هل يسيطر التحالف الأميركي ــ السعودي على مضيق هرمز؟

قيم هذا المقال
(0 صوت)
السفن الحربية الإيرانية في مضيق هرمز السفن الحربية الإيرانية في مضيق هرمز

إنه مضيق هرمز، حيث كانت البداية قبل نهاية 2011، عندما أجرت إيران تمارين بحرية قرب المضيق، وصرَّحت أنها قد تعمد إلى إغلاقه، في حال قرّر الغرب فرض المزيد من العقوبات عليها بسبب برنامجها النووي.

حذَّر حينها نائب الرئيس الإيراني محمّد رضا رحيمي من أن "نقطة نفط واحدة لن تمر عبر مضيق هرمز" في حال تشديد العقوبات على إيران. وأن الأعداء لن يتخلّوا عن مؤامراتهم إلا عندما نضعهم في مكانهم الطبيعي. وصرَّح حينها قائد البحرية الإيرانية بأن إغلاق مضيق هرمز أمام حركة ناقلات النفط يُعتبَر بالنسبة لإيران "أبسط من ارتشاف قدح ماء" إذا قدَّرت الحكومة الإيرانية أن اغلاقه ضرورياً.

مؤخراً صرَّح "محمّد علي جعفري" قائد الحرس الثوري الإيراني مُتحدِّثاً أن قواته مُستعدّة لتنفيذ تهديد طهران بإغلاق مضيق هرمز، وقد يأتي ذلك بعد شدٍّ وجذبٍ مع الجانب الأميركي، وبعد إعلان ناطق باسم القيادة المركزية الأميركية أن البحرية الأميركية مُستعدّة لضمان حرية الملاحة وحركة التجارة في المضيق، رداً على تهديد روحاني بمنع شحنات نفط الدول المُجاورة من عبور المضيق، إذا استجابت لطلب واشنطن بعدم شراء النفط من إيران. وسبق أن قال جعفري إذا لم تتمكَّن إيران من بيع نفطها نتيجة ضغوط الولايات المتحدة، سنجعل العدو يُدرِك أنه إما أن يستخدم الجميع مضيق هرمز، أو لا أحد يستخدمه.

هنا يأتي الرئيس الإيراني حسن روحاني ليكسب دعماً مُفاجئاً من المُحافظين المُتشدّدين الذين هاجموه قبل أشهر، بعد دعوته إلى وحدة وطنية، حيث قام بالتشكيك بقدرة واشنطن على منع إيران من تصدير نفطها. ويسير خلف روحاني إعلامه فنجد الصحف الإيرانية قد خصّصت تغطية واسعة لرسالة قائد فيلق القدس "قاسم سليماني"، إذ عنوَنت صحيفة (جوان) المُقرَّبة من "الحرس" صفحتها الأولى بعبارة (نراكم في المضيق)، مع صورةٍ لروحاني وسليماني يتصافحان أمام خريطة لمضيق هرمز. وأن مقاومة العدو وصون استقلال البلاد يفرضان علينا تناسي خلافاتنا إلى وقتٍ لاحق. فيما احتلت صورة سليماني كامل الصفحة الأولى لصحيفة "سازاندغي"، التي حملت عنوان "وحدة بين الحرس الثوري والحكومة". كذلك جاءت تصريحات روحاني لتُلهب الموقف أكثر، ففي معرض تعليقه على العقوبات التي تفرضها واشنطن على طهران ومحاولة الرئيس الأميركي دونالد ترامب حَظْر صادرات إيران النفطية، بأنها ستكون "شرارة حرب".

ليس من أجل التهدئة، ولكن من منطق الصيد في الماء العَكِر، الإمارات جاءت على الخط، فسبق أن بحث وليّ عهد أبوظبي محمّد بن زايد آل نهيان مع وزير خارجية الولايات المتحدة مايك بومبيو في أبوظبي، علاقات التعاون الاستراتيجي بين البلدين وأكّدا حرصهما على تعميقها والتنسيق المشترك بينهما، وشدَّد بومبيو على "التزام الولايات حماية خطوط تصدير النفط عبر مضيق هرمز وإنهاء التهديدات الإيرانية لدول المنطقة"، مؤكّداً الاستمرار في هذا الالتزام، ذلك في أول زيارة له إلى دولة الإمارات منذ تولّيه منصبه.

إن الحقيقة الواضحة هنا هي أن التهديدات (أميركية-إماراتية) صريحة، فوزير الخارجية الأميركي أّكد أن السياسة الأميركية في المنطقة تهدف إلى الحدّ من التدخُلات الإيرانية. وأنهم محظوظون بوجود شركاء لهم في المنطقة مثل السعودية والإمارات والبحرين، التي تشاركهم التزامهم "إنهاء -كما يدّعي- التهديدات الإيرانية لدول المنطقة ومنع إغلاق مضيق هرمز". وشدّد على التزام الولايات حماية خطوط تصدير النفط عبر مضيق هرمز، مع الاستمرار في هذا الالتزام. مؤكّداً تعاون الولايات المتحدة مع السعودية والإمارات لإنهاء تهديد الحوثيين في اليمن ودول المنطقة. وجدَّد التأكيد أن الولايات المتحدة تعمل على تحجيم التدخّلات الإيرانية. وأن العقوبات الأميركية ضد إيران، تهدف إلى حرمانها من القدرات المالية التي تستخدمها للتدخّل في شؤون دول المنطقة، وأنها لا تستهدف الشعب الإيراني. فواشنطن تُدرِك أن بعض الدول ستطلب إعفاءها من التقيّد بالعقوبات على إيران.

يعلم الجميع أن إغلاق مضيق هرمز ربما يُشعِل شرارة الحرب التي تسعى إليها بعض الدول، وتكون ذريعة ومبرّراً لغزو دول وشنّ عدوان عليها، فوقف صادرات النّفط الإيرانيّ يعني الكثير، منها وقف معظم الواردات اللازمة لاستمرار عمل المفاصل الأساسية في البنى التحتية للدولة والاحتياجات الأساسية للشعب، ناهيك عن الجوع والفقر والغلاء الفاحش. فقطْع النفط الإيراني مثل قطْع الأعناق، إن لم يكن أخطر منه. وهنا قد يكون الرئيس روحاني قد كشف عن بعض الحقيقة، وخلع عباءة وعمامة رجل الدين والرئيس، فمثل هذه التهديدات هي منطقية، فالنفط لن يتوقّف، ودول الجوار تعرف كيف تسنجد بمن تحميها نفسها، وتمتلك كافة الإمكانات لحماية شحنات نفطها.

الوهم الأميركي العربي في أن إيران لن تتهوّر وتغامر بإغلاق مضيق هرمز كما هدّدت، قد لا يتحقّق، فترامب يستعد للتفاوض، وللأوضاع المقبلة، فهو -كرجل أعمال قبل أن يكون رئيساً لأميركا- يدرك حجم خسائر الاقتصاد العالمي وخاصة الأوروبي والأميركي جراء تلك المواجهات مع إيران. فيكفي لإغلاق المضيق أن يتم إغراق باخرة نفطية إيرانية في قلب المضيق لتجميد صادرات ثلث نفط العالم لشهور أو سنوات.. فهل يدرك العالم ذلك جيّداً؟.. ويعطي اهتماماً نحو تفاهم بين دول المنطقة.. بدلًا من الاستعانة بالخارج الذي جاء قبل ذلك ليحصد من ضعاف الدول في المنطقة، مدّعياً أنه جاء لحمايتها لا لجبايتها.

محمد عبد الرحمن عريف  كاتب وباحث في تاريخ العلاقات الدولية والسياسة الخارجية

قراءة 1104 مرة