دبلوماسية الوحدة الإسلامية

قيم هذا المقال
(0 صوت)

دبلوماسية الوحدة الإسلامية.. نحو بناء أمة واحدة

لا بد للامة الاسلامية ان تعيد مجدها الحضاري الاسلامي وهويتها الدينية ، وهذا لم يتحقق الا بازالة الخلافات المذهبية والعرقية وتوحيد الصف الاسلامي .

»إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ«.

لقد أكد الإمام الخامنئي ـ بمناسبة تعيين آية الله الشيخ محسن الأراكي أميناً عاماً جديداً للمجمع العالمي للتقريب ـ على دبلوماسية الوحدة الإسلامية وضرورة الإعتماد عليها كإستراتيجية من أجل بناء أمة إسلامية واحدة.

 

ونحن نعلم أنّ العالم الاسلامي قد تكبد الخسائر الكبيرة في العقود الأخيرة جراء دبلوماسية التفرّق المفروضة عليه نتيجة سوء تدبير الحكام والأنظمة المستبدة والغزو الإستعماري الذي ركّز على استراتيجية «فرّق تسد» مما أدى الى انقسام الدول الإسلامية إلى دويلات ضعيفة مستعبدة، وتحوّل الأمة الإسلامية إلى شعوب متخاصمة، وهي بذاتها الاستراتيجية الفرعونية التي قامت بتمزيق بني اسرائيل وتحويلهم إلى مجاميع متفرقة تسهل الهيمنة عليها وتكريس الديكتاتورية «إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعاً».

 

إن دبلوماسية التفرق تدعو إلى تأصيل الإنتماءات الجغرافية والقومية والطائفية، بل إنها تعمل على الفصل بين الدين والدنيا وحصر الدين في زوايا المساجد وفي إطار الطقوس الدينية الفردية وبالتالي إمكانية السيطرة على العالم الإسلامي وإقتصاده وثقافته وأمنه ومجتمعه.

 

ولو تأملنا في سيرة النبي الأعظم (ص) نلاحظ بوضوح اهتمامه البالغ بإشاعة قيم التآخي والتراحم والتسامح التي نادى بها مراراً وتكراراً والتركيز على هذه الإستراتيجية لتشييد أركان أمة الإسلام. وإذا كانت «دبلوماسية التفرق» مزقت الأمة الإسلامية وصادرت ثرواتها وطاقاتها وسلبتها سيادتها وحريتها وتطورها وأوقفت تنميتها وازدهارها خلال العقود السالفة، فإن «دبلوماسية الوحدة» باستطاعتها أن تعيد للأمة الإسلامية وحدتها وكرامتها وسيادتها وثرواتها الطبيعية والإنسانية، وتعود بالأمة إلى الصدارة كما كانت وأراد الله لها أن تكون الأمة الشاهدة والوسط، والمنار لكافة شعوب العالم «وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا».

 

إن دبلوماسية الوحدة الإسلامية تعني استثمار كافة الطاقات والفرص المتاحة المحلية والدولية لإقامة مجتمع إسلامي موحد.

ولا ريب في أن هذه الدبلوماسية تقتبس قواعدها وأصولها من القرآن الكريم وتعاليمه وسيرة النبي الأكرم في تعامله مع الأمة والأصدقاء والأعداء في زمن الحرب والسلم، حيث تُستقى منها القواعد التي تنظم العلاقات بين الأشخاص والدول في الداخل والخارج الإسلامي مع الدول الأجنبية والشعوب غير المسلمة في عالمنا المعاصر.

 

لقد جرّب المسلمون كل السبل المستوردة إلى الداخل الاسلامي وأيقنوا بفشلها في مجال تقديم الحلول المناسبة لصالح الأمة الإسلامية. نعم لقد آن الأوان لاتباع دبلوماسية الوحدة القائمة على القواعد الإسلامية الأصلية ومنها:

 

۱- الأخوة الإسلامية «إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ...».

۲- التعاون المتقابل والمؤثر بين المسلمين «...رُحَمَاء بَيْنَهُمْ...» «وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ».

۳- عدم إهانة مقدّسات الأديان «وَلاَ تَسُبُّواْ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ...».

۴- إحترام المذاهب الإسلامية ورموزها كافة من قبل الجميع.

۵- إشاعة منطق الحوار (الحوار الإسلامي ـ الإسلامي) و(الحوار الإسلامي ـ الأدياني) «وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ) (قُل لَّا تُسْأَلُونَ عَمَّا أَجْرَمْنَا وَلَا نُسْأَلُ عَمَّا تَعْمَلُونَ».

۶- العمل في المساحات المشتركة وإعذار بعضنا الآخر في مجالات الإختلاف.

۷- إفشال مشاريع التفرق في الصف الإسلامي الواحد «وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَاخْتَلَفُواْ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ».

۸- عدم محاسبة الآخرين على لوازم أقوالهم، وإحترام الآراء الاجتهادية الصادرة وفقاً لضوابط الإفتاء.

۹- تعزيز التعارف بين الشعوب «يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا...».

۱۰- إيجاد المناخ اللازم للعمل والتعاون المشترك في كافة الصعد «وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ...».

۱۱- تشخيص العدو المشترك ومواجهة تحديات الإستكبار العالمي ضد الأمة الإسلامية «أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ» ،«إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا...».

۱۲- محاربة مظاهر التكفير والتبديع والتفسيق في الوسط الإسلامي «وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلاَمَ لَسْتَ مُؤْمِنًا...».

۱۳- التأكيد على التمسك بالكتاب والسنة النبوية الشريفة «إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ...» «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ...».

۱۴- التأكيد على القيم والمبادئ الإعتقادية والأخلاقية الإسلامية السامية.

۱۵- التأكيد على الإلتزام العملي بالشريعة الإسلامية في جميع مجالات الحياة «وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ...».

۱۶- الإلتزام بالإسلام الوسطي بعيداً عن كل أنواع التطرف والتعصب المذهبي الأعمى «وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا...».

وغيرها من الأسس والمبادئ الإسلامية التي سيؤدي الإلتزام بها لا محالة إلى إيجاد أمة إسلامية واحدة تحكمها القيم الإسلامية السامية لتستعيد مجدها الحضاري الإسلامي من جديد، ولكي تخط نهج السعادة الأبدية للإنسان في حياته المادية والمعنوية والمضي قدماً لتأسيس المدينة الإسلامية الفاضلة التي تحقق آمال الأنبياء والصلحاء وتسعى لأن يسود السلام والوئام في ظل حكم إسلامي عالمي وبقيادة حكيمة تملأ الأرض قسطاً وعدلاً.

محمد مهدي التسخيري

قراءة 2700 مرة