تركيا وشبح التجربة الباكستانية

قيم هذا المقال
(0 صوت)

تركيا وشبح التجربة الباكستانية

التطورات المتلاحقة التي شهدتها الازمة السورية خلال الفترة القليلة الماضية ، والتي زاد من وتيرة سرعتها الاتفاق الذي توصل اليه اللاعبون الدوليون والاقليميون الكبار بشأن الكيميائي السوري، اخذت ترسم صورة جديدة تبتعد كثيرا عن ملاحم تلك الصورة التي حاولت اطراف اقليمية ودولية رسمها لسوريا وللاقليم ، قبل هذا الاتفاق.

من بين اهم الملامح في الصورة الجديدة والتي تباينت كليا مع ملامح الصورة القديمة ، هي تلك الخاصة بتركيا ، التي بهتت حتي تلاشت ، علي اثر الاتفاق الكيميائي ، وعلي وقع الغاء الضربة العسكرية الامريكية ، وصدمة فرار الوية الجيش الحر المدعوم من انقرة ، لاسيما لواء عاصفة الشمال ، امام مسلحي دولة العراق والشام الاسلامية ، الذين اقاموا إمارة إسلامية علي الحدود مع تركيا.

صعود نجم القاعدة في سوريا جاء بالتزامن مع افول نجم المجموعات المسلحة التي تدعمها تركيا والمحسوبة علي الائتلاف المعارض كالجيش الحر الذي اخذ يتآكل ، حيث أعلنت نحو ۷۰ مجموعة مسلحة في محافظة درعا سحب اعترافها بالائتلاف، بالاضافة الي اعلان ۱۳ مجموعة مقاتلة في شمال سوريا عن تأليف تشكل جديد يضم جبهة النصرة.

وفي تطور خطير ينذر بتغيير قواعد اللعبة بين تركيا والمجموعات المسلحة المرتبطة بالقاعدة التي تسيطر علي اجزاء من شمال سوريا ، اعلن الجيش التركي انه قصف مواقع لجماعات مرتبطة بدولة العراق والشام الاسلامية داخل الأراضي السورية ، ردا علي قصف لموقع عسكري تركي عند الحدود مع سورية.

ان ظهور إمارة داعش في خاصرة تركيا ، لم يكن مفاجئا للكثير من المراقبين الذين حذروا كثيرا قادة حزب العدالة والتنمية ، من سياسة الابواب المفتوحة التي اعتمدتها في التعامل مع المجاميع المسلحة القادمة من مختلف انحاء العالم للقتال في سوريا ، وكذلك من صعوبة السيطرة عليها فيما بعد ، مستشهدين بالخطأ الاستراتيجي الذي ارتكبته باكستان في نهاية سبعينيات وبداية ثمانينيات القرن المنصرم عندما انتهجت سياسة الابواب المفتوحة امام المقاتلين القادمين من جميع انحاء العالم و آوتهم ودعمتهم وسلحتهم للقتال في افغانستان ، فارتدوا بعد عقود الي الداخل

الباكستاني علي انماط واشكال شتي، حيث مازال الشعب الباكستاني يدفع ثمن تلك السياسة الي اليوم من امنه ودمه واستقراره.

الفارق الوحيد بين السياسة التركية و نظيرتها الباكستانية يكمن في عدم وجود المدارس الدينية في تركيا والتي كانت تقوم بمهمة أعداد الوافدين الي باكستان عقائديا قبل ارسالهم الي افغانساتان ، صحيح ان الغالبية العظمي من هؤلاء كانوا من الافغان الذي لجأوا الي باكستان ابان الغزو السوفيتي لبلادهم ، الا ان هناك الكثير من الباكستانيين والعرب والاجانب من مختلف الجنسيات انخرطوا في هذه المدارس.

من الاشياء التي تتقاسمها تركيا مع باكستان كانت معسكرات التدريب ، حيث اقامت تركيا مثل هذه المعسكرات للمعارضين السوريين ولمن يريد قتال النظام السوري، ظنا منها ان بالامكان الفرز بين المقاتل الجيد والمقاتل السييء ، وهو خطا كبير وقعت فيه حكومة انقرة التي وصلتها اخيرا تهديدات في غاية الخطورة مصدرها تنظيم القاعدة ردا علي اغلاق معبري باب الهوي و باب السلامة بعد سيطرة داعش عليهما.

فقد كشفت صحيفة جمهوريت التركية في عددها الصادر يوم الاربعاء الثاني من شهر تشرين الاول/ اكتوبر عن مضمون رسالة أرسلها تنظيم القاعدة لرئيس وزراء تركيا رجب طيب أردوغان ، هدد فيها بشن هجمات انتحارية في تركيا لتنظيفها من كفارها ما لم تكف تركيا عن مساندة الجيش الحر في سوريا وتقوم بإعادة فتح الحدود التركية مع سوريا ولاسيما باب الهوي وباب السلامة، بعد ان اغلقتهما تركيا امام رجال ابي بكر البغدادي.

اما ناقوس الخطر الاخر فدقته صحيفة طرف التركية التي نقلت عن تقرير للمخابرات كشف: أن نحو ۵۰۰ تركي يقاتلون ضمن ۱۲۰۰ جماعة معارضة في سوريا أغلبها تحمل اسم الجهاد في حين يعمل آخرون كمرتزقة يتقاضون ۱۵۰۰ دولار شهريا، واصفا التقرير الحدود التركية بالهشة جدا ، مشددا علي انه لن يتحرك احد دياره في منطقة الأناضول ليقاتل من أجل الديمقراطية في سوريا ، فالجهاديون ، كما يقول التقرير ، يذهبون لقتال الكفرة وهذا هو الخطر الذي تواجهه تركيا.

الدعم اللامحدود لتركيا لمقاتلي الجيش الحر وباقي المجموعات المسلحة التي دخلت في صراع دموي مع الاكراد في شمال سوريا ، يبدو انه اثار جرحا قديما ونازفا في جسد تركيا وهو الجرح الكردي ، حيث اعتبر زعيم الجناح السياسي في حزب العمال الكردستاني جميل بايك إن مقاتليه مستعدون لدخول تركيا من جديد من شمال العراق مهددا باشعال القتال مرة اخري ما لم تعمل أنقرة علي احياء عملية السلام قريبا.

الجانب المهم في تهديد بايك هو اتهامه لتركيا بشن حرب بالوكالة علي الأكراد في سوريا بدعمها للمسلحين المعارضين للحكومة السورية الذين يحاربونهم ، وان حزب العمال الكردستاني من حقه الرد.

وامام كل هذه التهديدات التي تواجه تركيا ، وامام المشهد السوري الذي اخذت تتضح موازين القوة فيه ، وامام المشهد الاقليمي الذي مالت كفته لصالح المحور الداعي للحل السياسي ، وامام المشهد الدولي الباحث عن مخرج للتخلص من السلفيين والتكفيريين الذين لا هم لهم في سوريا سوي تأسيس إمارة تكون لهم قاعدة انطلاق الي باقي الدول الاخري، لم يبق امام رئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان من خيار الا ان يتحمل مسؤوليته التاريخية ازاء شعبه وبلاده ، عبر إعادة حساباته في التعامل مع الازمة السورية برمتها ، ليُبعد بذلك عن ان تركيا شبح التجربة الباكستانية.

بقلم: ماجد حاتمي

قراءة 1530 مرة