الرئيس روحاني وآفاق عودة الروحانية السياسية

قيم هذا المقال
(0 صوت)

الرئيس روحاني وآفاق عودة الروحانية السياسية

تم استعارة مصطلح ( الروحانية السياسية ) من المفكر الفرنسي الراحل ميشال فوكو والذي خص به الثورة الاسلامية في ايران التي وجد فيها انموذجا لخلاص العالم عبر انفردها في تقديم وتزريق مفهوم الروحانية السياسية في الكيانات السياسية العالمية البعيدة كل البعد عن مفاهيم الاخلاق والقيم الانسانية والروحية .

واليوم مع تسنم الرئيس حسن روحاني مهامه الرئاسية ، والخطوات الانفتاحية الهادئة التي يتبناها يذكرنا ويعيد الى اذهاننا ماذهب اليه من قبل ميشال فوكو ، حيث ان الرئيس روحاني ومنهجه السياسي كما هو معروف على صعيد العالم بنزوعه الى الواقعية السياسية وتبنيه سياسات شفافة وعملانية ، انما يؤكد روحانيته اسما ومسمى ، شكلا ومحتوى ، الامر الذي يستبشر به الكثير من الاوساط بمرحلة تتميز بشيء من الانفتاح والتعاطي مع المشاريع السياسية المطروحة بأفق واسع وذهنية واقعية وواعية ، تعرف كيف توازن بين التطلعات الثورية للشعب الايراني ورغبته في العيش في ظل حياة كريمة ، وكذلك التجاوب مع الطروحات التي تكرس رغبة الجميع ومصالح الجميع دون الانحياز لطرف على حساب الطرف الاخر .

ماذا كان يقصد فوكو بالروحانية السياسية ؟

لعل الفيلسوف الفرنسي ميشال فوكو ( 1926 – 1984 ) كان في طليعة المفكرين الحداثويين الذين اهتموا بظاهرة الثورة الاسلامية وخاصة في بعدها الثقافي منذ الايام الاولى لاندلاعها ، وجاء فوكو مرتين الى ايران ابان الغليان الجماهيري لسبر غور هذه الظاهرة الجديدة ، حيث وجد في الثورة الايرانية تكريسا للبعد الرابع من ابعاد الارادة السياسية ، الا وهي الروحانية السياسية التي حققت اكبر انتصار للاسلام في هذا العصر ، واكبر انتصار لخطاب الحرية بدلا من خطاب السلطة والتحكم برقاب الناس .

في مقال نشره زهير الخويلدي بعنوان ( موقف ميشيل فوكو من صعود الروحانية السياسية في ايران ) يطرح فيه عدة تساؤلات بخصوص ماكان يعنيه فوكو بالروحانية السياسية ، حيث يقول ان ( الكلمة السحرية التي وقف أمامها فوكو مندهشا ولم يقاوم فتنتها ورونقها هي politique spirituelle والتي تترجم بالروحانية السياسية، انه لم يفهم هذه الطاقة الهائلة التي لعبها العامل الديني في مقاومة الاستبداد والتخلف والاستعمار غير المباشر والتبعية للغرب وكل ذلك كان تحت شعار الروحانية السياسية، فهل كان مجرد استبدال كلمة الواقعية أو المادية بكلمة روحانية كافيا لتنفجر ثورة شعبية عارمة مثلت منعطفا كبيرا لتاريخ المنطقة والعالم؟( ويضيف بانه (ربما السبب الأكثر وجاهة الذي جعل ذهن المفكر الفرنسي مشدودا إلى التحول الكبير في المجتمع الإيراني ويرصد الولادة العسيرة لحقبة تاريخية مغايرة لهذه الرقعة الحضارية الضاربة في القدم هو التلاحم الذي فهمه بين الفكر والناس وبين العقيدة والسلوك وقدرة الأفراد الرهيبة من خلال الأفكار الثورية على تغيير مجرى التاريخ والتأثير في الأشخاص والعقول وتحريرهم من الأوهام والخوف والدفع بهم إلى المشاركة في صنع المستقبل وترغيبهم في التضحية في سبيل الشأن العام.) وضمن المقالات التي نشرت حول الروحانية السياسية الفوكوية ماجاء في صحيفة الوقت البحرينية بتاريخ 20 – 4 – 2007 حيث كتبت تقول : (اخترع فوكو ما أسماه بالروحانية السياسية أثناء قراءاته التحليلية للثورة الإسلامية في إيران، ولم يكن لأحدٍ أن يغفل المدى التثميني الذي طبع مقالات فوكو تلك، وهي المقالات التي أُهملت ترجمتها إلى الإنجليزية وقت نشرها، وذلك على غير المعتاد في استقبال أعمال مفكر كبير، وكان ذلك بمثابة عقاب صارم من جانب النخبة الغربية، وهو عقاب نزل عليه جرّاء موقفه الذي اُعتبر إيجابياً تجاه الثورة الإسلامية ) .

بين القوة المرنة والصلبة

التركيز على القوة المرنة اكثر من الصلبة في السعي الى تحقيق التقدم ، امر جوهري، ولعله يمثل احد جوانب الروحانية السياسية التي كان فوكو ينشدها رغم ان المصطلح لم يكن عند رحيله عام 1984 قيد التداول بعد ، واذا كانت بعض الاطراف الاقليمية تتبجح باعطائها الاولوية في سياساتها للقوة المرنة دون الصلبة فذلك لكونها غير مهددة في سيادتها وقدراتها ، اما بالنسبة للجمهورية الاسلامية التي لاتزال تكافح لترسيخ استقلاليتها وسيادتها الحقيقية لا الشكلية فانها تقدر اهمية التركيز على القوة المرنة ولكنها لايمكن ان تكون بديلة عن قوتها الصلبة ، وان ايران في معارضتها اميركا حول اسباب عدم تخليها عن تطوير قدراتها الدفاعية ، فاجابت بانها مستعدة لذلك شرط ان تتعهد اميركا بعدم السماح لنفسها او لغيرها بتهديد امنها واستقلالها ، فلم تحصل على جواب باعطائها ضمانات حتى الان .

الرئيس روحاني واعادة الروح للسياسات القائمة

لا تزا ل الكثير من القوى الجماهيرية والسياسية ، الداخلية والخارجية مشدوهة الى الملحمة الانتخابية التي جسدها الشعب الايراني وبسرعة فائقة وحاسمة في الانتخابات الرئاسية الاخيرة ، حتى انها اجبرت العديد من القوى الاقليمية والدولية التي تقرأ كل مايحدث في ايران بنظارة سوداء الى مسايرة هذا التحول المفاجئ الذي حدث في المشهد السياسي الايراني والذي لم يكن يتوقعه الكثير ، حيث تنظر قطاعات واسعة من الشعب الايراني بعين الامل الى التجربة السياسية الجديدة ، وتتوقع خيرا من وراءها حتى ولو كان نسبيا ، كما ان المحيط الاقليمي والدولي هو الاخر يحاول عدم الاصطدام بصعود الروحانية السياسية الى الحكم ، ومحاولة غربلتها واكتشاف مدى جديتها في احداث التغييرات المرجوة والمطلوبة في السياسات الايرانية خصوصا على صعيد الملفات الشائكة من قبيل الملف النووي ، وبعض المجالات الستراتيجية والمهمة الاخرى التي تود القوى الغربية خاصة ان تجد بعض التحول على صعيدها ، وهي تدرك بالتاكيد ان مساحات التغيير والمرونة محدودة ومؤطرة ولايمكن الذهاب كثيرا معها ، وان الرئيس روحاني كان واضحا في مجمل التصريحات التي ادلى بها حتى الان بانه غير مستعد على التنازل عن حقوق ومصالح ايران باي شكل من الاشكال ، مع ترك الباب مفتوحا لتنازلات متبادلة ومقاربات مرنة وشفافة من قبل جميع الاطراف المعنية بالعلاقات مع ايران ، خاصة وان السياسة هي بالدرجة الاولى لغة مصالح ، يمكن تزريقها ببعض القيم الاخلاقية والروحية لاعطائها نوعا من الشفافية وتكريس الغايات الانسانية وليس الاستعمارية والاستغلالية التي يسعى الغرب دائما الى تجسبدها في علاقاته مع الاخر خاصة اذا كان من الدول المنضوية في اطار العالم الاسلامي ، وبالاخص اذا كانت ايران الاسلامية .

* عبد الجبار كريم

قراءة 1652 مرة