أين الأزهر من الدم الذي يُراق في سيناء!

قيم هذا المقال
(0 صوت)
أين الأزهر من الدم الذي يُراق في سيناء!

إثر كل عملية إرهابية تتم في سيناء المصرية (وما أكثرها هذه الأيام) يتساءل الإعلام والساسة ومن تبقّى شريفاً من علماء الأمّة؛ أين الأزهر؟ ولماذا يترك هذه الساحة فارغة لكي تنمو فيها داعش المصرية (ولاية سيناء) ولكي يتجدّد فيها الفكر التكفيري الذي أباح القتل ضد الجيش والشرطة والمدنيين الأبرياء؟! لماذا لا يملأ الأزهر الساحة بالفكر والدعوة الوسطية المشهورة عنه؟ لماذا ينشغل بقضايا فرعية لا تفيد الأمّة؟

أسئلة تدفعنا إلى البحث مجدّداً عن الأزهر ورسالته المفتقدة :

رغم أن موضوع الأزهر من الموضوعات التي وضعت على طاولة البحث كثيراً ، وتناولها العديد من الكتّاب والباحثين بالبحث والتفنيد في النشأة والهدف والمعارك والمراحل التاريخية ، إلا أن الحديث عن الأزهر لا يتوقّف نظراً لأهمية دوره المأمول منه ولموقعه من الأمّة ، هذا الموقع الذي لم تستطع أية جامعة إسلامية أن تحل محله منذ بدأ وحتى الآن، ورغم تراجع دوره ، إلا أن العناصر المكوّنة له وتاريخه ومعاركه ورصيده الحضاري هو الذي جعل الأمّة تتعلّق به كلما جدّ جديد وحلّت أزمة أو كارثة بالأمّة .

فالأزهر الذي أنشىء عام 359هـ/ 970م ، وافتُتح في العام 363هـ/974م . بات مطلوباً اليوم (2017) وسط هذا الفيضان من الإرهاب الداعشي والفكر التكفيري.

  • إن ما يجري منذ سبع سنوات في سوريا والعراق وفي مصر (بلد الأزهر) وليبيا وغيرها من هجوم (للإسلام الداعشي) على كل ركائز الهوية الإسلامية المعتدلة ، ليدعونا إلى مُناداة الأزهر ثانية وبأعلى صوت أن يتواجد وأن يقاتل مجدّداً بفكره ودعوته ودُعاته !! .
  • إن ثمة ضرورة إسلامية كبرى أيضاً اليوم (2017) لاستنهاض دور الأزهر الوسطي المعتدل فى مواجهة الصراعات المذهبية والطائفية ، وهى القضية التي أخذت تتدحرج شيئاً فشيئاً من داخل بعض الأقطار في المنطقة " الاقليم " ، إلى دولة أخرى حتى استحدث منها قضايا سياسية تربك علاقات الأخوة والجوار ، ونخشى من حروب إسلامية – إسلامية قادمة قد تحدث فى القريب إذا ما ظلّ الأزهر على هذه الحال من التراخي والسكون ، وقد كان أهم نقاط أحد أبحاثنا عن الأزهر قبل سنوات، هو الفقرة الأخيرة في تلك الدراسة التي نقول فيها: "المطلوب الآن هو الدعوة إلى إعادة دور الأزهر الثقافي والدَعَوى والسياسي في مواجهة دعوات الفكر الوهّابي المُتسعوِد ، والذي يكفّر كل مختلف معه فى فروع الدين ، وهو الفكر الذي يثير – منذ سبع سنوات (منذ بدء الربيع العربي المزعوم) - الفتن في العراق والآن في مصر وسوريا وسيناء ولبنان وفلسطين باسم الدفاع عن الإسلام ، والإسلام منه براء.

إن أحداث قتل الضباط والجنود من الشرطة والجيش اليومية، من خلال تنظيم (ولاية سيناء) الوهّابي المتطرّف ليست بعيدة عن أنظارنا ، ودُعاة هذا الفكر ينتشرون الآن في البلاد الإسلامية ويخلطون بين المقاومة المشروعة ضد الاحتلال وبين الإرهاب المُتمسّح زيفاً برداء الإسلام.

من هنا يمكن أن نعيد طرح السؤال الذي طرحناه من قبل منذ العام 2007م ، عندما عقد مركزنا البحثي (مركز يافا للدراسات والأبحاث) عشرات الندوات ضد الفكر التكفيري، داعياً إلى عدم حَرْف البوصلة بعيداً عن قضية الأمّة المركزية، فلسطين، وهو " أين الأزهر"؟.. أين الأزهر في قضية الجهاد والمقاومة والإخوة الدينية التي يجب أن نحافظ عليها ونحفظها حتى وإن اختلفت مذاهبنا وأفكارنا وطرق حلولنا للقضية الواحدة ، إن غياب دور الأزهر في العراق أدّى إلى نشوب صراع على المذهب ، أو صراع تم تبريره بأنه بين " الشيعة الرافضة " و" أهل السنّة والجماعة " رغم أن الأمر ليس كذلك أبداً !!.

على الرغم أن الدائر في العراق كما هو الأمر في سوريا وفي فلسطين ولبنان.. بين ضمير الأمّة المتمثّل في جهاد أخلص أبنائها وبين جماعات الاحتلال والتكفير الوهّابى على اختلافها إن الفرز.. اليوم بين الأمّة وأعدائها.. مَن مع المقاومة وحرية الوطن والمواطن، ومَن ضد المقاومة ومع الاستسلام والقهر والتسلّط والعجز والخنوع للمحتل ، وهنا يأتى الدور المنشود للأزهر "إن دور الأزهر فى حروب مصر إبان عهد عبد الناصر 1956 – 1967م وما تلاها ، هذا الأزهر العظيم الذي تراجع دوره وباعتراف علمائه وتدهورت رسالته وتحوّل العديد من خرّجيه إلى مجرّد موظفين لدى الدولة، وافتقدنا فيهم أمثال الأفغانى ومحمّد عبده والمراغى وشلتوت والخضر حسين وأبو زهرة وغيرهم من نجوم الفقه والاجتهاد الإسلامي" آن له اليوم أن يستيقظ.

ومن المعلوم أن تلك الفترة كانت واحدة من أخصب الفترات التي عاشها الأزهر نظراً لتداخل رؤيته الجامِعة والموحّدة والمُتّسقة مع أهداف الثورة، فالدوائر التي كان يتحدّث عنها ناصر هي نفس الدوائر التي ينشط خلالها الأزهر لنشر رسالته ، فإذا كانت الثورة ترى أهمية الدوائر الثلاث العربية والأفريقية والإسلامية، فإن الأزهر له نفس الدوائر باعتباره الجامعة الكبرى المصرية موقعاً، العربية لساناً، الإسلامية ديناً، الإنسانية هدفاً ورسالة، فالأزهر هو الجامعة التي سمت وتجاوزت فوق اللون والجنس والموطن القُطري ، وأشاعت جواً من الإخاء الإنساني وأساتذتها هم من علّموا أهل كل الأقطار والأمصار فبذلك حقّقت كل شروط الحرية والالتزام الجامِع.

إن محاولة إعادة القوة للأزهر الشريف أمر أصبح متعلقاً بمصير المسلمين في تلك الآونة التي ازدادت فيها حدّة الجمود، وازداد عدد تنظيمات الإرهابيين الذين يدّعون انتماءهم للإسلام، وبخاصة داعش والقاعدة وأخواتهما في سوريا وسيناء المصرية وليبيا والعراق، لقد أصبح من الضروري أن يجتمع علماء الأزهر مع مَن يماثلهم من علماء المسلمين الشيعة والسنّة من مختلف أنحاء العالم، ويقفوا وقفة رجل واحد ضد هذا الخطر الذي يهدّد الأمّة وقضاياها. ولا يكفي مؤتمرات عقيمة أو بيانات إبراء الذمّة التي تتم عقب كل عملية إرهابية في سيناء ! لابدّ من موقف أكثر راديكالية وقوة وشمولاً لجغرافيا المنطقة والعالم !! .

كذلك تهمنا الإشارة إلى أن الحديث عن الحوار الحضاري ودور الأزهر فيه  باعتباره هو الرائد فى هذه الدعوة بما يملك من رصيد تراثي وحضاري وغلبة ثقافة الحوار عليه ، فإنه مؤهّل دون غيره في الاطّلاع بدور الوسيط الحضاري بين الحضارات المختلفة للقضاء على فكرة العنف الديني ووصم  "المسلم " دائماً بالإرهاب ومن خلال ثبات الصورة الذهنية التي تختزل دائماً الإسلام بـ " جماعات الإسلام السياسي " وبأن الإسلام دين عنف . والذي نجحت " القاعدة وداعش" وأخواتهما في تثبيته وتأكيده !!

إن التقدّم بالحوار يقتضى استحضار الثوابت التي يبدأ منها الانطلاق، على أن يكون نصب أعيننا هدف رئيسي هو تعزيز وتحقيق وحدة الأمّة ، وهذا يتطلّب أن يأخذ الحوار مكانته اللائقة به فى مناهج تربية الأجيال وتعليمها احتراماً وممارسة ، في البيت والمدرسة والمجتمع ، ويمكن أن نرى حقيقة الأزهر الحوارية من زاوية أن الأزهر كمؤسسة لم تنشأ لتكون جهة إعلامية أو في خدمة أحد ، حيث أن الفاطميين أنشأوا الأزهر ليكون مؤسسة دينية وعلمية إسلامية للدعوة الحرة المُستنيرة ، مؤسسة لكل مذاهب أهل الإسلام تتجادل فيه وتتناقش ، وهذا هو الدور الذي حمله الأزهر وبشّر به بين المسلمين ، فالأزهر الشريف هو المؤسسة العلمية التعليمية الدعوية الوحيدة في عالمنا العربي والإسلامي التي لا تتعصّب لمذهب بعينه وعليه ، فالأزهر هو المؤسسة الوحيد تقريباً القادرة اليوم على الدخول في حوار حضاري أو الدعوة للحوار الحضاري بين أصحاب الحضارات المختلفة والديانات المتعدّدة، وفي مواجهة فكر داعش التكفيري المنتشر في سوريا كما في سيناء المصرية ،  والأزهر حين يقود الأمّة فإنه ومن دون نقاش قادر على جمع الكلمة وتحقيق مشروع أمّتنا الحضاري الذي يلتقي عليه الكافة من مختلف الثقافات والتيارات ليسهموا في عمران عالمنا ، بمنهج وسطي قويم وليس منهجاً تكفيرياً منفّراً كما هي الحال مع أصحاب فقه البداوة القادمين من المدرسة الوهّابية، الذين أهانوا الإسلام وأساؤا إليه.

وإن هذا الدم المُراق يومياً في سيناء المصرية (كما في سوريا العروبة) وباسم الإسلام، هو دليل ساطع على خطورة هذا الفكر التكفيري، وبالمقابل أهمية حضور الأزهر وبقوة في مقاومته، وفي طرح البديل الإسلامي الوسطي المقاوم، قبل أن يضيع الإسلام، وتتمزّق دوله وطوائفه على أيدي داعش وأخواتها. والله أعلم.

رفعت سيد أحمد

قراءة 1407 مرة