نزول الوحي على النبي (ص) (11)

قيم هذا المقال
(0 صوت)

نزول الوحي على النبي (ص) (11)

يقول أكثر المؤرخين إن النبي (ص) بعث بالإسلام حينما بلغ الأربعين من عمره الشريف. وكان قبل ذلك يعبد الله في غار حراء، الذي يقع في أحد جبال مكة المكرمة. كان يمكث في هذا الغار طيلة شهر رمضان المبارك، من كل سنة، يتفرغ فيه للعبادة والتفكر والتأمل.

وكانت زوجته السيدة خديجة (ع) تزوّده بما يحتاجه من طعام وشراب. والمروي عن أئمة أهل البيت (عليهم السلام)، وأهل البيت أدرى بما فيه، وأقرب إلى معرفة شؤون النبي (ص) الخاصة، أن بعثة النبي (ص) كانت في السابع والعشرين من شهر رجب بعد عام الفيل، بأريعين عاماً. جبرائيل (ع) يهبط على الرسول وقد بعث النبي (ص) بالقرآن الكريم وهو معجزته الأساسية. وكان الواسطة في الوحي الإلهي الملاك الرسول جبرائيل (عليه السلام)، الذي بدأ يظهر للنبي (ص) بشكل مباشر في اللحظة التي بدأ فيها نزول الوحي عليه.

وأول ما نزل عليه من القرآن الكريم، كما يروي أهل البيت (ع) وغيرهم، هو قوله تعالى من سورة العلق :"اقرأ باسم ربّك الذي خلق، خلق الإنسان من علق، اقرأ وربّك الأكرم الذي علّم بالقلم، علّم الإنسان ما لم يعلم".

فرجع إلى بيته مطمئناً مستبشراً مسروراً فرحاً بما أكرمه الله به من النبوة والرسالة، ومطمئناً إلى المهمة الموكلة إليه. وكان مستوى هذا الحدث الإلهي الكبير، الذي أكرمه به، ولما دخل على السيدة خديجة أخبرها أن جبرائيل كلّمه وجها لوجه، وأخبرها ما أنزله الله سبحانه عليه، وما سمع من جبرائيل. فقالت له:"أبشر ، فوالله لا يفعل بك إلا خيرا، وأبشر فإنك رسول الله حقا". ولقد انتشر خبر نبوة النبي (ص) ونزول الوحي عليه في البداية في وسط محدود جداً، نظراً للسرية التي اتبعها النبي (ص) في المراحل الأولى من دعوته.

ولقد بادر عدد من الذين وصلهم خبر البعثة النبوية إلى تصديق النبي والإيمان برسالته. ويوصف عادة الذين بادروا إلى اعتناق الإسلام قبل غيرهم بالسابقين. وقد كان السبق إلى الإسلام امتيازاً ومعياراً للفضل. ولأجل هذا يجب دراسة هذا الموضوع لنتعرّف عمن سبق الأخرين إلى الإيمان بالإسلام، أي من كان أول الناس إسلاما وإيمانا، من الرجال والنساء.

ابن عمه علي أول المؤمنين بالنبي (ص) من الناس

لقد اتفق المؤرخون والمحدّثون على أن علياً بن أبي طالب (ع) هو أول الناس إسلاما وإيمانا وتصديقاً برسول الله محمد (ص).

وكان عمره حين إسلامه عشر سنوات أو اثنتي عشر سنة، ولقد ورد في بعض النصوص الصحيحة أن الرسول (ص) قد بعث نبياً يوم الإثنين وأن علياً أسلم وصلى معه يوم الثلاثاء. ولقد أورد العلامة الأمين في كتابه القيم "الغدير" في الجزء الثالث وفي الجزء العاشر، أقوالاً عن عشرات من الصحابة والتابعين وغيرهم من العلماء وعن العشرات من المصادر الإسلامية الشيعية والسنّة تؤكد أن علياً بن أبي طالب أمير المؤمنين (ع) هو أول إنسان إسلاما وإيمانا قاطبة.

ولقد روى الحاكم النيشابوري في كتابه "المستدرك عن الصحيحين" في الجزء الثالث في صفحة 136، بسند صحيح عن النبي الأعظم (ص) أنه قال : "أولكم وروداً على الحوض أولكم إسلاماً علي بن أبي طالب".

وفي مسند أحمد بن حنبلة، الجزء الخامس صفحة 126، أن النبي الأكرم قال :"علي بن أبي طالب أول أصحابي إسلاما". وفي شرح نهج البلاغة لابن أبي حديد المعتزلي في جزء 13، في الصفحة 225، أن النبي (ص) أخذ بيد علي وقال :"هذا أول من آمن بي وصدقني وصلى معي". والإمام علي نفسه يصرّح في العديد من المناسبات بذلك. فيقول عن نفسه إنه لم يسبقه أحد في الصلاة مع النبي (ص)، وأنه أول من أسلم، وأنه الصدّيق الأكبر، وأنه لا يعرف أحداً في هذه الأمة عبد الله قبله غير النبي (ص)، وأنه صلى قبل أن يصلي الناس بسبع سنين.

أضف إلى ذلك أن علياً احتج على خصومه السياسيين في أكثر من مناسبة بأنه أول من أسلم وآمن وصدّق بالنبي (ص). كما أن أصحابه من الصحابة والتابعين احتجوا على خصومهم في حرب صفين وغيرها بأن إمامهم علي بن أبي طالب (ع) أول الناس إسلاما.

ولم نجد أحدا من أعدائه أو خصومه حاول إنكار ذلك أو التشكيك فيه. وهذا يدل دلالة واضحة على أن الإمام علي (ع) هو أول من أسلم وأمن وصدق بالرسول (ص) في هذه الأمة.

السيدة خديجة أول المؤمنات بالنبي (ص) من النساء

وعلى صعيد النساء ذكر المؤرخون أن السيدة خديجة بنت خويلد، هي المرأة الأولى التي آمنت وصدقت بالرسول (ص). ولقد صلت مع رسول الله (ص) في اليوم الثاني من البعثة.

ويبدو من النصوص أن عليا سبق السيدة خديجة (ع) إلى الإسلام، وأسلم قبلها. فهذا ما يظهر من جملة "أول الناس إسلاماً" أو "أول الأمة إسلاماً"، الواردة في أحاديث النبي (ص)، التي ذكرناها. وأنه ليس المقصود بالأمة أو الناس في تلك الأحاديث، خصوصا الرجال، بل جميع المخلوقين رجالا ونساء.

فعندما يقال "أول الناس إسلاماً" يعني إنه لم يسبقه إلى الإسلام أحد لا من النساء ولا من الرجال. أم كيف يسبق علي حتى السيدة خديجة (ع) بالإسلام زوجة رسول الله التي يفترض أنها ألصق إنسان به، فيتضح ذلك لو عرفنا أن علياً كان ملازماً لرسول الله (ص) لا يفارقه.

ويبدو أنه كان معه حتى في اللحظة التي بعث فيه النبي (ص). وقد قال الإمام علي (ع) وهو يصف أوضاعه مع رسول الله (ص) :"ولقد كنت أتبعه اتباع الفصيل أثر أمه، يرفع لي في كل يوم من أخلاقه علما ويأمرني بالاقتداء به، ولم يجمع بيت واحد يومئذ في الإسلام غير رسول الله وخديجة وأنا ثالثهما أرى نور الوحي والرسالة وأشم ريح النبوة ولقد سمعت رنة الشيطان حين نزل الوحي عليه فقلت يا رسول الله ما هذه الرنة؟.. فقال : هذا الشيطان قد آيس من عبادته إنك تسمع ما أسمع وترى ما أرى إلا إنك لست بنبي ولكنك لوزير وإنك لعلى خير ".

قراءة 4220 مرة