ماذا يريد ماكرون من خطابات "الانفتاح الإسلامي"؟

قيم هذا المقال
(0 صوت)
ماذا يريد ماكرون من خطابات "الانفتاح الإسلامي"؟

 في الوقت الذي يدافع فيه الكثير من الليبراليين الغربيين عن خطابات الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، تعتبر السياسة الحقيقية وراء تلك الخطابات مدعاة للقلق.

فعلى النقيض من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الذي انكشفت أكاذيبه على الدوام، فإن ماكرون نجح في إخفاء الوجه الحقيقي لسياساته من خلال الاختباء وراء أقنعة التحرر والعالمية.

تم في فرنسا تمرير قانون جديد مؤيد لعالم الأعمال، وإصلاحات تحد من إجراءات القبول الجامعي، دون أن يشهد اعتراضات كثيرة، في حين كان آخر الإصلاحات يستهدف السياسة المتبعة ضد المهاجرين، ولقي انتقادات الكثير من منظمات حقوق الإنسان.

ووسط تلك السياسات التضييقية، تصدرت الدعوة التي وجهها ماكرون بخصوص "إعادة تنظيم الإسلام" عناوين وسائل الإعلام في فرنسا.

خلال فترة الانتخابات الرئاسية، حاول ماكرون التأثير على الناخبين المسلمين من خلال الابتعاد عن خطابات العلمانية والهوية الوطنية الفرنسية المعادية للمسلمين، الأمر الذي أشعر الكثير من المسلمين بالأمل تجاه ماكرون، تماما كما شعروا تجاه الرئيس الأسبق نيكولا ساكوزي، الذي احتضن المسلمين في بداية مشواره السياسي قبل أن يدير ظهره لهم فيما بعد، ولهذا السبب يتوجب النظر بعين الشك إلى ماكرون.

أعلن ماكرون بأن العمل جارٍ على "إعادة تنظيم الإسلام" في فرنسا، وتحديد كيفية توضيح هذا الأمر، وأن الهدف النهائي لهذه العملية هو الحفاظ على التجانس الوطني، الذي يعد من أهم نقاط النظام العلماني بالبلاد، والذي يتيح بدوره حرية الاعتقاد للمواطنين، لكن في الوقت نفسه ادعى بأن هذه العملية هي جزء من جهود محاربة الأصولية.

إن فكرة تعرض فرنسا لخطر الأصولية متداخلة مع محاولة ماكرون "دمج الإسلام بشكل أفضل في فرنسا بهدف تحضير الأرضية لعلاقة أكثر سلمية بين الإسلام والدولة"، وعليه ماذا ستكون مكاسب وخسائر ماكرون من "إعادة بناء هيكلية الإسلام في فرنسا"؟.

** أئمة فرنسا

بالرغم من عدم إعلان كافة تفاصيل مشروع الرئيس الفرنسي، إلا أن بعض خطوطه العريضة واضحة، أولها، تمويل المؤسسات الإسلامية، والثاني، تأهيل الأئمة في فرنسا.

أوضح ماكرون صراحة أنه يريد الحد من تأثير الدول العربية بذريعة أنها "تعيق توجه الإسلام الفرنسي نحو الحداثة"، وهذا الأمر يعكس فكرة عنصرية مفادها "أن أوروبا تمثل قمة الحضارة، في حين يمثل العرب التخلف"، والتي تضفي شرعية على دعوة ماكرون بخصوص "حظر تمويل الدول الأجنبية للمؤسسات الإسلامية في فرنسا".

إن "إضفاء الطابع المؤسساتي على الإسلام" يعني إخراج المسلمين من إطار قانون ينظم الجمعيات غير الربحية وإدراجهم ضمن إطار قانون آخر ينظم الجمعيات الثقافية ويخضع لرقابة مالية أكثر صرامة من جانب الدولة، حيث كان وزير الداخلية الفرنسي دعا الحكومة في وقت سابق للتدخل و"تأهيل أئمة في فرنسا" بدلا من استقدام أئمة من الخارج.

 

واتخذ الوزير الفرنسي موقفا صارما في هذا الشأن، حين اقترح "إيقاف تمويل الدول الأجنبية للمساجد في فرنسا، وإغلاق المساجد السلفية، وطرد أي إمام أجنبي يقوم بخطاب مخالف لقيم الجمهورية، خارج حدود البلاد".

يبدو جليا أن هذا الموقف يستهدف المسلمين، إذ يسمح القانون الفرنسي لمنتسبي الأديان الأخرى بإقامة علاقات دولية، وتلقي دعما ماديا من الخارج.

وهذا الأمر يذكرنا بمبادرات مماثلة في دول أوروبية أخرى، إذ حاولت الحكومة الإيطالية عام 2017 تشكيل ما يسمى "إسلام إيطاليا"، كما أطلقت وزارة الداخلية النمساوية مشروعا لإنشاء قانون جديد للإسلام، والذي دخل حيز التنفيذ عام 2015 في ظل انتقادات حادة، وكذلك عقدت وزارة الداخلية الألمانية "مؤتمر الإسلام الألماني" عام 2007، وسط الكثير من الانتقادات أيضا.

** سياسات صارمة بخطابات ناعمة

تتسم السياسات السابقة بكونها صارمة مصحوبة بخطابات ناعمة، وربما يعتبر رئيس الوزراء النمساوي الجديد سباستيان كروز نموذجا مثاليا لهذه الاستراتيجية، إذ تبنى في البداية خطابا يؤكد أن الإسلام جزء من النمسا، ما جعله يكسب تأييد الكثير من المسلمين، ومن ثم قام بوجه مبتسم بإضفاء طابع مؤسساتي على الإسلام في البلاد.

يدعي ماكرون بأن حيادية الدولة في فرنسا تعتبر من أعمدة العلمانية، وهذا الرأي صحيح في مكان، لكنه يتناقض من حيث المبدأ مع التهديدات ضد المؤسسات الإسلامية من خلال فرض رقابة على مصادرها المالية، ورؤية المسلمين المتعلمين في فرنسا فقط كصالحين، واعتبار الطلبة الأجانب بأنهم سيئين.

بالتالي، سيكون من المهم أن نلقي نظرة عن كثب على المقترحات التي وعد ماكرون بالإعلان عنها في غضون الأشهر الـ 6 المقبلة.

الكاتب فريد حافظ، عضو الهيئة التدريسية في قسم العلوم السياسية بجامعة سالزبورغ النمساوية

قراءة 1248 مرة