ما هو رأي الشيعة حول حديث «لا تشدّوا الرحال إلاّ إلى ثلاثة مساجد»؟

قيم هذا المقال
(2 صوت)
ما هو رأي الشيعة حول حديث «لا تشدّوا الرحال إلاّ إلى ثلاثة مساجد»؟

جواب:

استند بعضهم إلى هذه الرواية للقول بحُرمة شدّ الرحال لزيارة النبيّ صلى الله عليه وآله وسلّم عادّاً السفر بمثل هذه النية سفر معصية، مع العلم أنّ هذا الاستدلال مرفوض لابتنائه على فهم خاطيء.

ولأجل تفسير هذا الحديث، ينبغي القول بأنّ هذا الكلام ـ بحسب الأسلوب المعهود عند أهل اللغة ـ جاء على شكل استثناء، ومقتضى ذلك توفّرُه على كلٍّ من المستثنى والمستثنى منه، حيث يأتي المستثنى بعد «إلاّ»، والمستثنى منه قبلها، سواءً كان ذلك بشكل ظاهر أو تقديري، وتُعدّ هذه المسألة من أبده المسائل الواردة في الكتب النحويّة. وحينما نتأمّل في هذا الرواية، نرى أنّه تمّ التصريح فيها بالمستثنى: «ثلاثة مساجد» من دون أن يرد فيها أيّ ذكر للمستثنى منه قبل «إلاّ». وعليه، يلزم علينا تقديرُه بحسب أحد هذه الاحتمالات الثلاثة، ولا يُتصوّر وجه رابع له:

1. أن نجعل تقدير المستثنى منه هو كلمة «قبر»، فتصير الرواية المنسوبة للنبيّ الأعظم صلى الله عليه وآله وسلّم بهذا الشكل: «لا تشدّوا الرحال إلى قبر، إلاّ ثلاثة مساجد». لكنّنا نلاحظ أنّ هذا السياق غير متّسق ولا يُناسب البلاغة النبويّة؛ إذ أنّ المستثنى لا يُعدّ من جنس المستثنى منه، والأصل أن يكون كذلك؛ ولهذا فإنّ قلب العالِم لا يسكن لنسبة مثل هذا الكلام للرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلّم، فلا يجوز لنا ـ والحال هذه ـ أن نتّخذ كلمة «قبر» بعنوان مستثنى منه.  

2. أن نفترض بأنّ تقدير المستثنى منه هو لفظة «مكان»، فتصير الرواية ـ بحسب هذا الفرض ـ بالشكل الآتي: «لا تشدّوا الرحال إلى مكان، إلاّ ثلاثة مساجد»، بمعنى أنّه لا يجوز السفر وشدّ الرحال لأيّ سبب سواءً كان تجارة أو طلب علم أو القيام بالأمور الخيريّة، ويجوز ذلك فقط إلى تلك المساجد الثلاثة، وبطلان هذا الاحتمال واضح وجليّ.

3. أن يكون تقدير المستثنى منه في الحديث هو كلمة «مسجد»، بحيث تُصبح الرواية بهذا الشكل: «لا تُشدّ الرحال إلى مسجد، إلاّ إلى ثلاثة مساجد». ونلاحظ بأنّ الكلام ـ بحسب هذا التقدير ـ صار منسجماً ويجري وفقاًً للأسلوب الفصيح، ولا يُعاني من الأخطاء التي وقع فيها كلّ من الاحتمالان السابقان، وتُشرق منه روح النبوّة، ويطمئنّ قلب الإنسان المتّقي إلى نسبته للرسول صلى الله عليه وآله وسلّم.

فمن الناحية العقليّة، يبدو هذا التقدير مناسباً، وفضلاً عن ذلك، فإنّنا نستطيع أيضاً الكشف عن صحّته من خلال الأخذ بنظر الاعتبار لبقيّة الروايات الواردة في هذا الشأن. فقد تمّ التصريح بالمستثنى منه في العديد من الروايات المنقولة عن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلّم.

ومن جملتها الرواية التي ينقلها أحمد بن حنبل عن طريق «شهر بن حوشب» والتي يقول فيها: سمعت أبا سعيد وذُكر عنده الصلاة في الطور فقال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: لا ينبغي للمطي أن تُشدّ رحالها الى مسجد يُبتغى فيه الصلاة غير مسجدي هذا والمسجد الحرام والمسجد الأقصى. (1)

وعليه، فإنّ كلام الرسول يدور حول المساجد ذات الفضيلة والمنزلة الرفيعة، ولا علاقة له بالسفر لزيارة القبور أو باقي الأمور. وبالتالي، فإنّ ربط هذه الرواية بمسألة زيارة المقابر يُعدّ افتراءً على الرسول. هذا مع العلم أنّ العديد من الروايات الواردة عن طريق أهل السنّة رغّبت في زيارته عليه السلام، وقال باستحبابها مجموعة من علماء أهل السنّة في الكتب التي تتحدّث عن المناسك، وتمّ تأييد هذا الأمر في الكثير من الروايات. (2)

 

الهوامش:

1. أحمد بن حنبل، مسند الإمام أحمد بن حنبل، القاهرة، مؤسّسة قرطبة، بدون تاريخ، ج 3، ص 64.

2. لمزيد من الاطّلاع، يُرجى مراجعة: العلوي المالكي، مفاهيم يجب أن تُصحّح، القاهرة، دار جوامع الكلم، بدون تاريخ، ص 204.

 

قراءة 5681 مرة