ليبيا: مخاطر ما قبل الانتخابات

قيم هذا المقال
(0 صوت)
ليبيا: مخاطر ما قبل الانتخابات

الميدان الليبي يشهد عدة تطورات مفصلية على المستويين السياسي والعسكري منذ أوائل شهر كانون الأول/ديسمبر الماضي، تأتي كلها على خلفية توتر يسود الأجواء في المستويين على خلفية تضارب الرؤى بين قائد الجيش الوطني وبين رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني بشأن نهاية المدة القانونية لاتفاق الصخيرات السياسي من عدمها.

شهد الميدان الليبي على المستويين السياسي والعسكري منذ أوائل شهر كانون الأول/ديسمبر الماضي، عدة تطورات مفصلية تأتي كلها على خلفية توتر مكتوم يسود الأجواء على خلفية تضارب الرؤى بين قائد الجيش الوطني وبين رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني بشأن نهاية المدة القانونية لاتفاق الصخيرات السياسي من عدمها.

الكل يضع الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المتوقعة في أيلول/سبتمبر المقبل، كأولوية مصيرية لحجز مكان في خريطة سياسية تكتنف محاولات تشكيلها الكثير من العراقيل الأمنية والعسكرية والسياسية أيضاً.

 

الوضع في بنغازي

وتمكن الجيش الوطني من الإنهاء التام لعملياته داخل مدينة بنغازي، بإكتمال تطهير منطقة إخريبيش ومحيط الفندق البلدي، لينهي بذلك شهوراً طويلة من المواجهات مع عناصر مجلس شورى مجاهدي بنغازي.

لكن برغم ذلك لم تنتهِ التحديات في المدينة، فبالإضافة إلى عمليات تطهير بعض شوارع المدينة من الألغام والعبوات الناسفة، انطلقت عمليات مطاردة لمن تمكن من الهرب من عناصر مجلس شورى مجاهدي بنغازي، خاصة في اتجاه المناطق الغربية للمدينة، وتمكنت قوات الجيش من قتل 6 من هذه العناصر في منطقة الجروشة.

وشكلت السيارات المفخخة تحدياً كبيراً أمام قوات الجيش، حيث شهدت المدينة خلال هذه الفترة انفجار ثلاث سيارات مفخخة؛ الأولى كانت في بلدة سلوق التي تقع على بعد 50 كم من المدينة، واستهدفت أحد أعيان قبيلة العواقير، لكن لم تنتج أية إصابات عن هذه الانفجار.

الحدث الأمني الأهم كان انفجاراً مزودجاً تم تنفيذه باستخدام سيارتين مفخختين، استهدف مسجد "بيعة الرضوان" في حي السلماني شمالي المدينة، ما أسفر عن استشهاد وإصابة العشرات. وكان واضحاً أن الهدف الأساسي من هذه التفجيرات هو زيادة الإيحاء بأن المدينة تشهد توتراً أمنياً، لمحاولة عكس الصورة التي ترسخت خلال الأسابيع الماضية عقب إنتهاء العمليات في إخريبيش.

كذلك شهدت المدينة توتراً على خلفية طائفية بعد العثور على 6 جثث في منطقة الليثي، تعود إلى أشخاص تم اختطافهم على يد بعض المنتمين إلى جماعة سلفية.

 

عمليات درنة على الأبواب

أعلنت غرفة عمليات "عمر المختار" التابعة للجيش الوطني، قرب بدء العمليات في درنة، وتحديد النطاق الواقع بين جنوبي مدينة القبة وحتى بوابة الحيلة الواقعة جنوبي المدينة كمنطقة عمليات عسكرية مغلقة، وحذرت في بيان لها أهالي المدينة من التواجد حول المقرات التابعة لمجلس شورى مجاهدي درنة.

بالتزامن مع هذا البيان، وعقب اجتماع ضم قائد الجيش الوطني وقائدي غرفتي عمليات الكرامة وعمر المختار في قاعدة الأبرق الجوية، أعلن قائد القوات الخاصة بدء انتقال قواته إلى محاور درنة، وبدأت تعزيزات كبيرة من قوات الصاعقة والكتيبة 106 مشاه، مدعومة بالصواريخ والمدفعية، في التدفق إلى التخوم الجنوبية والغربية للمدينة.

وفي نفس السياق، استمرت عمليات الاستهداف المدفعي من جانب الكتيبتين 321 و322 على مواقع مجلس شورى مجاهدي درنة في المحاور الغربية والجنوبية، خاصة محوري الكسارة والظهر الحمر، فاستهدفت في المحور الغربي منطقتي الحجاج وتمسكت، وفي المحور الجنوبي مناطق مزارع بوختال وبوربيحة ومزارع الوزير ووادي الضحاك وكسارات زيدان، وتبادلت القصف المدفعي مع عناصر مجلس شورى مجاهدي درنة في منطقة الحيلة ومفرقها. كذلك شارك سلاح الجو في عمليات القصف، فشنت مروحياته غارات على مناطق وادي الشواعر وسيدي عزيز ومزارع الوزير وبوختال.

بحرياً، كثفت القوات البحرية الليبية عمليات الاستطلاع والمراقبة لساحل المدينة ومنطقة الكورنيش، وكذلك للمنطقة البحرية المحظورة قبالة ساحل المدينة، والتي تمتد من خليج الحنية غرباً إلى خليج عين الغزالة شرقاً، ونفذت الوحدات التابعة للسرية البحرية المقاتلة "سوسة" عمليات استطلاع مسلح لمحيط ميناء المدينة.

في ما يتعلق بالوضع داخل المدينة، نفذ عناصر مجلس شورى مجاهدي درنة خلال الأيام الماضية عدة عمليات إعدام ميداني لمواطنين متعاونين مع الجيش الليبي، خاصة بعد إصابة آمر السرية الأمنية للمجلس جراء إنفجار عبوة لاصقة في سيارته.

 

نشاط متصاعد لتنظيم داعش

وعلى المستوى الميداني، يعتبر النشاط المتصاعد لعناصر تنظيم داعش في عدة مناطق ليبية، هو التحدي الأكبر أمام كلٍ من الجيش الوطني الليبي التابع للحكومة المؤقتة في طبرق، ورئاسة الأركان العامة التابعة للمجلس الرئاسي في طرابلس.

خلال الأسابيع الماضية صدرت عدة تحذيرات روسية وأميركية من هجمات مرتقبة للتنظيم على نطاق الهلال النفطي، وهو ما أكدته تصريحات صادرة عن الجيش الوطني الليبي، الذي أكد إحباط عشرات الهجمات على الحقول الغربية والجنوبية في الهلال النفطي خلال الفترة الماضية، واستمرار عمليات التمشيط والمراقبة على طول الساحل وجنوبي منطقة الحقول. ونتج عن هذه العمليات اشتباك بين دوريات من الجيش الوطني وعناصر من داعش على مدار يومين بالقرب من حقلي السماحة والظهرة النفطيين، قرب الطريق الرابط بين مدينتي زلة ومرادة. أدى الاشتباك إلى استشهاد 4 عناصر من الجيش ومقتل 3 من عناصر داعش، بينهم قيادي مطلوب.

ولم يقتصر نشاط عناصر داعش على هذا الاشتباك فقط، بل تم رصد إقامتهم لنقاط تفتيش مؤقتة في عدة مناطق قرب مدينة سرت معقلهم السابق، من بينها منطقة وادي إمراح جنوب غرب مدينة سرت على الطريق بين منطقة أبو قرين ومدينة الجفرة، وفي منطقة الكيلو 60 غربي مدينة سرت على الطريق المؤدي إلى منطقة أبو نجيم.

استهدف التنظيم من هذه النقاط إثبات وجود عناصره قرب سرت من جهة، ومن جهة أخرى الحصول على ما يمكن من المواد الغذائية والتموينية من الشاحنات المارة في هذه المناطق. بشكل عام دفع نشاط تنظيم داعش المتزايد حول سرت قوات البنيان المرصوص التابعة لحكومة طرابلس إلى الإستنفار التام داخل المدينة وحولها، خاصة بعد القبض على أحد عناصر التنظيم في منطقة أبو هادي جنوبي المدينة، وإحباط محاولة لتفجير سيارة مفخخة في بوابة أبو قرين غربي المدينة. وكذلك القبض على شخصين ينتميان للتنظيم في طرابلس.

 

الاستنفار يصل إلى المنطقة الشرقية

ودخلت قوات غرفة عمليات طبرق في حالة استنفار عقب هجوم شنته عناصر سودانية وتشادية معارضة على دورية مشتركة من الكتيبتين 106 و501 التابعتين للجيش الوطني في منطقة بحر الرمال العظيم قرب واحة جغبوب جنوبي شرق البلاد، ونتج عنه استشهاد 6 جنود.

عقب هذا الهجوم، أطلق الجيش الوطني عملية "غضب الصحراء"، بهدف تمشيط المنطقة الواقعة من واحة جغبوب شرقاً، مروراً بغربي مدينة الكفرة ووصولاً إلى مدينة ربيانة غرباً. تترافق العملية مع مجهود جوي لمقاتلات سلاح الجو إنطلاقاً من قاعدة الكفرة الجوية على تحركات مجموعات المعارضة التشادية والسودانية غربي المدينة.

 

نيران العاصمة لا تهدأ

وفي طرابلس، استمرت الإشتباكات المتكررة بين المجموعات المسلحة، وباتت هذه المناوشات سبباً رئيسياً في تعطيل الحياة داخل العاصمة، وإلحاق أضرار جسيمة بالبنى التحتية والممتلكات العامة والخاصة، الاشتباك الأهم داخل العاصمة كان بين ميليشيات ما يعرف بـ"بشير البقرة" وبين قوة الردع الخاصة، وكان مطار معيتيقة المدني مسرح المعركة التي انتهت بانسحاب قوات بشير المهاجمة وقتل وجرح عدد من الأشخاص، وإلحاق أضرار فادحة بطائرات الخطوط الجوية الليبية. كذلك شهدت منطقتي عين زارة والقره بولي إشتباكات مماثلة.

وكذلك هاجمت مجموعات مسلحة منزل وزير الدفاع التابع لحكومة الوفاق في منطقة جنزور غربي العاصمة، والذي تم إيقافه عن العمل من قبل رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق بعد الهجوم على قاعدة براك الشاطئ، وهاجم عناصر ما يسمى بكتيبة ثوار طرابلس مقر جهاز الرقابة الإدارية في العاصمة، واختطفت لفترة رئيس الجهاز.

وشهدت منطقة أبو كماش قرب معبر رأس جدير الحدودي بين ليبيا وتونس اشتباكاً على مدى عدة أيام بين قوات المنطقة الغربية العسكرية التابعة لحكومة الوفاق وقوة محلية من مدينة زوارة، انتهى بسيطرة قوات المنطقة الغربية على المعبر الذي كانت قد سيطرت على الطريق الرابط بينه وبين العاصمة في وقت سابق.

وفي مصراتة، طرأ حدث أمني لافت وهو اغتيال عميد بلديتها بعد اختطافه مباشرة عقب وصوله إلى مطار المدينة قادماً من تركيا، وهو من الأصوات التي كانت تنادي بالتفاهم مع قيادة الجيش الوطني.

الحدث الأهم كان مصادرة البحرية اليونانية لسفينة شحن ترفع علم تنزانيا، كانت في طريقها إلى ميناء المدينة، مُحمّلة بنحو 400 طن من المواد المتفجّرة جميعها من إنتاج شركة Orica-Nitro التركية، قادمة من ميناءي مرسين واسكندرونة. هذه الحادثة ألقت بظلال كثيفة على الدور التركي الميداني في ليبيا، والذي على ما يبدو في طريقه للتصاعد مرة أخرى بعد فترة من الجمود.

وشهدت مناطق ليبية أخرى عدة حوادث أمنية، حيث استمر مسلسل استهداف القطاع النفطي الليبي، بتفجير خط النقل الرابط بين حوض مرادة وميناء السدرة النفطي. وتعرضت دورية تابعة لسرية حماية مدينة بني وليد لهجوم من مسلحين محليين على الطريق بين بني وليد وترهونة، واستمر التوتر بين أهالي مدينة تاورغاء النازحين والمجموعات المسلحة داخل مدينة مصراتة بعد فشل اتفاق المصالحة نتيجة لمنع المجموعات المسلحة أهالي تاورغاء من العودة إلى منازلهم.

 

إيطاليا وروسيا، أدوار متصاعدة

ومن أهم الملاحظات التي من الممكن التوقف عندها في الوضع الليبي الحالي، هو التصاعد المستمر في الدور الروسي على عدة مستويات، حيث زار وزير خارجية الحكومة المؤقتة التابعة لبرلمان طبرق العاصمة الروسية، وإلتقى بنائب وزير الخارجية الروسي والمبعوث الخاص للشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وصدر عقب الإجتماع بيان روسي مهم يؤكد على دعم الحل السياسي في ليبيا.

كذلك زار موسكو قائد الحرس الرئاسي التابع لرئاسة الأركان العامة المنضوية تحت لواء حكومة طرابلس، وتم إبلاغه أن موسكو مستعدة لتزويد ليبيا بالسلاح إذا ما تم رفع حظر التصدير وتم توحيد المؤسسة العسكرية، وهو نفس المعنى الذي صرح به السفير الروسي في طرابلس. صدر أيضاً تصريحان مهمان، الأول كان على لسان رئيس فريق الإتصال الروسي في ليبيا، حول عدم وجود أي خطط روسية حالياً لشن ضربات جوية على ليبيا، والثاني لرئيس الأركان العامة الروسية، حول أن القوة الرئيسية لتنظيم داعش تحاول الإنتقال إلى ليبيا.

وفي ما يتعلق بالدور الإيطالي، أنهت إيطاليا في مدينة برنديزي الدورة التدريبية الثانية لمشاة البحرية الليبية التابعة لرئاسة الأركان العامة الموالية لحكومة طرابلس، وسيتبعها تدريب الدفعة الثالثة خلال هذا الشهر. عقب إعلان سلطات روما عن بدء تفعيل غرفة عمليات جديدة مع ليبيا لمكافحة الجرائم العابرة للحدود، فوجئت كل الأطراف الليبية بتصويت البرلمان الإيطالي بالموافقة على زيادة عدد الجنود الإيطاليين في ليبيا بواقع 100 جندي و30 مركبة مدرعة، وهو ما تسبب في عاصفة من الإدانات، هذه القوة سيتمركز جزء منها ضمن مهمة حلف شمالي الأطلسي في تونس، وستقوم بتدريب العناصر الليبية التابعة لسلاحي البحرية والجو. كذلك سترسل إيطاليا قوات إلى قاعدة ماداما الفرنسية في النيجر، والتي تبعد نحو 100 كم عن الحدود الليبية، مما يجعل لها داخل ليبيا وحولها قوة عسكرية كبيرة نسبياً.

 

ما بين السراج وحفتر

ونلاحظ ربما اختلافاً في مضمون التصريحات الصادرة عن قائد الجيش الليبي خلال هذه الفترة، ففي أواخر العام الماضي، كانت تصريحاته تصعيدية، تؤكد على انتهاء صلاحية اتفاق الصخيرات السياسي، وتحذر من قرب اللجوء إلى الحسم العسكري كخيار أخير، لكن خلال الشهر الماضي، لوحظ دعمه المعلن للعملية الإنتخابية المقبلة، مع تأكيده على رفض إنضواء الجيش تحت لواء أي سلطة غير منتخبة، وكذلك طلبه تغيير مقر مفوضية الانتخابات الذي يقع في العاصمة، وهذا كان واضحاً في مضمون اللقاءات التي قام بها خلال الفترة الماضية، سواء في زيارته الثانية إلى روما، أو لقاءاته في بنغازي مع وزير خارجية فرنسا، وسفير الإتحاد الأوروبي، والمبعوث الخاص لجامعة الدول لعربية.

يرى قائد الجيش الليبي فرصة مهمة في يده للإستفادة من الخلافات المكتومة بين فصائل مصراتة وطرابلس المسلحة، التي يرى بعضها أنه من الحتمي التفاهم معه وعدم التصادم على الأرض، ولعل مواقف عميد بلدية مصراته الذي تم إغتياله من أوضح الدلائل على هذا التوجه، لكن التركيز الأساسي له حالياً ينصب بالضرورة على عمليات درنة التي قد تنطلق خلال الأيام المقبلة، وسيكون التحدي الأكبر أمامه هو إنهاؤها بأسرع مدة ممكنة.

وفي المقابل، يعلم رئيس المجلس الرئاسي لحكومة طرابلس السراج، أن مهامه السياسية تعتبر في حكم المنتهية بنهاية العام الماضي، حتى ولو كان مقتنعاً أن اتفاق الصخيرات لا تنتهي مدته إلا بتسليم السلطة إلى حكومة منتخبة، وأنه "لن يقبل الليبيون توغل المؤسسة العسكرية في الحياة السياسية". لذلك كان اهتمامه منصباً على جمع الدعم السياسي داخلياً وخارجياً، مستفيداً من تصريحات داعمة له صدرت من الرئيس الأميركي، فتقابل في الجزائر مع رئيس الحكومة، وفي تونس مع الرئيس، وفي طرابلس مع وزيري خارجية فرنسا وإيطاليا.

محمد منصور

قراءة 1191 مرة