فلسطين وأهميتها في فكر الإمام الخامنئي(6)

قيم هذا المقال
(0 صوت)

"لا يعلم الاستكبار أن هناك قوة فوق قوة أسلحتهم ألا و هي قوة الشعوب والبشر"..

الإمام الخامنئي 29/09/2009

الفصل السادس: الكفاح و المقاومة

أولا: قوة الشعوب

لا يعلم الاستكبار أن هناك قوة فوق قوة أسلحتهم ألا و هي قوة الشعوب والبشر. إذا آمن الشعب بمبدأ و بمنطق و بأساس فكري و وقف عند ذلك المنطق بعزيمة راسخة، فلن تستطيع أية قوة – لا القوة الذرية و لا ما فوق القوة الذرية أو تحتها – أن تقهره.

إنهم يستهينون بقوة الشعوب و قوة الله القادر المتعال التي تقف وراء إرادة الشعوب و عزيمتها و مبادراتها: كلاً نمدُّ هؤلاء و هؤلاء. أية جماعة تعمل من أجل الأهداف التي تؤمن بها سوف يعينها الله تعالى و يمدّها. إذا آمنت جماعة بالله فسيكون الاصطدام بها و دحرها أصعب عشرة الأضعاف.

ثانيا: كفاح الشعب الفلسطيني البطل

الكفاح الذي بدأه الشعب الفلسطيني اليوم ليس كفاح جيش مقابل جيش آخر لنقول كم يمتلك هذا من الدبابات و كم يمتلك ذاك من الدبابات و هل هذا أكثر أم ذاك. إنه كفاح أجسام و أجساد و أرواح أفراد لا يهابون الموت.

أي شاب مضحٍّ يقف بوجه الكيان المحتل يهددهم بمقدار ما يهددهم جيش كامل. لا يستطيعون الرد على هذا الشاب بالدبابات و الصواريخ و الطائرات و مروحيات الآباجي.

حينما لا يهاب الإنسان – حتى لو كان فرداً واحداً – الموت و يعدّ نفسه للتضحية في سبيل الله و الواجب فسيمثل أكبر خطر على أرباب الدنيا عديمي الإنصاف. هذه الروح الاستشهادية ليست وليدة المشاعر و العواطف، إنما هي وليدة الاعتقاد بالإسلام و يوم القيامة و الإيمان بالحياة بعد الموت. أينما وجد الإسلام بمعناه الحقيقي كان هذا الخطر على الاستكبار ماثلاً.

الاستكبار مضطر للكفاح و الصراع من أجل الهيمنة على فلسطين. الصراع مع الإسلام معناه الصراع ضد العالم الإسلامي و هو صراع لا نتيجة له. حقيقة القضية هي أنهم طردوا شعباً من دياره و حياته و شرّدوه، ومن حق هذا الشعب العودة و استعادة دياره. إنه كفاحٌ حقٌ و أمريكا تسميه إرهاباً لكنها لا تسمي خبث الصهاينة ضد المجاهدين الفلسطينيين إرهاباً! ..

الشعب الفلسطيني اليوم شعب مظلوم و هو شجاع جداً رغم مظلوميته، و من الحق أن نقول: »الشعب الفلسطيني البطل«. إنه شعب يقاوم لوحده و بغربة و بأيدٍ عزلاء، و قد أعجز القوى المادية العالمية المدجّجة بكل أسلحة القتل و القمع.

ثالثا: المحور الرئيس للكفاح ضد الكيان الصهيوني

الخط العام للكفاح ضد الكيان الغاصب يجب أن يكون: - حبس الكيان الغاصب داخل حدود الأراضي المحتلة و تضييق أجواء التنفس الاقتصادي و السياسي عليه، و قطع أواصره بالبيئة المحيطة به. - مواصلة المقاومة و الكفاح الذي يخوضه شعب فلسطين داخل بلده، و إيصال كل أشكال العون له إلى حين تحقيق النصر النهائي.

رابعا: نموذج المجاهدين الفلسطينيين

احتلت فلسطين منذ أكثر من خمسين سنة. كان لفلسطين شبابها قبل خمسين سنة أيضاً. هذا الشاب الفلسطيني الذي يخوض الساحة بهذا الشكل من الذي علّمه و من هو نموذجه؟ نموذجه الشاب المجاهد المؤمن المخلص في لبنان.

في المظاهرات التي تخرج في شريط غزة و الضفة الغربية لنهر الأردن – و هي المناطق التي يسكنها الفلسطينيون – يرفعون صور قائد حزب الله لبنان السيد حسن نصر الله. لقد رفعوا علم حزب الله لبنان على قبة المسجد الأقصى. طبعاً لم يسمح الصهاينة ببقائه هناك، لكنهم نصبوه و رفعوه هناك على كل حال.

إذن أصبح نموذجاً للشاب الفلسطيني. تلفزيون المنار التابع لحزب الله يسجل أكبر عدد من مشاهديه داخل أراضي فلسطين المحتلة.. إنهم لا يشاهدون برامجه و حسب بل يشربونها كالعطاشى جرعة جرعة و كأنها ماءً زلالاً.

خامسا: الجهاد واجب الأمة الإسلامية

لا يختلف أي من فقهاء الإسلام و لا يشكون في أنه لو تسلط العدو على أرض المسلمين و هدّد الكيان الإسلامي في بلد من البلدان، فمن واجب جميع المسلمين الكفاح ضد ذلك العدو في إطار جهاد كبير شامل، و طرده من تلك الأرض الإسلامية و معاقبته.

إذا عادت الأمة الإسلامية إلى نفسها و صحت سترى أن هذا هو أكبر بلاء نزل بالمسلمين في العهود الأخيرة. الحكم الإسلامي لهذه القضية واضح.

لا يشك أي مسلم في الحكم المنطبق على القضية الفلسطينية. إنها المسألة الواردة في جميع كتب الفقه التي تتناول موضوع الجهاد. إذا جاء الكفار و احتلوا بلد المسلمين أو حاصروه، فلم يتردد أي من فقهاء المسلمين القدماء و المحدثين في الوجوب العيني للجهاد.

جميع المذاهب الإسلامية متفقة العقيدة حول هذا المعنى. الجهاد الابتدائي واجب كفائي و لكن في غير هذه الحالة فإن الجهاد الدفاعي و هو من أظهر مصاديق الدفاع واجب عيني.

سادسا: انتفاضة المسجد الأقصى

توقفت الانتفاضة الأولى بتأثير من إيحاءات الصهاينة و حماتهم و بوعود حصول الفلسطينيين على امتيازات بالطرق السلمية و بإعمال نفوذ الاستسلاميين و ضغوط أمريكا و الغرب.

لكن مضي عشرة أعوام على ذلك التاريخ أثبت أن جميع جهود حماة الصهيونية في العالم كانت ترمي إلى إنقاذ الكيان الإسرائيلي من ضغوط الجهاد الذي يخوضه المسلمون، و لم يكن ما وعدوا به المفاوضين الفلسطينيين سوى سراب. انتفاضة المسجد الأقصى بداية تطور كبير في كفاح الشعب الفلسطيني.

جربت المقاومة الفلسطينية طرقاً مليئة بالمنعطفات و اجتازت شتى صنوف الدسائس و التحديات الصعبة و امتلأت أسماعها بصلصلة السلاح و زئير الطائرات و المدفعية المعادية، و قد أدركت اليوم بشكل جيد أن السبيل الوحيد للتحرر من مخالب المجرمين و حماتهم هو الجهاد و المقاومة المستمرة و الرأي العام الإسلامي يعاضد هذه الاستراتيجية و يؤيدها.

كان الصهاينة قد أسسوا معادلات القوة على أساس إهانة الشعب الفلسطيني و إذلاله، لكن الفلسطينيين انتفضوا ضد هذه المعادلة و ضد المعاهدات المذلّة مع الكيان الصهيوني و نظام الهيمنة الأمريكية و المستسلمين المهزومين، و اختاروا طريق الشرف و العزة، و خلقوا للكيان الإسرائيلي المجرم أزمة من الداخل، و واجهوه بالانتفاضة و المقاومة على الحدود.

المحور الرئيس لانتفاضة الأقصى هو بيت المقدس. أي إن الشرارة التي أدت إلى انفجار غضب الشعب الفلسطيني هي إساءة أدب الصهاينة للمسجد الأقصى. الشعب الفلسطيني باستلامه رسالته الخطيرة التي يتحملها على عاتقه في حراسة أحد أقدس مواقع المسلمين، نزل إلى الساحة و أشعل بإيثاره و تضحيته المشاعل المقدسة للمقاومة و الكفاح ضد المحتلين الصهاينة. سياق الاستسلام – و مشروع أوسلو بنحو محدد – أدى إلى بث التفرقة بين الفلسطينيين، لكن هذه الانتفاضة المباركة استطاعت إعادة الوحدة الوطنية للساحة الفلسطينية.

جميع شرائح الشعب يشاركون في هذا الكفاح و التيارات الإسلامية و الوطنية مصطفة إلى جانب بعضها.

سابعا: عامل النهضة الفلسطينية (انتفاضة المسجد الأقصى)

ليست الجمهورية الإسلامية أو شعب لبنان هو العامل المؤدي إلى ثورة الفلسطينيين. عامل ثورة الفلسطينيين هم الفلسطينيون أنفسهم... سبب النهضة و الانتفاضة الفلسطينية هو الأوجاع و الهموم المتراكمة في كيان هذا الجيل الشاب الذي نزل إلى الساحة اليوم بأمل و حيوية.

الشعب الإيراني معجب بهم و يبارك لهم و يعتبرهم منه. فلسطين بضعة من جسد الإسلام، و الشعب الإيراني يشعر بالأخوة و رابطة الدم مع الشباب الفلسطيني و الشعب الفلسطيني. لكن أولئك الشباب هم الذين يقومون بالانتفاضة.

ثامنا: فلسطين محور الصحوة الإسلامية

النهضة الإسلامية أو لنقل الصحوة الإسلامية ظهرت بكل قوة في المنطقة و العالم الإسلامي بعد انتصار الثورة الإسلامية في إيران و بروز حركة الإمام الخميني (ره) رضي الله عنه خلال العقدين الأخيرين.

المحور الرئيس لهذه النهضة و الحركة اليوم هو قضية فلسطين. استطاعت انتفاضة الأقصى جرّ عموم الشعوب المسلمة و العربية إلى الساحة حتى خارج الحدود الجغرافية لفلسطين و خارج نطاق الشعب الفلسطيني.

المظاهرات المليونية للشعوب المسلمة – من غرب العالم الإسلامي إلى شرقه لإعلان حمايتهم و دعمهم لانتفاضة المسجد الأقصى – أثبتت أن الشعب الفلسطيني بوسعه الاعتماد على دعمهم، و في الوقت نفسه ممارسة دور ملحوظ في إيجاد الوحدة بين المسلمين.

يوم تشكلت المقاومة الإسلامية في لبنان بهمة الرجال اللبنانيين الأبطال و بتوصية و دعم الإمام الخميني، كانت إسرائيل تحتل بيروت عاصمة لبنان، و تسيطر على المقدرات السياسية لهذا البلد. حينما أطلقت المقاومة الإسلامية يومذاك شعار "زحفاً زحفاً نحو القدس" وصفهم بعض الغافلين بأنهم بسطاء التفكير و سألوا السؤال اللاذع: هل يمكن الزحف نحو القدس و أنتم أيها اللبنانيون عاجزون عن الدخول إلى عاصمتكم؟ منذ ذلك التاريخ و حتى الانتصار التاريخي للمقاومة الإسلامية على إسرائيل لم تمض سوى 18 سنة. و 18 سنة ليس بالوقت الطويل في تاريخ نضال الشعوب.

تاسعا: المقاومة شرط الانعتاق

انتفاضة المسجد الأقصى نهضة شعبية أثبتت أن الفلسطينيين يئسوا من كل الأساليب الاستسلامية و وجدوا أن الانتصار رهن بالمقاومة فقط. المقاومة - كنموذج ناجح أمام أنظار الأمة الإسلامية - استطاعت لأول مرة تحرير الأراضي المحتلة من دون إعطاء إسرائيل أي امتياز، و حالت دون تحقيق الكيان الصهيوني لإرادته في رفع علمه على أرض عاصمة هذا البلد العربي أي لبنان.

في كامب ديفيد كان شرط انسحاب إسرائيل عدم توجه الجيش المصري إلى شمال سيناء، لكن في جنوب لبنان كانت إسرائيل هي القلقة من قوة المقاومة الإسلامية و طلبت بتوسل إرسال الجيش اللبناني إلى الحدود بين فلسطين و لبنان. أي إن المقاومة استطاعت إعادة السيادة الوطنية اللبنانية بنحو كامل إلى جنوب لبنان و سائر المناطق المحتلة.

قراءة 2630 مرة