السيد نصر الله أوّل زعيم عربي تؤثر صدقيته في الإسرائيليين

قيم هذا المقال
(0 صوت)
السيد نصر الله أوّل زعيم عربي تؤثر صدقيته في الإسرائيليين

نشرت الصحيفة الإسرائيلية "هأريتز" في 12 تموز/ يوليو 2010 بمناسبة الذكرى الرابعة للحرب المدمرة على لبنان دراسة جامعية مفصلة في هذا الموضوع للمؤسسة العسكرية الإسرائيلية. هي بحث أكاديمي قام به ضابط رفيع في المخابرات الإسرائيلية تدعم مقولة أنّ حسن نصرالله، الأمين العام لحزب الله، هو أول زعيم عربي يتمتع بقدرة على التأثير بخطابه على الرأي العام الإسرائيلي منذ الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر.

حزب الله هو صانعُ انتصارين عسكريين ضد إسرائيل، وأحد أكبر حركات التحرر في العالم الثالث هيبةً، مضاهياً بذلك جبهة التحرير الوطنية الفيتنامية وجبهة التحرير الوطنية الجزائرية وثورة الملتحين الكوبية. واللافت أن تجريم حزب الله من الخليج والجامعة العربية جاء باسم العروبة وهو الشعار الذي كانت السلالة الوهابية أول من أراد دفنه. 

السيد حسن نصر الله يزن كلماته وأقواله التي تساوي وزنها ذهباً، فتؤوّل في الحال على ألسنة كل المفسرين وفقهاء اللغة وعلماء المعاني واللسانيات؛ سواء كانوا أكاديميين أم دبلوماسيين أم باحثين استراتيجيين أم اختصاصيين في الحرب النفسية؛ سواء كانوا من الناطقين الأصليين بالعربية أم من المستشرقين الزائفين. فالفقاعة الإعلامية السياسية الغربية على وشك الاختناق من الغضب المكتوم، كما هي حال العرب المصفقين لها، أمام إثبات متطابق مع الواقع: السيد حسن نصرالله زعيم حزب الله، الحركة الشيعية اللبنانية الشبه عسكرية، هو رجل لا يكتفي بالكلام. فأفعاله تتطابق مع أقواله وأقواله مع أفعاله.

فما يقوله في خطاباته ليس تبجّحاً وتباهياً. ومصداقيته ليست كأثر حملة دعائية. فالوقائع موثّقة يؤكدها كبار الصحفيين الإسرائيليين العرب الذين حصل هذا المقال على اعترافاتهم بها.

نشرت الصحيفة الإسرائيلية "هأريتز" في 12 تموز/ يوليو 2010 بمناسبة الذكرى الرابعة للحرب المدمرة على لبنان دراسة جامعية مفصلة في هذا الموضوع للمؤسسة العسكرية الإسرائيلية. هي بحث أكاديمي قام به ضابط رفيع في المخابرات الإسرائيلية تدعم مقولة أنّ حسن نصرالله، الأمين العام لحزب الله، هو أول زعيم عربي يتمتع بقدرة على التأثير بخطابه على الرأي العام الإسرائيلي منذ الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر.

يقول المقال "إن العقيد رونين ناقش هذه الأطروحة في جامعة حيفا مستنداً إلى تحليل لمضمون خطاب حسن نصرالله خلال الحرب الثانية على لبنان في عام 2006". يصف الضابط الإسرائيلي نصرالله على أنه "أول زعيم عربي استطاع تطوير قدرته على التأثير في الرأي العام الإسرائيلي منذ عبد الناصر" في الستينات. يكتب رونين، الذي كان وقتئذٍ في منصب ضابط المخابرات في الجيش الإسرائيلي، ما يلي "استعمل نصرالله لمواجهة التهديدات الإسرائيلية سلاحين: خطابه الذي توجه به لجمهوره وقاد به المعارك الدفاعية على الجبهة اللبنانية والصواريخ الموجهة ضد إسرائيل".

كانت خطابات نصرالله موضوع غالب الصحف الإسرائيلية كما أنها أثارت ردود أفعال شديدة لدى القادة السياسيين والعسكريين الإسرائيليين. لقد أشار رونين إلى أنه "لو قامت إسرائيل بتحليل عقلاني لخطابات نصرالله خلال الحرب لكان أثر ذلك على قرارها". وذكر بأن نصرالله كان يؤكد أثناء الحرب "بأننا سنربح الحرب لو نجحنا في الدفاع". فالانتصار يعني بالنسبة له "الاستمرار في المقاومة وأن يبقى لبنان موحداً دون القبول بشروط مذلة".

كما أشار الضابط الإسرائيلي إلى أن "مقاومة حزب الله استمرت حتى اليوم الأخير ووحدة لبنان لم تمسّ". كما لفت النظر "إلى أنه بالنسبة للشروط المذلة فالجواب ليس قطعياً في أن نصرالله أجبر على القبول بانتشار الجيش اللبناني وعناصر الأمم المتحدة في جنوب لبنان، الشيء الذي كان يرفضه في بداية الحرب".

في المنطقة التي يكون أسلوب الحكومة فيها هو الغوغائية، يظهر الرجل رزيناً غير متباهٍ حتى في أصغر تفصيل من التفاصيل المسرحية، فيقوم بالعرض المذهل بعد ظهر يوم أحد من شهر تموز/ يوليو 2006 معطياً الأمر في خطاب سياسي من على منبره التلفزيوني وأمام مئات آلاف المشاهدين المذهولين بتدمير بارجة إسرائيلية عائمة قرب السواحل اللبنانية.

في منطقة تتآكل بالطائفية البغضاء، يقف رجل الدين السيّد محامياً بلغته البليغة ومفرداته الغنية التي تتمازج فيها التعابير الدينية مع الدنيوية، والفصحى مع الدارجة، وبنغمة خطابه المستوحاة من روح العروبة الأكثر تشدداً. وهكذا دفع ببلده ليصبح المؤشر الدبلوماسي الإقليمي والمثل الأعلى في تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي وخاصة أنه بارتدائه ثوب الذاكرة العربية الجماعية كان له أثر نفسي هام يعادل أثر عملية بدر (الاستيلاء على خط بارليف) وعبور قناة السويس في حرب تشرين الأول/ أكتوبر عام 1973.

أعاد السيد حسن نصرالله الكرّة بعد ثماني سنين غير آبهٍ برفض كل المملكات العربية تقريباً، فوضع الأسس لطريقة جديدة في مواجهة قوة عدوّه النارية، وهي الصراع المتنقل في ميدان مغلق، نهج جديد في القتال العسكري الحديث، مدعوم بقوة ردع صاروخية قويّة أمام ذعر الغرب وحلفائه العرب.

لقد قاتل حزب الله بعداده الخفيف وتحكّمه التام بسلاحه وخاصة ذلك المضاد للدبابات بطريقة لامركزية على طريقة الفنلنديين في حربهم مع السوفييت عام 1940.

لكن بالنظر إلى هذا الإنجاز الفريد في تاريخ العالم العربي المعاصر الذليل فإن احتجاجات طبقة سياسية مهترئة نشأت في لدن الإقطاعية الحديثة ونتجت عن تيار الانتهازية سيحرّك الشعور الطائفي في منطقة تعتبر فريسة للتعصب وفي بلد عانى الكثير في الماضي. هو بلد يقع شعبه فريسة اليأس نتيجة الإفقار المتزايد، فريسة نسيان ضحايا الأعمال الشائنة القديمة، فريسة الفاقة الفكرية والأخلاقية لفئة من النخبة، وأخيراً فريسة نازية كبار الساسة اللبنانيين المتحالفين بطريقة شاذة عن الطبيعة مع أسياد الحرب القدماء ومموّليها.

أصبح حزب الله حركة لبنانية سياسية-عسكرية، مطلوباً القضاء عليها أميركيا. وأصبح يتمتع بتمثيل برلماني لا سابق له بفضل الغالبية الرقمية للطائفة الشيعية، وبفضل إسهامه في تحرير أرضه، وبفضل هيبته على الصعيد الإقليمي وأخيراً بفضل الالتفاف الشعبي حوله دون أن يبحث عن أيّ استفادة من ذلك.

رئيس الوزراء الاشتراكي الفرنسي الأسبق ليونيل جوسبان، دفع من حسابه ثمناً باهظاً لتوصيفه حزب الله بالإرهابي، فكان ضحية أشهر حادثة رجم بالحجارة في التاريخ المعاصر، منهياً حياته السياسية بطريقة مثيرة للشفقة فاحترق سياسياً إلى الأبد.

رينيه نبعة إعلامي وكاتب في فرنسا

قراءة 1172 مرة