ما هي مكوّنات البصيرة الإيمانية؟

قيم هذا المقال
(1 Vote)
ما هي مكوّنات البصيرة الإيمانية؟

 

1- معرفة الزمان:

روي عن الإمام الصادق عليه السلام أنّه قال: "العالِمُ بِزَمانِهِ لا تَهجُمُ عَلَيهِ اللَّوابِسُ"[1]، واللوابس هي المـُبهمات أو المـُلتبسات من الأمور التي تحصل نتيجة عدم وضوح الرؤية وغياب القدرة على التشخيص، وكان يُقال لفاقد البصيرة: (إنّك ملبوس عليك)، أي إنّ الالتباس قد غطّى على عينَي عقلك، فلم يَعُد يبصر أو يميّز جيِّداً.

 

2- التمييز بين الحقّ والباطل:

قد تلتبس الأمور والأشخاص والعناوين على بعض الأشخاص لأنّ قدرته على الفرز والتشخيص بين مَنْ هو صادق ومَنْ هو كاذب، أو مَنْ هو على حقّ ومَنْ هو على باطل، ضعيفة، لذلك تراه يقع فريسة الخداع والتضليل.

 

قال أمير المؤمنين عليّ عليه السلام: "لا يُعرف الحقّ بالرجال، بل يُعرف الرجال بالحقّ"[2]. فالمقياس هو الحقّ. نعم، يصبح الرجل مقياس الحقّ عندما يكون هو عين الحقّ، كما في قول النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم: "إن الله يُبغض من عباده المائلين عن الحقّ، والحقّ مع عليّ، وعليّ مع الحقّ، فمن استبدل بعليّ غيره هلَك، وفاتته الدنيا والآخرة"[3].

 

3 - الحُكم بالدليل والبيّنة:

أصحاب البصائر هم أصحاب حُججٍ وبراهين وشواهد مُقنِعة، فهم لا ينطلقون إلّا من وعي ولا يتحرّكون إلّا بوعي، ولا يحكمون إلّا بدليل، ولا يشهدون إلّا على ما رأَوه بأمّ أعينهم.

 

قال تعالى: ﴿وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُول﴾[4].

 

قال تعالى في تفنيد عقائد الكفّار: ﴿إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ﴾[5].

 

4- التمييز بين (السماع) و(الرؤية):

بعض الناس يصدّقون كلّ ما يسمعون، ويسلّمون بكلّ ما يصل إلى أسماعهم، ويثقون بكلّ قَوْل من دون تمحيص ولا فحص دقيقٍ، لا للقائل ولا للقَوْل.

عن ميسر بن عبد العزيز، قال: سمعت أبا جعفر عليه السلام، وهو يقول: "سُئل أمير المؤمنين عليه السلام: كم بين الحقّ والباطل؟ فقال: أربع أصابع، ووضع أمير المؤمنين يده على أذنه وعينيه، فقال: ما رأتْهُ عيناك فهو الحقّ، وما سمِعَتْهُ أذناك فأكثرُه باطل"[6].

 

5- أن لا تكون "إمّعة":

لا يمكن أن تكون بصيراً واعياً، وأنت مكبّل تعيش الانقياد والتبعيّة لغيرك، فالوعي يتطلّب الهواء الطلق ليتنفّس فيه، لأنّ كلام الناس وعاداتهم وتقاليدهم وأعرافهم تشكّل ضغوطاً وشروطاً قاهرة تَحُدُّ من حريّة التفكير واستقلاله. وإذا حدّدت الحريّة أو قيّدت البصيرة، فإنّها تكون بين خيارين: إمّا أن تُطفئ أنوارها لِتَغُطَّ في الظلام، وإمّا أن تكون "إمّعة" تساير الناس، والمسايرة انقياد أعمى وليس بصيرة.

عن أبي عبد الله عليه السلام، أنّه قال لرجل من أصحابه: "لا تكونّن إمّعة[7]، تقول: أنا مع الناس، وأنا كواحد من الناس"[8].

 

6- الاختبار والتمحيص والفحص:

قال الحُكماء: وَجَبَ اختبار الرجل، ثمّ اختياره للصداقة، إذ اختياره قبل اختباره يجرّ سريعاً إلى وحشة الفراق وذلّ الانكسار، ثمّ بعد اختياره لا بدّ من الحزم وعدم الوثوق به كلّ الوثوق، فلا يظهر عليه جميع الأسرار، بل يحفظ منها ما يخاف اللوم وسوء العاقبة من إفشائه وانتشاره.

 

قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّه عليه السلام: "لا تسمِّ الرجل صديقاً، وسمّه معرفة، حتى تختبره بثلاث خصال: حتى تُغضِبه فتنظر غضبه يخرجه من حقّ إلى باطل، وتسافِر معه، وتخبره بالدينار والدرهم"[9].

 

وعنه عليه السلام: "لَا تَثِقْ بِأَخِيكَ كُلَّ الثِّقَةِ، فَإِنَّ صِرْعَةَ الِاسْتِرْسَالِ لَنْ تُسْتَقَالَ"[10].

 

معنى الاسترسال الاستيناس والانبساط والطمأنينة فيما يحدث. والاستقالة هي طلب فسخ البيع، وهذا كمثل يُقال لمن دخَل في أمر من غير تأمُّل ورويّة، فوقع في مِحنة وبليّة، لا طريق إلى دفعِها وإقالتها، ولا سبيل إلى علاجها وإزالتها[11].

 

إنّ معي لبصيرتي، دار المعارف الإسلامية الثقافية

 

[1]الشيخ الكلينيّ، الكافي، مصدر سابق، ج1، ص 27.

[2] العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، مصدر سابق، ج40، ص126.

[3] شاذان بن جبرئيل القمّيّ (ابن شاذان)، الروضة في فضائل أمير المؤمنين عليه السلام، تحقيق علي الشكرچيّ، لا.ن، لا.م، 1423، ط1، ص 178.

[4] سورة الإسراء، الآية 36.

[5] سورة الأنعام، الآية 116.

[6] الصدوق، الشيخ محمّد بن عليّ بن بابويه، الخصال، تصحيح وتعليق علي أكبر الغفاريّ، مؤسّسة النشر الإسلاميّ التابعة لجماعة المدرّسين بقم المشرّفة، إيران - قم، 1403ه - 1362ش، لا.ط، ص 236.

[7] الإمّعة مخفّف "أنا معه".

[8] الصدوق، الشيخ محمّد بن عليّ بن بابويه، معاني الأخبار، تصحيح وتعليق علي أكبر الغفاريّ، مؤسّسة النشر الإسلاميّ التابعة لجماعة المدرّسين بقم المشرفة، إيران - قم، 1379ه - 1338 ش، لا.ط، ص266.

[9] الصدوق، الشيخ محمّد بن عليّ بن بابويه، مصادقة الإخوان، إشراف السيّد عليّ الخراسانيّ الكاظميّ، مكتبة الإمام صاحب الزمان العامّة، لا.ت، لا.ط،ص72.

[10] الشيخ الكلينيّ، الكافي، مصدر سابق، ج2، بَابُ النَّوَادِرِ، ح 6، ص 672.

[11] محمّد صالح المازندرانيّ، شرح أصول الكافي، مصدر سابق، ج11، ص 161.

قراءة 1075 مرة