متى يكون الحياء مذموماً؟

قيم هذا المقال
(0 صوت)
متى يكون الحياء مذموماً؟

 

قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) لأبي ذر (رضوان الله عليه):

"يا أبا ذر أتحب أن تدخل الجنة؟ قلت: نعم فداك أبي وأمي، قال: فاقصر من الأمل، واجعل الموت نصب عينيك، واستح من الله حق الحياء، قال: قلت: يا رسول الله كلّنا نستحي من الله.

 

قال: ليس ذلك الحياء، ولكن الحياء أن لا تنسى المقابر والبلى، والجوف وما وعى، والرأس وما حوى، ومن أراد كرامة الآخرة فليدع زينة الدنيا، فإذا كنت كذلك أصبت ولاية الله".

 

لقد أشار (صلى الله عليه وآله) في هذا المقام إلى خصال من الأخلاق الكريمة.

 

منها: في الحياء، وهو تأثر النفس وانزجارها من أمر ظهر لها قبحه، وهو على قسمين، قسم من أفضل الصفات الكمالية ويورث الفوز والسعادة، وقسم يوجب الحرمان من الكمالات.

 

أمّا ما كان كمالاً منه، فهو انّ الانسان بعد ما ميّز بين الحق والباطل والحسن والقبيح بالعلم استحى من الله ومن الخلق في ترك العبادات، ومحاسن آداب الشريعة، وارتكاب المعاصي وقبائح الآداب التي علم قبحها من الشرع.

 

ومن الواضح انّ المتصف بصفة الحياء إذا أراد فعل قبيح تفكر بحضور الله تعالى واطلاعه على أفعاله، وكذلك اطلاع النبي (صلى الله عليه وآله) والأئمة (عليهم السلام): وعرض أعمال الأُمة عليهم في كلّ يوم، وكذلك اطلاع الملكين الموكلين به، ولو رفع الله ستره عنه لاطلع على فعله جميع ملائكة السماء، وسينفضح يوم القيامة أمام مائة وأربع وعشرين ألف نبيّ، وجيمع الملائكة وسائر العباد، فلو تفكر في هذه الأمور وأذعن بها عن يقين وايمان فلا يتوجه إلى ذلك العمل البتة، وكذلك الأمر في فعل الطاعات.

وأمّا الحياء المذموم بأن يرى الانسان أمراً من الحق قبيحاً بعقله الناقص فيتركه، وهذا ناشىء من الجهل، كما لو أشكلت عليه مسألة فلا يسألها ويستحي ويبقى في الجهالة، أو يترك عبادة لكون بعض الأشقياء لا يستحسنها، وهذا الحياء يوجب الحرمان من السعادة، ويقول الله تعالى: ﴿وَاللهُ لاَ يَستَحي مِنَ الحَقِّ﴾([1]).

 

وروي بسند معتبر عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) انّه قال: الحياء حياءان؛ حياء عقل وحياء حمق، فحياء العقل هو العلم، وحياء الحمق هو الجهل([2]).

 

وقال أبو عبدالله (عليه السلام): الحياء من الايمان، والايمان في الجنة([3]).

 

وقال (عليه السلام) في حديث آخر: الحياء والايمان مقرونان في قرن، فاذا ذهب أحدهما تبعه صاحبه([4]).

 

وقال (عليه السلام) في حديث آخر: لا ايمان لمن لا حياء له([5]).

 

وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): أربع من كنّ فيه وكان من قرنه إلى قدمه ذنوباً بدلها الله حسنات، الصدق، والحياء، وحسن الخلق، والشكر([6]).

 

وقال أبو عبدالله (عليه السلام): من رقّ وجهه، رقّ علمه([7]). [فالحياء في طلب العلم ليس بحسن].

 

وروي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) انّه قال: لم يبق من أمثال الأنبياء الاّ قول الناس: إذا لم تستح فاصنع ما شئت([8]). [فترك الحياء يوجب ارتكاب جميع القبائح].

 

وقال (صلى الله عليه وآله) في حديث آخر: الحياء على وجهين فمنه الضعف، ومنه قوّة واسلام وايمان([9]).

 

وقال أبو عبدالله (عليه السلام): قال عيسى بن مريم صلوات الله عليه: إذا قعد أحدكم في منزله فليرخي عليه ستره، فإنّ الله تبارك وتعالى قسّم الحياء كم قسّم الرزق([10]).

 

عين الحياة، العلامة المحدِّث محمد باقر المجلسي (قدس سره) - بتصرّف

 

([1]) الاحزاب: 53.

([2]) الكافي 2: 106 ح 6 ـ عنه البحار 71: 331 ح 6 باب 81.

([3]) الكافي 2: 106 ح 1 ـ عنه البحار 71: 329 ح 1 باب 81.

([4]) الكافي 2: 106 ح 4 ـ عنه البحار 71: 331 ح 4 باب 81.

([5]) الكافي 2: 106 ح 5 ـ عنه البحار 71: 331 ح 5 باب 81.

([6]) الكافي 2: 107 ح 7 ـ عنه البحار 71: 332 ح 7 باب 81.

([7]) الكافي 2: 106 ح 3 ـ عنه البحار 71: 330 ح 3 باب 81.

([8]) البحار 71: 333 ح 8 باب 81 ـ عن أمالي الصدوق وعيون أخبار الرضا 7.

([9]) قرب الاسناد: 46 ح 150 ـ عنه البحار 71: 334 ح 10 باب 81.

([10]) قرب الاسناد: 46 ح 151 ـ عنه البحار 71: 334 ح 11 باب 81.

قراءة 1161 مرة