واجه العراق إحدى أكثر الأزمات السياسية إثارة للجدل في الأشهر الأخيرة، بعد نشر وثيقة رسمية في صحيفة "الوقائع العراقية" الرسمية. تضمنت هذه الوثيقة، التي عكست القرار رقم 61 للجنة "تجميد أصول الإرهابيين"، أسماء مؤسسات وأفراد مرتبطين بتنظيمي داعش والقاعدة الإرهابيين. لكن ما زاد من غرابة الحادثة هو وجود اسمي "حزب الله لبنان" و"أنصار الله اليمن" على القائمة؛ وهو ما ألهب الأجواء السياسية العراقية بشدة في غضون ساعات قليلة وأثار ردود فعل واسعة.
بدأت القصة عندما أعلنت وسائل إعلام عراقية، ثم بعض الشبكات العربية، نقلاً عن رواية نُشرت في الجريدة الرسمية، أن بغداد جمّدت أصول حزب الله وأنصار الله. هذا الإعلان، في ظلّ ضغوط أمريكية وخلافات داخلية حول إطار التنسيق وتحدّي تعيين رئيس وزراء جديد، سرعان ما اتخذ طابعًا سياسيًا، وتكهّن محللون بأن هذا القرار يعكس تحوّلًا في السياسة الأمنية لبغداد.
بعد نشر الخبر، اندلعت موجة من الاحتجاجات على مواقع التواصل الاجتماعي العراقية. ووصفت شخصيات مقربة من محور المقاومة، بمن فيهم أعضاء في البرلمان، هذه الخطوة بأنها "فضيحة" و"خروج عن السياسات العراقية الرسمية". وكتب النائب مصطفى جبار السند أن "العراق يصف حزب الله وأنصار الله بالإرهابيين، بينما يصف بعض القتلة بالمرشحين للسلام"، وطالب الحكومة بتفسير فوري.
مع تصاعد الاحتجاجات، أصدر البنك المركزي العراقي بيانًا مفاجئًا، فند فيه، بناءً على الخبر، إدراج حزب الله وأنصار الله على قائمة الإرهاب. أكد البيان أن اتفاق العراق لم يشمل سوى الكيانات والأفراد المرتبطين مباشرةً بتنظيمي داعش والقاعدة، وأن إدراج جماعات أخرى جاء "بسبب نشر نسخة غير منقحة". كما وعدت اللجنة بمراجعة القائمة وحذف أسماء الجماعات المعنية.
وأفاد البيان التوضيحي أن الحكومة الماليزية، بناءً على آليات قرار مجلس الأمن رقم 1373، طلبت من العراق مراجعة قائمة محددة لتجميد الأصول، وأن بغداد وافقت على جزء فقط من الأسماء. إلا أن النسخة المنشورة في الجريدة الرسمية نُشرت "قبل المراجعة النهائية" وتسببت في سوء فهم واسع النطاق. لم يُقنع هذا التفسير الكثير من المراقبين، واعتبر بعض المحللين أن التركيز على "النسخة غير المنقحة" ليس سوى غطاء للتراجع عن قرار ربما اتُخذ تحت ضغط خارجي.
وبالتوازي مع رد فعل المؤسسات الحكومية، دعا ائتلاف حكومة القانون بقيادة نوري المالكي الحكومة أيضًا إلى إلغاء نشر القائمة. أكد التحالف على أن العراق لا يستطيع إدراج أسماء الجماعات التي تلعب دورًا في المعادلات الإقليمية على القوائم الأمنية دون تقييم شامل. وذكرت بعض المصادر السياسية في بغداد أن الضغوط الداخلية الناجمة عن إطار التنسيق والمخاوف من رد فعل الجماعات المسلحة أجبرت الحكومة على التراجع عن موقفها الأولي.
وأفادت وكالات أنباء ووسائل إعلام عربية، مثل شفق نيوز والسومرية والأخبار، نقلًا عن مصادر حكومية، أن لجنة تجميد الأصول اتخذت هذا الإجراء بالتنسيق مع بعض الطلبات الدولية، بما في ذلك معايير وقرارات مجموعة العمل المالي المتعلقة بتمويل الإرهاب. ومع ذلك، وبعد تزايد الضغوط الاجتماعية والسياسية، اضطرت الحكومة إلى تعديل قرارها والإعلان عن أن الأسماء المرتبطة بتنظيمي داعش والقاعدة فقط هي التي ستبقى على القائمة.
ورغم النفي الرسمي، لا تزال أسئلة مهمة دون إجابة. أولًا، لماذا أُدرجت أسماء جماعات مثل حزب الله وأنصار الله في النسخة الأصلية؟ ثانيًا، ما هي الجهة المسؤولة عن نشر هذه النسخة "الخاطئة" في الجريدة الرسمية، وكيف حدث هذا الخطأ دون رقابة؟ ثالثًا، هل لعب الضغط الأمريكي، الذي سعت جاهدةً لمنع تقوية الشبكات المالية المرتبطة بالجماعات المقربة من إيران، دورًا في تشكيل القائمة الأولية؟
في النهاية، ورغم إصدار الحكومة العراقية بيانًا رسميًا تنصلت فيه من القرار المنشور، إلا أن الحادثة انتهت إلى حدّ فسّره العديد من المراقبين على أنه "تراجعٌ عن القرار". إن تضافر الضغوط الداخلية من إطار التنسيق، واحتجاجات حركات المقاومة، والحساسية الشديدة لدور العراق في المعادلات الإقليمية، وضع الحكومة في موقفٍ اضطرها إلى النأي بنفسها عن القائمة التي نشرتها.
تُظهر نتيجة هذه الحادثة مدى هشاشة السياسة الداخلية العراقية في مواجهة التطورات الإقليمية والضغوط الخارجية، وكيف يمكن لقرار إداري أن يتحول إلى أزمة متعددة المستويات. لم تُغلق القضية رغم النفي الرسمي، ولا تزال تُمثل مؤشرًا على التحديات المعقدة التي يواجهها العراق في إدارة القضايا الأمنية والسياسية والإقليمية.




























