كيف ينظر ترامب إلى حزب الله؟

قيم هذا المقال
(0 صوت)
كيف ينظر ترامب إلى حزب الله؟

كان السؤال الكبير في المكتب البيضاوي: هل كشف هارفي عن "القنبلة الموقوتة" التالية، أي حزب الله، وسط تلك المجموعة الكبيرة من مشكلات السياسة الخارجية التي تواجه الولايات المتحدة وترامب.

يتوقف بوب وودورد في كتابه "خوف ترامب في البيت الأبيض" عند شخصية الكولونيل المتقاعد ديريك هارفي والذي عين مديراً لقسم الشرق الاوسط في مجلس الأمن القومي.

يتصف هارفي الذي خدم في أفغانستان والعراق، حسب بوب بأنه مندفع، وعلى إتصال وثيق بالإستخبارات الإسرائيلية، وبأنه أحد أبرز محللي الاستخبارات العسكرية الذين تستند تحليلاتهم إلى الحقائق في حكومة الولايات المتحدة.

تعود هارفي التفتيش في اَلاف صفحات تقارير التحقيقات، وصفحات التنصت على وسائل الاتصالات، وتقارير المعارك، والوثائق التي تتناول أعداء الولايات المتحدة، ومعطيات الإستخبارات المباشرة، والمصادر غير التقليدية من مثل زعماء القبائل.

ونتيجة لأسلوب هارفي، يقول المؤلف: ظهر نوع من أنواع  التفكير غير التقليدي في بعض الأحيان. فقد كانت بعض الأوساط تشير إليه على أنه "القنبلة"، نظراً إلى قدرته واستعداده لتفتيت المفاهيم التقليدية الشائعة.

كان هارفي شبه وحيد في توقعه مدى مقدرة قوى المتمردين التي ظهرت في العراق وأفغانستان بعد الغزوين الأميركيين. فقد كتب دراسة قبل وقوع هجمات الحادي عشر من أيلول/ سبتمبر 2001، استنتج فيها أن أسامة بن لادن وشبكة القاعدة يمثلان تهديداً للولايات المتحدة.

يروي بوب ما عرضه هارفي ، أمام جاريد كوشنر، عندما توجه لمقابلته فبدأ الأخير بالاستماع إليه.

 قال زاعماً، كما أورد بوب في كتابه: "كان حزب الله المنظمة المصنفة "إرهابية" والمدعومة من إيران،  هو نقطة القلق البارزة عند هارفي في منطقة الشرق الأوسط. وأشارت المعلومات الإستخبارية الحساسة في ذلك إلى أن حزب الله يملك 48000 عنصر عسكري متفرغين في لبنان، وهو الأمر الذي يمثل تهديدأً وجودياً للدولة اليهودية. يمتلك الحزب كذلك 8000 من قواته المرابطة في سوريا، واليمن، بالإضافة إلى وحدات فدائية منتشرة في أنحاء المنطقة. يضاف إلى كل ذلك مجموعات، تضم من ثلاثين عنصراً إلى خمسين، منتشرة في العالم مثل كولومبيا، وفنزويلا، وافريقيا الجنوبية، وموزنبيق، وكينيا. يمتلك حزب الله عدداً مذهلاً من الصواريخ، يصل إلى 150 ألف صاروخ، علماً بأنه كان يملك 4500 صاروخ فقط أثناء حربه مع إسرائيل سنة 2006. وينتشر عناصر من الحرس الثوري الإيراني في هيكلية حزب الله. وتقوم إيران بتأدية الفواتير المترتبة على الحزب، والتي تصل قيمتها إلى مليار دولار سنوياً".

ويكمل هارفي مرافعته أمام كوشنر بالزعم أن : "حزب الله قد هيمن على لبنان، وأصبح دولة ضمن دولة، وعلى أتم الإستعداد لإستعمال العنف. ولا يحدث شيء هام في لبنان إلا بموافقة حزب الله. يضاف إلى ذلك كله إلتزام الحزب بالقضاء على إسرائيل. كان حزب الله وكيلا مثالياً لإيران، التي تستخدمه للضغط على إسرائيل ومهاجمتها، وهي التي أصبحت قواعدها الجوية في مرمى صواريخ الحزب، التي تعجز وسائل الدفاع الإسرائلية، مثل القبة الحديدية ومقلاع داوود وصواريخ اَرو الموجهة،عن مواجهتها".

تسلم ترامب نسخة عن الملخص الذي اعدته مجلة "ريدرز داتيجست" عن حزب الله. أما كوتس المنتمي إلى الإستخبارات المعلوماتية ، ومدير وكالة الإستخبارات المركزية، مايك بومبيو فقد دعما القضية خلال الإجتماعات الصباحية التي يعقدها الرئيس في البيت الإبيض.  أما ماتيس وزير الدفاع وماكماستر مستشار مجلس الامن القومي، ووزير الخارجية ريكس تيلرسون فقد دعموا المسألة بطريقة واقعية.

شعر هارفي أن الاَخرين لا يتقبلون درجة التغيير التي حدثت في ميزان القوى. فقد رأى هؤلاء أن أي حرب عربية – إسرائيلية أخرى سوف تفاجئ  إسرائيل بطريقة تختلف عن أي هجوم حدث من قبل. اي أن اي هجوم واسع من شأن التأثير في قدرتها على القتال الفعلي.

شدد هارفي على هذه النقطة أمام كوشنر، وقال إن إدارة ترامب الجديدة ليست مهيأة لما قد يحدث. وشدد أيضاً على مقرارت ترامب ونتنياهو لدى اجتماعهما في شهر شباط/فبراير، وهي أدراك أهمية الحوار الإستراتيجي، واهمية اتباع رؤبة جديدة، ومواجهة الوقائع الجديدة على الأرض. أراد هارفي تعزيز العلاقات بين البلدين التي كان يرى أنها قد تدهورت على مدى السنوات التي قضاها أوباما في الحكم.

ونتيجة لذلك يقول بوب: في ذلك الصيف قام السفير الإسرائيلي في واشنطن ومستشار إسرائيل للأمن القومي، بدعوة هارفي إلى إسرائيل. إلا أن ماكماستر قال بأن هارفي لا يستطيع تلبية الدعوى، ولم يعطي سبباً لذلك. لكن في أوائل شهر تموز/يوليو رتب هارفي إجتماعاً مع كبار مسؤولي جهاز الموساد، والإستخبارات العسكرية، وممثلي سلاح الجو الإسرائيلي والجيش. لكم ماكماستر الغاضب من هارفي منعه من المضي قدماً في عقد ذلك الإجتماع.

كان السؤال الكبير في المكتب البيضاوي حسبما ينقل بوب على الشكل التالي: هل كشف هارفي عن "القنبلة الموقوتة" التالية، أي حزب الله، وسط تلك المجموعة الكبيرة من مشكلات السياسة الخارجية التي تواجه الولايات المتحدة وترامب.

لم يتأخر هارفي في العودة للقاء كوشنر الذي سأله: مارأيك في ذهاب الرئيس إلى الرياض لتكون أول زيارة رئاسية لنا؟

يوضح بوب رؤية هارفي الإستراتيجية للمنطقة بقوله: اعتقد هارفي بأن أوباما قد قضى وقتاً مبالغاً فيه باسترضاء إيران بشأن الإتفاق النووي، مهملاً في ذلك الوقت العلاقات مع السعودية والإسرائيليين. إن القيام بالجولة الرئاسية الإولى إلى السعودية من شأنها المساعدة على التدليل بأن إدارة ترامب تضع أولويات جديدة. وكان من دواعي ارتياح هارفي أن تستهدف الجولة الرئاسية المنطقة التي هو مسؤول عنها.

كان من شأن عقد قمة في المملكة السعودية أن يفيد إسرائيل كذلك. فقد سبق أن أنشأ السعوديون والإسرائيليون، عدوا إيران منذ سنوات طويلة، علاقات سرية بينهما.

عرف هارفي الذي يوصف بأنه من ألمع رجالات الاستخبارات العسكرية "كيفية التركيز بشدة على اقتراح كوشنر، الذي لم يكن مجرد مستشار للرئيس ترامب، فقد كان صهره الذي يتحدث بمعرفة الرئيس على الأقل، إن لم يكن بتشجيع منه".

كان هارفي على إتصال وثيق بالإستخبارات الإسرائيلية، شأنه شأن بقية كبار موظفي الإستخبارات الأمريكية. وكان يعرف أن كوشنر قد أقام إتصالاته الخاصة مع إسرائيل. وكان نتنياهو صديق أسرة كوشنر منذ وقت طويل".

 أبلغ كوشنر هارفي أنه يمتلك معلومات استخبارية موثوقة ومهمة، تفيد أن الباب الذي يوصل إلى السعودية هو ولي ولي العهد محمد بن سلمان ذو الشخصية المؤثرة، والبالغ من العمر 31 عاماً، والذي يطلق عليه اختصارا لقب أم. بي. اس. كان محمد بن سلمان، وهو ابن الملك السعودي الحالي، يشغل منصب وزير الدفاع، وهو أهم منصب، ونقطة انطلاق للنفوذ في المملكة. وقد امتلك الرؤية الثاقبة، والطاقة اللازمة للتحرك. كان الرجل متحدثاً لبقاً، وقد تحدث عن اصلاحات تحديث جريئة في المملكة.

لم يكن أحد مقتنع بفكرة كوشنر فعندما علم ماكماستر بفكرة عقد القمة في السعودية، سأل بطريقة متوترة هارفي: من طرح هذه الفكرة؟ ومن يحث عليها؟.

وعقد هارفي في هذا الوقت سلسلة إجتماعات مع الوكالات الاستخبارية بما فيها وكالة الإستخبارات المركزية، وهي التي نصحت بأن من الأفضل لكوشنر أن يكون حذراً بهذا الخصوص. واضاف مسؤولو الوكالة أن الرجل القوي هو محمد بن نايف ولي العهد اَنذاك، وإليه يعود الفضل في تفكيك شبكة القاعدة داخل المملكة، من خلال منصبه كوزير للداخلية. ويعني ذلك أن إظهار تفضيل محمد بن سلمان الأضغر سناً من شأنه إحداث شقاق بين صفوف العائلة.

على رغم كل هذه النصائح من رجال ذوي خبرة، استنتج هارفي، بعد عقود من العلاقات الإستخبارية في الشرق الأوسط، ان كوشنر كان على حق لأن محمد بن سلمان هو رجل المستقبل، وهو الذي كان يرى أن إحداث التغيير الجذري في السعودية كان السبيل الوحيد لبقاء المملكة. امتلك هارفي، وباشراف كوشنر السلطة الإستثنائية للبدء بعملية التخطيط لعقد القمة مع السعودية.

ترأس ماكماستر في شهر أذار/ مارس اجتماعاً لبحث إمكانية إنعقاد هذه القمة. وعبر وزير الخارجية الأمريكية اَنذاك تيلرسون عن رفضه للفكرة، وكذلك ماتيس وزير الدفاع ووزير الطاقة. ولم يدعم أحد من الحاضرين فكرة عقد القمة بعد شهرين من الزمن، كما اقترح كوشنر في هذا الإجتماع.

وقد رد كوشنر على ماكماستر رداً ينم عن أنه يتملك معلومات لا يعرفونها، قائلاً: أدرك تماماً أن ما أقترحه هو في غاية الطموح، وأدرك تماماً كل النقاط التي تقلقنا، لكنني أعتقد بأننا نملك فرصة حقيقة وعلينا اغتنامها. وأفهم تماماً أن علينا أن نكون حريصين، لكن يجب أن نعمل من أجل تحقيق هذه القمة بجدية وكأنها سوف تحدث فعلاً. لكن إذا بدا لنا أن من غير الممكن تحقيقها، فسوف نجد امامنا الكثير من الوقت لتغيير وجهتنا. وشد كوشنر: هذه فرصة حقيقية لنغتنمها.

لم يجاهر أحد بمعارضته، وكان هارفي يعرف أنهم لا يستطيعون المعارضة بالفعل، لذلك استمر بالتخطيط، وكأن القمة سوف تعقد فعلاً. بدأ بعد ذلك بتحديد السقوف، وقرر وجوب تحضير عقود عسكرية بقيمة 100 مليار دولار، شرط أن يجري الإتفاق عليها مسبقاً.

تم إسناد التخطيط للقمة إلى هارفي، فأرسل 30 شخصاً إلى واشنطن، وجهز غرف اجتماعات في مبنى ايزنهاور، وشكلت مجموعات عمل مؤلفة من امريكيين وسعوديين.

ورغم عدم حماسة ماكماستر لفكرة القمة، إلا انه أبلغ هارفي بوجوب الإستمرار في التخطيط.

قال كوشنر "إذا كانت الولايات المتحدة ترغب في استمرار تدخلها في المنطقة ،فسوف يتعين عليها المساعدة على إنجاح السعوديين والإسرائيلين. فالرئيس لن يستمر في دفع فواتير تكلفة الحماية في الشرق الأوسط إذا الجهة المستفيدة هي بلدان هذه المنطقة".

ويعتبر كوشنر مثل هارفي "ان المصدر الرئيس للقلق هو ازدياد النفوذ الإيراني، والعمليات الهدامة الجارية في المنطقة، ولا سيما التي يقوم بها حزب الله الذي يشكل تهديدأً لإسرائيل".

عاد الفريق السعودي مرة ثانية إلى واشنطن وعقد اجتماعات مطولة. وفي المقابل عقد كوشنر اجتماعات عديدة مع موظفين بارزين. وقال" بوجوب حث السعوديين على شراء المزيد، وإذا اشتروا أسلحة فإن ذلك يساعد الإقتصاد الأمريكي".

ولأن السعوديين كما حذر بعض مسؤولي البيت الأبيض كوشنر ، لم يكونوا في بعض الأحيان يقدمون ما يكفي بخصوص العقود او مشتريات الاسلحة. أبلغ كوشنر هارفي قائلاً: "سوف أجري مكالمة هاتفية" مع محمد بن سلمان مباشرة. وهكذا زاد السعوديون من مشتريات الأسلحة.

وعندما أعتبر كوشنر أن الوقت قد أصبح مناسباً، سارع إلى دعوة محمد بن سلمان لزيارة الولايات المتحدة، حيث اصطحبه إلى البيت الأبيض، لتناول الغداء مع ترامب يوم 24 مأذار/ مارس في غرفة الطعام الرسمية. وكان بين الحضور تيلرسون وزير الخارجية، وبينس نائب الرئيس، وبانون مستشار الرئيس، وبريبوس كبير موظفي البيت الأبيض، وماكماستر، وكوشنر. كان ذلك خرقاً للبرتوكول، وهو الأمر الذي أثار استياء المسؤولين في وزارة الخارجية، وفي وكالة الإستخبارات المركزية. فقيام أمير من الدرجة الوسطى، اي ولي ولي العهد بتناول الطعام في البيت الأبيض، أمراً كان من المفترض ألا يحدث.

وأستمر تيلرسون وماتيس في التعبير عن شكوكهما. وكان موقفهما يشتمل على أسئلة عديدة بشأن العقود.

ربما تكون هذه الزيارة قد مهدت إلى حدثين مهمين حصلا في الأشهر الثلاثة التالية.

الأولى: أعطى ترامب أخيراً إشارة البدء لزيارة كل من السعودية وإسرائيل.

وقد نتجت زيارة ترامب إلى السعودية التي بدأها في 20 أيار/ مايو ولقي ترحيبا حاراً فيها، عن توقيع عقود بقيمة 110 مليارات دولار لمشتريا حربية،بالإضافة إلى مشتريات أخرى تضم عقوداً بمليارات الدولار.

وأعتبر هارفي أن هذه القمة قد أعادت ترتيب العلاقات بطريقة مثيرة. وأسفرت عن إرسال رسالة إستراتيجية إلى إيران، الخصم الرئيس في المنطقة. كانت القمة بنتائجها تعني توحيد جهود السعوديين ودول مجلس التعاون وإسرائيل. وكانت القمة تعني أن نهج التردد الذي اتبعه أوباما قد انتهى.

الثانية: أقدم الملك سلمان ملك السعودية في الشهر التالي في 22 حزيران/ يونيو على تعيين محمد بن سلمان  ليكون ولي العهد الجديد، أي إنه اصبح الرجل التالي الذي يحتمل أن يقود المملكة لعقود عديدة من الزمن.

محمد علي فقيه

قراءة 936 مرة