إرهابيو سيناء إلى أين .. من هنا

قيم هذا المقال
(0 صوت)
إرهابيو سيناء إلى أين .. من هنا

مع إطلالة صباح يوم السبت الماضي(16/2/2019) سقط عشرات الشهداء والجرحى من جنود وضباط الجيش المصري في مواجهة جديدة مع إرهابيي داعش شمال سيناء ، ومع وقائع الحادث الأليم ،يتذكّر الخبراء والمتابعون تأكيدات الإدارة المصرية بدايات العام الماضي -2018- بأن ذلك العام سيكون هو عام نهاية تنظيمات الإرهاب في سيناء وأن الخطة العسكرية لتطهير سيناء ستكون مُطبّقة بالكامل ومُحقّقة لأهدافها الاستراتيجية مع نهاية العام 2018 .السؤال اليوم ونحن في العام 2019 هل تحقّق فعلاً ما وعدت به الإدارة السياسية أم لا ؟ وهل انتهت فاعلية وزخم تلك الجماعات الإرهابية ومشروعها الإنفصالي في سيناء ؟

إنه السؤال الأصعب الذي فجّره حادث السبت الماضي ، وهو سؤال لايزال يواجهه المصريون ويقلقهم والذي في سياقه يأتي العديد من القراءات والتوقّعات الاستراتيجية ومنها التقرير الذي أطلقته الحكومة البريطانية قبل فترة وجاء فيه نصاً:(التحذير من زيارة مصر لأن الإرهاب لايزال موجوداً خاصة في سيناء) رغم قول التقرير "إن حملات الحكومة المصرية قد نجحت في بعض المناطق في مواجهة الإرهابيين".

ويؤكّد التقرير أنه في السنوات الأخيرة، تعاملت قوات الأمن المصرية مع 3 هجمات إرهابية على المواقع السياحية. في 14 يوليو 2017 ، قتل 3 سيّاح أجانب وأصيب عدد آخر بجروح إثر هجوم بسكين على مُنتجعات شاطئية في الغردقة. كما وقعت هجمات في الأقصر في يونيو 2015 وفي الغردقة في يناير 2016 ، من دون وقوع خسائر في الأرواح.

إن الواقع في سيناء يقول إن داعش سيناء (المعروفة سابقاً بإسم أنصار بيت المقدس) هي أكثر الجماعات الإرهابية نشاطاً في مصر. في نوفمبر 2014 ، أعلنت تلك الجماعة إنها تعهّدت بالولاء لداعش.

والمعروف أن معظم هجمات داعش سيناء استهدفت مراكز حكومية وقوات الجيش الوطني والأمن والمسيحيين الأقباط ، وتمّ استهداف الأجانب أيضاً. ومنطقة عملياتهم الرئيسية هي مثلّث (رفح-الشيخ زويد-العريش )شمال سيناء، لكن الجماعة أعلنت مسؤوليتها عن الهجمات في مناطق أخرى بما في ذلك جنوب سيناء والقاهرة والصحراء.

وهناك سيناريوهات مُتشائمة ترى أن هناك نزوحاً وانتقالاً قد يطيل أمد المعركة، ففي أواخر عام 2017، خلال شهرين تعرّضت مصر لثلاث هجمات إرهابية نوعية تحمل بصمات تنظيم (داعش)، بالتزامن مع هزيمة مريرة تلقّاها التنظيم الإرهابي في سوريا والعراق، وفرار فلوله، بعد صفقة رعتها الولايات المتحدة، نحو مناطق عديدة، بينها سيناء المصرية، وفق معلومات متواتِرة وآراء معنيين.

هذا الفرار الداعشي من الجارتين سوريا والعراق نحو مناطق أخرى، بينها مصر، أكّده الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي في 24 أكتوبر/ تشرين أول 2017، بعد أربعة أيام من هجوم إرهابي استهدف عناصر أمنية في منطقة الواحات (غرب)، وأسفر عن مقتل 16 شرطياً.

آنذاك قال السيسي في حديث مُتلفَز: "النجاح الموجود في سوريا والعراق ضد داعش سيترتّب عليه انتقال العناصر الإرهابية من هذه الجبهة في اتجاه ليبيا ومصر (الحدود الغربية) وسيناء (شمال شرقي مصر) وغرب إفريقيا".

ووفق معلومات متواتِرة فإن التمكين الأميركي لتنظيم "داعش" من الانسحاب "الآمِن" من معاقله يعتمد ثلاثة مسارات صعبة للتسلّل إلى سيناء، وهي: "التدفّق البرّي مروراً بالأردن، والإنزال الجوي، والتسلّل عبر سواحل سيناء".

بالمقابل هناك سيناريوهات متفائلة، ترى أن الأمور تسير إلى نهاية التنظيمات الإرهابية في سيناء وإنتهاء مشروعها قريباً انطلاقاً من حقيقة أساسية يتبنّاها كاتب هذه السطور وهي أن تنظيمات الإرهاب المسلّح في سيناء وفي مقدّمها داعش قد ولِدَت ميتة لأن جوهر إستراتيجية هذا التنظيم منذ ظَهَرَ في العراق يقوم على قاعدة فكرية وإستراتيجية مُحدّدة وهي ( التمركز في مكان ما) ثم التمدّد من خلاله إلى باقي المدن والمحافظات، وهو ما لم يحدث من الأساس، إذ لم يستطع التنظيم أن يتمركز في سيناء، ولم يتّخذ منها قاعدة للتمدّد كما جرى في العراق وسوريا

يتبقّى أن نؤكّد على أن فاعلية تلك التنظيمات قد ضعفت ، وأن الجيش المصري قد حقّق بالفعل نجاحاً ضدها وإنهاكاً استراتيجياً لها ، وقتل العديد من قياداتها وعناصرها ودمّر بعض القواعد البدوية الحاضنة لها ،ولكنها في الواقع لم تنته تماماً ولاتزال بقاياها حاضرة وكذلك لاتزال أفكارها التكفيرية منتشرة وسط قطاعات من قبائل سيناء ، ولكي يتم القضاء عليها لا بد من إستراتيجية جديدة في العام 2019 لا تعتمد فقط على القوّة المسلّحة ،إذ لا بد من المواجهة الفكرية والعقائدية من خلال الإعلام والأزهر الشريف رمز الوسطية والاعتدال، وفي موازاة ذلك لا بد من التنسيق مع سوريا والعراق وليبيا باعتبارهم أصحاب تجارب في المواجهة وأيضاً من أراضيهم ستنطلق تلك الجماعات إلى سيناء ، وأخيراً لا بد من عمليات تنمية واسعة وعدل إجتماعي وإقتصادي حقيقي وليس عبر شاشات الفضائيات فحسب ، في سيناء ،لأن الفقر يمثل أحد العوامل المهمة في خلق الإرهاب هكذا تؤكّد التجارب التاريخية ووثائقها .إن سيناء تمثل ركناً أساسياً في الأمن القومي المصري وإن لم ينظر إلى ما يجري فيها نظرة استراتيجية شاملة في عام 2019 ، فللأسف ستبقى تلك الجماعات وربما تعود أكثر دموية .حفظ الله مصر من كل سوء .

رفعت سيد أحمد، كاتب ومفكر قومى من مصر. رئيس مركز يافا للدراسات والأبحاث القاهرة.

قراءة 1148 مرة