المنظمات النسوية في العالمين العربي والإسلامي

قيم هذا المقال
(0 صوت)

 

المنظمات المدنية النسوية في العالمين العربي والإسلامي "الفرص والتحديات"

 

المنظمات المدنية النسوية في العالمين العربي والإسلامي

قال تعالى:{وعد الله الين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم.. وليمكنن لهم دينهم الذي أرتضى لهم. وليبدلنهم من بعد خوفهم أمناً يعبدونني لا يشركون بي شيئاً. ومن كفر بعد ذلك فأولئك هم الكافرون}النور/55

-لقد ربط الإسلام- كما نعلم- بين النجاح في الدنيا والآخرة. والسعي لعمل الخير وأن المتأمل في الآيات الكريمة التي تقدمت يرى وبوضوح نتائج وأبعاد المعادلة القرآنية التي نبيّن لعامة المسلمين{أن الذين آمنوا وعملوا الصالحات} من رجال الأمة ونسائها هم البديل الحضاري للمجتمعات التي يسود فيها الظلم والفساد .

ويرى إلى ذلك مبلغ الربط والتلازم الذي يقيمه كتاب الله تعالى.. بين الإيمان والعمل الصالح الذي تشمل منفعته الآخرين من أفراد المجتمع والأمة حتى لو لم يشاركونا بقرابة أو معرفة أو دين.. ودون أن نتوقع منهم مقابلاً سواء أكان هذا المقابل مادياً أو معنوياً. بحيث يفهم أن الإيمان من دون العمل لصالح الناس والشأن العام لا يعد ذا قيمة في ميزان القرآن الكريم .

هذا المصاف الإنساني الحضاري.. وواقع مجتمعاتنا عموماً على امتداد العالمين العربي والإسلامي(مع إستثنآت لا شك..) وخصوصاً إذا تقدمنا باتجاه المنظمات والمؤسسات المدنية النسوية فإنا نجد أن المسافة شائكة وتطرح العديد من الأسئلة المعقدة سواء على مستوى النهوض والتقدم النوعي.. أو على مستوى النظرة المستقبلية وما تتطلبه من تعاون وتوحيد للجهود ومن وضع دراسات واستراتيجيات وخطط هي غالباً فوق قدرات وإمكانات أكثر مؤسساتنا.. التي تأخرت تنظيماً وادراة وخبرة.. عن الركب العالمي المهيمن والذي هو في نفس الوقت معادي.. ويعمل على استقطابها وتطويعها بل تذويبها في أتون حركته عبر سلسلة طويلة من البرامج والمفاهيم الهدامة التي- ظاهرها الرحمة وباطنها العذاب- والتي تستهدف بشكل عام القيم والهوية .

نعم أن منظمات ومؤسسات المجتمع المدني النسوية في بلادنا العربية والإسلامية- في إطار هذا التحدي..- تواجه معاناة كبيرة(ولو أن بينها ما يعتد ويفتخر بجهوده رغم ضيق المجال..) غير أن هذا الكل وباختصار بحاجة إلى بديل عن طروحات النظام الغربي الخبيث والذي بات يستقطب اليوم جل منظمات ومؤسسات المجتمع المدني النسائية في العالم.. بحاجة وباختصار إلى يد كفوءة واعية وحانية ومقتدرة لنكون بمثابة المرجعية والمظلة الواقية من شياطين الأرض .

 

نظرة موجزة في التفاصيل :

أن التوجه لفرض الرؤية الغربية العلمانية على المجتمعات الأخرى. برز تدريجياً في العقود الأخيرة التي شهدت اهتماماً عالمياً مكثفاً وواسعاً بقضايا المرأة.. سواء عبر المنظمات الحكومية وغير الحكومية وعبر المنظمات الدولية ولا سيما الأمم المتحدة ووكالاتها المتخصصة. وحيث نظمت سلسلة مؤتمرات في عواصم مختلفة من العالم- من مؤتمر نيروبي عام/1975 إلى اللقاءات الدولية في نيومكسكو وكونبهاجن.. وصولاً إلى مؤتمر السكان في القاهرة والمؤتمر العالمي الرابع للمرأة في- بكين-(الذي شاركنا فيه..) والذي كان له دوراً كبيراً في كشف المرامي الخفية لتلك المؤتمرات.. بحيث تمخض يومذاك عن مشروع التحرر المطلق للمرأة من كل ما له صلة بمعتقداتها وتقاليدها وثقافة مجتمعها. بل كل ما له صلة بتاريخها من موروث ديني وعقيدي وأعراف اجتماعية .

وقد كان الأخطر في هذا المؤتمر بخصوص القضايا المطروحة على جدول أعماله. هو الوصول إلى صيغة نهائية ملزمة للدول والشعوب عبر الشرعية الدولية بهدف عولمة المنظمات والمؤسسات النسائية وربطها ببرامج واستهدافات مثيلاتها في العالم .

- فوثيقة- بكين- اليوم باتت تمثل الإطار الاستراتيجي والتصوري الذي تدور في فلكه مجموع الجمعيات ومؤسسات ما يسمى بالمجتمع المدني النسوية (التي تتزعمها وتفعّلها في العالمين العربي والإسلامي. الأحزاب والفلول النسائية العلمانية). التي أصبحت تشكل لوبيات للضغط والمطالبة إزاء الحكومات .

- ولعل هذا الوضع هو أكبر تحدٍ يواجه المرأة في مجتمعاتنا.. ويجعلها أمام المواجهة المتعددة الأبعاد.. خاصة وأن هذا الانشغال الاستراتيجي- المدعوم مالياً وعلمياً لجهة التدريب المستمر..- يستثمر فقر وجهل شعوب العالم وخاصة المرأة التي تنعكس عليها الأزمة الاجتماعية والتربوية والاقتصادية.. وذلك أن 80% من النساء في البلدان العربية والإسلامية يعانين من الأمية والفقر.. وهذا بالتالي يعكس مستوى تدني الوعي بالحقوق والمطالب المشروعة.. ويفسح المجال من جهة ثانية للبرامج والمقررات الدولية التي تجتاح سائر المجتمعات ومنها مجتمعاتنا.. والتي تتحرك عبر اساليب مدروسة تحقيقاً للهيمنة وتأطيراً للشعوب بعيداً عن هويتها وحاجاتها الحقيقية .

 

حاصل المسألة :

أن التحدي الذي يواجهنا كأمة في قضايا المرأة ومنظماتها ليس تحدياً هيناً ولا بسيطاً كما قد يبدو.. باعتبار أن قضية المرأة ليست معزولة عن قضية الأسرة. والأسرة ليست معزولة عن المجتمع برمته بل الأمة بكاملها .

ويبقى المؤسف أن هذه المخططات الدولية التي تتنزل بأدوات بشرية من بلدان عربية وإسلامية وهي محملة بأشكال من الضغوط التي تصل إلى درجة التدخل السافر.. بحيث يمكن القول أن التاريخ لم يسبق له أن عرف مثيلاً لها .

وأنه إزاء هذه المخاطر المحدقة على واقع مجتمعاتنا.. كان لا بد من مطالبة المهتمين بقضايا الأمة الإسلامية بتوفير البديل الإيجابي الفاعل على هذا الصعيد .

فقد آن الأوان لانتهاج إستراتيجية شاملة متكاملة مبنية على تحديات الواقع وهادفة إلى أحداث تغييرات نوعية وكمية تفضي إلى تقديم الإسلام الذي جاء رحمة للعالمين كمخلص حقيقي للبشرية. وكمنقذ وباعث لعزة وكرامة الإنسان الرجل والإنسان المرأة .

الإسلام الذي أزال الجاهلية وحمى الشعوب من الفساد والانهيار الأخلاقي وما يترتب عليه من علل.. الإسلام الذي كان نتاجه بعد مسيرة أربعة عشر قرناً قيام الجمهورية الإسلامية المظفرة على أرض إيران بزعامة وقيادة الإمام الخميني العظيم.. والتي تبعها تلقائياً صحوة إسلامية عمّت العالم وشكلت أهم حراك لإحياء الدين في عصرنا.. والتي برهنت من خلال التجربة العملية وبما لا يدع مجالاً للشك على كفاءة الدين الحنيف وقدرته على أحداث تحولات هائلة على مختلف الصعد ومنها قضايا المرأة .

ويبقى أن الغرض من سوق ما تقدم من شواهد كان لإلقاء الضوء من جهة على مسار التوجهات الغربية في هذا الشأن خصوصاً وأنه بدأت تنشأ أجيال ترى في هذه الاتفاقيات الدولية والمنظمات الغربية والقيم الوافدة المعيار الحقيقي والميزان العدل للتعامل مع المرأة ونيلها لحقوقها مخدوعة بقيم الحرية التي اتخذتها تلك المنظمات شعاراً لها.

ومن جهة ثانية إلقاء الضوء على واقع وإمكانات منظمات المجتمع المدني النسوية في مجتمعاتنا- التي لم تنخرط في الأفكار الوافدة- والتي قامت ولا زالت على مبادرات فردية وحيث عملت وجاهدت وصمدت طويلاً من أجل أن تحفظ خط مسيرها الذي تواصل في إطار العمل التطوعي الآخذ بالتراجع.. والذي هو شعبه هامة وأساسية من شعب العمل الصالح ولا بد من سعي مركز لتفعيله وتواصله في مجتمعاتنا .

 

بالعمل الصالح.. والعمل التطوعي لخدمة مجتمعاتنا نربح التحدي:

وهنا لن تغوص في تفاصيل ونتائج عمل الصالحات.. الذي تحدثت عنه الآية الكريمة في مطلع المقالة وانعكاسه على المجتمعات..وأنما سنتحدث عن العمل التطوعي تحديداً الذي يعتبر القاعدة الأساسية لمنظمات ومؤسسات المجتمع المدني لكونه يشكل احد المجالات الهامة التي يبذل فيها أفراد المجتمع بعضاً من جهودهم وأموالهم وإمكاناتهم لصالح الآخرين.. والذي هو اليوم من أهم الوسائل المستخدمة للمشاركة في النهوض بمكانة المجتمعات في عصرنا الحالي بعد أن أكتسب أهمية متزايدة مع أتساع الهوة بين واقع الحكومات وازدياد احتياجات الشعوب .

وإذا كانت قوة المجتمعات اليوم هي في عملها التطوعي.. فإن هذا العمل تحديداً حظيّ بمكانة عالية من الاهتمام في الثقافة الإسلامية بحيث نجد الكثير من الأحاديث الشريفة التي تحث على كفالة الأيتام ومساعدة المحتاجين ومد يد المساعدة للعاجزين والمعوقين والمساهمة في نشر العلم والحفاظ على البيئة والمشاركة في بناء المساجد والحسينيات وأعمارها مادياً ومعنوياً.. إضافة إلى قضاء حوائج الناس وإصلاح ذات بينهم ونصرة المظلوم وإغاثة الملهوف وتفريج الكرب.. وإلى آخر ما هنالك من مجالات متعددة ..

كما وإن ثقافة العمل التطوعي في الإسلام لم تكتفي بالحث والتحريض على ذلك بل جعلت من عمل الخير مصداقاً من مصاديق العبادة. وجعلت من الساعي في قضاء حاجات إخوانه المؤمنين كالمتشحط بدمه في سبيل الله .

ومن هنا يعتبر إنفاق المال عموماً في سبيل الله من أعظم أعمال التطوع لأنه القاعدة الاقتصادية لمعظم أعمال التطوع التي ذكرناها.

ويبقى هنا أن كل ما تملكه ثقافة التطوع في الإسلام من مخزون ثقافي وقيمي محفز ودافع للانخراط في أجوائه.. إلا أن الملاحظ في مجتمعاتنا هو تراجع وتدني التفاعل مع برامجه وأنشطته بشكل عام .

وعليه فإن من المهم الوقوف على السبب الذي جعل العمل التطوعي يتراجع في مجتمعاتنا عن معدلاته الطبيعية. مع علمنا بأن المجتمعات تتقدم كلما ازداد العمل التطوعي فيها.. وقد كان المسلمون أقوياء فيما مضى من الزمن حين كان العمل الصالح نهجهم والعمل التطوعي جزءاً من يومياتهم. وحين كان الكثير من المسلمين يقومون ببذل الجهد التطوعي لصالح الآخرين من أبناء الآمة حيث وجدوا .

وإن من الملفت أن ترجع بعض الدراسات تقدم المجتمعات الغربية على الشرقية في أحد أسبابه لازدياد العمل التطوعي لدى شعوبها ولدى الأجيال الصاعدة تحديداً في تلك المجتمعات.. وإنه بالمقارنة إلى ما وصلت إليه مؤسسات ومنظمات المجتمع المدني العاملة في مجالات الخدمة الاجتماعية والإنسانية في بلاد الغرب وبين حال مؤسساتنا الخيرية نجد أن الفارق كبير جداً. إذ في أمريكا- على سبيل المثال- يوجد(32000) مؤسسة خيرية بلغت ممتلكاتها عام/1989 أكثر من(138) مليار دولار. كما يشارك في العمل التطوعي حوالي(39) مليون يشكلون نسبة 30% من مجمل الأمريكيين وينفقون سنوياً(20) بليون ساعة في العمل التطوعي لصالح الأطفال والفقراء والتعليم وقضايا أخرى .

وقبل فترة زمنية قصيرة أعلن الملياردير الأمريكي بيل غينس عن تبرعه بمبلغ ثمان وعشرين بليون دولار من ثروته لأعمال الخير- أي ما يقارب من نصف ثروته .

وفي بريطانيا يوجد أكثر من(20) مليون شخص من البالغين يمارسون نشاطاً تطوعياً منظماً .

أما في فرنسا فهناك(10) ملايين ونصف المليون فرنسي يتطوعون في نهاية الأسبوع للمشاركة في تقديم خدمات اجتماعية مختلفة تخص الحياة اليومية من مجالات التربية والصحة والبيئة والثقافة وغيرها .

وهنا نصل إلى أن من حق العمل التطوعي في بلادنا أن ينهض ويتقدم وترتفع معدلاته وأن تجتمع عليه جهود الأمة وطاقاتها ونتضافر لمناصرته ومؤازرته وحماية منجزاته لأهمية دوره في المحافظة على الهوية الإسلامية لمجتمعاتنا التي تحاول بعض الاتجاهات المشبوهة تشويه صورتها .

 

أخيراً: دور الساحة النسائية في بلادنا في هذه المرحلة :

إذا كان العمل الاجتماعي والثقافي التطوعي تحديداً في الساحة النسائية هو من أهم الفرص والوسائل المستخدمة للمشاركة في عملية النهوض بالمجتمعات فإن من واجب مؤسسات المجتمع المدني النسوية في بلادنا أن تتلاقى جهودها من أجل رسم إستراتيجية مشتركة تعمل على تنمية وانسجام مجتمع المرأة في الدول الإسلامية وأن تضع في صدر أولوياتها عملية ترشيد مكانة المرأة المسلمة إضافة إلى التنبه لأمور منها :

أولاً: الالتفات والوعي للمتغيرات التي تهز العالم من حولنا في ظل هيمنة آحادية غاية في السوء.. والتنبه لما تتطلبه المرحلة من مراجعة لكل مواطن القوة والضعف على ضوء المفردات التي ميزت تحديداً نهج الإمام الخميني(رض) وتوجهات ولي أمر المسلمين حفظه الله. خصوصاً لجهة مكائد الحرب الناعمة.. ولجهة تعبئة كل اهتمامات الآمة من دون استثناء وجعل مجتمعاتنا تضج بحركة الحضور الإنساني الواحد وكل ما يؤول إلى تعزيز قدراتنا وجعل أسرنا قلاعاً في وجه أعدائنا .

ثانياً: السعي لتوفير سبل التضامن بين نساء العالم الإسلامي وإيجاد فرص التعاون الأخوي عبر إقامة الاتحادات والمنظمات النسائية وكل ما يؤدي إلى إيجاد اللحمة والامتثال لقوله تعالى{واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا}آل عمران/103 وذلك لأن الحاجة كبيرة إلى ترشيد المرأة المسلمة بالمكانة التي اختصها بها الله تبارك وتعالى وإلى وضع برامج تجمع بين الفعاليات النسائية على مستوى العالم الإسلامي. إضافة إلى توفير فرص المشاركة والانفتاح على سائر النخب النسائية في العالم من مختلف المذاهب والاديان .

ثالثاً: توفير الحضور الإعلامي المدروس لفعاليات مجتمعاتنا النسائية. العربية والإسلامية. لأن الحاجة كبيرة لإعلام مبني على روح الدين وأخلاقه.. إعلام يكون فيه للمرأة الملتزمة حضوراً مؤثراً ومميزاً يساهم بمواجهة التحديات القائمة على أكثر من صعيد ويمكّن من إيجاد منبر قوي فاعل يعكس أفكار وآراء المرأة المسلمة حول كافة القضايا ويعمل على تقوية أواصر الأخوة والتعاون والتسامح والتراحم بين نساء الإسلام وكافة النساء في أرجاء العالم .

رابعاً: أن أول ما ينبغي العمل له في ساحتنا النسائية هو قيام مشروع نهضوي ريادي.. يعمل على جمع الكلمة وتوحيد الصفوف وإن من نعم الله تعالى أن يتوفر هذا الأمر الجدير بالاهتمام في إطار المجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلامية وإدارته الحكيمة .

لذا أملنا كبير بأن تسعى النخب النسائية الواعية لتحقيق مساهمة فاعلة على هذا الصعيد وعلى مستوى التصدي لمهامهن التاريخية كبديل حضاري. وذلك بالعمل على رسم خطوط أساسية لإستراتيجية شاملة تمكن من تحقيق هذا الإنجاز الهام.. الذي نأمل أن يكون مقدمة تمهيدية لمستقبل عظيم تحلم به .

وأخر دعوانا أن الحمدلله رب العالمين

عفاف الحكيم

قراءة 2933 مرة