عوامل الانحراف في الأمّة الإسلاميّة من منظور نهج البلاغة

قيم هذا المقال
(0 صوت)
عوامل الانحراف في الأمّة الإسلاميّة من منظور نهج البلاغة

حدّد الإمام عليّ )عليه السلام( في نهج البلاغة الأسباب الرئيسة لانحراف الأمّة عن خطّ النبوّة والرسالة، وأرجع جميع الأسباب إلى أصلٍ واحد وهو انحراف الحاكم، يقول (عليه السلام): "وقد علمتم أنّه لا ينبغي أنْ يكون الوالي على الفروج والدِّماء والمغانم والأحكام وإمامة المسلمين البخيل، فتكون في أموالهم نهمتهُ[1]، ولا الجاهل فيضلّهُم بجهله، ولا الجافي فيقطعهم بجفائه، ولا الحائف[2] للِدُّولِ[3] فيتّخذ قوماً دون قوم، ولا المُرتشي في الحكم فيذهب بالحقوق، ويقف بها دون المقاطع[4] ، ولا المُعطِّل للِسُّنّة فيُهلِكَ الأمَّة"[5].
 
هذه الصفات العامّة السلبيّة الّتي ذكرها الإمام )عليه السلام (كانت الطابع الّذي تميّز به الولاة والحكّام في تلك الفترة. ويُمكن إيجاز أهمّ الممارسات المنحرفة الّتي قاموا بها بالأمور التالية:
 
1- العطاء غير العادل
 
خلافاً لسيرة رسول الله )صلى الله عليه وآله وسلم( وسياسته في التسوية بين الناس في العطاء، وعدم تفضيل أحدٍ منهم على أحد، فقد جرى الخليفة الثاني على خلاف ذلك، وفضّل السابقين على غيرهم، وفضّل المهاجرين على الأنصار، والعرب على العجم...[6]
 
ولم يكن ذلك على أساس التقوى والعمل الصالح، ما أعاد الروح القبليّة والجاهليّة من جديد.
 
2 - توزيع المال على الأقرباء
 
فقد خصّص عثمان آله وذويه وغيرهم من أعيان قريش بالهبات الضخمة، ما أثار اعتراض الناس، وفي ذلك يقول )عليه السلام(: "إلى أنْ قام ثالث القوم... وقام معه بنو أبيه يخضمون مال الله خضمة الإبل نبتة الربيع"[7].
 
3 - نشوء أصحاب الأموال
 
وذلك بسبب ترك الأغنياء دفع الزكاة (بغطاء من الخليفة الثالث)، وتدفّق الثروات على المدينة ومكّة واستئثار الخواصّ بها، فانتشر في المدينة أنواع اللهو وأوجد الخليفة الثالث طبقتين من الشعب:
 الأولى: طبقة الارستقراطيّين، وهم أصحاب الثروات الضخمة.
 الثانية: طبقة الفقراء والمحرومين.

 
يقول المسعوديّ: "وفي أيّام عثمان.. بلغت ثروة الزبير خمسين ألف دينار وألف فرس، وألف عبد... وكانت غِلّة طلحة من العراق كلّ يوم ألف دينار. وحين مات زيد بن ثابت خلّف من الذهب والفضّة ما كان يُكسّر بالفؤوس..."[8].
 
4- الولاة المعادون للإسلام
 
ففي عهد عثمان وصل إلى الحُكم مجموعة من الناس عُرِفت بعدائها للإسلام. ومن الطبيعيّ أنْ ينعكس ذلك على كلّ مظاهر العدالة، فقد ولّى عثمان - كما قال ابن أبي الحديد - أمور المسلمين من لا يصلح لذلك ولا يؤتمن عليه، ومن ظهر منه الفسق والفساد، ومن لا علم له عنده، مراعاةً منه لحرمةِ القرابة...[9]
 


[1] - النهمة، بفتح النون وسكون الهاء، إفراط الشهوة والمبالغة في الحرص.
[2] - الحائف، من الحَيْف، أي الظلم والجور.
[3] - الدُوَل، جمع دُولة بالضم، وهي المال، لأنّه يُتدَاول أي يُنقل من يدٍ ليد، والمراد من يحيف في تقسيم الأموال فيفضِّل قوماً في العطاء على قومٍ بلا موجب للتفضيل.
[4] - المقاطع، الحدود التي عيّنها الله لها.
[5] - نهج البلاغة، الكتاب 131.
[6] - شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد، ج8، ص11.
[7] - نهج البلاغة، الخطبة 3.
[8] - مروج الذهب، المسعودي، ج 2، ص 341- 343.
[9] - شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد، ج 3، ص 11.

قراءة 4 مرة