دور المراة في عملیة التنمیة الاجتماعیة

قيم هذا المقال
(0 صوت)

المرأة تارة ننظر الیها بوصفها انسانا فعالا في عملیة التنمیة، واخرى نركز علیها بمالها من خصائص تنفرد بها باعتبارها الام والبنت والاخت والزوجة، وهي بهذا الاعتبار تمتاز عن الرجل بما تحمله من طاقات عاطفیة متمیزة، وقدرات تكوینیة مؤثرة، ومن ثم ما تحمله من وظائف اجتماعیة فریدة.

فاذا نظرنا الیها بوصفها انسانا نشطا في عملیة التنمیة، واخذنا بعین الاعتبار حقیقة (ان الانسان هو محور التنمیة)، ومقولة ان (التنمیة المستمرة هي تلك التي تحقق انسجاما متوازنا بین مجموع عناصر التنمیة، والاسس التحیة للثقافة المعنویة التي تعمل في مجال اسقاطاتها)، وادركنا بعد ذلك ان مكونات الفطرة الانسانیة هي اهم هذه الاسس واعمقها في وجود الانسان، بل بدونها یفقد الانسان هویته ویتحول الى (شي‏ء) لا نستطیع ان نتحدث عن (حقوقه) او (نموه الاجتماعي)، او (حركته العادلة)، او (اخلاقیته)، او حتى (بقائه الحضاري)، واضفنا الى كل هذا حقیقة اخرى هی ان الدین (الذی یستمد اصوله من منابع فطریة)، هو الصیغة الاكمل التي وضعها خالق الانسان لیحقق من خلالها تكامله المادي والمعنوي المنسجم، وان الدین وحده هو الذي یستطیع ان یمنح هذه المسیرة ثباتا في الهویة والشخصیة، واطمئنانا في القلب، واملا دفاقا بالمستقبل، كما یستطیع ان یحل الاشكالات الاجتماعیة الكبرى من قبیل حل التضاد الدائم بین حب الذات، والانانیة، والعمل لصالح المجتمع ونسیان الذات فی سبیله، وحل التناقض بین اتجاهات (الالحاد) واتجاهات (الایمان المفرط بالامور النسبیة او ما یسمى بالشرك)، اذا اخذنا بعین الاعتبار كل هذه الحقائق الكبرى ادركنا ان المراة الانسان هي محور التنمیة وركنها الركین، ولن تستطیع ایة عملیة تنمویة ان تحقق صدقا مع ذاتها ومدعیاتها، الا اذا طورت الحس الانسان والفطر فی وجود المراة، واعطتها مكانتها الانسانیة الطبیعیة، ورفعت من البین كل عناصر الفریق - من الجانب الانساني بین الرجل والمراة، ومنحتها الدور الانساني المتساوي في هذا المضمار، ثم عادت لتستفید من هذه الطاقة الانسانیة الخیرة لصالح المجموع الاجتماعي بافضل اسلوب.

ولا یفوتنا ان نشیر الى ان المراة ان تاصل الثبات في شخصیتها، والاطمئنان في قلبها، والامل بالمستقبل في وجودها منحت كل المسیرة الاجتماعیة طاقة كبرى، وهیأت لها كل مقومات المسیرة الصالحة.

المراة ودورها بملاحظة خصائصها:

واذا عدنا وركزنا على خصائص المراة التی تمیزها عن الرجل، فسنجد ان خصائصها لا تغیر مطلقا من قیمتها الانسانیة بل تزید علیها، وانما تترك اثرها الوظیفی فی‏البین، بمعنى ان هناك تقسیما طبیعیا قدرته الرحمة الالهیة بین وظیفة الرجل ووظیفة المراة، فی عملیة التنمیة الاجتماعیة بل الفردیة ایضا.

فالمراة الزوجة والمراة الام لهما دوران متمایزان عن دور الرجل الزوج، والرجل الاب بلا ریب، الا ان هذین الدورین متكاملان تماما بحیث لا یمكن ان تستغنی‏الحیاة عن هذین الدورین، بمقدار عدم امكان استبدال احدهما بالآخر تماما.

بعد هذا نقول : ان للمراة اثرها الكبیر - بهذا الاعتبار - على عملیة التنمیة ایضا، ومهما تعددت علل التنمیة فشملت (العلل الفاعلیة، والعلل الغائیة، والعلل الصوریة بالاضافة للعلل المادیة)، فان اسقاطات دور المراة یبقى لها اكبر الاثر فی هذا المجال. ذلك ان المراة تستطیع ان تترك آثارا كبرى، نذكر منها على سبیل المثال ما یلی:

١- اعداد البیئة العائلیة السلیمة ، وتهیئتها وتوفیرها وهی بهذا - لو وفقت فیه - تستطیع ان تضع الحجر الاساس لمجتمع انسانی سلیم ثابت الجاش قوی القلب، منشد للمستقبل .

وبدون هذا سیبقى المجتمع ممزقا عاطفیا، ومهلهلا معنویا تتفشى فیه الجریمة، ویعیث فیه الكسل، ویفقد صفته الخلاقة شیئا فشیئا.

فالزوجة الصالحة والام الصالحة هما قوام الحیاة العائلیة الصالحة، وهذه هی قوام المجتمع الصالح (كما تؤكد ذلك النصوص الاسلامیة ).

٢- توفیر الجو المناسب لتربیة الجیل القوی الفاعل.

وقد قلنا: ان الانسان الصالح هو محور التنمیة وهو یحتاج الى عملیة تربویة مستمرة تفجر فیه طاقاته، وتبرز فیه مكوناته الذاتیة، وهی لا تتفجر ولا تبرز عشوائیا . او تلقائیا، وانما تحتاج الى عملیة تربویة وجو تربوی مناسب .

ولا ریب ان للمراة اعظم الاثر فی تربیة العناصر الانسانیة، ووراء كل عظیم امراة - كما یقولون - بل ما اكثرالعظماء النساء فی تاریخنا الطویل.

٣- الاعداد لجو وبیئة حماسیین عاطفیین من خلال الاستعداد الطبیعی للمراة، لتسد به هذه الحاجة الضروریة للانسان من جهة، وتوفر له الحالة الحماسیة الضروریة لتخطی العقبات وصنع تنمیة اجتماعیة مستدیمة من جهة اخرى .

اما المجتمع الذی یخلو من هذه الحالة العاطفیة والحماسیة فهو مجتمع خامد، وبیئة جامدة ربما تتقدم فی بعض المجالات المادیة الا انها تفقد الصفاء الانسانی المطلوب، ومن بعد تفقد القدرة على ایجاد التنمیة المتوازنة .

ومن هنا یظهر جلیا ان المراة لها دور كبیر فی توفیر الجو العائلی النظیف، وان العائلة وتشكیلاتها بما لها من مفهوم كلاسیكی معروف لدى المجتمعات والادیان كلها، هی حجر الزاویة فی عملیة التنمیة.

كما یظهر ایضا ان ایة ضربة توجه لدور المراة فی البناء العائلی المشار الیه، وای تقلیل من اهمیة الرباط العائلی المقدس، او محاولة لطرح مفاهیم جدیدة، وادعاء مصادیق عصریة‏له، او اضعاف روابطه، او ایجاد بدیل مزعوم له . كل هذه المحاولات تترك اعظم الآثار السلبیة على مستقبل الانسانیة جمعاء، وتفقده الحركیة التنمویة المطلوبة، بل هی تآمر واضح على كل الوجود الانسانی حتى لو جاء هذا التآمر تحت غطاء الخدمة الدولیة لعملیة التنمیة.

النقطة الثانیة : المحاولات الدولیة فی مجال التنمیة الاجتماعیة:

لا ریب فی ان عملیة التنمیة استاثرت من نشاط الامم المتحدة بالحظ الوفیر، وخصوصا فی السنوات الاخیرة، وعقدت لها مؤتمرات دولیة على مختلف المستویات، كمؤتمر بخارست ١٩٧٤، ومؤتمر مكسیكو سیتی ١٩٨٤ ومؤتمر القاهرة ١٩٩٤ ومؤتمر كوبنهاجن عام ١٩٩٥، وغیرها من الاجتماعات الدولیة، وخصوصا تلك المنعقدة لدراسة حقوق المراة بالخصوص كمؤتمر نایروبی ومؤتمر بكین . وكان التركیز على دور العائلة فی عملیة التنمیة ملحوظا تماما فی كل الاجتماعات الدولیة . الا ان الملاحظ فی مختلف الوثائق المقترحة انها نظمت تنظیما یبعدها عن المسیرة المتوازنة، وینسیها دور الدین فی الحیاة، ویتغافل عن اثر العناصر المعنویة فی‏هذا الصدد.

وكانت وثیقة القاهرة المقترحة على مؤتمر السكان والتنمیة القنبلة الضخمة التی فجرت الوضع، وراى المخلصون التآمر الاستعماری الواضح على كل القیم والمقدسات الانسانسة، لانها سعت الى تفكیك الروابط العائلیة، وطرح مفاهیم متنوعة للعائلة، وفسح المجال لعلاقات وروابط خارج الاطار العائلی . وقد حضرت هذا الموتمر على راس الوفد الاسلامی الایرانی على امل ان نترك اثرا ایجابیا على الوثیقة وهذا ما حدث، اذ رغم عدم التنسیق بین مواقف الدول الاسلامیة - التی حرم بعض منها حضور المؤتمر - ورغم قوة الضغط الغربی المعادی للاسلام، فقد استطعنا تشكیل مجموعة اسلامیة قویة تعاونت مع المجموعة المسیحیة الدینیة واستطاعت ان تغیر عشرات المصطلحات والمواقف فی الوثیقة من قبیل حذف مصطلحات (الحق الجنسی) و (العلاقات الاخرى «غیر علاقات الزواج‏») وحذف عنصر الالزام فی الوثیقة، وكذلك تعدیل المادة التی تسمح بالاجهاض وغیر ذلك، وقد القیت فی الاجتماع الدولی خطابا اكدت فیه الحقائق التالیة:

اولا : اننا اذ نحاول تنظیم التحرك السكانی فی اطار من التنمیة المطلوبة علینا قبل كل شی‏ء ان ننظر الى الانسان بكل ابعاده المادیة والمعنویة لیكون تخطیطا منسجما مع فطرته الانسانیة وموقعه من الكون وفی هذا الصدد نعتقد ان هذه المشكلة الاجتماعیة لا تكمن فی عدم استجابة الامكانات الطبیعیة لمعدلات النمو السكانی، بل هی تنبع من عدم الاستثمار الجید لهذه الامكانات وانماط الظلم فی توزیعها، یقول القرآن الكریم بعد ان یذكر النعم الالهیة الكثیرة: (وآتاكم من كل ما سالتموه وان تعدوا نعمة الله لا تحصوها ان الانسان لظلوم كفار) (ابراهیم/٣٨ ).

ثانیا: ان ملاحظة الواقع الانسانی عبر التاریخ وما تقرره الشرائع الالهیة فی نظریاتها الاجتماعیة تؤكد ان الكیان العائلی یشكل حجر الزاویة فی البناء الاجتماعی وان ای تحرك یوهن فی استحكامه او یطرح بدیلا عنه یشكل ضربة للمسیرة الانسانیة الاصیلة‏ولكن هذا لا یعنی مطلقا ان لا نلجا الى تنظیم هذا الكیان بالاسالیب المشروعة فذلك جزء من تحكیمه وتوجیهه.

ثالثا: ان للمراة باعتبارها نصف المجتمع الانسانی دورها الاساس فی صیاغة البناء الاجتماعی والسیاسی ویجب بكل تاكید ان تلعب دورها بكل ثقة ودونما ای حط لكرامتها او امتهان لقدراتها الانسانیة.

رابعا: ان ایة خطة واقعیة لاقامة تنمیة مستقرة لا یمكنها ان تتغافل عن دورالقیم الاخلاقیة والعقیدة الدینیة فی تحكیم اسس التنمیة والاشباع المتوازن لمتطلبات الانسان باعتباره محور الاعمار، فلابد اذن من توكید هذه القیم والعمل على دعمها ونفی كل ما ینافیها.

خامسا: ان مبدا التساوی فی امكانیة الاستفادة من الخیرات الطبیعیة وهی هبة‏الله تعالى لیدعونا جمیعا للعمل على تحقیق تقارب كبیر بین مستویات المعیشة وعلى المستوى العالمی الامر الذی یحمل الدول الغنیة عبئا كبیرا لتحقیق هذا الهدف بحیث لا یمكنها التنصل منه ان شاءت تحقیق الاندماج الانسانی المطلوب.

سادسا: ان حقوق الانسان كما تقررها الوثیقة العالمیة والوثائق الاخرى كالوثیقة الاسلامیة تجب مراعاتها بشكل دقیق الا ان من الطبیعی الاصرار على انه لا یحق لایة دولة او مجموعة ان تحمل مفهومها عنها على الدول الاخرى او تحاول الاستهانة بالعناصر الثقافیة والدینیة التی یحملها الآخرون بذریعة فهمها هی بل یجب الوصول الى تعریفات مشتركة مقبولة یمكن من خلالها تشخیص الحقیقة دونما ای تحمیل ولتكون الوثائق معتمدة عن بصیرة ودقة فلا یمكن استغلالها بسهولة.

أميرة شكري

قراءة 2831 مرة