الركائز التي ينبغي أن يقوم عليها الإصلاح

قيم هذا المقال
(0 صوت)
الركائز التي ينبغي أن يقوم عليها الإصلاح

  
هناك أمور تُعتبر أساس الصلاح وأبوابه وركائزه، ينبغي التركيز عليها، لأنّنا إن نجحنا في فتح هذه الأبواب بالشكل الصحيح، ستكون كلّ مفردات الصلاح سهلة التناول، وممكنة التحقّق.
 
أمّا إن لم نوفّق لعلاج هذه الأساسات فلن يمكننا أن نبني بيتاً قويّاً يواجه الرياح، بل كلّ ما نبنيه ربّما ينهار أمام أوّل اختبار قاسٍ. فما هي هذه الأساسات:
 
1ـ بناء النفس
 يقول الإمام الخمينيّ قدس سره: "لقد بُعث الأنبياء من قبل الله تبارك وتعالى لتربية الناس وبناء الإنسان. وتسعى جميع كتب الأنبياء ـ وخاصّة القرآن الكريم ـ من أجل تربية هذا الإنسان، لأنّه بتربية الإنسان يتمّ إصلاح العالم"([1])  .
 
ويقول أيضاً: "إنّ أيّ إصلاح يبدأ من الإنسان، فلو لم يتربَّ الإنسان فلن يتمكّن من تربية الآخرين... ولأنّ الأمور كانت بيد أشخاص لم يتربّوا تربية إسلاميّة ولم يبنوا أنفسهم، وبسبب هذا النقص الكبير، فإنّهم جرّوا بلادنا إلى ما هي عليه الآن وجرّونا إلى الموضع الّذي يتطلّب منّا سنوات طويلة للإصلاح إن شاء الله" ([2])  .
 
يجب أن نهتمّ ببناء هذا الإنسان بشكلٍ صحيح من البداية بتربيته وبنائه بالشكل الصحيح. فعمليّة الإصلاح تبدأ من الطفل الصغير لنؤمّن له أجواء الصلاح ومفرداته، ونصل به إلى حالة يستطيع عندها أن يقف ويعتمد على نفسه ليواجه كلّ الفساد الموجود حوله فيؤثّر بالمجتمع بإيجابيّاته ولا يتأثر بسلبيّات المجتمع، يقول الإمام الخمينيّ قدس سره: "إنّ النظام الوحيد والمدرسة الوحيدة الّلذان يهتمّان بالإنسان من قبل انعقاد نطفته وحتّى النهايّة ـ وطبعاً لا نهايّة له ـ هما مدارس الأنبياء" ([3])  .
 
ويقول أيضاً: "إن ما نادى به الأنبياء هو الإنسان ولا شيء غيره. يجب أن يكون كلّ شيء على شكل إنسان. إنّهم يريدون بناء الإنسان، وسوف يصلح كلّ شيء عندما يتمّ إصلاح الإنسان" ([4])  .
 
2ـ أهميّة الثقافة
 يقول الإمام الخميني ّقدس سره: "إنّ ما يصنع الشعوب هو الثقافة الصحيحة" ([5])  .
 
ويقول كذلك: "إذا صحّت الثقافة صحّ شبابنا" ([6])  .
 
فالثقافة لها دور أساس في الإصلاح. ليس هذا فقط بل إنّ بداية الإصلاح يجب أن تكون من الثقافة، يقول الإمام الخمينيّ قدس سره: "إنّ السبيل لإصلاح أيّ بلد إنّما يبدأ من إصلاح ثقافته، فالإصلاح يجب أن يبدأ من الثقافة"([7])  .
 
فهي البدايّة الصحيحة الّتي تجعل كلّ الجهود الأخرى مثمرة، يقول الإمام قدس سره: "إنّ ثقافة أيّ مجتمع هي الّتي تحدّد أساساً هويّة ذلك المجتمع ووجوده، فإذا انحرفت الثقافة فإنّ المجتمع يكون أجوفَ فارغاً مهما حقّق من القوّة في الجوانب الاقتصاديّة والسياسيّة والصناعيّة"([8])  .
 
3ـ تقوية الجانب الروحيّ
 يقول الإمام الخمينيّ قدس سره: "الإيمان يعني أن تعي قلوبكم وتصدّق تلك الأمور الّتي أدركتها عقولكم. وهذا يحتاج إلى المجاهدة حتّى تفهم قلوبكم أنّ العالم كلّه محضر لله، فنحن الآن في محضر الله، ولو أدرك قلبنا هذا المعنى بأنّنا الآن في محضر الله، وبأنّ هذا المجلس محضر لله، وإذا وجد قلب الإنسان هذا الأمر، فإنّه سيبتعد عن جميع المعاصي إذ إنّ سبب جميع المعاصي أنّ الإنسان لم يجد هذا الشيء"([9]) .
 
فالمعرفة العقليّة ضروريّة ولكنّها تبقى غير قادرة على مواجهة الامتحانات الصعبة ما لم تتعمّق وتصل إلى القلوب، فاحتلالها القلوب وتقوية هذا الجانب المعنويّ والروحيّ
 
هو الحاجز الّذي سيمنع الإنسان من الانحراف وسيدعوه للاستقامة على الدوام.
 
أساليب الإصلاح ووسائله
 
1 ـ الجهد المتواصل
 إنّ عمليّة الإصلاح ليست عمليّة آنيّة وبرنامجاً مرحليّاً يبدأ بزمن وينتهي بزمن معيّن، بل هي عمليّة مستمرّة وجهد متواصل، فعمليّة الإصلاح هي جهاد مستمرّ.
 
يقول الإمام الخمينيّ قدس سره في "الأربعون حديثاً": "الإنسان هو ساحة صراع ونزاع مستمرّ بين معسكرين، يُريد أحدهما الانحطاط بالنفس إلى الظلام السفليّ، ويُريد الآخر رفعها إلى الأنوار العلويّة والسعادة الأبديّة".
 
2ـ الثقة بالنفس
 يجب أن نزرع الثقة بأنفسنا وبديننا وبطاقاتـنا وبهويّتنا، لأنّ ذلك هو بداية الإصلاح في هذا الزمن الّذي انبهر فيه الناس بكلّ ما هو غربّي، حتّى لو كان مجرد فساد وانحـراف. فعليـنا فـي البداية أن نحمي مجتمعاتنا من هذه التبعيّة العمياء. وهذا لا يحصل ما لم يثق المجتمع بنفسه ويُبادر بنفسه للمعرفة الصحيحة والمسلكيّة المناسبة، يقول الإمام الخمينيّ قدس سره: "علينا أن نعتقد أنّنا كلّ شيء، وأنّنا لسنا أقلّ من سوانا، فنحن مطالبون بالعثور على هويّتنا الّتي قد أضعناها"([10])  .
 
ويقول قدس سره: "لا يظنّنّ شبابنا أنّ كلّ شيء موجود في الغرب، وأنّهم لا يملكون شيئاً"([11]) .
 
3ـ الترغيب والترهيب
 سياسة الترغيب والترهيب (أو كما يقال عنها: سياسة العصا والجزرة) من السياسات المعروفة في هذا الزمن. فالترغيب لوحده غير كافٍ؛ لأنّ بعض الناس وصل فيهم الفساد والمرض إلى درجة كبيرة حتّى صاروا يفضلونه على أيّ ترغيب يمكن أن يقوم به الإنسان، وكذلك سياسة العصا والترهيب ليست كافية لأنّها ستولّد في نهاية الأمر انفجاراً وانقلاباً على كلّ شيء عند أدنى مناسبة.
 
فلا بدّ من المحافظة على التوازن بين هذين الأمرين، يقول الإمام الخمينيّ قدس سره: "الأنبياء العظام السابقون والرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم في الوقت الّذي يحملون فيه الكتب السماويّة في يد من أجل هداية الناس، كانوا يحملون السلاح في اليد الأخرى، فإبراهيم عليه السلام كان يحمل الصحف في يد، والفأس في يد أخرى للقضاء على الأصنام، وكان كليم الله موسى يحمل التوراة في يد والعصا في يد أخرى، تلك العصا الّتي أذلّت الفراعنة، وتحوّلت إلى أفعى وابتلعت الخائنين، وكان النبيّ الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم يحمل القرآن في يد والسيف في الأخرى"([12])  .
 
4ـ الاهتمام بجيل الشباب
 يقول الإمام الخمينيّ قدس سره: "إنّ الإسلام يولي تهذيب الأطفال والشبّان أهميّة لا يوليها أيّ شيء آخر"([13])  .
 
"من شبّ على شيءٍ شاب عليه". إنّ لسنّ الشباب أهميّة خاصّة لأنّه في هذه السن يحدّد الإنسان مبتنياته ومنهجيّته ومسلكيّته، فإصلاحه في هذا العمر أسهل وأصلب من تركه لإصلاحه بعد ذلك.
 
يقول الإمام الخمينيّ قدس سره: "أيّام الشباب هي ربيع التوبة حيث الذنوب أقلّ ثقلاً، وحيث كدورة القلب والظلمة الباطنيّة أقلّ، وحيث ظروف التوبة أسهل وأيسر"([14]) .
 
فهؤلاء الشباب هم علماء ومسؤولو المستقبل، وبأيديهم ستكون الأمور، فإن كانوا صالحين صلح المجتمع، يقول الإمام قدس سره: "إنّ هؤلاء الشبّان الّذين يُفترض أن يحافظوا في المستقبل على هذا البلد ويديروا شؤونه، يجب أن يصلحوا ويتربّوا تربية صحيحة"([15])  .
 
5ـ الإعلام
 إنّ الإعلام له أهميّته الخاصّة في الإصلاح وفي تأمين الأجواء المناسبة له، ودفع الناس وتشجيعهم عليه وعلى ترك الفساد، فهو قادر على مخاطبة العقول والقلوب، وتعليم الممارسة وإيصال الرسالة بشكل عمليّ، من خلال النماذج الفنيّة الّتي يعرضها، حتّى قال عنه الإمام الخمينيّ قدس سره: "إنّ مسألة الإعلام من الأمور المهمّة إلى درجة يُمكن معها القول إنّ الإعلام قد احتلّ المرتبة الأولى بين القضايا الأخرى في العالم، بل يمكن القول إنّ الدنيا إنّما تقوم على عاتق الإعلام"([16])  .
 
وقد أوصى الإمام الخمينيّ قدس سره وأكّد على الاستفادة من الإعلام: "وصيّتي لوزارة الإرشاد في كلّ العصور ـ وخصوصاً في العصر الحاضر الّذي يتحلّى بخصوصيّة معينة ـ السعي لتقويّة إعلام الحقّ ضدّ الباطل"([17])  .
 
ويجب الاستفادة من كلّ وسائل الإعلام المتاحة، المرئيّة والمسموعة والمكتوبة. وعندما يتحدّث الإمام قدس سره عن المطبوعات يقول: "إنّ أهميّة المطبوعات مثل أهميّة الدماء الّتي تراق في الجبهات، وإنّ مداد العلماء أفضل من دماء الشهداء"([18])  . "يجب أن تكون المطبوعات مراكز للهداية"([19])  .
 
وعن الإذاعة والتلفزيون يقول: "إنّ دور الإذاعة والتلفزيون اليوم أكبر من دور جميع الأجهزة الأخرى...، يجب أن تكون الإذاعة والتلفزيون مربّياً لشبابنا، ومربّياً للشعب"([20])  .
  
إصلاح المجتمع، جمعية المعارف الإسلامية الثقافية

([1]) منهجيّة الثورة الإسلاميّة، ص 224.
([2]) منهجيّة الثورة الإسلاميّة، م. س، ص 243.
([3]) م. ن، ص 223.
([4]) م. ن، ص 182.
([5]) الكلمات القصار، الإمام الخمينيّ قدس سره، ص 234.
([6]) م. ن، ص 63.
([7]) الكلمات القصار، م. س، ص 235.
([8]) م. ن، ص 234.
([9]) منهجيّة الثورة الإسلاميّة، ص 224.
([10]) الكلمات القصار، الإمام الخمينيّ قدس سره، ص 90.
([11]) م. ن، ص 294.
([12]) منهجيّة الثورة الإسلاميّة، ص 56.
([13]) الكلمات القصار، الإمام الخمينيّ قدس سره، ص 292.
([14]) م. ن، ص 80.
([15]) م. ن.
([16]) الكلمات القصار، م. س، ص 237
([17]) م. ن، ص 64.
([18]) منهجية الثورة الإسلاميّة، ص 262.
([19]) الكلمات القصار، الإمام الخميني ّقدس سره، ص 240.
([20]) م. ن، ص 239.

 

قراءة 1075 مرة