الفراغ السياسي سمة لبنان خلال العام ۲۰۱۳

قيم هذا المقال
(0 صوت)

الفراغ السياسي سمة لبنان خلال العام ۲۰۱۳

حفل العام الميلادي المنصرم ۲۰۱۳ في لبنان بكم هائل من الوقائع والتطورات السياسية والأمنية في ظل ظروف بالغة الدقة والخطورة كان جلها مرتبطًا بالأزمة السورية أو علي خلفيتها، وخلفت الكثير من التأثيرات والتداعيات علي الواقع اللبناني الذي ازداد هشاشة مع استمرار الانقسامات الحادة بين أفرقائه السياسيين.

ولعل استقالة حكومة الرئيس نجيب ميقاتي كانت الحدث السياسي الأبرز الذي شهده لبنان خلال هذا العام، وكانت له تداعياته علي مجمل الواقعين السياسي والأمني معًا إذ تركت لبنان متأرجحًا في الفراغ حتي ما بعد دخول العام الجديد ولا يزال متأرجحًا مع عدم التوافق بين فريقي ۸ و ۱۴ آذار علي تشكيلة حكومية تخلف الحكومة المستقيلة، وتمسك كل منهما بمطالبه في شكل الحكومة وحصص كل منهما وتوزيع حقائبها.

ففي في ۲۲ آذار/مارس ۲۰۱۳ حاول رئيس الحكومة الحصول علي موافقة وزراء ۸ آذار علي اقتراح تقدم به لتمديد ولاية المدير العام للأمن الداخلي اللواء أشرف ريفي المحسوب بل المنحاز بشكل كلي وفاضح لجانب فريق ۱۴ آذار، والمتعاطف مع التيارات السلفية التكفيرية والمدعوم من رئيس تيار المستقبل النائب سعد الحريري، إلا أن وزراء الثامن من آذار رفضوا التمديد للواء ريفي مع بلوغه سن التقاعد لأن ذلك مخالف للقانون، لكن ميقاتي ظل متمسكًا بمطلب تمرير التمديد لريفي وبلا مقابل، متسلحًا بسيف التهديد بالاستقالة، مدعومًا من رئيس الجمهورية ميشال سليمان ورئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب وليد جنبلاط ووزرائهما لمطلبه (التمديد لريفي) رغم ادعائهما بالوسطية.

أمام إصرار ميقاتي تقدم رئيس مجلس النواب نبيه بري باقتراح يقضي بعقد جلسة نيابية يُقر فيها قانون جديد للانتخابات والتمديد لقادة الأجهزة بمن فيهم اللواء أشرف ريفي وقائد الجيش العماد جان قهوجي، إلا أن طالبي التمديد رفضوا هذا الاقتراح أيضًا، بمن فيهم رئيس الحكومة الذي هدد مجددًا بالاستقالة في حال لم يحصل علي رغبته.

رفض وزراء حزب الله وحركة أمل محاولة ميقاتي لابتزازهم وأيدهم وزراء تكتل التغيير والإصلاح (برئاسة النائب ميشال عون)، فكانت استقالة ميقاتي، وسارع رئيس الجمهورية إلي قبولها وحدد موعدًا للكتل البرلمانية للإجراء الاستشارات الملزمة له بحسب الدستور حول الشخصية التي يجب تكليفها بمهمة تشكيل الحكومة الجديدة.

أنجزت الاستشارات النيابية الملزمة في ۶ نيسان/أبريل الماضي، في ظل توافق غير معلن علي تكليف النائب من تيار المستقبل تمام سلام تشكيل حكومة وطنية جامعة تشرف علي إجراء الانتخابات النيابية في موعدها (۱۶ حزيران/يونيو الماضي) وبذلك يكون العمر الافتراضي لهذه الحكومة حوالي شهرين فقط، وعليه وبناءً علي نتيجة الاستشارات التي نال فيها النائب سلام ۱۲۴ صوتا من أصل ۱۲۸ نائباً في البرلمان، أصدر رئيس الجمهورية مرسومًا بتكليفه مهمة تشكيل الحكومة الجديدة.

ووفقًا للدستور أعلن سلام قبوله تحمل هذه المسؤولية والعمل من أجل مصلحة الوطن والتعاون مع كل القوي السياسية في هذه الظروف الدقيقة التي يمرّ بها الوطن. وقال: إنني أدرك حساسية هذه المرحلة وحراجة الاستحقاقات والمهل الدستورية، وآمل أن تتابع القيادات اللبنانية هذه الايجابية في المشاورات النيابية لتأكيد أولويات المرحلة.

أكد سلام أيضًا أنه سينطلق في مهمته من ضرورة توحيد القوي الوطنية والاتفاق علي قانون انتخابات نيابية يحقق عدالة التمثيل لجميع المواطنين والمناطق ملتزمًا باتفاق الطائف، ومن ضرورة إخراج لبنان من حالة الانقسام السياسي ودرء المخاطر. معلنًا أنه سيعمل لتشكيل حكومة مصلحة وطنية.

بدأ سلام لقاءاته ومشاوراته مع الأفرقاء السياسيين طارحًا تشكيل حكومة من ۲۴ وزيرًا موزعة علي الشكل التالي: ۸ وزراء لـفريق ۸ آذار، و ۸ وزراء لحلفائه في فريق ۱۴ آذار، و ۸ وزراء موزعة بينه وبين رئيس الجمهورية والنائب وليد جنبلاط، زاعمًا أنه من المستقلين، رغم أنه نائب في كتلة المستقبل، وأحد أعضاء ۱۴ آذار المواظبين دومًا علي حضور اجتماعاتها وجلساتها الدورية، وبالتالي فإن وجوده علي رأس هكذا حكومة يعطي الأرجحية لفريقه في اتخاذ قرارات الحكومة، ويسلب ۸ آذار القدرة علي القرار أو حتي الرفض، وبالتالي يجعل وجوده في هكذا حكومة هامشيًا لا حول له ولا قوة.

تمسك سلام بطرحه الأوحد أي حكومة ۸،۸،۸ فأطاح بتعهداته باحترام المهل الدستورية وحكومة المصلحة الوطنية وبموعد الانتخابات النيابية التي كان يفترض أن تشرف حكومته علي إجرائها. ساعده في ذلك فريقه ۱۴ آذار من خلال تعطيل عمل مجلس النواب ليتجنب بذلك التصويت علي مشروع تعديل قانون الانتخابات المقدم للمجلس، وبالتالي الإبقاء علي القانون الحالي المعروف بقانون ۱۹۶۰ اعتقادًا من هذا الفريق أنه يمكنه من خلاله الحصول علي أكثرية في الانتخابات فيما لو حصلت.

في ۱۳ أيار/مايو اجتمع مجلس النواب بناء علي دعوة رئيس المجلس وتوافق الكتل البرلمانية في جلسة خصصت لتمديد ولاية المجلس النيابي الحالي ۱۷ شهرًا إضافية تنتهي في ۲۰ تشرين الثاني/نوفمبر ۲۰۱۴. وذلك تحت ذريعة الظروف الأمنية الاستثنائية التي يمر بها لبنان، وبذلك أنهي النواب مغامرة البحث عن قانون جديد للانتخابات امتّدت لثمانية أشهر، مكرّرين تجربة خاضها المجلس في نهاية السبعينات وحتي بداية التسعينات عندما فرضت الحرب الأهلية تمديد البرلمان ثماني مرّات متتاليات، وكل ذلك لمصلحة القانون المعمول به حاليًا والموضوع منذ العام ۱۹۶۰، والذي تعتقد قوي ۱۴ آذار أنه يؤمن لها الأكثرية في الانتخابات المقبلة.

ومع اقتراب انتهاء ولاية رئيس الجمهورية المحددة بتاريخ ۲۵ أيار/مايو المقبل، وفقًا لما ينص عليه الدستور الذي يفرض إجراء الانتخابات الرئاسية قبل ۶۰ يومًا من نهاية ولاية الرئيس أي قبل تاريخ ۲۵ آذار/مارس المقبل. انتقلت الخلافات السياسية في لبنان إلي موقع الرئاسة في ظل مرشحين علنيين وآخرين أخفوا حتي الآن رغبتهم بذلك، رغم أنهم بدأوا يسعون لدي الأطراف والقوي المؤثرة في الوضع اللبناني لمساعدتهم علي الوصول إلي القصر الرئاسي الذي لا يبعد عن العاصمة جغرافيًا أكثر من ۱۰ كيلومترات، لكنه يبعد عنهم سياسيًا آلاف الكيلومترات التي قد تكون داخل القارة الآسيوية وقد تتجاوزها إلي خلف المحيطات.

وأبرز المرشحين المعروفين حتي الآن رئيس التيار الوطني الحر وتكتل التغير والإصلاح النائب العماد ميشال عون الذي توافقت عليه الأطراف الأساسية في قوي ۸ آذار، فيما أعلن النائب سليمان فرنجية (من مكونات ۸ آذار) ترشحه هو الآخر، مع إبداء استعداده للانسحاب لصالح العماد عون حتي ولو كانت فرصة فوزه بها ۱ في المئة كما قال مؤخرًا.

أما في قوي ۱۴ آذار فالطامحون كثر، يتقدمهم حاليًا النائب بطرس حرب الذي لا يخفي رغبته هذه وسبق أن أعلن ترشيحه للرئاسة أكثر من مرة كان آخرها قبل التوافق علي ميشال سليمان، في اتفاق الدوحة، وهناك رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع الذي يمني نفسه بالوصول إلي القصر الرئاسي منذ خروجه من السجن في تموز/يوليو ۲۰۰۵، إلا أن ترشحه سيواجه معضلة قانونية كونه محكوم سابق لم تثبت براءته وإنما خرج من السجن بعفو خاص لا يزال أولياء الدم الذي أراقه يعترضون عليه حتي اليوم. وهناك رئيس حزب الكتائب ورئيس الجمهورية الأسبق أمين الجميل الذي لا يزال يخفي رغبته بالعودة إلي القصر الرئاسي، إلا أن تحركاته الأخيرة كشفت هذه الرغبة من خلال زيارة قام بها إلي الولايات المتحدة الأميركية مؤخرًا بعد أيام من تناوله العشاء علي مائدة سفير الجمهورية الإسلامية الإيرانية في بيروت غضنفر ركن آبادي.

ويضاف إلي هؤلاء المرشحين رئيس الجمهورية الحالي ميشال سليمان الذي يمني نفسه بالبقاء في القصر الرئاسي ولو لنصف ولاية (۳ سنوات) إضافية وهو ما كشفه في رسائل بعث بها مؤخرًا إلي أفرقاء أساسيين في ۸ آذار تحت ذريعة الخوف من حصول الفراغ في الرئاسة مع واقع الفراغ في الحكومة. وعليه طالب سليمان الغرب والعرب وحزب الله بالإسراع في إجراءات التمديد لولايته سريعًا مهددًا بالموافقة علي تأليف حكومة أمر واقع إذا لم يوافق حزب الله علي رغبته هذه.

ونقلت صحيفة الأخبار مؤخرًا عن سليمان قوله: سأجد نفسي مضطرًا إلي الموافقة علي مقترح الرئيس سلام بتأليف حكومة غير سياسية، وهدفي هو إرضاء السعودية، لأنه إذا خرجت وحصل فراغ في الرئاسة وبقيت حكومة ميقاتي لتحكم البلاد، فان السعودية سوف تثور، وربما يدفعها الأمر نحو خطوات ليست في مصلحة لبنان. علمًا أن هذا الكلام لم ينفه الرئيس سليمان الذي بدأ يسعي في لقاءاته إلي إقناع المسؤولين المعنيين بضرورة التمديد له.

الطامعون والمرشحون للرئاسة كثر لكن أماني هؤلاء كلها قد تنسفها التسويات السياسية التي قد تفرض علي لبنان علي غرار التسويات السابقة مثل اتفاق الدوحة الذي نقل الرئيس ميشال سليمان من قيادة الجيش إلي موقع الرئاسة، إذ أن هناك همس في الأروقة وبين السياسيين عن احتمال التوصل إلي تسوية قد تأتي بواحد من اثنين إلي موقع الرئاسة إما قائد الجيش الحالي العماد جان قهوجي، وإما النائب الأسبق جان عبيد.

وحتي موعد الاستحقاق الرئاسي يبقي لبنان معلقًا بين حكومة تصريف أعمال، وحكومة توافقية موعودة، وتعطيل لمؤسسات الدولة خاصة مجلس النواب، وتجاذبات القوي والدولية وتطورات الأوضاع الإقليمية لا سيما في ما يتعلق بالأزمة السورية التي قد تحمل معها تطورات غير مرتقبة إلي هذا البلد الذي بات تحت تأثير العواصف السياسية والأمنية الداخلية والخارجية.

قراءة 1712 مرة