث يكون هذا الحب وسيلة لتقربهما إلى الله تعالى، وداعياً للمتحابين نحو الصلاح وحسن اليقين، فهذا مما لا ينبغي الشك في جوازه وفضيلته.

وإذا كان المقصود من الحب، هو الحب الغريزي، الذي يحرك الغريزة ويضفي على المتحابين الشعور بحاجة كل منهما للآخر لإشباع غريزته، فهذا يمكن القول بجوازه أيضاً بشرط عدم صدور ما يوجب الوقوع في الفتنة والريبة من المواعدة سراً، أو الكلام المثير، وغيرها، وهذا ما نطق به القرآن الكريم، قال تعالى: (وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النّسَآءِ أَوْ أَكْنَنتُمْ فِيَ أَنْفُسِكُمْ عَلِمَ اللهُ أَنّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنّ وَلَـَكِن لاّ تُوَاعِدُوهُنّ سِرّاً إِلاّ أَن تَقُولُواْ قَوْلاً مّعْرُوفاً)([10]). قال العلامة الطباطبائي: «والمعنى أن ذكركم إياهن أمر مطبوع في طباعكم، والله لا ينهى عن أمر تقضي به غريزتكم الفطرية ونوع خلقتكم، بل يجوزه، وهذا من الموارد الظاهرة في أن دين الإسلام مبني على أساس الفطرة»([11]).

نعم، الإشكال فيما لو أظهر حبه ورغبته بها بكلام يوجب الوقوع في الريبة والفتنة، فإذا كان الحب الغريزي يتعدى القيم الأخلاقية والإنسانية فهو مجرد علاقة أساسها الغريزة الجنسية أو المطامع والمصالح الدنيوية، وبما أنه لا يتصف بالمكارم والفضائل الأخلاقية يصبح هذا النوع من الحب هو الحب المبتذل المرفوض عند المجتمعات التي تريد أن تتقيد بقيم دينية وأخلاقية.

وهذا النوع من الحب يرفضه الشرع ولا يقبله العقل السليم وهو من النوع الذي – عادة - لا يستمر كثيراً؛ لأنه مبني على مصالح دنيوية غير أخلاقية، فإذا انتفت انتهى كل شيء.

 

 

[1] ـ القصص: 23.

[2]ـ من لا يحضره الفقيه 4: 13.

[3]ـ فروع الكافي: 8: 79.

[4]ـ نور الثقلين 5: 285: 49.

[5]ـ تحف العقول: 295.

[6]ـ الكافي 2: 125.

[7]ـ كنزل العمال: ح24638.

[8]ـ المصدر السابق.

[9]ـ غرر الحكم: ح9478.

[10]ـ البقرة: 235.

[11]ـ الميزان 2: 244.

قراءة 1234 مرة