تجديد بناء الكعبة المشرفة (5/ ذو القعدة/ زمن النبي إبراهيم (ع))

قيم هذا المقال
(1 Vote)
تجديد بناء الكعبة المشرفة (5/ ذو القعدة/ زمن النبي إبراهيم (ع))

قال تعالى: (إِنّ أَوّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنّاسِ لَلّذِي بِبَكّةَ مُبَارَكاً وَهُدًى لّلْعَالَمِينَ فِيهِ آيَاتٌ بَيّـنَاتٌ مّقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَن دَخَلَهُ كَانَ آمِناً)([1]).

من المتواتر المقطوع به أن الذي جدّد بناء الكعبة إبراهيم الخليل(ع)    وابنه إسماعيل، وأن الكعبة هي أول بيت وضعه الله تعالى للعبادة، حتى قبل بيت المقدس، لأن بيت المقدس بناه النبي سليمان(ع)   ، وهو بعد إبراهيم الخليل بزمن.

ولكن هذه الآية وآيات أخرى تشير بشكل واضح إلى أن الكعبة كانت موجودة قبل إبراهيم، وكان قائماً منذ زمن آدم(ع)   ([2])، ومما يكشف عن ذلك أيضاً قوله تعالى: (رّبّنَآ إِنّيَ أَسْكَنتُ مِن ذُرّيّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ الْمُحَرّمِ)([3])، فإنّها تدل على أن الكعبة كان لها نوع من الوجود حين جاء إبراهيم مع زوجته، وابنه إسماعيل الرضيع إلى مكة.

وقد أكد أمير المؤمنين(ع)    هذا المعنى فقال: Sألا ترون أن الله سبحانه اختبـر الأولين من لدن آدم (صلوات الله عليه) إلى الآخرين من هذا العالم بأحجار... فجعلها بيته الحرام... ثم أمر آدم(ع)    وولده أن يثنوا أعطافهم نحوه...([4]).

وعلى أي حال فقد روى المسلمون وغيرهم أنه لما ولدت هاجر اسماعيل؛ أمر الله نبيه إبراهيم أن يُسكناهما أمام البيت الحرام، وكان في ذلك الوقت على شكل قواعد، فجاء إبراهيم وبرفقته هاجر وابنها إسماعيل وتركهما عند البيت الحرام دون ماء ولا كلاء ولا حتى خيمة تطبيقاً لإرادة الله ونزولاً على بلاءه، فسألته هاجر، أتتركنا في أرض لا يوجد فيها أحد؟ فقال لها: ألله الذي أمرني أن أضعكم في هذا المكان، وهو الذي يكفيكم، ثم انصرف عنهما فلما بلغ (كداء) وهو جبل بذي طوى التفت إبراهيم، وقال: (رّبّنَآ إِنّيَ أَسْكَنتُ مِن ذُرّيّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ الْمُحَرّمِ رَبّنَا لِيُقِيمُواْ الصّلاَةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مّنَ النّاسِ تَهْوِيَ إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مّنَ الثّمَرَاتِ لَعَلّهُمْ يَشْكُرُونَ)، ثم مضى وبقيت هاجر، فلما ارتفع النهار عطش إسماعيل، فقامت هاجر في موضع السعي فصعدت على الصفا، ولمع لها السراب في الوادي، فظنت أنه ماء، فنزلت في بطن الوادي، وسعت فلما بلغت المروة غاب عنها إسماعيل، فعادت حتى بلغت الصفا، وهكذا إلى سبعة أشواط، فلما كانت على المروة نظرت إلى إسماعيل وقد ظهر الماء من تحت رجليه فعادت حتى جمعت حوله الرمال وزمّته، فلذلك سميت زمزم، وكانت قبيلة جرهم نازلة بذي المجاز وعرفات، فلما ظهر الماء بمكة لهاجر وابنها قالوا لها: من أنت وما شأنك وشأن هذا الصبي؟ قالت: أنا أم ولد إبراهيم خليل الرحمن، وهذا ابنه، أمره الله ان ينزلنا هيهنا، فقالوا لها: أتأذنين لنا أن نكون بالقرب منكم؟ فقالت: حتى يأتي إبراهيم، فلما زارهم إبراهيم في اليوم الثالث، قالت هاجر: يا خليل الله إن ههنا قوماً من جرهم يسألونك أن تاذن لهم حتى يكونوا بالقرب منا، أفتأذن لهم في ذلك؟ فقال إبراهيم: نعم، فأذنت لهم هاجر، فنزلوا بالقرب منهم، وضربوا خيامهم، فأنست هاجر وإسماعيل بهم، فلما زارهما إبراهيم في المرة الثانية نظر إلى كثرة الناس حولهم، فسرّ بذلك سروراً شديداً([5]).

ومرت الأيام وبلغ إسماعيل مبلغ الرجال، فأمر الله تعالى خليله إبراهيم أن يبني البيت، وقد أرسل له جبرئيل ليعرّفه موضع القواعد وخطها له، فأخذ إسماعيل ينقل حجار البيت من ذي طوى، فجعل له جدراناً أربعة، ورفعه إلى السماء تسعة أذرع([6])، وجعل له أركاناً أربعة، وسمى الشمالي بالركن العراقي، والغربي بالركن الشامي، والجنوبي بالركن اليماني، والشرقي الذي فيه الحجر بالركن الأسود، وتسمى المسافة التي بين الباب وركن الحجر بالملتزم، لالتزام الطائف إياه في دعائه واستغاثته، وأما الميزاب على الحائط الشمالي يسمى ميزاب الرحمة([7]).

وقد جعل له بابين، باباً إلى الشرق، وباباً إلى الغرب، والباب الذي إلى الغرب يسمى المستجار، ثم لما فرغ من بنائه حج إبراهيم وإسماعيل([8])، ولذا ينسب حج المسلمين إلى إبراهيم الخليل فيقال الحج الابراهيمي.

منزلة الكعبة:

كانت الكعبة مقدسة ومعظمة عند الأمم المختلفة، فكانت الهنود يعظمونها، وكانت الصابئة من الفرس والكلدانيين يعدونها أحد البيوت السبعة المعظمة، وكان الفرس يحترمون الكعبة أيضاً، كما كانت اليهود تعظمها ويعبدون الله فيها على دين إبراهيم، وكانت في الكعبة صورتا العذراء والمسيح، ويشهد ذلك على تعظيم النصارى لأمرها أيضاً، وكانت العرب أيضاً تعظمها كل التعظيم، وتعدها بيتاً لله تعالى، وكانوا يحجون إليها من كل جهة وهم يعدون البيت بناء إبراهيم، والحج من دينه الباقي بينهم بالتوارث([9]).

 

([1]) سورة آل عمران: الآية 96.

([2]) الأمثل في تفسير القرآن 1: 335- 336.

([3]) سورة إبراهيم: الآية 37.

([4]) نهج البلاغة: الخطبة القاصعة.

([5]) الميزان في تفسير القرآن 1: 288- 289.

([6]) المصدر السابق.

([7]) الميزان في تفسير القرآن 3: 360.

([8]) الميزان 1: 289.

([9]) الميزان 3: 361- 362.

قراءة 3384 مرة