ما هي الأسباب والحكم من غيبة الإمام المهدي (ع)؟

قيم هذا المقال
(0 صوت)

السؤال:

ما هي الأسباب والحكم من غيبة الإمام المهدي ( عليه السلام ) ؟

 

الجواب:

إنّ غيبة الإمام المنتظر ( عليه السلام ) كانت ضرورية لابدّ للإمام منها ، نذكر لك بعض الأسباب التي حتمت غيابه ( عليه السلام ) :

1ـ الخوف عليه من العباسيين :

لقد أمعن العباسيون منذ حكمهم ، وتولّيهم لزمام السلطة في ظلم العلويين وإرهاقهم ، فصبّوا عليهم وابلاً من العذاب الأليم ، وقتلوهم تحت كُلّ حجرٍ ومدرٍ ، ولم يرعوا أيّة حرمة لرسول الله ( صلى الله عليه وآله ) في عترته وبنيه ، ففرض الإقامة الجبرية على الإمام علي الهادي ، ونجله الإمام الحسن العسكري ( عليهما السلام ) في سامراء ، وإحاطتهما بقوى مكثّفة من الأمن ـ رجالاً ونساءً ـ هي لأجل التعرّف على ولادة الإمام المنتظر ( عليه السلام ) لإلقاء القبض عليه ، وتصفيته جسدياً ، فقد أرعبتهم وملأت قلوبهم فزعاً ما تواترت به الأخبار عن النبيّ ( صلى الله عليه وآله ) ، وعن أوصيائه الأئمّة الطاهرين : أنّ الإمام المنتظر هو آخر خلفاء رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، وأنّه هو الذي يقيم العدل ، وينشر الحقّ ، ويشيع الأمن والرخاء بين الناس ، وهو الذي يقضي على جميع أنواع الظلم ، ويزيل حكم الظالمين ، فلذا فرضوا الرقابة على أبيه وجدّه ، وبعد وفاة أبيه الحسن العسكري أحاطوا بدار الإمام ( عليه السلام ) ، وألقوا القبض على بعض نساء الإمام الذين يظنّ أو يشتبه في حملهن .

فهذا هو السبب الرئيسي في اختفاء الإمام ( عليه السلام ) ، وعدم ظهوره للناس ، فعن زرارة قال : سمعت أبا جعفر ( عليه السلام ) يقول : « إنّ للقائم غيبة قبل ظهوره » ، قلت : ولَمِ ؟ فقال ( عليه السلام ) : « يخاف » ، وأومئ بيده إلى بطنه ، قال رزارة : يعني القتل (1) .

ويقول الشيخ الطوسي : « لا علّة تمنع من ظهوره ( عليه السلام ) إلاّ خوفه على نفسه من القتل ، لأنّه لو كان غير ذلك لما ساغ له الاستتار » (2) .

2ـ الامتحان والاختبار :

وثمّة سبب آخر علّل به غيبة الإمام ( عليه السلام ) ، وهو امتحان العباد واختبارهم ، وتمحيصهم ، فقد ورد عن الإمام الصادق ( عليه السلام ) أنّه قال : « أمّا والله ليغيبن إمامكم سنيناً من دهركم ، ولتمحصن حتّى يقال : مات أو هلك ، بأيّ وادٍ سلك ، ولتدمعن عليه عيون المؤمنين ، ولتكفأن كما تكفأ السفن في أمواج البحر ، فلا ينجو إلاّ من أخذ الله ميثاقه ، وكتب في قلبه الإيمان ، وأيّده بروح منه » (3) .

ولقد جرت سنّة الله تعالى في عباده امتحانهم ، وابتلاءهم ليجزيهم بأحسن ما كانوا يعملون ، قال تعالى : ( الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً ) (4) ، وقال تعالى : ( أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لاَ يُفْتَنُونَ ) (5) .

وغيبة الإمام ( عليه السلام ) من موارد الامتحان ، فلا يؤمن بها إلاّ من خلص إيمانه ، وصفت نفسه ، وصدّق بما جاء عن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) والأئمّة الهداة المهديين من حجبه عن الناس ، وغيبته مدّة غير محدّدة ، أو أنّ ظهوره بيد الله تعالى ، وليس لأحدٍ من الخلق رأي في ذلك ، وإن مثله كمثل الساعة فإنّها آتية لا ريب فيها .

3ـ الغيبة من أسرار الله تعالى :

وعُلّلت غيبة الإمام المنتظر ( عليه السلام ) بأنّها من أسرار الله تعالى ، التي لم يطّلع عليها أحد من الخلق ، فقد ورد عن النبيّ ( صلى الله عليه وآله ) أنّه قال : « إنّما مثله كمثل الساعة ، ثقلت في السماوات والأرض ، لا تأتيكم إلاّ بغتة » (6) .

4ـ عدم بيعته لظالم :

ومن الأسباب التي ذكرت لاختفاء الإمام ( عليه السلام ) أن لا تكون في عنقه بيعة لظالم ، فعن علي بن الحسن بن علي بن فضّال عن أبيه ، عن الإمام الرضا ( عليه السلام ) أنّه قال : « كأنّي بالشيعة عند فقدهم الثالث من ولدي كالنعم يطلبون المرعى فلا يجدونه » ، قلت له : ولم ذلك يا ابن رسول الله ؟ قال ( عليه السلام ) : « لأنّ إمامهم يغيب عنهم » ، فقلت : ولِمَ ؟ قال : « لئلا يكون في عنقه لأحد بيعة إذا قام بالسيف » (7) .

وأعلن الإمام المهدي ( عليه السلام ) ذلك بقوله : « إنّه لم يكن لأحد من آبائي ( عليهم السلام ) إلاّ وقعت في عنقه بيعة لطاغية زمانه ، وإنّي أخرج حين أخرج ، ولا بيعة لأحد من الطواغيت في عنقي » (8) .

هذه بعض الأسباب التي علّلت بها غيبة الإمام المنتظر ( عليه السلام ) ، وأكبر الظنّ أنّ الله تعالى قد أخفى ظهور وليّه المصلح العظيم لأسباب أُخرى أيضاً لا نعلمها إلاّ بعد ظهوره ( عليه السلام ) .

ــــــــــــــ

 

(1) علل الشرائع 1 / 246 ، كمال الدين وتمام النعمة : 481 .

(2) الغيبة للشيخ الطوسي : 329 .

(3) الإمامة والتبصرة : 125 ، الكافي 1 / 336 ، الأمالي للشيخ الصدوق : 191 .

(4) الملك : 2 .

(5) العنكبوت : 2 .

(6) كفاية الأثر : 168 و 250 ، ينابيع المودّة 3 / 310 .

(7) علل الشرائع 1 / 245 ، عيون أخبار الرضا 2 / 247 .

(8) كمال الدين وتمام النعمة : 485 ، الغيبة للشيخ الطوسي : 292 .

قراءة 3022 مرة