دلالة حديث الغدير على الإمامة

قيم هذا المقال
(0 صوت)

لا دلالة لحديث الغدير على إمامة أمير المؤمنين الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام وولاية الأمر

ننقل الرد على هذه الشبهة من كتاب ( وركبت السفينة ) لمروان خليفات ..

دلالة الحديث :

بعد أن اتفق الشيعة والسنة على صحة الحديث وملابساته ، اختلفوا في مراد النبي بقوله : (( من كنت مولاه فعلي مولاه )) قال أهل السنة : أراد بيان محبة علي ونصرته .

والشيعة يرون هذا الحديث نصاً من النبي على خلافة علي عليه السلام .

مقدمة لفهم الواقعة :

وصل النبي والحجيج منطقة خم ، وهو مكان تفرق الحجاج ، فنزل قول الله : (( يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلّغتَ رسالته والله يعصمك من الناس )) فبلّغ النبي ما أُنزل إليه ، فنزل قولـه تعـالى (( اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً )) .

ثم هنأ الصحابـة – يقدمهم أبو بكر وعمر – عليـاً وقال كل منهما : (( بخٍ بخٍ لك با بن أبي طالب أصبحت مولاي ومولى كل مؤمن ومؤمنة )) .

هذه الأحاديـث حصلت في يومٍ واحد ومكان واحد على مرأى ومسمع الغالبيـة المطلقـة من الصحابة .

ومن المعروف أن الله عز وجل إذا فرض شيئاً جديداً على المسلميـن ، لا يجعل له مقدمات ولا ترتيبات ، فحين فرضت الصلاة أخبر المسلميـن بذلك مباشرة وهكذا سائـر الفرائض كالصوم والزكاة .

وفي حادثة الغديـر نجد الأمر قد اختلف ، فقد نزلت آية تأمر الرسول بتبليغ ما أنزل الله إليه .. وبعد أن بلّغه النبي نزلت آية الإكمال . وكأنّ إكمال الدين كان متوقفاً على هذا الأمر فما كان ذاك ؟! أهو نص على خلافة علي أم بيان محبته ؟!

شرف الدين يحسم الخلاف :

لقد قيل : لا تنظر إلى من قال ولكـن انظر إلى ما قيل . نعم – أخي المسلـم – تابع معنا هذا الكلام كلمة بكلمة لترى معنى حديث الغدير .

أوّل سليم البشري – شيخ الأزهر – كلمـة مولى بالناصر والمحب … ليحمل الصحابـة على الصحة .

فأجابه عبد الحسين شرف الدين : (( لو سألكم فلاسفة الأغيار عما كان منه يوم غدير خم فقال : لماذا منع تلك الألوف المؤلفة يومئذٍ عن المسير (1) ؟ وعلام حبسهم في تلك الرمضاء بهجير ؟ وفيم اهتم بإرجاع من تقدم منهم وإلحاق من تأخر ؟ ولم أنزلهم جميعـاً في ذلك العراء على غير كلاء ولا ماء ؟ ثم خطبهم عن الله عز وجل في ذلك المكان الذي منه يتفرقون ليبلِّغ الشاهد منهم الغائب ، وما المقتضى لنعي نفسه إليهم في مستهل خطابه ؟ إذ قال : (( يوشك أن يأتيني رسول ربي فأجيب ، وإني لمسؤول وإنكم لمسؤولون )) ، وأي أمر يسأل النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن تبليغه ؟ وتسأل الأمـة عن طاعتها فيه ، ولماذا سألهم : ألستم تشهدون أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ؟ … قالوا : بلى ، ولماذا أخذ حينئذٍ على سبيل الفور بيد علي فرفعها إليه حتى بان بياض إبطيـه ، فقال : (( يا أيها الناس إن الله مولاي وأنا مولى المؤمنين )) ولماذا فسر كلمته ( وأنا مولى المؤمنين ) بقوله : وأنا أولى بهم من أنفسهم ؟ ولماذا قال بعد هذا التفسير : (( فمن كنـت مولاه ، فهـذا علي مولاه . اللهمّ وال من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله )) ؟ ولم خصه بهذه الدعوات التي لا يليق لها إلا أئمة الحق ، وخلفاء الصدق ؟ ولماذا قرن العتـرة بالكتـاب ، وجعلهم قدوة لأولي الألبـاب؟ وفيم هذا الاهتمـام العظيـم من هذا النبي الكريم ؟ وما المهمة التي احتاجت إلى كل هذه المقدمات ؟ …وما الشيء الذي أمره الله بتبليغه ؟ … وأي مهمة استوجبت من الله التأكيد ، واقتضت الحض على تبليغها بما يشبه التهديد ؟ وأي أمر يخشى النبي الفتنة بتبليغه ويحتاج إلى عصمة الله ؟ أكنتم – بجدك لو سألكم عن هذا كله – تجيبونه بأن الله عز وجل ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم إنما أرادا بيان نصرة علي للمسلمين وصداقته لهم ليس إلا ؟ ما أراكم ترتضون هذا الجواب ، ولا أتوهم أنكم ترون مضمونه جائز على رب الأرباب ولا على سيد الحكمـاء وخاتم الرسل والأنبيـاء ، وأنتم أجل من أن تجوزوا عليه أن يصرف هممه كلها وعزائمه بأسرها إلى تبيين شيء بيّن لا يحتاج إلى بيان ولا شك ، أنكم تنزهون أفعاله وأقواله عن أن تزدري بها العقلاء أو ينتقدها الفلاسفة والحكماء … )) (2) .

ولنأخـذ هذا النص ثم نقف عنده قليـلاً . عن حذيفة بن أسيد قال صلىالله عليه وآله وسلم :

(( ألستم تشهدون أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله … )) قالوا : بلى نشهد بذلك . قال : (( اللهم اشهد – ثم قال - : يا أيها الناس إن الله مولاي وأنا مولى المؤمنين وأنا أولى بهم من أنفسهم ، فمن كنت مولاه فهذا مولاه )) .

أولاً : نلاحظ أن النبي استدرج المسلمين فأخذ منهم الشهادة لله بالوحدانية ولنفسه بالنبوة ، كي يمهد للأمر المراد تبليغه . فالرسول ذكر أصلين من أصول الدين : التوحيد والنبوة . فما علاقـة محبة علي ونصرته للمسلمين بهذين الأصلين ؟! وهل مجرد بيان محبة علي يستلزم ذكر التوحيـد والنبوة ؟! لعمري إنها لا تجتمع . فإرادة المحبة هنا غير واردة . نعم ، إن الرسول أخذ الشهادة من الناس بالتوحيد ، ثم بالنبوة ، فثلّث بالإمامة . وهذا ما يقبلـه السياق . أما إرادة المحبة فلا تجتمع مع التوحيد والنبوة .

ثانياً : قال النبي في كلامـه (( إن الله مولاي وأنا مولى المؤمنين وأنا أولى بهم من أنفسهم ، فمن كنت مولاه فهذا – علي – مولاه )) .

فحين قال النبي : (( وأنا أولى بهم من أنفسهم )) ، قال مباشرة : (( فمن كنت مولاه )) أي من كنت أولى به من نفسه فعلي كذلك . ففسر النبي كلمة (مولى) بكلمة ( أولى) (3) . وكلمة (أولى) هنا أعم من الخلافة ، فكما أن طاعة النبي أولى من طاعة الناس لأنفسهم ، فكـذا علي !! فهل هناك قرينة أوضح من هذه ؟!  (( إنه لقول رسول كريم )) .

ثالثاً : إن محبة علي ونصرته للمسلمين يعرفها الجميع ، وقد فرض الله مودتـه في القرآن داعيـاً المسلميـن إلى حبه وطاعته ، وجعل النبي حبه علامة الإيمان . وفي خيبر قال : (( لأعطين الراية غداً لرجل يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله )) ، فكان علياً . فمحبة علي ، ونصرته للمسلمين ، أمر مفروغ منه ، فلا يمكن تفسير الحديث بدعوة الناس لمحبة علي ، لأن محبتـه مفروضة بالقرآن . فإذا كان النبي دعا الناس لحب علي ، فهو لم يأت بشيء جديد – حاشاه – وليس هذا إكمالاً للدين .

رابعاً : لقد فهم الصحابة وعلى رأسهم أبي بكر وعمر ما فهمه شيعة آل البيت . فبعد أن بلّغ النبي أمـر الله ، قال أبو بكر وعمر لعلي : بخ بخ لك با بن أبي طالب أصبحت مولاي ومولى كـل مؤمن ومؤمنـة ، وتبع الصحابة أبا بكر وعمر ببيعة علي – وهم أكثر من مائة ألف – ولمدة ثلاثة أيام .

إن أبا بكر وعمر قالا لعلي : (( أصبحت مولاي … )) فلو كان قصد النبي بيان محبة علي ودعوة الناس لهذا ، فمعنى ذلك أن الشيخين لم يمتثلا أمر الله في حب علي إلا في هذه اللحظة ، لذلك قالا : (( أصبحت )) ، ولا أعتقد أن أحداً يقبل هذا التفسير ويرضاه للشيخين ! فقولهما : (( أصبحت مولاي )) يدل على أمر جديد . ولنعم ما قال محمد جواد مغنية : (( أي عاقل يهنئ غيره بحبه له )) ؟!!

فلا أدري هل نحن أعلم من الصحابة بلغة العرب وملابسات الحادثة ؟ فما بال العلماء يشرّقون ويغرّبون في معنى المولى ؟ وما لنا لا نفهم الواقعة كما فهمها الصحابـة ؟ هذا حسان بن ثابت الشاعر الفصيح فهم منها ولاية الأمر فأنشد :

فقال له قم يا علي فإنني رضيتك بعدي إماماً وهاديا

هذا ما قاله حسان ، فهل أخطأ بفهمه للحديث ؟! فالعجب ممن لم يحضر الحادثة ويفهم منها ما لم يفهمه حسان والصحابة !

خامساً : إن قول الرسول بعد نزول آية الإكمال : (( الله أكبر على إكمال الدين وإتمام النعمة ، ورضى الرب برسالتي والولاية لعلي )) فيه دلالة واضحة على ما نقول فالنبي قرن النبوة بولايـة

علي ، فالنبوة + محبة علي ، لا يستقيم السياق .

ولكن النبوة + إمامة علي ، يستقيم السياق .

سادساً : لو فرضنا أن الحديث يدعو لحب علي ونصرته ، فهل امتثل السلف هذه الوصية النبوة ؟ سل الجمل وصفين والنهروان و…و…

احتجاج علي (ع) بحديث الغدير :

في مسجد الكوفة وبعد أن عادت الخلافة لعلي عليه السلام خطب بالناس : (( أنشد الله من سمع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول يوم غدير خم : من كنت مولاه فعلي مولاه ، لما قام فشهد . فقام اثنا عشر بدرياً فقالوا : نشهد أنا سمعنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول يوم غدير خم : من كنت مولاه فعلي مولاه ، لما قام فشهد . فقام اثنا عشر بدرياً فقالوا : نشهد أنا سمعنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول يوم غدير خم : (( ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم ، وأزواجي أمهاتهم ؟ )) . فقلنا : بلى يا رسول الله . قـال : (( فمن كنت مولاه فعلي مولاه ، اللهم وال من والاه ، وعاد من عاداه )) . وكتـم الشهادة بعض الصحابة فدعا عليهم فأصابتهم الدعوة (4) .

هذا الإمام علي عليه السلام يعيد ذكرى الغدير على الناس . فماذا أراد من ذلك ؟ هل أراد بيان نصرتـه ومحبتـه للمسلميـن ؟! لا وربي ليس ذلك هـو الأمـر ، بل إنه أمـر أكبر من ذلك ، فما طلب شهادتهم إلا ليؤكد حقـه في الخلافـة ، وما أصابت منكري الشهادة دعوتـه إلا لإنكارهم لأمر عظيم .

_____________________________________________________________________________

(1) ما يذكره شرف الدين هنا أمر ثابت في الروايات ومن أراد تفصيلها فليراجع الجزء الأول من الغدير .

(2) المراجعات : ص194-195 المراجعة – 58 .

(3) ذهب إلى تفسير كلمة مولى بأولى كثير من العلماء ونص ابن طلحـة الشافعي في مطالـب السؤول ص16 على ذهاب طائفـة إلى حمل اللفظ في الحديث على الأولى . وذهب لهذا الرأي المبرد ، والزجاج ، وابن الأنباري ، والفراء ، وثعلب ، وابن المبـارك ، وابن الملقن ، والجوهري ومن المفسرين : الطبري ، والبغوي ، وأبو حيان الأندلسي ، والبيضاوي والثعالبي ، وأبو السعود ، والرازي ، والبخاري ، وسبط ابن الجوزي . راجـع منهـج في الانتماء المذهبي ، صائب عبد الحميد : ص110 – 114 .

(4) فراجع مسند أحمد 1/119 ، مجمع الزوائد ، الهيثمي 9/11 وقال : إسناده حسن ، فضائل الصحابـة لأحمد بن حنبل 2/585 . أُسد الغابة 2/233 . خصائص النسائي : ص22-25 . الإصابة 4/182 . السيرة الحلبية 3/302 و 337 . تاريـخ بغداد 14/236 . صفوة الصفوة 1/313 . تاريخ الخلفاء : ص134 . حلية الأولياء 5/26 . الرياض النضرة 3/127 . ترجمـة الإمام علي من تاريـخ دمشق 2/5-25 . الكنى والأسمـاء ، الدولابي . شرح النهج ، ابن أبي الحديد 1/362 . المناقب ، ابن المغازلي الشافعي . مطالـب السؤول : ص54 . البداية والنهاية 5/210 و 7/348 . تذكرة الخواص : ص17 . جمع الجوامع ، السيوطي . وابن أبي عاصم في السنة كما في كنز العمال 6/407 . شرح المواهب ، الزرقاني 7/13 . ذخائر العقبى : ص67 . خصائص النسائي : ص22 . جواهر العقدين ، السمهودي . وسيلة المآل ، الفضل بن با كثيـر الشافعي . المناقب ، الخوارزمي : ص94 . العاصمي في زين الفتى . مشكل الآثار ، الطحـاوي 2/308 . فرائد السمطين الباب العاشر . أسنى المطالب ، شمس الدين الجزري : ص3 . راجـع الغدير 166-185 .

قراءة 4313 مرة