الاشتراكيون على أعتاب الإليزيه

قيم هذا المقال
(0 صوت)

اختار الفرنسيون الاشتراكي فرانسوا هولاند مرشحهم الأوفر حظاً لدخول الأليزيه، بعد أن حقق 28,4 في المئة من الأصوات وانتصاراً منتظراً على الرئيس المرشح نيكولا ساركوزي الذي لم يتجاوز نسبة الـ26,5 في المئة.

ولا يشك فرانسوا هولاند في فوزه الأسبوع المقبل. إذ اعلن «أعتقد أنني سأكون الرئيس المقبل للجمهورية»، وهذا درس انتخابات اليوم. ولا يخطئ المقربون من الرئيس الفرنسي ساركوزي القول في تبرير مسبق للهزيمة المتوقعة بأن الرئيس خاض معركة ضد تسعة مرشحين وليس ضد اليسار.

وتبدو الهزيمة مضاعفة للرئيس ساركوزي، إذ أن نسبة المشاركة كانت مرتفعة نسبياً، وبلغت 81 في المئة من المسجلين على اللوائح الانتخابية، وهي نسبة تقل عن الدورة الأولى في العام 2007 إلا انها لا تزال نسبة عالية، وأعلى مما كان منتظراً، بعد توقعات بأن يفضل كثيرون من الفرنسيين نزهة الأحد على التوجه إلى صناديق الاقتراع. وإذ لم يستطع الوصول اولا في الدورة الأولى امام المرشح الاشتراكي فحسب، لإطلاق ديناميكية سياسية تحول أكثرية اصوات اليمين وبعض الوسط إلى صناديقه بل إنه أخفق

إخفاقاً ذريعاً في اجتذاب أصوات اليمين المتطرف ـ وهو ما نجح بتحقيقه في العام 2007 وساعده على الفوز بسهولة في الدورة الثانية ـ رغم قيادته حملة انتخابية خطف فيها كل شعارات اليمين العنصري، من التخويف بالمهاجرين والإسلام وانعدام الأمن، وأوروبا التي تتيح حرية التنقل.

وحققت مارين لوبن، مرشحة اليمين المتطرف، الاختراق الكبير، وكانت حدث هذه الانتخابات بنيلها ما يقارب 19 في المئة من اصوات الناخبين. واستطاعت وريثة ابيها جان ماري لوبن في قيادة الجبهة الوطنية، تجاوز الـ17 في المئة، والرصيد القياسي الذي حققه في العام 2002. وتثبت مارين لوبن حول اسمها كتلة شعبية انتخابية لليمين المتطرف تاريخية تقارب للمرة الأولى نسبة العشرين في المئة، وتنجح في تطبيع وجود يمين عنصري وازن في الحياة السياسية الفرنسية.

ورغم هزيمته يبدو الرئيس الفرنسي اكثر من اي وقت مضى، اسير الجبهة الوطنية العنصرية، ورهينة الاستراتيجية التي خاض بها الحملة الانتخابية في الدورة الأولى، آملاً باجتذاب الكتلة التي اقترعت لمارين لوبن، ويستعد رغم كل شيء، وربما مدفوعاً بعدم وجود خيارات اخرى، إلى البقاء أميناً لشعارات اليمين المتطرف، والرهان على النجاح على أن يحقق في الدورة الثانية ما اخفق في تحقيقه في الدورة الأولى، وبالأسلحة والشعارات نفسها. وقال ساركوزي في اول خطاب له بعد الهزيمة «إن التصويت كما ظهر هو تصويت ينم عن وجود ازمة، ويعبر عن الخوف الفرنسي من مواجهة عالم جديد». وردد عزمه العمل على احترام الحدود الفرنسية في اوروبا، ومكافحة الهجرة، وتوفير الأمن للفرنسيين وعائلاتهم.

ويعبر ازدهار اليمين المتطرف عن عمق الأزمة الاجتماعية والاقتصادية والهوة السحيقة التي باتت تفصل جزءاً كبيراً من الطبقات الشعبية، التي تنتخب لليمين المتطرف، عن النخب والأحزاب التقليدية. ويدفع الرئيس ساركوزي ثمن سياسة محاباة اليمين المتطرف، والمزايدة عليه طيلة ولايته بإجراءات شعبوية، من قبيل تنظيم نقاش حول الهوية الوطنية انزلقت إلى نقاش عنصري حول موقع الإسلام في فرنسا وقابليته للاندماج في المجتمع.

ومنذ مساء أمس بدأ العد العكسي لعودة يسار الوسط الفرنسي إلى الإليزيه للمرة الثانية منذ نشوء الجمهورية الفرنسية الخامسة في العام 1958. وللمرة الأولى منذ العام 1988(فرانسوا ميتران بـ34 في المئة) يتقدم مرشح يساري على مرشح يميني في الـــدورة الأولى من الانتخابات. وتعد الاستطلاعات فرانسوا هـــولاند بدورة ثانية يتقدم فيها بثماني نقاط على خصمه ساركوزي.

لا يتمتع ساركوزي بمخزون احتياطي من الأصوات يميناً ـ او في يمين الوسط، يعوضانه عن التأخر الكبير في السباق مع هولاند وسيكون صعباً جداً على ساركوزي البقاء ولاية ثانية في سدة الرئاسة، لأن اتجاه جزء وازن من اصوات المرشحين الثمانية الذين خرجوا من السباق، بحسب النفسية التي تعيشها البلاد المعادية له، بالإضافة إلى العمليات الحسابية والتوقعات، يصب في مصلحة المرشح الاشتراكي هولاند. كما أن جمع اصوات اليسار من كل الأطياف يبلغ 45 في المئة.

ومن المؤكد أن مجمل أصوات الكتلة اليسارية أو اكثريتها، سيتنقل في الدورة المقبلة إلى صناديق هولاند. اما اصوات كتلة اليمين المتطرف من ناخبي لوبن، والوسط من ناخبي فرانسوا بايرو، فلن تصب في مصلحة ساركوزي. ومن المنتظر ان يقترع 30 في المئة من ناخبي لوبن لمصلحة هولاند، كما ان اكثر من 60 في المئة من ناخبي بايرو يقترعون لمصلحة الاشتراكي. وهي عملية جمعية تكفي لهزيمة ساركوزي.

وكان خبراً سيئاً لساركوزي أن تبدأ مارين لوبن كلمتها الانتصارية مساء امس، بتتويج حزبها المعارضة الفعلية في البلاد، لحكومة اشتراكية تجزم بأنها مقبلة، وهذا يعني أنها تدعو ضمنياً مناصريها إلى عدم التصويت للرئيس ساركوزي. وأصيب ساركوزي بخيبة امل كبيرة، إذ لم يدع فرانسوا بايرو، مرشح الوسط، ناخبيه إلى الاقتراع له. واكتفى بايرو بتعيين نفسه حكماً في الدورة الثانية، ودعوة المرشحين إلى الإجابة على لائحة من الأسئلة يوجهها اليهما لاحقاً، قبل تحديد موقف نهائي، علماً بأنه كان يكرر بأن ناخبيه احرار في اختيار من يشاءون.

وبدأ اليسار مساء امس عملية توحيد صفوفه انتخابياً. إذ دعت مرشحة الخضر ايفا جولي، ناخبيها الذين بلغوا نسبة 2،2 في المئة، إلى التصويت لصالح فرانسوا هولاند. وقال مرشح جبهة اليسار جان لوك ميلانشون في احتفال ليلي لناخبيه ان يقترعوا لهولاند «كأنكم تقترعون لي». ورغم أن ميلانشون لم يحقق رهانه بالحلول ثالثاً في السباق إلى الاليزيه، إلا انه بحصوله على 11 في المئة من الأصوات، يحقق انجازاً مهما لليسار بارتقائه إلى هذا الرقـــم بعد أن كـــانت الاستطلاعات قد منحته في بداية الحملة نسبة متواضعة هي 5 في المئة.

قراءة 1653 مرة