إيران وتركيا: محور "الأصدقاء"!

قيم هذا المقال
(0 صوت)

إيران وتركيا: محور

عندما يجتمع التاريخ والجغرافيا، وتضاف إليهما الديموغرافيا بين بلدين، فلا شك ولا ريب أنهما لبعضهما البعض بمثابة القضاء والقدر، بل قل أكثر.

بين تركيا وإيران علاقة شبيهة بما سلف، ولأنهما كذلك فعلاقة كلاهما بالآخر تستأهل دراسة لمسارات الالتقاء والتنافر على مر العصور وكيفية تأثيرها على مجريات العلاقات الثنائية بين بلدين كانت لصداقتهما وخصومتهما انعكاسات على الجوار الجغرافي، نظراً إلى الدور الذي تلعبه وريثتا الإمبراطوريتين العثمانية والصفوية في منطقة الأزمات المستمرة.

كانت الأزمة السورية خلال السنوات الثلاث الماضية، محطة الاختلاف التركي الإيراني، لكنها لم تصل بالعلاقة بين البلدين إلى حالة الخلاف، بل إن أنقرة وطهران تعاونتا حيث أمكن في عمليات إطلاق سراح مخطوفين، وفي تدوير بعض الزوايا التي لم تغير كثيراً في المشهد العام السوري، لكنها أبقت على حد أدنى من الانسجام رغم الاختلاف هناك.

إيران تريد نظام الرئيس السوري بشار الأسد وتدعمه بما أوتيت حتى انتهاء ولايته، وتركيا تفتح لـ«الثوار» السوريين وغير السوريين بوابتها لقتال حليفها السابق، وتستميت في حملتها لإطاحة النظام الذي حاولت خلال أول أشهر الأزمة إقناعه بتقديم تنازلات جدية لكي يتم تجاوز الأزمة بأقل خسائر ممكنة، وهذا ما لم يحصل. وهذا بعض مما استفز الأتراك في علاقتهم مع صديقهم الأقرب، الأسد، الذي تحول بعد ستة أشهر من اللقاءات والمحاولات إلى العدو الأول، لتنطلق حرب «داحس والغبراء» الإعلامية، والتي تبادل فيها الطرفان كل ما يخطر في البال.

وبالرغم من ضراوة الأزمة السورية وأهميتها على الصعيد الإستراتيجي للإيرانيين، لم يضرب الموقف التركي أساس العلاقة مع أنقرة. حصل بعض الجفاء لا شك في ذلك، لكنه لم يؤثر على علاقات البلدين المباشرة المرتبطة بمصالح البلدين، فاستمر التنسيق الأمني حيث أمكن، والتبادل التجاري والتعاون الاقتصادي، بما في ذلك ما تم الكشف عنه من فتح ثقوب سوداء إيرانية - تركية في جدار العقوبات الدولية على طهران، الأمر الذي ساهم في التخفيف من الضغوط على إيران، وهي عينها القضية التي فتحت أبواب جهنم الإعلامية والسياسية بسببها على حكومة رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان، الإسلامية بالمناسبة.

عندما تطرح الأسئلة على بعض العارفين بكواليس طهران عن التوفيق بين علاقة إستراتيجية مع تركيا وأخرى شبيهة مع خصمها اللدود اليومي في دمشق، لا يبدي هؤلاء كثير استغراب، بل هم يستغربون الإغراق في الربط بين الأمرين.

هؤلاء، يعودون في التاريخ قليلاً إلى تلك المرحلة حيث كانت التفجيرات في العراق جارية بشكل يومي ما قبل الأزمة السورية، وهي الفترة التي كانت فيها بعض جماعات تنظيم «القاعدة» تنطلق من سورية، أو عبر الحدود السورية، لقتال الأميركيين، وبعض هؤلاء كان يعمد إلى تفجير نفسه في المدنيين ومحاربة الحكومة العراقية التي تدعمها طهران. هم يتساءلون، هل تأثرت العلاقة السورية الإيرانية الإستراتيجية بذلك؟ ويجيبون بأنفسهم.. قطعاً لا!

في العلاقة مع تركيا تفاصيل كثيرة مرتبطة بالخصوصية التركية الإيرانية. وإيران كما لا يخفى على أحد - اللهم إلا من يريد نسيان هذا التفصيل المحوري - واحدة من أهم تجليات الإسلام السياسي في المنطقة، بل إنها ترى في نفسها رأس حربة الإسلام السياسي، وأن نظام حكم ولاية الفقيه يشكل أبرز إنجازات الإسلام السياسي خلال القرن العشرين والعقدين الأولين من القرن الحادي والعشرين.

إيران الإسلامية ترى في حكومة «حزب العدالة والتنمية» التركية حليفاً مهماً لها لأسباب تبدأ بالتوجه الإسلامي للحزب الحاكم وقياداته، وهو الأمر الذي انعكس على المجتمع راحة على صعيد حرية الممارسة الدينية والسماح بارتداء الحجاب وما شاكل، وثانياً لأن هذه الحكومة، وخلال سنوات حكمها منذ العام 2002، حدّت كثيراً من التعاون الإسرائيلي التركي، والذي كان قد وصل أوجه في مراحل ما قبل حكم «العدالة والتنمية».

قد يبدو ما سلف كافياً بالنسبة إلى الإيرانيين لشرح علاقتهم بتركيا، ووصولها إلى مرحلة تقول فيها المتحدثة باسم وزارة الخارجية الإيرانية مرضية أفخم، بصراحة وأمام العدسات، أن الزيارة المقبلة لأردوغان إلى إيران ستشهد فتح صفحة جديدة ونوعية في مستوى التنسيق بين البلدين.

ويفهم من هنا أن أنقرة وطهران وصلتا إلى مرحلة متقدمة من التوافق على التفاصيل، ليبدأ التنسيق في القضايا ذات الاهتمام المشترك، وهنا نعود مجدداً إلى سورية مربط الفرس، وما لا يقال عن الاندفاع الجديد في إعادة إطلاق العلاقة بين البلدين.

لا يخفى على أحد أن تركيا، بعد سقوط نظام «الإخوان المسلمين» في مصر وتدهور العلاقة مع الخليج بشكل كبير وضبابية الرؤيا في سورية، تعيش نوعاً من العزلة الإقليمية، كما أن إيران وفي ظل تدهور العلاقة مع السعودية إلى مرحلة غير مسبوقة والعلاقات العادية جداً مع دول الجوار العربي باستثناء العراق وعمان، تجد نفسها في حاجة إلى شريك «سنّي» في المنطقة، تنسج معه علاقة إستراتيجية لمواجهة من يشتركان على تعريفه بالخطر، والشراكة هنا لا تعني تركيا فقط، بل الحركات التي تدور في فلك تركيا أو تتأثر بها، وبعض هذه الحركات بدأ أساساً بمد جسور هنا أو هناك مع إيران أيضاً، وهو الذي أزعج أو استفز الأنظمة التي تعاديها أو تعمل لمواجهتها.

باختصار، هناك عمل يجري على قدم وساق لإعادة إنتاج محور جديد في المنطقة، هو محور الضرورة لأعضائه والخطورة لأعدائه، محور قد يختلف في التفاصيل لكنه يتفق على الأهداف.

العمل ما زال في بداياته والعثرات كثيرة، لكن من يقف في المقدمة، أي تركيا وإيران، يدركان أن لا مناص من لم الشتات ورأب الأصداع، لأن البديل سيكون قاسياً على الجميع.

قراءة 1721 مرة