
emamian
الحج.. تقليد عرفه الإنسان قبل نزول الأديان
◄الحج في اللغة هو قصد الشيء وإتيانه.. والحج في الشريعة الإسلامية هو قصد البيت الحرام والمشاعر العظام وإتيانها في وقت مخصوص وعلى وجه مخصوص.
والحج هو الصفة المعلومة في الشرع من الإحرام والتلبية والوقوف بعرفة والطواف بالبيت والسعي بين الصفا والمروة ورمي الجمرات.
والحج في الإسلام من أركانه الخمسة وفرض على المسلمين بقول الله في القرآن: (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلا) (آل عمران/ 97).
وتركت لنا العصور القديمة العديد من الآثار والشواهد الدالة على ممارسة الإنسان للحج منذ القدم قبل ظهور الأديان السماوية.
يروي علماء المصريات أنّ معابد الاقصر والكرنك أبيدوس كانت تشهد تجمعات ضخمة من المصريين القدماء تستمر عدة أسابيع وتتوقف فيه أنشطة البلاد. وكانت المعابد يتدفق عليها العرّافون والحجاج فيما تشهد البلاد رواجاً في حركة النقل بالسفن وفي التجارة.
ويقول الباحث المصري أنور أبو المجد إنّ عيد "بو با سطة" الذي كان يقام تكريماً للإله "باستت" في شرق دلتا نهر النيل يجتذب 700 ألف حاج من الرجال والنساء.
وكان اليونانيون والرومان، لكن بنسبة أقل، يحجون لأغراض دينية ورياضية وأحياناً سياسية بهدف تجميع الجمهوريات الصغيرة المنافسة تحت لواء عقيدة واحدة.
ولأنّ أشهى رغبة لكلّ حاج مخلص هي الموت بمجرد وصوله لمقصده الذي قاده إليه إيمانه فإنّ نهر الجانج الذي يحج إليه ملايين الهندوس للتطهر من ذنوبهم عند مدينة الله أباد الهندية يغرق في مياهه الكثيرون سواء بإرادتهم أو قضاءً وقدراً.
أما بوذا فقد جعل الحج فريضة إلزامية تختلف تفسيراتها باختلاف البلاد التي تعتنق مذهبه. كما أحبّ اليابانيون رحلات الحج وعندما أصبحت الشنتو الديانة الرسمية للبلاد عام 1868م كان الإمبراطور ينتقل لتمجيد الإلهة في المعابد الكبرى.
ويتوجه ملايين الكاثوليك إلى مدينة لورد الفرنسية يبتهلون طلباً للشفاء وأملاً في رؤية المعجزات. وفي عام 1958م استقبلت المدينة أربعة ملايين و800 ألف حاج.
وإذا كان كثير من أماكن الحج لدى الكاثوليك قد بطل استخدامها فهناك أماكن أخرى حلت محلها مثل مدينة سان جاك دي كومبوستيل الأسبانية التي أطلق عليها قديماً اسم مكة الغرب لم تعد اليوم تلقى اهتماماً كبيراً.
وفي شهري تشرين الأوّل/ أكتوبر وتشرين الثاني/ نوفمبر من كلّ عام يتوجه آلاف الحجاج إلى ولاية راجستان بشمال الهند وإلى بحيرة بوشكار المقدسة قرب معبد براهما حيث يتقدم الرجال والنساء للتطهر وسط أدخنة القرابين وأصوات الدعاء المتصاعدة إلى عنان السماء. وقد بدأت مزاولة طقوس هذا الحج في القرن الرابع الميلادي.
أما الشبان فقد أوجدوا لأنفسهم طرقاً أخرى للحج فمن كاتمندو في نيبال إلى سان فرانسيسكو ومن وودستوك إلى جزيرة وايت يتدفقون كلّ عام بالآلاف بحثاً عن روح جماعية تتولد من حبّ صاخب تارة ومن النسك تارة أخرى.►
مقالات ذات صلة
أدوار تربوية في حياة الأم المسلمة
◄التعليم بالمحاكاة والقُدوة والتلقّي
مهما تعددت المسؤوليات والأدوار الخاصة بالمرأة، فإنّ دورها كأُم يظل هو الدور الأكثر قيمةً وتفرداً. فهذا الدور العظيم يشمل تربية أطفالها وتنشئتهم تنشئة سليمة، وتحصينهم بكلِّ خُلق وفضيلة ومدّهم بكلِّ مدد طيب وكريم، وإحاطتهم بكلِّ رعاية وعناية وتهيئتهم لمواجهة الحياة.
إنّ المرأة الصالحة تعي مسؤولياتها في تربية الأبناء التربية السليمة، وتعي مختلف الأدوار التربوية الإيمانية والأخلاقية، والمجتمعية والنفسية والصحية، التي يتعيّن عليها القيام بها قولاً وعملاً في سبيل تربية أبنائها وبناتها.
حيث بدأت إيمان إسماعيل، حديثاً عن تلك الأدوار التربوية، بأنّ التربية هي مسؤولية الأسرة المسلمة تجاه أبنائها وبناتها، وتتحمل الأُمّهات الجانب الأعظم من تلك المسؤولية التي تُعد أحد الحقوق الشرعية، التي منحها الإسلام الطفل المسلم، وهذا حقه في أن يحظى بالتعليم والتوجيه من جانب الأهل. وفي ما يتعلق بالتربية فقد أشارت إلى أنها تبدأ منذ اللحظات الأولى التي تعقب ولادة الطفل، وذلك باستفتاح الأُم، أو غيرها، في أذن الطفل الوليد بكلمات الأذان اقتداءً بسنة رسول الله (ص). بعد ذلك تبدأ مرحلة التربية الإيمانية بالمشاهدة والملاحظة والمُحاكاة من قبل الطفل. وبما أنّ التوحيد هو الأساس في عبادة الله سبحانه وتعالى، فينبغي أن يعرف الطفل بوحدانية الله سبحانه في ربوبيته وألوهيته وأسمائه وصفاته حتى يعبد الله على الوجه المشروع الذي أراده الله عزّ وجلّ، كما تقوم الأُم بتعريف أطفالها بالسيرة النبوية العطرة. فإذا بلغ الولد سن السابعة ينبغي على الأُم أن تعلمه مراتب الدين وهي: الإسلام فالإيمان فالإحسان، وتأمر أولادها بالصلاة بنين وبنات وتدربهم على أدائها، وتعلمهم الأحكام المتعلقة بالطهارة والصلاة.
التربية الأخلاقية:
كما وضحت الأخت إيمان إسماعيل أنّ مسؤولية التربية الأخلاقية تأتي في المقام الثاني من المسؤوليات التربوية في المنزل، وتتحمّل المرأة المسلمة القسط الأكبر من هذه المسؤولية، التي تتضمن تربية الأبناء والبنات على الصفات الحميدة والخصال النبيلة مثل الصدق، الأمانة، حفظ اللسان، احترام الكبير وغيرها من الصفات الحسنة التي يجب أن يتم إدراجها ضمن التربية الأخلاقية للطفل لأهميتها في تكوين شخصية المسلم.
ففي مجال الصدق والأمانة، على سبيل المثال، ورد عن عبدالله بن مسعود (رض) عن النبي (ص) أنّه قال: "إنّ الصدق يهدي إلى البرّ وإنّ البر يهدي إلى الجنة، وإنّ الرجل ليصدق حتى يكون صِدِّيقاً وإنّ الكذب يهدي إلى الفجور وإنّ الفجور يهدي إلى النار، وإنّ الرجل ليَكْذِب حتى يكتب عند الله كذّاباً" (صحيح البخاري). وعن أبي هريرة (رض) أنّ النبي (ص)، قال: "آية المنافق ثلاثٌ إذا حدَّثَ كَذَبَ، وإذا وَعَدَ أخْلَفَ، وإذا ائتُمِنَ خَانَ" (صحيح البخاري). لذلك، فإنّ الأسْرة المسلمة مسؤولة أمام الله سبحانه وتعالى، عن ترسيخ الخصال الحميدة في سلوك أفرادها، سواء أكانوا كباراً أم صغاراً، لأنّ هذه الصفات النبيلة هي الباعث على استقامة السلوك، والسبب في ثَبَات القِيِم.
مسؤولية القدوة:
إنّ التربية الأخلاقية داخل الأسرة، تتطلب تعويد الأطفال على الصدق في كلِّ قول وفعل، مهما صغر أو كبر، وعلى الراشدين والراشدات تقع مسؤولية القدوة في ذلك وفي هذا الجانب بيّن المصطفى (ص) أدنى درجات الكذب مع الأطفال، فقال في الحديث الذي رواه أبو هريرة (رض): "مَن قال لصبي: تعال هاكَ، ثمّ لَمْ يعطِهِ شيئاً، فهي كذْبَةٌ" (صحيح الألباني). ولهذا الحديث الشريف، شاهد من حديث عبدالله بن عامر (رض) أنّه قال: أتَى رسول الله (ص) في بيتنا وأنا صبي، قال: فذهبت أخرُج لألعب، فقالت أمي: يا عبدالله، تعال أعطيك. فقال رسول الله (ص): "ما أردتِ أن تُعطيَهُ؟" قالت: أعْطيه تَمْراً. قال: فقال رسول الله (ص): "أما إنّكِ لو لم تعطِهِ شيئاً كُتِبَتْ عليكِ كِذْبَةٌ".
وأما الأمانة فشأنها عظيم، حيث جاءت في كتاب الله متضمّنة الدين كلّه بأوامره ونواهيه، قال تعالى: (إِنَّا عَرَضْنَا الأمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولا) (الأحزاب/ 72). وقوله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا...) (النساء/ 58). وقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ) (الأنفال/ 20). والصدق من مشتقات الأمانة ومُتمّماتها، حيث جاء الحديث عن الأمانة، مُقترناً بالصدق في أحاديث رسول الله (ص) حيث جُعل من علامات إيمان صاحبها الملتزم بها، ومن علامات النفاق لتاركه والمتخلّي عنه.
وكذلك فإنّ تربية اللسان على الألفاظ الحسنة واجتناب الألفاظ السيئة، من مكارم الأخلاق التي حَثّ عليها الإسلام في مَصدرية الكتاب والسنّة، حيث وَكّل الله سبحانه وتعالى بعبده مَلَكَيْن، أحدهما يكتب الحسنات والآخر يكتب السيئات، وقد أحاط الله بعده عِلْماً بذلك، كي يجعل من نفسه رقيباً عليها، فقال تعالى: (مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ) (ق/ 18).
ومن التربية الأخلاقية للأبناء والبنات، توجيههم نحو اختيار الرِّفْقَة الصالحة وتجنُّب الرفقة السيئة. فقد روى البخاري عن أبي موسى (رض) عن النّبي (ص) أنّه قال: "مَثَلُ الجليس الصالح والسوء كحامل المسك ونافخ الكير، فحاملُ المسك إما أن يُحذِيَكَ، وإما أن تَبْتاع مِنه، وإما أن تجد منه ريحاً طيِّبةً، ونافخُ الكير إما أن يُحرِق ثيابَكَ، وإما أن تِجِدَ ريحاً خبيثةً".
التربية الاجتماعية:
التربية الاجتماعية هي تأديب الولد والبنت منذ الصغر، على التخلُّق بالأخلاق الاجتماعية الإسلامية. وهذا اللون من التربية يُعَدُّ من أهم المسؤوليات التي تندرج ضمن مهمة إعداد الناشئة، وهو الجامع لكلِّ الفضائل السابقة من أنواع التربية، وفيه تَظْهَر الآثار لكلِّ ما سبقها.
مِن أهم عناصر التربية الاجتماعية، تَعويد الأطفال على مجموعة من الآداب، منها على سبيل المثال لا الحصر: آداب السلام وهي تحيّة الإسلام، آداب الاستئذان، آداب المجلس والحديث، آداب التهنئة والتعزية، آداب العطاس، آداب عيادة المريض، وآداب الطعام والشراب واللباس، مثل ذكر اسم الله تعالى والتَّيَامُن، وشاهدُ ذلك ما ورد عن عمر بن أبي سَلَمة (رض) في توجيه النبيّ (ص) له وهو غلام، حيث قال: "كنت غلاماً في حِجْر رسول الله (ص) وكانت يدي تطيش في الصحفة، فقال لي رسول الله (ص): "يا غلامُ سَمِّ وكُلْ بيمينكَ، وكُل مِمَّا يَلِيكَ".. فما زالت تلك طُعمَتي بَعْدُ" (صحيح البخاري).
التربية النفسية والبدنية:
يُقْصَد بالتربية النفسية،تربية الولد على الجرأة والشجاعة، والشعور بالثقة بالنفس، حتى يتمكن من شَق طريقه في الحياة والقيام بواجباته خير قيام. أما التربية البدنيّة، فقد حَثّ الإسلام على أن ينشأ الأبناء والبنات على قوة في الجسم وسلامة البدن، وليس أدَلّ على ذلك، وأنّ الله تعالى تَولّى بنفسه الكريمة أمر صناعة الغذاء الأوّل للإنسان، ولم يَكِل هذا الأمر إلى أمّه، حيث أدَرَّ له اللبن من صدرها وأمرها بأن تُرضعه مدة كافية لنموّه الأساسي، لبناء القاعدة الصلبة في جسمه، فقال تعالى: (وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ) (البقرة/ 233). وذلك للحفاظ عليه من كلِّ الجوانب الصحية، حتى يكون قوياً قادراً على تَخطّي الصعوبات، كما دعا رسول الله (ص)، إلى تعليم الأبناء الرياضات المفيدة، لمَا في الرياضة من فوائد عظيمة تعود على الصحة، ومن ذلك قول رسول الله (ص): "عَلِّمُوا أبناءَكُم السِّباحة والرِّمايَةَ.. الحديث" (الجامع الكبير للسيوطي).
وقفات تربوية مهمة:
هناك وقَفات تربويّة مُهمّة في مراحل عُمرية مختلفة من عُمر الطفل، يجب على الأُم الانتباه لها حتى تُبصّره بها وبما يترتب عليها من أحكام، ومن تلك الوقفات ما يكون في مرحلة الإدراك، إذ يجب تربية الأطفال على الاستئذان بصفة عامة، قبل الدخول على أهلهم أو على أي شخص آخر، ولكن إذا كان الطفل في مرحلة الإدراك، فيجب إلزامه بالاستئذان في أوقات معيَّنة، لقول الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ ثَلاثَ مَرَّاتٍ مِنْ قَبْلِ صَلاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُمْ مِنَ الظَّهِيرَةِ وَمِنْ بَعْدِ صَلاةِ الْعِشَاءِ ثَلاثُ عَوْرَاتٍ لَكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلا عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ طَوَّافُونَ عَلَيْكُمْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الآيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) (النّور/ 58). فإذا بَلَغ الطفل الحُلُمَ، فيجب عليه الاستئذان المطلَق، لقوله سبحانه وتعالى: (وَإِذَا بَلَغَ الأطْفَالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) (النّور/ 59).
وإذا بَلَغَ الطفل العاشرة من عُمره، فهي محطة التفريق في المضاجع، بتخصيص فراش لكلِّ طفل بلغ العاشرة من عمره، وتخصيص كلّ من الجنسين بغرفة مستقلّة، لقول رسول الله (ص): "مُرُوا أولادكم بالصِّلاة وهم أبناءُ سبع سنين واضربُوهُمْ عليها وهُم أبناءُ عَشْرِ سنين وفرِّقوا بينَهُم في المضاجِعِ" (سِنَن أبي داود).
إنّ التعليم بأحكام البلوغ، من الضرورات الواجب تَعلُّمها في حياة المسلم والمسلمة، لما يُبني على البلوغ من أحكام فقهيّة، تتعلّق بالطهارة الحسّية والمعنوية، وما يترتب على البلوغ من أحكام تتعلق بالاحتلام والحَيْض والنّفَاس، والحفاظ على الأعراض، يعمل الاحتياطات التي تَحفظ الإنسان من الوقوع في الفواحش وكبائر الذنوب. وقد ورد في القرآن الكريم وسنّة المصطفى (ص) نصوص كثيرة تُمثل القواعد العامة، التي عالجت موضوع أحكام البلوغ علاجاً جذرياً، بأسلوب علمي عفيف محتشم، مع توفير متطلبات الفطرة بطريق مُباح عن طريق الزواج الشرعي، عندما تتوافر شروطه ومستلزماته. وقد أحاط الإسلام هذه الغريزة بالضوابط التي تعف الرجال والنساء، من أن تمتد عيونهم إلى ما حرّم الله عليهم، فقال تعالى في حقِّ الرجال: (قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ) (النّور/ 30). وقال عزّ وجلّ للنساء: (وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الإرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) (النّور/ 31).
أُسس الصلاح
هناك أمور تُعتبر أساس الصلاح وأبوابه وركائزه، ينبغي التركيز عليها، لأنّنا إن نجحنا في فتح هذه الأبواب بالشكل الصحيح، ستكون كلّ مفردات الصلاح سهلة التناول، وممكنة التحقّق.
أمّا إن لم نوفّق لعلاج هذه الأساسات فلن يمكننا أن نبني بيتاً قويّاً يواجه الرياح، بل كلّ ما نبنيه ربّما ينهار أمام أوّل اختبار قاسٍ. فما هي هذه الأساسات:
1ـ بناء النفس
يقول الإمام الخمينيّ قدس سره:
"لقد بُعث الأنبياء من قبل الله تبارك وتعالى لتربية الناس وبناء الإنسان. وتسعى جميع كتب الأنبياء ـ وخاصّة القرآن الكريم ـ من أجل تربية هذا الإنسان، لأنّه بتربية الإنسان يتمّ إصلاح العالم" ([1]).
ويقول أيضاً: "إنّ أيّ إصلاح يبدأ من الإنسان، فلو لم يتربَّ الإنسان فلن يتمكّن من تربية الآخرين... ولأنّ الأمور كانت بيد أشخاص لم يتربّوا تربية إسلاميّة ولم يبنوا أنفسهم، وبسبب هذا النقص الكبير، فإنّهم جرّوا بلادنا إلى ما هي عليه الآن وجرّونا إلى الموضع الّذي يتطلّب منّا سنوات طويلة للإصلاح إن شاء الله"([2]).
يجب أن نهتمّ ببناء هذا الإنسان بشكلٍ صحيح من البداية بتربيته وبنائه بالشكل الصحيح. فعمليّة الإصلاح تبدأ من الطفل الصغير لنؤمّن له أجواء الصلاح ومفرداته، ونصل به إلى حالة يستطيع عندها أن يقف ويعتمد على نفسه ليواجه كلّ الفساد الموجود حوله فيؤثّر بالمجتمع بإيجابيّاته ولا يتأثر بسلبيّات المجتمع، يقول الإمام الخمينيّ قدس سره:
"إنّ النظام الوحيد والمدرسة الوحيدة الّلذان يهتمّان بالإنسان من قبل انعقاد نطفته وحتّى النهايّة ـ وطبعاً لا نهايّة له ـ هما مدارس الأنبياء"([3]).
ويقول أيضاً: "إن ما نادى به الأنبياء هو الإنسان ولا شيء غيره. يجب أن يكون كلّ شيء على شكل إنسان. إنّهم يريدون بناء الإنسان، وسوف يصلح كلّ شيء عندما يتمّ إصلاح الإنسان"([4]).
2ـ أهميّة الثقافة
يقول الإمام الخميني قدس سره: "إنّ ما يصنع الشعوب هو الثقافة الصحيحة"([5]).
ويقول كذلك: "إذا صحّت الثقافة صحّ شبابنا"([6]).
فالثقافة لها دور أساس في الإصلاح. ليس هذا فقط بل إنّ بداية الإصلاح يجب أن تكون من الثقافة، يقول الإمام الخمينيّ قدس سره: "إنّ السبيل لإصلاح أيّ بلد إنّما يبدأ من إصلاح ثقافته، فالإصلاح يجب أن يبدأ من الثقافة"([7]).
فهي البدايّة الصحيحة الّتي تجعل كلّ الجهود الأخرى مثمرة، يقول الإمام قدس سره: "إنّ ثقافة أيّ مجتمع هي الّتي تحدّد أساساً هويّة ذلك المجتمع ووجوده، فإذا انحرفت الثقافة فإنّ المجتمع يكون أجوفَ فارغاً مهما حقّق من القوّة في الجوانب الاقتصاديّة والسياسيّة والصناعيّة"([8]).
3ـ تقوية الجانب الروحيّ
يقول الإمام الخمينيّ قدس سره: "الإيمان يعني أن تعي قلوبكم وتصدّق تلك الأمور الّتي أدركتها عقولكم. وهذا يحتاج إلى المجاهدة حتّى تفهم قلوبكم أنّ العالم كلّه محضر لله، فنحن الآن في محضر الله، ولو أدرك قلبنا هذا المعنى بأنّنا الآن في محضر الله، وبأنّ هذا المجلس محضر لله، وإذا وجد قلب الإنسان هذا الأمر، فإنّه سيبتعد عن جميع المعاصي إذ إنّ سبب جميع المعاصي أنّ الإنسان لم يجد هذا الشيء"([9]).
فالمعرفة العقليّة ضروريّة ولكنّها تبقى غير قادرة على مواجهة الامتحانات الصعبة ما لم تتعمّق وتصل إلى القلوب، فاحتلالها القلوب وتقوية هذا الجانب المعنويّ والروحيّ هو الحاجز الّذي سيمنع الإنسان من الانحراف وسيدعوه للاستقامة على الدوام.
إصلاح المجتمع، جمعية المعارف الإسلامية الثقافية
([1]) منهجيّة الثورة الإسلاميّة، ص 224.
([2]) منهجيّة الثورة الإسلاميّة، م. س، ص 243.
([3]) م. ن، ص 223.
([4]) م. ن، ص 182.
([5]) الكلمات القصار، الإمام الخمينيّ قدس سره، ص 234.
([6]) م. ن، ص 63.
([7]) الكلمات القصار، م. س، ص 235.
([8]) م. ن، ص 234.
([9]) منهجيّة الثورة الإسلاميّة، ص 224.
حاكميّة المؤهَّلين في النظام الإسلامي
في جميع أنظمة العالم، من دون الالتفات إلى الأهداف والمبادىء الحاكمة عليها، يكون السعي العامّ منصبًّا على انتخاب مسؤولي المجتمع وقادته، من بين الأفراد المؤهّلين، لكي يحقّقوا أهداف النظام بالنحو المطلوب. حتّى في الديمقراطيّات الحديثة، يتمّ الالتفات جيّدًا لعنصر النخبويّة، وتخرج ديمقراطيّة الأكثريّة من إشكاليّتها بالانتقال إلى الديمقراطيّة النخبويّة Elitismdemet sccey. في العالم المعاصر، النظرة الإيجابيّة إلى الديمقراطيّة مرفوضة بالمطلق. لم يعد أحد يتصوّر أنّ انتخاب الأكثريّة يعني دائمًا خير المجتمع وأنّه أفضل أنواع الإنتخاب. كما تمّت الإشارة سابقًا أنّ النازيّة في ألمانيا والفاشيّة في إيطاليا، وصلتا إلى السلطة بناءً على رأي الأكثريّة وولّدت القمع والفجائع الإنسانيّة الكثيرة.
فنظريّة ديمقراطيّة النخبة قائمة على أنّ المقترعين الذين هم عبارة عن عموم أفراد الشعب، ولأسباب متعدّدة من جملتها عدم المعرفة العميقة، وعدم التعلّم الكافي، والتأثّر بالدعايات المضلّلة، لا يستطيعون في كثيرٍ من هذه الأمور أن يتّخذوا القرارات المفيدة. لهذا السبب، ينبغي لمشاركاتهم أن تكون في إطار تعيين المجموعة الحاكمة المنتخَبة من بين النُّخب وحدودها. وبهذا، سيؤثّر رأي الشعب في تحديد من هو الفرد أو الجماعة من النُّخبة التي ستكون الحاكمة. وديمقراطيّة النُّخبة ترجع إلى الاعتقاد بأنّ الناس تتساهل في القرارات السياسيّة والاجتماعيّة المصيريّة، وتجعل مجال تدخّلهم في تعيين النُّخب محدودًا[1].
كما يولّي الإسلام أهمّيّة كبرى للصلاحيّة والأهليّة، وأساسًا، يلاحظ مقولات الولاية، والوراثة والحاكميّة في ظلّ الأهليّة والصلاحيّة، ولا يسلّم أيّ منصب عن طريق الوراثة أو لمدى العمر، ويعتبر أنّ أفضليّة أفراد البشر ورجحانهم هو في تلك الصلاحيّة والأهليّة نفسها. وقد أشار القرآن الكريم في كثير من الآيات إلى عدم جواز هذا الأمر:
1. ﴿[...] أنّ الأرضَ يرثها عباديَ الصالحون﴾[2]
2. ﴿إنّ أكرَمكم عند الله أتقاكم﴾[3]
3. ﴿والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويطيعون الله ورسوله أولئك سيرحمهم الله إنّ الله عزيز حكيم﴾[4].
كما ورد عن الرسول الأكرم صلّى الله عليه وآله قوله:
لا تصلح عوامّ أمّتي إلّا بخواصّها. قيل: ما خواصّ أمّتك؟ فقال: خواصّ أمّتي أربعة: الملوك، والعلماء، والعبّاد، والتجّار. قيل: كيف ذلك؟ قال: الملوك رعاة الخلق، فإذا كان الراعي ذئبًا؛ فمن يرعى الغنم؟ والعلماء أطبّاء الخلق، فإذا كان الطبيب مريضًا، فمن يداوي المريض؟ والعبّاد دليل الخلق، فإذا كان الدليل ضالًّا، فمن يهدي السالك؟ والتجّار أمناء الله في الخلق، فإذا كان الأمين خائنًا، فمن يعتمد عليه؟[5].
ويلحظ في دستور الجمهوريّة الإسلاميّة أنّ الاهتمام انصبّ بالإضافة إلى حاكميّة الله ومشاركة الشعب على موضوع انتخاب النخب والمؤهَّلين. فطِبقًا للأصل الثاني من الدستور، وبالرغم من أنّ المسؤولين رفيعي المستوى في إدارتهم للمؤسّسات الحكوميّة المختلفة، ينالون الصلاحيّة والمشروعيّة المكتسَبة بصورة مباشرة أو غير مباشرة، من آراء الناس؛ فإنّ الإيمان، وصحّة العمل، ولياقتهم ستكون أيضًا شرطًا معتبرًا[6].
فطِبقًا للأصل الثالث، ما عُرف في المجتمع كمحور أساسيّ للحاكميّة هو مسألة القيادة. ذلك أنّ آليّة الحكم في المذهب الشيعيّ، مجاريةً لأصل النبوّة في عصر النبيّ صلّى الله عليه وآله، وأصل الإمامة في عصر غيبة الأئمّة عليهم السلام، وأصل الولاية العامّ في عصر الغَيبة. وبما أنّ التقنين وصدور الأحكام يتشكّل بناءً على المقتضيات المتغيّرة للزمان. لذا، فإنّ شكلًا من أشكال التفكير في المصلحة في قالب الأحكام الثانويّة، مع الأخذ بعين النظر الروح العامّة للإسلام والأحكام الإلهيّة الثابتة، يبدو ضروريًّا في جميع الأزمنة والأمكنة حتّى ظهور نخبة المعصوم، وليّ العصر عجّل الله فرجه. وبناءً عليه، فالفقهاء، وعلى رأسهم الوليّ الفقيه، مضافًا إلى الإشراف على القوانين المصادَق عليها في مجلس الشورى وكيفيّة تطبيق القوانين، مكلّفون باستنباط الأحكام والمسائل المستجدّة في كلّ عصر، بالاستناد إلى القرآن، والسنّة، والإجماع، والعقل.
إنّ حاكميّة الفقهاء الواجدين للشرائط، وبسبب الحرّيّة التي تنطلق من مسؤوليّة الإنسان أمام الله، ستكون منبعثة من الرأي العامّ. وكذلك، طِبقًا للأصل 107 من الدستور، سيكون القائد منتخبَ النُّخبة من الناس، وذلك عن طريق مجلس الخبراء. وبهذا النحو، ينتخب الشعب القائد بصورة غير مباشرة. ولا يمكن سلب هذا الحقّ من البشر، إذ أنّ الخالق المتعال جعل الإنسان حاكمًا على مصيره الاجتماعيّ.
من هذا المنطلق، ينبغي على الشعب معرفة الوليّ الفقيه وقبول حاكميّته، ليتجلّى عبر هذا الطريق حقّ حاكميّته التي تتحلّى بالمشروعيّة الإلهيّة. كما أنّ عزل القائد ورد في الأصل 111 من الدستور، وأيضًا مساواة القائد مع جميع أفراد الشعب أمام القوانين، قد ورد في الأصل 112 من الدستور. وبعد ركن القيادة، يُعدّ رئيس الجمهوريّة أعلى منصب رسميّ في البلاد. ويُشترط في انتخابه ثلاثة أصول متساوقة: المشاركة الشعبيّة، الأهليّة والخبرة، وتأييد الوليّ الفقيه.
السيادة الشعبيّة الدينيّة، الجمهوريّة الإسلاميّة، الدكتور منوجهر محمّدي
[1] نقلًا عن سلسلة الجمهوريّة والإسلاميّة، الصفحة 218.
[2] سورة الأنبياء، الآية 105.
[3] سورة الحُجُرات، الآية 13.
[4] سورة التوبة، الآية 71
[5] الجمهوريّة والثورة الإسلاميّة، "المشاركة السياسيّة والتشكّل"؛ عبد الرضا فاضلي، الحيثيّات النظريّة والمكانة، الصفحة 381.
[6] بالطبع، لا يخفى أنّ نوّاب مجلس الشورى الإسلاميّ، ورئيس الجمهوريّة الذين يُنتخبون من خلال الاقتراع المباشر لأفراد الشعب، ليسوا بالضرورة نُخبًا أصيلة، على الرغم من مرورهم على المصافي اللازمة لتأييد الصلاحيّة. ذلك أنّ عدم المعرفة الدقيقة لعامّة الشعب والدعايات التي تُنفَق عليها الأموال الطائلة، تؤثّر على آراء الناس. هذه هي نقطة الضعف الوحيدة التي يمكن رفعها من خلال الاستفادة من طريقة الانتخاب غير المباشر كطريقة انتخاب القائد.
مسؤول: انتاج 30 مليون جرعة من لقاح "ايران بركت" شهريا في سبتمبر المقبل
أعلن رئيس لجنة تنفيذ أمر الامام الخميني (رض) ، محمد مخبر ان انتاج لقاح"كوف ايران بركت" المضاد لفيروس كورونا سيصل الى 30 مليون جرعة شهريا في سبتمبر/ايلول المقبل.
في مراسم ازاحة الستار عن اول منتج من لقاح "كوف ايران بركت" المضاد لكورونا اليوم الثلاثاء، اشاد مخبر بالجهود التي بذلها مسؤولو لجنة تنفيذ امر الامام الخميني (رض) على مدى الـ 15 شهر الماضية لانتاج هذا اللقاح المحلي، وقال: وزارة الصحة تشهد أننا فعلنا كل ما في وسعنا، انصب تركيز عمل اللجنة على انتاج لقاح مضاد لكورونا، وعندما تبلغ الطاقة الإنتاجية الإجمالية في البلاد 500 ألف كمامة يوميا، قامت لجنة تنفيذ أمر الامام الخميني (رض) بانشاء مصنع ينتج خمسة ملايين كمامة يوميًا في أقل من 22 يومًا، وفي مجال انتاج اداة التشخيص، لاحظ الجميع أن بعض الارصدة الايرانية المجمدة في كوريا ، قامت اميركا بمنع الافراج عنها، وبعد ذلك قام علماؤنا بتصنيع أداة التشخيص السريع في غضون أيام قليلة، كما قامت اللجنة بانتاج عقار ريمديسيفير لمعالجة المصابين بكورونا بسعر منخفض عن نظيره الاجنبي.
وتابع مخبر قائلا: بفضل هذه الجهود، تمكنا من الارتقاء بمكانة الجمهورية الإسلامية إلى الموقع الذي تمكنت فيه من صنع أي لقاح، مشيرا الى ان جهودا جيدة في هذا الاطار قامت به كل من مؤسسة رازي لانتاج اللقاحات ومعهد باستور، ونجحت شركات أخرى في إنتاج اللقاح، هذا شرف عظيم للبلاد.
واضاف رئيس لجنة تنفيذ أمر الامام الخميني (رض): وأضاف: سنسلم مليون جرعة من اللقاح في مايو/ايار، لكن متى سيتم استخدامه يعتمد ذلك على وزارة الصحة، ولأننا كنا متأكدين من اللقاح بدأنا الإنتاج بكميات كبيرة، وسيصل إلى أربعة ملايين جرعة في يونيو/حزيران، وفي شهر يوليو/تموز، سيتم اطلاق خط الانتاج الثاني وسنسلم ما بين 10 إلى 12 مليون جرعة، وفي أغسطس/آب سيصل الانتاج الى 20 مليون جرعة، وفي سبتمبر/ايلول سيصل حجم الانتاج الى ما بين 25 الى 30 مليون جرعة.
وعبر مخبر عن أمله بتصدير الفائض من انتاج لقاح "كوف ايران بركت" المضاد لكورونا الى دول المنطقة، وقال: يعتبر هذا اللقاح من أفضل اللقاحات في العالم اذ ان له أكبر الأثر وأقل الاعراض الجانبية.
يذكر انه تم في مراسم اليوم، تسليم شحنة تحتوي على 300 ألف جرعة من لقاح كورونا الى وزارة الصحة.
كلمة الإمام الخامنئيّ (دام ظلّه) في محفل الأنس بالقرآن الكريم
كلمة الإمام الخامنئيّ (دام ظلّه) في محفل الأنس بالقرآن الكريم 14/04/2021م
القرآن في مواجهة دائمة مع الطواغيت والمستكبرين والظالمين
بسم الله الرحمن الرحيم[1]
والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله الطاهرين، ولعنة الله على أعدائهم أجمعين.
أبارك حلول شهر رمضان المبارك لشعبنا العزيز كافة والأمة الإسلامية العظيمة، وأتمنى أن يكون هذا الشهر المبارك مباركاً بالمعنى الحقيقي للكلمة على شعبنا والأمة الإسلامية العظيمة، إن شاء الله. أشكر الإخوة الأعزاء الذين نظموا هذا الاجتماع الرائع والمتنوّع والمبتكر، وأشكر المقدِّم الموقر، السيد يراق بافان، الذي قدَّم [الاجتماع] بطريقة جيّدة للغاية. أشكر الإخوة الأعزاء جميعاً الذين تَلَوا وأفاضوا علينا حقاً. إنني مسرور بتذكّر ذكريات الماضي، ونرجو من الله المتعالي الذي جعل عمرنا مع القرآن طوال هذه السنوات أن يجعله في خدمة القرآن ومعه حتى آخر نفس، وأن يحيينا مع القرآن ويتوفّانا معه وأن يحشرنا معه، إن شاء الله.
توضيح بشأن التّرتيب الاقتصاديّ لإيران في العالم
سأتحدث اليوم بإيجاز عن الهداية القرآنية، عن موضوع الهداية القرآنية. طبعاً الهداية القرآنية ليست موضوعاً ينتهي بمحادثة كهذه في جلسة واحدة. سأقدّم موجزاً اليوم. وإن كان لديّ الوقت، أودّ أن أقول كلمة أو اثنتين حول قضايا أخرى للمستمعين والمشاهدين الكرام وشعب إيران العزيز. لكن قبل أن أبدأ، كنت سأتحدث في موضوع معيّن إلى شعبنا الأعزاء منذ نحو أسبوعين أو ثلاثة، لكن لم تسنح لي الفرصة. أعني: لم يكن هناك مجال لكي أتحدث، والآن سوف أتحدث عنه. وهو أنه في خطابي[2] في الأول من فروردين (21/3/2021م)، قدّمت إلى شعبنا إحصائية حول الترتيب الاقتصادي للبلد وقلت شيئاً، وبعد ذلك نبّهني بعض الأشخاص أنّ هذه الإحصائية غير صحيحة، فطلبت من مكتبنا النظر في الأمر. لقد تحققوا وتبيّن أن كلام أولئك صحيح، وأنهم على حق، وأن إحصائيتنا لم تكن صحيحة، وأن ما قلته - الثامن عشر من حيث الاقتصاد الأكبر في العالم - كان قبل أربع أو خمس سنوات، أو خمس أو ستّ سنوات. لذلك، أشكر بصدق كل من نبّهني، وأدّى إلى تصحيح هذا الاشتباه.
الشّأن العالي للهداية القرآنيّة بين مواضيع القرآن
أما الهداية القرآنية، فانظروا: يذكر الله – تعالى - امتياز نزول القرآن من بين امتيازات شهر رمضان المبارك: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ}[3]؛ من الواضح أن هذه ربما تكون أعلى قضية من بين امتيازات شهر رمضان. وبشأن القرآن، إذْ يوجد آلاف الامتيازات في القرآن، وأكثر من هذه بكثير إلى حدّ أن عقلنا وفهمنا غير قادرَين على إدراكها. بين كل ذلك، يطرح الهداية القرآنية: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ}[4]. واضح أن الهداية القرآنية لديها شأن عالٍ بين المواضيع المتعلقة بالقرآن.
القرآن الكريم نفسه يبدأ بمسألة الهداية. هذا موجود أيضاً في سورة «الحمد» (الفاتحة): {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (6)}[5]، التي، بتعبير المرحوم العلامة الطباطبائي (رض)، تعلّمنا آداب التكلم مع الله من البداية إلى النهاية، أي أن الله - تعالى - نفسه يُعلّمنا كيف نتحدّث معه: من بداية {بِسْمِ اللَّهِ... (1)} إلى آخر طلب الهداية: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (6) صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ}، أي الصراط المستقيم، صراط الذين أنعم الله - تعالى - عليهم، هؤلاء المُنعم عليهم الذين لم يضلوا وليسوا من المغضوب عليهم. كذلك في أول السورة، من سورة «البقرة»: {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، الم (1) ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ (2)}[6]. لذلك، إن بداية القرآن تبدأ أيضاً بذكر الهداية القرآنية، وبعد ذلك في مواضع عدة في القرآن هناك عشرات الحالات التي تتحدث عن هداية القرآن وإرشاده وأخْذه بيَدنا.
البشريّة جمعاء مخاطبٌ لـ«القرآن»
هذا ليس مختصاً بمجموعة معيّنة. مخاطبُ القرآن هو البشرية جمعاء، والقرآن يعلن أنه يسعى إلى هداية البشرية جمعاء إلى الصراط المستقيم، إلى الطريق الصحيح لحياة الإنسان، ما يؤدي إلى المقصد الصحيح: {إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ}[7].
كلّ مساحة لحياة الإنسان هي نطاق لهداية «القرآن»
حسناً، هناك نقطة أساسية هنا هي أن هداية القرآن لا تقتصر على منطقة محدودة من حياة الإنسان؛ الهداية القرآنية مرتبطة بكل المساحة العظيمة لحياة البشر. أي ليس الأمر أن القرآن يهدي الإنسان في جزء ويهمله في جزء آخر، من موارد حاجة الإنسان وحياته، أو يعبر عنها بلا مبالاة. كلّا! القرآن يشرف على الأركان لمجال الحياة ولميدان حضور الإنسان وزواياهما كافة. بدءاً من العروج الروحي للإنسان والكمال الروحي له، إذْ إن أعلى رغبة بشرية هي العروج الروحي والقرب من الله والمعرفة الإلهية والمحبة الإلهية ومجاورة الله، وهي أعلى حاجة: «هب لي كمال الانقطاع إليك، وأَنِر أبصار قلوبنا بضياء نظرها إليك»[8]، إلى قضية المجتمعات الإنسانية وإدارة المجتمعات البشرية والإنسانية وإقامة العدالة والسلوكات الإدارية لإدارة المجتمعات الإنسانية، وصدّ مختلف الأعداء - الأعداء الباطنيين والظاهريين، أعداء الإنس وأعداء الجن - بالنضال والجهاد، أو حلّ العداوات - {فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ}[9] - كل هذه المجالات هي مورد الهداية القرآنية. إلى الأخلاق، إلى الأسرة، [مثل:] {رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ}[10]، أو: {وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ}[11]، أو تربية الأبناء وأمثال ذلك، إلى مسألة الطمأنينة والسكينة الروحية؛ السكينة والطمأنينة النفسية للإنسان هي من أهم حاجات الإنسان: {فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ}[12]، وإخماد الاضطرابات الداخلية التي تواجه الإنسان في أحداث الحياة، إلى التوصية بعلم ومعرفة الطبيعة؛ {وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا}[13]، أي يجب أن يتحرّك الإنسان نحو العلم، نحو المعرفة، نحو اكتشاف حقائق الطبيعة وحقائق عالم الوجود، إلى السلوك الفردي للإنسان؛ {وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا}[14]، أو {وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ}[15]... وما إلى ذلك، فمجالات الحياة جميعاً لها درس وهداية في القرآن. إنّ القرآن يشرف على جوانب الحياة للإنسان كافة، ولديه إرشاد وهداية لها جميعاً، وفيه دروس لكل جزء من حياة الإنسان، وهذه العناوين المهمة التي ذكرت للتو بعضها، وهناك مواضيع أخرى مهمة أيضاً، كلها مذكورة في القرآن، وكم غافل من يظن أن القرآن ينأى عن الحياة والسياسة والاقتصاد والحكومة! لا؛ الجزء الأساسي من القرآن يدور حول هذه القضايا الاجتماعية للحياة.
لزوم التدبّر لفهم معارف «القرآن»
التعبير في القرآن ليس مثل التعبير في الكتب البشرية التي تقسّم الفصول والمواضيع. لا! الله - تعالى - في القرآن يَسْكُب أحياناً بكلمة واحدة، بتلميح، بحراً من المعرفة نحو الإنسان، فإذا تدبّرنا، إذا فكّرنا، إذا قِسْنا الأبعاد، إذا استخدمنا الحكمة البشرية لفهمها، أحياناً يحصل الإنسان على معرفة مذهلة من كلمة واحدة.
أو افترضوا أنه أثناء سرد حكاية يرويها القرآن، قصيرة أو طويلة، عن الأنبياء أو غيرهم - يوجد عدد من قصص الأسبقين في القرآن - يعلّمنا بها شيئاً ما ونستفيد منه، افترضوا على سبيل المثال، عبر حوار بين شخصين، أو أن حدثاً معيّناً قد وقع، وهناك كلام على هذا الحدث في القرآن، لكن هذا الكلام، رغم ارتباطه بحدث ما، لا يقتصر عليه، وهو كلام عمومي، والآن [لو] أُعطِي مثلاً، فثمة هذه الآية الشريفة من سورة «آل عمران»: {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ}[16]. حسناً، هذا يتعلق بقصةٍ ما بعد معركة أُحُد. بعدما عاد المسلمون من غزوة أُحُد غير موفّقين، جرحى، متعبين، منهكين، مقدّمين الشهداء، وعادوا منكوبين، ذاع من المنافقين بين الناس أنكم جالسون هنا، لكن الأعداء هناك جاهزون، تجمعوا في مكان ما بالقرب من المدينة (المنورة) وسوف يهجمون قريباً ويُذيقونكم الويل. قال النبي (ص): فليأتِ اليوم من جُرحوا في واقعة أُحُد فقط. ذهبوا ليلاً وهزموا تلك المجموعة وعادوا. {إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ}؛ كان المنافقون ينشرون إشاعات تقول: نعم، لقد قُضيَ عليكم، وإنهم يفعلون ضدكم كذا وكذا، ثم ذهب هؤلاء وأنهوا الأمر وعادوا؛ {فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ}[17]. حسناً، فهذه قضية، وهي تنتمي إلى حدث معيّن لكنها ليست خاصة بذلك الزمان؛ إنها اليوم موجودة أيضاً، وكانت في جميع الأزمنة أيضاً.
الهداية القرآنيّة الدّائمة، والعمل والحضور في الميدان
كلما استنطقنا[18] من القرآن حول حادثة من قبيل تلك الحادثة، ينبغي أن نطلب الهداية من القرآن. والقرآن الكريم سيضع هذا الموضوع بين أيدينا. هو نفسه اليوم، حتى اليوم قد يأتي بعض الناس وينشرون بيننا شائعات مفادها مثلاً الحكومة الفلانية، المجموعة الفلانية، القوى العظمى الفلانية، الجماعة الفلانية... يتآمرون ضدكم، وباختصار: يا وَيلَكم! وما شابه.
هنا أيضاً ذلك [الرد] نفسه: {فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ}. طبعاً، {حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ} لا يكون بالجلوس في زاوية البيت. ينبغي القدوم وسط الميدان، كما ذهبوا هم وسط الميدان. والدرس: اذهبوا وسط الميدان، وما يجب أن تفعلوه وتقولوه هو {حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ}.
يقول فُضيل بن يسار، وهو من الصحابة البارزين والمتميزين وثقة الإمامين الباقر(ع) والصادق (ع): سألت الإمام الباقر (ع) ما معنى هذه الرواية؟ كان لديهم رواية تقول: ما في القرآن آية إلّا ولها ظهر وبطن. ولها تتمة طبعاً. كل آيات القرآن لها وجه وقفا، لها ظاهر وباطن. يقول: سألته ماذا يعني هذا الظاهر والباطن؟ قال الإمام إن «بطنه تأويله»، وظاهره هو الظاهر. الباطن هو التأويل. التأويل يعني ما يتوافق مع خلفية هذه الآية ومفادها. «منهم من مضى ومنهم ما لم يكن بعد يجري كما تجري الشمس والقمر»[19]. مثل القمر والشمس اللذين يعلوان رأس الإنسان باستمرار وغير خاصين بيوم دون آخر، هذه الآيات القرآنية الشريفة هي مثل الشمس فوق رؤوسنا، وهي دائمة. ليس الأمر كما أن تكون يوماً ما ولا تكون يوماً آخر. لذلك إن الهداية القرآنية هي هكذا.
حضور «القرآن» في السّاحات الاجتماعيّة والسّياسيّة للبشر
إن الذين يحصرون القرآن والإسلام في الأمور الشخصية والمسائل العبادية ونحوها، و[يدعون] الناس إلى العزلة وأن يتخلوا عن القرآن عندما يدخلون إلى المجتمع، لا يعرفون القرآن. إنصافاً هم لا يعرفون القرآن ولم يعرفوه. ينبغي أن يقال أنهم لم يقرؤوا القرآن. لهذا، يتكلمون ويحكمون بهذه الطريقة الخطأ. حقاً إنهم ليسوا على دراية بالقرآن. القرآن لا ينأى عن التحديات السياسية والاجتماعية بأي حال، ولا يتجنب مواجهة الطواغيت والمستكبرين والمسرفين والظالمين. لقد وقف دائماً ضد هؤلاء. وإذا كنتم من أهل القرآن، فإن ميدان حياتكم هو قسراً ميدان الحضور للقرآن. حسناً، القرآن هو المتكفلُ هدايةَ البشر والأخذ بِيَدهم في المجالات جميعاً، وليس هناك شك في ذلك.
التّقوى لازمة الاستفادة من هداية القرآن
لكن هناك نقطة أخرى هنا هي أن القرآن في معرض استفادتنا، ولكن هل نستفيد أم لا؟ هل يمكننا أن نستفيد أم لا؟ هذا موضوع مهم في حد ذاته. نعم، لقد أعطانا القرآن درساً وعرض علينا هداية، ولكن متى يمكننا الاستفادة من هذه الهداية القرآنية؟ {هُدًى لِلْمُتَّقِينَ}[20]، عندما يكون هناك تقوى. عندما تكون التقوى حاضرة، تكون هذه الهداية متاحة بين أيدينا بالمعنى الحقيقي للكلمة وبالمعنى التام لها.
طبعاً التعبيرات في القرآن مختلفة ولكن مرجعها جميعاً واحدٌ. هنا في أول القرآن: {هُدًى لِلْمُتَّقِينَ}، وفي موضع آخر: {وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ}[21]، وفي مكان آخر: {هُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ}[22]، وآخر: {وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ}[23]، وآخر: {هُدًى لِلنَّاسِ}[24]. هذه هي المراتب المختلفة للهداية: {هُدًى لِلنَّاسِ} أي الهداية في حوزتهم ويمكنهم الاستفادة منها، و{هُدًى لِلْمُتَّقِينَ} أو {وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ}، إذ تحددان للبشر مراتب الاستفادة من هذه الهداية. حسناً، هذا عن التقوى التي تُبيّن مراتب الهداية.
الخشية
في آيات أخرى وُضعت الخشية معياراً، والآن سأوضح أن مرجع ذلك مرة أخرى هو التقوى: {إِنَّمَا تُنْذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَخَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ وَأَجْرٍ كَرِيمٍ}[25]، في السورة المباركة «يس». الشخص الذي يمكنه الاستفادة من الإنذار القرآني ويترك ذلك أثراً في روحه ويأخذ بيده ويتقدم به هو من لديه خشية.
أو في السورة المباركة «طه»: {طه (1) مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى (2) إِلَّا تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشَى (3)}[26] وهناك آيات أخرى في القرآن تتعلق بهذه الخشية. كما أن الخشية صفة من صفات أهل التقوى، أي حينما يكون لدينا تقوى تأتي الخشية إلينا أيضاً. الآن سأقرأ هذه الآية الشريفة أيضاً: {وَلَقَدْ آَتَيْنَا مُوسَى وَهَارُونَ الْفُرْقَانَ وَضِيَاءً وَذِكْرًا لِلْمُتَّقِينَ}[27]؛ ما أعطيناه لموسى (ع) وهارون (ع) كان هداية وذكراً للمتقين. من هم المتقون؟ القرآن يُبيّن معنى التقوى: {الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ}[28]. لذلك، تكون التقوى والخشية معاً أو في الأساس هما ليسا منفصلين بل يخضعان للمفهوم نفسه.
الفرق بين الخوف والخشية
بالطبع، الخشية تختلف عن الخوف. الخشية هي تلك الحالة التي تنتاب الإنسان وتنتج من فهم العظمة للطرف المقابل؛ هذه تسمى الخشية. الخشية من رب العالم تنتج من فهم العظمة لحضرة الحق - جلّ وعلا - {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ}[29]. أولئك الذين معرفتهم وعلمهم أكثر فإنّ خشية الله لهم.
طبعاً لا تخطئوا في الفهم لمعاني الخوف والخشية وهذه الأشياء بأن تعني أن ذات الله المقدسة مُخيفة. كلّا؛ {إِنَّمَا تُنْذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَخَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ}؛ الخشية موجودة ولكن الرحمة محفوظة. ذلك الرحمن الذي هو مظهر اللطف والعناية بالإنسان، فالخشية منه لعظمته.
في الخلاصة: شهر رمضان هو شهر القرآن، ويمكن للمرء أن يستفيد حقاً من الهداية القرآنية في هذا الشهر. فلنقرأ القرآن، فلنقرأ كثيراً، فلنقرأ بدقة، فلنقرأ بتدبّر، فلنقرأ بالتوجّه إلى الله المتعالي، ولنطلب من الله المتعالي أن يساعدنا في تلاوة القرآن، فإنّ القلب ينجلي بالقرآن، وهذا تعبير أمير المؤمنين (ع): «وَإِنَّ اللَّهَ -سُبْحَانَهُ- لَمْ يَعِظْ أَحَداً بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ»[30]. هذه الخطبة 176 من «نهج البلاغة»، الجميلة جداً، التي ألقاها أمير المؤمنين (ع) حول القرآن، وقد قرأت بعض فقراتها أحياناً في أحاديثي.
هنا يقول: «وَإِنَّ اللَّهَ -سُبْحَانَهُ- لَمْ يَعِظْ أَحَداً بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ». لم يعظ الله - تعالى - البشر ولم يعطِهم دروساً ولم يرشدهم في أيٍّ من الكتب السماوية كما في القرآن. «فَإِنَّهُ حَبْلُ اللَّهِ الْمَتِينُ وَ سَبَبُهُ الْأَمِينُ وَفِيهِ رَبِيعُ الْقَلْبِ». ربيع القلب؛ يجعل القلب ربيعاً، وينعشه ويحييه ويجعله أرضاً لإنماء المعارف والتوجهات الحقيقية؛ «وَفِيهِ رَبِيعُ الْقَلْبِ وَيَنَابِيعُ الْعِلْمِ وَمَا لِلْقَلْبِ جِلَاءٌ غَيْرُهُ». كلمة «جلاء» من قول أمير المؤمنين (ع).
الالتفات إلى التلاوة بخشوع، وملاحظة القرّاء للمعنى بصفتهم مبلّغي «القرآن»
حسناً، أنتم قرّاء القرآن الأعزاء، المخاطبين الأُوَل لحديثي، عدّوا أنفسكم مبلّغي القرآن، مبلّغاً للقرآن، وليس قارئاً فقط. بين القرّاء القدامى أنفسهم الذين ذُكرت أسماؤهم هنا ووُضعت بعض شرائطهم، كان بعضهم هكذا حين يقرؤون القرآن كأنه يُنزّل على الإنسان. أي يفهمون ما يقولونه وما يقرؤونه، ويقرؤون القرآن بالالتفات إلى المعنى وبحضور القلب - بالطبع، بعضهم ليسوا هكذا - فيكون أثره في قلب المستمع أعظم بكثير. على القارئ أن يعدّ نفسه مبلّغاً للقرآن.
عليكم أن تعلموا أنكم مبلّغو القرآن، وأن القرّاء يؤدّون دوراً حقّاً، فجلسات التلاوة هذه تلعب دوراً مهماً للغاية، وتربية القرّاء الجارية عمل عظيم ومهم، والحمد لله، صار هذا رائجاً في بلدنا: التلاوة بتذكّر وبخشوع وباهتمام عميق بالمعنى. اهتموا بالمعنى، فمثلاً، إذا كنتم ترغبون في تلاوة جزء من القرآن في محفل ما، أعدّوا ذلك في ذهنكم مسبقاً. إذا لزمَ الرجوع إلى التفسير، أو إلى الترجمة، [فارجعوا]. لحسن الحظ أن كثيراً من قرّائنا يفهمون القرآن ويُدركون معانيه ولا يحتاجون إلى الترجمة، ولكن إن كانت هناك حاجة إليها، وحاجة إلى التفسير، فليرجعوا إليها، وليكن ذلك باهتمام كامل، وبتذكّر كامل.
استخدام اللّحن والصّوت الحسن مع مراعاة الحدود الصّحيحة
لا تولّوا انتباهاً كثيراً إلى بعض الأعمال الصوتية لبعض الأشخاص، سواء أكان [القرّاء] يفعلونها أم يفعلها بعض شبابنا، أي [التفتوا] إلى المعاني أكثر. بالطبع أنا أتفق تماماً مع الصوت الحسن واللحن الجيد، أن تختاروا الألحان الجيدة وتتعلموها وتعبّروا عنها هذا أمر جيّد، ولكن احرصوا على البقاء في الحدّ الصحيح والطريق المستقيم. هذه أحاديثي حول موضوع القرآن.
اتّخاذ قرارات حاسمة، ومراعاة التّحذيرات لخبراء الصّحة بشأن مكافحة «كورونا»
القضية الأخرى التي أرى أنه من الضروري أن أتطرق إليها، قضية متأثرون بها جميعاً، هي هذا المرض المنتشر، هذا الفيروس المنتشر والمنحوس حقاً في بلدنا وأنحاء العالم جميعاً، الذي أثّر في الظروف المعيشية في البلاد.
أجمل أيام السنة هي في الحقيقة أولُ الربيع. وللأسف هذا العام جعل [المرض] أجمل الأيام وأحلاها مُرّة على شعبنا؛ ارتفع عدد الضحايا، وازداد عدد المصابين. هذه أشياء لا يمكن للمرء أن يمر عليها بسهولة. هذه الإحصاءات المريرة والصادمة يجب أن تُوعّينا جميعاً، سواء الناس أو المسؤولين، وأن توقظنا، وأن ننتبه إلى ألّا نمزح مع المرض. على المسؤولين أن يفعلوا ما يتعيّن عليهم فعله بحزم، أي إلى الحدود اللازمة التي يحددها المتخصصون والخبراء في القضية - الأطباء والمسؤولين الصحيّين وأمثالهم - وينبغي العمل وفقاً لما يقولون.
أي، إن افترضتم مرارة أيّ عارضٍ آخر، فهي أقل مرارة من انتشار هذا المرض، لأن تفشّيه مرضٌ وبطالة أيضاً، وهو مشكلة معيشية وموت ولوعة على الأعزاء. هذا يعني أن برامج البلاد جميعاً تتأثر بصورة أساسية بهذا المرض، وهو الشيء نفسه الآن. علينا أن نفعل شيئاً لوقف هذا المرض والتغلّب عليه، وذلك غير ممكن إلّا بوضع السياسات والتخطيط والتنفيذ والتزام الضوابط الصحية منّا، أي الأفراد.
تكريم الطّاقم الطّبي والثّناء عليه
نقطة أخرى عليّ أن أشير إليها هنا هي الثناء والشكر للمجموعات العلاجية والصحية. حقّاً لا بدّ للإنسان من الثناء عليهم والتوجه إليهم بالشكر. هذه الكمامة التي يضعها الإنسان وحدها تسبب له مشكلات كثيرة. في هذا الطقس الحار، ومع تلك الملابس المربكة، إذا كان يرتدي هذا اللباس هذا الشاب، هذا الممرض، هذا الطبيب، هذا المسعف، باقي الفريق الطبي... ويريدون العمل لساعات متتالية في المستشفى أو خارجه، انظروا مدى صعوبة ذلك. في الحقيقة، إنّ هذا مجاهدة في سبيل الله، جهاد في سبيل الله، وعليه كثير من الأجر والثواب، في رأيي.
دخول القوى الجهاديّة وتعاونها لمساعدة الفرق الطّبيّة
على الناس أن يتعاونوا أيضاً. أولئك الذين كانوا أهل المساعدة في هذا العمل أوائل العام الماضي، في بداية المرض، جاء بعضهم ودخلوا إلى المستشفيات لمساعدة الممرضين والممرضات وأمثالهم، وكذلك خارج المستشفى. ولا يزال من هم مستعدون ليتطوّعوا ويساعدوا في هذا العمل.
استمرار المساعدات الإيمانيّة وتوسيعها ووصولها إلى الذّروة في «نهضة المواساة»
النقطة التالية في هذا الصدد هي مسألة المساعدات الشعبية. حسناً شهر رمضان هو شهر الإحسان. لقد كان دائماً هكذا. في الحالة الطبيعية، كانت سفرة الإحسان والمحسنين والمؤمنين واسعة للمحتاجين في شهر رمضان. عندما نكون في ظروف «كورونا»، تصير هذه القضية أكثر أهمية. من الضروري حقّاً أن يتضاعف الاهتمام بـ«نهضة المواساة» والمساعدات الإيمانيّة أضعافاً في شهر رمضان هذا، وأن يبلغ ذروته بين الناس. بالطبع أنا أعلم أن بعض الناس قد بدؤوا ذلك دون انتظارٍ لطلب هذا العبد الفقير، ويساعدون في أطراف البلاد وأكناف مدن مختلفة فيها. إما أنهم يستعدون، وإما قد بدؤوا المساعدة. نعلم هذا، ولكن أريد أن أقول إنّه يجب أن تستمروا في هذا العمل وتنشروه، وليساعد الجميع في هذا الصدد، إن شاء الله، حتى تصل نهضة المساعدات الإيمانيّة إلى ذروتها. هذا في ما يتعلق بكورونا وهذا المرض، فهذه هي توصياتنا.
سياسة البلاد واضحة في الاتّفاق النّوويّ، وتجنّب المفاوضين الدّخول في مفاوضات استنزافيّة
أتحدث بجملة حول القضايا الجارية اليوم، القضايا المتعلقة بالاتفاق النووي والحظر وأمثالها، فهناك أحاديث كثيرة. لقد أعلنّا سياسة البلاد، وقلناها للمسؤولين. قلناها من قرب وبشكل مكتوب أيضاً، وكذلك في الاجتماعات والخطابات العامة: سياسة البلاد معلومة في ما عليهم فعله. حسناً تشخيص المسؤولين لدينا هو الذهاب والتفاوض من أجل تنفيذ السياسة نفسها وليس لدينا أيّ نقاش في هذا الصدد، ولكن يجب الحرص على ألّا تصير المفاوضات استنزافية. لا ينبغي أن يكون الأمر على نحو تطيل فيه الأطرافُ المفاوضاتِ هكذا، لأن في ذلك ضرراً على البلاد.
الأمريكيّون يتفاوضون لفرض مطالبهم الباطلة
لاحظوا أيضاً أن الأمريكيين يكرّرون دائماً كلمة المفاوضات، و«نحن مستعدون لمفاوضات مباشرة مع إيران»، ومثل هذا؛ ليس الأمر أن أمريكا تريد التفاوض لقبول كلامٍ حقّ. إنها تريد التفاوض لفرض مطالبها الباطلة. هذا عملها في الأساس، وإلّا ليس [الأمر] أن تسمع كلمة حقّ وتوافق عليها وتقبلها. كما أن هؤلاء السادة الأوروبيين أنفسهم، في بعض الاجتماعات الخاصة التي أطلَعَنا عليها مسؤولونا وعناصرنا، يعترفون بأن إيران على حقّ.
نحن قلنا إن الحظر يجب أن يُرفع أوّلاً، لأننا لسنا مطمئنين إلى وعودهم، فقد وعدوا عشرات المرّات ولم يفوا، بل عملوا عكس الوعد، والآن سيفعلون الأمر نفسه أيضاً، ولذلك عليهم أن يفعلوا ما نقول في البداية حتى نطمئن، وحينئذ، سنفعل ما يتعيّن علينا فعله. يقرّ هؤلاء المفاوضون الأوروبيون أحياناً في اجتماعات خاصة أن هذه السياسة صحيحة، وأن الحق مع إيران، لكنهم في مقام القرار مستسلمون للأمريكيين وليس لديهم أي استقلال بأنفسهم، وأمريكا متجبرة وتفرض أمرها وهذا هدفها. لذلك، إنّ غالبية المقترحات التي يقدمونها هي غالباً متكبّرة ومُهينة ولا يمكن حتى النظر فيها. نأمل، إن شاء الله، أن يمضي مسؤولو الدولة قُدُماً في هذا الصدد بعيون مفتوحة وبقلب قوي وبالتوكل على الله، وبذكر «حَسبُنَا اللهُ وَنِعمَ الوَكيل». ونسأل الله أن يشملهم التوفيق الإلهي، وأن يُسعدوا الشعب ويُفرحوه.
نسأل الله – تعالى - أن يُبارك هذا الشهر الشريف على شعبنا وسائر الشعوب الإسلاميّة، وأن يُنزل بركاته، وينزل مطر رحمته على أراضينا الجافة والعطشى، وأن يُنعم ببركاته الروحية والمادية على سائر الناس والمجاهدين على طريق الحق. نسأل الله أن يحشر الروح الطاهرة لإمامنا [الخميني] العظيم مع أوليائه، وأن يحشر أرواح الشهداء الطاهرة مع الشهداء في صدر الإسلام، إن شاء الله، وأن يوصل سلامنا ومَودّتنا وإخلاصنا إلى تراب المقدم لمولى العالمين، بقية الله - أرواحنا له الفداء -، وأن يشمل حالنا برضا ذلك العظيم ودعائه.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
[1] في بداية البرنامج، تلا مجموعة من القرّاء آيات من القرآن، وبين التلاوات عُرضت مقتطفات من لقاءات القرّاء الماضية مع سماحته في شهر رمضان.
[2] خطاب النوروز الموجّه إلى الشعب الايراني في 21/3/2021.
[3] سورة البقرة، الآية 185.
[4] سورة البقرة، الآية 185.
[5] سورة الفاتحة، الآية 6.
[6] سورة البقرة، الآيتان 1-2.
[7] سورة يوسف، الآية 104.
[8] العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، ج91، ص99.
[9] سورة فصلت، الآية 34.
[10] سورة الفرقان، الآية 74.
[11] سورة النور، الآية 32.
[12] سورة الفتح، الآية 26.
[13] سورة هود، الآية 61.
[14] سورة لقمان، الآية 18.
[15] سورة لقمان، الآية 19.
[16] سورة آل عمران، الآية 173.
[17] سورة آل عمران، الآية 174.
[18] بحث وتحقيق، وسؤال وجواب.
[19] العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، ج89، ص94.
[20] سورة البقرة، الآية 2.
[21] سورة البقرة، الآية 97.
[22] سورة الأعراف، الآيتان 52 و203، وسورة يوسف، الآية 111، وسورة النحل، الآية 64.
[23] سورة النحل، الآية 102.
[24] سورة البقرة، الآية 185، وسورة آل عمران، الآية 4.
[25] سورة يس، الآية 11.
[26] سورة طه، الآيات 1-3.
[27] سورة الأنبياء، الآية 48.
[28] سورة الأنبياء، الآية 49.
[29] سورة فاطر، الآية 28.
[30] نهج البلاغة (تحقيق صبحي الصالح)، ص254.
قتلى وجرحى.. القسام تدك تل أبيب وبئر السبع ومستوطنات الاحتلال
وجهت كتائب الشهيد عز الدين القسام ضربة صاروخية كبيرة وجديدة إلى مدينة تل أبيب ومطار بنغريون، وبئر السبع ومستوطنات إسرائيلية، ردا على استئناف الاحتلال قصف الأبراج المدنية.
وقالت الكتائب في تغريدة جديدة، إن الاحتلال اعترف بوقوع قتلى وجرحى واضرار كبيرة في القصف على تل أبيب وبئر السبع بالصواريخ من العيار الثقيل.
وأفاد مراسلنا بأن أهالي القطاع سمعوا اصوات رشقات صاروخية كبيرة تجاه تل أبيب، ومستوطنات الاحتلال، وسط صيحات التكبير والتهليل.
كما افادت مواقع للمستوطنين بأن 350 صاروخا استهدفت مدن الاحتلال المختلفة وصولا إلى الخضيرة شمالا.
وكما أفادت بأن أصوات انفجارات تنجم عن تلك الصواريخ.
وكشفت كتائب الشهيد عز الدين القسام أن الضربة الصاروخية التي وجهتها فجر اليوم الاربعاء لتل أبيب ومطار "بن غوريون" استخدمت فيها لأول مرة صواريخ SH85 تيمناً بالقائد الشهيد محمد أبو شمالة، إضافة إلى صواريخ من طراز A120، M75، J80، J90 فيما استهدفت بئر السبع المحتلة بصواريخ من عائلة سجيل، واعترف العدو بوقوع قتلى وجرحى وأضرار كبيرة في القصف القسامي.
وقد جهت الكتائب ضربةً صاروخيةً كبيرة إلى منطقة تل أبيب ومطار "بن غوريون" ب110 صواريخ رداً على استئناف استهداف الأبراج السكنية، قائلة للعدو :"وإن عدتم عدنا".
وقبل وقت قصير وفي تمام الساعة 02:46 وجهت الكتاب ضربةً صاروخيةً كبيرة ب100 صاروخ لبئر السبع المحتلة رداً على استئناف العدو لقصف الأبراج المدنية والقادم أعظم.
كما كشفت القسام مساء أمس الثلاثاء أن ضربة صاروخية ضخمة وجهتها لتل أبيب وضواحيها نُفذت بصواريخ العطار الثقيلة، استهدفت إحدى الرشقات الرشقات مطار "بن غوريون" بشكل مباشر".
وقد أعلنت أن الضربة الصاروخية الكبيرة تمت في تمام الساعة 08:45 لتل أبيب وضواحيها ب130 صاروخاً ثقيلاً، وقد نفذت الكتائب وعدها بعد توجيه ضربةً صاروخيةً هي الأكبر لتل أبيب وضواحيها ب130 صاروخاً رداً على استهداف العدو للأبراج المدنية.
واعترف العدو الصهيوني بمقتل 2 من الصهاينة إصابة نحو 26 آخرين بدراح، بالإضافة لوقوع أضرار كبيرة جراء سقوط عشرات الصواريخ التي أطلقها القسام على تل أبيب، فيما تناقلت وسائل الإعلام صور الدمار والحرائق.
وكانت قوات الاحتلال أقدمت على تدمير برج الجوهرة الذي يضم عددا من مقرات وكالات الأنباء المحلية والدولية، بعد ساعات من قصف برج آخر غرب مدينة غزة.
قائد الثورة : إن الصهاينة لا يفهمون سوى لغة القوة
شدد قائد الثورة الاسلامية اية الله السيد علي الخامنئي على ضرورة تشكيل حكومة ثورية تتطلع للعادالة و مناهضة للفساد وتؤمن بالتغيير والشباب. وقال انه لو وصلت مثل هذه الحكومة إلى السلطة ، فسيتم حل المشاكل في وقت معقول وسيتم توفير الأرضية لتحقيق المثل العليا.
واشار قائد الثورة الإسلامية مساء اليوم الثلاثاء في لقاء بالفيديو مع ممثلين التنظيمات إن الصهاينة لا يفهمون سوى لغة القوة الجامعية إلى الاستراتيجية الأساسية للتحول والتغيير ، مؤكدا ضرورة خلق نقلة وحركة جهادية ذات ابتكار في الأساليب والوظائف في جميع مجالات الحكم وأجزاء من نمط الحياة العامة ، واكد على اهمية المشاركة الكبيرة بالدرجة الاولى في انتخابات 18 يونيو حزيران وتبيين الآثار المهمة لهذه المشاركة ، وقال انه في الدرجة الثانية ينبغي ومن خلال انتخاب جيد ومناسب اختيار شخص مخلص و ثوري وكفؤ وشعبي ومدفوع بالامل ويؤمن بالشباب والقدرات الداخلية ، ويتطلع حقا لاقرار العدالة ومحاربة الفساد.
وأعرب المرشد الأعلى للثورة عن أسفه الشديد وإدانته الشديدة للحادثين المريرين والدمويين الأخيرين في العالم الإسلامي ، وتحديدا في أفغانستان وفلسطين ، وقال: لعنة الله على المجرمين الذين اراقوا دماء البراعم المظلومة والبريئة في افغانستان وقتلوا هؤلاء الفتيات واشاعوا الجريمة إلى هذا الحد.
كما أشار سماحته إلى الجرائم الوحشية والقاسية التي ارتكبها الصهاينة في المسجد الأقصى والقدس الشريف ومناطق أخرى من فلسطين ، قائلاً: "هذه الجرائم ترتكب أمام أعين العالم وعلى الجميع القيام بواجبهم بإدانتها. "
واشاد قائد الثورة بصحوة الشعب الفلسطيني وصموده وعزمه الراسخ وقال : "إن الصهاينة لا يفهمون سوى لغة القوة ، لذلك يجب على الفلسطينيين زيادة قوتهم ومقاومتهم لإجبار المجرمين على الاستسلام ووقف أعمالهم الهمجية."
وأضاف آية الله الخامنئي ، في معرض تبيين بحثه الاساسي والمتمثل بقضية التحول والتغيير : إن المقصود والهدف من التحول هو الحفاظ على المبادئ والخطوط الأساسية للثورة وتعزيزها ، بالطبع ، من خلال الابتكار على صعيد الاليات والأساليب.
وفي إشارة إلى استخدام مفهوم التغيير في أدبيات الدول الغربية المعارضة لإيران وكلمات أولئك الذين يميلون بشكل أساسي إلى الغرب في الداخل ، أضاف: "على عكس هدفنا ومنطقنا ، فإن هدفهم هو تغيير المبادئ وأسس الثورة ، والعودة إلى الوراء والقهقرى ، لذلك يجب على المرء أن يتوخى الدقة في مفهوم كلمة التحول.
وأوضح قائد الثورة الاسلامية سبب حاجة البلاد إلى التحول والتغيير قائلاً: "بصرف النظر عن العديد من الإنجازات والنجاحات التي تحققت في العقود الأخيرة ، فإننا نعاني في بعض المجالات من تخلف مزمن ومشاكل مزمة لا يمكن معالجتها بالحركات الطبيعية ونحتاج إلى تغيير وحركة غير عادية وان هذه الحاجة من الضروريات في المرحلة من الثورة لتحقيق الخطوة الثانية .
وألقى باللوم في التخلف على بعض الإهمال والتحيز والابتعاد التدريجي عن خط الثورة في العقود الأخيرة ، قائلاً إنه لهذا السبب بقيت الكثير من الطاقات والفرص معطلة ومنسية الامر الذي اضر بالمصالح الوطنية .
وفي إشارة إلى بعض الأمثلة ، أضاف: البيروقراطية ، والمقررات غير المجدية ، والضارة في بعض الأحيان ، هي من بين مشاكل قطاعات الإدارة في البلاد ، بينما في الحياة العامة ، هناك قضايا مثل البذخ والرفاهية والمنافسة الأرستقراطية ، وارتفاع سن الزواج وشيخوخة السكان تعد من جملة المشاكل الجاده.
واعتبرقائد الثورة أن وضوح منطق التحول يحول دون الوقوع في الفوضى الذهنية والعملية في هذا الاتجاه ، وقال: "يجب أن يقودنا التحول إلى ان نكون احسن حالا ، أي تعزيز الخطوط الأساسية للثورة وتمهيد الطريق للمثل الأساسية مثل العدالة. "والاستقلال والحرية وأسلمة المجتمع.
وأشار آية الله الخامنئي في هذا الصدد إلى ان تحقيق هذه المُثُل الكبرى ، يستلزم بعض المُثُل الدقيقة مثل التقدم العلمي ، والاكتفاء الذاتي الاقتصادي ، والسلطة في السياسة الخارجية ، وإبعاد البلاد عن شبكة احتكار القوى المستكبرة.
ذكر آية الله الخامنئي ان سياسات مثل أسلمة الجامعات أو سياسة تحويل الإذاعة والتلفزيون إلى جامعة عامة هي من ضمن السياسات المقبلة.
واعتبر سماحته حركة الجيل الأول للثورة نحو تحقيق الأهداف الرئيسية للجمهورية الإسلامية ، والتي تمت بتوجيه من الإمام الخميني (ره) وصاحبتها صعوبات وأحداث دموية ، بانها أساس التجربة ، وقال: ان واحدة من القضايا التي لم يمكن الاهتمام بها كافيا في تلك الفترة ، هي تعقيدات وصعوبات التحرك نحو المثل العليا.
ووصف قائد الثورة الإسلامية قضية أسلمة الجامعات بأنها مثال على هذه القضايا وأضاف: "تأسست الجامعات في بلادنا في ظل هيمنة السياسات الغربية من قبل العناصر الماخوذة بالغرب بهدف تثقيف النخب المطيعة والمستهلكة للمنتجات والمعرفة الغربية التي عفا عليها الزمن، وإن تحويل مجتمع بهذه الإحداثيات إلى جامعة إسلامية له تعقيدات لا يمكن تحقيقها إلا من خلال التحول.
ووصف قائد الثورة الاسلامية السيادة الشعبية وانتخاب المسؤولين بيد المواطنين بالامر المهم جدا واضاف: ان المشاركة الحماسية للشعب في الانتخابات له تاثير ايجابي كبير في تعزيز قدرات الحكومة المنتخبة ومن شان ذلك رفع مستوى سمعة وامن وقدرات البلاد الرادعة.
واكد على المشاركة الواسعة في الانتخابات و"الانتخاب المناسب والجيد" واضاف: انه ينبغي تشكيل حكومة ذات كفاءة وقدرة ادارة وزاخرة بالامل ومؤمنة بالقدرات الداخلية.
وصرح بان الشخص الذي يعتقد بعدم امكانية انجاز عمل ما في الداخل من النواحي الدفاعية والسياسية والاقتصادية والانتاجية لا يليق بتولي السلطة.
وحول المرشحين للانتخابات قال: انني لا اتدخل مطلقا بشان انتخاب الافراد. في الدورات السابقة كان بعض الافراد الذين يعتزمون الترشيح يسالونني عن رايي فكنت اقول لهم "لست موافقا ولا معارضا" اي انه لا راي لي في ذلك، لكنني الان لا اقول حتى هذه العبارة في هذه الدورة الانتخابية.
واضاف: ان الافراد الذين يرون في انفسهم الجدارة والشروط القانونية اللازمة فليترشحوا ويقوم الشعب من ثم بالانتخاب عند رؤية برامجهم الانتخابية.
واعتبر سماحته التنظيمات الطلابية الجامعية فرصة كبيرة للبلاد واكد دورها كمركز لانتاج الفكر ومحرك لانشطة التحول في مختلف القضايا الاجتماعية والعلمية وقال: ان "حضور الشباب المجاهد في ميدان مكافحة كرونا الخطير"، "الحضور الفاعل بشان القضايا الدولية مثل قضية الصحيفة الفرنسية المسيئة (للنبي "ص")، "الانفجار في جامعة كابول"، "قضايا فلسطين واليمن"، ابداء الراي واتخاذ الموقف في قضية FATF"، "تعزيز قرار البرلمان الاستراتيجي في القضية النووية"، "ابداء رد الفعل تجاه مشاكل الخصخصة والتي حقق بعضها النتيجة اللازمة" تعد من امثلة خطوات التنظيمات الطلابية الجامعية، وان مثل هذه المواقف تعزز هوية هذه التنظيمات.
واعتبر آية الله الخامنئي، الانتخابات مجالا اخر لاداء الدور من قبل التنظيمات الطلابية الجامعية وتشجيع الجميع على المشاركة الحماسية والانتخاب المناسب وقال: ان بعض التصريحات ربما تكون من باب الحرص ولكن لا ينبغي ان تؤدي الى اثباط عزم المواطنين عن المشاركة في الانتخاب
المرجع السيستاني:نؤكد مساندتنا القاطعة للشعب الفلسطيني
اكد مكتب المرجع الديني الاعلى في العراق آية الله السيد علي السيستاني مساندة المرجعية الدينية القاطعة للشعب الفلسطيني الأبيّ في مقاومته الباسلة للمحتلين، الذين يسعون الى قضم المزيد من اراضيه وتهجيره من اجزاء أخرى من القدس الشريف.
ودعا البيان،"الشعوب الحرة في العالم الى دعم الشعب الفلسطيني ونصرته في استرجاع حقوقه المسلوبة".
وفي ما يلي نص البيان:
بسم الله الرحمن الرحيم
تؤكد المرجعية الدينية - مرة أخرى - مساندتها القاطعة للشعب الفلسطيني الأبيّ في مقاومته الباسلة للمحتلين، الذين يسعون الى قضم المزيد من اراضيه وتهجيره من اجزاء أخرى من القدس الشريف، وتدعو الشعوب الحرة الى دعمه ونصرته في استرجاع حقوقه المسلوبة.
ان المواجهات العنيفة التي تشهدها ساحات المسجد الأقصى وسائر الاراضي المحتلة هذه الايام تظهر بلا شك مدى صلابة الفلسطينيين في مواجهة الاحتلال الغاشم واعتداءاته المستمرة وعدم تخلّيهم عن أراضيهم المغتصبة مهما غلت التضحيات.
نسأل الله تعالى أن يعينهم ويمدّهم بنصر منه وما النصر الا من عند الله العزيز الحكيم.
٢٩/ شهر رمضان /١٤٤٢ هـ
مكتب السيد السيستاني (دام ظلّه) - النجف الأشرف.
يوم القدس العالمي بين نهجين ومحورين
- وليد القططي
لتأكيد التمايز بين نهجي المقاومة والمساومة، ومحوري المقاومين والمطبعين، أصبح إحياء يوم القدس العالمي أكثر إلحاحاً وأهمية من أي وقتٍ مضى.
- أصبح إحياء يوم القدس العالمي بمثابة ميلاد متجدد سنوياً.
كتاب "الخميني.. الحلّ الإسلامي والبديل" للدكتور المفكّر فتحي الشقاقي صدر في العام 1979م، واعتبر فيه الكاتب الإمام الثائر آية الله الخميني أحد رَجُلي القرن العشرين، مع الإمام الشهيد حسن البنا، وعدَّ الثورة الإسلامية في إيران أحد أهم أحداث القرن العشرين.
في العام نفسه، انتصرت الثورة الإسلامية الإيرانية، وأعلنت الجمهورية الإسلامية في إيران، وتبعهما إعلان يوم القدس العالمي في آخر جمعة من شهر رمضان المبارك من كل عام، للتضامن مع الشعب الفلسطيني المسلم ودعم قضية فلسطين والقدس.
وفي حدثٍ ثالث، كانت أفغانستان على موعدٍ مع الغزو السوفياتي، ليبدأ الشعب الأفغاني رحلة الجهاد ضد الاحتلال السوفياتي، وليبدأ تدفق "الأفغان العرب" للجهاد في أفغانستان على بساط الريح الأميركي السعودي، ليكونوا وقوداً للحرب الباردة بين القطبين الأميركي والسوفياتي. وعلى هامش تلك الأحداث الثلاثة، كان هناك مشهدان حواريان منفصلان في مطلع ثمانينيات القرن العشرين. كان كاتب هذه السطور مُعايشاً للأول ومُشاركاً في الآخر.
مشهد الحوار الأول بطله شيخ فلسطيني ذو لحية طويلة وجلباب قصير. بدأ الحوار بتوجيه الشيخ الأمر إلى مريديه بتجهيز أنفسهم للسفر إلى أفغانستان، لكسب شرف الجهاد ضد الكفار فيها، والفوز بأجر الشهادة على أرضها، فسأله أحدهم متعجّباً: كيف نترك الجهاد في فلسطين، ونسافر للجهاد في أفغانستان؟ أليست فلسطين أولى بجهادنا واستشهادنا؟! أجابه الشيخ مُبرراً: لا توجد راية للإسلام في فلسطين نجاهد تحتها. تلك الراية الإسلامية موجودة في أفغانستان، والأخيرة هي طريقنا لتحرير فلسطين ومحطتنا الأولى نحو القدس.
عندها، سأله آخر مندهشاً: كيف تكون أفغانستان طريقنا إلى فلسطين والقدس؟! أجابه الشيخ موضحاً: في أفغانستان، سنقيم قاعدة للجهاد ندرّب فيها المجاهدين ونعدّهم للقتال في فلسطين، لنعود بهم بعد النصر في أفغانستان إلى فلسطين مُجاهدين ومُحررين.
كانت هذه الجرعة من التبرير كافية لتُسافر المجموعة إلى أفغانستان للجهاد، وليتبعها المئات، فالآلاف، من العرب، في طوابير تُساق إلى الذبح على حَجَرِ الحرب الباردة، حتى إذا ما انتهى دورهم، عاد الناجون من المذبحة، ليكونوا مجاهدين تحت الطلب الأميركي في كل بقاع الأرض، من الشيشان إلى مالي، مروراً بسوريا والعراق، ما عدا فلسطين والقدس.
كان خروج هؤلاء الشبان الفلسطينيين والعرب للجهاد في أفغانستان دون فلسطين عنواناً لمشهد الحوار الثاني، وبطله مفكّر فلسطيني ذو لحيةٍ قصيرة وبدلةٍ رسمية. بدأ الحوار بعد تلقيه سؤالاً من تلاميذه عن كيفية حل الإشكالية التي أدت إلى خروج هؤلاء الشباب المسلمين للجهاد في أفغانستان بدلاً من فلسطين، ودفعت الشباب الوطني إلى القتال في فلسطين من دون تبنّي الإسلام كمرجعية نضالية ونظرية ثورية.
أجابهم المفكّر: إنَّ حل الإشكالية يكون بالجمع بين الإسلام كمنطلق، وفلسطين كهدف، والجهاد كوسيلة، فسألوه عن البندقية البعيدة عن الإسلام، والبندقية البعيدة عن فلسطين: ما شأنهما؟ فأجابهم: إنَّ البندقية التي لا يوجّه الإسلام بوصلتها تائهة، والبندقية التي لا يُصوّب رصاصها إلى فلسطين والقدس مشبوهة.
هنا، سألوه عن القدس: ما مكانتها من الصراع؟ فأجابهم: القدس قلب فلسطين، وفلسطين قلب العرب والمسلمين، فهي تختصر فلسطين والعالم، ومركز الصراع الكوني بين تمام الحق وتمام الباطل. وعند الحديث عن القدس، كان السؤال عن يوم القدس العالمي حتمياً، فأجاب المفكر موضحاً عبقرية التقاء الزمان والمكان؛ زمان شهر رمضان المبارك، ومكان القدس المباركة، في يوم القدس العالمي، ليلتقي الزمان الذي يحمل ذكريات أزمنة النصر بالمكان الذي يحمل وعد النصر... وعد الآخرة، حتى تكتمل دائرة النصر الإلهي بإساءة وجوه بني إسرائيل، وتتبير علوهم، وتدمير إفسادهم. وعندها، ستكون القدس لا "أورشليم".
وحتى تكون القدس لا "أورشليم"، عندما يكتمل مشهد النصر الإلهي، سيبقى يوم القدس العالمي فاصلاً بين نهجين؛ الأول يوجّه بوصلته نحو القدس، ويصوّب بندقيته نحو الكيان الغاصب للقدس، ويريد أن تكون كل البلاد فلسطين، وكل الأيام للقدس، ويتوق إلى رؤية كل الأمة عزيزة، ويزرع كل الأرض مقاومة، والآخر يوجّه بوصلته إلى كلّ الاتجاهات ما عدا القدس، ويصوّب بندقيته إلى كل الأماكن، ما عدا الكيان الغاصب للقدس، ويُريد أن تُحذف فلسطين من الجغرافيا، ويُحذف يوم القدس من التاريخ، ويتوق إلى رؤية كل الأمة ذليلة، ويزرع كل الأرض مساومة.
وحول النهجين المتناقضين، تمايزت الأمة في محورين، جمع الأول كل أحرار الأمة في الخندق المقاوم للاستعمار الصهيو-أميركي، في محورٍ مركزه القدس قلب فلسطين، وأطرافه حركات المقاومة ودول الممانعة الرافضة أن تكون الإرادة الأميركية قدراً جبرياً على الأمة، والرافضة أن تكون العربدة الإسرائيلية قضاءً قهرياً على الأمة.
أما الآخر، فقد جمع كل أذلاء الأمة في الخندق الخاضع للاستعمار الصهيو-أميركي، في محورٍ مركزه "أورشليم" قلب "إسرائيل"، وأطرافه عواصم أنظمة التطبيع العربية وجماعات التكفير الوحشية، وهما - المطبّعون والتكفيريون - وجهان لعملةٍ أميركية واحدة طُبعت في "أورشليم"، وفرعان لشجرةٍ خبيثة واحدة ارتوت من بركةٍ آسنة نفث فيها قرن الشيطان.
ولتأكيد التمايز بين نهجي المقاومة والمساومة، ومحوري المقاومين والمطبعين، أصبح إحياء يوم القدس العالمي أكثر إلحاحاً وأهمية من أي وقتٍ مضى، ذلك أنَّ مستضعفي الأرض، بعد تفرّد الهيمنة الصهيو-أميركية بالعالم، أصبحوا أكثر بؤساً، وأنَّ مُسلمي الأمة بعد الفتن المذهبية أصبحوا أكثر تشرذماً، وأنَّ عرب المحيط والخليج بعد سباق التطبيع مع العدو أصبحوا أكثر بُعداً عن القدس وقُرباً من "أورشليم"، وأنَّ شعب فلسطين بعد رحلة التيه الطويلة في صحراء أوسلو القاحلة ونفق الانقسام المظلم وملهاة الانتخابات الحزينة، أصبحوا أكثر بُعداً عن محطة العودة إلى فلسطين، وأبعد مسافةً عن طريق تحرير القدس.
ولكي نقترب من محطة العودة إلى فلسطين وطريق تحرير القدس، أصبح إحياء يوم القدس العالمي بمثابة ميلاد متجدد سنوياً، يمنحنا الفرصة والقوة لإعادة تصويب البوصلة نحو فلسطين والقدس، ويمنحنا الرجاء والأمل لتتوحد الأمة الإسلامية حول القدس، لتحقق شرطي الإيمان والقوة في جيل وعد الآخرة عباد الله أولي البأس الشديد، ليسوؤوا وجوه الصهاينة، وليتبروا إفسادهم، ويدخلوا المسجد الأقصى في القدس كما دخلوه أول مرة، ويمنحنا الرؤية والروح، ليتوحّد الشعب الفلسطيني حول القدس في مشروعٍ وطني عنوانه العودة إلى مرحلة التحرير الوطني، ووسيلته الصمود والمقاومة، وهدفه التحرير والعودة، بعد أن عاشوا ردحاً من الزمن أسرى لوهم الاستقلال وكابوس الانقسام وسراب الانتخابات...
وحتى يتحقق وعدُ الآخرة بالنصر وتحرير القدس، سيظل يوم القدس العالمي مصباحاً يُنير للأمة طريقها لتحرير القدس، وسيظل فكر الإمام الثائر آية الله الخميني - مبدع يوم القدس العالمي - نبراساً يضيء للأمة طريقها لاستعادة القدس.