ما هي دلالات انسحاب ترامب من سوريا؟

قيم هذا المقال
(0 صوت)
ما هي دلالات انسحاب ترامب من سوريا؟

التحوّل الذي يتخذه الرئيس الأميركي بقرار انسحابه من سوريا، يدلّ على اعتراف الولايات المتحدة بفشل ما بقي لها من مراهنات في دعم حلفائها لمحاربة إيران ومحور المقاومة وما سمّته "تغيير سلوك النظام السوري". لكن هذا التحوّل يشير أبعد من ذلك إلى أن محور المقاومة أرسى أسساً صاعدة في التوازنات الإقليمية والدولية، مقابل انحدار المعسكر الغربي وحلفائه في "إسرائيل" والسعودية.

يبدو أن ترامب يتخذ قرار التجديف شبه منفرد للانسحاب من سوريا على وجه السرعة. ففي هذا الشأن يحسم ترامب اعتراض وزارة الدفاع الأميركية التي طلبت منذ نيسان/ أبريل الماضي تأجيل الانسحاب فترة طويلة أو "تنظيم سحب القوات على مراحل" بحسب البنتاغون. ولا تجاري وزارة الخارجية وجون بولتون حسم ترامب على الرغم من مناشدة نتانياهو واستجداء "إسرائيل" التي تندب الويل والثبور وعظائم الأمور.

ولا يتفق معه مجلس الشيوخ ومجلس النواب في قرار الانسحاب الذي أيده السناتور الجمهوري راند بول، خلافاً لبوب كوركر وليندسي غراهام ورئيس لجنة الاستخبارات في مجلس النواب أدم شيف وزعيمة الديمقراطيين في هذا المجلس نانسي بيلوسي. فهؤلاء المشرعون الأقوياء يصطفون مع ما عبّرت عنه "هآرتس" الإسرائيلية بأن خروج القوات الأميركية من سوريا "سيسمح لروسيا وإيران تعزيز سيطرتهما على سوريا" وهو ما يطرح أسئلة شائكة كبيرة على مستقبل "إسرائيل".

لكن ترامب الذي يزعم بأن قراره هو تنفيذ لوعده الانتخابي ونتيجة انتصاره على "داعش"، يجافي الحقيقة بالهروب من إعلان الاعتراف على الملأ بفشل المراهنات الأميركية على حلفائها في "إسرائيل" والسعودية لهزيمة سوريا ومحاربة إيران ومحور المقاومة في لبنان وفلسطين. فالحليف الفرنسي المستمر غرقاً في حفرة "الشيزوفرينيا"، لا يزال يعوّل حتى اللحظة على قدرة بولتون وماتيس إقناع ترامب بالتراجع عن قراره وفق ما نقلته صحيفة لوموند الفرنسية عن مصادر وزارة الخارجية.

ما يتوارى به ترامب تهرّباً من إعلان الفشل، يعبّر عنه بشكل شبه ظاهر المبعوث الخاص إلى سوريا جيمس جيفري في مؤتمر المجلس الأطلسي بشأن ما بقي للولايات المتحدة من إمكانيات وخيارات في الشرق الأوسط والتوازنات الدولية. فهو يصرّح بأن العالم الذي كانت فيه أميركا القوّة العظمى التي تقرّر وتحسم قد تغيّر ويفرض عليها "أن تقبل العالم كما هو". وهو ما يفرض أيضاً "انقسام أميركا مرّة أخرى بين أن تكون انعزالية (سياسة أوباما) أو "نيو انعزالية" (سياسة ترامب) بحسب تعبير جيفري.

في العبارات الاستراتيجية عن تغيّر العالم يوّضّح جيفري أن "المنافسة الاستراتيجية بين الدول وليس الإرهاب هي الشغل الشاغل للولايات المتحدة في مجال الأمن القومي". وهو يشير بذلك إلى صعود الصين المنافس الأول للولايات المتحدة على العرش الاقتصادي. وإلى روسيا القوة العسكرية الصاعدة التي تتمركز في مواقع أدّى انحدار أميركا إلى إخلائها كتركيا في حلف الناتو على سبيل المثال لا الحصر.

بين الدول الصاعدة في العالم المتغيّر، إيران القوّة الإقليمية التي وصلت في الدفاع عن الدولة السورية والدولة العراقية وفي دعمها للمقاومة في فلسطين ولبنان، إلى رفع محور المقاومة لمصاف التأثير في التوازنات الدولية. ففي هذا السياق يتحوّل ترامب عن التعويل على "إسرائيل" والسعودية لمحاربة إيران في سوريا وعلى الصعيد الإقليمي. فبقاء ألفي جندي أميركي في القواعد العسكرية في سوريا، لا أفق لهم في إعاقة مجريات استعادة الدولة السورية لأراضيها منذ استعادة حلب والغوطة ودرعا وهزيمة داعش في دير الزور.

ترامب لم ينجح بالتعويل على السعودية لإرسال قوات مقاتلة من "الحلف الإسلامي" شبيه الناتو المزعوم، إلى سوريا. ولم ينجح في التعويل على "إسرائيل" لإنشاء أحزمة أمنية وقوات رديفة ضد الدولة السورية وإيران والمقاومة. بل إن "إسرائيل" المثخنّة بالهزائم العسكرية منذ انتصار المقاومة على عدوان 2006 وفي غزة، تراهن على انجرار القوات الأميركية للعدوان بنفسها على إيران أو على سوريا ولبنان بما يفوق قدرات الولايات المتحدة على احتمال تداعيات العدوان.

قاعدة التنف على الحدود السورية ــ العراقية التي ظلّت كمسمار جحا في خاصرة سوريا والعراق، باتت عبئاً على القوات الأميركية التي يطوّقها  الحشد الشعبي ويتخذها رهائن في حال أي مغامرة أميركية في المنطقة. والحال هذه لا يبقى للقوات الأميركية في سوريا من دور، سوى نقاط المراقبة على الحدود التركية ــ السورية لوقف الغزو التركي في شرقي الفرات، بذريعة حماية الحلفاء في قوات "سوريا الديمقراطية".

أمام الخيار بأن تبيع أميركا حلفاءها أو رأب الصدع مع الحليف التركي التاريخي في حلف الناتو، لا يتردد ترامب من تطبيق المقولة الأميركية الشهيرة بالتخلي عن حلفاء اللحظة أملاً بإنشاء سد أمام التقارب الروسي ــ التركي وإعادة أنقرة إلى كامل الحظيرة الأطلسية. فترامب الذي يدرس تسليم فتح الله غولن إلى إردوغان بعد مباحثات بين الطرفين في قمة العشرين، يقدّم الضوء الأخضر لغزو شرقي الفرات والموافقة على بيع أنقرة 80 صاروخ باتريوت ومعدّات بقيمة 3,5 مليار دولار "من أجل حماية أراضي السيادة التركية وردع التهديدات الإقليمية"، بحسب بيان الخارجية الأميركية في إشارة إلى إيران.

إيران التي ترفض الغزو التركي الذي يطمع في ضم الأراضي السورية إلى الشريط على حدودها، تسعى إلى حثّ أنقرة على تجنّب المغامرات العسكرية في الرقص على حبلي روسيا وواشنطن. ولا ريب أن هذه المسألة هي معرض بحث بين الرئيسين حسن روحاني ورجب طيب إردوغان. بينما تنسحب أميركا أمام إيران ومحور المقاومة في سوريا والمنطقة نحو ما يسميه جيفري "التركيز  على الدبلوماسية الدولية" في الشأن السوري. فالدبلوماسية هي برأيه "حاسمة لأي نتيجة".

قاسم عزالدين

قراءة 915 مرة