هجمات الفجيرة.. رسائل حرب أم وسائل ردع؟ وما هي خلفيات الإرباك الإماراتي؟

قيم هذا المقال
(0 صوت)
هجمات الفجيرة.. رسائل حرب أم وسائل ردع؟ وما هي خلفيات الإرباك الإماراتي؟

لا يختلف اثنان بأن هجوم الفجيرة حدث مفصلي هام في المنطقة، تنبأ الكثيرون بأنه قد يشكّل شرارة الحرب في الخليج وربما في المنطقة بأسرها، لكن ما خفف وطأة هذا الاحتمال هو سلسلة التصريحات التي اعقبته وأبرزها ما صدر عن جهتين اثنتين، الأولى هي واشنطن حيث تحدث أكثر من مصدر دبلوماسي وعسكري بأن واشنطن لا تريد الحرب مع إيران، والثانية من الإمارات حيث صدرت تصريحات تؤكد التزام أبو ظبي بخفض التصعيد في منطقة الخليج وبالسلام والاستقرار.

الحدث اتخذ أبعاداً ثلاثة: أمنية وسياسية وإعلامية. أن يأتي الهجوم الذي تعرّض له خط الأنابيب المرتبط بميناء ينبع السعودي بعد يومين على استهداف ميناء الفجيرة، فإن لذلك دلالات كبيرة، ولمن لا يعرف فإن مينائي الفجيرة الإماراتي وينبع السعودي هما الوحيدان اللذان يصدّران النفط من دون أن تضطر ناقلات النفط إلى المرور بمضيق هرمز.

ماذا يعني ذلك؟

يعني أن من استهدف هذين الميناءين أراد أن يوجه رسالة إلى كل من السعودية والإمارات مفادها أن يده تستطيع أن تطال كل نقطة في الخليج وأنه يستطيع أن يمنع تصدير النفط من أي مكان فيه.

يعني أيضاً أنه أراد القول إن كل القواعد العسكرية الأميركية والفرنسية التي تحيط بالميناء هي عاجزة عن حمايته، لا سيما أن الهجوم استهدف أكثر من ناقلة واستمر لساعات عدة.

قد تكون إيران المتهمة الرئيسية في هذه الحادثة لاعتبارات عدة، أبرزها أنه جاء في توقيت وصل التوتر والحرب الكلامية بين إيران من جهة وواشنطن ومعها السعودية والامارات إلى القمة. ولكن هل إيران وحدها المتهمة؟ ألا يمكن أن تكون هناك أطراف أخرى قد قامت بتنفيذه؟

سيناريوهات كثيرة يمكن أن تطرح. "المنطق يقول إن إيران هي المتهمة الأولى، وإنها تريد أن توجه رسالة إلى كل من يعنيه الأمر: من يريد أن يمنعنا من تصدير نفطنا سنمنعه من تصدير نفطه، ومن يعتقد أنه قادر على ضربنا عسكرياً فعليه أن يعرف أننا نستطيع ضرب أي مكان نريده في المنطقة وخارجها".

ماذا لو كانت أميركا مثلاً خلف هذا الهجوم، ألا يمكن أن يطرح هذا السيناريو؟ ربما تريد أميركا ان تخلق ذريعة تتهم فيها إيران بالوقوف خلفها من أجل مهاجمتها، وربما تريد واشنطن أن تضع الإمارات في موقف حرج تجعلها تستنجد بها. وبالتالي سوف نكون أمام مزيد من ابتزاز الأموال من هذا البلد الغني، بذريعة أن العدو بات يدق أبوابكم ولا مناص لكم من حمايتنا، لكن حمايتنا مكلفة وعليكم بالتالي دفع مزيد من أموال قد تكون طائلة هذه المرة.

أيضاً، ماذا لو كان هناك طرف ثالث دخل على خط الأزمة وأراد إشعال النار (إسرائيل مثلاَ)؟ فالتغلغل الإسرائيلي الأمني والاستخباراتي في دول الخليج لم يعد خافياً على أحد، وإسرائيل هي من أكثر المحرضين على إشعال نار الحرب بين إيران ودول الخليج، وإن كانت لا تخفي خشيتها من أن هكذا حرب قد تشملها أيضاً.

ماذا لو كانت هناك تنظيمات متطرفة وراء استهداف ميناء الفجيرة، فالإمارات معروفة بعدائها لتنظيمات الإخوان المسلمين وملاحقتها لهم.

كلها تساؤلات مطروحة لكن المؤكد هو أنه إذا كانت أميركا تريد الحرب فإنها ستهاجم إيران، إن كانت هي وراء الهجوم أم لا، وإذا كانت لا تريد الحرب فإنها لن تهاجم إيران حتى ولو كانت طهران خلف هذه الهجمات.

والمؤكد أيضاً أنه إذا كانت إيران خلف هذه الهجمات فهي بهدف ردع الحرب، في حين أنه إذا كانت واشنطن خلفها فإن الهدف منها هو تسعير الحرب.

إعلامياً، برزت قناة الميادين كأول وسيلة إعلامية تداولت الخبر الأمني الخطير وتصدر شاشتها وبقيت لساعات طويلة متمسكة بروايتها ومنفردة بها على الرغم من البيان الصادر عن إمارة الفجيرة والذي نفى فيه وقوع أي تفجيرات. ومع ذلك تعاطت الميادين مع بيان النفي بكل مهنية وبثته كخبر عاجل على شاشتها، لكنها بقيت متمسكة بروايتها كونها كانت مبنية على معطيات موثقة لديها من دون الانجراف أو أن تكون لديها نية في أي تحريض إعلامي على الإمارات أو غيرها كونها لا تتبنى سياسة التحريض في رسالتها الإعلامية. لا بل هي سعت في كثير من المحطات إلى التخفيف من التوترات وليس التحريض لاشتعال حروب في الخليج والمنطقة.

 ومع ذلك تعرضت القناة لهجوم وتحريض وحملات تشكيك، وتلقت وسائل إعلام عربية ووكالات أنباء عالمية اتصالات من جهات إماراتية وأميركية طلبت منها عدم التعامل مع أخبار "الميادين"، التي واصلت عملها الصحافي الاستقصائي مع أكثر من مصدر موثوق لديها، فالمعلومات الأولية وصلتها من مصادر خليجية عربية في الإمارات ذاتها وكذلك خارج الإمارات ثم أكدتها لها بعد ذلك مصادر خليجية أخرى كثيرة الاطلاع، لا بل أن قناة الميادين تريثت أكثر من ساعة ونصف الساعة ولم تبث الخبر إلا بعد أن توفرت معطيات جديدة أكدت بما لا يضع مجالاً للشك في مصداقيته، واستطاعت الحصول على  اثباتات إضافية قامت بنشرها ولاسيما ما يتعلق بأسماء ناقلات النفط وأرقامها، وإثباتات أخرى يقينية لحصول عمل ما في ميناء الفجيرة.

تمسكت قناة الميادين بروايتها ومعلوماتها، فالقناة ليست وسيلة إعلام مبتدئة لا بل أصبحت من أهم القنوات الفضائية الإخبارية ولديها مصداقية مهنية عالية أثبتتها على مدى السنوات الماضية، ولاسيما في سوريا والعراق واليمن وفلسطين ولبنان والمغرب العربي، وهي تحظى بانتشار واسع وبثقة واهتمام الرأي العام العربي الشعبي والسياسي وكثير من السلطات الرسمية، ولديها من علاقات الصداقة الواسعة في المنطقة العربية والإقليم وكذلك كثير من الأوساط الرسمية في العالم ما يجعلها قادرة من الوصول إلى معلومات مهمة ودقيقة وحتى خطيرة.

جاء بيان وزارة الخارجية الإماراتية ليؤكد رواية الميادين ويرد على كل المشككين، بدا واضحاً أن هناك إرباكاً في الإمارات، وأن من نفذ هذه الهجمات أراد ان يكشف أولاً عن قدراته بالوصول إلى الميناء والقيام بما يريد القيام به. لا سيما أنه تعمد تفادى التسبب في وقوع أي ضحية بشرية وهو كان قادراً على إسقاط ضحايا لو أراد، لا بل كشف أنه كان يعلم أن ناقلات النفط كانت فارغة من حمولتها وبالتالي لم يكن يريد التسبب بكارثة كبرى، وكان يعلم هوية هذه الناقلات وهو اختارها بدقة. وبالتالي نحن أمام رسالة أمنية محترفة جداً.

الواضح أن من قام بهذه الهجمات إنما قام بها بهدف توجيه رسائل ردع وتحذير، وليس بهدف إشعال حرب.

عبد الله شمس الدين

قراءة 971 مرة